St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

القضاة 19 - تفسير سفر القضاة

 

* تأملات في كتاب قضاة:
تفسير سفر القضاة: مقدمة سفر القضاة | القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21

نص سفر القضاة: القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21 | القضاة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح التاسع عشر

 

اللاوي وسريته - ليلة في جبعة - اغتصاب السرية وموتها - توزيع أشلاء السرية علي أسباط إسرائيل

 

اللاوي وسريته

[1- وفي تلك الأيام حين لم يكن ملك في إسرائيل كان رجل لاوي متغربا في عقاب جبل أفرايم فاتخذ له امرأة سرية من بيت لحم يهوذا. 2- فزنت عليه سريته وذهبت من عنده إلى بيت أبيها في بيت لحم يهوذا وكانت هناك أيامًا أربعة أشهر. 3- فقام رجلها وسار وراءها ليطيب قلبها ويردها ومعه غلامه وحماران فأدخلته بيت أبيها. فلما رآه أبو الفتاة فرح بلقائه. 4- وأمسكه حموه أبو الفتاة فمكث معه ثلاثة أيام، فأكلوا وشربوا وباتوا هناك. 5- وكان في اليوم الرابع أنهم بكروا صباحًا وقام للذهاب فقال أبو الفتاة لصهره اسند قلبك بكسرة خبز وبعد تذهبون. 6- فجلسا واكلأ كلاهما معًا وشربا وقال أبو الفتاة للرجل ارتض وبت وليطب قلبك. 7- ولما قام الرجل للذهاب ألح عليه حموه فعاد وبات هناك. 8- ثم بكر في الغد في اليوم الخامس للذهاب فقال أبو الفتاة اسند قلبك وتوانوا حتى يميل النهار وأكلا كلاهما. 9- ثم قام الرجل للذهاب هو و سريته وغلامه فقال له حموه أبو الفتاة: إن النهار قد مال إلى الغروب بيتوا الآن هوذا آخر النهار بت هنا وليطب قلبك وغدًا تبكرون في طريقكم وتذهب إلى خيمتك. 10- فلم يرد الرجل أن يبيت بل قام وذهب وجاء إلى مقابل يبوس هي أورشليم ومعه حماران مشدودان وسريته معه. 11- وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدًا قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها. 12- فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا نعبر إلى جبعة. 13- وقال لغلامه تعال نتقدم إلى أحد الأماكن ونبيت في جبعة أو في الرامة. 14- فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين. (قض 1:19-14). ]

 

وهنا نتعرض لمثال حي على التدهور الأخلاقي الذي وصل إليه شعب إسرائيل حتى أن ما ورد هنا ما كان له أن يحدث أبدًا من قبل رجال يبوس الوثنيين.. وهذا التدهور لم يكن بعد دخول الأرض بوقت طويل، إذ هنا جاء تأريخ لهذا الحدث بالقول "وفينحاس بن ألعازر بن هارون واقف أمامه في تلك الأيام" (قض 28:20)، الأمر الذي يعني أن هذه الحادثة تمت بعد وفاة يشوع وألعازر. ولهذا في هذا الإطار نفهم عبارة "لم يكن ملك في إسرائيل" بالطريقة التي أشرنا إليها من قبل، بأنه لم يكن هناك شخص أو مجلس يمسك زمام القيادة على مستوى جميع الأسباط فيبسط الأمن وينظم العلاقات بين الأسباط ويحل الخلافات ويعاقب كل من يخرج عن وصايا الله الروحية منها والأخلاقية.

وهنا أيضًا نجد لاوي يتغرب عن الموضع الذي تعين له في القرعة، الأمر الذي يشير إلى أن بني إسرائيل تخلوا عن الالتزامات المطلوبة منهم تجاه اللاويين والكهنة منذ وقت مبكر، وكأنهم أول ما فكروا في ترك الله والتخلي عن عبادته بدأوا بخدامه، ولذلك تفرق اللاويين كلٍ في طريق غير الآخر ليبحث عن لقمة العيش بأي طريقة كانت. ومن يدري قد يكون تلهف هذا اللاوي على العودة سريعًا إلى موضع غربته، يرجع إلى ارتباطه بعمل يتطلب منه عدم الغياب لفترة طويلة وإلا انقطع مورد رزقه..

St-Takla.org Image: Arabic map: The events of the story of the Levite's concubine (Judges 19-21): (in blue: Israeli forces - in red: the flight of the Benjaminites) - and it includes the following places: Shechem - the heights: Shiloh - Lebonah - Ephraim - Ophrah - Rimmon - Bethel - Mizpah - Ramah - Gibeon - Gibeah - Benjamin - Jebus - Geba - Judah - Bethlehem. صورة في موقع الأنبا تكلا: خريطة أحداث قصة اللاوي وسريته (القضاة 19-21): (بالأزرق: قوات إسرائيلية - بالأحمر: هروب البنيامينيين) - وبها الأماكن التالية: شكيم - مرتفعات: شيلوه - لبونة - أفرايم - عفرة - ريمون - بيت إيل - المصفاة - الرامة - جبعون - جبعة - بنيامين - يبوس - جبع - يهوذا - بيت لحم.

St-Takla.org Image: Arabic map: The events of the story of the Levite's concubine (Judges 19-21): (in blue: Israeli forces - in red: the flight of the Benjaminites) - and it includes the following places: Shechem - the heights: Shiloh - Lebonah - Ephraim - Ophrah - Rimmon - Bethel - Mizpah - Ramah - Gibeon - Gibeah - Benjamin - Jebus - Geba - Judah - Bethlehem.

صورة في موقع الأنبا تكلا: خريطة أحداث قصة اللاوي وسريته (القضاة 19-21): (بالأزرق: قوات إسرائيلية - بالأحمر: هروب البنيامينيين) - وبها الأماكن التالية: شكيم - مرتفعات: شيلوه - لبونة - أفرايم - عفرة - ريمون - بيت إيل - المصفاة - الرامة - جبعون - جبعة - بنيامين - يبوس - جبع - يهوذا - بيت لحم.

وهكذا إهمال الشعب لواجبه من نحو إعالة اللاويين والكهنة كان مردوده سيئًا إذ انهمك هؤلاء في البحث عن لقمة العيش وتركوا خدمة التعليم وتوجيه الشعب روحيًا، فكانت الرذائل التي ما هو مذكور منها هنا يفوق ما يمكن أن يأتيه الغرباء والوثنيين!

هنا لم يذكر الكتاب شيء عن وجود امرأة شرعية لها اللاوي غير هذا السرية، ولكن عدم ذكر هذا لا ينفي وجودها. ولقد سبق القول عن أن المرأة السرية هي زوجة ثانية أو ثانوية -إن جاز التعبير- ولا تتمتع هي وبنيها بكل امتيازات الزوجة الأساسية. ولقد قيل أنها قد تكون من العبيد أو سبايا الحرب، ولكن على ما يبدو أن المذكورة هنا إسرائيلية، ومن يدري قد يكون هو لجأ لهذا النوع من الزواج لكلفته الأقل ولكونه ليس لديه مال يدفعه كمهر لزوجة أساسية لفقره النسبي (وأقول النسبي لأننا هنا نرى لديه حماران وغلام وطعام له ولغلامه والحماران). ولذلك لتقريب المعنى للقارئ نقول أن المرأة السرية لا تفرق عن من يتم زواجها زواجًا عرفيًا لدى المسلمين.. مع العلم بأن إشعار الزواج ونسب البنين وتوريثهم، كله يرجع للرجل آنذاك، بينما التقنين شيء يتم السعي إليه الآن لحماية الزوجة وبنيها في العصر الحديث..

نظرًا لكون ذلك اللاوي متغرب عن موضعه الأصلي فلعله قد التقى بهذه الزوجة في أحد جولاته للبحث عن عمل، وعمومًا يمكن القول بأن موضعها في بيت لحم لا يبعد كثيرًا عن موضع إقامته الحالي، إذ في نفس يوم انطلاقه ليصالحها وصل واستقبلته وأدخلته لبيت أبيها، ولو كان خرج مبكرًا عن العودة كما نوى لكان وصل أيضًا إلى بيته قبل غروب الشمس وما كان حدث الذي حدث!

زنت عليه سريته: لإيضاح الصورة أكثر عن التدهور الأخلاقي والروحي، نرى هذا هذه المرأة لا تكتفي بزوجها، ولسبب لا نعمله تدخل في علاقات غير شرعية مع غيره. ومن يدري قد يكون عتابه لها هو الذي أغضبها وكأنها سيدة العفاف ولم تأت هذه الرذيلة، فقررت أن ترجع لأبيها تشكو له كيف اتهمها زوجهًا زورًا في شرفها، فقبلها أبيها في بيته دون أن يتحقق من صدق كلام ابنته فمكثت عنده أربعة أشهر (ع2). وأثناء ذلك هدأت ثورة غضب زوجها اللاوي وقرر أن يصالحها ويردها لبيته، فشد الرحال إلى بيت أبيها، وهي لما رأته اعتبرت هذا المجيء رد شرف لها وفرحت في داخلها لكون هذا يعزز موقفها أمام أبيها، بينما هي تعرف في أعماقها إثمها وخطيتها. أما والدها فقد فرح بلقائه (ع3)، واعتبر مجيئه في حد ذاته إنهاء للموضوع فأمسك به بكل قوته ليمكث عنده ثلاثة أيام كما هي عادة الضيافة آنذاك، واللاوي بدوره لم يمانع حتى ينتهي الأمر على خير ما يرام (ع4).

ولكن بناء على إلحاح حموه بات اليوم الرابع والخامس ولم يرد أن يبيت ليلة سادسة وهكذا قرر المغادرة عند غروب الشمس (ع9، 10)، وتحرك ركبه نحو أورشليم ولم يرد أن يسمع لمشورة غلامه ويبيت فيها ظنًا منه أن الأغراب لن يحسنوا معاملته كما بني جنسه، وآثر أن يبيت إما في جبعة أو الرامة على حسب ما يسمح به الوقت المتبقي من ضوء النهار وفعلوا مع اختفاء آخر ضوء للنهار كان قد وصل إلى جبعة التي لبنيامين (ع14).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ليلة في جبعة

[15- فمالوا إلى هناك لكي يدخلوا ويبيتوا في جبعة فدخل وجلس في ساحة المدينة ولم يضمهم أحد إلى بيته للمبيت. 16- وإذا برجل شيخ جاء من شغله من الحقل عند المساء والرجل من جبل أفرايم وهو غريب في جبعة ورجال المكان بنيامينيون. 17- فرفع عينيه ورأى الرجل المسافر في ساحة المدينة فقال الرجل الشيخ إلى أين تذهب ومن أين أتيت. 18- فقال له نحن عابرون من بيت لحم يهوذا إلى عقاب جبل أفرايم، أنا من هناك وقد ذهبت إلى بيت لحم يهوذا وأنا ذاهب إلى بيت الرب وليس أحد يضمني إلى البيت. 19- وأيضًا عندنا تبن وعلف لحميرنا وأيضًا خبز وخمر لي ولامتك وللغلام الذي مع عبيدك ليس احتياج إلى شيء. 20- فقال الرجل الشيخ السلام لك، إنما كل احتياجك عليّ ولكن لا تبت في الساحة. 21- وجاء به إلى بيته وعلف حميرهم فغسلوا أرجلهم وأكلوا وشربوا. (قض 15:19-21). ]

 

لم يكن هناك مفر أمام هذا اللاوي ومن معه إلا أن يدخلوا ويبيتوا في جبعة إذ غابت آخر أشعة الضوء وكان يتعذر السفر آنذاك ليلًا ربما ليس فقط لصعوبة المسالك، بل أيضًا لكونها لا تخلو من قطّاع طرق، وربما لخوفه على سريته من أن يمسها سوء من رجال أشرار يعترضون طريقه ليلًا.. فدخل وجلس في ساحة المدينة -وفي الغالب تكون موجودة عند باب المدينة- منتظرًا أن يستضيفه أحد سواد الليل ليرحل في الصباح الباكر، ولكن يمكن أن نفهم ضمنًا من عبارة "ليس أحد يضمني إلى البيت" (ع18)، أن هناك من رأوه ولكن امتنع الكل عن استضافته، وكأنهم قد اتفقوا سويًا جميعًا على رأي شرير وهو أن تركه في العراء سيسهل مهمتهم ليلًا في فعل الشر معه ومع غلامه!

St-Takla.org Image: The Levite at Gibeah, with his concubine, servant, two saddled donkeys, and the host (Judges 19:15,16) - by Charles Joseph Staniland صورة في موقع الأنبا تكلا: اللاوي في جبعة بنيامين مع سريته، خادمه، والحماران المشدودان، مع الرجل الشيخ مستضيفهم (سفر القضاة 19: 15، 16) - للفنان تشارلز جوزيف ستانيلاند

St-Takla.org Image: The Levite at Gibeah, with his concubine, servant, two saddled donkeys, and the host (Judges 19:15,16) - by Charles Joseph Staniland

صورة في موقع الأنبا تكلا: اللاوي في جبعة بنيامين مع سريته، خادمه، والحماران المشدودان، مع الرجل الشيخ مستضيفهم (سفر القضاة 19: 15، 16) - للفنان تشارلز جوزيف ستانيلاند

لم يكن اللاوي يفهم ما يدور في أذهانهم الشريرة وظن أنه لم يستضفه أحد من باب البخل وخوفًا من أن يتكلف إطعام هذه القافلة الصغيرة بكل من فيها، ولذلك عندما بادر الشيخ بالكلام معه طمأنه اللاوي من تلقاء نفسه قائلًا " وأيضًا عندنا تبن وعلف لحميرنا وأيضًا خبز وخمر لي ولامتك وللغلام الذي مع عبيدك ليس احتياج إلى شيء." (ع19)

هنا أيضًا نرى شيخ متغرب عن أرضه ويحيا في جبعة في الغالب كأجير، لأنه قيل "جاء من شغله من الحقل" (ع16)، ولو كان الحقل حقله لكان قيل "من حقله" وهذا بالطبع أمر متوقع لأن الأراضي قد تم توزيعها بين الأسباط منذ فترة قريبة ولم يبع أحد نصيبه أو يرهنه.

وهنا يمكن أن نجد كلام طيب نقوله في حق هذا الشيخ وذلك اللاوي. فهذا الشيخ يمكن أن ينطبق عليه من خلال ما قاله هنا وما بدر منه من تصرفات محمودة في الفقرة التالية أنه كان واحدًا من الشيوخ الذين قيل عنهم في نهاية سفر يشوع أنهم رأوا الأعمال العظيمة التي عملها الرب لإسرائيل، ربما في صدر شبابه لأننا نراه هنا لا يزال قادرًا على العمل والكسب (ع16) ولديه بنت عذراء شابة لم تتزوج بعد (ع24). أما هذا اللاوي فهو كان على عكس ذلك اللاوي التعيس الذي جاء عنه كلام في الإصحاح السابق والذي بسهولة باع ضميره وإلهه وساهم في انتشار عبادة الأوثان على نطاق واسع بجهله في عشيرة بأكملها من سبط دان.

وفي ضوء هذه الأعداد يمكن القول أنه كان شخص حليم وغفر لزوجته خطيتها ومضى بنفسه ليرجعها ويطّيب خاطرها وكان ودودًا مع حماه ولم يكسر بخاطره فمكث يومين أكثر من المفروض. ولو نضع عبارة "أنا ذاهب إلى بيت الرب" في اعتبارنا يمكننا أن نفهم أنه أقام في عقاب جبل أفرايم في أقرب موضع متاح له ليكون بالقرب من بيت الرب ليخدم فيه، الأمر الذي يعطينا فكرة حسنة عن أخلاقه وروحياته. ولعل كلمة "وأيضًا" الواردة في أول (ع19)، يمكن أن تعزز فكرة أنه من منطلق مبادئه الروحية التي استقاها من قربه من بيت الرب تعلّم ألا يثقل على أحد..

بعد أن سمع الشيخ من اللاوي من أين جاء وإلى أين يمضي، أخذه إلى بيته وليس فقط تعهد بكل احتياجات اللاوي ومن معه، بل أيضًا غسل أرجلهم وقد لهم طعامًا ليأكلوا ويشربوا (ع21).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اغتصاب السرية وموتها

[22- وفيما هم يطيبون قلوبهم إذا برجال المدينة رجال بليعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين اخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه. 23- فخرج إليهم الرجل صاحب البيت وقال لهم لا يا إخوتي لا تفعلوا شرًا بعدما دخل هذا الرجل بيتي، لا تفعلوا هذه القباحة. 24- هوذا ابنتي العذراء وسريته دعوني أخرجهما فأذلوهما وافعلوا بهما ما يحسن في أعينكم وأما هذا الرجل فلا تعملوا به هذا الأمر القبيح. 25- فلم يرد الرجال أن يسمعوا له فامسك الرجل سريته وأخرجها إليهم خارجًا فعرفوها وتعللوا بها الليل كله إلى الصباح وعند طلوع الفجر أطلقوها. 26- فجاءت المرأة عند إقبال الصباح وسقطت عند باب بيت الرجل حيث سيدها هناك إلى الضوء. 27- فقام سيدها في الصباح وفتح أبواب البيت وخرج للذهاب في طريقه وإذا بالمرأة سريته ساقطة على باب البيت ويداها على العتبة. 28- فقال لها: قومي نذهب. فلم يكن مجيب فأخذها على الحمار وقام الرجل وذهب إلى مكانه. (قض 22:19-28).]

 

من الواضح أن ليس كل رجال المدينة واقعين في هذه الخطية القبيحة، بل فقط البعض منهم والذين تم نعتهم هنا بأنهم رجال بليعال، أي رجال باعوا أنفسهم للشيطان فأسلمهم الله لذهن مرفوض حتى يفعلوا ما لا يليق. وفي الحقيقة وإن كنا لا نستطيع أن نجزم لكن هناك من لا استبعد أن هذه ليست المرة الأولى التي فيها يتعرضون لغريب ليلًا ليمارسوا معه القباحة رغمًا عنه، ولكن لأن كأس إثمهم قد طفح وفاض، لذلك كان أوان العقاب قد حان.

وكون رجال السبط يرفضون تسليم هؤلاء الأثمة، فهذا يعني ضمنًا أن هذا هو نفس موقف كثيرين من رجال المدينة. نعم هم يرفضون هذه الخطية القبيحة في ذاتها، ولذلك لم نسمع أن أشرار المدينة قد حاولوا فعل نفس الشر مع هذا الشيخ الغريب حين قدم ليتغرب إليهم، لأنه من المرجح أنه جاء في وضح النهار وكان تعامله وأخذه موافقة الإقامة هناك من شيوخ المدينة، فلم يستطيع شبابها الطائش أن يمسه هو أو أحد ممن له بأذى، ولعل هذا يفسر لنا أنه حتى لو أخرج لهم ابنته العذراء ما كانوا سيمسونها لخشيتهم من أن يصل الأمر إلى مسامع شيوخ المدينة فيعاقبونهم!

St-Takla.org Image: The Levite's concubine killed by the Benjaminites after being raped, and seen in the image also the host of Gibeah (Judges 19:27) - Gabriel Guay - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909 صورة في موقع الأنبا تكلا: مقتل سرية اللاوي بعد اغتصابها، على أعتاب باب بيت الرجل المضيف في جبعة (سفر القضاة 19: 27) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909

St-Takla.org Image: The Levite's concubine killed by the Benjaminites after being raped, and seen in the image also the host of Gibeah (Judges 19:27) - Gabriel Guay - from "The Bible and its Story" book, authored by Charles Horne, 1909

صورة في موقع الأنبا تكلا: مقتل سرية اللاوي بعد اغتصابها، على أعتاب باب بيت الرجل المضيف في جبعة (سفر القضاة 19: 27) - من كتاب "الإنجيل وقصته"، إصدار تشارلز هورن، 1909

لقد كانت خطية سدوم هذه نابعة من الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان وعدم تشديد يد الفقير والمسكين (حز49:16)، الأمر الذي يعني ضمنًا أن هذه بحذافيرها نفس خطية جبعة، ولذلك كانت تستحق نفس عقاب سدوم إنما بأيدي رجال كل السبط، ولكن التراخي والتساهل في معاملة البنين على هذا النحو ليس فقط طوح بهم بعيدًا عن عبادة الله كما ينبغي، بل أيضًا -وكنتيجة طبيعية للبعد عن الله- طرحهم في هوة الرذيلة ليفعلوا ما لا يليق!

وكما يقول المثل الطيور على أشكالها تقع، فهكذا إذ تلاقى هذا الشيخ الطيب مع واحد من خدام الله أكلا سويا وشربا وربما تسامرا في الروحيات وبهذا كانوا يطيبون قلوبهم، إذ بالأشرار يحيطون بالبيت، وفي تلهفهم على فعل الخطية القبيحة، كان طرقهم متواصل ومتزايد الحدة، ولم يصبروا حتى يفتح الرجل الباب ليرى من الطارق ويسأله عن طلبه، بل بصوت عالي ومسموع قالوا له أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه (ع22)، الأمر الذي قد يعني أن بيته كان على أطراف المدينة وليس قريبها من شيوخها ورؤسائها!

وعلى ما يبدو أن ذلك الشيخ الذي كان يرجع كل يومه من عمله في الحقل عند المساء مرهقًا، فيتعشى وينام ولا يدري ما يدور من حوله في الليل، لذلك كان مفاجئًا له هذا الكلام، وليس من المستبعد لكونه على بعض معرفة بقصة لوط، فخرج إليهم ومضمونها في باله، فقال لهم ما قاله لوط حين نعت أولئك الأشرار بأنهم إخوته ليلطف من شهواتهم الجامحة وأهوائهم الملتهبة: لا يا إخوتي لا تفعلوا شرًا. عليكم أن تحترموا حرمة بتي وقواعد الضيافة المعمول بها في كل مكان بعدما دخل هذا الرجل بيتي لا تفعلوا هذه القباحة (ع23).

وإذ تذكر عرض لوط بتقديم بنتيه لهؤلاء الأوغاد، عرض هو أيضًا ابنته العذراء وسرية الرجل، لأنه إن كان ولابد ولن يستطيع أن يمنع فعل الرذيلة الشنيعة، فعلى الأقل يستبدلها بواحدة أقل شناعة طالما أن ميزان القوة ليس في صالحه ولن يستطيع أن يجد من ينجده في هذا الليل البهيم!

ولكن قبل أن نستطرد في الكلام ونتابع شرح هذه الأعداد نود أن نطرح سؤالًا هامًا: هل كان هناك طريق بديل يمكن أن يطرقه هذا اللاوي أو ذاك الشيخ؟ نعم ولا سيما أنهما من الناس الطيبين وربما من الصالحين. كان يمكنهم أن يستنجدوا بالله ويصلوا لله بلجاجة حتى يعمي هؤلاء الأشرار فيدورون حول البيت دون أن يدركوا أين بابه كما حدث في قصة لوط. كان عليهم أن يطلبوا معونة الله وهم من الجيل الذي إن لم يكن قد رأى معجزات الله وعجائبه فهو على الأقل قريب العهد منها وسمع بها من شهود عيان لها، كان عليهم أن يحكموا غلق الباب(32) ويتركوا لله أن يتدبر أمرهم كما يريد وهو يقينًا لن يخذل طالبيه الصارخين إليه.

وعمومًا كانت شهامة من الشيخ أن يعرض ابنته العذراء مع السرية لينقذ اللاوي من فعل الرذيلة فيه، ولكن اللاوي أعفاه وأعفاها وقدم سريته لا سيما وأنه يعرف أنها زانية وهذا الموقف ليس فيه جديد بالنسبة لها سوى أنها من قبل كانت تزني مع من يحلو لها وهنا ستزني رغمًا عنها ليس فقط مع من لا يحلو لها بل مع عدد فوق طاقتها.

ومع أن السادوميين في الغالب لا يحلو لهم ولا يتلذذون إلا بفعل الشر مع ذكر مثيل لهم، إلا أن هؤلاء الأوغاد قبلوا بهذا العرض، الأمر الذي يرجح ما سبق أن أشرنا إليه في الحاشية في الصفحة الفائتة أنهم جبناء وما كانوا سيقتحمون البيت عنوة لو أحكم الرجل إغلاقه وتركهم وشأنهم.

عرفوها وتعللوا بها الليل كله: من هذه العبارة نفهم أنهم تناوبوا عليهم دون أن يعطوها راحة البتة لكونها امرأة واحدة وحيدة وهم كثيرين وليس أمامهم سوى سواد الليل فقط، إذ أعمال الخطية ظلمة ولا تتم إلا في الظلمة! وهنا يمكن القول أنها ماتت ليس لأنها شعرت بالمهانة والمذلة وأنكسر قلبها بسبب تسليم زوجها وخيانته لها في وقت الشدة، بل لأن التركيب الفسيولوجي لجسد المرأة له حدود لا يستطيع تخطيها. نعم المرأة لديها قدرة على الجماع لأكثر من مرة في الليلة بينما الرجل نادرًا ما يستطيع أكثر من مرة. ولكن ما تم بذله من طاقة عصبية وإفرازات مصاحبة تستنفذ خلاصة عصارات الجسم، ومضاف إلى هذا شحنة الغضب والحزن المكبوت لكون لا حول لها ولا قوة فيما يحدث معها، كل هذا قد أدى إلى استنفاذ طاقتها العصبية والنفسية فلم تستطع مواصلة الحياة وماتت، وحتى لو أفلتت من الموت فهي تبقى عليلة وطريحة الفراش لفترة قد تصل إلى شهور تكون نسبة حدوث الموت عالية في كل ساعة من هذه الشهور!

وهنا نرى أن هذه المرأة بعد أن تركوها لم تستطع أن تقف وتنتصب أو تجد قدرة لتقرع الباب، ولذا سقطت عند الباب ميتة (ع26)، ويداها على العتبة (ع27).

إن ما يلفت الانتباه أن زوجها دُعي سيدها في (ع26، 27)، ليس من باب التكريم إذ منذ سارة لم نسمع في الكتاب عن زوجة تقول عن زوجها "سيدي" (تك12:18)، ولكن هذا قيل هنا لأنه تصرف معها كسيد مع عبدته التي اشتراها لنفسه زوجه، ومن هذا المنطلق لم تستطع أن تقاوم أو تعارض حين أمسك بها وأخرجها لهم (ع25)، ولو كانت هي زوجة شرعية وأساسية وليست سرية ربما ما كان يجرؤ على التصرف معها هكذا. ولكن هذا بالطبع لا يمنع أنه فعل هذا من باب الخوف والاضطرار إذ وجد أنه لن يستطيع أن يصمد أمام هؤلاء الأوغاد.

والذي يؤكد الاضطرار أنه يلفت انتباهنا أيضًا أن الرجل لم ينتظر صاحب البيت حتى يفتح الباب، بل فتحه بنفسه على غير المألوف من أي ضيف عند مضيفه، الأمر الذي يعني أنه لم ينم الليل، ويعني أنه أيضًا فقد الأمل في أن يجدها إذ قيل "فتح أبواب البيت وخرج للذهاب في طريقه" (ع27)، ووجودها ساقطة على باب البيت كان مفاجئة له "إذا بالمرأة سريته ساقطة على باب البيت ويداها على العتبة" فكان تحصيل حاصل أن يقول لها "قومي نذهب" ولأنها كانت قد ماتت لذلك فلم يكن مجيب (ع28)، فلم يتركها هناك بل أخذها إلى بيته وألغى فكرة العبور على بيت الله في شيلوه (ع18)، لأن الدم كان يغلي في عروقه مما حدث (ع28).

وهكذا ماتت هذه المرأة كنتيجة لتلك الخطية التي استمرأتها وكأن غفران زوجها لها لم يهب لها غفران السماء، أو قد يكون الله غفر لها ولكن ترك لجسدها هذا المصير ليكفر عن ماضيها لتخلص في السماء جسدًا وروحًا!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

توزيع أشلاء السرية علي أسباط إسرائيل

[29- ودخل بيته وأخذ السكين وأمسك سريته وقطعها مع عظامها إلى اثنتي عشرة قطعة وأرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل. 30- وكل من رأى قال لم يكن ولم يُر مثل هذا من يوم صعود بني إسرائيل من أرض مصر إلى هذا اليوم. تبصروا فيه وتشاوروا وتكلموا. (قض 29:19، 30). ]

 

وإن كنا لا نستطيع أن نجزم بشيء، لكن يمكن القول أن الرجل قد استشف بطريقة ما نجهلها أن شيوخ جبعة على علم بني بليعال الموجود وسطهم ومتغاضين عنهم وليست حادثته هي الأولى، لذلك وجد أنه من غير المجدي اللجوء إلى شيوخ سبط بني بنيامين، لا سيما وأنه يرى بعينه ويسمع بأذنيه مدى التفكك الذي أصاب الأسباط ومدى التهاون الذي آل إليه حال شيوخ ورؤساء العشائر، لذلك هداه تفكيره أن يقطع جسد سريته إلى اثني عشر جزءًا ويرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل، مع شخص يعطي فكرة تفصيلية لما حدث مع كل قطعة من الاثني عشر قطعة، وكان رأي كل من رأى وسمع استنكار في الحال بأن مثل هذا لم يحدث منذ صعود بني إسرائيل من مصر، مع طلب عدم السكوت على الأمر وضرورة معاقبة الفعلة الأوغاد هؤلاء.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(32) إن الخطية جبانة لا تستطيع أن تظهر في النور ومن يخطئ يشعر بخوف ما، ولذلك لم نرهم هنا وقد اقتحموا البيت عنوة، بل اللاوي من ذاته هو الذي أخرج لهم سريته ليفتدي نفسه ويلهيهم عنه.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-19.html

تقصير الرابط:
tak.la/4tv6hnp