ج: أولًا: علاقة المسيحية بالفلسفة، وهل هناك فلسفة في المسيحية؟ هناك أربعة آراء في هذا الموضوع، نعرض لها باختصار:
الرأي الأول: لا توجد علاقة بين المسيحية والفلسفة:
وذلك لأن المسيحية دين يقوم على أمور أسمى من العقل، وفوق مستوى العقل، بينما الفلسفة تُبنى على أمور عقلانية. الدين يقوم على الوحي والنقل، بينما تقوم الفلسفة على العقل والفكر. من الممكن أن تجد بين المسيحيين فلاسفة، ولكن ليس كل الفلاسفة مسيحيون. ويقول "فويرباخ" هل توجد كيمياء مسيحية، أو فلك مسيحي، أو علم مسيحي (راجع د. عبد الرحمن بدوي - فلسفة العصور الوسطى ص322). ويقول "دكتور عبد الرحمن بدوي" نقلًا عن برنار والكاردينال بطرس دمياني Cardinal Peter Damian في القرن الحادي عشر الميلادي: "إن الدين المسيحي ليس في حاجة مطلقًا إلى الفلسفة، لأن موضوع "فكرة الخلاص" التي لا صلة لها بالفلسفة، بل لعل الأرجح أن يكون إشتباك الفلسفة بالدين في هذه المسألة مما يضر بالدين وبالغاية التي ينشدها الإنسان من وراء الدين، وهذه الغاية هيَ الخلاص. كما يقول بطرس دمياني... أنه لا حاجة للدين إلى الفلسفة أو على هذا الأساس، لا يمكن أن توجد فلسفة مسيحية" (فلسفة العصور الوسطى ط 1979م ص1) (124).
الرأي الثاني: هناك فلسفة في المسيحية: يقول "د. عبد الرحمن بدوي": "إن الفلسفة المسيحية هيَ العقل في محاولته فهم تعاليم المسيحية. فالعقائد الأصلية قد أتت بها المسيحية، وطالبت باعتقادها، وعلى العقل من بعد أن يعرف هذه الحقائق الإيمانية، أي أن على العقل أن يحوّل هذه إلى حقائق يقينية معقولة، وهذا ما يُعبَّر عنه بالقول: أؤمن من أجل أن أتعقل. فالإيمان أولًا، ثم يأتي التعقل بعد ذلك، فيحوّل الشيء من حقيقة إيمانية إلى حقيقة برهانية. وهذه هيَ المهمة الحقيقية للفلسفة" (فلسفة العصور الوسطى ص3)(125)... حقًا قال "القديس أغسطينوس": "إنني أؤمن لكي أتعقل".
الرأي الثالث: إن كل من الفلسفة والدين من الله: فلا تعارض بين الدين وما هو حق في الفلسفة (وهذا رأي القديس أكليمنضس السكندري) فقد أشرق الله بقبس من نوره على هؤلاء الفلاسفة الأفاضل، فأخذوا من الحق ما يتناسب مع طاقتهم، واللَّه الذي اختار شعبًا له لم يهمل الأمم، فقد تعامل مع مليك صادق، وهاجر، وأيوب، ورعوئيل وفرعون مصر، وراحاب، وراعوث ومدينة نينوى، ونبوخذ نصر ملك بابل، وكورش ملك فارس... إلخ. (راجع مدارس النقد - عهد قديم - مقدمة (2) س108، س109، س110). يقول "د. ياسين حسين العريسي": "ويرى فلاسفة المسيحية أن اليونانيين قد أخذوا فلسفتهم من القانون الطبيعي الذي هو إلهي، فإن هناك أخلاقًا طبيعية تتفق والمسيحية، وإن كان الوحي المسيحي لم يأتِ بعد، مع الاعتراف لليونانيين، بشيء من العقل الطبيعي الذي لا يسعه إلاَّ أن يدرك حقيقة الإله وقدرته، وذلك القانون الطبيعي المرتبط بالأخلاق الطبيعية ذات الصلة المسيحية. ويرى ذلك - أيضًا - فيلون الذي يؤمن أن الفلسفة اليونانية إنما أخذت الحقيقة من التوراة، بيد أنهم أخذوها مشوَّهة، ففرقوا الحقيقة الواحدة إلى مذاهب متضاربة متضادة. ويرى يوستينوس أن الأفلاطونية المحدثة موجودة بأكملها في آيات الإنجيل من (إنجيل يوحنا)" (126).
الرأي الرابع: الفلسفة الحقيقية هيَ الفلسفة المسيحية: يقول القديس أغسطينوس، فمعنى الفلسفة أي محبة الحكمة، وبما أن يسوع المسيح هو أقنوم الحكمة، إذًا معنى الفلسفة محبة المسيح، محبة النور، محبة الكلمة (اللوغوس). فالفلسفة الحقيقية تجدها في المسيحية. يقول "د. ياسين حسين العريسي": "لقد تميزت الفلسفة المسيحة بأن أعلامها جميعًا رجال دين، فهيَ عندما تنسب إلى رجل ما، باعتباره فيلسوفًا، فأنها تنسب إليه باعتباره مسيحيًا. لذلك فهيَ امتزاج بين الفكر الديني والفلسفي، وهيَ بذلك تخالف الفلسفات الأخرى التي تحاول التوفيق بين الدين والفلسفة، أما في الفلسفة المسيحية، فأنك لا تلمس فرقًا بين الفيلسوف ورجل الدين، فأعلام الفلسفة المسيحية هم أنفسهم رجال دين... كأوغسطينوس... وكما يرى الدكتور بدوي عبد الرحمن بدوي، أن الفلسفة لا بد أن تكون متأثرة بالشخص الذي ينتجها. ولما كان الدين من مقومات الشخصية، فلا بد أن تتأثر إذًا بطبيعة الدين الذي يعتنقه الفيلسوف. ومن هنا: فالمفكر المسيحي لا بد أن يكون لفلسفته طابع خاص، يميزها عن غيرها"(127).
ثانيًا: موقف آباء الكنيسة الأولين من الفلسفة؟... اختلف آباء الكنيسة الأولون في موقفهم من الفلسفة، بعضهم رأى أن الفلسفة تمثل خطرًا على الإيمان المسيحي، فناصبوها العداء، بينما البعض الآخر رأى أن ما جاء فيها من حق، وإن كان قليلًا، فهو يتوافق مع الدين، فالفلسفة والدين ليس خصمان، بل هما رفيقان. من الفريق الأول "القديس إيرينيئوس" في القرن الثاني الميلادي، وقد رأى في الثقافة والفلسفة اليونانية خطرًا على الإيمان المسيحي، وأن هناك خصومة قائمة بين الغنوسية التي تسعى للمعرفة العقلانية وبين الدين القائم على الإيمان، فلا توافق بين العقل والإيمان، كما وقف "ترتليان" موقفًا عدائيًا من الفلسفة معتمدًا على قول بولس الرسول: "لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل" (كو 2: 8)، وقال "العلامة ترتليان": "أية شركة بين الفيلسوف، والمسيحي؟ بين تلميذ اليونان حليف الباطل، وتلميذ السماء عدو الباطل وحليف الحق؟ حتى حكمة سقراط لم تصل إلى شيء يُعتد به، لأنه ليس ثمة شخص يمكنه أن يعرف الله معرفة حقيقية بغير المسيح، أو يعرف المسيح من دون الروح القدس"(128). كما قال "العلامة ترتليان" أيضًا: "أية شركة بين أثينا وأورشليم، أو بين الأكاديمية والكنيسة، أو بين الهراطقة والمسيحيين؟!"(129).
ومن الفريق الثاني بعض الآباء الذين تعاطفوا مع الفلسفة، ورأوا أن الفلسفة والدين رفيقان، وأن الفلسفة حملت بذار اللوغوس، أما الإيمان المسيحي فقدم لنا اللوغوس ذاته، وإن كانت الفلسفة حملت بصيص من الحق، فإن الإيمان المسيحي حمل لنا الحق كله، فاللوغوس هو الحق والحياة، ومن هذا الفريق الفيلسوف الشهيد يوستين، وأربعة من الذين تعاقبوا على إدارة مدرسة إسكندرية اللاهوتية وهم أثيناغوراس، وبانتينوس الذي آمن على يد أثيناغوراس، وأكليمنضس السكندري تلميذ بانتينوس، وأوريجانوس تلميذ أكليمنضس. وقد رأى مثل هؤلاء الآباء أن الفلسفة حملت بصيص من الحق وإن كان قد اختلط بالأباطيل والضلالات، ولكن الكنيسة تستطيع أن تصل إلى قلوب الفلاسفة عن طريق هذا الشعاع البسيط، وقال المؤرخ "شاف" Schaff: "هدف اللاهوت الإسكندري إلى مصالحة المسيحية مع الفلسفة... مقيمًا هذه الوحدة على أساس الكتاب المقدَّس وتعاليم الكنيسة"(130). كما قال المؤرخ "شاف" أيضًا عن مدرسة إسكندرية اللاهوتية: "كانت من جهة حصنًا للكنيسة ضد الأشرار... ومن جهة أخرى كانت جسرًا للعبور من العالم إلى الكنيسة"(131) (Schaff, vol 2, P.256). والآن نعرض باختصار شديد لهؤلاء الآباء الخمسة، وبعضهم قد انهمك بالفلسفة قبلًا، ونطلع على مواقفهم وآرائهم تجاه الفلسفة:
1- الفيلسوف الشهيد يوستين (100 - 165م): يحكي الفيلسوف يوستين قصته مع الفلسفة في حواره مع تريفون الفيلسوف اليهودي، فيقول أنه تتلمذ في البداية على يد أحد الفلاسفة الرواقيين، وعندما وجد نفسه أنه لم يتعلم أي شيء جديد تركه، وذهب إلى أحد المشائيين ليتتلمذ على يديه، وبعد بضعة أيام طلب منه المُعلم أن يحدد أجرًا له، فعرف أنه ليس فيلسوفًا حقيقيًا إنما يمتهن الفلسفة فتركه أيضًا، وذهب إلى فيلسوف من أتباع فيثاغورس فسأله المُعلم إن كان لديه معرفة كافية بالموسيقى، والفلك، والهندسة، وعندما أجابه يوستين بالسلب طلب منه هذا المُعلم أن يذهب ويتعلم هذه العلوم أولًا، فتركه يوستين وذهب إلى أحد أتباع أفلاطون، ويقول "يوستين": "وتحت يديه تقدمت في سيرة الفلسفة يومًا بعد يوم شاعرًا بالإنبهار بالأشياء غير المحسوسة وكان عقلي يطير بنظرية أفلاطون للأفكار، لدرجة أنني في خلال وقت قصير تخيلت نفسي رجلًا حكيمًا، ووصلت في حماقتي إلى أنني توقعت أنني أتفرَّس في الله لأن هذا هو هدف الفلسفة عند أفلاطون" (132). وذات يوم ذهب يوستين إلى مكان قريب من البحر لينفرد بنفسه، فالتقاه رجل مُسن جدير بالاحترام، ودار بينهما حديث طويل عن الفلسفة الحقيقية التي تقود الإنسان للسماء، وكيف يتعرَّف الإنسان على الله عن طريق الروح القدس وليس العقل البشري القاصر، وما هيَ طبيعة النفس؟ وعن مصادر المعرفة الحقيقية من الأنبياء عن طريق الأسفار المقدَّسة... إلخ.، ولم يعد يرى ذلك الرجل المُسن مرة أخرى، فيقول الشهيد "يوستين" عنه: "ولم أراه بعد ذلك، ولكن روحي اشتعلت على الفور وتملكتني مشاعر من الود نحو الأنبياء وهؤلاء هم أصدقاء المسيح، وبينما أنا أتأمل في كلامه اكتشفت أن ما قاله هو الفلسفة الوحيدة المؤكدة والمفيدة. وهكذا الآن أنا فيلسوف... فلك فرصة الحصول على معرفة مسيح الله وأن تتمتع بحياة سعيدة بعد أن تصير مسيحيًا" (الحوار مع تريفون - ف 8)(133).
ورأى "الشهيد يوستين" أن "اللوغوس" كان يعمل في العالم قبل تجسده من خلال الأنبياء والفلاسفة (راجع النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ص15 مقدمة). كما رأى "يوستين" أن العقل يوحّد الناس مع الله، فقبل التجسد الإلهي امتلك الفلاسفة اليونانيون "بذار اللوغوس"، لأن اللوغوس نُثِر بين البشر سواءً كانوا يهود أم يونانيين، فحاز هؤلاء الفلاسفة جزءًا من الحقيقة وليس كل الحقيقية، فمثل هؤلاء الذين عاشوا في خلال الحق كانوا مسيحيين قبل أن تكون هناك مسيحية. وأوضح الشهيد يوستين أن الفلاسفة اليونان اقتبسوا تعاليمهم من تعاليم ونصوص العهد القديم (راجع النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ص15 مقدمة). رأى يوستين أن أفلاطون عندما قال أن الله غيَّر المادة العديمة الشكل، وخلق العالم بواسطة اللوغوس، اقتبس هذا مما جاء في (تك 1: 1) وقال: "وهكذا تعلَّم أفلاطون وأتباعه... أن الله خلق العالم كله بكلمته من المادة" (الدفاع الأول - ف 59)(134). وأُخذ على الشهيد يوستين أنه تأثر بالأفلاطونية، مع أنه أكد على أن تعاليم السيد المسيح تظل هيَ الأسمى والأرقى والأفضل والأكمل بينما أحيانًا يناقض الفلاسفة أنفسهم، فيقول "يوستين": "لا شك أن تعاليمنا أسمى من كل تعاليم البشر لأن اللوغوس الكامل هو المسيح الذي ظهر على الأرض لأجلنا، أي هو اللوغوس الذي صار جسدًا ذا نفس عاقلة، وجميع ما اكتشفه الفلاسفة والمشرعون وعبَّروا عنه تعبيرًا جيدًا كان بفضل اكتشافهم وتأملهم لجزء من اللوغوس. ولكن بما أنهم لم يعرفوا اللوغوس، الذي هو المسيح معرفة كاملة، فقد كانوا أحيانًا يناقضون أنفسهم" (الدفاع الثاني - ف 10)(135). كما يقول "الشهيد يوستين": "... ليس لأن تعاليم أفلاطون تختلف عن تعاليم المسيح، بل لأنها ليست متشابهة معها في كل شيء، وكذلك بالنسبة لتعاليم الآخرين مثل الرواقيين والشعراء والمؤرخين، فكل واحد من هؤلاء من خلال اشتراكه في بذرة اللوغوس الإلهي وما يتعلق به تكلم حسنًا جدًا. أما الذين ناقضوا أنفسهم في الأمور الهامة فهم لم يكتشفوا الحكمة السماوية والمعرفة القاطعة التي لا تقبل الجدل" (الدفاع الثاني - ف 13)(136).
ومما يُذكر أن الشهيد يوستين عندما إلتقى بالفيلسوف اليهودي "تريفون" في أفسس سنة 135م بعد حرب باركوكبا، أنه سأله: "كيف تستفيد من الفلسفة بقدر إستفادتك من مشروع الناموس عندكم ومن الأنبياء؟. فأجاب الرجل: ولِمَ لا؟ ألا يتحدث الفلاسفة دائمًا عن الله، ويطرحون أسئلة عن وحدانيته وعنايته؟ أليست هذه هيَ مهمة الفلسفة، أي البحث في الإلهيات؟. قلت له: نعم بالتأكيد هذا هو رأينا نحن أيضًا" (الحوار مع تريفون - ف 1)(137). أمضى الفيلسوف الشهيد يوستين حياة مقدَّسة، شاهدًا للحق، وختم حياته بالاستشهاد، واعتبرته الكنيسة من أوائل الآباء المدافعين عن الإيمان.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
2- أثيناغوراس: كان فيلسوفًا أفلاطونيًا من أساطين الوثنية، يرأس إحدى كراسي الأكاديمية "الموزيم" Museum بالإسكندرية، درس الأسفار المقدَّسة بغرض أن يكتشف الأخطاء ويكشف عن فساد المسيحية وتناقضها، ولكنه سُبي بتعاليم الكتاب، وإصطاده الروح القدس، فآمن بالمسيح وتعمَّد نحو سنة 176م، وتقدم في حياته الروحية، حتى أنه صار مديرًا لمدرسة إسكندرية اللاهوتية التي أسَّسها مارمرقس الرسول، فصار الرجل الثاني في الكنيسة بعد البابا، وهناك عدد ليس بقليل من مديري المدرسة اللاهوتية قد صاروا باباوات للكنيسة القبطية، وظل أثيناغوراس يعلّم في المدرسة اللاهوتية دون أن يخلع عنه زي الفلاسفة، ويُعد أثيناغوراس من الآباء المدافعين حيث كتب دفاعه القوي عن المسيحية وحق المسيحيين في الحياة للإمبراطور الروماني "مرقس أوريليوس أنطونيوس" (161 - 180م) وابنه "كومودس" فأشاد بالحرية التي يتمتع بها المجتمع باستثناء المسيحيين بسبب إشاعات كاذبة عنهم، وكان شجاعًا في دفاعه، فكتب للإمبراطور يقول: "إذ استطاع أحد حقًا أن يُثبت علينا جريمة، صغيرة كانت أو كبيرة، فإننا لا نطلب أن نُعفى من العقوبة، بل نحن على استعداد أن نحتمل أشد عقاب أو إقصائه"(138). وفنَّد "أثيناغوراس" الإتهامات الثلاثة المنسوبة للمسيحيين زورًا، وهيَ:
أ- الإلحاد: فأوضح أن المسيحيين ليسوا مُلحدين، بل يؤمنون بالإله الواحد، وقد جاء الإعلان عن وحدانية الله من خلال الأنبياء، وبعض الفلاسفة آمنوا بالإله الواحد ولم ينتقم أحد منهم.
ب- أكل لحوم البشر: قال أثيناغوراس إن كان المسيحيون يترفعون عن مشاهدة المصارعات مع الحيوانات الضارية، ولم يرتكب إنسانًا مسيحيًا قط جريمة قتل، ويعتبر المسيحيون أن الإجهاض جريمة قتل، فكيف يأكلون لحوم البشر؟!!.
جـ- المعاشرات الأودبية: فإن المسيحيين الذين يحرمون النظرات الشريرة ولا يؤمنون بالإله زيوس الذي قيل أنه تزوج من أخته، ومن أمه، ومن ابنته، ونظرتهم للزواج نظرة مقدَّسة، وبعضهم يعيش حياة البتولية، ويطلبون السلامة للجميع ويصلون من أجل حياة الإمبراطور وخير المملكة، فهم أبرياء من هذه التهمة التي نُسبت لهم زورًا، وفي دفاع أثيناغوراس عن المسيحيين المتهمين بأنهم زناة وعهرة قال: "فمن المعتاد أن الرذيلة تشن حربًا شعواء على الفضيلة، حتى أن فيثاغوراث ومعه ثلاثمائة آخرين أُعدموا حرقًا، وكذلك نفي هيراقليطس وديموقريطس... وحكم الأثينيون على سقراط بالموت"(139)... ويقول "القمص تادرس يعقوب" عن أثيناغوراس أنه كان: "يُعلن الحق مؤيدًا بدلائيل مقتبسة من أقوال الشعراء والفلاسفة مع قليل من نصوص الكتاب المقدَّس، فهو يكلمهم بلغة العصر التي يفهمونها... في دفاعه اهتم بإبراز سمو الحياة المسيحية" (140)، وكتب أثيناغوراس عن وحدانية الله مستخدمًا أدلة فلسفية، فيقول "القمص تادرس يعقوب": "يعتبر أول مُفكر مسيحي حاول أن يُبرهن على وحدانية الله بطريقة فلسفية علمية، مستشهدًا بأدلة من الفلاسفة عن وحدانية الله التي شهد عنها الأنبياء (دفاع 5 - 9)"(141). وتحدث أثيناغوراس عن وحدة الثالوث، وتمايز الأقانيم، مؤكدًا أن الابن لم ينفصل عن الآب، بل هو كائن معه منذ الأزل وبصفة مستمرة لا تنقطع، وقال عن الروح القدس: "نحن نؤكد أن الروح القدس نفسه الفاعل في الأنبياء، إنما هو فيض من الله، يصدر عنه، ويرتد إليه كشعاع من الشمس" (دفاع 1)(142). وتحدث أثيناغوراس خلال مقالة طويلة عن قيامة الأموات، وشملت هذه المقالة (25) فصلًا، رد فيها بالتفصيل على اعتراضات الفلاسفة ضد قيامة الأجساد مستخدمًا براهين فلسفية مع براهين كتابية.
ودعا أثيناغوراس في دفاعه الإمبراطور وابنه للاطلاع على أقوال الأنبياء قائلًا: "فربما يظن البعض أن معتقداتنا إنسانية المصدر، ولكن أصوات الأنبياء تؤكد حججنا، وإني لأعتقد أنكم أيضًا بحماسكم العظيم للمعرفة، وللإنجازات الكبرى في العلم، فلستم بجاهلين لكتابات موسى Moses أو إشعياء Issiah أو إرميا Jeremiah وباقي الأنبياء الذين تساموا في نشوة فوق قدرتهم الذهنية الطبيعية، متلقين من الروح الأسمى ومضات نطقوها بالأشياء التي أوحي لهم بها، وقد استخدمهم الروح كما يصنع عازف الناي الذي ينفث أنفاسه في نايه"(143). وقد أخذ أثيناغوراس هذا التشبيه من الفيلسوف اليهودي "فيلون" الذي شبه النفس بقيثارة يعزف الرب على أوتارها حتى يقدر صاحبها أن يمارس حياة الفضيلة.
3- بانتينوس: كان فيلسوفًا رواقيًا يسعى كبقية الرواقيين نحو الفضيلة والنُسك والسلوك الأخلاقي، يؤمن بوحدة الوجود أي أن الله يتخلل الوجود، فهو كل شيء، وكل شيء هو الله، ثم قبل الإيمان المسيحي على يد أثيناغوراس سنة 181م، وإلتصق بمعلمه الذي وثق فيه، وعندما ترك أثيناغوراس إدارة مدرسة إسكندرية اللاهوتية خلَّفه بانتينوس مديرًا لهذه المدرسة العريقة التي أسَّسها مارمرقس الرسول، فنهض بها واهتم بتدريس الفلسفة والعلوم الأخرى، وسعى أن يجتذب للإيمان الوثنيين المثقفين، فربح عدد ليس بقليل منهم، ورغم شغفه بدراسة الفلسفات فإنه لم يحتج أحد عليه ولم يتهمه أحد بالانحراف عن الإيمان، بل أن العلامة أوريجانوس قال عن نفسه: "إنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس Panthenus الذي ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة"(144). ومما يُذكر لبنتينوس أربعة أمور هامة:
أ- أرسى دعائم الأبجدية القبطية من الحروف اليونانية مع إضافة سبعة أحرف من الديموطيقية القديمة.
ب- قام بترجمة الكتاب المقدَّس للغة القبطية، وقد عاونه في هذا تلميذه أكليمنضس، وتلميذ تلميذه أوريجانوس.
جـ- وضع تفاسير لجميع أسفار الكتاب المقدَّس، حتى أنه دُعي "شارح كلمة الله".
د- كرازته وتبشيره في الهند، وعندئذ عهد بإدارة المدرسة لتلميذه أكليمنضس.
4- أكليمنضس السكندري: يعتبره الدارسون أنه أب الفلسفة المسيحية بالإسكندرية، كان اسمه "تيطس فلافيوس أكليمنضس" وُلِد سنة 150م من أبوين وثنيين ومكان ولادته مجهولًا، وعندما شبَّ أحب المعرفة والتعرف على الفلسفات، فسافر إلى عدة بلاد في جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين ومصر، فقد جال يبحث عن مُعلم ماهر يتتلمذ على يديه، فمرَّ على نحو ستة معلمين، حتى إلتقى أخيرًا مع بانتينوس في الإسكندرية، ذاك الفيلسوف الرواقي الذي آمن بالسيد المسيح وصار فيلسوفًا مسيحيًا ومعلمًا عظيمًا، فأحبه وتتلمذ على يديه نحو عشرين عامًا، ودعى أكليمنضس معلمه بانتينوس بالنحلة الصقلية النشيطة، وأحبه معلمه ووثق به، فعندما سافر للهند للكرازة سنة 190م عهد لتلميذه أكليمنضس بإدارة مدرسة إسكندرية اللاهوتية خلفًا له، وقد برع القديس أكليمنضس في العلم والثقافة، حتى قال عنه القديس جيروم أنه أكثر الناس علمًا وثقافة، فقد أحاط علمًا بالفلسفة والأدب والمنطق والموسيقى والشعر بالإضافة إلى دراساته الدينية العميقة. وقد وضع أكليمنضس ثلاثة كُتب يقود من خلالها الإنسان غير المؤمن إلى حياة الكمال المسيحي، وهذه الكتب هيَ:
أ- خطاب إلى اليونانيين (الوثنيين) يخاطب غير المؤمن ويقوده إلى معرفة المسيح، وفيه وجه نداءه إلى الفلاسفة اليونانيين ليستكملوا سعيهم للمعرفة بمعرفة المسيح، فإن كانت فلسفاتهم قد فاقت الديانات الوثنية التي صوَّرت اللاهوت في صورة هزيلة، فإن فلسفاتهم تكمل بالحياة مع المسيح، كما دعاهم لمقارنة الأسفار المقدَّسة بالموروثات اليونانية مثل كتابات هوميروس، فإن الكتاب المقدَّس يعلن الفلسفة الحقيقية، فالمسيحية ليست مجرد فلسفة، إنما هيَ قوة تغيّر الكيان الإنساني... الفلسفات حوت شيئًا من الحق النسبي، أما أسفار الأنبياء فقد شملت الحق الكامل، وبالأكثر عن اللوغوس، فالمسيح اللوغوس هو نهاية كل فلسفة وكمال كل نبؤة.
ب- كتاب "المُربي" يخاطب فيه الإنسان غير المؤمن الذي آمن بالمسيح واعتمد وصار مسيحيًا.
جـ- "الستروماتا" أي "المتفرقات" ومن خلاله يقود أكليمضس المؤمن المبتدئ إلى حياة الكمال المسيحي، التي تشمل حياة البتولية، والاستشهاد، والغنوسية الحقيقية.
ودُعى أكليمضس بأنه "رائد الثقافة المسيحية" وذلك لعلمه الغزير في شتى ضروب المعرفة، فقال عنه J. Patrick أنه: "أول مُعلم منهجي للتعليم المسيحي، والبطل الكنسي للثقافة المتحررة في الكنيسة"(145). وقال عنه:Einar Molland " الاستحقاق الذي لا ينتهي لأكليمنضس وأوريجانوس أنهما خلقا الفلسفة المسيحية"(146). وفي أيام الاضطهادات القاسية التي أثارها "سبتيموس سويروس" سنة 202م ترك أكليمنضس الإسكندرية وسافر إلى بلاد الشام، حيث قدم خدمة مباركة، مُثبتًا المؤمنين على الإيمان، كما شهد بهذا القديس ألكسندروس أسقف أورشليم في رسالته إلى كنيسة أنطاكية سنة 211م.
لقد حاول القديس أكليمنضس أن يصنع صلحًا بين الفلسفة والدين، لأنه كان يشعر أن الفلسفة عمل من أعمال التدبير الإلهي، فالفلسفة تحمل بصيصًا من الحق، فاللَّه كان يعد العالم الوثني عن طريق الفلاسفة لقبول الإنجيل، فأولئك الذين سعوا نحو حياة الكمال أشرق الله عليهم بقبس من نوره فأدركوا الحق بقدر استطاعتهم، بل قال أكليمنضس أن هؤلاء الفلاسفة اليونانيون كانوا بمثابة أنبياء العالم الوثني (راجع أحد رهبان برية القديس مكاريوس - دراسات في آباء الكنيسة ص175، 176). وأوضح القديس أكليمنضس أن الفلسفة والدين لهما هدف واحد، وهو تحقيق الحياة السامية المثالية، وهذه الحياة المثالية تتحقق بالكامل في المسيح يسوع المُخلص، فإن كانت الفلسفة قدمت بصيص من النور والحق النابع من اللوغوس، فإن المسيحية هيَ كمال النور والحق في اللوغوس، فلا يجب أن نحتقر الفلسفات بكل ما فيها. أن الفلاسفة يمثلون أطفالًا في الحق، ولكن متى آمنوا بالمسيح اللوغوس فأنهم يصيرون رجالًا في الحق، فالفلسفة تشبه معرفة الأطفال، أما الإيمان بالمسيح فيهب الإنسان المعرفة الكاملة، معرفة الرجل الناضج. قال "أكليمنضس": "قبل مجيء الرب كانت الفلسفة ضرورية لليونانيين للبر، وأما الآن فقد أصبحت موصلًا للتقوى... لقد أُعطيت الفلسفة اليونانية مباشرة، وبطريقة بدائية إلى أن يدعوهم الرب. وكما يقود الناموس العبرانيين للمسيح (غل 3: 24) هكذا كانت الفلسفة إعدادًا، تهيئ الطريق للذين يتكملون في المسيح"(147).
ويرى القديس أكليمنضس أنه يتعيَّن على كل إنسان مسيحي أن يصير فيلسوفًا أي مُحبًا للحكمة والمعرفة، فالمسيحي هو الغنوسي الحقيقي، لا يخشى الفلسفة، إنما يقبل ما هو حق فيها، والغنوسي الحقيقي هو الذي يستفيد من الفلسفة بقدر الإمكان، فهو يستطيع أن يميز بين ما هو صواب وما هو خطأ، مثل صرَّاف العملة الذي يميَّز ويفصل بين العملة الحقيقية والعملة المزيفة، فالفلسفة حوت بذار اللوغوس، وإن كانت قد أحاطت بها بعض الأفكار الفاسدة، فصارت مثل خليط من الأعشاب بعضها مفيد وبعضها ضار، فيقبل الإنسان ما هو مُفيد، ويرفض ما هو ضار، والذي حذر منه بولس الرسول في قوله: "اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" (كو 2: 8). وفي الكتاب السادس من المتفرقات قارن أكليمنضس بين الفيلسوف المسيحي الذي يتمتع بمجد الإنجيل، ويعرف أسرار لا يعرفها غيره، وبين الفيلسوف اليوناني الذي لا يملك سوى معرفة باهتة، وفي الكتاب السابع أوضح أكليمنضس أن الإنسان المسيحي هو الغنوسي الحقيقي، والفيلسوف الحقيقي الوحيد (راجع القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون ص67، 68).
أما عن حديث القديس أكليمنضس عن اللوغوس، فأنه يرى فيه أنه هو النور الحقيقي، فيقول: "اسمعوا أيها البعيدين، ويا أيها القريبين، فإن اللوغوس ليس مخفيًا عن أحد. إنه النور العام الذي يُضئ الكل. لم يعد في العالم ظُلمة، لنُسرع إلى خلاصنا. لنُسرع إلى تجديدنا"(148). واللوغوس هو الذي يهبنا المعرفة الحقيقية، فيقول "القمص تادرس يعقوب": "يقوم نظام القديس أكليمنضس اللاهوتي على شخص اللوغوس، وهو خالق العالم والأساس المُطلّق لكل الوجود، مصدر النور والحياة، بلا بداية ونهاية، لا يخضع للزمن، هو مُعلِن عن الآب، مُربي البشرية ومعلمهم... (يقول أكليمنضس) الابن هو إعلان عقلي للآب، هو ختم مجد الآب، يعلمنا الحق. هو صورة الله، وفكره، ووجهه، هو النور الذي به نعاين الله. يُعلِن عن طبيعة الآب، يدعى قوة الله وذراعه... أَعلن الابن " اللوغوس" الآب خلال الناموس في العهد القديم، وخلال الفلسفة عند اليونانيين، وذلك بكونه الفهم والحكمة والحق ذاته. هو المُعلم العظيم للبشرية كلها"(149).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
5- أوريجانوس (185 - 254م): لا توجد شخصية في التاريخ الكنسي اختلفت فيها الآراء مثل شخصية أوريجانوس، الذي قال عنه "القديس جيروم" أنه: "أعظم مُعلِم للكنيسة بعد الرسل"(150)، واعتبره البعض "أمير شرَّاح الكتاب المقدَّس"، والبعض اعتبره "أمير الفلسفة المسيحية"، وقالوا عنه أنه "أستاذ الأساقفة"، بينما هاجمه الكثيرون. وُلِدَ أوريجانوس في الإسكندرية سنة 185م من أبوين مسيحيين، واهتم أبوه الشهيد ليونيدس بتربيته، فتعلم أوريجانوس منذ نشأته دراسة الأسفار المقدَّسة، وكل يوم كان يحفظ جزءًا منها غيبًا ويتلوه على مسامع أبيه، وعندما كان يخلُد للنوم، كان يكشف والده صدره ويقبله، وعندما شبَّ أوريجانوس في السابعة عشر من عمره قُبض على أبيه "ليونيدس" وأقتيد للاستشهاد وأراد أوريجانوس أن يلحق به للاستشهاد لولا أن أمه منعته وأخفت ملابسه وتوسلت إليه أن ييقى معها لأنها في حاجة شديدة إليه لتربية إخوته الستة، فأرسل إلى أبيه يُشجعه ويقول له: "احذر أن يفتر قلبك بسببنا"، وصادرت الدولة ممتلكات ليونيدس فافتقرت أسرته، وتولت سيدة غنية تربية أوريجانوس والصرف على تعليمه، ولكن عندما فتحت بيتها لأحد الهراطقة ليُلقي محاضراته، لم يحتمل أوريجانوس البقاء معها، فانصرف عنها وأخذ يعمل في تدريس الأدب والنحو ليصرف على نفسه وعلى أسرته، وتتلمذ أوريجانوس على يد القديس أكليمنضس السكندري، وعندما رحل أكليمنضس إلى بلاد الشام وترك إدارة مدرسة إسكندرية اللاهوتية، أوكل البابا ديمتريوس الكرام لأوريجانوس إدارة المدرسة، وكان شابًا يافعًا كثير الأصوام ناسكًا، يفترش الأرض وساعات نومه قليلة، يقضي الليالي سهرًا في القراءة والدراسة، فكان يذهب للمكتبات العامة يقضي الليل كله في القراءة وتحصيل المعرفة مقابل أجر مالي. وتحلى أوريجانوس بالشجاعة حتى أنه كان يصاحب الشهداء إلى ساحة الاستشهاد يشجعهم ويحفزهم على لقاء الموت بفرح وسرور.
أما موقف أوريجانوس من الفلسفة، فأنه لم يتعاطف معها، بل ذكر ما لها وما عليها، فمن جهة تأثر هو بفلسفة أفلاطون مع تحفظه على بعض الأمور. فيقول القديس غريغوريوس صانع العجائب أن أوريجانوس كان يؤمن بمبدأ الاختيار فيختار من كل فلسفة ما يراه حقًا فيها، وهذا لا يمنع من ميله إلى الأفلاطونية، فكان يقرأ النصوص الأصلية لأفلاطون (راجع القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون ص184). وتأثر بالفيلسوف اليهودي "فيلون" وأخذ عنه المنهج الرمزي في تفسير النصوص المقدَّسة، ويذكر "القديس غريغوريوس" أسقف نيصص أن أستاذه أوريجانوس كان يدعو الملتحقين بالمدرسة إلى دراسة الفلسفة بحكمة واجتهاد، ولا يحتقروا ما كتبه الفلاسفة القدماء، وكان يرشد الدارسين للتعرف على المدارس الفلسفية المختلفة، فيختارون الحق الذي فيها ويرفضون الباطل (راجع القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون ص13). وكان العلامة أوريجانوس يستخدم أحيانًا المبادئ الفلسفية في شرح العقائد المسيحية، وعلم أنه ليس من الصواب أن نحتقر آراء الفلاسفة، ولكن علينا أن نختبر الأفكار ونقبل ما هو صالح، مع ملاحظة أن العقل قاصر ومحدود، فلا يستطيع أن يصل إلى ما يصل إليه الإيمان. قال "العلامة أوريجانوس": "إذا وجدنا كلمة حكمة على شفتي وثني لا نزدري بها في الحال من أجل الناطق بها، فأنه ليس من الصواب أن نُبتلع بالكبرياء محتقرين كلمات الحكماء بحجة وجود الشريعة التي أُعطيت لنا من قِبَل الله. وإنما بالأحرى يليق بنا أن نختبر ونقبل ما هو صالح كقول الرسول"(151). واجتذب أوريجانوس عدد ليس بقليل من تلاميذ المدرسة الفلسفية الوثنية، مثل "هيراقليس" الذي صار مديرًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية خلفًا لأوريجانوس، ثم سيم بطريركًا بِاسم "البابا ياروكلاس" رقم (13) من الآباء البطاركة، كما آمن "بلوتارخس" أخو "هيراقليس"، الذي اعترف بالمسيح ونال إكليل الشهادة. ونظرة أوريجانوس للفلاسفة تتوافق مع معاملات الله مع الأمم، مثلما تعامل مع هاجر أمة إبراهيم، وملكي صادق الذي بارك إبراهيم، وأيوب البار، وراحاب الزانية، وراعوث الموآبية، ونعمان السرياني، وفرعون مصر، ونبوخذنصر ملك بابل، وكورش ملك فارس... وجميعهم من الأمم... ومن يستطيع أن يبخث حق "هيراقليطس" الفيلسوف الباكي آثام شعبه أهل أفسس، أو عظمة سقراط الذي واجه الموت بإبتسامة عذبة، ولم يهب الموت، لثقته في الحياة الأخرى، وعدالة الله؟!!.
ومن جانب آخر أوضح العلامة أوريجانوس أن الفلسفة لم تكن كافية لمعرفة الحق الكامل. كما أن تصرفات بعض الفلاسفة كانت تناقض تعاليمهم، ويقول "القمص تادرس يعقوب": "وبقدر ما كان أكليمنضس مثالًا للثقة في الفلسفة كان تلميذه أوريجانوس يلح على بطلانها وعدم كفايتها متى قورنت بالوحي الإلهي بل ويدينها" (152). ومن تحذيراته: "لا تقتات بطعام الفلسفة المخادع، فأنه قد يبعدك عن الحق"(153).
_____
(124) أورده د. ياسين حسين العريسي - الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني، ص91.
(125) المرجع السابق، ص92.
(126) الكلمة واللوغوس في الفكر الفلسفي والديني، ص94.
(127) المرجع السابق، ص93.
(128) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص72.
(129) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص72، 73.
(130) المرجع السابق، ص14، 15.
(131) مدرسة الإسكندرية مع سيرة وكتابات أثيناغوراث وبنتينوس - دار فيلوباترون، ص40.
(132) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ص137.
(133) المرجع السابق، ص144، 145.
(134) المرجع السابق، ص85، 86.
(135) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ص116.
(136) المرجع السابق، ص120.
(137) المرجع السابق، ص134.
(138) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص36.
(139) مدرسة الإسكندرية مع سيرة وكتابات أثيناغوراس وبنتينوس، ص100.
(140) آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص38.
(141) المرجع السابق، ص41.
(142) مدرسة الإسكندرية مع سيرة وكتابات أثيناغوراث وبنتينوس، ص53.
(143) المرجع السابق، ص72.
(144) مدرسة الأسكندرية مع سيرة وكتابات أثيناغوراث وبنتينوس، ص141.
(145) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص58.
(146) المرجع السابق، ص15.
(147) المرجع السابق، ص75.
(148) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص59.
(149) المرجع السابق، ص92، 93.
(150) المرجع السابق، ص128.
(151) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص182.
(152) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، ص181.
(153) المرجع السابق، ص183.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/655.html
تقصير الرابط:
tak.la/3s5qqd9