St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   wisdom
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   wisdom

تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

حكمة سليمان 5 - تفسير سفر الحكمة

 

* تأملات في كتاب حكمة:
تفسير سفر الحكمة: مقدمة سفر الحكمة | حكمة سليمان 1 | حكمة سليمان 2 | حكمة سليمان 3 | حكمة سليمان 4 | حكمة سليمان 5 | حكمة سليمان 6 | حكمة سليمان 7 | حكمة سليمان 8 | حكمة سليمان 9 | حكمة سليمان 10 | حكمة سليمان 11 | حكمة سليمان 12 | حكمة سليمان 13 | حكمة سليمان 14 | حكمة سليمان 15 | حكمة سليمان 16 | حكمة سليمان 17 | حكمة سليمان 18 | حكمة سليمان 19

نص سفر الحكمة: الحكمة 1 | الحكمة 2 | الحكمة 3 | الحكمة 4 | الحكمة 5 | الحكمة 6 | الحكمة 7 | الحكمة 8 | الحكمة 9 | الحكمة 10 | الحكمة 11 | الحكمة 12 | الحكمة 13 | الحكمة 14 | الحكمة 15 | الحكمة 16 | الحكمة 17 | الحكمة 18 | الحكمة 19 | حكمة سليمان كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأَصْحَاحُ الخَامِسُ

الأبرار والأشرار في يوم الدينونة

 

بعد أن أظهر سليمان الحكيم في الأصحاح السابق أن موت الأبرار المبكر هو تنبيه للأشرار ليتوبوا عن خطاياهم. فإذا استمروا في احتقارهم للأبرار، وتمادوا في شرورهم، يظهر في هذا الأصحاح ندمهم الشديد بعد الموت، إذ يرون مجد الأبرار، وعقابهم الشنيع الذي ينتظرهم.

 

(1) ندم الأشرار (ع1-15)

(2) مجد الصديقين وعقاب الأشرار (ع16-24)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(1) ندم الأشرار (ع1-15):

1 حِينَئِذٍ يَقُومُ الصِّدِّيقُ بِجُرْأَةٍ عَظِيمَةٍ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ ضَايَقُوهُ، وَجَعَلُوا أَتْعَابَهُ بَاطِلَةً. 2 فَإِذَا رَأَوْهُ يَضْطَرِبُونَ مِنْ شِدَّةِ الْجَزَعِ، وَيَنْذَهِلُونَ مِنْ خَلاَصٍ لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ، 3 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَهُمْ يَنُوحُونَ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ: «هذَا الَّذِي كُنَّا حِينًا نَتَّخِذُهُ سُخْرَةً وَمَثَلًا لِلْعَارِ. 4 وَكُنَّا نَحْنُ الْجُهَّالَ نَحْسَبُ حَيَاتَهُ جُنُونًا، وَمَوْتَهُ هَوَانًا. 5 فَكَيْفَ أَصْبَحَ مَعْدُودًا فِي بَنِي اللهِ، وَحَظُّهُ بَيْنَ الْقِدِّيسِينَ؟!6 لَقَدْ ضَلَلْنَا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُضِئْ لَنَا نُورُ الْبِرِّ، وَلَمْ تُشْرِقْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ. 7 أَعْيَيْنَا فِي سُبُلِ الإِثْمِ وَالْهَلاَكِ، وَهِمْنَا فِي مَتَايِهَ لاَ طَرِيقَ فِيهَا، وَلَمْ نَعْلَمْ طَرِيقَ الرَّبِّ. 8 فَمَاذَا نَفَعَتْنَا الْكِبْرِيَاءُ، وَمَاذَا أَفَادَنَا افْتِخَارُنَا بِالأَمْوَالِ. 9 قَدْ مَضَى ذلِكَ كُلُّهُ كَالظِّلِّ وَكَالْخَبَرِ السَّائِرِ. 10 أَوْ كَالسَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُتَمَوِّجِ، الَّتِي بَعْدَ مُرُورِهَا لاَ تَجِدُ أَثَرَهَا، وَلاَ خَطَّ حَيْزُومِهَا فِي الأَمْوَاجِ. 11 أَوْ كَطَائِرٍ يَطِيرُ فِي الْجَوِّ؛ فَلاَ يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى مَسِيرِهِ. يَضْرِبُ الرِّيحَ الْخَفِيفَةَ بِقَوَادِمِهِ، وَيَشُقُّ الْهَوَاءَ بِشِدَّةِ سُرْعَتِهِ، وَبِرَفْرَفَةِ جَنَاحَيْهِ يَعْبُرُ، ثُمَّ لاَ تَجِدُ لِمُرُورِهِ مِنْ عَلاَمَةٍ. 12 أَوْ كَسَهْمٍ يُرْمَى إِلَى الْهَدَفِ؛ فَيُخْرَقُ بِهِ الْهَوَاءُ، وَلِوَقْتِهِ يَعُودُ إِلَى حَالِهِ، حَتَّى لاَ يُعْرَفُ مَمَرُّ السَّهْمِ. 13 كَذلِكَ نَحْنُ، وُلِدْنَا ثُمَّ اضْمَحْلَلْنَا، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُبْدِيَ عَلاَمَةَ فَضِيلَةٍ، بَلْ فَنِينَا فِي رَذِيلَتِنَا». 14 كَذَا قَالَ الْخُطَاةُ فِي الْجَحِيمِ. 15 لأَنَّ رَجَاءَ الْمُنَافِقِ كَغُبَارٍ تَذْهَبُ بِهِ الرِّيحُ، وَكَزَبَدٍ رَقِيقٍ تُطَارِدُهُ الزَّوْبَعَةُ، وَكَدُخَانٍ تُبَدِّدُهُ الرِّيحُ، وَكَذِكْرِ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْمًا ثُمَّ ارْتَحَلَ.

 

ع1: يحدثنا هنا الكتاب عن صورة متكاملة للحياة بعد الموت، إذ يرى الأشرار الصديق يقوم بجرأة في مجد عظيم، بينما يخزى الأشرار المعذبون نتيجة خطاياهم، إذ تنتظرهم النار الأبدية، ويظهر خزى إدعاءاتهم على البار، ورفضهم لبره على الأرض، ويتحملون نتيجة مضايقتهم واضطهادهم له، كما يظهر هذا في مثل الغنى ولعازر (لو16: 19-31).

 

ع2-5: الجزع: الخوف الشديد.

سخرة: سخرية واستهزاء.

وإذ انهمك الأشرار في شهواتهم لم يتوقعوا خلاصًا ومجدًا للبار بهذا المقدار، لكنهم الآن يندمون على سخريتهم منه في الأرض، إذ كانوا يظنون أن حياة البار جنون؛ لأنه لم يتمتع مثلهم بشهوات العالم الردية، وعندما مات أمام أعينهم شعروا أن هذا خزى وهوان.

وهؤلاء الأشرار يسقطون أيضًا في حزن وبكاء لا يستطيعون الخروج منه، إذ لم تعد لهم فرصة للتوبة، أما البار فإنه أصبح واحدًا من القديسين وابنًا لله، متمتعًا بمجد السماء.

وما يظنه الناس في أولاد الله المثابرين على الجهاد، والمتمسكين بالفضيلة واحتمال الضيقات، جنون وعدم حكمة، يتحول بعد الموت إلى قداسة، وتمتع ببنوة الله والقرب منه في مجد وبهاء. وهكذا نظر أصهار لوط إلى لوط البار وظنوه مازحًا بتكلم بكلام باطل (تك19: 14).

احتمل يا أخى ضيقات الحياة، ومقاومة الأشرار لوصايا الله، التي أنت متمسك بها، وثق أن الشر له نهاية، وأن الله غير ظالم حتى ينسى تعبك ومحبتك، بل إن كأس ماء بارد لا يضيع أجره أمام الله، وكل دمعة، وكل يد مرفوعة، وركبة منحنية غالية جدًا عنده.أكمل جهادك وإكليلك. وفى نفس الوقت يمتلئ كأس غضب الله على الأشرار، صلى من أجلهم؛ ليتوبوا، ويرجعوا عن شهواتهم، فيخلصوا معك من الغضب الأبدي. لا تكترث بآرائهم المادية، أو شكوكهم؛ لأن منطقهم هو الشهوة،ولم يجعلوا الله أمامهم، أما أنت فتمتع بحبه بحفظك وصاياه، ناظرًا إلى المجد الأبدي الذي ينتظرك.

 

ع6-8: أعيينا: تعبنا.

سبل: طرق.

همنا: سرنا بلا هدف.

متايه : متاهات وطرق غير معروفة يتوه ويضل فيها الإنسان.

وأمام مجد الصديق يندم الأشرار؛ لأنهم تركوا الله الحق، شمس البر، الذي هو ربنا يسوع المسيح، ورفضوا كل توجيهاته لهم من خلال وصاياه وأحداث الحياة، فصاروا بسبب ظلمة الخطية، في الظلام الأبدي، وكل طرق الشهوات التي سلكوا فيها، وتعبوا في تحصيلها جاءت على رؤوسهم بالعذاب، وظهر أنها كانت كلها طرق ضلال تاهوا فيها بعيدًا عن الله. وطريقه الوحيد هو المسيح كلمة الله، الذي قال: "أنا هو الطريق..." (يو14: 6). ونلاحظ أن الشيطان يقدم طرقًا كثيرة للشر؛ ليغرى بها البشر، أما طريق الله فهو واحد.

كم هو خداع إبليس الذي يشغلنا عن هدفنا الوحيد، وهو محبة الله، بشهوات وماديات وآراء، وفلسفات، ليس القصد منها شيئًا في ذاتها، بل هو مجرد شغلنا عن هدفنا، ونحن هكذا نخدع بسذاجة قلوبنا، وينقضى عمرنا دون أن ندرى. الآن وقت مقبول، وساعة للخلاص للتوبة والرجوع إلى الله. لا تنتظر حتى تندم بعد نهاية هذا العمر، بل لنمت الآن عن الخطية؛ لنحيا لله، ونقتدى بالقديسين، وبالصديق، الذي هو إشارة واضحة ليسوع المسيح الذي مجده سيديننا في نهاية الأيام.

 

ع9-12: حيزومها: الخط الذي تتركه السفينة خلفها على وجه المياه، وسرعان ما يتلاشى.

قوادمه : مقدمات ريش الطائر الذي في أجنحته.

إن حياة الأشرار خالية من كل فضيلة وهي بلا معنى أمام الله، ولا أثر صالح لها على المجتمع المحيط، أما فضائل الأبرار فتتبعهم إلى السماء، وتظل قدوة لمن بعدهم. ويشبهها هنا الكتاب بأنها كالظل، أي يختفى باختفاء صاحبه، وكالخبر السائر من أخبار البشر التي تُنسى سريعًا.

ويشبه أيضًا حياة الشرير بالسفينة التي تشق مياه البحر، فتحدث أثرًا وخطًا وسط المياه المتموجة، ولكن هذا الحيزوم أي الخط الوسطى بين المياه، سرعان ما يختفى وتعود المياه إلى طبيعتها المتموجة، وهكذا تختفى كل آثار حياة الأشرار.

وتأكيدًا لفناء حياة الأشرار وعدم وجود ذكر لهم في السماء، يشبه حياتهم بطائر يحرك أجنحته ويضارب بها الهواء، ولكن بعد مروره لا نجد أثرًا في الهواء، أو خطًا يظهر طريق سيره. فكل أعمال الشرير مهما بدت فيها قوة، أو مصادمات مع الآخرين، يختفى أثرها تمامًا؛ لأنها بلا نفع لصاحبها، أو للمحيطين به.

وهناك تشبيه آخر لسرعة فناء حياة الأشرار،وهو مرور السهم في الهواء، الذي لا يترك أثرًا يعلن طريق مسيره.

إن كل هذه التشبيهات تصف زوال حياة وأعمال الشرير، فالظل يختفى باختفاء صاحبه، والخبر السار ينساه الناس بمرور الوقت، أما السفينة فهي دائمة التحرك، تعلن عدم استقرار البشر. والطائر يرمز إلى غربة العالم، فينبه الإنسان إلى أهمية الاستعداد للأبدية، وأخيرًا فإن السهم يعلن سرعة انتهاء حياة الإنسان، ويؤكد أهمية الحياة مع الله، والبعد عن الشر.

 

ع13، 14: اضمحللنا: فنينا ومتنا.

فنينا : انتهينا ومتنا.

يا له من شعور مؤسف، وندم بلا فائدة يشعره الأشرار في الجحيم بعد فوات الفرصة منهم؛ فرصة تحقيق علاقة مع الله وفضائل روحية، وخدمات حب لمن حولهم. لقد ضيعوا كل طاقاتهم بلا فائدة لحساب الشر، فخسروا كل شيء. هذا هو لسان حال الخطاة في الجحيم.

هذا ما يحدث معى ومعك عندما ننشغل بشهواتنا الشريرة، ونجرى وراء ماديات العالم، أو نتثقل بالهموم والقلق. ليتنا ننتبه سريعًا، ونستغل وقتنا الحاضر في تحقيق فضيلة، سواء في تكوين علاقة حب مع الله في أية ممارسات روحية، أو تقديم عمل رحمة وخدمة لمن حولنا. والكتاب المقدس كله يؤكد هذا المعنى، كما يقول المزمور الأول عن حياة الأشرار: "كالعصافة التي تذريها الريح" (مز1: 4). وعلى العكس يتحدث عن الصديقين، فيدعونا للاقتداء بهم، وبفضائلهم الثابتة، إذ يقول: "أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" (عب13: 7).

 

ع15: زبد: فقاعات الهواء التي تظهر في مياه البحر عندما تصل إلى الشاطئ، ولونها أبيض.

انشغال الشرير بالخطية يفقده رجاءه في الأبدية، ولكن العجيب أنه يخدع نفسه، ويظن أن له مكانًا في السماء، ويحاول أن يرضى ضميره بأنه يعمل بعض أعمال نافعة، مع أنها كلها مشوبة بالشر، وهو لا يريد التوبة، أو الجهاد الروحي، فليس له رجاء مع المسيح. ويشبه الكتاب رجاءه الفانى بأنه:

  1. غبار تذهب به الريح : فينتشر في الجو، ويختفى إذ يتناثر في كل مكان.

  2. زبد رقيق تطارده الزوبعة : ويشبه أيضًا الزبد الذي هو الأمواج البيضاء الرقيقة وفقاعات الهواء التي تدفعها الأمواج نحو الشاطئ؛ حتى تتكسر وتتلاشى.

  3. دخان يبدده الريح : وكذلك هذا الرجاء مثل الدخان الأسود القاتم، الذي سرعان ما يخف سواده، وينتشر، حتى يتلاشى مع الريح.

  4. ذكر ضيف نزل يومًا ثم ارتحل : ومثل ضيف أقام في مكان فترة صغيرة، ثم رحل، ومع الوقت تنسى كل أخبار إقامته في هذا المكان، إذ ليس له استقرار فيه.

هذه التشبيهات لحياة الأشرار يقابلها نفس المعنى في العهد الجديد في رسالة يهوذا (يه12، 13).

ليتنا لا نخدع أنفسنا برجاء باطل، ونطمئن أن لنا مكان في السماء، بل نقوم للتوبة والجهاد الروحي، وكل عمل صالح. فالإيمان النظرى هو بلا فائدة؛ لأن الشياطين يؤمنون ويقشعرون، ولكنهم لن يخلصوا.وعمل الخير هو الشئ الوحيد الذي له قيمة في هذا العالم، إنه الفضيلة... إنه الحب لكل أحد ... إنه عمل الرحمة لكل محتاج.

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(2) مجد الصديقين وعقاب الأشرار (ع16-24):

16 أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَسَيَحْيَوْنَ إِلَى الأَبَدِ، وَعِنْدَ الرَّبِّ ثَوَابُهُمْ، وَلَهُمْ عِنَايَةٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيِّ. 17 فَلِذلِكَ سَيَنَالُونَ مُلْكَ الْكَرَامَةِ، وَتَاجَ الْجَمَالِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ يَسْتُرُهُمْ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِهِ يَقِيهِمْ.18 يَتَسَلَّحُ بِغَيْرَتِهِ وَيُسَلِّحُ الْخَلْقَ لِلاِنْتِقَامِ مِنَ الأَعْدَاءِ. 19 يَلْبَسُ الْبِرَّ دِرْعًا وَحُكْمَ الْحَقِّ خُوذَةً،20 وَيَتَّخِذُ الْقَدَاسَةَ تُرْسًا لاَ يُقْهَرُ، 21 وَيُحَدِّدُ غَضَبَهُ سَيْفًا مَاضِيًا، وَالْعَالَمُ يُحَارِبُ مَعَهُ الْجُهَّالَ.22 فَتَنْطَلِقُ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ انْطِلاَقًا لاَ يُخْطِئُ، وَعَنْ قَوْسِ الْغُيُومِ الْمُحْكَمَةِ التَّوْتِيرِ تَطِيرُ إِلَى الْهَدَفِ.23 وَسُخْطُهُ يَرْجُمُهُمْ بِبَرَدٍ ضَخْمٍ، وَمِيَاهُ الْبِحَارِ تَسْتَشِيطُ عَلَيْهِمْ، وَالأَنْهَارُ تَلْتَقِي بِطُغْيَانٍ شَدِيدٍ.24 وَتَثُورُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ زَوْبَعَةٌ تُذَرِّيهِمْ، وَالإِثْمُ يُدَمِّرُ جَمِيعَ الأَرْضِ، وَالْفُجُورُ يَقْلِبُ عُرُوشَ الْمُقْتَدِرِينَ.

 

ع16: لدن: عند.

وعلى النقيض، نرى مجد أولاد الله القديسين. فإن كان الأشرار ليس لهم ذكر، إذ أن نهايتهم عذاب وموت، فإن الأبرار يحيون في المسيح. متلذذين بعشرته، وفيما هم يحيون في المسيح على الأرض، يكافئهم في السماء بأمور لا يعبر عنها، عن كل جهاد وتعب أرضى احتملوه من أجله. وأكثر من هذا، يحوطهم الله برعايته، فيشعرون بأبوته، واحتضانه ودفء محبته في الأرض وفى السماء. فالحياة الأبدية تبدأ مقدمتها وعربونها على الأرض بالحياة في المسيح، وتكمل في السماء، وتمتد إلى الأبد في رعاية وأحضان الله.

 

ع17: يقيهم: يحميهم.

ثم يكللهم بالمجد، إذ يملكون معه إلى الأبد في مجد الملكوت الأبدي، ويلبسون في ملكهم وعظمتهم تيجان الفضائل الجميلة التي تقربهم، وتشعرهم بالتلاقى مع الله، والتمتع برؤيته وجهًا لوجه.

والمسيح يستر على كل خطاياهم التي تابوا عنها، فلا تظهر تمامًا، ويلقيها في بحر النسيان، ويمنع عنهم كل حروب إبليس ويحميهم منها، إذ هناك تبطل قوة الشيطان؛ لأنه يُقيد، ويلقى في العذاب الأبدي بعيدًا عنهم.

حقًا إن آلام التوبة والجهاد الروحي وكل ما نحتمله في هذه الحياة لا يقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا في الأبدية، كما يقول معلمنا بولس الرسول (2 كو4: 17)، فلماذا لا نسرع بفرح لحمل الصليب؛ لنعاين القيامة "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت5: 4). ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12: 1)؛ حتى نتمتع بأفراح السماء والمجد الذي لا يعبر عنه.

 

ع18: ينتقل هنا من الكلام على الصديقين، أي أولاد الله الأبرار الحافظين لوصاياه، إلى الحديث عن البار الواحد، وهو ربنا يسوع المسيح الإله المتجسد، الذي هو مثال الإنسان الكامل المطيع لله. وينطبق الكلام أيضًا على أي إنسان بار، إذ أن الله يعضده بكل قوته وكل الأبرار والملائكة معه، كما سنرى.

إن المسيح في يوم الدينونة يقوم بغيرة شديدة ضد كل شرور البشر التي احتملها طوال حياتهم؛ لأنه بار وقدوس يتسلح بغيرته، أي تظهر غيرته بكل قوة كسلاح لا يهزم، وقد سبق وتسلح المسيح بغيرته على الصليب، عندما انتصر على الموت بموته وقيد الشيطان.

ويقوم للحرب معه كل خلائقه، المقصود بهم الملائكة، للانتقام من الشيطان، وكل من خضع لهم من الأشرار. وينطبق معنى الخلق أيضًا على أولاد الله القديسين، الذين أعطاهم الله قوة ليسلكوا بالبر، وببرهم يدينون الأشرار على الأرض، ويُنتقم منهم في العذاب الأبدي.

فالله يسلح الخلق، أي أولاده الأبرار بنعمته ومعونته، وبالأسلحة الروحية، فيستطيعون التغلب على حروب أعدائهم الشياطين.

 

ع19: خوذة: غطاء معدنى للرأس يحميه من سهام الأعداء.

يتحدث هنا عن حياة المسيح على الأرض، وعن كل إنسان بار، إذ يحميه من سهام إبليس بدرع البر، أي تكون له حياة البر حماية من السقوط في الخطية، أما عقله فيتغطى بخوذة الحق، التي تحميه من الضلال، فكل أفكاره هي حق، وأحكامه سليمة.

هذه الأسلحة الروحية يذكرها لنا بولس الرسول في (أف6: 13-17) وتعبير "خوذة الحق" يشير هنا إلى حكم الموت الذي قبله المسيح لأجل خطايانا، وبهذا يتم العدل والحق الإلهي عند موته على الصليب. والخوذة يلبسها الإنسان ولا يخلعها طوال حربه، والمسيح يظل إلى الأبد هو الفادى الذي يعطى أولاده جسده ودمه على الأرض، ويظل يشبعهم إلى الأبد.

 

ع20: وإذ يسلك البار في القداسة، أي يكرس نفسه للبر والحياة النقية، يصير له ذلك ترسًا يحميه من سهام العدو. والمسيح أعلن قداسته عندما قال: "من منكم يبكتنى على خطية" (يو8: 46).

واضح أن السبيل الوحيد للنجاة من حروب إبليس هو حياة البر والقداسة والتمسك بالله، الذي هو الحق، وحفظ وصاياه، وبهذا أيضًا تنجو من الغضب الإلهي المعلن على فجور الناس، وإثمهم.

لا تستطيع أن تعلن الحق إن لم تكن أنت بارًا، وتحيا في القداسة. فكل خادم ومسئول ينبغى أن يحيا مع الله، ويختبر كلامه عمليًا في حياته، قبل أن يحدث الناس عنه، وإلا فإن غضب الله يأتي عليه هو بالأكثر؛ لأنه مستهين. لا تخشى من ضعفك، فتمسك عن أن تتكلم بكلام الله، فقط لكن جاهد لتختبره، وتتحدث عنه في نفس الوقت. قدم توبة، فيكسيك الله ببره، وبهذا تنتقم من أعدائه الشياطين.

 

ع21: وبعدما أطال الله أناته على الأشرار، فإنهم سيرون أن غضب الله شديد، ويشبهه بسيف حاد ينتقم من الشياطين، وكل الأشرار. والعالم الروحي، أي الملائكة يشتركون مع المسيح إلهنا في الحرب، والانتقام من الأشرار الجهال الذين لا يعرفون الله، إذ يصبون جامات غضبه عليهم، كما يعلن ذلك في سفر الرؤيا (رؤ15: 1).

والمقصود بالعالم أيضًا، أولاد الله القديسين، الذين ببرهم يظهرون خطية الأشرار الجهال، ويحاربونهم بإدانتهم على شرورهم في الأرض، وفى يوم الدينونة. والأبرار يجتذبون بعض الأشرار ببرهم، فيتوبوا، ويرجعوا إلى الله؛ وهذا هو المقصود بأن العالم (القديسين) يحارب معه الجهال.

 

ع22: محكمة التوتير: القوس مشدودة جدًا إلى أقصى توتر، لتعطى أكبر قوة للسهم في انطلاقه للوصول لهدفه.

ويعلن الله غضبه على الأشرار مستخدمًا الطبيعة الجامدة، التي تتحرك لتقف مع الله ضد الخطاة. وذلك فيما يلي:

  1. البروق : الملتهبة نارًا والتي تنزل على الأرض، فتصعق مساحات شاسعة منها، وتحرقها بكل ما عليها من بشر، وهذه البروق ترمز للتعاليم الإلهية التي توبخ الإنسان؛ ليتوب، وتنذره بالعقاب الإلهي إن لم يتب.

  2. الغيوم : والتي يشبهها الكتاب بأنها قوس يشد، ويوتر إلى نهايته، لكيما يطلق السهام بأقصى قوة نحو الهدف، فتوتير الغيوم هو انطلاق المياه منها، ليس فقط كأمطار، بل كسيول جارفة تكتسح كل ما يقابلها من بشر، وكل أمتعتهم ومقتنياتهم؛ مثلما حدث أيام نوح (تك7: 6).

 

ع23: سخطه: غضبه الشديد.

برد: رقائق ثلجية حادة الأطراف تسقط من السماء.

تستشيط : تثور بغضب شديد.

ويظهر انتقام الله من الأشرار أيضًا بما يلي:

  1. البرد: الذي يتساقط بكميات كبيرة، وبسرعة، فتحطم وترجم وتقتل كل من يقابلها، كما حدث في ضربة البرد في مصر أيام موسى (خر9: 25).

  2. مياه البحار والأنهار : التي تفيض وتغرق الأشرار، عندما تلتقى المياه المندفعة من الأنهار مع مياه البحار الثائرة، فتدمر حياة البعيدين عن الله.

 

ع24: تذريهم: تنثرهم بعيدًا.

ويختم كلامه عن غضبه العنيف في:

الرياح : التي تهب كزوابع على البشر، فتبددهم، كما تذرى الريح الغبار.

إن كل ما سبق من مظاهر غضب الله هو نتيجة لإثم، وفجور الأشرار، أي أن الشر يأتي على رؤوس الأشرار كأنه سيف،أو صاعقة، أو سيول مكتسحة، أو برد مدمر، أو فيضان طاغى، أو زوابع عنيفة، فيقلب حياة البشر، حتى الأقوياء والمقتدرين منهم، والمتسلطين، فيسقطون عن عروشهم ومراكزهم، فيموتوا شر ميتة.

والأمثلة كثيرة على غضب الله المعلن من السماء على الأشرار المتكبرين والمتمادين في شرهم وعنادهم، فسدوم وعمورة اللتان انغمستا في الانحرافات الجنسية، وكل شهوة ردية، احترقت بالنيران النازلة من السماء (تك19). وهيرودس الملك الذي تكبر وطغى وقتل الكثيرين، في النهاية ضربه الدود وهو حى فمات؛ لأنه لم يعطِ المجد لله، عندما وصفه الصيدونيون بأنه إله (أع12: 20-23).

إن خطيتك يا نفسي هي التي تهلكك وتجلب غضب الله عليكِ، فتوبى يا نفسي سريعًا ما دمتِ في الأرض ساكنة، فبهذا تحمى نفسكِ من الغضب الإلهي، ويستر عليك بحبه ويحميك برعايته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-05.html

تقصير الرابط:
tak.la/x9zd9cm