* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
الأَصْحَاحُ السَّابِعُ عَشَرَ
(1) ضربة الظلام (ع1 - 5)
(2) خوف الأشرار ( ع6-20)
1 إِنَّ أَحْكَامَكَ عَظِيمَةٌ لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا، وَلِذلِكَ ضَلَّتِ النُّفُوسُ الَّتِي لاَ تَأْدِيبَ لَهَا. 2 فَإِنَّهُ لَمَّا تَوَهَّمَ الْمُجْرِمُونَ أَنَّهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى الأُمَّةِ الْقِدِّيسَةِ، إِذَا هُمْ مُلْقَوْنَ فِي أَسْرِ الظُّلْمَةِ وَقُيُودِ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، مَحْبُوسُونَ تَحْتَ سُقُوفِهِمْ، مَنْفِيُّونَ عَنِ الْعِنَايَةِ الأَبَدِيَّةِ. 3 وَإِذْ حَسِبُوا أَنَّهُمْ مُسْتَتِرُونَ فِي خَطَايَاهُمُ الْخَفِيَّةِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمْ سِتْرُ النِّسْيَانِ الْمُظْلِمُ، وَهُمْ فِي رُعْبٍ شَدِيدٍ تُقْلِقُهُمُ الأَخْيِلَةُ. 4 وَلَمْ تَكُنِ الأَكِنَّةُ الَّتِي لَبِثُوا فِيهَا لِتَقِيَهُمْ مِنَ الذُّعْرِ؛ فَقَدْ كَانَتْ أَصْوَاتٌ قَاصِفَةٌ تَدْوِي مِنْ حَوْلِهِمْ، وَأَشْبَاحٌ مُكْفَهِرَّةٌ تَتَرَاءَى أَمَامَ وُجُوهِهِمِ الْكَاسِفَةِ. 5 وَلَمْ يَكُنْ فِي قُوَّةِ النَّارِ مَهْمَا اشْتَدَّتْ أَنْ تَأْتِيَ بِضِيَاءٍ، وَلاَ فِي بَرِيقِ النُّجُومِ أَنْ يُنِيرَ ذلِكَ اللَّيْلَ الْمُدْلَهِمَّ.
ع1:
يتحدث هنا عن حكمة الله، التي هي أعلى من كل حكمة بشرية، بل من كثرة سموها عن فهم البشر لا يمكن التعبير عن عظمتها. فلم يفهم المصريون من الضربات الثمانية الأولى أن الله أقوى من آلهتهم الوثنية، وأنهم في ضلال؛ لاعتقادهم أنهم أقوياء أكثر من كل الشعوب المحيطة بهم، مع أنهم في فهمهم أقل بكثير من شعب الله الذي يؤمن به. ولم يفهموا طول أناة الله عليهم في الضربات السابقة، فكانت ضربة الظلام قاسية، كإنذار أخير للمصريين إن لم يفهموه، فستأتي عليهم الضربة العاشرة والأخيرة، وهي قتل أبكارهم. فالله يحاول تنبيههم ليتيقظوا من ضلالهم.ويفهم هذه الحكمة الإلهية، الإنسان القريب من الله، ويتمتع بها، وتقود حياته. وهذا الإنسان هو الخاضع المتضع لله. أما البعيد عن الله، فهو المتكبر، ورغم سقوطه في الخطية يرفض تأديب الله الذي يقوده للتوبة، وعندما يأبى الخضوع للتأديب والعقاب الإلهي باتضاع، يضل عن الله، ويتذمر، ويسقط في خطايا أكبر. هؤلاء هم المصريون الذين لم يتأدبوا من الضربات السابقة للظلام، ولم يرجعوا ويؤمنوا بالله، فظلوا في ضلالهم وعبادة الأوثان.
ع2: وتمادى المصريون في كبريائهم، وسخروا شعب الله في أعمال البناء؛ ليذلوهم، بل ويفنوهم إن استطاعوا من كثرة التعب والجوع. ورغم تنبيه موسى لفرعون حتى يطلق شعب الله، فإنه أكثر الأعمال المطلوبة منهم، وأمر رؤساؤهم المصريين أن يعاملوهم بقسوة وعنف، وهنا تدخل الله بالضربات العشر؛ ليظهر للمصريين قوته وضعفهم. ومن هذه الضربات ضربة الظلام التي حلت على كل مصر، ما عدا أرض جاسان (محافظة الشرقية حاليًا)، التي يسكن فيها شعب الله. وكان ظلامًا شديدًا، لا يرى الإنسان فيه يده. وهكذا انقلب استعبادهم لليهود إلى سجنهم في هذه الظلمة، وفقدهم كل قدرة على العمل، فمكثوا داخل بيوتهم مسجونين فيها، وفارقتهم نعمة الله الظاهرة في شمسه المشرقة، وظهر ضلالهم في عبادتهم للشمس، أي الإله رع، فهي مجرد مخلوق منعه الله من الظهور؛ ليعلموا أنه لا إله في العالم إلا الله الواحد.
ع3: وإذ أخفوا خطاياهم ورفضوا الإقرار بها في توبة أمام الله، ستر الله وجهه عنهم، فمنع الشمس من الإشراق عليهم، وصاروا في الظلام، لا يشعر بهم أحد من البشر، أي صاروا منسيين من الناس، بالإضافة إلى فقدهم لرعاية الله.
ولم يقف العقاب عند هذا الأمر، بل تسلط عليهم رعب شديد بسبب الخيالات التي ظهرت لهم وسط الظلام، ولعلها كانت أشكال مخيفة هي خيالات الشياطين.
والإنسان أيضًا الذي يفعل الخطية، ولا يتوب عنها، ويتناساها؛ لأن الله لم يعاقبه عليها، يظل في داخله قلق لا يعرف سببه، وهو ناتج من خطاياه، بل يهاجمه خوف من تخيلات مزعجة في أحلامه، أو تهاجمه كوابيس تزعجه، ولا خلاص منها إلا برجوعه إلى الله بالتوبة. فمن يخاف الله ويتوب عن خطاياه، يتخلص من مخاوف الخطية.
ع4: الأكنة
: جمع وكن وهو عش الطائر.قاصفة: أصوات شديدة مرعبة.
مكفهرة: شكلها قبيح ومخيف.
كاسفة: صفراء من الذعر والخوف.
وإذ اختبأوا في بيوتهم، كما يختبئ الطائر في عشه، لعل هذا يحميهم من الخوف المسيطر عليهم، لكن ازداد خوفهم من الأصوات العنيفة التي كانوا يسمعونها، بالإضافة إلى ظهور الشياطين لهم وسط الظلام بشكل أشباح منظرها قبيح ومرعب، جعل وجوه المصريين تصفر، وتفقد كل حياة فيها من شدة الخوف.
ع5: المدلهم
: شديد الظلام.وحاول المصريون التغلب على خوفهم من الظلام بإشعال النيران في كل مكان؛ لتضئ لهم، ولكنها لم تعطِ أي ضوء، فحاولوا إشعال النار بكثرة وكثافة، وشعروا بحرارتها، ولكنها عجزت عن إعطائهم أي نور. ومن ناحية أخرى اختفى نور القمر والنجوم تمامًا، فظل الرعب في قلوبهم، ولم يستطيعوا إسكات الأصوات العنيفة، أو إيقاف الشياطين التي تتحرك حولهم.
وهكذا نرى أن كل محاولاتهم للخروج من الظلام فشلت، ولم يعد أمامهم إلا الإيمان بالله النور الحقيقي، إله الآلهة، الذي لم تقدر آية محاولات بشرية أن تقف أمامه.
† كم هي عظيمة نعمك يا الله في شمسك المشرقة، وقمرك المنير، ونجومك الساطعة، التي تعلن وجودك. أعطنى يا الله أن أراك في كل خليقتك هذه، فأشكرك كل حين، وأطمئن بوجودك معى دائمًا. إن إحساسى بروحك القدوس الساكن فىَّ يطمئن قلبى، ويبطل عنى كل قوة العدو وتحت أجنحته أحتمى (مز91: 4) و"إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلًا يسهر الحارس" (مز127: 1).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
6 وَإِنَّمَا كَانَتْ تَلْمَعُ لَهُمْ بَغْتَةً نِيرَانٌ مُخِيفَةٌ؛ فَيَرْتَعِدُونَ مِنْ ذلِكَ الْمَنْظَرِ الْمُبْهَمِ، وَيَتَوَهَّمُونَ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ أَهْوَلَ مِمَّا هُوَ. 7 حِينَئِذٍ بَطَلَتْ صِنَاعَةُ السِّحْرِ وَشَعْوَذَتُهُ، وَبَرَزَ عَلَى افْتِخَارِهِمْ بِالْحِكْمَةِ حُجَّةٌ مُخْزِيَةٌ، 8 إِذِ الَّذِينَ وَعَدُوا بِنَفْيِ الْجَزَعِ وَالْبَلْبَالِ عَنِ النَّفْسِ الدَّنِفَةِ، هؤُلاَءِ أَدْنَفَهُمْ خَوْفٌ مُضْحِكٌ.9 فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُمْ شَيْءٌ هَائِلٌ، كَانَ مُرُورُ الْوُحُوشِ وَفَحِيحُ الأَفَاعِي يَدْحَرُهُمْ فَيَهْلِكُونَ مِنَ الْخَوْفِ، وَيَتَوَقَّوْنَ حَتَّى الْهَوَاءَ الَّذِي لاَ مَحِيدَ عَنْهُ. 10 لأَنَّ الْخُبْثَ مُلاَزِمٌ لِلْجُبْنِ؛ فَهُوَ يَقْضِي عَلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ، وَلِقَلَقِ الضَّمِيرِ لاَ يَزَالُ مُتَخَيِّلًا الضَّرَبَاتِ. 11 فَإِن الْخَوْفَ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْمَدَدِ الَّذِي مِنَ الْعَقْلِ، 12 وَانْتِظَارُ الْمَدَدِ مِنَ الدَّاخِلِ أَضْعَفُ، وَلِذلِكَ تُحْسَبُ مَجْلَبَةُ الْعَذَابِ الْمَجْهُولَةُ أَشَدَّ. 13 فَالَّذِينَ نَامُوا تِلْكَ النَّوْمَةَ فِي ذلِكَ اللَّيْلِ الَّذِي لاَ يُطَاقُ، الْوَارِدِ مِنْ أَخَادِيرِ الْجَحِيمِ الْفَظِيعَةِ، 14 كَانُوا تَارَةً تَقْتَحِمُهُمُ الأَخْيِلَةُ، وَتَارَةً تَنْحَلُّ قُوَاهُمْ مِنِ انْخِلاَعِ قُلُوبِهِمْ لِمَا غَشِيَهُمْ مِنْ مُفَاجَأَةِ الْخَوْفِ الْغَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ. 15 ثُمَّ حَيْثُمَا سَقَطَ أَحَدٌ بَقِيَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنٍ لاَ حَدِيدَ فِيهِ. 16 فَإِنْ كَانَ فَلاَّحًا أَوْ رَاعِيًا أَوْ صَاحِبَ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الصَّحْرَاءِ، أُخِذَ بَغْتَةً فَوَقَعَ فِي قَسْرٍ لاَ انْفِكَاكَ عَنْهُ، 17 إِذْ جَمِيعُهُمْ كَانُوا مُقَيَّدِينَ بِسِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الظَّلاَمِ. فَدَوِيُّ الرِّيحِ وَأَغَارِيدُ الطُّيُورِ عَلَى الأَغْصَانِ الْمُلْتَفَّةِ، وَصَوْتُ الْمِيَاهِ الْمُنْدَفِعَةِ بِقُوَّةٍ، 18 وَقَعْقَعَةُ الْحِجَارَةِ الْمُتَدَحْرِجَةِ، وَرَكْضُ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِي لاَ يُرَى، وَزَئِيرُ الْوُحُوشِ الضَّارِيَةِ، وَالصَّدَى الْمُتَرَدِّدُ فِي بُطُونِ الْجِبَالِ، كُلُّ ذلِكَ كَانَ يُذِيبُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ. 19 وَبَيْنَمَا كَانَ سَائِرُ الْعَالَمِ يُضِيئُهُ نُورٌ سَاطِعٌ، وَيَتَعَاطَى أَعْمَالَهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ، 20 كَانَ أُولئِكَ مُنْفَرِدِينَ فِي ظِلِّ لَيْلٍ مُدْلَهِمٍّ، مُشَاكِلٍ لِمَا سَيَغْشَاهُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ. لكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَثْقَلَ مِنَ الظُّلْمَةِ.
ع6: بغتة
: فجأة.المبهم: الغامض.
أهول: أكثر فظاعة ورعبًا.
ثم يتابع الحكيم سليمان تصوير ما حدث في ضربة الظلام على المصريين أيام موسى النبي، فيعلن أن نيرانًا غريبة كانت تظهر فجأة أمام المصريين، لا يعرفون لها مصدرًا، فكانت تخيفهم جدًا، بل كان خوفهم من هذه النيران الغامضة يتخيلونها بشكل أضخم وأعظم، فيزداد رعبهم.
ع7: شعوذته
: طقوس السحر الكاذبة التي تخدع الناس، وتحتال عليهم.حجة: دليل.
يبدو أن السحرة أرادوا التغلب على الظلام الشديد، فاستخدموا سحرهم بإحضار الشياطين لتضئ لهم وسط الظلام. فظهرت الشياطين بشكل نيران تلمع وسط الظلام كما ذكر في (ع6). فكانت هذه النيران تخيف المصريين أكثر من خوفهم ومعاناتهم من الظلام الشديد. وهكذا بطل سحر السحرة، وظهر عجزهم على إنقاذ المصريين من ضربة الظلام، بالدليل القاطع، لأن نيرانهم كانت تخيف المصريين بدلًا من تهدئتهم، وكان هذا سببًا في خزيهم.
ع8: الجزع : الخوف الشديد.
البلبال: الاضطراب والتوتر.
الدنفة: المحاصرة في الضيق والتعب.
أدنفهم: إشتد عليهم.
وظهر ضعف السحرة الذين وعدوا فرعون وكل المصريين بالسلام وعدم الاضطراب من أية ضربات يضربهم الله بها، وبطل إدعاؤهم بالقدرة على تهدئة نفوس المصريين المحاصرة بالخوف والرعب. واشتد عليهم هم أيضًا الخوف والذعر أكثر من باقي المصريين، إذ تسلطت عليهم شياطينهم، وأزعجتهم جدًا، فصاروا في خوفهم الشديد مجالًا للسخرية والاستهزاء والضحك عليهم؛ لأنهم خافوا أكثر من باقى المصريين.
† إن هذا العالم الشرير بكل قوته وشهواته لا يستطيع أن يعطى راحة وسلامة لتابعيه؛ لأن الشيطان المضطرب كيف يعطى سلامًا للبشر المضطربين؛ لأن فاقد الشئ لا يعطيه، بل يظهر خزى المتعلقين بالعالم، إذ يكونون في اضطراب أكثر من الباقين. إبعدى يا نفسي عن الشهوة الردية، وكل اعتماد على ذراع بشرى؛ حتى تتخلصى من أسباب الاضطراب، وتجدى سلامك في أحضان الكنيسة ورأسها يسوع المسيح إلهنا.
ع9: فحيح
: صوت الثعابين.يدحرهم: يهزمهم.
يتوقون: يتحاشون ويتجنبون.
لا محيد: لا غنى.
ويستمر في وصفه لحالة المصريين أثناء ضربة الظلام، فيضيف أنه إن لم يصبهم ما سبق بمتاعب كثيرة، فيكفيهم الذعر من أصوات الحيوانات المؤذية، التي تتحرك في الظلام بحرية، وصوت الثعابين، والخوف من لدغاتها السامة، فينكمشون مبتعدين في أركان بيوتهم، وتكاد أنفاسهم تقف من الخوف، وتطبق صدورهم عليهم، فيخافون حتى من ملامسة الهواء، الذي لا يستغنى عنه إنسان.
ع10: يعلن هنا الحكيم حقيقة هامة، وهي أن السبب الرئيسى للخوف هو شر الإنسان وخبثه، والتواء قلبه بعيدًا عن الله. فهذا الخوف يشهد على شر الإنسان وبعده عن الله، ويولد داخله قلق لا ينتهى. وهذا القلق كان يذكر المصريين بالضربات السابقة التي ضربهم بها الله، واحتمال رجوعها عليهم، أو سقوط ضربات أصعب مما سبق، فيزداد خوفهم. أما أولاد الله فيسندهم روحه القدوس، ويقويهم، فلا ينزعجوا من هذه المخاوف. ونلاحظ أنه لأول مرة في الكتاب المقدس يذكر كلمة الضمير.
: العون.
مجلبة: أسباب.
وإذ يسقط الإنسان في الخوف يفقد القدرة على التفكير المتزن، ويسيطر عليه خوف شديد، ويفقد رجاءه الداخلي. وهذا يسبب له خوف أشد من المستقبل المجهول، يعذبه، ويكاد يهلكه.
: الآتي.
أخادير: جمع خدر وهو البيت، أو المكان الذي يسكن فيه الإنسان.
تارة: أحيانًا.
الأخيلة: الأشباح.
غشيهم: غطاهم.
ويصور الحكيم حالة المصريين الذين من التعب حاولوا أن يناموا في هذه الليالى المظلمة، أثناء ضربة الظلام، التي استمرت ثلاثة أيام (خر10: 22)، فكانوا يعذبون بمنظر الخيالات والأشباح المرعبة كأنهم في الجحيم. وأحيانًا أخرى كان الظلام الذي فاجأهم يخلع قلوبهم، ومن شدة خوفهم أصبحوا غير قادرين على الحركة، فانهاروا وصاروا كالأموات، فعندما تضعف النفس ينهار الجسد. كل هذا هو صورة مبسطة لما سيحدث في الجحيم.
† إن استقامة قلبك يا أخى هي التي تمنحك السلام من الله. لا تشارك إبليس خطاياه، منخدعًا بشهواته الوقتية؛ لأنه سرعان ما ينقلب عليك، ويعذبك في هذه الحياة، حتى يقتادك إلى الجحيم والعذاب الأبدي. أما القلب النقى المرتفع إلى الله فيحيا في أمان، بل يفرح أيضًا بعشرة الله.
: إجبار، مثل سقوط الإنسان في الأسر، أو السجن الذي لا يستطيع الخروج منه.
الآيات السابقة تكلمت عن المقيمين في بيوتهم وفاجأتهم ضربة الظلام. وهؤلاء كانوا أحسن حالًا ممن كانوا خارج منازلهم؛ سواء الفلاحين أو رعاة الأغنام، أو من يعملون في أعمال الصحراء، مثل نقل البضائع، أي من هؤلاء فيما كانوا سائرين في الصحراء فاجأتهم ضربة الظلام، فانزعجوا، وإذا سقط أحد منهم على الأرض من الخوف، أو لأنه اصطدم بحجر، فإنه كان يظل هكذا لا يستطيع القيام، أو التحرك؛ لأنه لا يرى شيئًا، ولا يعرف ما حوله، فيبقى مجبرًا في مكانه كأنه في سجن، ولكنه سجن بلا حديد، أو أسوار تحيط به، فهو سجن الخوف من الظلام، ولا يمكن الخروج منه لئلا يسقط في مكان أصعب، أو يصطدم بشئ غريب يهلكه.
: صوت الريح.
أغاريد الطيور: صوت الطيور.
قعقعة: صوت اصطدام الأحجار.
ركض: جرى.
زئير: صوت الأسد.
الضارية: المفترسة.
في ضربة الظلام، بالرغم من أن المصريين كانوا أحرارًا، لكن الظلام سجنهم، وصار لهم كسلاسل في أيديهم وأرجلهم يمنعهم من الحركة، مثل أي إنسان يسقط في الأسر، أو يقبض عليه، ويوضع في السجن.
وكان هذا السجن مرعبًا من الأصوات المحيطة، التي تتراوح بين حركة الرياح الشديدة، أو أصوات الطيور الرقيقة، أو صوت المياه المندفعة في الأنهار والبحار؛ كل هذه كانت تزعج القلوب؛ لضعفها وأسرها في الظلمة.
بالإضافة إلى جرى الحيوانات، كانت الأحجار الصغيرة والحصى تحرك تحت أقدامها فتُقلق قلوب المسجونين في الظلام. وأيضًا أصوات الحيوانات المفترسة، وصدى هذه الأصوات بين الجبال؛ كل هذا لم يكن فقط يزعجهم، بل تنحل قلوبهم وتذوب من الرعب. ولعل جرى الحيوانات، وأصواتها القوية كانت من شدة انزعاجها من الظلام أيضًا.
† هذا هو سجن الخطية الذي تسقط فيه يا أخى إن تهاونت، وقبلت شهوات العالم، فتفقد حريتك، وتخاف، ليس فقط من الحيوانات المفترسة، بل قد تقلقك الأصوات الضعيفة، مثل أصوات الطيور.
ع19: أنعم الله على العالم كله عندما خلقه بالشمس التي تشرق في كل صباح، فتضئ العالم طوال النهار، ويخرج الناس ليعملوا أعمالهم المختلفة. وعندما يأتي الظلام والليل يستريح الجميع؛ ليواصلوا أعمالهم في اليوم التالي.
ع20: مُشاكل
: مشابه.سيغشاهم: سيغطيهم.
أما المصريون الذي عبدوا الأوثان، وأذلوا أولاد الله أيام موسى، ففى ضربة الظلام توقفوا عن كل أعمالهم المفيدة. وكان هذا الظلام الشديد عربون للظلمة الفظيعة التي ستسيطر عليهم في العذاب الأبدي، كما قال المسيح في مثل الوزنات أن العبد البطال يلقونه في الظلمة الخارجية (مت25: 30).
وخلق هذا الظلام الشديد رعبًا في قلوبهم، كان ثقيلًا على أنفسهم أكثر من الظلام نفسه، فحرمهم من كل عمل صالح، وأزعجهم، وأذلهم. ولعل المصريين تذكروا خطاياهم، فنُخست ضمائرهم، وصاروا في انزعاج لا يحتملونه، خاصة وأنهم كانوا يسمعون أصوات بني إسرائيل، الساكنين بجوارهم، يتحركون بفرح، ويتكلمون بابتهاج، إذ كان عندهم نور وحياة طبيعية، فتذكروا أنهم أذلوهم، وهم الآن فرحون، أما المصريون فكانوا في ذل وخوف عظيم.
†
لا تتهاون مع الشر؛ لأنه ليس فقط يزعج حياتك، بل يفقدك القدرة على عمل الخير؛ لأن قلبك قد تلوث بفكر الشر، وتفقد بركة الله في حياتك. وعلى الجانب الآخر، على قدر ما تعمل أعمالًا صالحة تبتعد عن الشر، وتتمتع بنور الله الذي يضئ حياتك، وتتمتع بعشرته، فتتقدم أكثر وأكثر في أعمال الخير.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 18 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 16 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-17.html
تقصير الرابط:
tak.la/nryd2ww