* تأملات في كتاب
قضاة: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
[1- فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ جَيْشُ الْمِدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي. 2- وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ, لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلًا: يَدِي خَلَّصَتْنِي. 3- وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجِعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ». فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ. 4- وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. انْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هَذَا يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هَذَا يذهب معك فهو يذهب معك وكل من أقول لك عنه هذا لا يذهب معك فهو لا يذهب. 5- فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ». 6- وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُلٍ. وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثُوا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ. 7- فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ». 8- فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ. وَأَرْسَلَ سَائِرَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ, وَأَمْسَكَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ. وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي. (قض 1:7-8). ]
ليس من المستبعد كما سبق القول أن الآيات التي طلبها جدعون، كان من حوله على علم بها وبتكرارها، ولكن الآية لا تفيد الخائفين وغير المؤمنين، فالمعنويات انهارت من طول فترة المذلة والخائفون بالرغم من الآيات كانوا كثيرين، وهذا يؤكد المبدأ أن طلب الآيات لا يفيد المؤمنين كثيرًا، ولذا هي علامة غير صحية للمجتمع المسيحي الآن أن الناس يجرون بكثرة وراء المعجزات والآيات..
لكن على كل حال سنجد أن هذه الآيات ثبتت إيمان جدعون ولم يعد يجادل كما من قبل وبالرغم من الرب استنبط وسيلة خفض بها جيشه إلى ثلاثمائة محارب جسور على شاكلة الفتى داود عندما تقدم لمحاربة جليات الجبار لم يتراجع هو وهم. وهذا يؤكد دومًا لنا قدرة الله أنه يستطيع أن يخلص بالقليل كما بالكثير، المهم أن يوجد معه رجال صبورين وشجعان وفي وضع الاستعداد ورافضين لكل تكاسل بل معتمدين كليًا على معونة الله لهم.
لقد كان عجيبًا أن يتراجع كل هذا العدد الكبير بدون أن يرجع واحد منهم ويطلب من جدعون بشدة أن يقبله في جيشه الصغير وكأنهم صدقوا ما سمعوا أمر الانصراف فلاذوا بالفرار مفضلين حياة المذلة والخنوع على الموت بشرف في سبيل الدفاع عن أرضهم وعرضهم. ولكن الخطية كانت السبب فقد استولت على قلوبهم وجعلتهم يحبون العيش ولو بمذلة فصاروا في خوف ورعب من الموت مع أننا لن نفلت منه بل حتمًا قادم إلينا والأمر كله مسألة وقت.
1- عكف جدعون على أخذ دور قائد ماهر، إذ اصطف بجيشه عند عين ماء مشهورة لكي لا يتضايق جيشه من جراء العوز إلى الماء واقتنى أرض قتال أعلى، الأمر الذي يمكن أن يكون له ميزة، لأن المديانيين كانوا أسفله في الوادي. لاحظوا أن إيماننا بوعود الله يلزمنا أن لا نتقاعس بل بالأحرى ينعش ويجعل الحياة تدب في مساعينا.
2- كان جيش جدعون عبارة عن 32 ألف، وكان جيش قليل مقارنة بما كان لإسرائيل أن تجهزه، وعدد قليل جدًا مقارنة بعدد جيش المديانيين والمتحالفين معهم الموجودين آنذاك في ساحة القتال والذين قيل عنهم أنهم "كالجراد في الكثرة" (ع12).
كان جدعون عرضة لأن يفكر أن عدد جيشه قليل جدًا، ولكن فاجأه الله بأن أخبره أن العدد كبير جدًا (ع2)، إذ يريد الله أن يبطل ويستبعد كل افتخار، وكان هذا هو السبب الذي أعطاه من يعرف الافتخار المعشش في قلوب البشر "لئلا يفتخر عليّ إسرائيل قائلًا يدي خلصتني".
اتخذ الله وسيلتين لتقليص عددهم:
أ- أمره بانصراف كل من يرى في نفسه أنه خائف وخائر القلب (ع3). كان المرء يظن أن الضيق الذي صرخوا من ثقله عليهم ووجود قائد شجاع كجدعون كفيل بأن لا يجعل أحد يتراجع -عن خوف وجبن- ليزيح عن كاهل الأمة كابوس هذا العدو اللدود، ومع ذلك استغل ثلثي الجيش هذا الإعلان وانسحب من أرض المعركة. يعتقد البعض أن الضيق الذي كابدوه لفترة طويلة جدًا على يد المديانيين قد كسر أرواحهم وقتل معنوياتهم، والاحتمال الأكثر هو أن شعورهم بالذنب وبخطيتهم قد حرمهم وجردهم من شجاعتهم، فالخطية تفرست في وجوههم بلا مواربة لذلك لم يتجاسروا على التطلع إلى الموت مواجهة!
ب- ثم وجهه الله للتخلص من كل الباقين عدا ثلاثمائة رجل وفرزهم بواسطة علامة "لم يزل الشعب كثيرًا حتى استخدمه (ع4)، الأمر الذي يمكن أن يساعدنا على تفهم تلك التدابير التي تبدو أحيانًا وكأنها تضعف الكنيسة ومصالحها.
أمر الله جدعون أن يأخذ الجنود ربما إلى عين حرود (ع1)، ليشربوا من الماء المتدفق منها. ومن المؤكد أن الله أمره أن يجعلهم يمضون للشرب في أعداد قليلة بحيث يسهل فرزهم من خلال العلامة التي أعطاها له. إن البعض -وبدون شك الأغلبية- سيركعون على ركبهم ليشربوا ويضعوا أفواههم عند الماء كما تفعل الخيول، والبعض الآخر -وهم قلة- لم يتصرفوا على هذا النحو المعتاد، بل ولغوا الماء بيدهم كما يلغ الكلاب بلسانهم، لذلك هم سيأخذون قليل من الماء بسرعة في أيديهم ويبردون أفواههم به ويمضوا. إن ثلاثمائة فقط تصرفوا بالطريقة الأخيرة وشربوا بسرعة، وأخبر الله جدعون أنه بهؤلاء فقط سيستأصل المديانيين (ع7)، وهؤلاء الثلاثمائة كانوا:
• رجال أشداء يمكنهم احتمال التعب طويلًا بدون أن يشتكوا من العطش أو السأم والضيق.
• رجال نشيطين ومتلهفين على الاشتباك مع العدو، مفضلين خدمة الله ووطنهم على متطلباتهم الحياتية الضرورية.
• رجال إيمان كانوا على مستوى الفتى داود الذي قال لجيليات الجبار "أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم.. وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا" (1صم45:17-47)، ولو لم يكن قلبهم عامر بإيمان عظيم بالله وحب جنوني لشعبهم، شعب الله لكانوا قد تذمروا على الله وجدعون عندما وجدوا أنه بدلًا من أن يزيد عددهم إذ به ينقصهم بطريقة لا يستطيع أن يقبلها عقل ويستسيغها منطق بشري. ومن المؤكد أن الله العالم بالقلوب أرشدهم ليتصرفوا في سربهم هكذا ليحقق أشواقهم الروحية ويعلن على الملأ مكنونات قلبهم العظيمة ليعرفها الكل.
ومع أن العدد قليل جدًا، إلا أننا نرى الكتاب ينعتهم بأنهم "الشعب" (ع8)، من ناحية لأنهم خير من يمثلون شعب إسرائيل في ذلك الوقت، ومن ناحية أخرى ليشير إلى أنهم مجرد أناس عاديين وليس رجال حرب، وبتعبير آخر هم كما لو كانوا ماضيين إلى جولة ترفيهية سريعة وليس إلى ساحة المعركة، لأنه بينما صرف جدعون سائر رجال إسرائيل، كنا نتوقع منه أن يطلب منهم على الأقل أن يتركوا زادًا كثيرًا لرفقائهم الثلاثمائة الذين يخاطروا بحياتهم لصالح المجموع، ولكن إذا به يحتفظ فقط بهم دون أن يكون مع كل واحد منهم سوى زاد يكفي ليوم واحد أو يومين على الأكثر، وكان هذا أيضًا امتحانًا لإيمانهم لكي يطلبوا من الله زاد كل يوم بيومه..
[9- وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ, لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ. 10- وَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا مِنَ النُّزُولِ, فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى الْمَحَلَّةِ,. 11- وَتَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ, وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ». فَنَزَلَ هُوَ وَفُورَةُ غُلاَمُهُ إِلَى آخِرِ الْمُتَجَهِّزِينَ الَّذِينَ فِي الْمَحَلَّةِ. 12- وَكَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ بَنِي الْمَشْرِقِ حَالِّينَ فِي الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ, وَجِمَالُهُمْ لاَ عَدَدَ لَهَا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. 13- وَجَاءَ جِدْعُونُ فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: «هُوَذَا قَدْ حَلُمْتُ حُلْمًا, وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَجَاءَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ, وَقَلَبَهَا إِلَى فَوْق. 14- فَأَجَابَ صَاحِبُهُ: «لَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللَّهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ». (قض 9:7-14). ]
+ في تلك الليلة: بعد أنصرف الأعداد الكبيرة من بني إسرائيل، كان يلزم لجدعون إما أن يحارب بالإيمان هو والثلاثمائة الذين معه أو لا يحارب على الإطلاق، لذلك ودون أن يطلب علامة جديدة، تطوع الرب من تلقاء نفسه، فدبر له أن يصل في الوقت المناسب ليسمع من فم واحد من الأعداء حلم إلهي وتفسيره.
+ النزول إلى المحلة الوارد في (ع9) والشطر الأول من (ع10) غير النزول الوارد في الشطر الثاني من (ع10) "وبعد تتشدد يدك وتنزل إلى المحلة" إذ الأخير يشير إلى نزول الحرب، بينما الآخر بقصد التجسس.
+ لأني قد دفعتها إلى يدك: مع أن النصر لم يتم بعد، لكن ليقينية حدوثه أورد الله الفعل "قد دفعتها" في الزمن الماضي.
+ وإن كنت خائفًا من النزول: لقد سبق أن أوردنا في معرض شرح الإصحاح السابق الفرق بين الخوف الجبان الذي يمنع المرء عن فعل شيء وقلنا أن الشجاع ليس هو الذي لا يخاف، إذ الخوف من الموت والمرض والجهول مغروس في طبيعتنا، بل الشجاع هو الذي يتقدم للمهام الملقاة على عاتقه بالرغم من خوفه. ولعل هنا يتضح لنا لماذا نعته الرب في أول لقاء معه بكونه جبار البأس (قض 12:6)، إذ ها نحن نراه هنا يتقدم مع غلامه ويتمشى وسط محلة الأعداء وبلا سلاح يحمله، وفي تجواله المطمئن يصل حتى إلى آخر موضع فيها، بينما أي شخص غيره كان سيكتفي على أحسن الأحوال بالسير حول معسكر الأعداء من خارج دون أن يفكر البتة في المجازفة والتجول بداخله.
+ وعمومًا كان جيدًا له أن يأخذ معه غلامه حتى يتثبت صدق الخبر على فم اثنين من الشهود ولا يتطرق إليه شك من أحد، فيزيد هذا الثلاثمائة ثقة وطمأنينة وإيمان بالله في نوال النصرة على العدو رغم كثرته العددية الهائلة.
+ ليس لنا أن نعبر مرور الكرام على كون الذي يتكلم ورفيقه هنا كانا في آخر المحلة، إذ وصول خبر جدعون إلى آخر المحلة، معناه أن الجميع بلا استثناء باتوا على معرفة بما يعده جدعون من حملة لشن حرب عليهم. وربما هم علموا هذا ليس من جواسيس بل من مجرد سماعهم لصوت البوق ورأوا من بعيد أول تجمع لبني إسرائيل (32 ألف) ظانين أنه إن كان في أول النهار قد تجمع هذا العدد الكبير، فكم بالأولى سيكون عدد ضخم يتناسب مع تعدادهم والمرارة التي يكابدونها على أيديهم في آخر النهار!، إذ كانوا يعتقدون أن بني إسرائيل لا ينقصهم إلا ظهور قائد وكان هذا الشخص هو "جدعون بن يوآش رجل إسرائيل" (ع14). وهنا كما هو تصرف الله في مواقف سابقة كثيرة زرع الله في قلوب الأعداء رعب غير عادي وليس له ما يبرره على أرض الواقع ليمهد بهذا السبيل لنصر كاسح لبنيه بأقل مجهود وأقل عتاد ممكن لكون الحرب للرب.
+ قد دفع الله إلى يده المديانيين وكل الجيش: غريب أن ينطق واحد من الأعداء بهذه العبارة مع أن الوضع من الظاهر لا يقول بهذا إذ الكفة راجحة للعدو من كل الأوجه تقريبًا. وغير هذا من أين له أن يعرف الله وأنه حسم نتيجة المعركة مسبقًا؟ لا يوجد تفسير غير أن الرب هو الذي جعله ينطق رغمًا عنه ودون أن يدري معنى ما يقوله، على غرار ما فعل قيافا حين قال "إنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" (يو50:11). لقد تكلم الروح على لا فم هذا الشخص ليسمع جدعون على لسان واحد من الأعداء ما قاله الله لجدعون "انزل إلى المحلة لأني قد دفعتها إلى يدك" (ع9)، ليزداد تأكدًا ويترسخ إيمانه بوعد الرب له بالنصرة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
[15- وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ». 16- وَقَسَمَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ, وَجَعَلَ أَبْوَاقًا فِي أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ, وَجِرَارًا فَارِغَةً وَمَصَابِيحَ فِي وَسَطِ الْجِرَارِ. 17- وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذَلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ, فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هَكَذَا تَفْعَلُونَ. 18- وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ, وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». 19- فَجَاءَ جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَّوَلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ, وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ, فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. 20- فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ, وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا, وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». 21- وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. 22- وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ, وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ إِلَى طَبَّاةَ. (قض 15:7-22). ]
إذ قد سمع جدعون الحلم وتفسيره ازداد طمأنينة وثقة فسجد للرب في الحال شاكرًا أفضاله ونعمه ورجع إلى المحلة وسرد ما سمعه مؤكدًا لهم أن الرب دفع لأيديهم جيش المديانيين. ولكن هذا لم يمنع أن يترك الله المجال ليستخدم مهاراته الحربية وحكمته البشرية لتدبير تحقيق هذا على الطبيعة بنعمة الله.
1- لقد أوقع جدعون في قوات الأعداء إحساس برعب قاتل وخطر فظيع في وقت الليل البهيم، إذ أن الرب قصد أن من كانوا مصدر رعب لشعبه إسرائيل، يتسبب الرعب ذاته في استئصالهم وإهلاكهم.
أما جدعون:
أ- فقسم جيشه الصغير -إن جاز لنا أن ندعوه جيشًا- إلى ثلاث فرق (ع16) وكان هو نفسه على رأس فرقة منهم (ع19).
ب- وأمرهم أن يعملوا كلهم مثلما يفعل هو (ع17). هكذا كلمة الأمر التي يعطيها ربنا يسوع المسيح رئيس خلاصنا لجنوده، لأنه ترك لنا مثالًا لنقتدي به بوصية علينا إتباعها"كما صنعت أنا بكم، تصنعون أنتم أيضًا" (يو15:13).
ج- أنه جعل نزوله عليهم في ليلة كانوا فيها آمنين ومطمئنين ولديهم أقل قدر من توقع الهجوم عليهم، في ليلة لن يتم فيها اكتشاف صغر عدد رجاله. ومن ناحية أخرى غير خاف على أحد أن كل فزع ولا فزع الليل، فرعب الليل هو الأكثر شدة وهولًا.
جهز جدعون جيشه وأعطى لكل رجل بوق في يده اليمنى وجرار فارغة ومصابيح في وسط الجرار في اليد اليسرى. وعدم ذكر وجود سيف مع كل واحد منهم ليس معناه عدم وجوده معهم، ولكن هذا قد حدث ربما لأنه من البديهيات أو لأنه لن يتم استخدامه في هذه المرحلة، لأن الأعداء سيستخدمون سيوفهم ليقتلوا بعضهم البعض.
لقد استنبط جدعون ثلاث طرق ليثير الرعب في قلوب جيش الأعداء:
• بضجة عظيمة. على كل رجل من رجاله أن يضرب بالبوق بأقصى طريقة مرعبة يستطيعها وفي نفس الوقت يكسرون الجرار ويفتتوها، مع العلم بأن كسر كل واحد جرته في جرة رفيقة سيعطي صوت مدوي وضخم أكثر من كسرها في أي شيء آخر. ولابد أن الضجيج قد أثار قدرًا كبيرًا من القلق والذعر بين العدد الضخم من الجمال (ع12) مما يؤدي بها إلى الهرب ونشر الرعب بزيادة في المعسكر.
• بلهيب شديد. إن المصابيح كانت مخفية في وسط الجرار، وإذ تؤخذ المصابيح وتخرج كلها معًا فجأة ستعمل عرض باهر وتوحي لهم بأن هذه مجرد طلائع سيأتي على ضوءها جيش بني إسرائيل بأعداد ضخمة من بعيد.
• بهتاف وصياح عظيمين. على كل رجل أن يهتف قائلًا للرب ولجدعون (ع18)، لكن هم صرخوا قائلين سيف للرب ولجدعون، لأن الحرب حرب الرب وجدعون هو القائد المعين من الرب، وغير هذا فإن سيف الرب هو المصدر الكلي لنجاح سيف جدعون، إذ بدون الرب باطل هو كل تعب وجهاد جدعون.
يمكن أن تؤخذ هذه الطريقة التي بها هُزم المديانيون كإشارة وكرمز لتدمير مملكة الشيطان في العالم بواسطة الكرازة والبشارة بالإنجيل الأبدي: رنين ذلك البوق وإذاعة ونشر ذلك النور من الأواني الخزفية (2كو6:4، 7). هكذا اختار الله جهّال العالم ليخزي الحكماء (1كو27:1)، اختار رغيف خبز شعير ليقلب خيام المديانيين لكيما يكون فضل القوة لله فقط. إن الإنجيل سيف ليس في اليد بل في الفم.
2- النجاح المدهش لهذا الرعب المفتعل. راعى كل رجل من رجال جدعون ترتيبه ووقفوا كل واحد في مكانه حول المحلة (ع21) ضاربًا بالبوق ليثيرهم على قتال بعضهم البعض.. انظروا كيف تحقق القصد والمطلوب:
أ- إنهم خافوا من الإسرائيليين. سرى الرعب في الحال في كل محلة الأعداء، وكان معهم حق في الاعتقاد بأنه جيش عظيم جدًا ذاك الذي كان طلائعه هؤلاء المبوقين وحاملي المصابيح والذين يأتون من كل الجهات. لكن كانت هناك قوة فائقة للطبيعة طبعت فيهم هذا الرعب. الله نفسه كان وراء هذا الرعب غير العادي الذي نزل بهم. انظر لقوة التخيل، فكثيرًا ما يمكن أن تصير في بعض الأحيان مصدر للرعب وفي أحيان أخرى مصدر للمسرة.
ب- إنهم غدروا ببعضهم البعض: جعل الرب سيف كل واحد بصاحبه، أي ضد صاحبه، إذ في الظلام لن يمكن تمييز العدو من الصديق، وفي ذلك الوقت ينطبق المبدأ القائل اقتل الآخر قبل أن يكون هو من الأعداء، إذ التباطؤ في موقف كهذا يكلف المرء حياته. كثيرًا ما يجعل الله أعداء الكنيسة آلات لتدمير بعضهم بعضًا.
ج- من نجا من سيف صاحبه هرب لينقذ حياته. لقد كانوا يهربون بلا مطارد بسبب الرعب الذي أوقعه الله في قلوبهم.
[ 23- فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ 24- فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلًا إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلًا: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَة. 25- وَأَمْسَكُوا أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا, وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ, وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتُوا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأردن. (قض 23-25). ]
هنا نرى طريقة استكمال هذا الانتصار المجيد:
1- تجمع ثاني لجنود جدعون الذين تم صرفهم، وتعقبهم باجتهاد وحمية من لم تكن لديهم الشجاعة على مواجهتهم. الذين كانوا خائفين ويخشون القتال، أو تم صرفهم وكانوا من العشرة آلاف (ع3) تشجعوا الآن عقب انهزام العدو -إذ من المؤكد أنهم كانوا يراقبون الموقف عن قرب- فقاموا بتعقب من فر منهم إلى الشمال.
2- وبينما جاء هؤلاء من تلقاء ذواتهم، نجد أن جدعون أرسل إلى كل سكان جبل أفرايم الذي يدخل في حدود أكثر من سبط ليمسكوا ويطاردوا من يهرب من ناحية الجنوب، ولتحقيق هذا طلب منهم يؤّمنوا محاور بيت بارة ونهر الأردن حيث من المتوقع أن يتم الهروب عبرهما.
3- كان رجال أفرايم على رأس من لبى الدعوة واستطاعوا أن يمسكوا باثنين من أمراء المديانيين كان اسم واحد غراب والآخر ذئب. والصخرة التي عندما تم قتل ذئب دُعيت صخرة غراب، أما المعصرة التي فيها وجد غراب وتم قتله فيها دُعيت معصرة ذئب. ويبدو أن رجال أفرايم تعقبوا فلول الأعداء إلى عبر الأردن من الضفة الشرقية، إذ من هناك جاءوا إلى جدعون برأسي غراب وذئب.
وأخيرًا نختم بفوائد جاءت في نهاية شرح هذا الإصحاح في السنن القويم:
[1- يجب أن لا ننظر إلى الكثيرين لنتحد بهم، بل إلى الحق لنتحد مع الرب (ع2).
2- إن الله يمتحن الناس بوضعه أمامهم صعوبات لكي يظهر إيمانهم وثباتهم. (ع3-7).
3- إن الله يفضّل القليلين وهم أقوياء في الإيمان على الكثيرين وهم خائفون (ع7).
4- يجب على عبيد الرب الطاعة له وللذين اختارهم مرشدين لهم (ع17).
5- لا نجاح بلا ثقة والثقة أولًا بالله ثم بنفوسنا لكوننا خدامه (ع18).
6- يجب استخدام حكمتنا واستعمال الوسائل البشرية وإن كانت النصرة من الرب (ع16-18).
7- إن الأشرار جبناء وإن كانوا كثيرين (ع21).
8- ليس للأشرار اتحاد حقيقي بعضهم مع بعض (ع22). ]
← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير القضاة 8 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنجيلوس المقاري |
تفسير القضاة 6 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-07.html
تقصير الرابط:
tak.la/3dncd8g