* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
الأَصْحَاحُ الحَادي عشر
(1) عطش المصريين واليهود (ع1-15)
(2) قدرة الله ورحمته (ع16-27)
1 ثُمَّ سَدَّدَتْ مَسَاعِيَهُمْ بِإِرْشَادِ نَبِيٍّ قِدِّيسٍ، 2 فَسَارُوا فِي بَرِّيَّةٍ لاَ سَاكِنَ بِهَا، وَضَرَبُوا أَخْبِيَتَهُمْ فِي أَرْضٍ قَفْرَةٍ، 3 وَقَاوَمُوا مُحَارِبِيهِمْ، وَدَافَعُوا أَعْدَاءَهُمْ. 4 وَفِي عَطَشِهِمْ دَعَوْا إِلَيْكَ؛ فَأُعْطُوا مَاءً مِنْ صَخْرَةِ الصَّوَّانِ، وَشِفَاءً لِغَلِيلِهِمْ مِنَ الْحَجَرِ الْجُلْمُودِ. 5 فَكَانَ الَّذِي عُذِّبَ بِهِ أَعْدَاؤُهُمْ، إِذْ أَعْوَزَهُمْ مَا يَشْرَبُونَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مُتَهَلِّلُونَ بِكَثْرَتِهِ، 6 هُوَ الَّذِي أُحْسِنَ بِهِ إِلَيْهِمْ فِي عَوَزِهِمْ. 7 فَإِنَّكَ بَلْبَلْتَ أُولئِكَ، إِذْ بَدَّلْتَهُمْ بِمَعِينِ النَّهْرِ الدَّائِمِ دَمًا صَدِيدًا، 8 عِقَابًا لَهُمْ عَلَى قَضَائِهِمْ بِقَتْلِ الأَطْفَالِ، وَهؤُلاَءِ أَعْطَيْتَهُمْ مَاءً غَزِيرًا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ، 9 لِكَيْ تُرِيَهُمْ بِعَطَشِهِمْ هذَا، كَيْفَ عَاقَبْتَ أَضْدَادَهُمْ. 10 فَإِنَّهُمْ بِامْتِحَانِكَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ تَأْدِيبَ رَحْمَةٍ، فَهِمُوا كَيْفَ كَانَ عَذَابُ الْمُنَافِقِينَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِمْ بِالْغَضَبِ. 11 لأَنَّكَ جَرَّبْتَ هؤُلاَءِ كَأَبٍ، إِنْذَارًا لَهُمْ، وَأُولئِكَ ابْتَلَيْتَهُمْ كَمَلِكٍ قَاسٍ قَضَاءً عَلَيْهِمْ. 12 وَقَدْ مَسَّهُمْ فِي الْغَيْبِ مِنَ الضُّرِّ مَا مَسَّهُمْ فِي الْمَشْهَدِ، 13 إِذْ أَخَذَهُمْ ضِعْفَانِ مِنَ الْحُزْنِ وَالنَّحِيبِ، بِتَذَكُّرِ الضَّرَبَاتِ السَّالِفَةِ، 14 لأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ مَا كَانَ لَهُمْ عِقَابًا، صَارَ لأَعْدَائِهِمْ إِحْسَانًا، شَعَرُوا بِيَدِ الرَّبِّ 15 وَالَّذِي قَضَوْا مِنْ قَبْلُ بِطَرْحِهِ فِي النَّهْرِ، وَاسْتَخَفُّوا بِهِ وَرَذَلُوهُ اسْتَعْظَمُوهُ فِي آخِرِ الأَمْرِ، إِذْ كَانَ عَطَشُ الصِّدِّيقِينَ عَلَى خِلاَفِ عَطَشِهِمْ.
ع1: سددت مساعيهم
: أنجحت طريقهم.يتحدث هنا عن قيادة الله لشعبه في برية سيناء بعد عبورهم البحر الأحمر، إذ يقودهم بنفسه بعمود السحاب نهارًا، وعمود النار ليلًا. وما دام الله يقود بنفسه، فهو يعطى طريقًا سليمًا ناجحًا لأولاده. وقائدهم المنظور هو موسى النبي العظيم، الذي يرمز لعمل الله معهم، وصوت الله لهم. فهو رمز للمسيح الذي يقود شعبه في طريق الخلاص، يعبر بهم في جرن المعمودية، ويسير أمامهم في طريق ملكوت الله؛ حتى يوصلهم إلى أورشليم السمائية، أرض الميعاد.
نلاحظ هنا استمرار سليمان في عدم ذكر أسماء الآباء، أو الأنبياء، فلم يذكر اسم موسى، بل أشار إليه بالنبى القديس؛ لأنه يتكلم عن عمل الحكمة في أولاد الله.
ع2: أخبيتهم
: خيامهم.قفرة: أرض جرداء.
ورغم أن طريق بني إسرائيل كان في برية سيناء القاحلة، التي لا يسكنها أحد من الناس، لكنهم كانوا مطمئنين؛ لأن الله معهم، فنصبوا خيامهم في هذا المكان الموحش، واستقروا في أمان؛ إذ أن الله يحميهم.
† إذا سرت يا أخى في طريق حياتك، وشعرت أنك وحدك، لا يشعر بك من حولك، فلا تنزعج ما دمت متمسكًا بالله، بل نم مطمئنًا؛ لأن الله يحوطك برعايته، وتقدم براحة وفرح في كل خطواتك؛ لأن الله أمامك، عالمًا أنك ابن الله السائر في طريق الملكوت، ومسيحك يهديك، ويوصلك، إذا ثبت في الكنيسة والأسرار المقدسة، كما نناديه في القداس الإلهي "أهدنا إلى ملكوتك".
ع3: ولما شعر بنو إسرائيل بقوة الله التي معهم، لم ينزعجوا من شعب عماليق الذي قابلهم في البرية، بل انتصروا عليه، مستندين على صلوات موسى ويديه المرفوعتين على شكل صليب. وانتصروا أيضًا على سيحون ملك الأموريين، وعوج ملك باشان، مع ملاحظة أن بني إسرائيل كانوا رعاة غنم، وليسوا رجال حرب، أما الجيوش المقابلة لهم، فهم متدربون على الحرب، ولكن قوة الله تستطيع أن تنصر الضعفاء على الأقوياء.
† ما دام الله معك فمهما عظمت حروب إبليس، فثق أنك تنتصر عليه. تقدم بثبات في الحياة الروحية، ولا تخشَ مقاومته؛ حتى وإن سقطت مرارًا في الخطية، فتوبتك، وتمسكك بالأسرار المقدسة تهزم كل قوته وتسحقها.
ع4: الصوان
: الحجر الشديد القوة.الجلمود : الصخر.
بعدما عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر وجدوا أنفسهم في برية ناشفة، يندر وجود الماء بها، وتعرضوا للموت عطشًا، وهم عدد كبير، حوالي المليونين من الأنفس، فيستحيل توفير الماء الكافى لهم. ولم يكن أمامهم إلا التضرع إلى الله بصراخ شديد؛ لينجيهم من الموت، بعدما عجز العقل عن إيجاد وسيلة للحياة. وظهر حنان الله وأبوته، وفى نفس الوقت قدرته العظيمة، فأنبع لهم ينبوع ماء قوى من الصخر الصلب الكبير البعيد عن كل مصادر المياه. وتتحقق المعجزة في إرواء عطش كل هؤلاء البشر، ويفيض عنهم الماء.
وتتكرر المعجزة، أي خروج الماء من الصخرة بضربة العصا من موسى طوال أربعين سنة؛ ليعلن الله رعايته، ومحبته لشعبه طول الحياة.
لقد كانت الصخرة التي تابعتهم في البرية هي المسيح (1 كو10: 4)، والعصا هي الصليب، الذي صُلب عليه المسيح، فأعطانا نبع الحياة، وأنقذنا من الموت.
† إن الله ينتظر صلوات أولاده؛ ليعطيهم كل ما يحتاجون، مهما بدا ذلك مستحيلًا، "فغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله" (لو18: 27). إنه ينتظر دليل بنوتنا له؛ لندخل ونأخذ كل ما نريد، بل في محبته ينادينا "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا بإسمى. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو16: 24)، بل هو "يعطى الجميع بسخاء" (يع1: 5) "أكثر جدًا مما نطلب، أو نفتكر" (أف3: 20).
ع5-7: وتتعاظم رحمة الله واهتمامه بشعبه أنه يعطيهم الماء بوفرة وسط برية سيناء الجرداء، في حين لم يجد المصريون ماءً ليشربوا، وتعرضوا للموت عطشًا بعد الضربة الأولى، حينما حول موسى ماء نهر النيل إلى دم، بل كان دمًا عفنًا متسخًا، أي دمًا صديدًا (مِدة) يشمئز الإنسان من النظر إليه، أو احتمال رائحته الكريهة. وما الفرق بين شعب الله والمصريين، إلا تمسك بنو إسرائيل بالله، أما المصريون فعصوه، وعاملوا شعبه بمنتهى القسوة.
ويلاحظ في سفر الخروج (خر7: 22) أن العرافين في مصر اغتاظوا مما فعله موسى وذهبوا إلى الجزء من نهر النيل الذي يرتوى به شعب بني إسرائيل، وكان ما زال ماؤه نقيًا لم يتحول إلى دم، فضربوه وحولوا لونه مثل الدم، ولكنه لم يكن دمًا، ولم يتعفن، فشرب منه بنو إسرائيل. وظل المصريون يعانون سبعة أيام يشربون فيها من ماء الآبار؛ حتى ضرب الله مصر بالضفادع (خر7: 24، 25 ؛ 8: 2)، وعاد ماء النيل إلى طبيعته الأولى.
: من يقفون ضدهم، أي أعدائهم وهم المصريون.
لماذا سمح الله بالعطش للمصريين؟ ... لعلهم يتوبون ويشعرون بخطيتهم الشيعة في قتل جميع الأطفال الذكور المولودين لبنى إسرائل. فعندما يقتربون بالعطش إلى الموت، يشعرون بمشاعر الآباء والأمهات عند قتل أولادهم.
فهكذا استخدم الله الماء لعقاب المصريين بالتعرض للموت عطشًا، وهو نفس الوسيلة (الماء) الذي استخدمه المصريون لقتل أطفال بني إسرائيل بإلقائهم في النهر (خر1: 22). فالمصريون قتلوا، أي سفكوا دماء أطفال بني إسرائيل، فحول الله لهم الماء إلى دم في ضربة النهر؛ ليتذكروا خطيتهم لعلهم يتوبون ويؤمنون. ونلاحظ ان ضربة النهر، وتحويل الماء إلى دم كان لها غرضان هما:
إجبار المصريين على طاعة الله، وإطلاق بني إسرائيل ليعبدوه في البرية (خر7: 16، 17).
تذكير المصريين بخطيتهم في قتل أطفال بني إسرائيل، بإلقائهم في النهر.
أما شعب الله، فسماحه لهم بالعطش؛ ليشعرهم بمدى الضيقة التي مر بها أعداؤهم المصريون، فلا يرفضوا طاعة الله مثلهم. وكان عطش بني إسرائيل مؤقتًا، أعقبه فيض ماء غزير من الصخرة، تظهر رعاية الله، ومحبته واهتمامه بهم.
تشرح هاتان الآيتان الهدف من تجربة كلًا من بني إسرائيل والمصريين بالعطش فيقول:
"فإنك بامتحانك لهم وإن كان تأديب رحمة"
عندما تذمر بنو إسرائيل في برية سيناء لعطشهم، كان هذا ضعف إيمان وعدم اتكال على الله. والله سمح بهذا العطش تأديبًا لهم؛ ليرجعوا إليه بكل قلوبهم، تاركين التذمر. وكان العطش مؤقتًا لفترة قصيرة، وهذا كان تأديبًا رحيمًا من الله.
"فهموا كيف كان عذاب المنافقين المقضى عليهم بالغضب"
فهم بنو إسرائيل، وهم في برية سيناء، أن عطشهم يذكرهم بعطش المصريين الشديد، الذي حدث في مصر، عندما ضرب الله النهر، وحوله إلى دم، غضبًا منهم؛ لرفضهم ترك شعبه ليعبدوه في البرية.
"لأنك جربت هؤلاء إنذارًا كأب لهم"
فالله جرب بني إسرائيل كأب إنذارًا لهم؛ حتى لا يعودوا إلى التذمر والتمرد عليه.
"وأولئك ابتليتهم كملك قاس قضاء عليهم"
أما أولئك وهم المصريون، فقد عاملهم الله كملك قاسِ؛ لأنهم رفضوا الإيمان به، فكان عطشهم شديدًا، لدرجة أنهم تعرضوا للموت. فالله حنون على أولاده ليعيدهم بالتوبة إليه، أما تجربته للمصريين فكانت بقسوة؛ لإصرارهم على رفض طاعة الله.
† إطمئن يا أخى إذ التجربة هي بسماح من إلهك المحب لنمو محبتك له، وستؤدى في النهاية إلى راحتك وقوتك. وإن طالت التجربة، فثق أن بعدها بركات غزيرة من السماء، تكافئك على صبرك وقوتك، وتمسكك بالله.
ع12: الضر
: الضرر.المشهد : العلن والظاهر.
ولم يقتصر عقاب الله للمصريين على العطش، أو التألم الجسدي من الضربات المختلفة، بل تعداه إلى التعب النفسى. فلم يكن الضرر الذي أصابهم هو فقط الظاهر، ولكن في الخفاء والغيب؛ داخلهم كان الألم أقسى بكثير من الألم الخارجي. فعندما فكروا في الضربات التي تمر بهم حزنوا جدًا، وكان تعبهم النفسى مضاعفًا لتعبهم الجسدي، إذ أدركوا تعاستهم وبليتهم.
: أي حزنهم لآلامهم الجسدية، بالإضافة إلى آلامهم النفسية.
النحيب : البكاء الشديد.
السالفة : الماضية.
حزن المصريون وبكوا كثيرًا لما رأوا الضربات العشر القاسية، التي أظهرت ضعف آلهتهم، وشعروا بعقاب الله لهم فيها، في حين كان بنو إسرائيل في راحة، ولم تأت عليهم هذه الضربات، فكان هذا عذابًا مضاعفًا لهم؛ أي آلام الضربات، وآلام الغيرة من بركات الله لشعبه.
وزاد حزنهم الداخلي أنهم سمعوا برعاية الله لشعبه في البرية، وإروائه لعطشهم بالماء الغزير من الصخر، فتذكروا الضربات والعطش الذي أهلك منهم الكثيرين فحزنوا أكثر وأكثر. وللأسف لم يقودهم هذا إلى التوبة، بل سقطوا في الاكتئاب واليأس.
ع15: وعندما رأوا موسى العظيم يواجه فرعون، ويتذلل ملكهم أمامه، ويضرب بقوة الله كل مصر بالضربات العشر، تذكروا ظلمهم لأطفال العبرانيين الذين أمروا بطرحهم في النهر، ومنهم هذا الطفل موسى. ولكن الله اعتنى به فصار عظيمًا، وتكلم معه، وقاد شعبه وحرره، وأخضع كل المصريين عند قدميه. بل عندما تجاسر جيش المصريين، أكبر جيوش العالم في هذا الوقت، أن يطارده غرق في البحر الأحمر.
ورأى المصريون أن عطش بني إسرائيل في برية سيناء (الصديقين) كان مؤقتًا، وبعده أعطاهم الله ماءً غزيرًا، أما المصريون فضربة النهر حولته إلى دم، ومات السمك وانتن، واستمر عطش المصريين مدة طويلة عقابًا لهم، ولم ينالوا بركة من الله بعده.
† لا تخشَ يا أخى من قوة الأشرار وسطوتهم، فإن نهايتهم محزنة، وسيذلهم الله عقابًا على خطاياهم. واطمئن إن الله سيرعاك ويحفظك ويعظمك كل يوم. وعلى قدر ما تتعاظم حتى تصل إلى الملكوت، ينحدر الأشرار في ألم وتعاسة حتى يُلقوا في العذاب الأبدي.
حذار لك أيها الأخ الحبيب أن تقلد الأشرار في خطاياهم؛ لأن الخطية لا تخلف إلا الاضطراب الداخلي والتعاسة، مهما بدت شهوتها مبهرة. وهذا الألم الداخلي يستمر مسيطرًا على الشرير ما لم يتب، فهو عقاب مستمر لا يبارح الإنسان ما دام في الخطية.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
16 وَإِذْ كَانُوا قَدْ سَفِهُوا فِي أَفْكَارِهِمِ الأَثِيمَةِ، وَضَلُّوا حَتَّى عَبَدُوا زَحَّافَاتٍ حَقِيرَةً وَوُحُوشًا لاَ نُطْقَ لَهَا، انْتَقَمْتَ مِنْهُمْ بِأَنْ أَرْسَلْتَ عَلَيْهِمْ جَمًّا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لاَ نُطْقَ لَهَا، 17 لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا خَطِئَ بِهِ أَحَدٌ بِهِ يُعَاقَبُ. 18 وَلَمْ يَكُنْ صَعْبًا عَلَى يَدِكَ الْقَادِرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّتِي صَنَعَتِ الْعَالَمَ مِنْ مَادَّةٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ، أَنْ تَبْعَثَ عَلَيْهِمْ جَمًّا مِنَ الأَدْبَابِ أَوِ الأُسُودِ الْبَاسِلَةِ، 19 أَوْ مِنْ أَصْنَافٍ جَدِيدَةٍ لَمْ تُعْرَفْ مِنَ الْوُحُوشِ الضَّارِيَةِ، الَّتِي تَنْفُخُ نَارًا أَوْ تَبْعَثُ دُخَانًا قَاتِمًا أَوْ تُرْسِلُ مِنْ عُيُونِهَا شَرَارًا مُخِيفًا.20 إِذَنْ لَكَانَتْ تُهْلِكُهُمْ خَوْفًا مِنْ مَنْظَرِهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُهَشِّمَهُمْ بِإِصَابَتِهَا. 21 بَلْ قَدْ كَانَ نَفَسٌ كَافِيًا لإِسْقَاطِهِمْ؛ فَيَتَعَقَّبُهُمُ الْقَضَاءُ وَرُوحُ قُدْرَتِكَ يُذَرِّيهِمْ. لكِنَّكَ رَتَّبْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِمِقْدَارٍ وَعَدَدٍ وَوَزْنٍ. 22 وَعِنْدَكَ قُدْرَةٌ عَظِيمَةٌ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَمَنْ يُقَاوِمُ قُوَّةَ ذِرَاعِكَ. 23 إِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ أَمَامَكَ مِثْلُ مَا تَرْجَحُ بِهِ كَفَّةُ الْمِيزَانِ، وَكَنُقْطَةِ نَدًى تَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ عِنْدَ السَّحَرِ. 24 لكِنَّكَ تَرْحَمُ الْجَمِيعَ، لأَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَتَتَغَاضَى عَنْ خَطَايَا النَّاسِ لِكَيْ يَتُوبُوا. 25 لأَنَّكَ تُحِبُّ جَمِيعَ الأَكْوَانِ، وَلاَ تَمْقُتُ شَيْئًا مِمَّا صَنَعْتَ؛ فَإِنَّكَ لَوْ أَبْغَضْتَ شَيْئًا لَمْ تُكَوِّنْهُ. 26 وَكَيْفَ يَبْقَى شَيْءٌ لَمْ تُرِدْهُ؟ أَمْ كَيْفَ يُحْفَظُ مَا لَسْتَ أَنْتَ دَاعِيًا لَهُ؟ 27 إِنَّكَ تُشْفِقُ عَلَى جَمِيعِ الأَكْوَانِ، لأَنَّهَا لَكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الْمُحِبُّ لِلنُّفُوسِ.
: من السفاهة، وهي التفاهة.
جمًا: عددًا كبيرًا جدًا.
يتكلم هنا عن انحطاط المصريين في أفكارهم، إذ عبدوا الحيوانات؛ سواء الكبيرة، مثل البقر والكباش والقرود والتماسيح، أو الصغيرة، مثل الضفادع والبعوض والجراد والجعران. وأراد الله أن يُظهر لهم دناءة هذه الحيوانات التي يعظمونها ويعبدونها، فأرسل عليهم أعدادًا ضخمة منها في الضربات العشر، مثل الضفادع فأصابتهم بالاشمئزاز عندما ماتت الضفادع، وأنتنت، وملأت بيوتهم ومخازنهم بهذه الرائحة النتنة، وجمعوها أكوامًا كثيرة في كل مكان في مصر.
ولكى ينتبهوا من ضلالهم في عبادة الحيوانات بدلًا من الله، أصابتهم من هذه العبادة شرورا كثيرة تؤذيهم؛ ليتركوها، ويرجعوا إلى الله بالتوبة.
ونلاحظ أن الله عاقب المصريين بالحيوانات التي عبدوها؛ ليظهر لهم ضلال عبادتهم وحقارتها؛ حتى يبعدوا عنها ويرجعوا إلى الله.
† لا تسرع إلى الشر مهما بدا مبهرًا وجميلًا؛ لأنه سيؤذيك، إذ فيه سم الشيطان، ويهلكك في النهاية. أرفض كل ما يؤدى إلى الشر، وكل ما له علاقة به، فيكون قلبك مستقيمًا، وتحيا في سلام. وإذا أخطأت فتب سريعًا، لأن مراحم الله تنتظرك.
ع18: الأدباب
: الحيوانات الضخمة التي تدب على الأرض.الباسلة : الشجاعة.
وأمام شر المصريين واستهانتهم بالله في عبادة الأوثان، بل قسوتهم في تعذيب بني إسرائيل، ورفضهم لكلام الله على فم موسى، كان يمكن أن ينتقم الله منهم بعنف، ولكنه بحكمته ورحمته سمح بالضربات العشر بمقدار يحتمله المصريون؛ ليقودهم إلى التوبة. فسليمان يحدثنا عن رحمة الله في الضربات العشر، إذ كان يمكن أن تكون أكثر قسوة بكثير مما حدث.
قدرة الله غير محدودة، وبها خلق العالم كله بأمره، وخلق الإنسان من حفنة تراب بلا منظر إلى صورته الجميلة؛ هذه القدرة العظيمة كان يمكن أن ترسل عددًا ضخمًا من الحيوانات الكبيرة المخيفة بحجمها الهائل، أو جيوش من الأسود، التي تتميز بالشجاعة والإقدام.
ع19: الضارية
: الشرسة التي تفتك بالإنسان.قاتمًا : داكنًا، أو غامقًا.
بل كان يمكن أن يفاجأ المصريون بحيوانات جديدة لم يروها من قبل، تنفخ من أفواهها وأنوفها نارًا ودخانًا، أو يخرج من عيونها شرار نار، فيحرق كل من يقابله، ويهلك كل أرض مصر.
ع20: تهشمهم
: تحطمهم.وهذه الحيوانات كانت قادرة أن تهلك المصريين ليس فقط بافتراسهم، بل بمنظرها أيضًا وحجمها المخيف.
ع21: يذريهم
: هي عملية التذرية التي تفصل القش عن حبوب القمح، فيطير القش في الهواء بعيدًا. والمقصود تنفخهم بريح فمك، فيصبحوا كلا شيء أمامك.وكان يمكن بدل كل هذا أن ينفخهم الله بنفخة فمه، فتكون كريح شديدة لم يسمع بمثلها من قبل، فتقتل كل من يقابلها، إذ يطير أمامها كل بشر، وكل متاع، وكل المباني، وقوة الإنسان. فإن كان يحدث هذا الآن جزئيًا عن طريق الزوابع والعواصف والأعاصير، فكم يستطيع الله أن يعطى رياحًا أقوى من كل هذه، تهلك كل من يقابلها.
ولكن رحمة الله توقف انتقامه الشديد من شرور الناس، وتسمح بالعقاب بمقدار، وعدد محدود. ولا تكون التجربة أثقل مما يجب، بل يزن كل التجارب بميزان رحمته؛ حتى يؤدى عقاب الله إلى توبة الجميع، إذ هو "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تى2: 4).
† تمتع يا أخى برحمة الله، واقبل التجربة لتقودك إلى التوبة. انتهز الفرصة للرجوع إلى الله، فتخلص من الانتقام الأبدي في النار التي لا تطفأ.
ع22: ثم يسترسل سليمان، فيحدثنا عن قدرة الله الكاملة، فيعلن هذه القدرة أنها:
1- دائمة:
أما قدرة البشر فهي مؤقتة.
2- عظيمة:
فهى غير محدودة، وبالإضافة إلى ذلك فإنها لا يقاس بها أية قوة في العالم، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامها. أما قوة الإنسان فواضح أنها محدودة، وضعيفة.
3- ذاتية:
فقدرة الله نابعة من كيانه، وبالتالي ثابتة لا تتغير. أما قدرة الإنسان فهي بسبب عطايا الله للإنسان من صحة ومال ومركز اجتماعى، وتزول بزوالها.
ع23: ترجح
: تثقل به كفة الميزان حتى تميل إلى أسفل. والمقصود شيء صغير جدًا يثقل به ما في الميزان فيميل.السحر : وقت السحر هو الثلث الأخير من الليل حتى قبل طلوع الفجر.
ويتحدث عن الإنسان، مهما كانت قوته، فيشبهه بالشئ الصغير جدًا، الذي يثقل به كفة الميزان، فتميل إلى أسفل؛ لتتساوى مع الكفة الأخرى، فهو كالقشة، أو الشئ التافه الذي يكمل به الوزن.
ويشبه الإنسان أيضًا بنقطة الماء التي تسقط كالندى قبل الفجر، أي في وقت السحر والظلام شديد. فالإنسان شيء صغير جدًا، ينزل مثل نقطة الندى في الظلام على الأرض، فما قيمته أمام العالم كله؟! ... وما قيمة العالم كله أمام قدرة الله الغير محدودة؟ وقد استخدم أشعياء نفس التشبيه (أش40: 15).
† إعرف حقيقة نفسك حتى تتضع أمام الله، وتخضع لوصاياه، وتمجده على قدرته العظيمة، ولا تتذمر عليه. فإن رحمته هي التي أعطت لك مكانة، فاشكره في كل حين.
ع24: تتغاضى عن خطايا الناس
: تطيل أناتك عليهم ليتوبوا.يُنهى هذا الأصحاح بحديث حلو عن رحمة الله، ويؤكد أن رحمة الله لكل المخلوقات، وبالأولى للبشر الذين خلقهم على صورته ومثاله. والسبب في رحمة الله أن قدرته كاملة، إذًا فهو لا يخاف من إنسان. فالكل خاضع له، فهو يميل إلى استخدام الرحمة لا العدل، فهو حقًا لا ينقص عدله، لكن يدعو الكل للتوبة، ويطيل أناته عليهم، محتملًا خطاياهم؛ حتى إذا رجعوا إليه يسامحهم ويرحمهم.
ع25: تمقت
: تكره.ويقدم دليلًا آخر على رحمة الله للجميع إنه خالق الجميع، وبالتالي فهو يحب خليقته، لأنها منه، ويرحمها إذا أخطأت، ويدعوها للتوبة؛ لتنال بركاته. ويستحيل ألا يرحم إنسانًا، لأن معنى هذا أنه لم يخلقه فمن يكون خالقه إذًا؟!.. الله هو خالق الكل، وراحم الجميع.
ع26: داعيًا له
: خالقًا له ودعوته باسمه.فإذًا أنت يا رب تحب كل خليقتك، وتريدها أن تحيا أمامك، وتحفظها من كل خطر، وهذا هو سر بقاء الإنسان والعالم حتى الآن، رغم شره، إن الله يريده، ويحبه، فينال بالتالى رحمته وغفرانه. ولكن الله يكره خطية الإنسان، فلذا يدعوه للتوبة؛ ليخلُص من خطيته، ويبقى معه إلى الأبد.
ثم إن نهاية كل الخلائق وهدفها الوحيد هو الوجود معك يا الله. فأنت ترحم جميع البشر وتدعوهم للتوبة، وتحرسهم من فخاخ إبليس؛ لأنك تحبهم، إذ هم مِلك لك، وتري أن تفرحهم بالحياة الدائمة معك في الأبدية.
ع27: الأكوان
: الوجود بأكمله.ولأنك يا رب خالق كل الكائنات فأنت تشفق عليها، فتهتم بالبشر والحيوانات، والنباتات، وكل الكائنات، وتحنو على كل ضعيف وتسنده. فأبوة الله ورحمته تشجع نفوسنا الضعيفة، مهما كانت خطايانا كثيرة؛ لأن غرض خلقة الإنسان هو أن يحيا لله، ويتمتع بأحضانه، ويتحد به.
† الله يحبك حتى لو كنت منسيًا من الكل، أو زادت أخطاؤك أكثر من الكل، لأنك أنت ابنه؛ حتى لو احتقرت بنوتك وعصيت الله، فهو مازال يحبك ويطلبك بمراحمه، ويعتنى بك، لعل قلبك القاسى يلين، فهو يشرق شمسه على الأبرار والأشرار، كما نقول في صلاة باكر في الأجبية.
نلاحظ أن الآيات من (ع18-23) تحدثنا عن الله القدير المخوف، الذي يعاقب الأشرار المتمادين في شرهم. أما الآيات من (ع24-27) فتحدثنا عن الله الرحوم الحنون المشفق على أولاده وكل خليقته، فيمتزج هذا الأصحاح بين مخافة الله ومحبته، وهذا هو الفكر الروحي السليم الذي عاش فيه الآباء من الأجيال الأولى حتى الآن.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 12 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 10 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-11.html
تقصير الرابط:
tak.la/w25m2jk