* تأملات في كتاب
حكمة: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
الأَصْحَاحُ الثاني عشر
(1) طول أناة الله تدعونا للتوبة (ع1-12)
(2) الله العادل الرحوم (ع13-22)
(3) العقاب من نوع العمل (ع23-27)
1 إِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ رُوحَكَ الَّذِي لاَ فَسَادَ فِيهِ. 2 فَبِهِ تُوَبِّخُ الْخُطَاةَ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَفِيمَا يَخْطَأُونَ بِهِ تُذَكِّرُهُمْ وَتُنْذِرُهُمْ لِكَيْ يُقْلِعُوا عَنِ الشَّرِّ، وَيُؤْمِنُوا بِكَ، أَيُّهَا الرَّبُّ. 3 فَإِنَّكَ أَبْغَضْتَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِيمًا سُكَّانَ أَرْضِكَ الْمُقَدَّسَةِ، 4 لأَجْلِ أَعْمَالِهِمِ الْمَمْقُوتَةِ لَدَيْكَ مِنَ السِّحْرِ وَذَبَائِحِ الْفُجُورِ، 5 إِذْ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَوْلاَدَهُمْ بِغَيْرِ رَحْمَةٍ، وَيَأْكُلُونَ أَحْشَاءَ النَّاسِ، وَيَشْرَبُونَ دِمَاءَهُمْ فِي شَعَائِرِ عِبَادَتِكَ. 6 فَآثَرْتَ أَنْ تُهْلِكَ بِأَيْدِي آبَائِنَا أُولئِكَ الْوَالِدِينَ، قَتَلَةَ النُّفُوسِ الَّتِي لاَ نُصْرَةَ لَهَا، 7 لِكَيْ تَكُونَ الأَرْضُ الَّتِي هِيَ أَكْرَمُ عِنْدَكَ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ عَامِرَةً بِأَبْنَاءِ اللهِ، كَمَا يَلِيقُ بِهَا. 8 عَلَى أَنَّكَ أَشْفَقْتَ عَلَى أُولئِكَ أَيْضًا، لأَنَّهُمْ بَشَرٌ فَبَعَثْتَ بِالزَّنَابِيرِ تَتَقَدَّمُ عَسْكَرَكَ، وَتُبِيدُهُمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، 9 لاَ لأَنَّكَ عَجَزْتَ عَنْ إِخْضَاعِ الْمُنَافِقِينَ لِلصِّدِّيقِينَ بِالْقِتَالِ، أَوْ تَدْمِيرِهِمْ بِمَرَّةٍ بِالْوُحُوشِ الضَّارِيَةِ، أَوْ بِأَمْرٍ جَازِمٍ مِنْ عِنْدِكَ، 10 لكِنْ بِعِقَابِهِمْ شَيْئًا فَشَيْئًا مَنَحْتَهُمْ مُهْلَةً لِلْتَّوْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ أَنَّ جِيلَهُمْ شِرِّيرٌ، وَأَنَّ خُبْثَهُمْ غَرِيزِيٌّ، وَأَفْكَارَهُمْ لاَ تَتَغَيَّرُ إِلَى الأَبَدِ، 11 لأَنَّهُمْ كَانُوا ذُرِّيَّةً مَلْعُونَةً مُنْذُ الْبَدْءِ. وَلَمْ يَكُنْ عَفْوُكَ عَنْ خَطَايَاهُمْ خَوْفًا مِنْ أَحَدٍ، 12 فَإِنَّهُ مَنْ يَقُولُ مَاذَا صَنَعْتَ أَوْ يَعْتَرِضُ قَضَاءَكَ؟ وَمَنْ يَشْكُوكَ بِهَلاَكِ الأُمَمِ الَّتِي خَلَقْتَهَا، أَوْ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُخَاصِمًا عَنْ أُنَاسٍ مُجْرِمِينَ؟
ع1: يتحدث هنا عن الروح القدس النقى الحق؛ لأن ضمير الإنسان - الذي هو صوت الله فيه - قد تعوج بسقوط الإنسان في الخطية، فأخذ يبرر الخطايا، مستخدمًا عقله وعواطفه التي هي مكونات الضمير.
ويذكر هنا في هذه الآية أن روح الله في كل شيء، ويقصد كل إنسان. فالله يعمل في الكل بروحه القدوس، يدعوهم إلى الإيمان به. ويذكر أيضًا في الآية أن الروح القدس لا فساد فيه، ولذا فهو يعمل في كل النفوس لتنقيتها؛ حتى تكون بلا فساد، لتحيا معه إلى الأبد في ملكوت السموات.
ع2: يقلعوا: يمتنعوا.
وعمل الروح القدس الأساسى هو إرجاع الإنسان إلى الله، فهو يعمل أعمالًا كثيرة ليدعوه إلى التوبة وهي:
يذكره بخطاياه حتى لا ينسيه الشيطان هذا وسط زحام مشاغل العالم. وعندما يرى فساد خطيته يرفضها، ويرجع إلى الله.
يعلن للإنسان عقاب الخطية، والدينونة الأخيرة؛ حتى يكره الخطية، ويرفض لذتها.
يعلن بره وقداسته ومحبته للإنسان؛ حتى يؤمن به، فيرفض الخطية خوفًا من الله، وتقديرًا لمحبته وأبوته.
يعمل الروح القدس هذا بالتدريج بحسب استعداد الإنسان، وتجاوبه، واحتماله؛ حتى لا يسقط في اليأس إذا بكته بشدة، أو في التهاون إذا بكته بلطف زائد.
وقد أكد المسيح ذلك في العهد الجديد بقوله: "إن الروح القدس يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة (يو 16: 8).
† هل رأيت يا أخى كم هي محبة الله لك، واهتمامه بخلاصك؟! فهو يدعوك ويهتم بك، كما تهتم الأم برضيعها؛ ليخلصك من خطاياك، ويجدد حياتك ويفرحك بعشرته.
ع3: يعلن هنا غضب الله على السكان الأصليين في بلاد اليهودية، أي الكنعانيون بقبائلهم المختلفة، الذين طردهم الله، وأسكن بدلًا منهم شعبه بني إسرائيل.
ع4: الممقوتة: المكروهة.
وسبب غضب الله عليهم هو شرورهم الفظيعة، إذ تحالفوا مع الشيطان بأعمال السحر، التي أعجبوا بها، وافتخروا بممارستها.
وفى شرهم مارسوا الزنا والدعارة في معابدهم الوثنية، واعتبروا هذا الفجور عبادة تقدم للآلهة.
ع5: شعائر عبادتك: الطقوس الوثنية في العبادة، التي كان يظن الناس أنها مقدمة لك يا الله.
وأكثر من هذا قدموا أطفالهم ذبائح للآلهة الوثنية، فكانوا يذبحونهم، أو يشوونهم بالنار. وكان يأكلون لحومهم، ويشربون دماءهم، كعبادة ترضى الله. والله برئ من كل هذه الخطايا، فهي تختص بإلههم الشرير، الذي هو الشيطان.
† حذارى يا أخي، وأنت في العهد الجديد بنعمته العظيمة، أن تسقط في الشر، وترضى شهواتك، خاصة لو كنت مرتبطًا بالكنيسة، وتعمل الخطية، أو تفكر أفكارًا ردية، وأنت في المكان المقدس. لا تستهن بطول أناة الله، وإمهاله، وتتمادى في خطاياك.
ع6: التي لا نصرة لها : نفوس الأطفال الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.
وعندما تصاعد شر سكان الأرض الأصليين، الذين يقتلون أبناءهم، قررت يا الله أن تهلكهم، وتقتلهم، كما قتلوا أبناءهم، فأهلكتهم وطردتهم بيد شعبك إسرائيل، كما أنزلت يا الله الشر أيام نوح بالطوفان، وأهلكت جميع الأشرار. وكذلك أيضًا شعب الله، عندما أخطأ أهلكتهم وطردتهم من أرضهم بيد أشور، وبابل. وعندما تابوا أعدتهم إلى أرضهم.
ع7: وأزلت الشر من الأرض، التي هي عظيمة أمامك، إذ تفيض بخيراتك المادية، وقد باركها إبراهيم واسحق ويعقوب بسكناهم فيها. وهكذا يعطى الله بركاته المادية لأولاده الأتقياء، وهي عربون للبركات الروحية، ولأمجاد السماء. وأكرم الله الأرض المقدسة بسكنى داود وسليمان والأنبياء فيها، وكذلك تم بناء هيكله بها، ثم تعاظمت البركة بولادة المسيح فيها.
إن الأشرار مهما نجحوا زمانًا طويلًا لا ينتظرهم إلا الهزيمة والهلاك في النهاية، مثل الكنعانيين. أما شعب الله، فإن احتمل ضيقات سنينًا كثيرة، كما في أرض مصر، ففى النهاية تفيض عليه بركات الله في أرض الميعاد.
ع8: ورغم شر الكنعانيين الصاعد إلى السماء، فإن الله دعاهم للتوبة، وذلك عن طريق تأديبهم بالضيقات. فقبل أن يموتوا على أيدى جنود بني إسرائيل، أرسل عليهم أسراب من الزنابير، لتلدغهم لعل آلام اللدغ تنبههم إلى قوة الله، فيرجعوا إليه، ثم يموت بعضهم بلدغ الزنابير، فيهلكون شيئًا فشيئًا، لعل الأحياء منهم ينتبهون، ويرجعون إلى الله، فيؤمنون، ويتوبون.
ع9: بمرة: مرة واحدة، أى ضربة واحدة قاتلة.
جازم: حازم ومؤكد.
مع أن الله قادر على إهلاكهم سريعًا بيد المؤمنين بالقتال، كما أهلك جيش سنحاريب بضربة واحدة من الملاك، أو إطلاق وحوش مفترسة عليهم، أو أي أمر يسحقهم سريعًا. ولكن أطال الله أناته عليهم، وسمح بتأديبهم تدريجيًا بالزنابير، ليعطيهم فرصة للتوبة، وقد تاب بعضهم فعلًا، وآمنوا، ودعى اسمهم الدخلاء (طو1: 7؛ أع2: 10).
ع10: والعجيب أن الله بسابق معرفته يعلم قساوة قلوبهم، وإصرارهم على الشر، ولكنه يعطى فرصة للجميع ليتوبوا، ليصمت أمامه كل فم في يوم الدينونة العظيم؛ لأن الأشرار قد رفضوا جميع فرص التوبة الممنوحة لهم، ولأن سابق علم الله لا يتدخل في اختيارات الإنسان، بل يعطيه الله حرية كاملة.
ع11: يناقش هنا سلطان الله في إهلاك الأشرار الكنعانيين سكان الأرض الأصليين، ويعلن شرهم منذ كنعان جدهم، وهو حفيد نوح ابن حام، الذي أخطأ عندما نظر إلى عورة نوح، بعدما شرب الخمر وتعرى، ولم يستر عليه، مثل سام ويافث (تك9: 22، 23). وهذا هو المقصود بـ"منذ البدء" أي من بداية أصلهم وهو كنعان، وليس البدء قبل خلقة العالم. وعندما عفا الله عنهم، وأعطاهم فرصة للحياة، لم يكن ذلك خوفًا منهم، بل فرصة لتوبتهم.
ع12: ورغم أنهم ملعونون، لكن أطال الله أناته عليهم، ليتوبوا. فلم يرجعوا إليه، بل ازدادوا في شرهم. فعندما يأمر بهلاكهم فهذا منتهى العدل، ولا يستطيع أحد، مهما كان مقامه أو سلطانه، أو فهمه أن يجد خطأ، أو حجة يشتكى بها على الله؛ حاشا لأن الله كامل في عدله، كما هو كامل في سلطانه وقوته.
† هل تشفق على جميع الناس، حتى من يسيئون إليك، وتطلب خلاص الجميع؟ أم تفقد رجاءك في الأشرار، وترفض أن تخدمهم بمحبة المسيح؟! اشفق على الجميع؛ لتنال مراحم الله "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (مت5: 7).
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
13 إِذْ لَيْسَ إِلهٌ إِلاَّ أَنْتَ الْمُعْتَنِي بِالْجَمِيعِ، حَتَّى تُرِيَ أَنَّكَ لاَ تَقْضِي قَضَاءَ الظُّلْمِ، 14 وَلَيْسَ لِمَلِكٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَنْ يُطَالِبَكَ بِالَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ. 15 وَإِذْ أَنْتَ عَادِلٌ تُدَبِّرُ الْجَمِيعَ بِالْعَدْلِ، وَتَحْسَبُ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَوْجِبُ الْعِقَابِ مُنَافِيًا لِقُدْرَتِكَ. 16 لأَنَّ قُوَّتَكَ هِيَ مَبْدَأُ عَدْلِكَ، وَبِمَا أَنَّكَ رَبُّ الْجَمِيعِ؛ فَأَنْتَ تُشْفِقُ عَلَى الْجَمِيعِ. 17 وَإِنَّمَا تُبْدِي قُوَّتَكَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ أَنَّكَ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَتُعَاقِبُ الْعُلَمَاءَ عَلَى جَسَارَتِهِمْ 18 لكِنَّكَ، أَيُّهَا السُّلْطَانُ الْقَدِيرُ، تَحْكُمُ بِالرِّفْقِ، وَتُدَبِّرُنَا بِإِشْفَاقٍ كَثِيرٍ، لأَنَّ فِي يَدِكَ أَنْ تَعْمَلَ بِقُدْرَةٍ مَتَى شِئْتَ. 19 فَعَلَّمْتَ شَعْبَكَ بِأَعْمَالِكَ هذِهِ، أَنَّ الصِّدِّيقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلنَّاسِ، وَجَعَلْتَ لِبَنِيكَ رَجَاءً حَسَنًا، لأَنَّكَ تَمْنَحُهُمْ فِي خَطَايَاهُمْ مُهْلَةً لِلْتَّوْبَةِ. 20 لأَنَّكَ إِنْ كُنْتَ عَاقَبْتَ أَعْدَاءَ بَنِيكَ الْمُسْتَوْجِبِينَ لِلْمَوْتِ بِمِثْلِ هذَا التَّحَرُّزِ وَالتَّرَفُّقِ، وَجَعَلْتَ لَهُمْ زَمَانًا وَمَكَانًا لِلإِقْلاَعِ عَنِ الشَّرِّ، 21 فَبِأَيِّ اعْتِنَاءٍ دَبَّرْتَ بَنِيكَ الَّذِينَ وَاثَقْتَ آبَاءَهُمْ بِالأَقْسَامِ وَالْعُهُودِ عَلَى مَوَاعِيدِكَ الصَّالِحَةِ؟ 22 فَتُؤَدِّبُنَا نَحْنُ، وَتَجْلِدُ أَعْدَاءَنَا جَلْدًا كَثِيرًا، لِكَيْ نَتَذَكَّرَ حِلْمَكَ إِذَا حَكَمْنَا، وَنَنْتَظِرَ رَحْمَتِكَ إِذَا حُكِمَ عَلَيْنَا.
ع13، 14: من ناحية أخرى، فإن الله وحده هو المعتنى بجميع البشر؛ لأنه كامل وغير محدود. وبعدما يعتنى ويطيل أناته، إن وجد بعض البشر مصرين على الخطية، فإنه يأمر بإهلاكهم. فمن من البشر، سواء كان ملكًا، أو سلطانًا يقدر أن يشكوه، أو يقاضيه؟!
وإنه لشئ غريب جدًا أن الإنسان الخاطئ، بدلًا من أن يلوم نفسه على خطاياه ويرجع إلى الله، ينقلب على الله المطيل أناته عليه، ويتذمر، ويشتكى الله، ويتهمه بالخطأ. وهنا تظهر محبة الله للخطاة، حتى لو كانوا بعيدين، ويعبدون الأصنام، ومنهمكين في شرورهم في قصة غفرانه لأهل نينوى، وتسامحه معهم عندما تابوا. ثم تتعاظم محبة الله لكل البشرية، عندما يتجسد ويفديها على الصليب، ويقبل كل من يؤمن به، ويعطيه الخلاص.
† إن كان الله يبارك حياتك، ويكثر لك العطايا، فليس معنى هذا كمالك ونقاوتك، بل قد يكون هذا طول أناة من الله عليك ليعطيك فرصة للتوبة، وفى النهاية يقول الكتاب المقدس "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13: 3).
ع15: يركز هنا على صفة العدل في الله. فالله الكامل في عدله، يدبر الكون، وكل احتياجات البشر بالعدل.
والله في عدله لا يمكن أن يعاقب من لا يستحق العقاب، فهذا يتنافى مع قدرته. فهو عادل لا يخطئ، وقادر فلا يحتاج أن يظهر قوته على من لا يستحق العقاب.
ع16: إن قوتك يا الله الغير محدودة، والكاملة، هي مبدأ ومصدر عدلك، أي أنك لا تحتاج أن تقسو على أحد بدون داع، فأنت لا تخاف من أحد؛ لأنك أقوى من الكل، وأنت عادل مع القوى والضعيف حسبما يخطئ كل منهما.
ولأنك أنت يا الله الرب والسيد المتسلط على جميع البشر، فيظهر حبك وحنانك في الإشفاق على جميع المؤمنين بك، فتعتنى بهم، وتخلصهم من متاعبهم. فأنت عادل ورحيم في نفس الوقت مع الجميع، تعطى كل إنسان حسبما يستحق، وتفيض بالحب على الكل، وتلتمس العذر للجميع، وتساندهم. كما خلصت بنى إسرائيل، إذ صلوا إليك وآمنوا بك، فطردت الكنعانيين الأشرار من أمامهم لعدم إيمانهم، وكبريائهم، وشرورهم.
ع17: جسارتهم: جرأتهم وتطاولهم.
وعندما تجد يا الله أناس لا يؤمنون بك، ويعصون أوامرك بخطايا مختلفة، تُظهر قوتك في معاقبتهم على خطاياهم. وكذلك لا تنتقم إلا من المتكبرين بعلمهم، أي العلماء في نظر أنفسهم.
ع18: الله المتسلط على كل الخليقة يظهر سلطانه في ترفقه وحنانه على كل البشر، وتدبير حياتهم في شفقة وتشجيع ولطف كثير.
ويرجع هذا الإشفاق الكثير إلى قدرة الله الكاملة، التي يستطيع بها أن يشفق على كل البشر بسخاء ومحبة تفوق العقل، وينجيهم من أي خطر، مهما كان كبيرًا، مثلما نجى الثلاث فتية من أتون النار، وحفظ دانيال في الجب بين الأسود، وعبر بشعبه في البحر الأحمر، الذي شقه لأجلهم، ونجاهم من فرعون وكل جيشه.
† إن قوة الله هي لك ما دمت تتكل عليه، وتتمسك به، وتتوب إن أخطأت، وهي ضدك ن استهنت وتكبرت. والله الكامل في عدله، تستطيع النجاة من عقابه بالتوبة، فتنال مراحمه وتحيا مستقرًا في سلام دائم.
ع19: من معاملة الله للبشر في محبته لهم، علّم المؤمنين به أن يحبوا الآخرين، ويقدموا لهم أعمال الرحمة، ويشفقوا عليهم.
ومن ناحية أخرى، أعطى لأولاده رجاءً في غفران خطاياهم بالتوبة، عندما يرجعون إليه؛ لأنه طويل الأناة، ويريد أن الجميع يخلصون.
وفى العهد الجديد يؤكد بطرس الرسول هذا المعنى بقوله أن المسيح بتجسده صار "تاركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته" (1 بط2: 21).
والرجاء الذي يعطيه لنا الله ضرورى؛ لنحيا معه؛ لأنه بدونه يضيع الإنسان، كما حدث مع يهوذا الإسخريوطى، الذي شنق نفسه (مت27: 5).
ع20، 21: التحرز: الحرص والاحتراس.
الإقلاع: الامتناع.
واثقت: عاهدتهم بمواثيق أي عهود.
لأنك يا رب إن كنت عاقبت أعداء بنيك، وهم الكنعانيون بحرص، فلم تبدهم، معطيًا إياهم فرصة للتوبة؛ وأعطيتهم زمانًا ليحيوا ويتوبوا، ومكانًا يعيشون فيه، فلم يحاربهم شعبك ويبيدهم بالكلية، فكم بالأولى تشفق على أولادك المؤمنين بك إذا أخطأوا، وتعطيهم فرصة أكبر للتوبة والرجوع عن خطاياهم؟! خاصة وأنك عاهدت آباء بنيك، وهم إبراهيم واسحق ويعقوب، ووعدتهم أن تباركهم وتحفظهم، بل يخرج من نسلهم المخلص، وهو المسيح؛ ليعطيهم حياة معه إلى الأبد.
ع22: وأمام هذه الرحمة اللانهائية نتعلم أن نكون رحومين على الآخرين في أي موقع يكون لنا سلطان الحكم والقضاء، فنشفق على المخطئين، ونبتعد عن الإدانة، ونشجع بالكلمات الطيبة لإصلاح كل خطأ.
ومن ناحية أخرى، إذا كنا قد أخطأنا، نترجى رحمتك، إذا حُكم علينا بسبب خطايانا.
† من التداريب الروحية الجميلة أن تتذكر مراحم الله عليك كل يوم، أو كل فترة زمنية؛ لتشكر الله عليها، فهذا يعطيك حنانًا وترفقًا بالجميع، وتكسب الكل، وتصلح أخطاء من حولك بلطف.
23 لأَجْلِ ذلِكَ فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ عَاشُوا بِالسَّفَهِ، عَذَّبْتَهُمْ بِأَرْجَاسِهِمْ عَيْنِهَا، 24 فَإِنَّهُمْ فِي ضَلاَلِهِم تَجَاوَزُوا طُرُقَ الضَّلاَلِ، إِذِ اتَّخَذُوا مَا يَسْتَحْقِرُهُ أَعْدَاؤُهُمْ مِنَ الْحَيَوَانِ آلِهَةً، مُغْتَرِّينَ كَأَطْفَالٍ لاَ يَفْقَهُونَ. 25 لِذلِكَ بَعَثْتَ عَلَيْهِمْ عِقَابَ أَوْلاَدٍ لاَ عَقْلَ لَهُمْ لِلسُّخْرِيَّةِ. 26 وَلَمَّا لَمْ يَتَّعِظُوا بِتَأْدِيبِ السُّخْرِيَّةِ، ذَاقُوا الْعِقَابَ اللاَّئِقِ بِاللهِ. 27 وَفِيمَا تَحَمَّلُوهُ بِغَيْظِهِمْ، وَقَدْ رَأَوْا أَنَّ مَا اتَّخَذُوهُ إِلهًا كَانُوا بِهِ يُعَذَّبُونَ، عَرَفُوا الإِلهَ الْحَقَّ الَّذِي كَانُوا يَكْفُرُونَ بِهِ، وَلِذلِكَ حَلَّتْ بِهِمْ خَاتِمَةُ الْعِقَابِ.
ع23: السفه: التفاهة.
أرجاسهم: معبوداتهم الحقيرة.
يعود هنا فيتكلم عن المصريين الذين اشتركوا في عبادة الأوثان مع الكنعانيين، وهما الفئتان اللتان قابلهما شعب الله. فقد عاش بنو إسرائيل حوالي 400 سنة بين المصريين، ثم عند دخولهم أرض الميعاد واجهوا قبائل الكنعانيين، وبعد أن أهلكوا بعضهم، ظل الباقون يسكنون حولهم مئات السنين.
فينتقل هنا من الكلام عن الوثنيين الكنعانيين إلى المصريين الغارقين في عبادة الأوثان الذين يلقبهم بالمنافقين؛ لأنهم يتظاهرون بعبادة الله، وهم متعلقون بالحيوانات والجمادات، وهذا منتهى الجهل أيضًا.
وقد سمح الله بأن عذاب المصريين يكون من خلال معبوداتهم الدنيئة. فعندما عبدوا الضفادع - وهي حيوانات حقيرة - كانت الضربة الثانية أن تهجم عليهم في بيوتهم أعدادًا ضخمة فاشمئزوا منها، خاصة بعد أن ماتت وأنتنت، وجمعوها من داخل أماكن نومهم وطعامهم، فصارت أكوامًا ضخمة نتنة، وأيضًا نهر النيل الذي عبدوه صار دمًا متسخًا فيه صديد. وهكذا تحول مصدر حياتهم من أكل وشرب إلى مصدر يثير اشمئزازهم.
ع24: وظهر المصريون المتكبرون بعلمهم في جهل بعبادتهم للأوثان، وصاروا كأطفال ناقصى العقل والفهم، إذ عبدوا ما يحتقره أعداؤهم، أي بني إسرائيل من الحيوانات والحشرات، فضايقهم الله بما يعبدون في ضربة نهر النيل، والضفادع، والبعوض، والجعران، لعلهم يتوبون.
ع25: وإذ لم يتب فرعون من الضربات الأولى - رغم إعلان السحرة له بأنه اصبع الله - جلب الله عليه ضربات أشد، مثل موت البهائم، وضربة حجارة البرد من السماء، وقتل الكثيرين، وأكل الجراد لكل شيء أخضر في الأرض، فصار جوع وموت، كمل بالضربة الأخيرة، وهي موت الأبكار في كل بيوت مصر.
ع26، 27: والعجيب أنه بعد شهادة السحرة لفرعون، ثم شهادة عبيده له بقوة إله بني إسرائيل، وأنه هو الإله الحق، وأن مصر قد خربت أمام قوة الله، وسمح لبني إسرائيل بالخروج من مصر، عاد فقسى قلبه، وخرج بجيوشه؛ ليرجعهم، حينئذ لم يكن هناك مفر من إهلاكه هو وكل جيشه بالغرق في البحر الأحمر.
إن الشيطان يريد إذلال الإنسان وتحطيمه، فهو يجتذبه بالشهوات الكثيرة؛ حتى ينسيه عقله، ويتعلق بالماديات، ويصير كعبد لها، وهنا يذله الشيطان، ويسحبها منه، ثم يعود فيعطيها له، ويرجع ثانية فيسحبها حتى يمتلئ اضطرابًا، ويعذبه بما اشتهاه، إلى أن يفنى حياته في الشر، ولا ينتظره إلا العذاب الأبدي.
† اسأل نفسك هل يضطرب قلبك مع كل مكسب، أو خسارة مادية؛ إن كنت مازلت متعلقًا بأمور كثيرة، فاعلم أن هذه كلها قد خُلقت لأجلك، ولست أنت لها. استخدمها بمقدار، واشكر الله على عطاياه، ولكن يظل قلبك متعلقًا به وحده.
← تفاسير أصحاحات حكمة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19
تفسير حكمة سليمان 13 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير حكمة سليمان 11 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/wisdom/chapter-12.html
تقصير الرابط:
tak.la/6zpyvqa