* تأملات في كتاب
قضاة: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
[1- ورجال إسرائيل حلفوا في المصفاة قائلين لا يسلم أحد منا ابنته لبنيامين امرأة.2- وجاء الشعب إلى بيت إيل وأقاموا هناك إلى المساء أمام الله ورفعوا صوتهم وبكوا بكاء عظيمًا. 3- وقالوا لماذا يا رب إله إسرائيل حدثت هذه في إسرائيل حتى يفقد اليوم من إسرائيل سبط. 4- وفي الغد بكر الشعب وبنوا هناك مذبحا واصعدوا محرقات وذبائح سلامة. 5- وقال بنو إسرائيل من هو الذي لم يصعد في المجمع من جميع أسباط إسرائيل إلى الرب لأنه صار الحلف العظيم على الذي لم يصعد إلى الرب إلى المصفاة قائلا يمات موتًا. 6- وندم بنو إسرائيل على بنيامين أخيهم وقالوا قد انقطع اليوم سبط واحد من إسرائيل. 7- ماذا نعمل للباقين منهم في أمر النساء وقد حلفنا نحن بالرب أن لا نعطيهم من بناتنا نساء.8- وقالوا أي سبط من أسباط إسرائيل لم يصعد إلى الرب إلى المصفاة وهوذا لم يأت إلى المحلة رجل من يابيش جلعاد إلى المجمع. 9- فعد الشعب فلم يكن هناك رجل من سكان يابيش جلعاد. 10- فأرسلت الجماعة إلى هناك اثني عشر ألف رجل من بني البأس وأوصوهم قائلين اذهبوا واضربوا سكان يابيش جلعاد بحد السيف مع النساء والأطفال. 11- وهذا ما تعملونه تحرمون كل ذكر وكل امرأة عرفت اضطجاع ذكر. 12- فوجدوا من سكان يابيش جلعاد أربع مئة فتاة عذارى لم يعرفن رجلا بالاضطجاع مع ذكر وجاءوا بهن إلى المحلة إلى شيلوه التي في ارض كنعان.13- وأرسلت الجماعة كلها وكلمت بني بنيامين الذين في صخرة رمون واستدعتهم إلى الصلح. 14- فرجع بنيامين في ذلك الوقت فأعطوهم النساء اللواتي استحيوهن من نساء يابيش جلعاد ولم يكفوهم هكذا. 15- وندم الشعب من أجل بنيامين لأن الرب جعل شقا في أسباط إسرائيل. (قض 1:21-15). ]
لم نسمع من قبل عن القسم الوارد هنا بعدم تزويج أحد ابنته لواحد من سبط بنيامين وبالتهديد بإماتة كل من لا يحضر ذلك الاجتماع، ولكن من الواضح أن هذا تم فعلًا وأنه من المرجح أنه كان هناك رسل إلى كل مدن إسرائيل بإلزام حضور الجميع والتهديد بمعاقبة من لا يأتي.. ولعل هذا يؤكد أن ليس كل حدث أو قول يتم تسجيله في الكتاب المقدس ولو جاءت عنه إشارة ولو عابرة فيما بعد علينا أن نقبل منها حدوث ذلك الفعل أو صدور ذلك القول..
وسواء عدم التزويج أو قتل من لا يحضر فكلا التعهدين تم أخذهما بتسرع، وبغير سؤال الرب ولو أنهم ادّعوا أنهم في حضرته، بل وربما الذي دفعهم إلى كل هذا ليس الخوف على مجد الرب أو بتر عضو فاسد قد يسبب غرغرينا في باقي أعضاء الجسم، بل يمكن من خلال ما جاء هنا من ندم ومعاتبة الرب بقولهم: "لماذا يا رب إله إسرائيل حدثت هذه في إسرائيل حتى يُفقد اليوم من إسرائيل سبط" (ع3)، أنهم فعلوا هذا خوفًا من عقاب جماعي يحل بكل إسرائيل لو لم يحكموا هم بأنفسهم على آثمي جبعة ومن يقف في صفهم أو يتقاعس عن عقابهم، وهذا ما نستشفه من موقف سابق وذلك حين بنى رجال أسباط الضفة الشرقية مذبحًا [16- «هَكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ الرَّبِّ: مَا هَذِهِ الْخِيَانَةُ الَّتِي خُنْتُمْ بِهَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ, بِالرُّجُوعِ الْيَوْمَ عَنِ الرَّبِّ, بِبُنْيَانِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحًا لِتَتَمَرَّدُوا الْيَوْمَ عَلَى الرَّبِّ؟. 17- أَقَلِيلٌ لَنَا إِثْمُ فَغُورَ الَّذِي لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْهُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ, وَكَانَ الْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ,. 18- حَتَّى تَرْجِعُوا أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَنِ الرَّبِّ؟ فَيَكُونُ أَنَّكُمُ الْيَوْمَ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى الرَّبِّ, وَهُوَ غَدًا يَسْخَطُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ. (يش16:22-18). ]، وكانوا هناك أيضًا مستعدين للحرب إذ لزم الأمر (يش12:22)، وربما لو لم يشتكي ذلك اللاوي ويرسل إلى كل أنحاء إسرائيل جزء من جثة زوجته لما كان أحد قد تحرك، لأنه على سمع وبصر الجميع كان هناك تعبد للأوثان في جميع أنحاء إسرائيل ولم يتحرك أحد، وهوذا ميخا الذي من جبل أفرايم كان على مقربة من شيلوه ومع هذا لم يرتدع من نفسه ولا ردعه أحد قائلًا له ماذا تفعل، بل وهل ممكن أن ما يحدث من انشقاق عن كهنوت بني هارون وابتداع كهنوت غريب في الشمال من قبل سبط دان لم يسمع به أحد؟
إن الخوف من العقاب الجماعي جعلهم يمضون إلى أحد أبعد جدًا مما كان سيفعله الله نفسه، إذ هم هنا بدوا وكأنهم يخافون على مجد الله أكثر من الله نفسه! وفي انعدام هذا التوازن بدوا كمن هو يتخبط، إذ أن يجتمعوا في بيت إيل ليبكوا ويصوموا ويصعدوا ذبائح ومحرقات بعد انكسارهم مرتين (قض 26:20)، فهذا أمر مقبول وجائز ويمكن تعليله، لكن ما معنى أن يبكوا هنا بكاء عظيم بل ويبنوا مذبح ويصعدوا محرقات وذبائح سلامة (ع2، 4).
لو كانت هي ذبائح شكر على الانتصار ما كان ينبغي أن يصاحبها هذا البكاء العظيم، ولو كان البكاء بكاء ندم، فكيف نفسر عقابهم الشديد وقتلهم لكل من كانوا في يابيش جلعاد بهذه القسوة الشديدة التي طالت النساء والأطفال وهم لا ذنب لهم (ع10)؟ هل كان الله يسره أن يتقيدوا بتنفيذ قسم يتم فيه زهق أرواح من أولاده لذنب لم يقترفوه، أو أن يتقيدوا بعدم تزويج واحدة من بناتهم لبنياميني ومثل هذا الالتزام معناه إفناء السبط من الوجود تمامًا أو قطعه من رعوية إسرائيل؟ لماذا لم يتوجهوا لله قائلين ماذا نفعل في تعهداتنا التي تسرعنا في النطق لا سيما وأنهم كانوا يتمتعون بميزة وجود طريقة بها يرد الله على تساؤلاتهم.
حقًا كان عجيب وغريب هذا التخبط، إذ بينما يندمون على بنيامين أخيهم يقومون بأنفسهم بقطع مدينة يابيش جلعاد بأكملها عدا العذارى الأربعمائة التي شفعت لهن وأحيتهن الاحتياج لهن! بل وبينما قدموا ذبائح من قبل على مذبح في بيت إيل (قض 26:20)، إذا هم أيضًا يبنون هنا مذبح ثاني (ع4)، مع أنه لا يبدو أن هناك كمية ذبائح كثيرة استدعت إقامة مثل هذا المذبح الثاني، ومع أنه واضح أنهم رجعوا بعد هذا إلى شيلوه حيث مذبح خيمة الاجتماع (ع12). قد يقول البعض أن هذا المذبح تم عمله لأنه لم يكن هناك ملك وهم أيضًا فعلوا ما يحسن في أعينهم وقد يلتمس لهم أحد العذر فيقول أنهم بنوه ربما لاحتياج ملّح فرضته كثرة الذبائح، وقد يقول ثالث أنهم أقاموه أيضًا ليحفظ ذكرى تلك الأحداث..
ولكن مهما حاولنا السعي لتبريره فلن يخرج عن حالة انعدام الوزن والتخبط الذي صاروا فيه من جراء التصرف من أنفسهم دون الرجوع في كل كبيرة وصغيرة إلى الرب لا سيما وأن عدم وجود قائد معين من الرب مثل موسى أو يشوع كان يفرض عليهم مثل هذا الرجوع الطوعي لله.
وعمومًا وبالرغم من كل شيء كان تصرف حسن منهم أن يرجعوا إلى الصواب ويسعوا لإيجاد حل لما تم من أخطاء تراكمت على بعضها فأرسلوا إلى الستمائة المختبئين في صخرة رمون وأعطوا أربعمائة منهم بنات يابيش جلعاد وربما تم هذا بالقرعة، وكان الندم على وجوه الرؤساء كفيل بلم الشمل وتصفية القلوب. وقبل أن نترك هذه الأعداد نود التعليق على نقطتين أولهما عبارة "لأن الرب جعل شقًا في أسباط إسرائيل" (ع15)، فحاشا للرب أن يتسبب في مثل هذا الانشقاق ولكنه قيل من باب أن الله سمح بحدوثه وليس بكونه هو السبب، وربما قيل من قبيل أن سعيهم للدفاع عن مجد الله والخوف من نقمة جماعية تحل بهم هو الذي جعلهم ينشقون وينقسمون على بعضهم البعض.
أما النقطة الثانية وهي علاقة أهل يابيش جلعاد وسبط بنيامين وخصوصًا أيام شاول الملك، إذ سعى البعض إلى القول أن تصرفه مع أهل يابيش جلعاد كان ناجمًا عن صلة الدم بحسب ما جاء في هذه الفقرة التي نحن بصددها، ولكن.
أ- أنه هنا تم إبادة كل أهل المدينة ممن هم أقارب العذارى الأربعمائة، ولذلك لم يعد يربطهن بالمدينة سوى ذكريات الطفولة وإن وجد أحد عمّر هذه المدينة فليس له صلة قرابة مباشرة سوى أنه من سبطهم، أقصد سبط منسى المقيم في الضفة الشرقية وهم في هذا لا يفرقون عندهن في شيء عن بقية أبناء سبط منسى الواقع في شرق الأردن وغربه!
ب- أن شاول كان في بداية عهده وكان وقوف مع مدينة تعاني من بطش ملك بني عمون ناحاش، أمر يتطلبه سعيه لتثبيت ملكه وإثبات أحقيته لهذا المُلك، ولذلك أيًا كان انتماء سكان تلك المدينة، وأيًا كانوا، هو سيسعى بسبب تلك الأسباب المذكورة أعلاه أن يقف بجانبها..
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
[16- فقال شيوخ الجماعة ماذا نصنع بالباقين في أمر النساء لأنه قد انقطعت النساء من بنيامين. 17- وقالوا ميراث نجاة لبنيامين ولا يمحى سبط من إسرائيل. 18- ونحن لا نقدر أن نعطيهم نساء من بناتنا لأن بني إسرائيل حلفوا قائلين ملعون من أعطى امرأة لبنيامين. 19- ثم قالوا هوذا عيد الرب في شيلوه من سنة إلى سنة شمالي بيت إيل شرقي الطريق الصاعدة من بيت إيل إلى شكيم و جنوبي لبونة. 20- وأوصوا بني بنيامين قائلين امضوا واكمنوا في الكروم. 21- وانظروا فإذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في الرقص فاخرجوا أنتم من الكروم واخطفوا لأنفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا إلى أرض بنيامين. 22- فإذا جاء آباؤهن أو إخوتهن لكي يشكوا إلينا نقول لهم تراءفوا عليهم لأجلنا، لأننا لم نأخذ لكل واحد امرأته في الحرب لأنكم أنتم لم تعطوهم في الوقت حتى تكونوا قد أثمتم. 23- ففعل هكذا بنو بنيامين واتخذوا نساء حسب عددهم من الراقصات اللواتي اختطفوهن وذهبوا ورجعوا إلى ملكهم وبنوا المدن وسكنوا بها. 24- فسار من هناك بنو إسرائيل في ذلك الوقت كل واحد إلى سبطه وعشيرته وخرجوا من هناك كل واحد إلى ملكه. 25- في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل كل واحد عمل ما حسن في عينيه. (قض 16:21-25). ]
طالما أنه تم الحلف بعد إعطاء أحد من إسرائيل ابنته زوجة لأحد من بنيامين كانت الحكمة تقتضي عدم إبادة النساء والأطفال من الذكور والإناث من هذا السبط، ولكن الذي حصل قد حصل ومطلوب الآن إصلاح الوضع بقدر المستطاع، وهنا قبل أن نواصل الكلام على هذه الأعداد نلمح شيئين أولهما أن السلطة كانت لا تزال في أيدي الشيوخ رؤساء الأسباط وكونهم يبتون في الأمر ويتم الرجوع إليهم للشكوى من أي أمر كما حدث حين جاء آباء الفتيات التي تم خطفهن هنا، فهذا يؤكد القرب الشديد زمنيًا من فترة يشوع وربما ما حدث هنا كان بعد وفاته بفترة قصيرة. والأمر الثاني هو أنه لو لم يكن هذا الأمر قريب العهد لكانوا تهاونوا في الأمر وتركوا يتزوجوا من أجنبيات وثنيات. لكن لنعود هنا إلى هذه الأعداد حيث يتم إخبارنا بالطريقة التي تم بها تدبير 200 زوجة لبقية رجال بنيامين:
1- كانت الفتيات تلتقي للرقص في شيلوه إكرامًا لعيد الرب، والذي من المحتمل أن يكون عيد المظال، إذ كان هذا العيد بحسب بعض المصادر اليهودية هو المناسبة الوحيدة التي يُسمح فيها للفتيات اليهوديات بالاجتماع معًا بعيدًا عن أعين الآباء والإخوة للرقص معًا، ولم يكن رقصهن للترفيه عن أنفسهن بقدر ما كان للتعبير عن فرحهن المقدس، مثلما فعل داود عندما رقص أما تابوت العهد ومثل فعل مريم النبية ومعها بعض النساء بعد عبور البحر الأحمر ومثلما فعلت البارة ابنة يفتاح. لقد كان رقصهن بحشمة وعفاف، ولكن العلانية التي تم بها هذا الرقص جعلهن فريسة سهلة لمن يريد مهاجمتهن.
2- أعطى شيوخ إسرائيل الإذن للبنيامينيين وقالوا لهم امضوا واكمنوا في الكروم، وراقبوا البنات وهن يدرن للرقص وليخطف كل واحد البنت التي تروق له واذهبوا إلى أرض بنيامين بهن. وهنا نرى طريقة للتزاوج غير معقولة وبعيدة عن الصواب، إذ ينتفي فيها عنصر المحبة المتبادلة والقبول الطوعي بين العريس وعروسه، وفيها يلزم أن تأتي موافقة الوالدين على الزواج لاحقًا، وكانت هذه حالة شاذة لم يسبق لها مثيل على الإطلاق. وحقًا إن الزيجات المتسرعة كثيرًا ما تكون فرصة لندم ينتج عن التفكير بروية وتمهل فيما بعد، وأي عزاء أو فرح يمكن انتظاره من زواج تم بالقسر أو الغش والخداع؟
3- قام الشيوخ بتهدئة آباء هؤلاء الفتيات العذارى. فالقسم الذي التزموا به أن يعطوا بناتهم للبنيامينيين ربما يوخز بعضًا ممن ضميرهم حساس. ولكن هنا يطلب منهم الشيوخ الحلم والرأفة تراءفوا عليهم لأجلنا، أي سامحوهم لأجلنا، لأننا في تهورنا كدنا أن نقضي على سبط بأكمله، وحتى سعينا لجلب نساء لهم في قتالنا ليابيش جلعاد، لم نستطع توفير العدد المطلوب كله. ومن ناحية أخرى أنتم لم تعطوهم طوعًا ومن تلقاء أنفسكم حتى تشعروا بوخز الضمير، ولم يكن هناك مخرج من هذه الورطة سوى بهذه الطريقة!
وبعد تسوية الأمر وديًا وبالتراضي، عاد أبناء بنيامين إلى أرض سبطهم (ع23)، وبنوا مدنهم التي تم تخريبها من قبل وسكنوا فيها، وسرعان ما ازدهر السبط ونما عدديًا حتى صار من بينهم أهود القاضي الثاني لإسرائيل (قض 15:3)، والذي كان مشهورًا في جيله.
بعد تسوية كل هذه الأمور والمشاكل لم يعد هناك ضرورة لهذا التجمع الذي قرأنا عنه في بداية الإصحاح العشرين، وتم تسريح جيش إسرائيل ورجوع كل واحد إلى سبطه وعشيرته (ع24).
وأخيرًا ختم الكاتب السفر بالعبارة التي ميزت فترة القضاة وكانت السمة البارزة فيه وهي أنه إذ لم يكن هناك قوة ردع وسلطان حازم ومجلس دائم يتشكل أعضائه وفق لوائح معنية ويتم استبدال أو إحلال لمن يموت أو يستعفي أو يتم إعفائه لسبب من الأسباب، لذلك كان كل واحد يفعل ما يحلو في عينيه دون وجود من يردعه، ولذلك صارت الأحوال على ما رأينا خلال فقرات هذا السفر!
وأخيرًا نختم السفر بهذا القول:
لم يُكتب سفر القضاة اعتباطًا بل هو جزء حي يعكس أحوال شعب الله في مسيرة غربتهم إذ هو يعكس بصورة حية وواقعية، بل هو مرآة لتاريخ الكنيسة شعبًا وأفرادًا. فالعماد وختم الميرون وباقي الأسرار لا يعطون للمؤمن مناعة ضد مضايقات عدو الخير ومن ينتسبون له من البشر، مثلما كان الأمر مع بني إسرائيل بعد عبورهم العظيم وخروجهم من مصر بذراع رفيعة وأعمال الله المعجزية معهم طوال أربعين سنة حتى استيلائهم على أرض كنعان.
بل إن الخيرات التي وعد بها الله مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتنفيذ الوصايا التي أعطاها لنا لخيرنا (تث29:5). وغير هذا فإن ما يسبغه الله علينا وإياهم من نعم، مقصود به أن يستخدمنا الله كوسيلة لتوصيل نوره وقوته ومحبته لغير المؤمنين به ومن أجل هذا جعلهم في أرض ملتقى الشرق والغرب لتحتك بهم شعوب كثيرة، فيستطيعون من خلال موقعهم هذا أن يوصلوا رسالة الله للكل. ونحن أيضًا وضعنا مثلهم في العالم لذات الغرض.
لكن إن انحصرنا في ذواتنا وتعبدنا لمصالحنا الشخصية وجعلناها آلهة لنا -كما فعل اليهود- فحتمًا لن يواصل الله إعطائنا حصانته الدبلوماسية كسفراء له، لأنه إله غيور ولا يعطي مجده لآخر والنتيجة إنه إذ نترك الله يتركنا لنضل فنصبح بلا قوة إذ هو مصدر قوتنا مثلما كان بالنسبة لشمشون. وسيرة شمشون توضح لنا عمليًا النتائج المترتبة على تركنا لله، ولهذا ليتنا نعي جيدًا دروس سفر القضاة، فندرك حقا ًأن سر حياتنا ومصدر وجودنا وكل ما نتمتع به من خيرات هو الرب يسوع، وبدونه نفقد ملوحتنا ولا ننفع لشيء إلا أن نطرح في المزبلة ليُداس علينا بالأقدام.
الرب قادر أن يعطينا نعمته ويباركنا بكل بركة روحية ويتغمدنا بمراحمه بركة السيدة العذراء وكل قديسي برية شيهيت آمين.
تم الانتهاء من هذه الدراسة في الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق عيد صعود جسد السيدة العذراء.
← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
مراجع هذا التفسير |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنجيلوس المقاري |
تفسير القضاة 20 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-21.html
تقصير الرابط:
tak.la/w7y46xj