* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
الأَصْحَاحُ الثَّانِي
(1) العدم هو النهاية (ع1-5)
(2) الانغماس في الشهوات (ع6-9)
(3) ظلم الأشرار للبار (ع10-20)
(4) ضلال الأشرار (ع21-25)
1 فَإِنَّهُمْ بِزَيْغِ أَفْكَارِهِمْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: «إِنَّ حَيَاتَنَا قَصِيرَةٌ شَقِيَّةٌ، وَلَيْسَ لِمَمَاتِ الإِنْسَانِ مِنْ دَوَاءٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا رَجَعَ مِنَ الْجَحِيمِ. 2 إِنَّا وُلِدْنَا اتِّفَاقًا، وَسَنَكُونُ مِنْ بَعْدُ كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ قَطُّ، لأَنَّ النَّسَمَةَ فِي آنَافِنَا دُخَانٌ، وَالنُّطْقَ شَرَارَةٌ مِنْ حَرَكَةِ قُلُوبِنَا. 3 فَإِذَا انْطَفَأَتْ عَادَ الْجِسْمُ رَمَادًا، وَانْحَلَّ الرُّوحُ كَنَسِيمٍ رَقِيقٍ، وَزَالَتْ حَيَاتُنَا كَأَثَرِ غَمَامَةٍ، وَاضْمَحَلَّتْ مِثْلَ ضَبَابٍ يَسُوقُهُ شُعَاعُ الشَّمْسِ، وَيَسْقُطُ بِحَرِّهَا، 4 وَبَعْدَ حِينٍ يُنْسَى اسْمُنَا، وَلاَ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَعْمَالَنَا. 5 إِنَّمَا حَيَاتُنَا ظِلٌّ يَمْضِي، وَلاَ مَرْجِعَ لَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لأَنَّهُ يُخْتَمُ عَلَيْنَا فَلاَ يَعُودُ أَحَدٌ.
ع1:
طرح سفر أيوب تساؤلات كثيرة حول حياة الإنسان ونهايته، يجيب عليها سفر الحكمة، وخاصة في هذا الأصحاح، فيوضح أن الأشرار قد رفضوا الله والرجوع إليه، وفكروا بعقلهم بعيدًا عنه، فانحرفوا، وزاغوا عن الحق، فلم يروا إلا أن حياتهم فترة محدودة على الأرض، مملوءة بالأحزان من التجارب والضيقات، وحاولوا إيقاف الموت بالبحث عن دواء له فعجزوا، وتأكدوا من شقائهم.وشك الأشرار أيضًا في كلام الله أن الأرواح تذهب للجحيم، أو الهاوية بعد الموت (1 صم2: 6)؛ لأنه لم يعد أحد من الجحيم ليخبرهم بعذابه هناك، وبالتالي نادوا بالانغماس في الشهوات في هذه الحياة؛ لعدم وجود حياة أخرى بعد الموت، وهذا ما نادت به الفلسفة الأبيقورية التي تقول: "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت.
ع2: اتفاقًا
: مصادفة.وتماديًا مع الفكر الإلحادي المنحرف عن الحق، ظن الأشرار الذين لا يؤمنون بالله أنهم لم يخلقوا؛ لأن الله غير موجود في اعتقادهم. ولكن يبقى السؤال من إذًا قد أوجدهم؟ فردوا على هذا بأنهم وجدوا صدفة في هذا العالم، ثم تنتهي حياتهم إلى العدم، كأنهم لم يوجدوا.
وهذا كلام ضد العلم والمنطق، وليس فقط ضد الله، إذ لا توجد المادة من العدم، ولا يمكن أن تتلاشى المادة إلى العدم، بل تتحلل وتتغير صورتها فقط.
وقالوا: أن الروح التي فيهم ليست من الله، بل هي دخان، ولكن من خلق الدخان؟ ليس عندهم إجابة، وقالوا: إن قوة الكلام التي على ألسنتهم هي شرارة ناتجة من حركة قلوبهم. إذن من حرك قلوبهم، فأعطت شرارة؟ ليس عندهم إجابة؛ لأن خالق ومحرك كل شيء هو الله، هو أوجدنا من العدم، وأعطانا القوة للحركة، وبحكمته نظم أجسادنا وأرواحنا.
نفهم من كلام الأشرار أن حياة الإنسان دخان وشرارة، أي زوال سريع وعابر، وبالتالي نادوا بالانغماس في الشهوات، ولكن عند الأبرار هذا الأمر له معنى آخر، إذ أن يعقوب الرسول أكد هذا فشبه حياة الإنسان بأنها "بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل" (يع4: 14). واستنتج الأبرار من هذا بطلان العالم، فزهدوا في الماديات، وتنازلوا عن الشهوات، وعاشوا في نسك وانشغال بمحبة الله.
ع3، 4: وقالوا أن بموت الإنسان يتحول جسده إلى رماد، وبهذا يصير عدمًا، ولكن نسألهم من خلق الرماد الذي هو أصل الجسم؟ ويقولون عن الروح أنها نسيم، أي تتحول إلى هواء، أو تصير كغمامة، أي ضباب، يسوقها شعاع الشمس، ثم تتكثف بحرارة الشمس، وتتحول إلى ماء يسقط على الأرض، فإذا افترضنا صحة كلامهم، يبقى السؤال من خلق هذا الهواء، أو الضباب، أو الماء ؟ إنه الله ليس غيره خالق كل شيء، بالإضافة إلى أن الجسد لا يتحول فقط إلى رماد، بل إلى مواد غازية مختلفة، والروح لا تتحول إلى مادة، بل هي جسم روحي لا يُرى، محفوظًا عند الله.
وقول الأشرار في هذه الآية أنه "بعد حين ينسى اسمنا ولا يذكر أحد أعمالنا" ليس كلامًا صحيحًا، إذ أن الروح ستبقى، والجسد سيجمعه الله في اليوم الأخير، ويتحول إلى جسم روحي. والله لن ينسى إسمنا، بل سيحاسبنا في يوم الدينونة، ولكن كل هذه الحقائق التي أعلنها الله في الكتاب المقدس يعجز عقل الإنسان المحدود أن يدركها وحده بعيدًا عن الله.
ع5: وبعد أن ادعى الأشرار أن حياتهم تُنسى بعد موتهم، شبهوا حياتهم بظل يتحرك، ويختفى، ويختم عليها في النسيان، فلا توجد.
اعتمدت هذه الاستنتاجات على عقل الإنسان المحدود، الذي ينسى مع الزمن، والذي لا يعرف كل الحقائق العلمية، بل ما زال يكتشف فيها حتى الآن، وأمامه طريق طويل لا ينتهى من العلم.
والعقل أيضًا لا يستطيع أن يدرك عالم الروح. فهل لعجزك أيها الإنسان تنكر ما لا تعرفه ولا تدركه؟ فمثلًا نظرك يرى في حدود معينة، فما لا تراه لأنه بعيد، هل يصبح غير موجود على الأرض؟ أم تتحرك وتصل إليه فتراه؟! وما لا تسمعه، هل هو غير موجود؟ بالطبع لا، ولكن إذا اقتربت إليه ستسمعه، كذلك أيضًا عقلك إذا تدعم بالإيمان يستطيع أن يدرك أمورًا كثيرة. ومن المنطق أن العقل المحدود لا يمكن أن يدرك الله خالقه غير المحدود، ولا كل أعماله، إلا إذا خضع الإنسان لله، فينعم عليه بمعرفة إضافية عن طريق الإيمان.
إن كان الإيمان له كل هذه القدرات، فأعرف به نفسي على حقيقتها، وأدرك به عالم الروح، بل أعرف به الله، فلماذا أرفض الإيمان؟ لماذا لا أهتم بوصايا الله، وأحيا معه، فينعم علىَّ بهذا الإيمان؟ خاصة أن روح الله الذي فىّ يدعونى إلى الإيمان به، فأنا بطبيعتى منجذب نحو الله لأنى صورته.
† إن الإنسان إذا ابتعد عن الله لا يرى نفسه إلا تافهًا عدمًا، أما في الله، فهو عظيم ورأس كل الخلائق، ومحبوب،وصديق لله بل ابنه. فلماذا أيها الإنسان تترك كل هذا المجد؟ إنها كبرياءك، التي تفقدك علاقتك بالله، فاتضع أمامه تستنير عيناك، وترى عظمتك، وتتمتع بمجدك فيه.
6 فَتَعَالَوْا نَتَمَتَّعْ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَاضِرَةِ، وَنَبْتَدِرْ مَنَافِعَ الْوُجُودِ مَا دُمْنَا فِي الشَّبِيبَةِ، 7 وَنَتَرَوَ مِنَ الْخَمْرِ الْفَاخِرَةِ، وَنَتَضَمَّخْ بِالأَدْهَانِ، وَلاَ تَفُتْنَا زَهْرَةُ الأَوَانِ، 8 وَنَتَكَلَّلْ بِالْوَرْدِ قَبْلَ ذُبُولِهِ، وَلاَ يَكُنْ مَرْجٌ إِلاَّ تَمُرُّ لَنَا فِيهِ لَذَّةٌ. 9 وَلاَ يَكُنْ فِينَا مَنْ لاَ يَشْتَرِكُ فِي لَذَّاتِنَا، وَلْنَتْرُكْ فِي كُلِّ مَكَانٍ آثَارَ الْفَرَحِ؛ فَإِنَّ هذَا حَظُّنَا وَنَصيِبُنَا.
ع6
: نبتدر: نبادر: أي نسرع إلى الشئ ونبدأ به.الشبيبة: الشباب.
وإذ نجح الشيطان في إقناع الأشرار بأن حياتهم فترة قصيرة مملوءة بالشقاء تنتهي إلى العدم، قادهم بالتالى إلى محاولة الخروج من الحزن بالانهماك في الماديات، والمبادرة والإسراع إلى لذة الشهوات الحسية، فلم يروا العالم إلا مجموعة شهوات اشتعلوا بها، خاصة في وقت الشباب، حيث يزداد اشتعال الشهوة، أما الله فقد انتفى من فكرهم.
ع7: نترو: ننطلق باشياق ونشرب كثيرًا، أي نسكر.
نتضمخ: نتدهن، أي ندهن أجسادنا.
زهرة الآوان: وقت الشباب.
ولم يكتفوا بالأطعمة الطيبة، بل بحثوا عن الخمر اللذيذة الفاخرة؛ ليشربوا منها بكثرة، ويسكروا، ويضعوا على أجسادهم أدهانً وعطورًا بكميات كبيرة؛ حتى لا يفوت منهم فرصة التلذذ بالشهوات في ربيع حياتهم، أو زهرة حياتهم التي هي الشباب، وهكذا يتم فيهم قول الكتاب المقدس: "آلهتهم بطونهم ومجدهم في خزيهم" (فى3: 19).
ع8: مرج: حديقة واسعة.
ورغم علمهم أن الماديات زائلة، أسرعوا يتلذذون بها، مثل لبس الورود على رؤوسهم وصدورهم، قبل أن تذبل وتصبح بلا نفع، وكان الأولى بهم ألا يتعلقوا بالماديات؛ لأنها زائلة. بل على العكس أسرعوا ليزوروا الحدائق الخضراء؛ ليتلذذوا بشهواتهم في كل أركانها.
ع9: وحتى لا ينتبهوا إلى اشتعالهم بالشهوات، وانشغالهم بها، رفضوا اصطحاب أي إنسان يحاول تهدئة اندفاعهم الشهوانى، أي أغلقوا على أنفسهم باب التوبة، وأعموا عيونهم بالماديات عن رؤية الله، إذ صارت فرحتهم الوحيدة، ونصيبهم هو لذة الشهوات المادية، لأن إبليس نجح في إقناعهم برفض الله وبالتالي لا داعى للجهاد الروحي وضبط الشهوات، أي لم لم يعد في حياتهم الله، الذي يفرح قلوبهم، وبدأوا في البحث عن الفرح في شهوات العالم الزائلة، والتي تؤدى بهم إلى الهلاك.
† عجيب الإنسان في اندفاعه بكبرياء وعناد، غارقًا في شهواته، غير منتبه أنه بهذا قد صار عبدًا للخطية، يقوده إبليس بلا مقاومة في طريق الشر. لا تقبلى يا نفسي شكوك إبليس، وتذمراته التي تجعل حياتك سوداء محزنة، وتلغى وجود الله منها، إذ لن تحتملى هذا الحزن، وستصبحى فريسة سهلة في يد إبليس، يحدرك إلى شهوات العالم الفاسدة، معللًا لكِ ذلك بأنها هي الفرح والسعادة، والحل الوحيد لأحزانك. إنه كذاب وأبو الكذاب (يو8: 44)، فحياتك ليست محزنة، بل إن رأيت الله وسط التجارب، ستنقلب التجربة إلى بركة وفرح، كما رأى الثلاث فتية المسيح وسط الأتون، فتحولت النيران المحرقة إلى سور يحفظ لقاءهم مع الله عن كل تشويش من البشر المحيطين بالأتون.
إن الطبيعة الجميلة والأطعمة اللذيذة، لذتها الحقيقية أنها عطية من الله، يقدمها لكِ يا نفسى؛ لتشكرى عليها، فلا تغرقى فيها، وتسيطر عليكِ، بل استخدميها بحكمة وشكر لله، فتفرحى فرحًا حقيقيًا. ولكن الشباب هو فرصة لمعرفة الله "فاذكر خالقك في أيام شبابك" (جا12: 1). فافرحى يا نفسى بالصلوات والتأملات في كل مكان، املأى الحقول والبرارى تسبيحًا، وفى كل مكان اتركى آثار اللقاء الحلو مع الله.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
10 لِنَجُرْ عَلَى الْفَقِيرِ الصِّدِّيقِ، وَلاَ نُشْفِقْ عَلَى الأَرْمَلَةِ، وَلاَ نَهَبْ شَيْبَةَ الشَّيْخِ الْكَثِيرِ الأَيَّامِ.11 وَلْتَكُنْ قُوَّتُنَا هِيَ شَرِيعَةَ الْعَدْلِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الثَّابِتِ أَنَّ الضُّعْفَ لاَ يُغْنِي شَيْئًا. 12 وَلْنَكْمُنْ لِلصِّدِّيقِ؛ فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا يُقَاوِمُ أَعْمَالَنَا، وَيُقَرِّعُنَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا لِلْنَّامُوسِ، وَيَفْضَحُ ذُنُوبَ سِيرَتِنَا. 13 يَزْعُمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَلِمَ اللهِ، وَيُسَمِّي نَفْسَهُ ابْنَ الرَّبِّ. 14 وَقَدْ صَارَ لَنَا عَذُولًا حَتَّى عَلَى أَفْكَارِنَا. 15 بَلْ مَنْظَرُهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا، لأَنَّ سِيرَتَهُ تُخَالِفُ سِيرَةَ النَّاسِ، وَسُبُلَهُ تُبَايِنُ سُبُلَهُمْ. 16 قَدْ حَسِبَنَا كَزُيُوفٍ؛ فَهُوَ يُجَانِبُ طُرُقَنَا مُجَانَبَةَ الرِّجْسِ، وَيَغْبِطُ مَوْتَ الصِّدِّيقِينَ، وَيَتَبَاهَى بِأَنَّ اللهَ أَبُوهُ. 17 فَلْنَنْظُرْ هَلْ أَقْوَالُهُ حَقٌّ؟ وَلْنَخْتَبِرْ كَيْفَ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ؟ 18 فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ ابْنَ اللهِ؛ فَهُوَ يَنْصُرُهُ وَيُنْقِذُهُ مِنْ أَيْدِي مُقَاوِمِيهِ.19 فَلْنَمْتَحِنْهُ بِالشَّتْمِ وَالْعَذَابِ، حَتَّى نَعْلَمَ حِلْمَهُ وَنَخْتَبِرَ صَبْرَهُ، 20 وَلْنَقْضِ عَلَيْهِ بِأَقْبَحِ مِيْتَةٍ؛ فَإِنَّهُ سَيُفْتَقَدُ كَمَا يَزْعُمُ.
ع10: نجر
: نظلم ونتعدى ونغتصب.لا نهب: لا نخاف ولا نحترم.
ولما انهمكوا في شهواتهم الشريرة، ازدادت أنانيتهم حتى أخذوا حقوق الفقير والأرملة والشيخ العجوز؛ لأنهم فقدوا إحساس الحب والرحمة، فظلموا ليس فقط الأشخاص العاديين، بل حتى الفقير في قوته الضرورى، والأرملة التي ليس لها سند، والعجوز والضعيف.
فلإنغماس الأشرار في الشهوات - كما ظهر في الآيات السابقة - أصبحت قلوبهم قاسية، فلم يشفقوا على الضعفاء فظلموهم، ولاعتقادهم بعدم وجود حياة أخرى، انتهزوا فرصة هذه الحياة، ليشبعوا شهواتهم على حساب كل من حولهم، مع أن الله أوصى أن نهتم بهؤلاء الضعفاء (تث10: 18).
ع11: وبعدما تمادوا في الشهوة والأنانية، برروا تصرفاتهم الخاطئة، فأعلنوا أن القوة والظلم، واستغلال الآخرين هي شريعة العدل، أما كل المبادئ والقيم فقد ضاعت؛ لأنهم انفصلوا عن الله، ورفضوه، وهومصدر كل المثل والقيم. ويظهر من هذا انحرافهم عن الحق، وضلالهم، فالقوه ليست شريعة العدل، بل شريعة الغاب، أي بين الحيوانات، وليس البشر، ولا تفيد القوة إلا في إنصاف المظلومين، وإنقاذهم من أيدي الأشرار.
ع12: نكمن: نختبئ للإيقاع بأحد.
الصديق: البار أو القديس.
يقرعنا: يبكتنا كأنه يضربنا.
ولم يكتفِ الأشرار بالانهماك في الشهوة والأنانية، فلم يشعروا بالفقراء والضعفاء، بل تضايقوا بالأكثر من الأبرار، ورغم أنهم فقراء لم يكتفوا بظلمهم، بل حاولوا الإيقاع بهم في مكائد مختلفة. لماذا كل هذا؟ لأن سلوك الأبرار فضح، وأظهر فساد شرهم. وكذلك قاوم الأشرار الأبرار، عندما رفضوا الاشتراك معهم في أخطائهم، بل وبخ الأبرار الأشرار على مخالفتهم لوصايا الله. فصار البار ثقيلًا على الأشرار؛ لأنه دون أن يشعر، ببره يوبخ أفكارهم الشريرة، وبدلًا من أن يتركوها، تضايقوا منه، وأساءوا إليه.
ع13: يزعم: يدعى.
ويواصل الأشرار ضيقهم من البار، فيتهمونه بأنه يدعى أن عنده علم الله، بل يسمى نفسه ابن الرب. هذه وجهة نظر الأشرار، ولكنها حقيقة أن البار يعلم وصايا الله، وهو ابن الله؛ لأنه يحيا معه. ومن ناحية أخرى، هذه الآية هي نبوة واضحة عن ربنا يسوع المسيح الصديق، الذي تعاليمه وبخت الكتبة والفريسيين، وكذا جميع الأشرار، وأعلن نفسه أنه ابن الله (يو5: 18)، وهو حقًا يعلم كل شئ؛ لأنه هو الله.
ع14، 15: عذولًا: مبكتًا، ولائمًا.
تباين: تخالف وتباعد.
لم يحتمل الأشرار منظر البار، وأصبح ثقيلًا عليهم جدًا رؤيته؛ لأن سلوكه بالبر اختلف تمامًا عن سلوكهم الشرير، إذ أن كلامه، وأعماله النقية أصبحت تبكت الأشرار على أخطائهم، حتى دون أن يكلمهم. وهذا ما حدث مع المسيح، الذي في نقاوته وعلمه بكت أفكار اليهود الشريرة وفضحها (مت9: 4)، فلم يحتملوا رؤيته، وقاموا وصلبوه.
ع16: زيوف: مزيفين، أي مغشوشين وبلا قيمة.
يجانب: يأخذ جانبًا، أي يتباعد.
رجس: قذر وقبيح.
يغبط: يفرح ويطوب.
إدعى الأشرار أن البار يعتبرهم مزيفين، وكاذبين، ولذا تباعد عن طرقهم، وتصرفاتهم، كمن يبتعد عن أي شيء نجس وشرير.
وأيضًا قالوا أن البار يطوب ويفرح لموت الصديقين، إذ أنهم في نظره ينتقلون إلى حياة أفضل مع الله في السماء، ويفتخر البار أيضًا بأن الله أبوه؛ لأنه ابن الله كما ذكر في (ع13).
هذا ما قاله الأشرار عن البار، وإن كان البار لم يحتقرهم، لكنه انشغل بطريق الله، وتباعد عن الشر. فهم مغتاظون؛ لأن بره يكشف شرهم، ولا يريدون أن يؤمنوا بأنه الله، وابن الله؛ لأن النبوة واضحة في هذه الآيات عن المسيح، فالبار هو المسيح، وكلمات هذه الآية هي التي قالها اليهود عن المسيح إذ تضايقوا أنه قال أنه ابن الله ومعادلًا لله (يو5: 18).
ولأن الأشرار آمنوا أن القوة المادية هي شريعة هذا العالم، واستهانوا بكل الأخلاق والمبادئ والمثل، معتقدين بعدم وجود حياة أخرى، زادوا من إساءاتهم نحو البار؛ ليعلنوا أنهم أقوى منه، ولا يوجد إله، وإلا كان ينصر البار عليهم، غير عالمين أن البار يحتمل كل هذا؛ لينال مجازاة في السماء. إن الله قادر أن ينصره ليس فقط في السماء، بل وعلى الأرض أيضًا. وهذا ما حدث في معجزات كثيرة مع الشهداء والقديسين، ولكن الأشرار، لكبريائهم، نسبوا المعجزات للسحر وللذكاء، ورفضوا الإيمان بالله.
هاتان الآيتان أيضا تتكلمان ليس عن الإنسان البار فقط، بل هما نبوة عن المسيح الذي تألم من أجلنا، وقام عليه الأشرار وصلبوه، وقالوا: "إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت27: 40).
وفى تمادى الأشرار في إساءاتهم نحو البار أرادوا أن يخرجوه عن صبره؛ ليرد عليهم، فيكون شريرًا مثلهم، وهددوا بقتله بأشنع ميتة؛ ليترك بره، وينقاد لشرورهم.
إن هذا الكلام واضح عن المسيح البار، الذي أثار الشيطان اليهود عليه، فاستهانوا به (لو23: 35)، وعندما قبضوا عليه شتموه، وضربوه، وجلدوه، وقالوا عندما صرخ "إلهى إلهي لماذا تركتنى". هل يأتي الله وينقذه؟ (مت27: 43). إنها نبوات واضحة عن المسيح تحققت بالتفصيل، وانتصر المسيح في النهاية على الشيطان، وبموته داس الموت، إذ فدى البشرية كلها، وقام ليقيمنا فيه.
† لا تنزعج من اضطهاد الناس لبرك؛ لأن البر يكشف أخطاءهم. وما دام البر يثير إبليس، فتمسك به، واثقًا من قوة الله التي تساندك. والمسيح مثال لك في احتمال الآلام، والثبات في الإيمان؛ حتى تنال النصرة، وتُكلل في النهاية.
21 هذَا مَا ارْتَأَوْهُ فَضَلُّوا؛ لأَنَّ شَرَّهُمْ أَعْمَاهُمْ، 22 فَلَمْ يُدْرِكُوا أَسْرَارَ اللهِ، وَلَمْ يُرَجُّوا جَزَاءَ الْقَدَاسَةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا ثَوَابَ النُّفُوسِ الطَّاهِرَةِ. 23 فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ خَالِدًا، وَصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ، 24 لكِنْ بِحَسَدِ إِبْلِيسَ دَخَلَ الْمَوْتُ إِلَى الْعَالَمِ، 25 فَيَذُوقُهُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ حِزْبِهِ.
: رأوه.
يعتبروا: يقدروا.
والخلاصة، أن هؤلاء الأشرار، في اندفاعهم، وثقوا في آرائهم الخاطئة، مع أنهم عميان عن الحق، ولكن كبرياءهم منعهم من مراجعة أنفسهم، فثبتوا في الجهل والضلال والعمى الروحي، وتوغلهم في الشر أعماهم عن رؤية حكمة الله (لم يدركوا أسرار الله) في طول أناته؛ ليعطيهم فرصة للتوبة، وكيف يزكى الأبرار باحتمالهم الآلام؛ لينالوا أكاليل مجد في السماء (لم يرجوا جزاء القداسة). ولم يدركوا قوة الله الباطنية، التي تعمل في أولاده، فتعطيهم سلامًا داخل الضيقات، بل إحساسًا بمعيته، فيفرحون فرحًا عظيمًا (لم يعتبروا ثواب النفوس الطاهرة).
ع23-25: لم يفهم الأشرار الحقيقة الإلهية الثابتة أن الله خالد، وخلق الإنسان على صورته خالدًا. وبالتالي، فالموت دخيل على حياة الإنسان نتيجة الخطية، إذ حسد الشيطان الإنسان، ودبر له مكيدة عن طريق الحية، فسقط، واستحق الموت، ولكن إذا عاد الإنسان بالتوبة إلى الله لا يكون للموت سلطان عليه، ويظل يتمتع بخلوده ونعيمه مع الله، أما من يصر على الشر، فهو من حزب إبليس، ويستحق ليس موت الجسد فقط، بل الموت الأبدي، أي العذاب الأبدي.
ويلاحظ أن القداس الباسيلى أخذ من هذه الكلمات، فيقول في صلاة الصلح: "الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس"، وهذا يثبت قانونية هذا السفر، إذ اقتبس منه القداس.
† هل رأيت يا نفسي خطورة التمادي في الخطية، إنها تفقدك القدرة على الرؤيا، فتزدادين في الشر، الذي يقودك للهلاك.أسرعى للتوبة؛ لتفتح عيناكِ، فترجعين للطريق المستقيم، بل وتكتشفين أسرار الله، فيما أعد لكِ من أمجاد في السماء، وتستهينين بلذات الشهوات الشريرة، وتصبح مرارة في حلقكِ أمام حلاوة الحياة الأبدية. بل ثقى أيضًا يا نفسي أن الله سيشعرك بوجوده؛ لتكملى توبتك، وتتعلقى بحبه، وتتمتعى بعشرته، فترفضى مخالطة الأشرار، وتتحمسى لحياة البر، فتزداد سعادتك. ليس لك عدو يا نفسي إلا الشيطان الذي يريد أن يضمك إلى حزبه، ولكنه مخادع لا يعلن اسمه، ولا حزبه، ولا النتيجة الحتمية لكل من يتبعه، وهي الهلاك، بل يجذبك باللذات الحسية، ويتيه عقلك بالشكوك في البر والحياة مع الله، ويقودك مع أغلبية العالم التائه في شروره، لتخسرى الحياة في المسيح، إنه بلا سلطان عليك إلا إذا خضعت له. قومى الآن سريعًا، فباب التوبة هو نجاتك من الهلاك، وسر الاعتراف ينتظرك في الكنيسة؛ ليمتعك بالنقاوة وعشرة الله.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-02.html
تقصير الرابط:
tak.la/mkkv6zj