* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20
الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ
(1) البتولية والنسل الشرير (ع1-6)
(2) الموت المبكر للأبرار، وأثره على الأشرار (ع7-20)
1 إِنَّ الْبَتُولِيَّةَ مَعَ الْفَضِيلَةِ أَجْمَلُ؛ فَإِنَّ مَعَهَا ذِكْرًا خَالِدًا، لأَنَّهَا تَبْقَى مَعْلُومَةً عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ. 2 إِذَا حَضَرَتْ يُقْتَدَى بِهَا، وَإِذَا غَابَتْ يُشْتَاقُ إِلَيْهَا، وَمَدَى الدُّهُورِ تَفْتَخِرُ بِإِكْلِيلِ الظَّفَرِ بَعْدَ انْتِصَارِهَا فِي سَاحَةِ الْمَعَارِكِ الطَّاهِرَةِ. 3 أَمَّا لَفِيفُ الْمُنَافِقِينَ الْكَثِيرُ التَّوَالُدِ فَلاَ يَنْجَحُ، وَفِرَاخُهُمُ النَّغِلَةُ لاَ تَتَعَمَّقُ أُصُولُهَا، وَلاَ تَقُومُ عَلَى سَاقٍ رَاسِخَةٍ، 4 وَإِنْ أَخْرَجَتْ فُرُوعًا إِلَى حِينٍ؛ فَإِنَّهَا لِعَدَمِ رُسُوخِهَا تَزَعْزِعُهَا الرِّيحُ وَتَقْتَلِعُهَا الزَّوْبَعَةُ. 5 فَتَنْقَصِفُ فُرُوعُهَا قَبْلَ إِنَاهَا، وَتَكُونُ ثَمَرَتُهَا خَبِيثَةً غَيْرَ نَاضِجَةٍ لِلأَكْلِ، وَلا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ. 6 وَالْمَوْلُودُونَ مِنَ الْمَضْجَعِ الأَثِيمِ يَشْهَدُونَ بِفَاحِشَةِ وَالِدِيهِمْ عِنْدَ اسْتِنْطَاقِ حَالِهِمْ.
ع1:
هنا يتكلم صراحة عن البتولية، وليس بطريقة رمزية، كما في الأصحاح السابق (حك 3: 13-15)، فيمجدها بوضوح عن الزواج، وإن كان هذا يتنافى مع مفهوم الناس، إذ يُعتبر حرمان من الذرية التي تحمل اسم الإنسان بعده لأجيال طويلة، بل يعلن أن لها خلودًا أعظم، أى مكانة أفضل في السماء، وترجع هذه المكانة إلى الانتصار على احتياجات الجسد الطبيعية، وحفظ الإنسان نفسه نقيًا، متساميًا عن احتياجات الشهوة الغريزية، وأيضًا كل انحراف في الخطية، وذلك لتعلق القلب بمحبة الله، واكتفائه به عن كل عاطفة بشرية، فالبتولية هي القلب والجسد المكرس لله، هي ذبيحة حب مكرسة لتسبيح الله وخدمته. فمع عظمة الزواج ترتفع البتولية؛ لتكون أعظم منه. فإن كان الزواج اتحاد وارتباط الزوجين في الله، فالبتولية اتحاد وتكريس النفس لله. كما أعلن بولس الرسول هذا في (1 كو7: 8).وهذه الآية تظهر أيضًا عظمة الفضيلة المرتبطة بالبتولية، فهي معلومة عند الله والناس، أي يراها الناس ويفرحون بها، أما الله فيبارك صاحبها. وأيضًا يكافئ الله الإنسان الفاضل إلى الأبد في الملكوت؛ لأن الفضيلة خالدة، وتكرم الإنسان في السماء.
ع2: يقتدى بها
: يُتمثل بها.إكليل الظفر : تاج النصر.
وفى كل مجتمع على الأرض يظهر مجد البتولية، حتى لو كان صاحبها صامتًا؛ لأن تعلق قلبه بالله يعطيه سلامًا، وحبًا، وانفتاحًا نحو الآخرين، وبذل عن طيب خاطر ليكسب الكل لله، وهذا أسمى من الصفات البشرية التي تشوبها الأنانية، ومحبة الماديات؛ لدرجة أن يشعر الجميع باحتياجهم أن يتعلموا منه، ويقتدوا به. وإذا غاب هذا الإنسان يشعر الجميع بفراغ مكانه؛ لأن سمو فضائل البتولية لا يمكن التعويض عنها، ويشتاقون لرجوعه إليهم، ليتمتعوا بعشرته، إذ يرون فيه أوضح صورة لله. وعلى العكس، فإن الإنسان الشرير يتضايق الناس من سلوكه، ويشتاقون لرؤية فضيلة البار، وإذا غاب الشرير يستريحون من تصرفاته الشريرة، ويظل الناس يمجدون هذا البتول الفاضل؛ لأنه انتصر على حروب إبليس في المعارك الروحية، وثبت في حياة العفة، بل ويظل الله يكرم جهاده في الأبدية.
إن البتول الفاضل، الذي تحدثت عنه هذه الآية والسابقة لها، هو المسيح. فهذه الآية تشير للمسيح الذي عاش حياة نقية كاملة، والناس يفرحون بسماع تعاليمه، ويشتاقون إليه إذا ابتعد عنهم، ويفرحون بحكمته في الرد على الأشرار، وبمن يريدون اصطياده بكلمة، وعند قيامته مجده المؤمنون به لانتصاره على الشيطان والموت، أما في السموات، فجلس عن يمين الآب، ممجدًا من ملائكته؛ لانتصاره على الشيطان.
† ليتنا إن كنا بتوليين نتمتع بهذه النعمة، وإن لم نكن، فلنقتدِ ببعض صفاتها، مثل إفساح الوقت للتمتع بالله، وتسبيحه، والتأمل فيه، أو التغرب عن العالم بالنسك والاتضاع، أو الإحساس بالآخرين، واحتمال كل الآلام لإرجاع الخروف الضال.
: جمهور.
النغلة : الأبناء الغير شرعيين.
راسخة : ثابتة.
الزوبعة : العاصفة الشديدة.
على الجانب الآخر إذا نظرنا إلى المنافقين، وهم الأشرار، الذين يظهرون غير ما يبطنون، فلهم صورة أولاد الله، ومن داخل قلوبهم بعيدون عنه؛ هؤلاء يفتخرون بكثرة نسلهم، ويعتبرونه قوة وذكرًا حسنًا لهم. ولكن يعلن الكتاب المقدس بوضوح أن هذا فشل، وليس نجاح. لماذا؟ لأن فراخهم، أي أبناءهم الذين أنجبوهم إما بطريقة غير شرعية، أي من الزنا، وهم الملقبون بالنغول، أو الفراخ النغلة، أو حتى أبناء شرعيين بالجسد، ولكن غير شرعيين لله والكنيسة، فهم أبناء لآبائهم وأمهاتهم فقط، ولا علاقة لهم بالله، مع أنهم يحملون اسم أبناء الله ومن شعبه. هؤلاء لا تتعمق أصولهم، فلا يكون لهم جذور تمتد في التربة لتمتص الغذاء، أي لا يهتمون بارتباطهم مع الله، وبالتالي يحرمون من كل غذاء روحي، ولا يكون لهم احترام لآبائهم، أو مرجع يرجعون إليه، بل هم أنانيون، متمردون، سالكون في الشر. وهنا يتكلم بوضوح عن الذين ليس لهم جهاد روحي قانونى في الكنيسة، في ارتباط بالأسرار المقدسة، وصلوات، وأصوام الكنيسة، وتلمذة روحية للكتاب المقدس والآباء الروحيين.
وهؤلاء بالتالى لا تكون لهم ساق ثابتة، فيكونون مهتزين، ضعفاء في حياتهم الروحية والنفسية؛ حتى لو بدا لهم منظر جسدي براق.
هؤلاء الأبناء إن أعطوا فروعًا، أى أنجبوا أبناء يكونون ضعفاء جدًا، فيهتزوا من الرياح، أي التجارب، وإن قامت عليهم الزوبعة، أي اشتدت عليهم التجارب تهلكهم تمامًا، وتفصلهم عن الله.
ع5: تنقصف
: تنكسر.إناها : أوانها ووقتها.
ونلاحظ أن هذه الفروع، أي الأبناء، تنكسر، وتتلف قبل أن تعطى ثمرًا، أو يحين وقت الإثمار، أي يموتون من كثرة انهماكهم في الشهوات (الزنا والخمر والمفاسد المختلفة)، فلا يتمتعون بالبركة والنعم الإلهية، ولا ينجبون، وإن أنجبوا فإن أبناءهم يكونون خبثاء، أي فاسدين، ولا يصلحون للأكل، أي غير مفيدين لمجتمعهم.
ع6: فاحشة
: فظاعة وشناعة.استنطاق : من نطق، أو كلام، أي أن أحوالهم الشريرة تبين أصلهم الشرير.
وهكذا نرى أن أبناء المضجع الفاحش، أي الزنا الجسدي، أو الزنا الروحي، بمعنى ابتعاد الآباء عن الله؛ هؤلاء الأبناء تكون سيرتهم ردية ومزعجة، تشهد بشر آبائهم.
† لا تعتمد على كثرة ثمارك المادية من غنى ومركز وعلاقات وأبناء، فكلها بلا نفع، بل فاسدة ومزعجة للآخرين، إن لم يكن الله فيها؛ لأنها بعيدة عنه فتفقد قوتها وبركتها وفائدتها. وأيضًا كل جهادك الروحي من صلوات وأصوام وعبادات، وأيضًا كل خدماتك إن لم تكن بجهاد قانونى، كما تعلمنا الكنيسة، لن تفيدك، أو توصلك إلى الملكوت، لأنها غير شرعية، بحسب كلام الله: "وأيضًا إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونيًا" (2 تى2: 5).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
7 أَمَّا الصِّدِّيقُ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَجَّلَهُ الْمَوْتُ، يَسْتَقِرُّ فِي الرَّاحَةِ. 8 لأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ الْمُكَرَّمَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْقَدِيمَةَ الأَيَّامِ، وَلاَ هِيَ تُقَدَّرُ بِعَدَدِ السِّنِينَ. 9 وَلكِنَّ شَيْبَ الإِنْسَانِ هُوَ الْفِطْنَةُ، وَسِنَّ الشَّيْخُوخَةِ هِيَ الْحَيَاةُ الْمُنَزَّهَةُ عَنِ الْعَيْبِ. 10 إِنَّهُ كَانَ مُرْضِيًا للهِ فَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَعِيشُ بَيْنَ الْخَطَأَةِ فَنَقَلَهُ. 11 خَطِفَهُ لِكَيْ لاَ يُغَيِّرَ الشَّرُّ عَقْلَهُ، وَلاَ يُطْغِي الْغِشُّ نَفْسَهُ. 12 لأَنَّ سِحْرَ الأَبَاطِيلِ يُغَشِّي الْخَيْرَ، وَدُوَارَ الشَّهْوَةِ يُطِيشُ الْعَقْلَ السَّلِيمَ. 13 قَدْ بُلِّغَ الْكَمَالَ فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ؛ فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا سِنِينَ كَثِيرَةً. 14 وَإِذْ كَانَتْ نَفْسُهُ مُرْضِيَةً لِلرَّبِّ؛ فَقَدْ أُخْرِجَ سَرِيعًا مِنْ بَيْنِ الشُّرُورِ. أَمَّا الشُّعُوبُ فَأَبْصَرُوا وَلَمْ يَفْقَهُوا وَلَمْ يَجْعَلُوا هذَا فِي 15 أَنَّ نِعْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ لِمُخْتَارِيهِ، وَافْتِقَادَهُ لِقِدِّيسِيهِ. 16 لكِنَّ الصِّدِّيقَ الَّذِي قَدْ مَاتَ يَحْكُمُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْبَاقِينَ بَعْدَهُ، وَالشَّبِيبَةَ السَّرِيعَةَ الْكَمَالِ تَحْكُمُ عَلَى شَيْخُوخَةِ الأَثِيمِ الْكثِيرَةِ السِّنِينِ.17 فَإِنَّهُمْ يُبْصِرُونَ مَوْتَ الْحَكِيمِ، وَلاَ يَفْقَهُونَ مَاذَا أَرَادَ الرَّبُّ بِهِ، وَلِمَاذَا نَقَلَهُ إِلَى عِصْمَتِهِ.18 يُبْصِرُونَ وَيَزْدَرُونَ، وَالرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. 19 سَيَسْقُطُونَ مِنْ بَعْدُ سُقُوطًا مُهِينًا، وَيَكُونُونَ عَارًا بَيْنَ الأَمْوَاتِ مَدَى الدُّهُورِ. فَإِنَّهُ يُحَطِّمُهُمْ وَهُمْ مُبْلِسُونَ مُطْرِقُونَ، وَيَقْتَلِعُهُمْ مِنَ الأُسُسِ، وَيُتِمُّ خَرَابَهُمْ؛ فَيَكُونُونَ فِي الْعَذَابِ وَذِكْرُهُمْ يَهْلِكُ. 20 يَتَقَدَّمُونَ فَزِعِينَ مِنْ تَذَكُّرِ خَطَايَاهُمْ، وَآثَامُهُمْ تَحُجُّهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ.
ع7:
ثم يعود فيتحدث عن البار من جهة موته وتركه لهذا العالم، فالناس يظنون أن البركة في كثرة السنين على الأرض، ولكن يُلاحظ أن الأبرار يموتون أحيانًا في سن صغير، ويطمئننا هنا الله أنه بالموت يتركون عالم الأتعاب؛ ليدخلوا في الراحة الأبدية الدائمة ويستقروا فيها.: الحكمة.
المنزهة : المترفعة والخالية.
ويبرر ما جاء في الآية السابقة، بأن الشيخوخة المكرمة العظيمة ليست، كما يظن الناس، في كثرة السنين، بل في البر والحياة مع الله، وقد يكون شابًا من جهة السن، وله وقار الشيوخ في الحكمة التي اكتسبها من الله، وعلى العكس، قد يوجد ما يسمى شيخًا لطول عمره، ويكون جاهلًا بعيدًا عن كل حكمة، فالمهم هو الحكمة، فمن يسلك بها سواء مات شابًا، أو شيخًا، فله كرامته وعظمته أمام الله والناس. فينبغى أن يطلب الإنسان الحكمة، فيكون قدوة لغيره، ويتتلمذ على يديه الكثيرون، سواء في سنه المبكر، أو بالأكثر لو صار شيخًا. أما الجاهل فالابتعاد عنه نعمة كبيرة، سواء كان شابًا، أو بالأكثر إذا كان شيخًا. والله قادر أن يساعد أولاده المتكلين عليه، فيحققون في سنوات قليلة ما لا يستطيع أن يحققه الشيوخ البعيدون عن الله.
لا تنزعج إذا حرمت من بعض الراحة والبركات المادية، وحلت عليك التجارب، فإنك من خلالها تختبر علاقة أعمق مع الله وراحة روحية مستقرة. وإذ تتهذب بكثرة التجارب، واختبار الله، لا تعود تخاف الموت إن أتى سريعًا، بل تقبله برضا وفرح، مثلما اشتهاه بولس الرسول "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23).
: يسيطر، ويفسد.
إن هذه الكلمات تحدثنا عن الصديق أخنوخ، "سار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24)، فانتقل صغيرًا عن كل آبائه وأبنائه، ولكنه تميز عنهم إذ يحيا بجسده حتى الآن في السماء، فالله خطفه في سن صغير؛ حتى لا يتأثر بالشر المحيط به، أو يفسد عقله ونفسه، ويبعده عن الله، وهذا ما أكده أشعياء النبى: "من وجه الشر يُضم الصديق" (أش57: 1).
ومن نعم الله على أولاده، أنه إذا رأى أمانتهم وتمسكهم بالوصية وسط الأشرار الذين يقاومونهم، يكللهم على جهادهم هذا، بانتشالهم من بين الخطاة على الأرض، أي بالموت؛ ليتمتعوا بالراحة بين أحضانه في السماء. فيوحنا المعمدان وكل الشهداء الذين قدموا حياتهم في سن صغير، كان الموت طريقهم للراحة الحقيقية في السماء، فانتقلوا بالموت إلى حياة أفضل.
إن طريقك إلى البر هو أن ترضى الله في كل أفكارك وكلامك وأعمالك، فتتمتع برعايته ومحبته التي تدفعك لمزيد من إرضائه، إذ تجد سعادتك في تنفيذ وصاياه؛ لأنك تشعر بمعيته في كلامه الذي تحيا به، وحينئذ تشتاق للوجود الدائم معه في السماء بنزع هذا الجسد الثقيل، فينعم عليك الله بالاستقرار في الراحة.
ع12: يغشى
: يغطى.دوار الشهوة: دوار، أي دوران سريع يفقد الإنسان اتزانه. دوار الشهوة هو انهماك الإنسان في الشهوة؛ حتى يفقد اتزانه كإنسان عاقل.
يطيش: ينحرف به، ويبعده عن هدفه.
إن أباطيل العالم، وهي مباهجه الزائلة، من مركز ومال وكل ما يغرى من أمور العالم، تجذب الناس وتشغلهم عن عمل الخير، أي تغطى ذهنهم بأمور كثيرة زائلة، فيبتعدون عن الله، وهم يجرون وراء هذه الأباطيل، وتسيطر عليهم، فيفقدون اتزانهم، مثل من يسقط في الخطية، ويجد نفسه يدور ويسقط ثانية في الشهوة وينغمس في لذتها، ويفقد عقله وتمييزه للخطأ والصواب، فيطيش عقله، ويستعبد نفسه لشهوات كان لا يرضى بها قبلًا.
ع13: إن الله يعين البار ليحقق في حياة قصيرة كل الكمال الذي يرجوه، وهكذا يكون مستحقًا لأمجاد السماء. وفى عمر قصير يحقق أكثر مما يحققه غيره في عمر طويل.
ع14: يفقهوا
: يعلموا.إن هذا البار أرضى الرب بأعماله وبحياته، وكان الأشرار محيطين به من كل جانب، فأشفق الله عليه، وأخرجه من وسطهم بالموت، فانتقل إلى حياة الراحة الأبدية. لكن للأسف لم يفهم الأشرار حكمة الله؛ ليتوبوا، ويسعوا نحو الكمال، ويستعدوا للسماء.
ع15: إن الله يميز أولاده الذين يطيعون وصاياه بمعونة ونعمة خاصة، وتفيض عليهم رحمته؛ لأنهم إن أخطأوا يتوبون، فهو يسرع إليهم بتعزيته، ويفتقدهم في وقت ضيقهم؛ ليخلصهم من أتعابهم.
ما أعظم هذا الرجاء في قلوب أولاد الله، يطمئنون لمحبة الرب لهم؛ لأنه هو أبوهم السماوى، ويخصهم بمحبته، فلا يعودوا ينزعجون من أية ضيقات، بل يشكرون، ويسعدون، ويتمتعون ببركاته كل حين.
إنها دعوة لك يا أخى للخروج من شقاء العالم، وسلوك الأشرار؛ لتكون من خاصة الرب بالإيمان، والتوبة، وحفظ وصاياه، فتحيا في سعادة دائمة.
ع16: الشبيبة
: الشباب، أي السن المبكرة.ومن بركات الله على أولاده، ليس فقط أن يسعدهم في حياتهم على الأرض، وفى الأبدية، لكن يمتد أثرها بعد موتهم على الأشرار الذين في العالم، فقداستهم تدين أشر الأشرار، الذين عاشوا في نفس ظروفهم حتى سن الشيخوخة، ولكن سلكوا في الشر، بينما عاش الأبرار مع الله. فما هى حجة الأشرار أمام الله؟
إن الصديق الذي سلك بالكمال ومات سريعًا عظة لنا جميعًا؛ لنقتدى به، ونترك خطايانا وتهاوننا. كم من الفضائل تعلمت من حياة الذين رحلوا أمام عينيك؟ إن الله سيحاسبك بسبب كل هؤلاء. لماذا لم تتعلم منهم؟
ع17: عصمته
: حضرته في الأبدية حيث لا يخطئ الإنسان.عندما ينظر الأشرار موت البار، وهو الإنسان الحكيم، إذ يموت في سن مبكر، لا يفهمون أن هذه نعمة من الله، أنه انتشل البار من بين شرورهم، ليكمل حياته البارة في الأبدية.
ويظن الأشرار أنه لا فائدة من بر الأبرار، فقد ماتوا سريعًا، أما هم فإنهم يحيون منغمسين في شهواتهم الشريرة، ويتوهمون أن هذا خيرًا، وينسون أن مصيرهم هو الهلاك، وأن حياة البار تدينهم، كما ذكرنا في الآية السابقة.
لماذا لا تفهم يا أخى مقاصد الله من الأحداث المحيطة بك. إن كل شيء يحدثك عن الله لعلك تتوب، وترجع إليه، وتحبه، فتتمتع بعشرته، وتحيا معه إلى الأبد.
ع18: يزدرون
: يحتقرون.يتمادى الأشرار في شرهم، فيحكمون أحكامًا خاطئة على أحداث الحياة، ويصفون موت الصديق بالجهل، إذ تمادى في العبادة والخدمة، ولم يستفد شيئًا؛ لأنه مات بعد أن حرم نفسه من التمتع بشهوات العالم مثلهم. وهكذا يتمادون منهمكين في شهواتهم، والرب من السموات يستهزئ بجهلهم، كما سيظهر في الآية التالية.
ع19: مبلسون
: حزانى.مطرقون : مطأطئون الرؤوس، أي أن رؤوسهم ناظرة إلى أسفل في خزى.
ولا ينظر هؤلاء الأشرار بعد حياتهم الفاسدة إلا سقوطًا في العذاب الأبدي، فيظهر خزيهم بين الأبرار، ولكن لا مكان بعد للندم، أو الإصلاح، وهكذا يكونون مبلسين، أي حزانى، يائسين، يطأطئون رؤوسهم في خزى (مطرقين)؛ لأن الموت قد اقتلعهم من شهواتهم، وأفكارهم الردية لم تنفعهم. وحتى ذكرهم عند الأحياء يكون عارًا، ويخزى الأشرار الذين يسلكون مثلهم، إذ يظهر فزعهم ساعة الموت، وعدم انتفاعهم من كل خطاياهم. ومثال ذلك ما حدث مع آخاب الملك، وإيزابل امرأته، إذ ماتا ولحست الكلاب دمائهما، كعقاب لما فعلا بنابوت اليزرعيلى الذي قتلاه (1 مل22: 38؛ 2 مل9: 36). وأيضًا يهوياقيم الملك الشرير مات ميتة حقيرة، إذ ألقى جسده كحمار (أر22: 19؛ 36: 30). وهامان الذي تكبر جدًا، مات مصلوبًا بنفس الطريقة التي أراد أن يقتل بها مردخاى (أس7: 10).
ع20: تحجهم
: تعطيهم حجة، أو دليل.ويحيون في العذاب الأبدي في فزع دائم، ويتقدمون من خوف إلى خوف، ويستد فمهم، إذ أن آثامهم تشهد عليهم، فهي حجة قوية ضدهم.
†
إن كل كلمة بطالة سنعطى عنها حسابًا يوم الدين. فتذكر الموت، وتب وحاسب نفسك. إحزن اليوم على خطاياك بالتوبة تخلص من الحزن الأبدي، "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت5: 4).
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 5 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-04.html
تقصير الرابط:
tak.la/kcvm6s5