* تأملات في كتاب
قضاة: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
[1- وكان رجل من جبل أفرايم اسمه ميخا. 2- فقال لأمه إن الألف والمئة شاقل الفضة التي أخذت منك وأنت لعنت وقلت أيضًا في أذني، هوذا الفضة معي أنا أخذتها. فقالت أمه مبارك أنت من الرب يا ابني. 3- فرد الألف والمئة الشاقل الفضة لأمه. فقالت أمه تقديسًا قدست الفضة للرب من يدي لابني لعمل تمثال منحوت وتمثال مسبوك فالآن أردها لك. 4- فرد الفضة لأمه. فأخذت أمه مئتي شاقل فضة وأعطتها للصائغ فعملها تمثالًا منحوتًا وتمثالًا مسبوكًا وكانا في بيت ميخا. 5- وكان للرجل ميخا بيت للآلهة فعمل أفودًا وترافيم وملأ يد واحد من بنيه فصار له كاهنًا. 6- وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه. (قض 1:17-6). ]
كان شمشون آخر قضاة بني إسرائيل بحسب هذا السفر النفيس، السفر الذي من خلاله سعى الكاتب ليقدم تاريخ هذا الشعب بترابط واستمرارية بالقدر المستطاع من الإيجاز، ولإكمال الصورة، أو بالأحرى لتوضيح كيف وصل التدهور الروحي والأخلاقي بالشكل الذي رأيناه سواء من آخر القضاة شمشون أو من شعبه المعاصر له، كان على الكاتب أن يعود إلى البداية فيذكر لنا عيّنة انتقاها ممن عاصروا يشوع وتعطي فكرة عن التدهور الروحي للشعب بما فيهم اللاويين، وعيّنة من جيل الشيوخ الذين عاشوا بعد موت يشوع وكانوا معاصرين لفينحاس بن ألعازر (قض 28:20)، وتعطي فكرة عن التدهور الأخلاقي الذي وصل إليه حال الشعب بعد فترة وجيزة من دخولهم أرض كنعان.
إن ما ورد في هذا الإصحاح الحالي لا يوجد فيه ما يستطيع أن يجعلنا نستنتج زمن حدوثه، ولكن لكونه ليس سوى مقدمة إلى حد ما لما سيأتي في الإصحاح التالي، لذلك أحداث معاصرة زمنيًا لما جاء فيه، وربما لولا هذا الارتباط ما كنا سنسمع عن ميخا هذا!
لقد سبق أن ذكرنا في مقدمة شرح سفر يشوع (يش 7، 8)، وفي شرح الإصحاح التاسع عشر منه (يش 19) ص319-323 كيف أن ما ورد مما يختص بسبط دان الموجود في سفر يشوع وفي الإصحاح الثامن عشر من سفر القضاة قد حدث في حياة يشوع وليس بعد موته وجاء في سفر يشوع باختصار وهنا في سفر القضاة بإسهاب بحسب الغرض الذي كان يضعه كل كاتب في باله عند الكتابة، ولذا يمكن الرجوع للشرح هناك.
وهنا لمزيد من التوضيح نرجع إلى حديث يشوع حيث قال لهم "انزعوا الآلهة الغريبة التي في وسطكم وأميلوا قلوبكم إلى الرب إله إسرائيل" (يش23:24)، وكان الكلام يبدو مستغرب لآذاننا لا سيما وأن الشعب الذي يكلمه هو قيل عنه "وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع" (يش31:24)، ولكن من الواضح والأكيد أن يشوع لا يفتري عليهم أو يتهمهم كذبًا بما ليس فيهم، لذا من المؤكد أن هناك كانت توجد آلهة غريبة بين الشعب لكن ليس بالكثافة التي توصم الجيل بأكمله.
ولكن لم نسمع عن تصرف الشيوخ كما ينبغي في هذا الموقف كما حدث مع يعقوب قديمًا حين أعطاه كل أفراد أسرته الآلهة الغريبة التي في أيديهم وطمرها تحت البطمة عند شكيم (تك4:35)، ولا هم تصرفوا كما ورد في هذا السفر حيث قيل "وأزالوا الآلهة الغريبة من وسطهم.. " (قض 16:10). وها نحن نرى مثالًا عمليًا ومعاصرًا ليشوع في الأعداد التي نتأمل فيها في هذا الإصحاح. لقد كان هذا الرجل من جبل أفرايم، ومكانه ليس بعيدًا عن سكنى يشوع الذي سكن في تمنة سارح في جبل أفرايم (يش50:19)، ولكن بينما يقول يشوع بملء الفم "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش15:24)، لا يمكن لهذا الرجل وأمه أن يقول هذا، إذ هو كما سبق القول في موقف مماثل كان سامري الديانة يجمع هو وأمه بين عبادة الرب (ع2، 3)، وله في نفس الوقت بيت للآلهة (ع5) وفيه آلهة صنعها لنفسه (قض 24:18).
كان غريبًا أن يصدر هذا من شخص معاصر ليشوع ومن الأكيد قد عاين كل ما عمله الرب لإسرائيل، وكان غريبًا أنه ليس فقط يستثقل الذهاب إلى شيلوه للعبادة فيقيم لنفسه بيت للعبادة على هواه، بل أيضًا أن لا يعترف بالكهنوت اللاوي فيقيم لنفسه كاهنًا واحد من أبنائه! ومن ناحية أخرى، إن كان القريبين من شيلوه فعلوا هذا واستكثروا تعب المضي إلى هناك، فماذا ننتظر أو نتوقع من الأسباط البعيدة؟
لقد كانت أمه نوعًا ما تعرف الرب أحسن منه وبه باركت ابنها وقدست الفضة المسروقة له (ع2، 3)، ولكن غياب زوجها ربما لموته وعدم وجود من يعلّم الشعب ويوعيه بمبادئ الديانة اليهودية، وامتناعها وأبنها عن التوجه إلى شيلوه حيث خيمة الاجتماع، أكيد من العوامل التي جعلت تأثير البيئة الوثنية المحيطة من سكان كنعان تطغى بثقافتها عليهما، فحدث مزج أو قل تزاوج بين الديانة اليهودية وديانات سكان كنعان.
لم يرد رقم الألف والمائة شاقل اعتباطًا، إنما جاء ليشير إلى أنه كان لدى أمه المزيد من المال، ومن المؤكد أن هذا المال جاء نتيجة بيع خيرات الأرض التي ورثوها في أرض كنعان أو من الغنائم التي نالها زوجها في معارك الاستيلاء على أرض كنعان قبل موته. ولقد كان هذا المال وبال عليهما، إذ فتح الأعين على عبادة الأوثان وعمل ترافيم وأفود وبيت للآلهة وتخصيص واحد من بنيه وإعفائه عن العمل، بينما الفقر كان سيجنبهم كل هذه الخطايا!
ليس من المستبعد أن هذه المرأة لم يكن لها بنينًا سوى هذا الابن، وحينما لعنت من أخذ منها مالها لم تكن تظن أن الذي سرق هذا المال هو ميخا ابنها. وحين اعترف بأخذه للمال حولت لعنتها إلى بركة له من الرب! ومن المرجح أنه رد المال ليس لأن ضميره حي، إذ من أين لمن يخلط بين عبادة الله وعبادة آلهة غريبة أن يكون حيي الضمير، وإنما رده خوفًا من أن تحل عليه فعلًا لعنة أمه!
إذ رد الفضة لأمه (ع3)، قدستها أمه للرب لعبادته في شكل تمثال منحوت وتمثال مسبوك، ولذا بملء الفم قالت له "فالآن أردها لك" (تابع ع3)، أردها لك ليس لتتصرف فيها كما يحلو لك، بل في حدود ما يليق بمال مكرس للرب!
ومع هذا نجد أنه على ما يبدو لم يوافق على العرض أو يعرف كيف يحسن التصرف فيه فينال لعنتها من جديد، لذلك قيل في (ع4)، "فرد الفضة لأمه". فأخذت أمه المبلغ وأعطت منه مئتي شاقل فضة وأعطتها للصائغ فعملها تمثالًا منحوتًا وتمثالًا مسبوكًا" (تابع ع4)، ولم يرد أي ذكر عن بقية المبلغ، ولكن من المرجح أنها أعطت بقيته لأبنها ليجلب كل متطلبات العبادة ويصرف عليها..
وبالرغم مما قيل هنا وعمله ميخا فلا يمكن أن نتهمه بعبادة الأوثان أكثر من اتهامه بالجهل الذي قيل عنه في موضع آخر "هلك شعبي من عدم المعرفة"، إذ هنا باركت ابنها بالرب وكرست المال للرب، وسنرى في الفقرة التالية فرحه واعتقاده برضى الرب عنه لوجود كاهن له من اللاويين (ع13)، وهناك من يرى أنه سمع كلام عن تمثال مسبوك للكاروبيم وأفود الكهنة وتقديسهم بملء اليد، وباختصار سمع كلام مشوش وحاول تقليده قدر استطاعته، ومما زاد الطين بلّة أن اللاوي الذي تغرب لديه لم يكن أحسن حالًا منه على مستوى المعرفة أو مستوى العبادة الروحية، فثبته في الوحل بدلًا من أن ينتشله منه!
وأخيرًا ما يختص بالعدد السادس سنقتبس له ما سبق أن أوردناه في المقدمة (ص7) [يمكن القول أن هذه العبارة لا شأن لها باستحسان أو استهجان صموئيل للملكية، بل هي عبارة تشير بصفة عامة إلى غياب أية سلطة حاكمة، سلطة لها قوة الردع لكل من تسول له نفسه الخروج عن شريعة الله وعمل ما يحسن في عينيه.
وعلى العموم لأن العرف السائد في البلاد المجاورة كقوة لها سلطة الردع لكل مخالف كان الملوك، لذلك جاءت هذه العبارة عفويًا فيما كتبه صموئيل في الأماكن السابق ذكرها، ومن الواضح أنه كتب هذا السفر في بداية عهد شاول، حيث كان عهده في البداية يبشر بالخير، لا سيما وأنه لم ير أحد يتصرف بمثل هذه التصرفات التي من باب الاستهجان قال عبارته "ولما لم يكن هناك ملك..". ]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
[7- وكان غلام من بيت لحم يهوذا من عشيرة يهوذا وهو لاوي متغرب هناك. 8- فذهب الرجل من المدينة من بيت لحم يهوذا لكي يتغرب حيثما اتفق فأتى إلى جبل أفرايم إلى بيت ميخا وهو آخذ في طريقه. 9- فقال له ميخا من أين أتيت؟ فقال له أنا لاوي من بيت لحم يهوذا وأنا ذاهب لكي أتغرب حيثما اتفق. 10- فقال له ميخا أقم عندي وكن لي أبًا وكاهنا وأنا أعطيك عشرة شواقل فضة في السنة وحلة ثياب وقوتك فذهب معه اللاوي. 11- فرضي اللاوي بالإقامة مع الرجل وكان الغلام له كأحد بنيه. 12- فملأ ميخا يد اللاوي وكان الغلام له كاهنًا وكان في بيت ميخا. 13- فقال ميخا الآن علمت أن الرب يحسن إلي لأنه صار لي اللاوي كاهنًا. (قض 7:17-13). ]
هنا سرد لتهيئة ميخا للاوي يعمل كاهن له:
لو نرجع إلى أول إصحاح من سفر صموئيل الأول سنجد أنه صموئيل قال عن والده أنه أفرايمي، مع أنه من سبط لاوي (1صم1:1)، وهنا لكونه كاتب نفس السفر يمكن القول أن عبارة "من عشيرة يهوذا" تعني أنه لاوي كان له أن يقيم في سبط يهوذا. ولكن لأن بيت لحم لم تكن من المواضع التي تحدد للاويين أن يقيموا فيها، لذلك قيل هنا أنه "متغرب هناك". وواضح أنه أقام هناك لفترة ليست بقليلة، إذ قيل عنه "كان غلام من بيت لحم يهوذا". وربما في بداية إقامته كانت الأمور تسير معه حسنًا وكان الشعب هناك يعطف عليه، ولكن مع فتور المحبة أو بداية ظهور أعراض هجر بني إسرائيل لإلههم، بدأوا يتخلون عن تدبير المعاش للاويين واليتامى والأرامل الذين في أبوابهم، الأمر الذي سبق أن ألزمهم به الله (انظر تث11:16، 14).
ولذا لم يجد هذا اللاوي مفر من أن يرحل من هناك، إذ لا يوجد ما يلزمه بالمكوث في ذلك المكان إلى النهاية طالما هو غريب هناك، فخرج من هناك لكي يتغرب حيثما اتفق (ع8). وفي طريقه وصل إلى جبل أفرايم فمال على بيت ميخا ربما ليطلب كسرة خبز أو يبيت أثناء الليل: فقال له ميخا من أين أتيت؟ وإذ شرح له كل أحواله وجد ميخا أن هذا الرجل صيد ثمين يمكن أن يفيده كثيرًا وظروفه المتعثرة ستجعله يقبل أقل القليل مقابل الخدمة التي يمكن أن يؤديها له. ولذا عرض عليه عرضًا كان يمكن أن يرفضه هذا اللاوي لو ظروفه أحسن، بل وليس من المستبعد أن ذلك اللاوي كان يعرف جيدًا أنه لا يحق له أن يمارس عمل الكاهن لأنه ليس من أولاد هارون، وكان يعلم أن هنا في هذا البيت يوجد مزج بين عبادة الله وعبادة الأوثان، ولكن ظروفه المعيشية الصعبة جعلته يتغاضى عن كل هذا في سبيل أن يستقر به المقام وتتحسن أحواله المعيشية نحو الأفضل نسيبًا، لا سيما وأن الرجل يحسن معاملته رغم بخله ويعتبره كواحد من بنيه من جهة المحبة ويعامله كأب له من حيث صيرورته كاهن له.
بعد قبول اللاوي للعرض، أعطى ميخا في جهله سلطان رسامته كاهن، وما سبق أن قام به من رسامة كهنوتية لابنه، قام بإلغائها لما قدم هذا اللاوي. ولقد شعر ميخا بارتياح فقال "الآن علمت أن الرب يحسن إليَّ" (ع13):
• ظن أنها علامة على رضا الله عليه وعلى تماثيله كونه يرسل إليه لاوي إلى باب بيته.
• أنه اعتبر الآن أن خطأ كهنوته قد تم إصلاحه أيضًا، مع أنه لا يزال يحتفظ بتمثاله المسبوك والمنحوت. لاحظ أن كثيرين يخدعون أنفسهم بتكوين رأي حسن في حالهم بواسطة إصلاح جزئي. هم يعتقدون أنهم صالحين كما ينبغي لهم أن يكونوا، لأنهم في أحد المواقف ليسوا رديئين جدًا كما كانوا من قبل.
• أنه ظن أن جعل لاوي كاهن كان تصرف جدير بالتقدير، بينما هو في واقع الأمر اغتصابًا وقحًا واجتراءًا لا مبرر له. ولكن هذا لا يمنع من القول أن ما فعله، فعله عن جهل أكثر من كونه عمله عن عمد.
• هو اعتبر أن وجود لاوي في بيته معه سيخوله تلقائيًا لرضى الله عنه. وحتى لو كان هو من أولاد هارون، فهذا لن يجلب له رضا الله عنه تمامًا ما لم يكن هو نفسه صالح ويسلك بحسب وصايا الله، فكم بالأولى لن يحدث هذا لكونه ليس من أولاد هارون!
← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير القضاة 18 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنجيلوس المقاري |
تفسير القضاة 16 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-17.html
تقصير الرابط:
tak.la/ssrma45