* تأملات في كتاب
قضاة: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31
[1- ثُمَّ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَّزَةَ وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا. 2- فَقِيلَ لِلْغَّزِيِّينَ: «قَدْ أَتَى شَمْشُونُ إِلَى هُنَا». فَأَحَاطُوا بِهِ وَكَمَنُوا لَهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. فَهَدَأُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ قَائِلِينَ: «عِنْدَ ضُوءِ الصَّبَاحِ نَقْتُلُهُ». 3- فَاضْطَجَعَ شَمْشُونُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ, ثُمَّ قَامَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَخَذَ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَقَلَعَهُمَا مَعَ الْعَارِضَةِ, وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِهَا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ حبرون. (قض 1:16-3). ]
قبل أن نتطرق إلى شرح هذه الأعداد سنسجل ما قاله عليها القمص تادرس يعقوب حيث كتب الآتي:
[إذ استطاع شمشون بفك حمار أن يقتل ألف رجل، فكر في الذهاب إلى أكبر مركز للفلسطينيين ألا وهو غزة، فقد وثق أنه يستطيع بروح الرب أن يدخل إليهم ويخرج دون أن يصيبه منهم ضرر..
ويقول القديس أمبروسيوس: (غلب شمشون القوي الشجاع الأسد، لكنه لم يستطع أن يغلب هواه. قطع وثق أعدائه، لكنه عجز عن قطع حبال شهوته. أحرق أكداس الظالمين الكثيرين، لكن أحرقه لهيب اللذة الممنوعة التي أوقدتها فيه امرأة واحد. ).
والقديس أغسطينوس نفسه لا يبرر تصرفات شمشون، إذ يقول: (عندما حقق شمشون فضائل ومعجزات كان يمثل السيد المسيح رأس الكنيسة، وعندما كان يعمل بحكمة، كان صورة للذين يسلكون في الكنيسة بالبر، لكنه عندما كان يُغلب ويسلك بتهاون فكان يمثل الخطاة في الكنيسة. ).. ]
+ لقد وصلت أعمال قضاء شمشون لإسرائيل إلى ذروتها عندما حقق نصر عظيم على الفلسطينيين في لحي. وكما كان حبه لواحدة من بنات الفلسطينيين، هيأت له فرصة من الله لإظهار تفوقه على أعداء إسرائيل الغلف (قض 4:14)، كذلك انحطاط هذا الحب إلى شهوة جسدانية هيأ فرصة لسقوطه، تبدأ خيوطها من هذه الأعداد المذكورة أعلاه، والتي لم نقرأ فيها أن ذهابه إلى هناك كان بإيحاء من الله.
أن يأخذ فلسطينية زوجة في بداية عهده كان له ما يبرره إلى حد ما، ويمكن أن نقارنه بوجه من الأوجه باقتران سلمون براحاب وبوعز براعوث، على اعتبار أن كل هذه الزيجات مع غريبات يشير إلى اقتران الرب يسوع مستقبلًا بكنيسة الأمم التي كانت غريبة عن رعوية الله وإسرائيل. ولكننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نبرر هنا اتحاده بزانية رآها مصادفة في غزة، ففي مثل هذا الاتحاد تدنيس لشرفه كنذير وكإسرائيلي كان ينبغي أن لا يكون فيه غش!
لم يخبرنا النص عن عمل ما استدعى تواجد شمشون في غزة، أعتى مدن أعدائه، ومن غير المعقول أنه ذهب خصيصًا لمرأة زانية معينة، لأنه من ناحية لم تخلو أرض إسرائيل من وجود زانيات مثلما رأينا من قبل مع جلعاد والد يفتاح الذي أنجبه من امرأة زانية (قض 1:11)، ومن ناحية أخرى هو لم يبحث عن امرأة زانية، إذ يقول النص هنا "رأى هناك امرأة زانية فدخل إليها"، والرؤية في أغلب الأحيان تحدث مصادفة لمن هو غريب في المكان! وليس من المستبعد أنه كان للزانيات في تلك المدينة أو ذلك العهد ملابس معينة، مثلما كان الأمر مع يهوذا عندما حسب ثامار كنته زانية (تك16:38)..
وإن كان أيوب قد قال "عهدًا قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء" (أي1:31)، فكان ينبغي بالأولى أن يكون هذا مع شخص نذير للرب من البطن كشمشون.
تُرى هل ذهب إلى هناك ليثبت عدم خوفه منهم ولو في عقر دارهم، أم لاستكشاف نقط الضعف والقوة في تحصيناتهم؟ لو كان الافتراض الأول صحيح، فهذا تصرف لا يفرق كثيرًا عمن يجرب الرب، وعمن له ثقة مفرطة في نفسه تجاوزت الخطوط الحمراء وتنم عن كبرياء في القلب. ولو كان الافتراض الثاني، فهو أيضًا تصرف غير حكيم أن يذهب القائد بنفسه وهو شخصية مشهورة إلى قلب مدينة الأعداء وكان من باب أولى أن يرسل شخص مغمور وغير معروف لهذه المهمة، مع العلم بأن هذا الافتراض الثاني واهي لأن كل صراعات شمشون مع الفلسطينيين كانت فردية وبلا جيوش أو أسلحة حرب.
إذًا لا يتبقى غير الافتراض أنه ذهب ليبرهن أنه لا يخاف منهم ولو كان في عقر دارهم، ومثل هذه الجسارة لو بغير توجيه من الله عاقبتها غير محمودة، ولعل هذا قد يبرر انجذابه من شهوة العين لهذه المرأة بسبب تخلى نعمة الله عنه، ولولا أن الرب الأمين لبنيه رغم عدم أمانتهم تدخل في الوقت المناسب ونبهه للخطر المحيط به، لكان هلك لو بقي هناك إلى الصباح.
إن عبارة "قيل للغزيين قد أتى شمشون إلى هنا" تشير إلى شخص من داخل المدينة قد أبلغ أهل غزة بوجوده، الأمر الذي يعني أنه جاء متخفيًا أو دخل المدينة مع غروب الشمس وقبل حلول الظلام بقليل، وليس من المستبعد أنه ضعف أمام إغراء هذه المرأة وكشف لها عن شخصيته، لأن النساء في المعتاد قد تسمع كلام عن شخص مشهور لكن لا تتاح الفرصة للكثيرات لرؤية مثل هذا الشخص المشهور لا سيما لو أنه غريب عن البلاد. وبالطبع هي سمعت عما أوقعه من خسائر وقتلى في صفوف أهل وطنها، فأبلغت عنه بمجرد أن واتتها فرصة بذلك وقد يكون هذا بعد نوم شمشون. فما كان منهم إلا أن أحاطوا ذلك البيت(26)، وعملوا له كمينًا عند باب المدينة لكي إذا أفلت من المرابطين حول البيت وقوي عليهم، لا يستطيع الهروب ممن ساهرين في انتظاره عند باب المدينة.
ويبدو أنهم سهروا إلى منتصف الليل وغلبهم نعاس غير عادي تلك الليلة بتدبير من الله، فاستسلموا للنوم معتبرين أن باب المدينة متين ويستحيل أن يفتحه شمشون، وإن سعى لفتحه سيحدث صوتًا يوقظهم من النوم. وغير هذا هم ظنوا أن شمشون ليس لديه خبر أنه يعرف بكونهم يعلمون بوجوده في المدينة ويترتب على هذا أنه سيبقى هناك إلى الصباح..
ورغم أنه نائم في فراش الخطية، إلا أن الرب تحنن عليه ولم يعامله كخطاياه، ولذا من المؤكد أن روح الله نبه شمشون إلى الخطر المحدق به، فقام في نصف الليل، وإذ أوقع الله علي الأعداء المرابطين سبات عميق، لم يشعروا بخروجه ومشيه تجاه البوابة الرئيسية للمدينة، والذين هناك ليس فقط لم يشعروا بوقع خطواته، بل لم يسمعوا حتى الضجيج الناتج من قلعه مصراعي الباب والقائمتين.
ولم يكتف بالخروج سالمًا من هناك بل عمل ما لا يستطيعه إلا شمشون فقط، شمشون الحال عليه روح الله، إذ سار بالباب وكل مستلزماته مسافة ليست قليلة حتى وصل إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون. وقد حيرت عبارة "مقابل حبرون" النقاد إذ كيف يكون هذا وحبرون تبعد كثيرًا عن غزة.
ولكن قد يوضح هذا آيات أخرى، فقد جاء عن إبراهيم أنه لما مضى لتشييع الرب ومن كان معه قيل "ثم قام الرجال من وتطلعوا نحو سدوم" (تك16:18)، مع العلم بأنه يستحيل التطلع إلى سدوم من ذلك الموضع، ولكن المقصود هنا أنهم صوبوا اتجاههم نحو سدوم. وفي موضع آخر سنرى الرب يقول لموسى "اصعد إلى جبل عباريم هذا، جبل نبو الذي في أرض موآب الذي قبالة أريحا.. " (تث49:32)، مع العلم بأن أريحا تقع على الجانب الغربي من نهر الأردن وبعيدة عن النهر ببضعة أميال، وجبل نبو ناحية الضفة الشرقية من نهر الأردن ويبعد هو أيضًا بضعة أميال عن النهر، والذي كان يقصده الرب هنا هو أن جبل نبو وأريحا يقعان على خط واحد مستقيم، وهذا هو نفس المقصود هنا أن رأس الجبل الذي وضعه عليه شمشون ذلك الباب ومشتملاته يقع على خط مستقيم مع حبرون.
أخيرًا هناك من يرى في القوة العظيمة التي أعطاها الله لشمشون هنا -حتى أنه حمل ذلك الباب لمسافة بعيدة وصعد بها جبل ومعروف أن صعود الجبل في حد ذاته شاق، فكم بالأولى حينما يحمل على كتفيه مثل هذا الحمل الثقيل!- مثال لانتصار السيد المسيح على الموت والقبر، فهو ليس فقط دحرج الحجر الذي كان على باب القبر وهكذا خرج بنفسه، بل أيضًا حمل بعيدًا أبواب القبر قائمتيه وعارضته، وهكذا تركه مفتوحًا إلى الأبد كسجن مفتوح لكل من هم له، ولن يمكنه أن يحتجزهم فيه ولهذا يحق لهم أن يهتفوا قائلين: أين شوكتك يا موت؟ أين أبوابك يا هاوية؟ شكرًا للرب يسوع أنه ليس فقط اقتنى نصرة لنفسه، بل هو أيضًا أعطانا هذه النصرة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
[4- وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحَبَّ امْرَأَةً فِي وَادِي سَوْرَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ. 5- فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: «تَمَلَّقِيهِ وَانْظُرِي بِمَاذَا قُّوَتُهُ الْعَظِيمَةُ, وَبِمَاذَا نَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِنُوثِقَهُ لإِذْلاَلِهِ, فَنُعْطِيَكِ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا وَمِئَةَ شَاقِلِ فِضَّةٍ». 6- فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَخْبِرْنِي بِمَاذَا قُّوَتُكَ الْعَظِيمَةُ وَبِمَاذَا تُوثَقُ لإِذْلاَلِكَ؟». 7- فَقَالَ لَهَا شَمْشُونُ: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِسَبْعَةِ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». 8- فَأَصْعَدَ لَهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ فَأَوْثَقَتْهُ بِهَا,. 9- وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ عِنْدَهَا فِي الْحُجْرَةِ. فَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَقَطَعَ الأَوْتَارَ كَمَا يُقْطَعُ فَتِيلُ الْمَشَاقَةِ إِذَا شَمَّ النَّارَ وَلَمْ تُعْلَمْ قُّوَتُهُ. 10- فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «هَا قَدْ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ! فَأَخْبِرْنِيَ الآنَ بِمَاذَا تُوثَقُ». 11- فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِحِبَالٍ جَدِيدَةٍ لَمْ تُسْتَعْمَلْ أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». 12- فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالًا جَدِيدَةً وَأَوْثَقَتْهُ بِهَا, وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ, وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ فِي الْحُجْرَةِ». فَقَطَعَهَا عَنْ ذِرَاعَيْهِ كَخَيْطٍ. 13- فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «حَتَّى الآنَ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ! فَأَخْبِرْنِي بِمَاذَا تُوثَقُ». فَقَالَ لَهَا: «إِذَا ضَفَرْتِ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِي مَعَ السَّدَى,. 14- فَمَكَّنَتْهَا بِالْوَتَدِ». وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَلَعَ وَتَدَ النَّسِيجِ وَالسَّدَى. 15- فَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ تَقُولُ أُحِبُّكِ, وَقَلْبُكَ لَيْسَ مَعِي؟ هُوَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَدْ خَتَلْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي بِمَاذَا قُّوَتُكَ الْعَظِيمَةُ». 16- وَلَمَّا كَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلاَمِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ, ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ,. 17- فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ, وَقَالَ لَهَا: «لَمْ يَعْلُ مُوسَى رَأْسِي لأَنِّي نَذِيرُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّي, فَإِنْ حُلِقْتُ تُفَارِقُنِي قُّوَتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَأَحَدِ النَّاسِ». (قض 4:16-17). ]
بينما قيل عن المرأة السابقة بصريح العبارة أنها زانية، لم يقال عن دليلة إنها زانية وإن كانت أوصاف الزانية تنطبق عليها، مع فارق أن الزانية لا تعدم ولا تخلو من بعض مشاعر الحب تجاه من يعشقها. أما هنا فإن هذه امرأة لعوب، ميتة المشاعر وعديمة القلب ومتبلدة الأحاسيس، لسبب في نفسها كانت تتلذذ بالتلاعب بالرجال الذين كانوا يخطبون ودها ربما بسبب جمال فتان أو جاذبية طاغية تتمتع بها.
لقد ذكرها النص هنا بأنها امرأة، الأمر الذي يعني أنها قد تكون زوجة أو مطلقة. ولقد قرأت وسمعت عن نساء متزوجات زوجها كالإصبع في خاتمها أو كالمسحور بغير وعي، وكن يوقعن رجال جيران أو معارف في حبائلهن على مرأى من الجميع وبلا حياء ولا يعنيهن خراب بيوت من تسعى هي لتجعلهم يقتربون منها. وقد تكون دليلة واحدة من هذا الصنف أو تكون مطلقة سيان، المهم هنا هو سهولة دخول وخروج الغرباء من عندها.
ومن بين هؤلاء ظهر في حياتها رجل مشهور يعرفه جميع الناس ويُشار إليه بالبنان، وهذا الرجل تخطى مرحلة الرؤية والإعجاب إلى مرحلة الحب والهيام، وواضح أنه رغم تصريحه المتكرر بحبه لها، إلا أنه لم تبادله الحب أبدًا بل كانت متبلدة المشاعر صخرية القلب ولم تقل له قط أنها تحبه، وكل ما عملته هو بعض حركات أو كلمات جوفاء تحفظ الفريسة قريبة فلا تهرب، لتتلذذ بالتلاعب بها أو ممارسة تسلط قاسي ربمًا تشفيًا منها من جنس الرجال، فتنتقم منهم في شخص عاشق ومتيم كهذا، بسبب خبرة قديمة سيئة جازتها في طفولتها أو شبابها المبكر.
لو نضع هذه الخلفية في اعتبارنا، يمكن على ضوءها أن ننتقل إلى السؤال التالي: هل دليلة فلسطينية أم إسرائيلية؟ في الحقيقة من العسير وجود رد شافي أو دليل دامغ يؤكد أيهما. ولكن كون اسمها عبري بحسب بعض دوائر المعارف ولقرب سورق بالأكثر من العمق الإسرائيلي عن الأماكن التابعة جغرافيًا للفلسطينيين، ولكون شمشون ذكر لها أنه نذير لله من بطن أمه، والله هنا جاءت في النص العبري إيلوهيم، وحديثه هنا لها عن الله بالمفرد يرجح بالأكثر يهوديتها.
ومن ناحية لو قبلنا إنها يهودية سنفهم لماذا لم يأخذ حذره منها رغم تكرار خيانتها له وعدم تشككه فيها، إذ لم يخطر بباله قط أن واحدة من بنات جنسه يمكن أن تخونه أو تعمل لحساب أعدائه ضده، وسنفهم لماذا كانت تقول له "الفلسطينيون عليك يا شمشون"، إذ لو كانت فلسطينية كانت ستقول له "أعدائك قادمون عليك.. " أو ما أشبه من العبارات التي لا يمكن أن تكشف نواياها، ولو كانت فلسطينية كان لها أن تكون أكثر حذرًا ولا تلعب على المكشوف كما فعلت هذه الفاجرة والخائنة التي ما كان لها أن تخونه لولا أنه خان نفسه أولًا واستمرأ مثلها طريق الفجور بعد أن غيّب عقله واستسلم لهواه وشهواته.
وهناك نقطة أخرى، وهي أن هذه المرأة كانت مكتفية بالتلاعب بعشيقها المتيم بها وفي شخصه كرجل مشهور تنفث سموم عقدها النفسية ضد الرجال وترضي غرورها، ولم تكن تفكر قط في عمل ما هو أكثر من هذا إلى أن ظهر في حياتها أقطاب الفلسطينيين، الذين أغروها بكمية من المال ما كانت تحلم بها بينما لو كانت هي فلسطينية، كانت هي التي ستسعى من تلقاء نفسها إلى أقطاب الفلسطينيين ولن تنتظر حتى يأتوا إليها كما حدث هنا، لأن بغضه للفلسطينيين وسعيه لإيقاع أكبر أذى بهم، أمر معروف للجميع، ومن المؤكد أنه يستحيل أن يقع شمشون في يد امرأة فلسطينية ولا تأخذ شرف تسليمه والانتقام منه لرؤساء شعبها ولو بغير مكافأة مالية، هذا كما سبق أن قلناه وهو أنه مهما كان شمشون متيم بالنساء ما كان حبه الأعمى يصل به إلى تسليم نفسه وجسده لواحدة من بنات الأعداء لفترات والعيش معها لفترة طويلة كما حدث هنا.
وأخيرًا لماذا نستبعد أو نستكثر أنها يهودية، إن كان رجال يهوذا قد قاموا من قبل بتسليم شمشون لهم، فهل كثير أن تقوم إسرائيلية بنفس الفعلة القذرة هذه؟!
لقد كان شمشون يشكل مشكلة قومية للفلسطينيين، إذ عجزوا عن رده وردعه ومعاقبته عن كل ما فعله بهم من أذى، الأمر الذي جعل بني إسرائيل يتنفسون الصعداء ولا يخافونهم كما كان الأمر قبل ظهور شمشون وقوته الجبارة، وما كانوا يتوقفون عن الكمون له لمسكه على غفلة منه أو مراقبته عن بعد لعل وعسى يجدون مخرج لهذه الورطة التي أوقعهم شمشون فيها.
وأخيرًا وصلتهم أخبار عن تردده على امرأة في سورق اسمها دليلة كان يعشقها ومتيم بها. ومن خلال المعلومات التي جمعوها عن هذه المرأة وجدوا أن صفاتها وظروفها يمكن أن تخدم مصالحهم وتحقق لهم هدفهم لو أغروها بمال كثير، إذ وجدوا أنها امرأة لعوب لا تعنيها السياسة في شيء، كما أن النعرة القومية خارج مفردات قاموس حياتها، إذ كل ما يعنيها في الحياة هو إشباع غرورها بالتلاعب بالرجال المتيمين بها..
وهناك نقطة أخرى نود التعرض لها وهي أنهم قالوا لها "نوثقه لإذلاله" (ع5)، ولو نربط بينها وبين "وابتدأت هي بإذلاله" (ع19)، سنجد أن مفهومها عن قولهم بإذلال شمشون لم يخرج أو يذهب بعيدًا عما كانت تمارسه أي امرأة لعوب ضد عشيقها بأن تضربه وتهينه أمام الخدم أو الجيران أو تقوم بطرده من بيتها في وقت متأخر وما أشبه. كانت هي تظن أنهم سيكتفون بضربه وحبسه لبعض الوقت ثم يتركونه وشأنه طالما هو فقد قوته وصار كواحد من الناس العاديين وعاجز عن أذيتهم.. ومن المؤكد أنها ما كانت تظن أو يخطر على بالها أنهم سيفعلون به كل ما حدث له بعد ذلك، وحتى لو خطر هذا في بالها فهي كانت امرأة عديمة المشاعر لا يعنيها هذا العاشق الولهان في شيء طالما أنها ستكسب من وراءه مال وفير لم يكن يخطر على بالها!
كانت أول محاولة باستخدام أوتار(27) طرية، أي لينة ومرنة يصعب قطعها، وربما ربطته بها على سبيل الدعابة. وكما قلنا أنها امرأة لعوب، فليس من المستبعد أن الرجال الذين كمنوا في حجرتها كانوا على شاكلة شمشون، كلهن رهن إشارتها وطوع أمرها، وفي سبيل رضاها واسترضاءها مستعدون لعمل كل شيء. ولكن هذه الأوتار الطرية قطعها شمشون "كما يُقطع فتيل المشاقة إذا شم النار" (ع9) وعن هذه العبارة يقول أ. نجيب جرجس ص210 ما يلي:
[الفتيل هو الخيط المبروم جيدًا ليستخدم في السرج للإضاءة. والمشاقة هي الوبر والنسالة التي تؤخذ من الكتان أو أية مادة مشابهة عند تمشيطها. وهذا الفتيل ضعيف لأنه لا يُبرم جيدًا ويكون أكثر ضعفًا إذا شم النار، أي إذا لمس النار. ]
كان رد دليلة على هذه البروڤة الفاشلة "ها قد ختلتني وكلمتني بالكذب" ختلتني أي خدعتني. ولو لم ينغلب شمشون من شهوته وتسيطر عليه أهوائه ما كان اضطر للكذب، بل كان أوقفها في الحال عند حدها وجعلها تقفل هذا الموضوع ولا تفتحه أمامه مرة أخرى، ولكن هنا تحقق قول يعقوب الرسول "الشهوة إذا حبلت تلد خطية" (يع15:1)، وكانت أول خطية ولدتها الشهوة هنا هي خطية الكذب. لقد نزل نذير الله وابنه إلى مستوى نذالة المرأة التي باعت نفسها للشيطان منذ زمن بعيد، لقد أخرج نفسه بنفسه من كف القدير، فهل يستطيع أن يجاريها أو يباريها؟ مستحيل هذا لا سيما وأنه خسر نقطة بل نقاط كثيرة في معركته ضدها ومنازلته لها لوجود من يعمل لحساب الأعداء داخل قلعته!
تحت بند المداعبة والدلال واصلت سعيها الحثيث لمعرفة سر قوته، وللتهرب من إفشاء سره دون الهروب منها لأنه صار لا يستطيع الاستغناء عنها لكونها ربطته بحبال عشقها، أخبرها عن ربطه بحبال جديدة، ولكن هذه الحبال المتينة انقطعت كما ينقطع خيط رفيع!
وإن كانت هذه محاولة فاشلة، فهي على الأقل تعتبر ناجحة من حيث كونها لم تجعله يهجرها أو يتشكك في نواياها من جهته، الأمر الذي يتيح لها المجال لمزيد من المحاولات حتمًا ستنجح واحدة منها مع الوقت، إذ ستضيق فرص تهربه طالما هو قابع في ركن عشقها ومربع هواها..
وفعلًا اقتربت المحاولة الثالثة كثيرًا من النجاح، إذ تكلم عن خصل رأسه، أي ضفائر شعره، وقال لها أنها لو ربطت مع السدى، الذي هو الخيوط الممدودة بالطول على النول، وهنا نلاحظ أنها لم تحضرها كما كان من قبل مع الأوتار أو الحبال الجديدة، الأمر الذي يعني أن السدى ووتد النسيج كان في بيت دليلة وتعمل عليه في أوقات فراغها، وهذا مما يعزز جدًا ويعطينا فكرة كم كان 5500 شاقل مبلغ كبير ما كانت تحلم به أو يخطر لها على بال.
وكما الشيطان، هكذا دليلة تلميذته لم تيأس وظلت تلح على شمشون "كانت تضايقه بكلامها كل يوم وألحت عليه.. " (ع16). لقد سبق أن استسلم لزوجته الأولى حينما ضايقته وبكت كثيرًا أمامه مدّعيه أنه لا يحبها، فأخبرها عن حل اللغز (قض 16:14، 17)، أما هنا فلم تتذلل هذه أمامه بالبكاء، إنما لعبت على وتيرة أنه لا يحبها كما يقول بلسانه وجعلت إفشائه لسر حياته هو البرهان الوحيد على حبه الحقيقي لها، ولهذا قيل هنا "ضاقت نفسه إلى الموت"، إذ وقع بين نار حبه الشديد لها وضرورة احتفاظه بالسر حتى لا يعرض حياته للخطر، ولكونه لم يستطيع أن يتحرر من قيود شهوته ضاقت عليه الدنيا وصار كما لو كان إناء لا يستطيع أن يسع لمزيد من المضايقة، فاستسلم لها أخيرًا وكشف لها كل ما في قلبه اعتقادًا منه بحبها له وبكتمانها لهذا السر وقال لها: "لم يعل موس رأسي لأني نذير الله من البطن. فإن حُلقت تفارقني قوتي وأضعف وأصير كأحد الناس" (ع17)، وهنا نلاحظ أن فعل الحلق جاء مبني للمجهول، الأمر الذي يدل على أنه لم يكن ينوي البتة فعل هذا الأمر لولا أن آخر عمله فيه.
كم كان الله صبورًا وطويل الأناة عليه كما علينا أيضًا، إذ رغم أن أفعاله كانت عمليًا كسر للنذر كل يوم، ومع هذا لم يتركه الله هذه المرة، إلا بعد أن تم حلق شعره الذي كان علامة نذره كما كان الختان علامة الإيمان. وعمومًا جعل قوته الجسدية تعتمد كثيرًا على شعره، الأمر الذي لا يمكن أن يكون له أي تأثير أو يوحي بأي ارتباط بينهما على الإطلاق، يعلّمنا أن نعظم الفرائض والوصايا الإلهية وأن نتوقع أن نعمة الله واستمرارها قاصر على استخدمنا لسبل النعمة التي عينها الله لنا لنخدمه بها سواء كان عن طريق كلمة الله في الكتاب المقدس والصلاة وسائر أسرار الكنيسة الأخرى.
[18- وَلَمَّا رَأَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهَا بِكُلِّ مَا بِقَلْبِهِ, أَرْسَلَتْ فَدَعَتْ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالَتِ: «اصْعَدُوا هَذِهِ الْمَرَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ كَشَفَ لِي كُلَّ قَلْبِهِ». فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّ. 19- وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلًا وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ, وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ, وَفَارَقَتْهُ قُّوَتُهُ. 20- وَقَالَتِ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ». وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ! 21- فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ, وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَّزَةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ. وَكَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. 22- وَابْتَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُتُ بَعْدَ أَنْ حُلِقَ. (قض 18:16-22). ]
يمكننا أن نستشف من عبارة "وأنامته على ركبتيها" (ع19)، أن دليلة لم تكتفي بمضايقته بإلحاحها، بل ليس من المستبعد أنها تمنعت عليه ولا يخلو الأمر من زجر وطرد لقليل وقت بحيث لا تفلت الفريسة وتهرب إلى غير رجعة، فكانت تحن عليه بفتات كلام معسول وحب زائف كلما لزم الأمر حينًا وحينًا آخر تجعله يكابد سهاد الليل لعشقه وولهه بها وعدم نواله رضاها وقربها منه.. إلى أن خر صريعًا وباح لها بسر قلبه الذي لا يعرف أحد غير والديه، وكمكافأة ثمينة لم ينلها منذ فترة، أنامته على ركبتيها وليتها ما أنامته!
وأخيرًا بعد أن تيقنت من معرفتها لسره، أرسلت هذه المرة لأقطاب الفلسطينيين، الأمر الذي يعني ضمنًا أنها تطالبهم بالمجيء بالمال الذي وعدوها به "اصعدوا هذه المرة فإنه قد كشف لي كل قلبه" (ع18)، وهذا أمر محزن أن أشجع رجل في العالم يُباع ويُشترى كغنم للذبح.
وكما أنامت دليلة شمشون على ركبتيها، هكذا يهلك الشيطان البشر بأن يهدهدهم حتى يناموا ويتملقهم ويخدعهم حتى يكونوا رأي جيد عن أمانهم وطمأنينتهم، وبهذا يجعلهم لا يفكرون في شيء ولا يخافون شيئًا، وآنذاك يسلبهم من قوتهم ومجدهم وكرامتهم ويقودهم أسرى لمشيئته.
بعد سهاد وتعب نال رضاها فأنامته على ركبتيها، ونام في الحال ظنًا منه أنها صارت أكثر حبًا له بعد أن عرّفها ما لم يبح به لأحد من قبل. ولكن هذه الخائنة عديمة القلب أرسلت وجاءت برجل ليحلق له ضفائر شعره، وبعد تحقيق هذه المهمة لم يعد هناك لزومًا للدلال أو لتدليل شمشون فقد نالت منه كل ما تريد، فكشرت عن وجهها القبيح وما كانت تقوم به من إذلال على سبيل الدلال، صار واقعًا لا داعي للبس قناع لإخفائه، وربما قامت بركله من على حجرها وأمطرته وابل من الشتائم والاستهزاء ختمتها بالقول "الفلسطينيون عليك يا شمشون".
ويبدو أنه مع كل مرة كانت تقول له هذه العبارة، كان يقوم فعلًا متحفزًا ويأخذ وضع الاستعداد لملاقاتهم، ولذا قيل هنا كرد منه على قولها هذا "انتبه من نومه وقال أخرج حسب كل مرة وانتفض" ولكن لم تكن هذه المرة ككل مرة سابقة، إذ هذه المرة "الرب قد فارقه"، ولم يجد روح الرب يحل عليه ولا شعر بما كان يشعر به من قدرات غير عادية تتواجد في كيانه عند ظهور أي خطر، فعلم أن ضفائر شعره قد تم حلقها بمعرفة هذه الخائنة.
أخيرًا وقع شمشون في أيدهم وهم غير مصدقين من شدة الفرح، فقاموا بقلع عينيه(28) بمجرد خروجهم به من بيت دليلة في طريقهم إلى غزة وأوثقوه بسلاسل ليضمنوا عدم هروبه تمامًا، وما تبقى لديه من قوة كالتي عند أي شخص عادي في سنه استغلوها في استعباده بالعمل في الطحين الذي كان من عمل العبيد والأسرى. ولقد انطبقت عليه وتحققت فيه أحكام الله العادلة والتي بمقتضاها تم جعله عبد لغير المؤمنين، لأنه أهمل الدعوة الإلهية التي كانت تنحصر في الدفاع عن المؤمنين ضد مضايقيهم من غير المؤمنين وتفرغ لشهواته وأهوائه.
"ابتدأ شعر رأسه ينبت بعد أن حُلق" (ع22): ليس لنا أن نظن أن مجرد عودة شعره إليه جعل القوة التي بها سيتمكن من قتل كل الفلسطينيين في المعبد بعد قليل تأتي إليه، إنما الذي أعاد هذه القوة من جديد ليس الشعر، بل التوبة التي بها غسل خطاياه وندم عليها.. المصالحة مع الله هي التي أمدته من جديد بقوته القديمة، وليس خصل الشعر، التي كانت مجرد علامة على نذره وتكرسه لله. ولو كان مجرد الشعر لكان الفلسطينيون، قد واصلوا قصه كلما رأوه يكبر، ولكن هم على كل حال ما فكروا في شعره وظنوا أن قلع عينيه سيجعله عاجزًا عن عمل شيء في المستقبل.. وهم أيضًا ما عرفوا أن الله قد يترك بنيه لبعض الوقت، ولكن لا يتركهم إلى الأبد، وأنه سيعود إليهم بالرحمة بمجرد عودتهم إليه بالتوبة، وقد كان وهذا ما سنراه بعد قليل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
[23- وَأَمَّا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَاجْتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا وقالوا قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا. 24- ولما رآه الشعب مجدوا إلههم لأنهم قالوا قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرب أرضنا وكثّر قتلانا. 25- وكان لما طابت قلوبهم أنهم قالوا ادعوا شمشون ليلعب لنا فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب أمامهم وأوقفوه بين الأعمدة. 26- فقال شمشون للغلام الماسك بيده دعني المس الأعمدة التي البيت قائم عليها لاستند عليها. 27- وكان البيت مملؤا رجالًا ونساء وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين وعلى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة ينظرون لعب شمشون. 28- فدعا شمشون الرب وقال يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط فانتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين. 29- وقبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائما عليهما واستند عليهما الواحد بيمينه وآخر بيساره. 30- وقال شمشون لتمت نفسي مع الفلسطينيين وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته. 31- فنزل إخوته وكل بيت أبيه وحملوه وصعدوا به ودفنوه بين صرعة وأشتأول في قبر منوح أبيه وهو قضى لإسرائيل عشرين سنة. (قض 23:16-31). ]
لم يسجل السفر من أعمال شمشون ضد الفلسطينيين سوى النذر القليل، ولكن العبارة التي وردت في (ع24) تفتح المجال للكثير منها وتبرر لماذا سعي أقطاب الفلسطينيين للإمساك به ولو بدفع مبلغ كبير في ذلك الوقت، وتجعلنا نفهم لماذا قاموا بفقع عينيه في الحال كعقاب أولي.. فهذا كله كان لأنه حسب قول الشعب "عدونا الذي خرّب أرضنا وكثّر قتلانا". ومن هنا أيضًا نفهم لماذا اجتمع أقطاب الفلسطينيين ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون (ع23)، الإله الذي تمثاله نصفه الأعلى جسد إنسان ونصفه السفلي جسد سمكة!
حينما غضب الله على شعبه بسبب الخطايا التي اقترفها، أسلمه ليد ملك أشور، وهذا في غبائه ظن أنه بقدرة يده وبحكمته صنع هذا (إش13:10)، ولكن أقطاب الفلسطينيين كانوا يعرفون جيدًا أنهم فشلوا بكل قدراتهم في إيقاع الأذى بشمشون، وبدلًا من أن يقولوا ما قاله نبوزرادان لارميا النبي ".. لأنكم قد أخطأتم إلى الرب ولم تسمعوا لصوته فحدث لكم هذا الأمر" (ار3:40)، ويدركوا أن خطية شمشون ضد الرب إلهه هي التي جلبت عليه هذه الكارثة، إذا بهم في غباء شديد يذبحون ذبيحة لصنمهم ويقولون "قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا"، والشعب يؤيد ما قالوه ليملأ مكيال إثم هذه الجماعة التي اجتمعت هنا ليوم الذبح والقصاص مجدوا إلههم وقالوا "قد دفع إلهنا ليدنا عدونا" (ع23، 24).
قد يلتمس المرء للشعب بعض العذر لجهله ولكن ما عذر الأقطاب الخمسة، الذين عرفوا من دليلة أن قوة شمشون غير العادية ترجع إلى كونه نذير لإله إسرائيل من بطن أمه؟ لذلك حتى لو لم يكن لأجل توبة شمشون كان الله سيعاقب هذا المحفل غير المقدس بحسب قول المرنم "ليس لنا يا رب ليس لنا لكن لاسمك أعط مجدًا من أجل رحمتك، من أجل أمانتك" (مز1:115)، ولأنه لا يقبل أن يعطي مجده لآخر ولا تسبيحه للمنحوتات (إش8:42).
فإن كان لا ينطبق هنا قول الرب يسوع "كل من أُعطي كثيرًا، يُطلب منه كثير، ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو48:12)، فمتى يتم تطبيقه؟ ومن هنا أيضًا سنجد أن تابوت العهد عند سبيهم إياه فيما بعد سيسبب لهم أتعاب أكثر لأنهم لم يتعظوا مما حدث هنا (انظر 1صم5).
ومع هذا وجدت حيثيات أخرى جعلت الله يتدخل، إضافة إلى ما سبق ذكره. فهنا وكأنه لم يكفيهم فقع عيني شمشون وإذلاله في طاحونة السجن، إذ بهم يريدون التشفي به وأن يشمتوا به في مذلته، ولذا ورد هنا أنهم جعلوه يلعب أمامهم، أو يرقص بحسب ما ورد في الحاشية، وهذه مذلة ما بعدها مذلة، تجعل الرب الذي تاب إليه شمشون يصدق عليه ما جاء في موقف سابق "فضاقت نفسه بسبب مشقة إسرائيل" (قض 16:10). أضف إلى كل هذا الصلاة التي قدمها شمشون بإيمان لله والتي وردت في (ع28)، وعنها يقول أ. نجيب جرجس ص216 ما يلي:
[يا سيدي الرب أذكرني: أي لا تتركني بسبب خطيتي، بل اسمح أن تذكر عبدك ولا تهمله، ليس لأن الله ينسى وإنما لكي يعيره التفاتًا ولا يحسبه نسيًا منسيًا كأنه لا شيء بسبب ما صدر منه من أعمال الطيش والحماقة.
وشددني يا الله هذه المرة فقط: عرف أن قوته من الله، وقد فقدها بسبب حنثه لعهده، ولذلك طلب من الرب أن يعطيه هذه القوة من جديد. ألتمس أن يرد إليه الرب قوته ولو مرة واحدة فقط.
فانتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين: كان قانعًا فطلب أن ينتقم هذه المرة فقط من الفلسطينيين، ينتقم عن عينيه اللتين فقأوهما، والواقع أن انتقامه يكون امتداد لأعماله العظيمة في تخليص شعبه منهم وفي تمجيد الله. وقد أعطاه الله فعلًا أن ينتقم نقمة واحدة في هذه الفرصة الوحيدة التي أمامه، ولكنها كانت نقمة عظيمة جدًا تزيد عن كل ضرباته السابقة لهم. ]
من المؤكد أن خبر القبض على شمشون وإذلاله قد وصل إلى جميع أرض الفلسطينيين، والذين لم يروه بالجسد سمعوا عنه، ولذلك كان من المتوقع حدوث تزاحم شديد إذ سيتهافت الجميع لرؤيته، ولهذا من المرجح جدًا أن معبد داجون كان فيه أعدادًا تفوق طاقته وسعته، وربما عدد الثلاثة آلاف الذين فوق سطح المعبد ساهم بنصيب وافر ليس فقط في زيادة حجم الكارثة، بل أيضًا في جعل المبنى آيل للسقوط أكثر مع أقل هزة له، ولو تخيلنا المنظر سنجد أن حرصهم جميعًا وفي وقت واحد على رؤية شمشون في الساحة التي تتوسط المبني ستجعل التحميل فوق طاقة وقدرة الأعمدة التي يقوم عليها المبني، وأنا لست بهذا أقلل من تدخل الله بفعل معجزي بواسطة شمشون، إذ بدون تدخل الله واستجابته لصلاة شمشون، حتى لو حلت كارثة بفعل هذا الزحام الشديد، ستكون محدودة الأثر، بينما الذي حدث هنا هو أن أغلب -إن لم يكن كل- من كانوا متواجدين في المعبد سواء بالداخل أو على سطح المبنى، ماتوا بسبب أو بآخر، ماتوا في قلب معبد الإله الذي ظنوه خلصهم من شمشون عدوهم، وإذا بهم في كارثتهم هذه لا يخلصهم ولا يخلص نفسه!
نحن لا ندري ولا نستطيع أن نعلل كيفية معرفة شمشون بكون هذين هما العمودين القائم عليها المعبد، وهناك من يرى أنه سبق أن دخل معابد الفلسطينيين قبل سقوطه في أسرهم، وهذا أمر مستبعد جدًا ولكنه ليس مستحيل! ولكن يبدو لي أن معرفته بهذين العمودين فكرة واتته من الله، ولقد رأيت تصميم أجنبي في مقدمة فيلم أجنبي عن شمشون يوضح كيف يمكن تصميم مبنى يقوم على عمودين، بحيث أن أي محاولة لزعزعة العمودين تجعل المبنى كله ينهار.
ولقد ذكر بليني المؤرخ الروماني الشهير في الفصل الخامس عشر من كتابه السادس والثلاثين عن التاريخ الطبيعي عن مسرحين تم بنائهما في زمن يوليوس قيصر كانا يقوما على عامود واحد!، ويسع الواحد منها عدة آلاف من المتفرجين! ولذلك ليس هناك غرابة أن يتم بناء معبد على عامودين لا سيما وأن الأراضي الفلسطينية كانت قريبة من مصر الفرعونية المتقدمة في فن العمارة آنذاك!
لا يوجد تشجيع البتة للانتحار فيما فعله شمشون، لأنه لم يرغب في هذا ولا سعى إليه، لكن الذي دفعه إلى هذا هو الضرورة الموضوعة عليه بمقتضى وظيفته كقاضٍ إسرائيل أن يهلك المجدفين على الله والمضطهدين لشعبه، الأمر الذي ما كان بإمكانه أن يحققه في هذا الظرف إلا بموته معهم. وعلاوة على هذا فعل شمشون هذا بتوجيه إلهي، وكانت استجابة الله واضحة في موت هذا الكم الضخم من الأعداء بطريقة لم تتم أبدًا في حياته، وهو بموته هذا صار مثال ورمز للمسيح الذي بمكابدته الموت طوعًا، أهلك أعداء الله وشعبه: الشيطان والخطية والموت..
فالمسيح دك مملكة الشيطان كما دك شمشون معبد داجون، وعندما، وعندما مات المسيح نال انتصارًا عظيمًا جدًا على قوات الظلمة، وشمشون على أعدائه الفلسطينيين. كذلك عندما بسط السيد المسيح يديه على الصليب جعل أبواب الجحيم تنهار، وشمشون جعل المعبد ينهار عندما فرد يديه ولمس العمودين. وبينما مات شمشون مع قاتليه، أباد السيد المسيح ذاك الذي له سلطان الموت وقام ثانية.
وهنا نتوقف لنسجل ما كتبه أ. نجيب جرجس ص217 حول موت شمشون:
[يظن البعض أن عمل شمشون هذا يعد انتحارًا والواقع إنه لم يكن كذلك:
• لأن موقفه مع الفلسطينيين كان موقف حرب منذ بداية ظهوره إلى موته، وموته كان كموت قائد شجاع قدم نفسه للموت في الميدان.
• كان شمشون أسيرًا في أيدي أعدائه وكانوا يعيّرونه ويسخرون منه ويدّعون أن وقوعه في أيديهم كان بقوة إلههم الكاذب، وشمشون كان يعلم أنه لو عاش لنكلوا به أكثر وأكثر وجدفوا على الله أكثر فأكثر، ولابد أن يقتلوه إن آجلًا أو عاجلًا، ويعذبونه تعذيبًا وحشيًا قبل أن يموت، ولهذا قدم نفسه للموت لا لتخليص نفسه فقط ولا للانتقام لعينيه فقط، بل لكي يقتل منهم عددًا وفيرًا، ويخلص شعبه ولو إلى حين منهم، ويخرس ألسنتهم عن تمجيد إلههم وعن التجديف على الله الحي.
• يعطي شعبه دفعة في حياة الإيمان بالرب إلههم، ويعطي الشعوب درسًا يتأكدون فيه أن الرب (يهوه) هو الإله الحقيقي صاحب القوة المعتز على جميع الآلهة وعلى جميع شعوب الأرض.
• كان عمل شمشون مقبولًا وقد قبل الرب توبته إذ استجاب صلاته وأعطاه القوة من جديد فتزعزعت أعمدة الهيكل وقتل عددًا وافرًا جدًا من الفلسطينيين.
• وبعد أجيال طويلة شهد الرب لشمشون على يد بولس الرسول الذي عده بوحي الروح القدس من أبطال الإيمان (عب33:11). ]
من المؤكد أن الضربة المرعبة التي حلت بالفلسطينيين تركت انطباع قوي، ليس فقط بأن أغرقتهم في حزن عميق لموت رؤسائهم وهلاك الكثير من شعبهم ودمار معبدهم، بل أيضًا ملأتهم بخوف ورعب من إله الإسرائيليين الكلي القدرة. ومن المتيقن أن في هذا الجو المشحون بالحزن والرعب تمكن أقارب شمشون من القدوم إلى غزة وبحثوا وسط الركام والجثث عن جثمان شمشون وحملوه معهم ليدفنوه في قبر أبيه الذي من الواضح أنه مات منذ زمن.
وكان ختام رواية شمشون عبارة "وهو قضى لإسرائيل عشرين سنة" ورغم أن نفس هذه العبارة تقريبًا وردت في (قض 20:15)، لكن وضعها هنا غير وضعها هناك، ولكل ذكر مغزى، فهناك كان الوحي يود أن يقول أن فترة العشرين سنة التي قضى فيها لإسرائيل، كانت في أغلبها عبارة عن تكرار لما جاء في هذا الإصحاح وتلخصها العبارة الواردة بلسان الفلسطينيين "خرّب أرضنا وكثّر قتلانا" (ع24). أما ما وردت هنا في نهاية هذا الإصحاح فهي ختام طبيعي يأتي كتقرير بعد موته..
وهنا نسجل أوجه الشبه والخلاف بين شمشون والرب يسوع بحسب ما سجله أ. نجيب جرجس ص218-220 على النحو التالي:
1- ولد كل منهما ببشارة سابقة من قبل السماء (قض3:13؛ لو31:1).
2- أُحيط مولد كل منهما بمعجزة، فشمشون ولد من امرأة عاقر، والرب يسوع ولد من فتاة عذراء بتول لم تعرف رجلًا (قض2:13؛ لو27:1)
3- اسم شمشون بمعنى شمس، ربما لجمال وجهه، والرب يسوع هو الأبرع جمالًا من بني البشر (مز2:45)، وقد دُعي شمس البر (ملا2:4)، وكوكب الصبح المنير (رؤ16:22)، ونور العالم (يو12:8).
4- أعلن الرب من السماء أن شمشون يبدأ يخلص شعبه من الفلسطينيين (قض 5:13)، والرب يسوع دُعي باسمه لأنه يخلص شعبه من خطاياه (مت31:1). وقد أعلنت الملائكة للرعاة أنه "مخلص هو المسيح الرب" (لو11:2)، لأن اسم يسوع يعني الرب يخلص أو خلاص.
5- قيل عن شمشون أن روح الرب كان يحركه (قض 25:13)، وقد قيل عن الرب يسوع أن الروح كان يقتاده (لو1:4)، وهناك فرق عظيم بين الحالين، فتحريك روح الرب لشمشون يعني إرشاده وتوجيهه، أما مع الرب يسوع فتحركه بالروح يعني قيامه بالمخطط الأزلي الذي دبره الله لفداء البشر.
6- استطاع شمشون أن ينتصر على أعدائه مرارًا كثيرة، والرب يسوع انتصر على إبليس وجنوده وعلى الخطية والموت والعالم.
7- سلّم شمشون لأعدائه جماعة من بني جنسه من سبط يهوذا (قض 13:15، 14)، ومن العجيب أن الذي يسلّم الرب يسوع إلى اليهود تلميذ دُعي أيضًا يهوذا (مت14:26، 15).
8- مرارًا كثيرة قطع شمشون الحبال التي كان يُربط بها، والرب يسوع هو الذي قطع وثاقات الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه" وبقيامته فك رباطات العبودية عن البشر وأطلق جميع الأسرى أحرارًا.
9- كان شمشون يعمل أعماله العظيمة وحده ولم يساعده جنود ولا أصحاب، والمسيح صنع الخلاص وحده، وقد قيل عنه "دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش3:63).
10- عندما وقع شمشون في أيدي الفلسطينيين قلعوا عينيه لكي لا يبصر وكانوا يهزأون به، ولما قبض اليهود على المسيح كانوا يغمون عينيه ويلطمونه ويقولون له باستهزاء "تنبأ لنا أيها المسيح من لطمك" (مت18:26؛ مر65:14).
11- كل منهما صلّى عند موته. شمشون صلّى لكي ينتقم الرب من أعدائه، أما المسيح فصلى طالبًا الصفح عن صالبيه (قض28:16؛ لو34:23).
12- بموت شمشون مات أعداؤه والمسيح دفن الخطية بموته.
1- إن حياة شمشون كانت مكتنفة بالضعف البشري والأخطاء. أما المسيح فهو الرب القدوس وحده، الذي "لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر" (1بط22:2).
2- إن صراع شمشون كان صراعًا جسديًا ضد الفلسطينيين، أما مصارعة المسيح فكانت روحية ضد إبليس وقوى الشر.
3- وكان اهتمام شمشون أن ينتقم من أعداء شعبه وقتل الكثيرين منهم، أما المسيح فلم يحب مطلقًا أن يهلك البشر أو ينتقم منهم، بل بالعكس قال "لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لو56:9).
4- أعلن شمشون مرارًا أنه يسئ إلى الفلسطينيين لأنهم أساءوا إليه كما في حادث إحراقه لحقولهم (قض 5:15)، أما المسيح فإنه لم ينتقم من مقاوميه، بل حتى "إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا" (1بط23:2).
5- وحتى في موت شمشون طلب إلى الرب أن يشدده لينتقم نقمة من الفلسطينيين لأجل عينيه (قض 28:16)، بينما المسيح في موته طلب عن مقاوميه قائلًا "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو34:23).
6- وشمشون قتل أُناسًا في حياته وفي موته، أما المسيح فأقام بعض الموتى.
7- الفرق بين الخلاص الذي عمله كل من شمشون والرب يسوع:
• كان خلاص شمشون خلاصًا ماديًا من الفلسطينيين، أما الخلاص بالمسيح فيعني النجاة من الهلاك ومن غضب الله ومن جميع القوى التي تسلطت على البشر.
• وكان تخليص شمشون لشعبه فقط، بينما المسيح قد أعلن الخلاص للعالم كله "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3).
• عمل شمشون في تخليص شعبه كان ناقصًا ومؤقتًا، وقام بعده بدور في محاربة الفلسطينيين كل من صموئيل وداود. أما المسيح فقد أكمل الخلاص المجاني، أكمله إلى التمام وحده، له كل المجد. ]
وعن الفوائد الروحية لهذا الإصحاح يقول لنا السنن القويم ما يلي:
[1- أن المواهب بلا نعمة لا تنفع صاحبها وقد تكون علّة لهلاكه.
2- لا يليق بقاضي إسرائيل أن يكون في وادي سورق، ولا يليق وجود المسيحي في الحانات والمواخير (ع4).
3- من يتكل على نفسه يستخف بالتجارب ويقترب إليها ويسقط فيها، وأما الحكيم فيعرف ضعفه ويهرب من التجارب حالما يراها.
4- نتعلم من القول "فارقه الرب" أن من يفارقه الرب يفارقه كل خير وبركة وقوة. إن الرب لا يفارق الإنسان ما لم يكن الإنسان قد فارقه أولًا. إن الإنسان لا يشعر بعظم خسارته إذا فارقه الرب، لأن هذه الخسارة إنما هي روحية وغير محسوسة.
5- أن الرب كثير الرحمة فيرجع إلى من يرجع إليه (ع28).
6- أن الذين يتكلون على الرب أقوى من الذين يتكلون على الأوثان (ع30). ]
_____
(26) على نفس النسق كل من ينغمسون في ملذاتهم الشهوانية سيرون أنفسهم وقد أحاط بهم الأعداء الروحيين من كل جانب.
(27) يقول أ. نجيب جرجس ص210 ما يلي: [ويُقصد بالأوتار خيوط سميكة مثل التي تستخدم كأوتار للقوس، وفي الغالب تصنع من أمعاء بعض الحيوانات، ولكن الأوتار التي يقصدها شمشون ربما مما يؤخذ من أمعاء الحيوانات الكبيرة مثل البقر وكان الواحد فيها يُبرم، وربما ضموا عدة أوتار منها وبرموها معًا لتكون حبلًا غاية في المتانة والقوة. ]
(28) لقد كانت عينيه هما البوابة التي منها دخل الشيطان واستولى على قلبه من خلال افتتانه بالنساء، لذلك سمح الله له أن يتم قلعهما، ليعود من جديد لربه..
← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير القضاة 17 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنجيلوس المقاري |
تفسير القضاة 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-16.html
تقصير الرابط:
tak.la/vn53pht