St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   fr-angelos-st-makarios  >   judges

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنجيلوس المقاري

القضاة 3 - تفسير سفر القضاة

 

* تأملات في كتاب قضاة:
تفسير سفر القضاة: مقدمة سفر القضاة | القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21

نص سفر القضاة: القضاة 1 | القضاة 2 | القضاة 3 | القضاة 4 | القضاة 5 | القضاة 6 | القضاة 7 | القضاة 8 | القضاة 9 | القضاة 10 | القضاة 11 | القضاة 12 | القضاة 13 | القضاة 14 | القضاة 15 | القضاة 16 | القضاة 17 | القضاة 18 | القضاة 19 | القضاة 20 | القضاة 21 | القضاة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الثالث

 

[1- فَهَؤُلاَءِ هُمُ الأُمَمُ الَّذِينَ تَرَكَهُمُ الرَّبُّ لِيَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ, كُلَّ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا جَمِيعَ حُرُوبِ كَنْعَانَ. 2- إِنَّمَا لِمَعْرِفَةِ أَجْيَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَعْلِيمِهِمِ الْحَرْبَ. الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوهَا قَبْلُ فَقَطْ. 3- أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْخَمْسَةُ وَجَمِيعُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالصَّيْدُونِيِّينَ وَالْحِّوِيِّينَ سُكَّانِ جَبَلِ لُبْنَانَ مِنْ جَبَلِ بَعْلِ حَرْمُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ. 4- كَانُوا لاِمْتِحَانِ إِسْرَائِيلَ بِهِمْ, لِيُعْلَمَ هَلْ يَسْمَعُونَ وَصَايَا الرَّبِّ الَّتِي أَوْصَى بِهَا آبَاءَهُمْ عَنْ يَدِ مُوسَى. 5- فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِّزِيِّينَ وَالْحِّوِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ,. 6- وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ. 7- فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, وَنَسُوا الرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ وَالسَّوَارِيَ. (قض 1:3-7). ]

 

هنا يخبرنا النص بمن تبقوا من السكان القدامى من كنعان:

كان يوجد بعضًا منهم ممن احتفظوا بمجموعات متحدة غير منفصلة: أقطاب الفلسطينيين الخمسة، أشدود وغزة وعقرون وجت وأشكلون (1صم17:6)، ومع أنه جاء في (قض 18:1) أن سبط يهوذا أخضع ثلاثة منها، إلا أنه من الواضح أنهم استعادوا استقلالهم وسطوتهم سريعًا. كانت توجد أمة خاصة تُدعى أمة الكنعانيين الذين احتفظوا بأرضهم مع الصيدونيين على شاطئ البحر المتوسط. وفي الشمال شغل الحويين معظم جبل لبنان.

لكن بالإضافة لهؤلاء كان يوجد في كل مكان من أنحاء كنعان تجمعات متفرقة من الحثيين والآموريين (ع5).

St-Takla.org Image: Othniel, Ehud, Shamgar (Judges 3:1-31)صورة في موقع الأنبا تكلا: عثنيئيل، أهود، شمجر (القضاة 3: 1-31)

St-Takla.org Image: Othniel, Ehud, Shamgar (Judges 3:1-31

صورة في موقع الأنبا تكلا: عثنيئيل، أهود، شمجر (القضاة 3: 1-31)

وبخصوص هذه البقايا من الأمم نلاحظ:

1- كيف أن الله بحكمة سمح لهم بالبقاء. ذُكر في ختام الإصحاح السابق أن الله تركهم يبقون لتأديب إسرائيل، كفعل عادل لله. لكن هنا أيضًا ذُكر سبب آخر، ظهر منه أنه لحكمة من الله تركهم يبقون وذلك لنفع حقيقي ولمصلحة بني إسرائيل: لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب الذين لم يعرفوها قبل قط (ع1، 2)، وهذا لأن أرضهم -أرض كنعان- تقع وسط أعداء كثيرين طامعين فيها، ولذلك كان يلزم بالضرورة أن يكونوا جيدي التدريب على فنون الحرب لكيما يمكنهم الدفاع عن شواطئهم لدى غزوها من الخارج، وكذلك لكيما يوسعوا تخومهم فيما بعد ويستولوا على كل الأرض التي وعدهم الله بها.

2- كيف اختلط بني إسرائيل بخبث وشر بمن تبقوا في الأرض. لقد تزاوجوا مع الكنعانيين (ع6)، مع أن زواجهم بهم لم يزيدهم أرضًا ولا شرفًا. وبهذا التزاوج أغووهم للانضمام إليهم وسجدوا للبعليم والسواري أي التماثيل التي عبدوها تحت الأشجار والتي كانت نوعًا من الهيكل الطبيعي في الهواء الطلق. وفي مثل هذا الزواج غير المتكافئ هناك مدعاة للخوف من أن الردئ سيفسد الجيد أكثر من أن يُرجى أن الجيد سيُصلح من شأن الردئ مثلما هو الحال عندما توضع تفاحة عطنة بجانب تفاحة سليمة.

وإذ مال بني إسرائيل إلى عبادة الآلهة الأخرى التي تتجاوب مع شهوات الإنسان وتعطيه نوعًا من تخدير الضمير، كان من الطبيعي أنهم نسوا الرب إلههم (ع7). حقًا كم هو مؤسف ويحدث كثيرًا أن أبناء الله يتخلون عن دينهم السماوي بينما في المقابل تجد يحدث العكس عند تابعي الدين غير السماوي، إذ تجدهم متشبثين بدينهم جدًا من جهة لأن إصبع الشيطان وراء الأمر ومن ناحية أخرى لأنه كما سبق القول يلبي شهوات الجسد ويستخدم القمع والقهر لمنع ترك أحد له.

وأخيرًا نسجل ما قاله القمص تادرس يعقوب على هذه الفقرة في معرض شرحه لها:

[تُرك الأمم لا لينزع سلام الشعب ولا ليصيبهم ضرر، إنما لعلمه أن في هذا خيرهم. فإذ يضايقهم الأمم بالهجوم، يشعرون باحتياجهم إلى العناية الإلهية، لهذا يستمرون متطلعين إلى الله طالبين معونته، ولا يتهاونون في كسل ولا يفقدون فضيلة الاحتمال والعمل مجاهدين في الفضيلة..

أما علامة الانحراف فهي: اتخذوا بناتهم لأنفسهم نساءً وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم (ع6). هذه هي العلامة المزدوجة: الارتباط بغير المؤمنين خلال العلاقة الزوجية، وعبادة الآلهة الغريبة. والعجيب أن يبدأ بذكر الزواج بغير المؤمنين قبل عبادة الآلهة الأخرى، لأن الأولى هي العلة والسبب والثانية هي ثمرة طبيعية للإنسان الشهواني الذي يقبل الزواج خارج دائرة الإيمان، لهذا يحذرنا الرسول قائلًا "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟! وأية شركة للنور مع الظلمة؟! وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟!" (2كو14:6، 15). ]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The children of Israel did evil in the sight of the LORD, and served the Baals and Asherahs (Judges 3:5-7) صورة في موقع الأنبا تكلا: الإسرائيليون يعبدون البعل (القضاة 3: 5-7)

St-Takla.org Image: The children of Israel did evil in the sight of the LORD, and served the Baals and Asherahs (Judges 3:5-7)

صورة في موقع الأنبا تكلا: الإسرائيليون يعبدون البعل (القضاة 3: 5-7)

[8- فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ, فَبَاعَهُمْ بِيَدِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ. فَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ ثَمَانِيَ سِنِينَ. 9- وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ, فَأَقَامَ الرَّبُّ مُخَلِّصًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَخَلَّصَهُمْ. عُثْنِيئِيلَ بْنَ قَنَازَ أَخَا كَالِبَ الأَصْغَرَ. 10- فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ, وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ لِلْحَرْبِ فَدَفَعَ الرَّبُّ لِيَدِهِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكَ أَرَامَ, وَاعْتَّزَتْ يَدُهُ عَلَى كُوشَانِ رِشَعْتَايِمَ. 11- وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَمَاتَ عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ. (قض 8:3-11). ]

 

نأتي الآن إلى سجلات حكم بعض القضاة الذين أولهم عثنيئيل الذي هو همزة وصل بين سفر يشوع وهذا السفر. ونلاحظ في هذه القصة القصيرة لحكم عثنيئيل الآتي:

1- الضيق الذي حل بإسرائيل لأجل خطيتهم (ع8). الله لكونه عن عدل غضب منهم، تركهم نهبًا للأمم وعرضهم للبيع كبضائع يتم المساومة عليها وأول من وضع يديه عليهم كان كوشان رشعتايم ملك ذلك الجزء من سورية الذي يقع بين نهري دجلة والفرات، ومن ثم دُعيت ما بين النهرين. وإذ كان يهدف إلى توسيع مملكته غزا سبطين من الأسباط على الجزء الآخر من الأردن المجاور لبلاده، وبعد ذلك توغل ربما تدريجيًا إلى قلب البلاد وأخضع كل من صادفه من الإسرائيليين وجعل عليهم جزية وربما أقام عليهم نقاط مراقبة من جنوده، وبهذا استعبدهم وأفقدهم حريتهم، وهناك من يرى أنهم عبدوه كما إله، ولكن ليس ما يؤيد هذا الافتراض.

2- رجوعهم إلى الله في هذا الضيق: "إذ قتلهم طلبوه" (مز34:78) بينما قبل ذلك استخفوا به. صرخ غالبية بنو إسرائيل إلى الرب (ع9). الذين في يوم طربهم هتفوا للبعليم وعشتاروت، الآن في ضيقهم يصرخون إلى الرب.

3- عودة الله لهم بالرحمة لأجل خلاصهم وإنقاذهم:

أ-- كان المخلص عثنيئيل -الذي تزوج ابنة كالب- أحد الذين عاينوا أعمال الرب. ربما كان عثنيئيل متقدمًا في الأيام في الوقت الذي أقامه الله لهذه الكرامة.

ب- فهو لم يتلق هذه الإرسالية من إنسان ولا بواسطة إنسان، بل كان عليه روح الرب، روح الحكمة والشجاعة ليؤهله لهذه الخدمة، وروح القوة ليثير نخوته فيضطلع بها.

ج- الطريقة التي اتخذها: هو قضى أولًا لإسرائيل ووبخهم وقوّمهم وبعد ذلك خرج إلى الحرب. وهذه كانت الطريقة الصائبة، إذ مطلوب الانتصار على الخطية التي في الداخل، وبعد ذلك سيكون من السهل التعامل مع الأعداء في الخارج. هكذا ليكن المسيح قاضينا وشارعنا وآنذاك هو سيخلصنا، لكن ليس بدون شروط غير هذه (انظر اش22:33).

د- النجاح العظيم الذي أحرزه: أفلح عثنيئيل في كسر نير الاضطهاد الذي كان عليهم، إذ يقول النص "دفع الرب ليده كوشان رشعتايم".

هـ النتيجة السعيدة لخدمات عثنيئيل الصالحة لهم. استراحت الأرض لمدة أربعين سنة، وكان يمكن للراحة أن تكون إلى الآن لو داوموا الالتصاق بالله وقيامهم بعبادته لخيرهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Ehud (Aod) kills Eglon (Judges 3:17-22): Ehud grips the arm of the enthroned Eglon and stabs him with the other hand. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 161) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: إيهود يقتل عجلون الملك (القضاة 3: 17-22) - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 161)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: Ehud (Aod) kills Eglon (Judges 3:17-22): Ehud grips the arm of the enthroned Eglon and stabs him with the other hand. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 161) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: إيهود يقتل عجلون الملك (القضاة 3: 17-22) - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 161)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

[12- وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, فَشَدَّدَ الرَّبُّ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ عَلَى إِسْرَائِيلَ, لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 13- فَجَمَعَ إِلَيْهِ بَنِي عَمُّونَ وَعَمَالِيقَ, وَسَارَ وَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ وَامْتَلَكُوا مَدِينَةَ النَّخْلِ. 14- فَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً. 15- وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ, فَأَقَامَ لَهُمُ الرَّبُّ مُخَلِّصًا إِهُودَ بْنَ جِيرَا الْبِنْيَامِينِيَّ, رَجُلًا أَعْسَرَ. فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. 16- فَعَمِلَ إِهُودُ لِنَفْسِهِ سَيْفًا ذَا حَدَّيْنِ طُولُهُ ذِرَاعٌ, وَتَقَلَّدَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى. 17- وَقَدَمَّ الْهَدِيَّةَ لِعِجْلُونَ مَلِكِ مُوآبَ. وَكَانَ عِجْلُونُ رَجُلًا سَمِينًا جِدًّا. 18- وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى مِنْ تَقْدِيمِ الْهَدِيَّةِ صَرَفَ الْقَوْمَ حَامِلِي الْهَدِيَّةِ,. 19- وَأَمَّا هُوَ فَرَجَعَ مِنْ عِنْدِ الْمَنْحُوتَاتِ الَّتِي لَدَى الْجِلْجَالِ وَقَالَ: «لِي كَلاَمُ سِرٍّ إِلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ». فَقَالَ: «اسْكُتْ». وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ جَمِيعُ الْوَاقِفِينَ لَدَيْهِ. 20- فَدَخَلَ إِلَيْهِ إِهُودُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي غُرْفَةٍ صَيْفِيَّةٍ كَانَتْ لَهُ وَحْدَهُ. وَقَالَ إِهُودُ: «عِنْدِي كَلاَمُ اللَّهِ إِلَيْكَ». فَقَامَ عَنِ الْكُرْسِيِّ. 21- فَمَدَّ إِهُودُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَأَخَذَ السَّيْفَ عَنْ فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَضَرَبَهُ فِي بَطْنِهِ. 22- فَدَخَلَ الْمِقْبَضُ أَيْضًا وَرَاءَ النَّصْلِ, وَطَبَقَ الشَّحْمُ وَرَاءَ النَّصْلِ لأَنَّهُ لَمْ يَجْذُبِ السَّيْفَ مِنْ بَطْنِهِ. وَخَرَجَ مِنَ الْحِتَارِ. 23- فَخَرَجَ إِهُودُ مِنَ الرِّوَاقِ وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْعِلِّيَّةِ وَرَاءَهُ وَأَقْفَلَهَا. 24- وَلَمَّا خَرَجَ, جَاءَ عَبِيدُهُ وَنَظَرُوا وَإِذَا أَبْوَابُ الْعِلِّيَّةِ مُقْفَلَةٌ, فَقَالُوا: «إِنَّهُ مُغَطٍّ رِجْلَيْهِ فِي الْغُرْفَةِ الصَّيْفِيَّةِ». 25- فَلَبِثُوا حَتَّى خَجِلُوا وَإِذَا هُوَ لاَ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْعِلِّيَّةِ. فَأَخَذُوا الْمِفْتَاحَ وَفَتَحُوا وَإِذَا سَيِّدُهُمْ سَاقِطٌ عَلَى الأَرْضِ مَيِّتًا. 26- وَأَمَّا إِهُودُ فَنَجَا إِذْ هُمْ مَبْهُوتُونَ, وَعَبَرَ الْمَنْحُوتَاتِ وَنَجَا إِلَى سَعِيرَةَ. 27- وَكَانَ عِنْدَ مَجِيئِهِ أَنَّهُ ضَرَبَ بِالْبُوقِ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ, فَنَزَلَ مَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْجَبَلِ وَهُوَ قُدَّامَهُمْ. 28- وَقَالَ لَهُمُ: «اتْبَعُونِي لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ أَعْدَاءَكُمُ الْمُوآبِيِّينَ لِيَدِكُمْ». فَنَزَلُوا وَرَاءَهُ وَأَخَذُوا مَخَاوِضَ الأُرْدُنِّ إِلَى مُوآبَ, وَلَمْ يَدَعُوا أَحَدًا يَعْبُرُ. 29- فَضَرَبُوا مِنْ مُوآبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَحْوَ عَشَرَةِ آلاَفِ رَجُلٍ, كُلَّ نَشِيطٍ وَكُلَّ ذِي بَأْسٍ, وَلَمْ يَنْجُ أَحَدٌ. 30- فَذَلَّ الْمُوآبِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَحْتَ يَدِ إِسْرَائِيلَ. وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ ثَمَانِينَ سَنَةً. (قض 12:3-30). ]

 

إن إهود هو القاضي التالي الذي ذُكرت منجزاته في هذا السفر، وهنا سرد لأعماله:

1- عندما أخطأ بني إسرائيل ضد الله أقام عليهم مستبد جديد (ع12-14). ربما ظنوا أنه يمكنهم أن يتمادوا أكثر في خطاياهم القديمة إذ رأوا أنفسهم بلا مخاطر تأتيهم من المستبد القديم طالما ضعفت قوى تلك المملكة وانهارت. لكن شدد الرب عجلون ملك موآب عليهم. وهذا المستبد تقع مملكته بالقرب منهم أكثر من السابق ولذلك سيلحق بهم ضرر أكثر. ضم ملك موآب إليه قوات من بني عمون وعماليق وتشدد بهم، ويخبرنا النص كيف سادوا على الإسرائيليين:

أ- ضربوهم في عقر دارهم: سار وضرب إسرائيل، ليس فقط استولى على الأسباط التي في شرق الأردن، بل أيضًا عبر والتقى بقوات في غرب الأردن وهزمها وكانت النتيجة أنهم امتلكوا مدينة النخل التي بالقرب من مدينة أريحا، إذ دُعي ذلك الموضع هكذا في (تث3:34).

ب- كان من الطبيعي بعد هذا أنهم استعبدوهم (ع14) وفرضوا عليهم دفع جزية، إما على هيئة ثمار الأرض أو مالًا بدلًا منه، وظل هذا الأمر ساريًا لمدة ثمانية عشر سنة.

2- عندما صرخ بنو إسرائيل ثانية لله أقام لهم مخلصًا جديدًا اسمه إهود (ع15).

أ- إنه كان بنيامينيًا، فقد كانت مدينة النخل تقع في نصيب هذا السفر والتي من المرجح أن سكانها أكثر من عانوا من هذا المحتل الغاصب، ولذلك ليس من المستبعد أن إهود كان من سكان تلك المدينة، التي من ناحية كان سكانها بحكم الاحتلال في علاقة تتيح لهم حتى الدخول إلى ملك موآب كما فعل إهود فيما بعد، ومن ناحية أخرى كان سكان تلك المدينة أول من يهمهم السعي لطرح هذا النير عنهم، ولذا جاء ذكرها هنا.

ب- إنه كان أعسرًا، إذ يبدو أن كثيرين من أبناء ذلك السبط كانوا هكذا (قض 16:20). بنيامين كلمة تعني ابن اليمين، ومع ذلك كثيرين كانوا عسرًا، أي يستخدمون بالأساس يدهم اليسرى، وهكذا قد لا تتمشى طبائع البشر على الدوام مع أسمائهم. اختار الله هذا الرجل الأعسر ليكون رجل يمينه (مز17:80). إن الذين استخدمهم الله كآلات له، لم تكن يدهم اليمنى هي التي أحرزت الانتصار، بل يمين الله (مز3:46).

وحول صنع إهود سيفًا لنفسه، فيراه البعض أن الأعداء حرموا عليهم صنع أسلحة كما كان الفلسطينيين أيام شاول، ولكن يبدو لي أن إهود عمله بنفسه لأن كان يطلب مواصفات معينة تعينه في مهمته كما أن مهمته كانت السرية مطلوبة فيها ومعرفة أحد بها قد يفسدها. ولو قال أحد أن شمجر لم يجد سيف يحارب به، فيمكن الرد بأنه كان فلاحًا لا يجيد استخدام السيف وقد يكون الأعداء فاجأوه بحيث لم يتمكن من المضي لإحضار سيف فحاربهم بما كان متوفر لديه وقتئذ.

ج- هنا يخبرنا النص بما فعله إهود لتخليص إسرائيل من يد الموآبيين:

+ هو قتل عجلون ملك موآب. ولم يقتله بصفته الشخصية، بل قتله كقاضٍ أو خادمًا للعدل الإلهي نفذ فيه أحكام الله.

• كانت له فرصة مواتية للدخول إليه. لكونه إنسانًا مستقيمًا ونشيطًا وأهلًا لأن يقف أمام الملوك، اختاره شعبه ليحمل هدية باسم كل إسرائيل، هدية فوق الجزية المفروضة عليهم، ليقدمها لملكهم العظيم ملك موآب ليجدوا نعمة في عينيه (ع15). مضى إهود في مهمته إلى عجلون وقدم الهدية بالاحتفال المعتاد وتعبيرات الاحترام الواجب بأقصى طريقة تمنع أي شك.

• تخيل إهود من البداية الطريقة التي بها سيقتل هذا الطاغية فأعد سيفًا ذا حدين طوله ذراع وتقلده تحت ثيابه على فخده اليمنى لكيما يبعد عنه أي شبهة وكذلك ليسهل عليه استخدامه بيده اليسرى.

• يبدو أن هذه لم تكن المرة الأولى التي فيها يدخل على ملك موآب، إذ لكونه معروفًا بالفضل عند شعبه ومحبته لهم وفصله بالعدل في قضاياهم، قد أوكلوه لينوب عنهم أمام ذلك الملك، ولكونه صار محل ثقة الملك سنرى بعد قليل كيف أنه طلب مقابلة الملك على انفراد وحصل على مراده بسهولة.

• لقد وجد إهود أن طلب شعبه منه تقديم هدية باسمهم لملك موآب هو فرصته الذهبية التي من خلالها يمكنه أن يخلص شعبه من نير هذا الطاغية الذي أذلهم. وبعد تقديم الهدية غادر هو ومعه من قاموا بحمل الهدية، ثم صرف أولئك الرجال دون أن يقول لهم شيء عما يخططه حتى لا تفسد خطته وبعد أن وصل معهم حتى إلى الجلجال في الضفة الغربية وكأنه راجع إلى موضعه مثله مثلهم، وغادرهم عند المنحوتات(7) التي لدى الجلجال ليلتقي بالملك مرة أخرى إنما على انفراد، وفعلًا لدى وصوله للمقر الصيفي للملك استطاع أن يقنع الملك بإخراج كل الواقفين لينفرد به. ويبدو أن ملك موآب كان على بعض معرفة بإله إسرائيل ويخشاه أو يكّن له احترام كما إلهه كموش، ولذلك بمجرد أن سمع أن هناك رسالة منه قام في الحال عن كرسيه (ع20).

• يمكن القول أن إهود أخذ أمرًا من الله بقتل ذلك الملك الذي أذل شعبه، ولذلك لم يسمع ذلك الملك كلمات بل عاين رسالة مترجمة عمليًا في شخصه، وبدون أن ينتبه الملك أو يأخذ حذره أو يشك في حركات يده كان إهود قد أغمد سيفه في بطنه حتى إلى مقبضه، ونظرًا لأن ذلك الرجل كان سمينًا جدًا (ع17)، لذلك اختلط مقبض السيف بالشحم وصار من العسير التمكن من إخراجه! ويمكن القول أن عبارة "وخرج من الحتار" إما أنها تعني خروج البراز من فتحة الإست كما هو الوضع عند من يموتون، أو تعني خروج ما هو مهضوم من الطعام في الأمعاء نتيجة ما أصابها من تهتك بفعل ضربة السيف.

• ولقد دبرت العناية الإلهية بطريقة عجيبة وسيلة هربه بعد تنفيذه لمهمته. فقد سقط ذلك الطاغية ساكنًا بلا صراخ ولا تشنجات كان من شأنها أن تجتذب أسماع عبيده عن بعد. فخرج ذلك المخلَّص المنفذ لهذا الانتقام الإلهي وأغلق بنفسه الأبواب، ولأنه كان يتمتع بسلام الله وحمايته خرج واجتاز كل الحرس بمنتهى الهدوء دون أن يثير الشبهة أو الشك فيه. ولذلك لما جاء عبيد الملك الذين يخدمونه أمام عليّة الملك ووجدوها مغلقة، لم يخطر ببالهم شيء مما حدث البتة، ولذا انسحبوا بكل هدوء ظانين أن الملك مغط رجليه في مخدع البرود ونائم في محل إقامته الصيفي هذا، كما هي عادته من حين لآخر على ما يبدو، وهكذا باهتمامهم ألا يزعجوا الملك في نومه، جعلوا إهود يفلت من بين أيديهم.

أما عبارة "فلبثوا حتى خجلوا.. " (ع25)، فقد وردت في الترجمة اليسوعية هكذا "فانتظروا حتى احتاروا في أمره.. " ولكن الترجمة التفسيرية أوردته هكذا "فَلَبِثُوا مُنْتَظِرِينَ حَتَّى اعْتَرَاهُمُ الْقَلَقُ.. "، ولو أخذنا النص البيروتي كما هو يمكننا القول إنهم انتظروا طويلًا أن يستدعيهم الملك حتى خجلوا من أنفسهم كيف طاقوا أن ينتظروا كل هذا الوقت الطويل(8)، وكانوا في حيرة وخزي بماذا يجيبون الملك لو عاتبهم الملك لماذا لم يأتيه أحد منهم ليسأله إن كان يحتاج لشيء ما.

وأخيرًا إذ وجدوا الملك لا يفتح أبواب العلية، حسموا أمرهم -ربما بعد تردد- وأخذوا المفتاح وفتحوا وكانت المفاجأة الكبرى أنهم وجدوا سيدهم ساقطًا على الأرض ميتًا، وقد استولت عليهم حالة ذهول شل تفكيرهم وجعلهم عاجزين عن اتخاذ أي قرار، الأمر الذي أتاح لإهود ليس فقط أن ينجو بنفسه إلى سعيرة التي يقول البعض أنها غابة كثيفة، بل أيضًا أن يجمع بني إسرائيل ويبدو أنه لم يجد صعوبة في تطهير مدينة النخل من الأعداء إذ لم يذكر الكتاب شيء بخصوصها أو ربما قد تكون هربت الحامية التي تحتلها من الموآبيين بمجرد سماعهم بخبر موت الملك، أو بمجرد سماعها بخبر البوق الذي أطلقه إهود في جبل أفرايم.

لقد كان البوق الذي ضربه إهود هو بوق اليوبيل معلنًا الحرية والعتق، وكان بوق مفرح للإسرائيليين المقهورين الذين لفترة طويلة مضت لم يسمعوا أبواق أخرى سوى أبواق أعدائهم.

وكإنسان تقي وكمن فعل هذا بإيمان، تشجع إهود هو وشجع جنوده، من قوة الرب التي أسبغها عليهم الآن، فقال لهم اتبعوني لأن الرب قد دفع أعداءكم الموآبيين ليدكم (ع28).

وكقائد سياسي أمنّ إهود مخاوض الأردن وأقام حراس أقوياء على كل هذه المعابر ليقطع الاتصالات بين فصائل الأعداء ويمنع مزيد من الإمداد للجيوب التي داخل أرض كنعان من الأعداء، ثم نزل بعد ذلك وقتل كل الموآبيين الذي صادفهم وقتل من أقواهم بأسًا عشرة آلاف رجل ولم ينج أحد ممن صادفهم، وكانت نتيجة هذا الانتصار كسر كل سلطان الموآبيين من أرض إسرائيل، فتحررت البلاد من غاصبيها واستراحت الأرض ثمانين سنة (ع30).

وهنا نختم بما قاله أ. نجيب جرجس ص58، 59:

[يقدم بعض المعترضين اعتراضًا على كذب إهود على الملك والتحايل حتى تمكن من قتله بغدر وخديعة، ويقولون كيف يصدر هذا من رجل صالح وكيف يسمح الله بأعمال الخداع؟ وللتعليق على هذا نقول:

أولًا: إن مواقف الحرب كثيرًا ما تُستعمل فيها الحيل الحربية، مثلما أرسل موسى الجواسيس إلى أرض كنعان (عد13)، وفعل يشوع هذا في تجسس أريحا ثم عاي (يش2، 7)، ومثلما عمل يشوع كمينًا لعاي (يش2:8)، وحيلة إهود كانت واحدة من الحيل الحربية.

ثانيًا: وإهود كرجل محب لشعبه، إذ حرّكه الرب لمحاربة الموآبيين، كان من رأيه ألا يعرض شعبه الأعزل من السلاح لمواجهة الموآبيين فيموت من شعبه عدد كبير، ولكنه تحمل المسئولية وحده ووضع نفسه على كفه وقام بهذا العمل الجرئ نيابة عن شعبه، وكان قلبه واثقًا بالله كل الثقة ومؤمنًا أن الله سينجح طريقه.

ثالثًا: ويجب أن نذكر أن إسرائيل كان في تأخر روحي عظيم في هذه الحقبة من تاريخهم وبرّ إهود كان نسبيًا بالنسبة لأهل زمانه، لذلك (ليس لنا أن) نعجب إذا رأيناه يلجأ إلى الحيلة البشرية وربما ظن في نفسه أن ما يعمله هو بإرشاد من الله. مع أنه لو طلب مشورة الله ولم يلجأ إلى التحايل كان الرب سينجح طريقه أيضًا.

رابعًا: ويجب أن نذكر أيضًا أن الكتاب المقدس لنزاهته يروي الأحداث كما حدثت، ويذكر محاسن الصديقين وأخطائهم كما ذكر كذب إبراهيم وإسحق وخطا موسى بشفتيه وهكذا (تك12؛ 20؛ 26؛ عد20). ونحن نعلم أن كل إنسان معرض للخطأ وليس بار ومعصوم إلا واحد وهو الرب يسوع الذي بلا خطية وحده (1بط22:2؛ عب15:4).

خامسًا: والرب بتحننه نظر محبة إهود لشعبه وإلى تقواه واستعداده الروحي فأنجح طريقه وخلص إسرائيل على يديه وبارك في عمله إلى ثمانين سنة حتى إن كان قد تخلل عمله شيء من الخطأ. ]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

"وَكَانَ بَعْدَهُ شَمْجَرُ بْنُ عَنَاةَ, فَضَرَبَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ بِمِنْساَسِ الْبَقَرِ. وَهُوَ أَيْضًا خَلَّصَ إِسْرَائِيلَ" (قض 31:3).

 

إن الجزء الآخر من أرض كنعان والذي يقع إلى الجنوب الغربي كان الفلسطينيون في ذلك الوقت يضايقون سكانه، فتصدى لهم شمجر، ولكون أي جزء من الشعب يمثل إسرائيل ككل، لذلك قيل عن شمجر أنه هو أيضًا خلص إسرائيل. أما كم كان عظيمًا الضيق الذي كان فيه إسرائيل، فهذا ما سردته فيما بعد دبورة في أنشودتها: في أيام شمجر كانت المسالك العامة غير مطروقة. أقام الله شمجر ليخلص الإسرائيليين ويبدو أن إهود كان لا يزال عائشًا آنذاك، والذي يجعلنا نتجه نحو هذا التفكير هو أنه في بداية الإصحاح الرابع جاء أن بنو إسرائيل عادوا لفعل الشر بعد موت إهود وليس بعد موت شمجر (قض 1:4). ومن الواضح أن قتل شمجر لستمائة من الأعداء دفعة واحدة قد أصابهم بالرعب فرخوا قبضتهم عن بني إسرائيل. والآلة التي استخدمها شمجر كانت منساس وهو قضيب طويل ينتهي برأس حديدي حاد يستعملونه ليسوسوا به البقر أثناء سيرها فلا تحيد عن الطريق المرسوم لها، الأمر الذي يشير ضمنًا إلى أنه كان في الغالب فلاحًا. إن الله عندما يسره يجعل من الفلاحين قضاة ومن صيادي السمك رسل. ومن ناحية أخرى لا يهم كم ضعيف السلاح المسُتخدم طالما أن الله هو الذي يوجه ويقوي اليد التي تستخدمه، ولذا سنرى شمشون فيما بعد يقتل بلحي حمار ألف رجل (قض 15:15، 16)، وكل شيء ممكن طالما لله مع المرء، ومن هذا المنطلق قال داود لجليات "أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيّرتهم" (1صم45:17)، فقتل داود بحجر المقلاع جليات المدجج بالسلاح لأن الله كان مع داود، ولأنه ليس مع جليات لذلك لم يفده كل سلاحه بشيء.

إن عبارة "وكان بعده.. " يرى البعض أنها تعني أنه صار قاضيًا بعد ظهور إهود كقاضي على الساحة وكان معاصرًا له، ولكن لن أتطرق لهذه النقطة إذ سأتناولها بتفصيل أكثر عند الكلام عن (قض 6:5).

نقطة أخيرة هي أن البعض يعتبر شمجر ليس إسرائيليًا بسبب اسمه واسم ابيه، وفاتهم أنه في تلك الفترة التي يكون فيها انحطاط روحي كثيرًا ما يلجأ أولاد الله من تسميه أبنائهم بأسماء من حولهم إما من باب التشبه المحض بهم، وإما من باب الهروب من الاضطهاد الذي يقع عليهم بسبب عقيدتهم ودينهم، وهذا كان حال كثير من الأقباط في النصف الثاني من القرن العشرين إذ سموا أسماء كالتي لمن حولهم حتى يهربوا قدر المستطاع من صليب الاضطهاد.. وقد تداركوا أخيرًا أن الاضطهاد واقع لا محالة لذلك رجع الكثيرين إلى أسماء قديسين وشهداء وصار من يشذ عن القاعدة قليلين جدًا حتى لو كانوا ممن لا صلة لهم بالدين والتدين.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(7) لو نضع عبارة "المنحوتات التي لدى الجلجال" (ع19)، مع تلك التي وردت في (ع26) سنجد أن كون إهود قد استطاع أن يهرب في الفترة التي كانوا فيها في حالة ذهول، وهي فترة ليست كبيرة على كل حال، مما يجعلنا نخمن أن عجلون كان يقيم آنذاك في موضع قريب من الجلجال، وقد يكون هذا الموضع هو مدينة النخل المتاخمة لأريحا القديمة.

(8) وحين نقول وقت طويل، نقصد أنه طويل نسبيًا، إذ كون إهود استطاع الإفلات في الفترة التي كانوا فيها في حالة ذهول ووصل إلى منحوتات الجلجال المتاخمة، فهذا يعني أنهم يعتبرون أنفسهم تأخروا لكونهم اكتشفوا الأمر بعد أن أفلت منهم إهود.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات القضاة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/fr-angelos-st-makarios/judges/chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/8jrzj2r