St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

القضاة 6 - تفسير سفر القضاة

 

* تأملات في كتاب قضاة:
تفسير سفر القضاة: مقدمة سفر القضاة | القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21

نص سفر القضاة: القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21 | القضاة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح السادس

 

[1- وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ. 2- فَاعْتَّزَتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ. 3- وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ كَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ. 4- وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَّزَةَ, وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ, وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا. 5- لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ, وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِيُخْرِبُوهَا. 6- فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ. (قض 1:6-6).]

 

بعد أن استراح بني إسرائيل لمدة أربعين، ظنوا أن الحال سيدوم هكذا، فعادوا لعمل الشر من جديد ونسوا إلههم الذي صنع لهم الخلاص العجيب من مصر قديمًا ومن سيسرا وجيشه حديثًا، وبدلًا أن يقدموا له الشكر على الدوام، إذ بهم ينجرفون لعبادة آلهة الأموريين خوفًا منها (ع10). وكانت النتيجة أنه تكررت المتاعب التي وقعوا فيها من قبل في كل مرة تركوا الرب إلههم. ليت كل من يرجعوا للحماقة يتوقعوا أن يعودوا إلى البؤس والتعاسة من جديد.

St-Takla.org Image: The enemies of the Israelites (Judges 6:2) صورة في موقع الأنبا تكلا: أعداء الإسرائيليين (القضاة 6: 2)

St-Takla.org Image: The enemies of the Israelites (Judges 6:2)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أعداء الإسرائيليين (القضاة 6: 2)

وقد كان العدو الذي وقعوا في يده هذه المرة خسيس جدًا: دفعهم الرب ليد مديان. إن من يقرأ (عد1:31-12) يبدو له وكأنه قد تم إبادة كل المديانيين، وما يقال عن مديان يصدق على عماليق أيضًا. نعم مرور حوالي قرنين من الزمان كفيلة بتوالد أعداد ضخمة من مديان أو عماليق، لكن ما نود أن ننوه إليه هو أن عماليق أو مديان عبارة عن قبائل كثيرة العدد، وإن كان قيل عن يعقوب وعيسو أن أرض غربتهما لم تحتمل أن يسكنا معًا وهما نفر قليل، فماذا يقال عن قبائل مديان أو عماليق؟ لذلك هم تفرقوا في أماكن كثيرة في الصحاري. وحينما يقال أن موسى أباد هذا أو ذاك فمعناه أنه أباد مجرد فرع يسكن أحد الأماكن، بينما بقية القبائل الموجودة في أماكن أخرى بالطبع لم يمسسها سوء، بل وهي تضع في اعتبارها ذلك الشعب العدو الذي أباد جزء منها ويعملون على الانتقام لإخوتهم منه متى توفرت الظروف المواتية، وهذا هو عين ما حدث هنا. وسنرى فيما بعد دليل عملي على صدق هذا القول عندما يقبض جدعون على ملكي مديان ويقتلهما (قض 5:8، 21).

لقد اعتزت يد مديان بسبب تخلي الله عن شعبه الذي هجره، وكان مصدر الاعتزاز الظاهر هو الكثرة العددية الهائلة. لقد وعد الله بازدياد عدد بني إسرائيل كرمل البحر، لكن خطيتهم أوقفت نموهم وقللتهم عدديًا(14) لذلك فإن أعدائهم مع كونهم أدنى بكل الطرق، لكن تسلطوا عليهم بواسطة أعدادهم الغفيرة.

وهنا نجد:

أ- الإسرائيليون مسجونون أو بالأحرى سجنوا أنفسهم في كهوف ومغاير (ع2). وهذا بالأساس نابع من جبنهم وقلبهم الضعيف إذ فضلّوا بالأحرى الهرب على أن يحاربوا ويقاتلوا، وكان هذا بسبب ضميرهم المذنب والمشتكي عليهم.

ب- إن الإسرائيليين قد افتقروا، بل افتقروا جدًا (ع6). عمل المديانيون غارات وغزوات كثيرة في أرض كنعان. وكانت هذه الأرض مغرية جدًا بالنسبة لهم لكثرة خيراتها الوفيرة فصعدوا الجبال ونزلوا الوديان وأقاموا معسكراتهم بينهم واخترقوا البلاد بطولها وعرضها ولم يسلم موضع منهم. وواضح أن قادة فيالق المهاجمين كانوا من المديانيين ولكن كان يأتي معهم أيضًا العمالقة وبني المشرق (ع3). وكانت هذه الجموع الغفيرة تأتي بمواشيها وكل خيامها لتقيم إقامة كاملة طوال فترة الحصاد، فتنهب كل ما تطوله أيدهم من المحاصيل ويضعون أيديهم على كل مواشي بني إسرائيل وما لا يحتاجونه من المحاصيل يتلفونه حتى لا يستفيد بني إسرائيل منه، فكانت النتيجة أنهم حرموا بني إسرائيل حتى من القوت الضروري، الأمر الذي جعلهم يهجرون أراضيهم إلى الكهوف والمغاير والأماكن الحصينة ليحتموا بها من ناحية ومن ناحية أخرى يخنون فيها ما يستطيعونه حتى لا تطاله أيدي الأعداء. وكان من الطبيعي أن يشعر بني إسرائيل بالمذلة والمهانة، فدفعهم هذا إلى أن يصرخوا للرب لأن لا أحد غيره يستطيع أن ينقذهم من هؤلاء الأعداء المقتدرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: They arrived on camels and they stayed until the land was stripped bare. The Midianites were so cruel the Israelites hid in mountains, caves, and strongholds. God’s people were reduced to starvation. (Judges 6: 2, 5-6) - "God raises up Gideon" images set (Judges 6: 1-40): image (3) - Judges, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "بسبب المديانيين عمل بنو إسرائيل لأنفسهم الكهوف التي في الجبال والمغاير والحصون.. لأنهم كانوا يصعدون بمواشيهم وخيامهم ويجيئون كالجراد في الكثرة وليس لهم ولجمالهم عدد، ودخلوا الأرض لكي يخربوها. فذل إسرائيل جدا من قبل المديانيين. وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب" (القضاة 6: 2، 5-6) - مجموعة "الرب ينشئ جدعون" (القضاة 6: 1-40) - صورة (3) - صور سفر القضاة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: They arrived on camels and they stayed until the land was stripped bare. The Midianites were so cruel the Israelites hid in mountains, caves, and strongholds. God’s people were reduced to starvation. (Judges 6: 2, 5-6) - "God raises up Gideon" images set (Judges 6: 1-40): image (3) - Judges, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "بسبب المديانيين عمل بنو إسرائيل لأنفسهم الكهوف التي في الجبال والمغاير والحصون.. لأنهم كانوا يصعدون بمواشيهم وخيامهم ويجيئون كالجراد في الكثرة وليس لهم ولجمالهم عدد، ودخلوا الأرض لكي يخربوها. فذل إسرائيل جدا من قبل المديانيين. وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب" (القضاة 6: 2، 5-6) - مجموعة "الرب ينشئ جدعون" (القضاة 6: 1-40) - صورة (3) - صور سفر القضاة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

[ 7- وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ. 8- أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ, فَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 9- وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ, وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. 10- وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي». (قض 7:6-10). ]

 

1- إطلاع الله على صراخ بني إسرائيل عندما اتجهوا في النهاية إليه. وبهذا يظهر الله كم هو مستعد لأن يغفر، كم هو سريع لإظهار الرحمة وكيف أنه يميل لأن يسمع الصلوات.

2- الطريقة التي أتم بها الله الخلاص لهم:

أ- قبل أن يرسل الله ملاكًا، أرسل نبيًا(15) ليوبخهم على خطيتهم ويأتي بهم إلى التوبة (ع8). كانت مهمته أن يقنعهم بخطيتهم لكيما في صراخهم للرب يعترفوا بحزن وخزي بخطيتهم ولا يقضوا كل وقتهم في التشكي من أتعابهم.

لاحظ:

• نحن محقون في أن نرجو من الله أن يهيئ رحمة لنا لو نجد أنه بنعمته يعدّنا لها.

• إرسال أنبياء لشعب وإمداد أرض بخدام أمناء علامة خير ودليل على أن الله يدخر رحمة لهم.

ب- لدينا هنا رؤوس عناوين رسالة سلّمها هذا النبي باسم الرب لإسرائيل:

هو وضع أمامهم الأعمال العظيمة التي عملها الله لهم (ع8، 9)، فهو أخرجهم من مصر وبغير هذا كانوا سيستمرون في فقر وعبودية مستمرة. وهو خلصهم من يد جميع مضايقيهم. وذُكر هذا للإشارة إلى أن السبب لماذا لم يتم خلاصهم الآن من أيدي المديانيين مضايقيهم لم يكن يرجع لعوز في قوة الله أو مشيئته الخيّرة.

وأعطاهم الله أيضًا هذه الأرض الجيدة، وهذا ليس فقط عظّم من خطيتهم ووصمهم بعار نكران الجميل الخسيس، بل أيضًا برر الله وابرأه من كل ملامة من جهة الأتعاب التي كانوا فيها في ذلك الوقت.

أخيرًا يُظهر الله على فم النبي سهولة وعدالة مطالبه وما يتوقعه منهم: أنا الرب إلهكم الذي أنتم واقعين تحت أعلى الالتزامات من نحوه. لا تخافوا آلهة الأموريين. ومن يدري قد يكون الضيق لم يحل بالأموريين من سكان أرض كنعان مثلما حدث معهم، وقد يكون البعض قد ظن أن الرب تركهم إذ لم يستجب لصراخهم طوال هذه السنين، الأمر الذي دفع البعض من صغار النفوس يتقون ويعبدون تلك الآلهة بجانب الله كما فعل السامريين فيما بعد (2مل32:17، 33) رغم تحذير الرب بعدم فعل هذه المكرهة.

St-Takla.org Image: The prophets inform the people about their sins (Judges 6:8-10) صورة في موقع الأنبا تكلا: الأنبياء يخبرون الشعب بخطاياهم (القضاة 6: 8-10)

St-Takla.org Image: The prophets inform the people about their sins (Judges 6:8-10)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الأنبياء يخبرون الشعب بخطاياهم (القضاة 6: 8-10)

أخيرًا قد يخطر ببالنا السؤال لماذا لم يرسل الله هذا النبي لجدعون، كما كان الحال مع باراق ودبورة؟ ليس من السهل معرفة الإجابة، ولكن يبدو لي أنه الله من جهة لا يحده حدود ولا يلتزم بنمط واحد في كل تعاملاته مع البشر، بل يتعامل مع ظروف وإمكانيات وإرسالية كل شخص على حده، فلا إمكانيات ومكانة هذا النبي وجدعون وسط الشعب مثل إمكانيات ومكانة دبورة وباراق. ومن جهة أخرى أراد الله أن يتمجد مع الضعف الشديد لإمكانيات جدعون والإمكانيات الهائلة للأعداء بطريقة قد تجعل جدعون يجفل من المخاطرة أو المجازفة لو لم يتعامل الله معه مباشرة وينهي كل شكوك ويرد على كل تساؤلات يمكن أن يطرحها جدعون أو تخطر بباله، وما حدث في بقية أعداد هذا الإصحاح تؤكد هذا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[11- وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ. وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِيُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. 12- فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ!». 13- فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ, وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا. 14- فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُّوَتِكَ هَذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟». 15- فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي, بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى, وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي». 16- فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ, وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ». (قض 11:6-16). ]

 

لم يُذكر ماذا كان تأثير عظة النبي على الشعب، لكن يمكننا أن نأمل أن يكون لها تأثير حسن وأن البعض منهم على الأقل تاب وأصلحوا طرقهم الرديئة، لأننا نرى في الحال شروق يوم خلاصهم بدعوة فعالة لجدعون لأن يضطلع بقيادة قواتهم ضد المديانيين.

1- الشخص الذي أوكل الله إليه هذه الخدمة كان جدعون بن يوآش (ع14). داوم الأب على تثبيت عبادة بعل في أسرته (ع25)، لكن يمكننا أن نفترض أن هذا الابن كان ضدها على قدر استطاعته. كان جدعون من نصف سبط منسى الكائن في أرض كنعان ومن عشيرة أبيعزر أحد بيوت ذلك السبط (يش2:17)، ووصفها جدعون ذاته بأنها الأقل شأنًا (ع15).

2- الملاك الذي ظهر له كان هو ملاك العهد وليس بملاك عادي لأن اللهجة التي يتكلم بها وفحوى كلامه ليس لملاك عادي، وغير هذا فإنه ورد عنه بصريح العبارة في (ع14، 16) أنه الرب. وغير هذا لو نضع عبارة "الرب معك" (ع12)، بجانب عبارة "إني أكون معك" (ع16)، نستنتج بسهولة أنه هو الرب.

3- متى وأين ظهر ملاك العهد لجدعون؟

• لقد وجده منزوي وبمفرده تمامًا. كثيرًا ما يُظهر الله نفسه لشعبه عندما يكونون بعيدين عن الضوضاء والإيقاعات السريعة لهذا العالم.

• كان جدعون مشغولًا بحصاد الحنطة بعصا أو قضيب، ربما لأنه لم يكن لديه سوى كمية قليلة تبقت بعدما نهب أو ألتف المديانيين الباقي، لذلك لم يحتاج لثيران ونورج لتقوم بعملية الدرس. إن العمل الذي كان مشغولًا به كان رمزًا لعمل أعظم كان مزمعًا أن يُدعى إليه الآن مثلما كان الصيد بالنسبة للتلاميذ. وهو أُخذ من درس الحنطة لكيما يدرس المديانيين ويسحقهم (إش15:41).

• كان جدعون في ضيق، إذ كان يدرس حنطته ليس في البيدر، الموضع اللائق بالدرس بل في معصرة، موضع غير متوقع خوفًا من المديانيين، موضع لا يفكر قط المديانيين أن يتم فيه مثل هذا الشيء، لأن أوان جني العنب بعد حصاد القمح بفترة قد تصل لثلاثة أشهر.

St-Takla.org Image: The Angel of the LORD appears to Gideon (Judges 6:11-12) صورة في موقع الأنبا تكلا: ملاك الرب يظهر لجدعون (القضاة 6: 11-12)

St-Takla.org Image: The Angel of the LORD appears to Gideon (Judges 6:11-12)

صورة في موقع الأنبا تكلا: ملاك الرب يظهر لجدعون (القضاة 6: 11-12)

4- لنرى الآن ما جرى بين ملاك العهد وجدعون. ولكن قبل أن نتطرق لهذا نود القول أن جدعون ظن في البداية أنه شخص تقي، لأنه جلس في البداية تحت البطمة (ع11) وهي نوع من الأشجار الكبيرة. انتقل الملاك من تحت الشجرة ليظهر له داخل المعصرة التي كان مختبئًا فيها (ع12)، الأمر الذي قد يعني أنه دخل والأبواب مغلقة ولكن بهدوء غير ملفت للنظر حتى بدا الأمر كأنه طبيعي، لذا تعامل معه جدعون بتلقائية: أسألك يا سيدي (ع13). ولكن عند صعود الملاك مع التقدمات التي أعدها جدعون، ظن أنه ملاك عادي من ملائكة الرب "قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه" (ع21). ومن المؤكد أنه بعد التأمل فيما حدث ومن تحقيق العلامات التي طلبها.. استوعب فكرة أنه الرب ذاته، ومن يدري قد يكون النبي الذي جاء عنه كلام في (ع7) قد أخبره أنه الرب بشخصه.

حيا الملاك جدعون قائلًا: الرب معك يا جبار البأس، مؤكدًا بهذا حضور الله ومعيته له، وبهذا أعطاه توكيل بمأموريته وهيأه بكل المطلوب لإتمام مهمته، بل وأكد له ضمنًا نجاحه في مهمته، لأنه إن كان الله معنا فمن يستطيع أن يسود علينا؟

وغير هذا فإن نعته له بجبار البأس كان يدل على أن جدعون مشهور بالشجاعة والقوة البدينة وبكونه رجل المهمات الصعبة، أو هذا قيل له على سبيل رفع معنوياته لتهيئته نفسيًا للاضطلاع بالمهمة التي سيوكلها الله له بعد قليل.

نظرًا لأن جدعون ظنه شخصًا عاديًا لذلك تصرف على سجيته وعبّر عما يجيش في صدره من أفكار -إذ ليس من المستبعد أنه كان يفكر في الضيقات التي يتعرض له شعبه آنذاك- فقال له "أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟" إن جدعون كما لو لم يشعر في نفسه بأي شيء عظيم أو تشجيع تسرب إلى روحه، وذلك لأنه خلط بين معية الرب والفلاح الخارجي وكون الأحوال على خير ما يرام ماديًا. ونحن كثيرًا ما نقع في نفس الخطأ فنظن أن الرب ليس معنا لكوننا نعاني ضيقات مختلفة ومتنوعة، وننسى أن الذي يحبه الرب إياه يؤدب، ومن منا يستطيع أن يبرر نفسه ويقول أنه لم يفعل ما يستوجب العقاب حتى يستكثر على نفسه اهتمام الرب به كابن له فيؤدبه وينقيه ليأتي بثمر أكثر؟

لقد كان جدعون يفكر في حال إخوته بكونه واحد من المجموع، ولذلك حين قال له الملاك: الرب معك، حول الكلام في الحال إلى المجموع قائلًا: إن كان الرب معنا، مع أن المعية التي يقصدها الرب هنا غير المعية العامة لبقية أولاده، إذ هنا سيكون معه كما كان مع موسى ويشوع لتحرير شعبه وأرضه من طغيان الأعداء.

لقد سبق أن قلت أن الشعب خلط بين عبادة الله واتقاء الآلهة الوثنية من حولهم كما كان حال السامريين بعد ذلك، وها الدليل العملي لأنه إن كان كل أهل البلدة بما فيهم والد جدعون يعبدون البعل، فمن أين استقى جدعون معلومات تختص بإصعادهم من أرض العبودية في مصر وبرفضه لهم الآن، ألا من الآباء؟

St-Takla.org Image: The angel strengthens Gideon (Judges 6:14-17) صورة في موقع الأنبا تكلا: الملاك يقوى جدعون (القضاة 6: 14-17)

St-Takla.org Image: The angel strengthens Gideon (Judges 6:14-17)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الملاك يقوى جدعون (القضاة 6: 14-17)

ربما كان جدعون يصلي مثل غيره أن يرسل الله لهم مخلص كما حدث في الماضي القريب على يد دبورة وباراق، ولم يكن يدري قط أنه يمكن أن يكون هو هذا المخلص لكون عشيرته هي الأصغر في سبطه وهو أصغر إخوته. لذلك حينما قال له الرب أن يذهب بقوته التي بها يدرس حنطته القليلة، قدم حجج بها يعتفي كما فعل موسى من قبل حين أرسله الله ليخلص شعبه. ولكن الرب الذي معيته وحدها كفيلة بإتمام كل شيء تغاضى عن كلامه هذا واعتراضاته وحججه وأكد له أنه طالما سيكون معه فلن يستطيع أحد أن يقف أمامه، بل هو سيضرب المديانيين كما لو كان يضرب شخص واحد، أي أنه سيتمم هذا بسهولة ملحوظة. ومن المؤكد أن الرب في تلك اللحظة أسبغ عليه قوة كافية وكفيلة بإنجاز المهمة وإن كان لم يعطه أن يشعر بها في التو واللحظة!

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[17- فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. 18- لاَ تَبْرَحْ مِنْ هَهُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجِعَ». 19- فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزىً وَإِيفَةَ دَقِيقٍ فَطِيرًا. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلٍّ, وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. 20- فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللَّهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ». فَفَعَلَ كَذَلِكَ. 21- فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ, فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. 22- فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ, فَقَالَ جِدْعُونُ: «آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهًا لِوَجْهٍ!». 23- فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوتُ». 24- فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَاهُ «يَهْوَهَ شَلُومَ». إِلَى هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَزَلْ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ. (قض 17:6-24). ]

 

حول هذه الأعداد يقول لنا أ. نجيب جرجس ص101-103 ما يلي:

[(ع17): إن جدعون كإنسان بشري ضعيف وإزاء العمل العظيم الذي يكلفه به الرب، وقف في شيء من الحيرة من جهة حقيقة الشخص الذي يكلمه، ومن جهة مقدرته هو شخصيًا على محاربة المديانيين فطلب إليه أن يصنع معه علامة تزيل شكوكه وخوفه وحيرته. ومعنى قوله "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك" أي إن كنت حقًا تكرمني فاصنع لي علامة أنك أنت تكلمني. كان الرب يكلم جدعون بسلطان بقوله: "أما أرسلتك؟ إني أكون معك.. " مما جعله يظن أنه هو الرب(16)، ولكن الشكوك كانت تساوره لأنه لا يتصور أن الرب يأتي إليه بصورة إنسان، ولهذا يطلب العلامة لكي يتأكد:

• أن الذي يكلمه هو الرب حقيقة، وقوله "إنك أنت تكلمني" فيه إيجاز بحذف المعلوم وتقديره (أنك أنت هو الرب الذي يكلمني).

• وأنك ترسلني فعلًا لمواجهة المديانيين وسأحرز النصر عليهم.

St-Takla.org Image: Gideon prepares food (a young goat, and unleavened bread from an ephah of flour) for the angel (Judges 6:19-20) صورة في موقع الأنبا تكلا: جدعون يعد طعام للملاك (القضاة 6: 19-20)

St-Takla.org Image: Gideon prepares food (a young goat, and unleavened bread from an ephah of flour) for the angel (Judges 6:19-20)

صورة في موقع الأنبا تكلا: جدعون يعد طعام للملاك (القضاة 6: 19-20)

(ع18):

• كانت العلامة التي يريدها جدعون أن يأتي إلى الرب بتقدمة من الطعام، يتحقق بها من شخصيته، فإن أكل منها عرف أنه إنسان عادي، وإن جرت معجزة إلهية وخرجت نار وأكلت التقدمة عرف أنه الرب أو ملاك من ملائكة السماء، ولذلك طلب إليه أن لا يبرح من مكانه (أي لا يترك مكانه بل يظل تحت البطمة) حتى يعود إليه بتقدمته. والكلمة العبرية التي تُرجمت هنا إلى تقدمة (منحة) وهي تعني الطعام الذي يُقدم للضيف والقربان الذي يُقدم للرب أيضًا.

• الرب بمراحمه وهو يعرف ضعف جبلتنا، أطال أناته مع جدعون مراعيًا ضعفه البشري واستعداده الذهني ونضجه الروحي خصوصًا في أزمنة الارتداد التي كان فيها شعب إسرائيل فوعده بأنه يبقى في مكانه حتى يعود بتقدمته.

(ع19): دخل جدعون بيته و "عمل جدي معزى" أي ذبحه وهيأه وطبخه، كما عمل فطيرًا من إيفة من دقيق. والفطير هو خبز غير مختمر، والأيفة مكيال للحبوب تساوي البث وسعتها عشرة أعمار والعمر هو ما يكفي الشخص الواحد (خر16:16) وقد أعد هذا المقدار الوافر من اللحم والفطير كعادة أهل الشرق في إكرام الضيوف(17).

وضع اللحم في سل والمرق في قدر (إناء) من الفخار أو المعدن، وخرج بها إلى ضيفه العجيب.

(ع20): أمره الرب أن يضع اللحم والفطير على الصخرة، ويرى البعض أنها كانت مذبحًا للبعل، وحتى إن كان كذلك، فإن الملاك قد طهرها بلسمها بعصاه كما سنرى، والأرجح أنها كانت صخرة عادية مرتفعة نوعًا عن الأرض لكي تكون بمثابة مذبح تُقدم عليه التقدمة.

ثم أمره بأن يصب المرق على اللحم والفطير لكي تكون المعجزة عظيمة لأنه بالرغم من أن السوائل تعمل على إطفاء النار فإن نارًا مشتعلة ستلتهم التقدمة مع أن المرق يغمرها. أطاع جدعون وفعل كما أمر به الرب.

(ع21): الرب الذي هو في صورة إنسان ودعاه الوحي ملاك الرب، مد العكاز الذي يحمله المسافرون عادة في أيديهم ولمس التقدمة بطرف العكاز فخرجت نار من الصخرة هيأها صانع الطبيعة وربها وأكلت التقدمة، علامة على رضى الرب على جدعون وقبوله لتقدمته، ثم غاب الملاك فجأة من أمام عينيه فلم يره.

(ع22): اعترى جدعون الخوف إذ رأى النار تخرج من الصخرة والشخص السماوي الذي كان يكلمه يغيب عن عينيه فرأى جدعون أنه ملاك الرب، أي تحقق تمامًا أنه ليس إنسانًا عابرًا بل ملاك الرب، وفي خوفه جعل يصلي قائلًا: آه يا سيدي الرب، لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه. وكلمة آه اسم فعل بمعنى أتوجع، ومعنى عبارته (كيف أعيش بعد أن رأيت ملاك الرب حقيقة؟ اعطني نعمة ورحمة من لدنك حتى لا أموت). وكان الرب قد أعلن لموسى -أن الإنسان لا يراه ويعيش- عندما كان معه على الجبل في سيناء (خر12:33) ويظهر أن جدعون ظن أن الإنسان يموت حتى إذا رأى ملاكًا من قبل الرب.

St-Takla.org Image: Then the Angel of the LORD put out the end of the staff that was in His hand, and touched the meat and the unleavened bread (which Gideon had prepared); and fire rose out of the rock and consumed the meat and the unleavened bread. And the Angel of the LORD departed out of his sight (Judges 6:21) صورة في موقع الأنبا تكلا: الطعام يحترق والملاك يختفي (القضاة 6: 21)

St-Takla.org Image: Then the Angel of the LORD put out the end of the staff that was in His hand, and touched the meat and the unleavened bread (which Gideon had prepared); and fire rose out of the rock and consumed the meat and the unleavened bread. And the Angel of the LORD departed out of his sight (Judges 6:21)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الطعام يحترق والملاك يختفي (القضاة 6: 21)

(ع23): عاد الرب وكلمه. ربما سمع صوته دون أن يراه، وربما ظهر له ثانية، وطمأنه بقوله "السلام لك" والسلام يحمل كل معاني الأمن والاطمئنان والراحة الروحية والنفسية..

كان الرب يسوع يحيي تلاميذه بنفس التحية بقوله "السلام لكم" (يو19:20، 26) والأب الكاهن يطلب السلام لشعبه فيقول "السلام لكم" ويبادله شعبه نفس التحية بقولهم "ولروحك أيضًا".

نلاحظ أن الوحي يقول إن الرب قال له السلام لك، والرب يسوع هو صاحب السلام ومانحه لأنه قيل عنه "رئيس السلام" (إش6:9)، وهذا دليل على أن الرب المذكور هنا هو الرب يسوع المسيح رئيس السلام.

لا تخف. لا تموت: لا تخف من الموت أنك رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه لأني أنا الذي أكلمك، أعطيك القوة والحياة وأؤهلك لأن تراني ولا تموت.

ما أعظم قدرة الله وما أغناه في العطية، أنه لم يمنح عبده جدعون سلامه فقط، بل أعطاه أيضًا استحقاقًا لأن يرى شخصه، ومنحه حياة حتى لا يموت. شكرًا لفادينا الذي حل بيننا كإنسان وحتى إن كنا لا نراه بعيوننا الجسدية الآن، فإننا نراه بعيون أرواحنا، لأنه ساكن فينا، ونحن نعيش على رجاء مجيئه لكي نراه كما هو (1يو2:3) ونسكن معه إلى أبد الآبدين.

(ع24):

1- اطمأن قلبه، وإظهارًا لشكره للرب بنى مذبحًا هناك، في الغالب في المكان الذي كلمه فيه وأعطاه السلام، وربما كان هذا تحت البطمة وعند الصخرة التي وضع عليها التقدمة.

ودعا المذبح يهوه شلوم، أي الرب سلام، تذكارًا للسلام الذي منحه الرب إياه..

2- "إلى هذا اليوم لم يزل في عفرة الأبيعزريين" لم يزل هذا المذبح قائمًا إلى هذا اليوم، أي يوم كتابة سفر القضاة، في عفرة وهي مدينة لعشيرة أبيعزر التي منها جدعون (ع11). ]

ملاحظة: بالنسبة لهذا المذبح ليس لنا أن نفهم أن المقصود تقديم ذبائح عليه، من ناحية لأن جدعون ليس بكاهن، ومن ناحية أخرى لأنه ليس واحد من المواضع التي حددها أو وافق عليها الرب، ولذا لم نسمع قط أن أحد قدم عليه ذبائح. ولذا يمكن القول أن الهدف منه لا يخرج عن الهدف الذي لأجله أقام أسباط شرق الأردن مذبح الشهادة الذي كاد أن يتسبب في حرب أهلية على عهد يشوع (يش22). ومن هذا نخرج بأنه كان مذبح لتكريس تلك الذكرى العطرة لظهور الرب له.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Now it came to pass the same night that the LORD said to Gideon, "Take your father's young bull, the second bull of seven years old, and tear down the altar of Baal that your father has, and cut down the wooden image that is beside it (Judges 6:25) صورة في موقع الأنبا تكلا: جدعون يهدم مذبح للبعل (القضاة 6: 25)

St-Takla.org Image: Now it came to pass the same night that the LORD said to Gideon, "Take your father's young bull, the second bull of seven years old, and tear down the altar of Baal that your father has, and cut down the wooden image that is beside it (Judges 6:25)

صورة في موقع الأنبا تكلا: جدعون يهدم مذبح للبعل (القضاة 6: 25)

[25- وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ, وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ, وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ,. 26- وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلَهِكَ عَلَى رَأْسِ هَذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ, وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِيَ وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. 27- فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ نَهَارًا فَعَمِلَهُ لَيْلًا. 28- فَبَكَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِمَذْبَحِ الْبَعْلِ قَدْ هُدِمَ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي عِنْدَهُ قَدْ قُطِعَتْ, وَالثَّوْرُ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ. 29- فَقَالُوا الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَنْ عَمِلَ هَذَا الأَمْرَ؟» فَسَأَلُوا وَبَحَثُوا فَقَالُوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ قَدْ فَعَلَ هَذَا الأَمْرَ». 30- فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ لِنَقْتُلَهُ, لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ». 31- فَقَالَ يُوآشُ لِجَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ: «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ, أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هَذَا الصَّبَاحِ. إِنْ كَانَ إِلَهًا فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ». 32- فَدَعَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلًا: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ». (قض 25:6-32). ]

 

كبداية نود القول أن المذبح الذي بناه جدعون وأسماه يهوه شلوم (ع24) هو غير ذاك الذي سيرد عنه كلام في (ع26) ولو دققنا سنجد أنه يختلف عنه من جهة المكان والزمان والهدف، فالأول كان تذكارًا لظهور الله له وعمله في نفس يوم ظهور الله له وبالقرب من مكان المعصرة التي ليس من المستبعد أنها في الوادي بالقرب من مساكن الناس وحقول الكروم. أما الثاني فقد بُني على رأس الحصن (ع26)، الأمر الذي يعني ضمنًا أنه حصن تم بنائه على موضع مرتفع ليحتموا به من المديانيين (ع2)، وبنوا المذبح هناك ليقدموا عليه ذبائح لبعل في فترات تواجد المديانيين في الأرض في الوادي (قض 1:7)، وقد قام جدعون بناء على أمر الله بهدم هذا المذبح الوثني وبنى عوضًا عنه المذبح الذي أمر به الرب وعليه قدم ثور ابن سبع سنوات، مع العلم أن هذا المذبح الثاني تم بنائه في الليلة الثانية من بعد بناء المذبح التذكاري، إذ بعد بناء الهيكل التذكاري تكلم الله مع جدعون بطريقة لم يحددها النص وإن كان ليس من المستبعد أن تكون بنفس الطريقة التي كلمه مباشرة كما ورد في (ع33) وليس في حلم كما يقول البعض.. ولم يستطع جدعون تنفيذ طلب الرب إلا في الليلة التالية.

لقد جاء كلام في (ع25) عن ثور بقر لوالد جدعون وثور ثاني، وبينما نجد الكلام يتكرر بالتحديد عن الثور الثاني (ع26، 28)، نجد أنه تم إغفال الثور الذي ليوآش تمامًا، الأمر الذي دفع البعض إلى الاعتقاد بأن جدعون قدم ذبيحتين، الأولى عن نفسه وبيت أبيه والثانية عن بني إسرائيل معًا..

يتفق معظم الشراح بأن الثور الذي لوالد جدعون كان مخصصًا لتقديمه ذبيحة على المذبح الذي أقامه هو "مذبح البعل الذي لأبيك"، وبينما كان ذلك الثور تقدمة شخصية لوالد جدعون، إلا أن المذبح كان مخصصًا للاستعمال العام، ولو افترضنا جدلًا أنه كان مخصصًا لصالح الجماعة كلها وجارينا من يظنون أنه تم تقديمه ذبيحة بواسطة جدعون لكنا رأينا الجموع تهيج أيضًا لأجل تقديمه ذبيحة لمن لا يريدون، ولكن لو نرجع إلى النص سنجد أن غيظهم كان فقط لأجل هدم المذبح وقطع السارية (ع30). إذًا فماذا كان مصير هذا الثور الذي لوالد جدعون؟

إن هذا الثور الذي ليس من المستبعد أنه كان مشهورًا كشهرة صاحبه ومركزه، كان في الغالب كما قلنا مخصصًا لبعل، أي أنه نجس ولا يصح تقديمه بأي حال من الأحوال ذبيحة للرب، ومن هذا المنطلق رأينا هدم مذبح البعل وأخذ خشب السارية (تحقيرًا وامتهانًا لمن تمثله من الآلهة) واستخدامه كحطب لمحرقة جدعون (ع26). فإن كان هذا حال البعل ومن ينتمي له، فما الذي جرى لذلك الثور ولماذا صمت الكتاب عنه؟

St-Takla.org Image: And when the men of the city arose early in the morning, there was the altar of Baal, torn down (by Gideon); and the wooden image that was beside it was cut down, and the second bull was being offered on the altar which had been built (Judges 6:28-29) صورة في موقع الأنبا تكلا: عابدي البعل يكشفون هدم المذبح (القضاة 6: 28-29)

St-Takla.org Image: And when the men of the city arose early in the morning, there was the altar of Baal, torn down (by Gideon); and the wooden image that was beside it was cut down, and the second bull was being offered on the altar which had been built (Judges 6:28-29)

صورة في موقع الأنبا تكلا: عابدي البعل يكشفون هدم المذبح (القضاة 6: 28-29)

لقد سبق القول أنه يخص يوآش وما حدث له أمر بينه وبين ابنه وليس لهم أن يتدخلوا فيه. ومن ناحية أخرى يمكننا أن نفهم ضمنًا من ذكر أهل المدينة لوجود ثور ثاني بأداة تعريف أل، أنهم رأوا ثورًا آخر بالقرب منه وإن لم يفصحوا عن أي شيء بخصوصه. ولهذا لن يخرج مصير هذا الثور الذي ليوآش عن احتمالين: إما أن جدعون قتله أو شوهه بطريقة تجعله غير صالح لأن يتم تقديمه ذبيحة، إذ اعتاد الناس حتى لو كانوا وثنيين على تقديم ذبائح لا عيب فيها تكريمًا وإجلالًا لآلهتهم. وليس من المستبعد أن يكون أخذ هذا الثور من بيته دون أن يشعر يوآش أو أحد عبيده به، وما حدث له من قتل أو تشويه بالقرب من مذبح وتمثال الآلهة التي يعبدها وعلى مرأى منها قد ساهما بطريقة ما في اهتزاز ثقته بها، الأمر الذي مهد جيدًا لدفاعه عن ابنه من واقع أدلة ملموسة للناس أبكمتهم بسلطان أكثر من الذي له عليهم بكونه أحد رؤساء الموضع!

لقد أمر الله جدعون أن يعمل هذا لكي من ناحية يمتحن غيرته لأجل دين الله، الأمر الذي كان من الضروري أن يبرهنه قبل نزوله لساحة الجهاد، ومن ناحية أخرى بهذا تؤخذ بعض خطوات عملية نحو إصلاح إسرائيل، الأمر الذي يلزم لإعداد الطريق لخلاصهم. يلزم نزع الخطية وإلا فكيف ينتهي التعب والضيق الذي يعانونه واللذين لم يكونا سوى نتيجة للخطية.

أطاع جدعون أمر الله ولم يكن معاندًا (ع27). الذي كان له أن يرأس ويقضي لإسرائيل كان عليه أولًا أن يخلص شعبه من خطاياهم مبتدئًا من بيت أبيه وبعد ذلك يخلصهم من أعدائهم.

من المؤكد أن جدعون له عبيد كثيرين ولكنه اختار منهم عشرة يشاركونه مبادئه الدينية وحبه لإله آبائه ولذلك لم يجفلوا من التقدم لهدم مذبح البعل وقطع السارية، الأمر الذي لا يستطيع أن يؤتيه من يؤمن بها ويخشاها.

نعم جاء كلام عن كون جدعون خاف من أن يعمل ما أمره الله به نهارًا، ولكن ليس لنا أن نصفه بالجبن أو الخوف المريض غير المقبول، لأنه فرق أن تمتنع عن تنفيذ الأمر تمامًا بسبب الخوف، وأن تعمله ولو ليلًا بالرغم من الخوف، مع العلم بأن جدعون كان يعرف يقينًا أن اكتشاف أمره مسألة وقت لأنه من ناحية من غير الممكن أن يختفي سر يعرفه عشرة أفراد غيره، ومن ناحية أخرى قد يكون أمر معارضته للأوثان شيء يعرفه الجميع لا سيما بعد تحوله عنها عقب توبيخ النبي الوارد الكلام عنه في (ع8-10).

وفعلًا لما طلع النهار تم التعرف بسهولة وسرعة بكون جدعون هو الذي فعل هذا الأمر (ع29)، ولولا أن والده رجع إلى صوابه وعرف أنها أصنام لا تسمع ولا ترى ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وعن المواشي المعدة كذبائح لها، لذلك كان وقوفه إلى جانب ابنه كان لأجل هذا أكثر من كونه وقف بجانبه لأجل صلة الدم.. ومن هنا دعا ابنه يُربعل, ناصحًا هذا الشعب الجاهل أن يترك البعل ذاته ليدافع عن نفسه وينتقم من جدعون لهدمه مذبحه (ع33).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

[33- وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. 34- وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ, فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. 35- وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى, فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ, وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ. 36- وَقَالَ جِدْعُونُ لِلَّهِ:

St-Takla.org Image: The offerings of Gideon to the Lord (Judges 6:26-27) صورة في موقع الأنبا تكلا: تقدمات جدعون للرب (القضاة 6: 26-27)

St-Takla.org Image: The offerings of Gideon to the Lord (Judges 6:26-27)

صورة في موقع الأنبا تكلا: تقدمات جدعون للرب (القضاة 6: 26-27)

«إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ,. 37- فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَّزَةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ. فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَّزَةِ وَحْدَهَا, وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا, عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 38- وَكَانَ كَذَلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَّزَةَ وَعَصَرَ طَلًا مِنَ الْجَّزَةِ, مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. 39- فَقَالَ جِدْعُونُ لِلَّهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَّزَةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَّزَةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ».40- فَفَعَلَ اللَّهُ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَّزَةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ. (قض 33:6-40). ]

 

1- نزول أعداء إسرائيل عليهم (ع33): نصب عدد ضخم من المديانيين والعمالقة وبني المشرق محل إقامتهم في وادي يزرعيل في قلب سبط منسى في مكان ليس بعيدًا عن مدينة جدعون، لكن قد تبرهن أن مكيال إثمهم قد امتلأ وجاءت سنة المجازاة، لذلك عليهم الآن أن يتوقفوا عن السلب والنهب بل ويلزم نهبهم، وهم اجتمعوا كحزم إلى البيدر (مي12:4، 13) لكيما يدوسهم جدعون كحنطة.

2- الاستعداد الذي أجراه جدعون ليهجم عليهم في معسكرهم (ع34، 35):

أ- الله بروحه وضع حياة في جدعون "لبس روح الرب جدعون" لبس جدعون كثوب ليضع عليه كرامة، لبسه كدرع واقي ليحميه. من يدعوه الله ليعمل لصالحه يهيئه ويشجعه بما يكفل قيامه بها.

ب- بضرب جدعون للبوق أحيا جيرانه والله عمل معه:

• إن رجال أبيعزر الذين مع كونهم هاجوا ضده لهدمه مذبح بعل ومع أنهم حكموا عليه كمجرم، اقتنعوا الآن بخطأهم لما رأوا بعل لم يستطع أن يؤذيه، فجاءوا إليه بشجاعة ليساندوه ويعضدوه.

• إن الأسباط البعيدة ومنها سبط نفتالي وأشير - وهما في موضع قصي جدًا لبوا ندائه- ويبدو أن سبط أشير لبى دعوة جدعون ليمحو عنه عار تعيير دبورة النبية لهم.

3- العلامات التي أنعم بها الله على جدعون لتثبيت إيمانه وإيمان تابعيه (والذي ربما اهتز لكثرة عدد الأعداء مقابل من تجمع من كل الأسباط)

لاحظ:

+ طلبه لآية (ع36، 37): دعني بهذا أعلم أنك تخلص بيدي إسرائيل، اجعل جزة الصوف المنشورة في الهواء الطلق تبتل بالندى ولتكن الأرض حولها جافة. والهدف من هذا "أنا أؤمن يا رب فأعن ضعف إيماني". وعندما كرر طلبه لعلامة ثانية -معاكسة للأولى- فعل هذا باعتذار في غاية الاتضاع توجسًا لسخط الله عليه، لأنها بدت كمن لا يثق بالله بطريقة تتسم بدعابة سخيفة، إذ يلزم طلب رضى الله بوقار عظيم ومخافة روحية وإحساس لائق ببعدنا كمخلوقات عنه كخالق لنا.

+ إجابة الله الكريمة لطلبه. انظر كيف يكون الرب رقيق وعطوف مع المؤمنين الحقيقيين مع أنهم ضعفاء في الإيمان. أراد جدعون أن تكون الجزة مبتلة والأرض حولها جافة. لكن لئلا يعترض أحد (من رجاله أو ممن يأتون فيما بعد) قائلًا: من الطبيعي للصوف أن يتشرب ولو قليل من الندى ويحتفظ به، ولذلك لم يكن هناك شيء غير عادي في هذا الأمر. ولكن الكمية التي تم عصرها كانت كفيلة بنسف مثل هذا الاعتراض، إذ يقال أن قصعة كهذه تحتوى ما يوازي طعام يكفي لخمسة من الرجال. لذا أراد جدعون في الليلة التالية أن تكون الأرض مبتلة بالندى وجزة الصوف جافة، وكان الأمر كما طلب. وإذ كان الله يرتضي هكذا أن يعطي تعزية قوية لورثة الوعد ولو بأمرين عديمي التغير (عب17:6، 18)، فهو سمح لنفسه ليس فقط أن تغلبه إلحاحاتهم، بل أيضًا أن يعرّض نفسه لشكوكهم وتبرمهم. هل رغب جدعون في أن ندى النعمة الإلهية ينزل عليه خاصة؟ رؤيته للجزة مبتلة بالندى أكد له هذا. هل هو يرغب أن الله يكون كالندى لكل إسرائيل؟ هوذا كل الأرض صارت مبتلة بالندى. وعمومًا هذا لا يمنع ما يقوله البعض من أن العلامة الأولى كانت ترمز لشعب إسرائيل عندما كان محاطًا بندى وعناية السماء دونًا عن جميع سكان العالم، بينما الحالة الثانية ترمز إلى حالهم عندما فارقتهم النعمة لما رفضوا السيد وقبله الأمم فصار كل العالم المؤمن محاطًا برعاية السماء وعنايتها بينما اليهود يرزحون تحت ضيق وتشتت..

نختم هنا بفوائد جاءت في السنن القويم في ختام شرح ذلك الإصحاح:

[1- إننا عديمو الشكر لأننا نتضرع إلى الرب في الضيق وننساه بعدما ينقذنا منه (ع1).

2- أعظم مصيبة للإنسان هي أن يتركه الرب الذي هو مصدر الحياة والبركة.

3- يلزمنا التأديب (ع2) والتعليم (ع8) والإنذار (ع10) والتوبة والاعتراف والرجوع إلى الرب ليرجع إلينا وينقذنا.

4- الرب يدعو للخدمة من له المواهب اللازمة وإيمان وطاعة وقلب مستعد لقبول الروح.

5- الرب يعدّنا للخدمة، أولًا بجذبه نظرنا إليه لأن قوتنا منه، فيعطينا كل ما نحتاج إليه، وثانيًا بزيادة الثقة بنفوسنا كمدعوين ومرسلين منه (ع12).

6- إذا دعانا الرب لخدمة، فحتمًا يعطينا كل ما يلزمنا لتلك الخدمة (ع16).

7- إن طلب الآيات ليس بخطيئة إن كانت غايتنا تقوية إيماننا (ع18، 36-40) فأعطى الرب آية لجدعون ولم يعط المسيح آية للفريسيين.

8- السلام من الله (ع24) وسلام الله يحتوي على:

• سلام الضمير "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو1:5).

• السلام مع الناس فيكون في البيت وفي المجتمع وفي الدولة.

9- أننا قبلما نباشر خدمة الرب يلزمنا التطهير من الكبرياء والاتكال على النفس وعلى الناس ونزع كلما أقمناه مكان الله في قلوبنا (ع25).

10- إن الأصنام التي نسجد لها إن كانت بعل أو المال أو المجد العالميين لا تقدر أن تشبع النفس أو تنقذنا في يوم الضيق (ع32).

11- الإنسان الممتلئ من الروح القدس يجذب العالم إلى نفسه (ع34، 35).

12- علينا أن نجتهد في إزالة الوثنية من كل الأرض بالحرب الروحية لا الجسدية ولا نستخدم لذلك سوى سيف كلمة الله. ]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(14) وحتى لو لم يقلوا عدديًا فإن الخطية تبث في النفس ضعف روحي وجبن لا مبرر ظاهري له. وعمومًا حتى لو لكم يقلوا عدديًا، فإنهم في أي موضع يشكلون أقلية مقارنة بالتجمع الهائل للمديانيين في ذلك الموضع.

(15) إن وجود مثل هذا النبي وشخصيات مثل بوعز ونعمي وراعوث يبين أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد في أي جيل وأنه لم يخلو قط جيل من سبعة آلاف ركبة لم تنحن لبعل.

(16) في اعتقادي هو كان يظنه مجرد شخص يتوكأ على عكاز ويتكلم بسلطان ليس لبشر، ولذلك أراد أن يتأكد منه، ويتأكد لنفسه أن ما يحدث أمامه حقيقة وليس خيال.

(17) إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يمر بها بني إسرائيل فلا يجدون ولا حتى قوت الحياة (ع3)، يجعلنا نفكر في كون هذه الوفرة في التقدمة لا يرجع إلى كرم الضيافة بقدر ما أن دافعها ديني وإن جاز القول وراءها بذرة إيمان بدأت تدب فيها الحياة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-06.html

تقصير الرابط:
tak.la/4xkjfdh