* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
الأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ
(1) عناد المصريين وغرقهم (ع1-5)
(2) الله يعبر بشعبه ويطعمهم (ع6-12)
(3) ضيافة سدوم ومصر لأولاد الله (ع13-16)
(4) تغير الطبيعة لإنقاذ أولاد الله (ع17-20)
1 أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ إِلَى الانْقِضَاءِ غَضَبٌ لاَ رَحْمَةَ مَعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ قَبْلُ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْ أَمَرِهِمْ، 2 وَإِنَّهُمْ بَعْدَ تَرْخِيصِهِمْ لَهُمْ فِي الذَّهَابِ، وَمُبَادَرَتِهِمْ لإِطْلاَقِهِمْ، يَنْدَمُونَ فَيَجِدُّونَ فِي إِثْرِهِمْ. 3 فَإِنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مَنَاحَتُهُمْ وَهُمْ مُنْتَحِبُونَ عَلَى قُبُورِ أَمْوَاتِهِمْ، عَادُوا فَاتَّخَذُوا مَشُورَةَ جَهْلٍ أُخْرَى، وَسَعَوْا فِي آثَارِ الَّذِينَ حَثُّوهُمْ عَلَى الرَّحِيلِ، سَعْيَهُمْ وَرَاءَ قَوْمٍ فَارِّينَ. 4 وَإِنَّمَا سَاقَهُمْ إِلَى هذَا الأَجَلِ أَمْرٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ، أَنْسَاهُمْ مَا سَبَقَ مِنَ الْحَوَادِثِ، لِكَيْ يَسْتَتِمُّوا مَا بَقِيَ مِنْ آلامِ عِقَابِهِمْ، 5 وَيَعْبُرَ شَعْبُكَ أَعْجَبَ عُبُورٍ، وَيَمُوتَ أُولئِكَ أَغْرَبَ مِيتَةٍ.
ع1:
كان فرعون وعبيده والمصريون التابعون له في قساوة قلب شديدة، لذا كان عقاب الله لهم شديدًا بلا رحمة، أي ضربات قاسية تتزايد تدريجيًا؛ لتدعوهم للتوبة. فرغم أن الله بسابق علمه، يعلم أنهم قساة القلوب، ومصرون على الشر، لكنه استمر ينبههم؛ ليرجعوا إليه من خلال الضربات العشر، التي تُظهر ضعف آلهتهم، وتعرضهم لآلام قاسية. ولم يضربهم الله ضربة واحدة تهلكهم؛ لأنه طويل الأناة ورحوم، ويريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تى2: 4).فلما تقسى قلب المصريين في عبادتهم للأوثان، وفى الكبرياء، وظلمهم لشعب الله، اضطر الله في النهاية أن يضربهم بالضربة الأخيرة، وهي موت الأبكار. ولكنهم كانوا يتأثرون وقتيًا، ثم يعودون إلى قساوة القلب. فلم يكن أمامهم إلا أن يواجهوا عقابًا متزايدًا، أدى في النهاية إلى هلاكهم بالغرق في البحر الأحمر.
: السماح لهم.
يجدون في إثرهم: يسرعون خلفهم.
حثوهم: دفعوهم.
فارين: هاربين.
يستتموا: يكملوا.
منتحبون: باكون.
فإذ طلب المصريون من اليهود أن يسرعوا في الخروج من أرضهم إلى البرية؛ لخوفهم من الله، وكانوا لا يزالوا يبكون على أبنائهم ودموعهم تسيل عند قبورهم، عادوا فقسوا قلوبهم، وقالوا: لماذا سمحنا لهم بالرحيل، وخسرنا كل هؤلاء العمال الذين نسخرهم بلا أجر في أعمالنا؟ وكانت هذه مشورة غبية سيطرت على فكرهم، وأنستهم قوة الله، التي ظهرت في الضربات العشر، خاصة في ضربة الأبكار، وساقتهم هذه الفكرة إلى أمر لابد منه، وهو الإصرار على إعادة بني إسرائيل كعبيد يعملون عندهم في مصر.
فخرجوا بجيش عظيم وراءهم لإرجاعهم إلى مصر، كأنهم هربوا كلصوص من مصر، مع أن المصريين هم الذين ترجوهم أن يخرجوا سريعًا إلى البرية ليعبدوا إلههم. وتمادى المصريين في شرهم جعلهم ينالون بقية عقابهم.
ع5: ففيما أنقذ الله أولاده بشق البحر الأحمر أمامهم، ووقوف المياه كالسور حولهم، كان العقاب في انتظار المصريين المتجاسرين في الدخول إلى البحر الأحمر، غير الراجعين عن شرهم بسبب هذه المعجزة العظيمة، لم يعد هناك بدًا من هلاكهم، إذ ضرب موسى البحر، فعاد إلى وضعه الأول، ومات المصريون أغرب ميتة، بالغرق جميعًا في البحر الأحمر.
† كيف لا تسمع يا أخى صوت الله في الأحداث المحيطة بك؛ لتقودك إلى التوبة؟ كيف تتمادى في ظلمك للآخرين، متعللًا بأفكار منطقية شريرة؟ لماذا تتغافل عن الحب الذي هو أساس الحياة، فلا ينتظرك إلا الموت والهلاك؟!
6 وَكَانَتْ جَمِيعُ الْخَلاَئِقِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي جِنْسِهَا، تَسْتَبْدِلُ طَبْعَهَا وَتَخْدُمُكَ بِحَسَبِ مَا رُسِمَ لَهَا، لِكَيْ يُحْفَظَ بَنُوكَ بِغَيْرِ ضُرٍّ. 7 فَالْغَمَامُ ظَلَّلَ الْمَحَلَّةَ، وَمِمَّا كَانَ قَبْلًا يُغْمَرُ بِالْمِيَاهِ، بَرَزَتْ أَرْضٌ يَابِسَةٌ، طَرِيقٌ مُمَهَّدٌ فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَمَرْجٌ أَخْضَرُ فِي قَعْرِ لُجَّةٍ عَظِيمَةٍ. 8 هُنَاكَ عَبَرَتِ الأُمَّةُ كُلُّهَا، وَهُمْ فِي سِتْرِ يَدِكَ يَرَوْنَ عَجَائِبَ الآيَاتِ، 9 وَرَتَعُوا كالْخَيْلِ، وَوَثَبُوا كَالْحُمْلاَنِ مُسَبِّحِينَ لَكَ، أَيُّهَا الرَّبُّ مُخَلِّصُهُمْ، 10 مُتَذَكِّرِينَ مَا وَقَعَ فِي غُرْبَتِهِمْ، كَيْفَ أَخْرَجَتِ الأَرْضُ الذُّبَابَ بَدَلًا مِنْ نِتَاجِ الْحَيَوَانِ، وَفَاضَ النَّهْرُ بِجَمٍّ مِنَ الضَّفَادِعِ عِوَضَ الأَسْمَاكِ. 11 وَأَخِيرًا رَأَوْا صِنْفًا جَدِيدًا مِنَ الطَّيْرِ، حِينَ حَثَّتْهُمْ شَهْوَتُهُمْ أَنْ يَتَطَلَّبُوا طَعَامًا لَذِيذًا، 12 فَصَعِدَتِ السَّلْوَى مِنَ الْبَحْرِ تَسْلِيَةً لَهُمْ. أَمَّا الْخُطَاةُ فَنَزَلَ عَلَيْهِمِ الاِنْتِقَامُ، مَعَ مَا لَهُ مِنَ الْعَلاَئِمِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي هِيَ شِدَّةُ الصَّوَاعِقِ. وَإِنَّمَا أَصَابَهُمْ مَا اسْتَحَقَّتْ فَوَاحِشُهُمْ،
ع6: ضر
: ضرر.ما رُسم لها: دبر الله لها من قوانين ونظام.
إن كان عقاب الله شديدًا للرافضين محبته، فإن حنانه عجيب على أولاده، لدرجة أن يحول الطبيعة كلها لمعونتهم، بل تتغير عن طبعها؛ لتكون خادمة لأولاد الله في خضوع لأوامر الرب، حتى يحفظ الله أولاده بلا ضرر، أو أذية.
ع7: يابسة
: جافة.ممهد: معد للسير عليه.
مرج: أرض واسعة.
لجة: مياه عميقة.
وحتى لا يتعب أولاد الله أثناء سيرهم في البرية من حر النهار، ظللتهم سحابة كبيرة. وكان هذا الغمام قائدًا لهم في سيرهم؛ ليعرفوا الطريق السليم، أي أن الله بنفسه كان يقود أولاده ويحميهم بجناحيه من أشعة الشمس القاسية. وبهذا غيّر الغمام، أو السحاب طبعه، فسار في الاتجاه الذي رسمه الله له؛ ليقود شعبه في برية سيناء لمدة أربعين سنة.
ثم شق الله البحر الأحمر، وأوقف الماء على الجانبين كالسور، مخالفًا لقوانين الجاذبية الأرضية، وقوانين السوائل الطبيعية. وظهر باطن البحر كأرض يابسة، بل مكتسية بأعشاب خضراء؛ لتصير كحديقة جميلة، فيسير عليها أبناء الله عند اجتيازهم البحر الأحمر.
وهكذا سار شعب الله في طريق مهده الله لهم، فساروا عليه بسهولة، كأنه طريق معد جيدًا للسير، ولم يكن قبلًا مغمورًا بالماء.
ع8: عجيبة هي محبتك يا الله، التي تحول كل شيء لخيرنا، وما يبدو مخيفًا لنا، يصير خادمًا. فالبحر الذي يحمى أولاد الله في عبورهم وينجيهم من يد المصريين، يصير هو نفسه قبرًا للمصريين؛ لشرهم ورفضهم لله.
وعبر بنو إسرائيل كمجموعة واحدة دون تقسيم، أو تنظيم خاص، ودون أن يعثر أحد، أو يصطدم بشئ، إذ كانوا تحت رعايتك يا الله، تستر عليهم، وتحفظهم، فعبروا بسلام وهدوء وفرح، إنها معجزة عظيمة تفوق العقل.
† ما أجمل الاتكال على على الله، أي يستند الإنسان على ذراعيه الحانيتين، فلا يضطرب مهما تقلبت الدنيا حوله، واثفًا أن الله يحول كل شيء لمنفعته، "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28).
ع9: رتعوا
: انطلقوا بحرية في البرية كأنها مرعى خصيب.وثبوا: قفزوا.
وبعدما خرج بنو إسرائيل من البحر الذي أغرق المصريين، انطلقوا فرحين في البرية، متمتعين بحريتهم الجديدة، التي وهبها الله لهم، كأنهم خيل ترعى بفرح في مرعى خصيب، أو حملان تقفز، وتلعب بسرور، وذكر أشعياء النبي هذا المعنى أيضًا في (أش63: 11-14).
وعبور البحر الأحمر يرمز للمعمودية التي تحررنا من عبودية الخطية، فننطلق بحرية في الحياة الجديدة مع الله، كما انطلق شعب الله بفرح في برية سيناء وهم يسبحون الله. وكما يسبح المؤمنون الذين نالوا المعمودية شاكرين الله، وممجدين اسمه القدوس، ارتفعت أصوات بني إسرائيل بتسبيح الله بقيادة مريم أخت موسى، يشكرون الله على عظم صنيعه معهم، وإنقاذه إياهم من عبودية مُرَّة في مصر لمدة أربعمائة عامًا.
ع10: وفى تسبيحهم تذكروا يد الله القوية في الضربات العشر، التي أجبر بها المصريين على إطلاق شعبه؛ لأن كل آلهتهم أضعف من الله.
† إن أعمال الله معنا تستحق الشكر والتسبيح كل يوم. ومن العرفان بالجميل أن نتذكر أعمال الله السابقة معنا، ونشكره عليها كل يوم؛ لأن التسبيح يملأ قلوبنا فرحًا وسلامًا، ويبهج قلب الله، فتفيض علينا مراحمه بسخاء.
: دفعتهم.
تسلية لهم: تنويعًا لهم بسبب مللهم من أكل المن.
العلائم: العلامات.
ولما تذمر شعب الله على موسى مشتهين لحمًا، ظهرت طول أناة الله عليهم، رغم خطأهم، فالتمس لهم العذر؛ لأنهم أولاده المؤمنون به، بل أجاب طلبهم، إذ أرسل لهم أسرابًا ضخمة من طيور لم يعرفوها من قبل، وهي السلوى، التي تشبه طيور السمان، ولحمها لذيذ الطعم، وهي طيور مهاجرة، تسير في جماعات ضخمة، وكانت في نهاية رحلتها تطير قرب الأرض، فرأوها خارجية من البحر، أى تطير على مستوى منخفض؛ لأن البحر منخفض عن الأرض، وكانت مجهدة، وتطير ببطء، فأمسكوا منها ما شاءوا وأكلوا. وهنا تظهر محبة الله الذي يعطى بسخاء لا يوصف، إذ أشبع مليونين من البشر بفيض عظيم من اللحم؛ هذه هي بركات الله لأولاده.
وفى المقابل نرى تعامله مع الخطاة المتكبرين بعناد، وهم المصريون، الذين أذلوا شعبه، معتمدين على قوة آلهتهم الوثنية، فعاقبهم بعقوبات شديدة، هي الضربات العشر، التي نزلت عليهم فجأة وبشدة مثل الصواعق. وفى النهاية عاقبهم الله بالصاعقة الكبرى، فكان عقابًا فجائيًا وشديدًا، بغرقهم في البحر الأحمر، فماتوا جميعًا.
وهكذا تعاونت الطبيعة لإعلان مشيئة الله، فأخرجت من البحر، لأولاد الله، أسرابًا الطيور اللذيذة الطعم، أما الأشرار فخرجت لهم أسراب البعوض من الأرض، تلسع كل من يقابلها، وجيوش الضفادع من النيل لتهاجم كل بيوت المصريين، وتضايقهم.
† تستطيع أن تتمتع بنعم الله إن كنت ابنًا له، خاضعًا لوصاياه. في حين أنك إن رفضته، وسرت في شرورك لا ترى إلا عقابه الشديد. وتقدر أن ترى وتتناول بركات كثيرة من الله خلال الطبيعة المحيطة بك، فتراه في البحر والسماء والبرية، بل وفى كل البشر المحيطين بك، فتتمتع بصحبته كل حين، ويزداد حبك له، فيصير هو كل شيء لك، وتصير أنت له.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
13 إِذْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُمْ لِلأَضْيَافِ أَشَدَّ كَرَاهِيَّةً. فَإِنَّ أُولئِكَ أَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا غُرَبَاءَ لَمْ يَعْرِفُوهُمْ، أَمَّا هؤُلاَءِ فَاسْتَعْبَدُوا أَضْيَافًا قَدْ أَحْسَنُوا إِلَيْهِمْ. 14 وَفَضْلًا عَنْ ذلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِمِ افْتِقَادًا آخَرَ، إِذْ إِنَّ أُولئِكَ إِنَّمَا قَبِلُوا قَوْمًا أَجْنَبِيِّينَ كُرْهًا، 15 أَمَّا هؤُلاَءِ فَإِنَّهُمْ قَبِلُوا أَضْيَافًا بِاحْتِفَالٍ وَفَرَحٍ، وَأَشْرَكُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ، ثُمَّ أَسَاءُوا إِلَيْهِمْ بِصُنُوفِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ. 16 فَضُرِبُوا بِالْعَمَى مِثْلَ أُولئِكَ الْوَاقِفِينَ عَلَى بَابِ الصِّدِّيقِ، الَّذِينَ شَمِلَتْهُمْ ظُلْمَةٌ هَائِلَةٌ؛ فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَتَلَمَّسُ طَالِبًا مَدْخَلَ بَابِهِ.
ع13: أضياف
: ضيوف.يظهر هنا شر المصريين في معاملتهم لشعب الله، إذ أن بني إسرائيل قد حضروا إليهم كضيوف، فاستقبلوهم في بدالية الأمر بترحيب شديد، إكرامًا ليوسف أخوهم، الذي كان رئيسًا على مصر كلها، وأنقذها من المجاعة. ولكن بعد موت يوسف أساءوا إليهم، وظلموهم، واستعبدوهم، فسخروهم في أعمال كثيرة في منتهى القسوة، عكس المحبة التي تُقدم لأى ضيوف.
ويعقد الحكيم مقارنة بين المصريين، وبين شعب مشهور بالشر، وهو شعب سدوم، ويوضح أن أهل سدوم أفضل من المصريين؛ لأنه عندما زار مدينتهم ملاكان بشكل رجلين غرباء، وأراد لوط استضافتهما، إعترضوا، وحاولوا الإساءة إليهما، ولكن عذرهم في ذلك أنهم لا يعرفانهما. أما في حالة المصريين، فإنهم يعرفون بني إسرائيل، إذ هم أسرة يوسف رئيسهم، فكان المصريون في معاملتهم لضيوفهم أشد كراهية من معاملة أهل سدوم.
ع14: يضاف إلى ذلك خطية أخرى تستوجب العقاب (افتقادًا آخر)، هي أن أهل سدوم قبلوا الملاكين مجبرين، إذ ضربهم الله بالعمى، فلم يستطيعوا أن يجدوا باب لوط؛ ليدخلوا ويمسكوا بالملاكين. أما المصريون فقد قبلوا بني إسرائيل باختيارهم، إكرامًا ليوسف الذي أنقذهم من الموت في المجاعة، ثم عادوا فانقلبوا عليهم وأذلوهم.
وكان العقاب متشابهًا في الحالتين، إذ ضرب الله أهل سدوم بالعمى، لعدم محبتهم للغرباء، بل ومحاولتهم الإساءة إليهم. وكذلك ضرب المصريين بضربة الظلام، فصاروا في العمى لا يرى الإنسان كفه؛ لينبههم الله إلى عماهم الروحي عن التوبة، وقسوتهم وكراهيتهم لضيوفهم.
وإذا لم يتب أهل سدوم، أو المصريون، كان مصيرهم المحتوم هو الهلاك، إذ أحرق الله مدينة سدوم بالنار، وغرق المصريون في البحر الأحمر.
† إن الله يعطيك فرصة لتحيا كإنسان طبيعي، بإظهار محبتك للآخرين في العطاء والبذل واحتمال كل أحد، خاصة الغرباء، أي الذين يشعرون بالوحدة والعزلة عمن حولهم. فلتشجع الكل، وتظهر أهتمامك بهم، فيستضيفك الله، ليس فقط في الأرض بخيرات كثيرة، بل في السماء؛ ليعطيك ما لم تره عين.
17 إِذْ تَغَيَّرَتْ نِسَبُ الْعَنَاصِرِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، كَمَا يَتَغَيَّرُ فِي الْعُودِ اسْمُ صَوْتٍ مِنَ اللَّحْنِ، وَالصَّوْتُ بَاقٍ، وَذلِكَ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ تِلْكَ الْحَوَادِثَ. 18 فَالأَرْضِيَّاتُ تَحَوَّلَتْ إِلَى مَائِيَّاتٍ، وَالسَّابِحَاتُ سَعَتْ عَلَى الأَرْضِ، 19 وَالنَّارُ كَانَتْ لَهَا قُوَّةٌ فِي الْمَاءِ، أَشَدُّ مِنْ قُوَّتِهَا الْغَرِيزِيَّةِ، وَالْمَاءُ نَسِيَ قُوَّتَهُ الْمُطْفِئَةَ. 20 وَبِالْعَكْسِ اللَّهِيبُ لَمْ يُؤْذِ جِسْمَ السَّرِيعِ الْفَسَادِ مِنَ الْحَيَوَانِ، إِذْ كَانَ يَمْشِي فِيهِ وَلَمْ يُذِبِ الطَّعَامَ السَّمَاوِيَّ السَّرِيعَ الذَّوَبَانِ كَالْجَلِيدِ، لأَنَّكَ يَا رَبُّ عَظَّمْتَ شَعْبَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمَجَّدْتَهُ وَلَمْ تُهْمِلْهُ، بَلْ كُنْتَ مُؤَازِرًا لَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
ع17: بين
: واضح.يختم سليمان الحكيم هذا السفر العظيم بإظهار عظمة الله الذي يحرك خليقته، ويغيرها لخدمة أولاده، فتخرج عن قوانينها الطبيعية طاعةً له؛ لتمجيد أسمه القدوس. ويشبه الله بموسيقار يمسك بعود ويحرك أصابعه، فتصدر أصواتًا مختلفة، بحسب إرادته، كذلك يحرك الله الطبيعة؛ لتعلن اسمه، وتقود الجميع لمعرفته لكل من يريد أن يفهم.
فمن يتأمل ما عمله الله مع شعبه عند إخراجهم من أرض مصر، يرى تغيرات كثيرة في القوانين الطبيعية؛ ليحمى الله شعبه، وينقذه من أيدى الأشرار.
ع18: سعت
: مشيت أو سارت.فنرى بني إسرائيل ومواشيهم يسيرون في قلب البحر الأحمر، وهكذا كما يقول تحولت الأرضيات إلى مائيات، كأن هذه الماشية أسماكًا تسبح في البحر من الشاطئ إلى الشاطئ الآخر.
أما الحيوانات التي تسبح في الماء فقد تركت الماء، ودخلت المنازل، مثل الضفادع التي دخلت بيوت المصريين في الضربة الثانية. فالضفادع حيوانات برمائية تعيش في الماء، أو بجوارها، ولكنها تحولت عن طبعها وهاجمت بيوت المصريين. وكذا أيضًا عند شق البحر الأحمر ظهرت الأسماك السابحة في البحر، وكذا الحيوانات البحرية تتحرك على الأرض في قاع البحر، قبل أن تدخل في المياه التي على الجانبين.
ع19: النار، وهي عمود النار الذي كان يحجز بين بني إسرائيل والمصريين، كان يخيف جيوش المصريين، ولعل عمود النار كان ضخمًا حتى أنه كان يلامس الماء الذي انشق وصار كالحائط على الجانبين، ولكن قوة النار كانت أشد من طبيعتها، ولم تتأثر بالماء الملامس لها من الجانبين.
ومن ناحية أخرى فقدت المياه قوتها على اطفاء النار، إذ عجز البحر عن إضعاف قوة عمود النار.
وقد حدثت هذه الآية أيضًا في الضربة السابعة، التي ضرب بها الله المصريين، وهي ضرة البرد والنار. فكانت النار تنزل من السماء، وحولها يتساقط أيضًا البرد، وكانت للنار قوة أشد من طبيعتها، فلم تضعف بسبب البرد، الذي كان ينبغى أن ينصهر ويتحول إلى ماء تطفئ النار، ولكن قوة النار كانت أشد وسط البرد، والبرد خرج عن طبيعته وعجز عن إطفاء النار.
ع20: مؤازرًا
: مؤيدًا ومساندًا.وعندما كان يمر عمود النار داخل مياه البحر الأحمر، ويزعج خيول المصريين، لم يضر الأسماك، أو أية حيوانات بحرية تسبح في مياه البحر الأحمر. فعمود النار، كما قلنا، يمكن أن يكون ضخمًا، حتى أنه يلامس الماء الذي يقف كالحائط من الجانبين. وهذا الماء بالطبع فيه أسماك لم تتأثر بقوة النار، رغم أن بعضها لامس هذه النار.
والمن الذي كان يذوب كل صباح بأشعة الشمس الرقيقة، لم تستطع النار القوية أن تذيبه، عندما كان يضعه بنو إسرائيل في القدور، ويطبخونه؛ ليأكلوه، بل ظل متماسكًا بطعمه اللذيذ؛ ليعلن الله أن النار القوية هي خادمة لأولاده تطهو لهم الطعام ولا تضره بتحويله إلى سائل.
وهكذا ظهرت عناية الله، ومساندته لأولاده، إذ أخرجهم بذراع رفيعة من مصر بيت العبودية، وأطعمهم، وسقاهم في البرية، وحفظهم، حتى أدخلهم أرض الميعاد كوعده الصادق، بل عظمهم الله، فخاف منهم المصريون بعد ضربة الأبكار، فأعطوهم ذهبهم، وفضتهم، مترجين إياهم أن يخرجوا من أرض مصر. وعندما عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر، وغرق فرعون وجيشه، انتشر الخبر بين الشعوب فخافوهم، كما ظهر من كلام راحاب الزانية (يشوع2: 9)، خاصة عندما تجاسر شعب قوى، وهاجم بني إسرائيل في سيناء، وهم شعب عماليق، انتصر عليهم بنو إسرائيل انتصارًا جبارًا (خر17: 13، 14). وظل الله يمجد شعبه، فانتصروا على الشعوب الساكنة في كنعان، وملكوا مكانهم، بل مجدهم أكثر أيام داود وسليمان. وعندما أدب الله شعبه بالسبي، ثم تابوا نجاهم بإرجاعهم من السبي بمعجزة عظيمة أيام كورش الملك، ثم تعاظم تمجيد الله لهم بميلاد المخلص يسوع المسيح الفادى من نسل بنى إسرائيل، وقدم خلاصًا للعالم كله في كل زمان، وفى النهاية سيمجد الله أولاده إلى الأبد في ملكوت السموات.
† إن الله يريد أن يحميك ويحفظك في كل خطواتك، ويحول كل شيء إلى خيرك، فثق أنك رأس الخليقة، وأنك محبوب الله؛ ليطمئن قلبك، ويرتفع بالتسبيح والشكر الدائم له.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
فهرس الموضوعات التفصيلي لسفر الحكمة |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 18 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-19.html
تقصير الرابط:
tak.la/bn9jzw2