St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

657- كيف نشأت المدرسة الإيلية كامتداد للمدرسة الطبيعية؟ ولماذا رفض "أكسانوفان"، مؤسس المدرسة الإيلية، تعدد الآلهة مؤكدًا على مبدأ الوحدانية؟ وما هيَ نظرية أمبادوقليس في دور المحبة والكراهية في تكوين العالم؟

 

ج: أولًا: المدرسة الإيلية: ويدعونها أيضًا الإيليائية نسبة إلى مدينة "إيليا" جنوب إيطاليا، فعندما غزا الفرس مقاطعة أيونية بآسيا الصغرى نحو سنة 548 ق.م هاجر أعلام الفلسفة وجهابزة العلم الأيونيون إلى مستعمرة "إيليا" Elea بإيطاليا، تلك المنطقة التي تميَّزت بالثراء والرفاهية والترف، فانتقلت الفلسفة من آسيا الصغرى إلى جنوب إيطاليا، وفيها نشطت وإزدهرت المدرسة الفيثاغورية، كما نشأت المدرسة الإيليائية التي أسَّسها "أكسانوفان"، ودافع عنها "زينون". وبينما ركزت المدرسة الأيونية على دراسة الطبيعة لا غير، كما ركزت المدرسة الفيثاغورية على "اللامادية"، فإن المدرسة الإيليائية سلكت الطريق الوسطى بين المدرستين، فقالت بوجود "المادة" وأيضًا بثبوت "اللامادة". وإن كان مؤسس هذه المدرسة "بارمنيدس" لكن سبقه "أكسانوفان" الذي أعلن أصل المذهب، ثم وضعه بارمنيدس في صورته الكاملة. ثم جاء "زينون" تلميذ بارمنيدس فدافع عن هذه المدرسة، ثم جاء ميليسوس وأدخل عليها بعض التعديلات، وكل فلاسفة المدرسة الإيلية آمنوا بوحدة الوجود أي أن الله هو كل شيء، وكل شيء هو الله. قال "بارمنيدس": "إن الوجود موجود ولا يمكن ألا يكون موجودًا. أما اللا وجود فلا يُدرك، إذ أنه مستحيل، لا يتحقق أبدًا، ولا يُعبَر عنه بالقول، فلم يبقَ غير طريق واحد هو أن نصنع الوجود وأن نقول: إنه موجود، والفكر قائم على الوجود، ولولا الوجود لما وُجِد الفكر، لأن شيئًا لا يوجد ولن يوجد ما خلا الوجود" (موقع مؤسسة هنداوي من شبكة الإنترنت). وإن كانت المدرسة الإيلية قد اعتقدت بثبات الوجود، فأنه جاء "هيراقليطس" ونادى بعدم ثبات الوجود، فكل شيء يتغير ما عدا اللوغوس الذي يمثل الثبات والسكون كما سنرى فيما بعد، والآن نكتفي بالحديث قليلًا عن "أكسانوفان" الذي رفض فكرة تعدد الآلهة، معتقدًا بالإله الواحد، وأن اللوغوس هو الله.

 

St-Takla.org Image: Xenophanes of Colophon (c. 570 – c. 478 BC) was a Greek philosopher, theologian, poet, and critic of Homer. - from: The History of Philosophy, book by Thomas Stanley, 1660. صورة في موقع الأنبا تكلا: زينوفانيس الكولوفوني: أكسانوفان (حوالي 570-478 قبل الميلاد) كان فيلسوفا يونانيا، ولاهوتيا، وشاعرا، وناقدا لهوميروس. - من كتاب تاريخ الفلسفة، توماس ستانلي، 1660 م.

St-Takla.org Image: Xenophanes of Colophon (c. 570 – c. 478 BC) was a Greek philosopher, theologian, poet, and critic of Homer. - from: The History of Philosophy, book by Thomas Stanley, 1660.

صورة في موقع الأنبا تكلا: زينوفانيس الكولوفوني: أكسانوفان (حوالي 570-478 قبل الميلاد) كان فيلسوفا يونانيا، ولاهوتيا، وشاعرا، وناقدا لهوميروس. - من كتاب تاريخ الفلسفة، توماس ستانلي، 1660 م.

ثانيًا: Xenophanes أكسانوفان (570 - 480 ق.م): وُلِدَ "أكسانوفان" في مقاطعة أيونية بالقرب من مدينة أفسس، وعندما غزا الفرس المنطقة، تجوَّل أكسانوفان في بلاد اليونان هائمًا على وجهه، تائه في جنبات الأرض كما صوَّر نفسه في إحدى قصائده الشهيرة، ثم استقر به المقام في مدينة "إيليا" جنوب إيطاليا. وارتقى أكسانوفان بفكره رافضًا تعدد الآلهة، فتجده يقول: "إن الناس هم الذين استحدثوا الآلهة وأضافوا إليها عواطفهم وصورتهم وهيئتهم، فالأحباش يقولون عن آلهتهم إنهم سود فطس الأنوف، ويقول أهل تراقية: أن آلهتهم زرق العيون حُمر الشعور، ولو استطاعت الثيران والخيل لصوَّرت الآلهة على مثالها، وقد وصفهم هوميروس وهزيود بما هو عند الناس... إلاَّ أنه لا يوجد غير إله واحد أرفع الموجودات السماوية والأرضية ليس مركبًا على هيئتنا ولا مفكرًا مثل تفكيرنا ولا متحركًا، ولكنه ثابت، كله بصر وكله فكر وكله سمع، يحرك الكل بقوة وبلا عناد"(165). كما قال "أكسانوفان" أن هذا الإله لو كان له شريك آخر ما كان يستطيع أن يفعل كل ما يريد، ووصف الإله بأنه أزلي وأبدي (راجع د. محمد غلاَّب - الفلسفة الإغريقية جـ1 ص84، 85). ويقول "عبد الرحمن بدوي": "ظهرت هذه النزعة إلى التوحيد بين الطبيعة وبين الآلهة في أجلى صورتها عند أكسينوفان الذي حمل حملة شديدة على الآلهة المتعددة المنظورة إليها نظرة إنسانية خالصة، وحالو أن يجعل الآلهة هيَ الطبيعة، فقال بنوع من وحدة الوجود"(166). ومن أشهر مؤلفات أكسانوفان كتابه الشهير "عن الطبيعة".

وكان "أكسانوفان" شاعرًا وحكيمًا وناقدًا لاذعًا وساخرًا، فإزاء اعتقاد فيثاغورث بتناسخ الأرواح قال عنه أنه: "مرَّ ذات يوم برجل يضرب كلبًا فأخذته الشفقة فصاح وهو ينتحب: امسك عن ضربه يا هذا، أنها نفس صديق لي. لقد عرفته من صوته"(167). فقد سخر من فيثاغورث الذي يعتقد أن روح صديقه الذي مات عادت في شكل كلب!!

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثالثًا: أمبادوقليس (490 - 430 ق.م): وُلِدَ "أمبادوقليس" من أسرة غنية لها نفوذها في "أغريفنتا" أعظم مدن صقلية. كان جده من أبطال سباق الأولمبياد الواحد والسبعين سنة 496ق.م حيث شارك في سباق العربات من صقلية إلى بلاد اليونان. نبغ "أمبادوقليس" في دراسة الطب والشعر والخطابة والفلسفة، واستخدم علمه لخير الناس، وكان يحب الناس ويحترمهم ويغدق عليهم من أمواله، لم يكن يحتقر العامة من الناس كما كان يفعل هيراقليطس، ولذلك أحبه الناس حبًا جمًا، حتى أنهم أرادوا أن ينصبوه ملكًا على المدينة، وتوافدت إليه الأفواج: "يسأله البعض أن يهديهم طريق الصلاح، ويطلب إليه آخرون أن يكشف لهم الغيب، ويتوسل إليه غيرهم أن يسمعهم الكلمة التي تشفي المرض"(168).

واعتقد "أمبادوقليس" أن أصل الكون ليس عنصرًا واحدًا مثل الماء أو الهواء أو النار، إنما قال أن أصل الكون أربعة عناصر هيَ: الماء، والهواء، والنار، والتراب. وخلع على هذه العناصر الأربعة صفة الألوهة، فرمز للنار بالإله "زيوس" Zeus الساطع، ورمز للأرض بالإلهة "هيرا" Hera حاملة الحياة، وللهواء بالإله "إيدونيوس" Aidonous، وللماء "نستيس" Nestis. وقال أن جميع الموجودات تتكون من هذه العناصر بنسب مختلفة عن طريق الانضمام أو الامتزاج والانفصال، وأن هذا الامتزاج أو الانفصال فأنه يحدث بفعل قوتين إلهيتين، هما: الحب والكراهية، فالحب يجمع والكراهية تفرّق، وهاتان القوتان تتخللان جميع الأشياء وتحركها، وعندما يسود الحب تندمج كل العناصر في كرة متماسكة، فقال: "تتماسك الكرة داخل ثوب الائتلاف Harmonia، كروية مستديرة مبتهجة بوحدتها الدائرية"(169). ويمر العالم بدورات من التمازج والتماسك عندما يسود الحب، فالشبيه يدرك الشبيه، ودورات أخرى بالانفصال فتنتهي الموجودات عندما تسود الكراهية. ودعى أمبادوقليس هذه العناصر الأربعة التي يتكوَّن منها العالم بالجذور Roots وقال أنها متساوية في الألوهية والقيمة والخلود، وهكذا قوتا الحب والكراهية، أي أن المبادئ الإلهية ستة منها أربعة جذرية واثنتان قوى الحب والكراهية، وأن العناصر تتجاذب وتجتمع وتتماسك بفعل المحبة، وتتنافر وتنفصل بفعل الكراهية، والعالم يمر بدورات بصفة مستمرة، وكل دورة تشمل أربعة أقسام، وهيَ:

القسم الأول: تسود فيه المحبة بصفة مُطلّقة.

القسم الثاني: مرحلة انتقالية من المحبة للكراهية.

القسم الثالث: تسود الكراهية بصفة مُطلقة.

 

وأخذ "أمبادوقليس" من فيثاغورث "تناسخ الأرواح"، حتى قال عن نفسه أنه تناسخ عدة مرات تارة في صورة غلام، وتارة في صورة فتاة، وتارة شجرة وتارة سمكة، وأخيرًا صار خالدًا مُبجلًا بعد أن تحرر من الموت إلى الأبد، وادعى "أمبادوقليس" الألوهية، فقال عن نفسه: "لقد أتيتكم كإله خالد مُبجَل من الجميع كما تقتضي طبيعتي، جئتكم متوجًا بأكاليل الغار... وقد اصطف لتحيتي الرجال والنساء، وكلما مررت بإحدى المدن تبعني آلاف من الناس يسألونني عن طريق الخلاص، والبعض يطالبني بإتيان المعجزات والآخرون من يقاسون شتى الأمراض يسألونني الشفاء"(170).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(165) يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية، ص44.

(166) ربيع الفكر اليوناني، ص87.

(167) يوسف كرم - تاريخ الفلسفة اليونانية، ص43.

(168) المرجع السابق، ص51.

(169) دكتورة أميرة حلمي مطر - الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، ص102.

(170) المرجع السابق، ص100.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/657.html

تقصير الرابط:
tak.la/v2s663t