مقدمة: لاحظ في سلسلة الأنساب التي سنقرأها في الأصحاحات من 1-9 بعض الأمور:

1. تختصر قوائم الأنساب بعض الأشخاص؛ لقلة أهميتهم، فعندما يذكر أن فلان ابن فلان، فهو ليس بالضرورة ابنه المباشر ولكنه قد يكون إبنه أو أحد حفدته.

2. قد تأخذ عشيرة نصيب عشيرة أخرى في الأرض أثناء فتاة السبي وتنسب إليها.

3. قد لا يذكر اسم رأس العشيرة وتذكر مدينة سكناه وتعتبر رأس العشيرة.

4. قد يوجد للشخص الواحد اسمان، فَيُذْكَر أحدهما في إصحاح ويذكر الثاني في إصحاح آخر.

يبين هذا الأصحاح بداية الجنس البشري وهو آدم ويسير مع نسله، ليصل إلى رأس البشرية الجديدة بعد الطوفان وهو نوح، ثم يواصل الأنساب ليصل إلى رأس شعب الله المبارك إبراهيم وبعد ذلك يصل إلى يعقوب الذي منه جاءت أسباط بني إسرائيل ويعرض سريعًا نسل عيسو (أنظر الرسم التوضيحي (1) التالي↓).

الجدول السابق في شكل صورة:

(1) الأنساب من آدم إلى نوح (ع1-4)

(2) نسل نوح (ع5-17)

(3) سلسلة أجداد إبراهيم (ع18-27)

(4) نسل إبراهيم (ع28-37)

(5) بنو سعير وملوك آدوم (ع38-54)

ذُكِرَت هذه الأنساب في (تك 5) ويلاحظ فيها ما يلي:

1. أغفل ذكر هابيل لأنه لم يلد بنين.

2. أغفل ذكر قايين ونسله؛ لأنهم أشرار فهلكوا في الطوفان، وهو هنا يهتم بقصة الخلاص والنسل المبارك الذي ينجب الأبرار، نوح وإبراهيم، حتى يصل إلى المسيح.

3. من أعظم الشخصيات التي ظهرت من نسل آدم هي أخنوخ وهو الجيل السابع من آدم، الذي سار مع الله، فأخذه الله إليه حيًا، وما زال يحيا معه في السماء، وسينزل إلى الأرض؛ ليكمل عمله ويبشر أولاد الله ويوبخ الخطاة (رؤ11: 3-11).

4. أطول الناس عمرًا من نسل آدم هو متوشالح، وهو الجيل الثامن الذي عاش 969 عامًا، وهو يرمز للبركة الإلهية.

5. آدم هو أب الجنس البشرى، الذي يُنسب إليه كل البشر، وهو يلقب بابن الله في (لو3: 38)، أما عبدة الأوثان فنسبوا أنفسهم إلى آلهتهم الغريبة، إذ هم أبناء الشيطان الذي تمثله هذه الآلهة.

6. آدم أخطأ، فعاش حتى رأى الجيل التاسع منه وهو لامك وبعد موته وُلد نوح - الجيل العاشر من آدم - وفى حياته مات كل العالم الشرير بالطوفان. وبدأ الحياة الجديدة على الأرض هو ونسله، فهو يعتبر آدم الثاني، الذي تجددت به الخليقة، وهو يرمز للمسيح - آدم الثاني - الذي جدد الخليقة بدمه المسفوك على الصليب.

7. يُلاحظ أنه لم يرتب نسل نوح بحسب البكورية، فذكر سام أولًا مع أنه ليس البكر؛ لأهميته، إذ يأتي منه النسل المبارك إبراهيم ومنه يأتى المسيح مخلص العالم؛ لأن يافث هو البكر كما يظهر ذلك بأكثر وضوحًا في الترجمة السبعينية والإنجليزية (تك10: 21)، ثم يليه سام وبعده حام الابن الأصغر لنوح (تك9: 24). ويُذكر نسل سام في (تك10: 22-32، 11: 10).

† إن كان أخنوخ قد عرف الطريق إلى قلب الله قبل أن توجد وصايا وشريعة على يد موسى، أو كلام العهد الجديد الواضح على يد المسيح المخلص، فكم هي فرصتك للتمتع بالله، أن حفظت وصاياه وطلب معونته، فهو قادر أن يدخلك في عشرة قوية معه، ثم تنتقل بعد هذه الحياة إلى الملكوت السماوى.

تتكلم هذه الأعداد عن نسل نوح من أبنائه الثلاثة يافث وحام وسام وقد أرجأ ذكر نسل سام إلى النهاية؛ لأنه يريد أن يركز عليه في الآيات التالية، إذ يأتي منه إبراهيم وكل النسل المبارك، ويلاحظ ما يلي:

أ - هناك اختلافات قليلة بين الأسماء الواردة هنا وتلك الموجودة في سفر التكوين وذلك لما يلي:

1. تختلف بعض الأسماء لتطور اللغات وتداخلها، مثلًا نجد في (ع9) سبتا ورعما، أما في (تك10: 7) سبتة ورعمة وهي نفس الشخصيات ولكن اختلاف طفيف في الكتابة.

2. أحيانًا تُغفل بعض الأسماء في الأنساب؛ لعدم أهميتها في سلسلة الخلاص وقد يكون للشخص إسمان مثل إبراهيم وإبرآم، وقد سبق التنويه عن ذلك.

3. عندما يموت إنسان ولا ينجب ويتزوج أخيه بامرأته، فينسب النسل أحيانًا للزوج الميت وأحيانًا أخرى للأب الحقيقي.

ب- من نسل حام نمرود وكان رجلًا قويًا ومعنى اسمه جبار، وفى أيامه حاول نسل نوح بناء برج بابل، فبلبل الله هناك ألسنتهم، وتفرقوا في الأرض كلها، وبهذا بدأ تكوين القبائل التي صارت أممًا فيما بعد. ونسل حام مذكور في (تك10: 6-17) أما نسل يافث فمذكور في (تك10: 1-5).

يلاحظ في هذه الآيات ما يلي:

1. الاهتمام بأرفكشاد من نسل سام؛ لأن منه سيأتى إبراهيم.

2. من أجداد إبراهيم عابر ويرى البعض أن نسل إبراهيم سمى بالشعب العبرانى نسبة إلى عابر هذا، ولكن البعض الآخر يرى أنه سمى بالعبرانى، لأن إبراهيم عبر نهر الفرات إلى كنعان.

3. من نسل أرفكشاد فالج ومعنى اسمه انقسام، حيث تفرق نسله في الأرض لكثرة أعدادهم. وسكن فالج في منطقة ما بين النهرين، أي العراق الحالية وأتى من نسله إبراهيم.

4. السنوات من آدم حتى إبراهيم حوالي 2000 عامًا، عاش آدم حوالي نصفها الأول ومات؛ ليأتى بعده نوح الذي تجددت فيه الخليقة بعد الطوفان. كما ذكرنا وبعده بحوالي 1000 عام ولد إبراهيم أب شعب الله، فبالخطية كان سقوط آدم وبالإيمان عاش إبراهيم، فصار أبًا لشعب الله وللمسيح.

† الإيمان هو طريقك للتمتع برعاية الله ومحبته، فكن ابنًا لإبراهيم بالحقيقة؛ لتتمتع بمساندة الله لك في كل شيء، بل بصداقته، فتتذوق الملكوت السماوى وأنت على الأرض.

يلاحظ في هذه الأعداد ما يلي:

1. كان لإسماعيل إثنا عشر ابنًا وهذا تحقيق لوعد الله لإبراهيم، أن يجعله أمة عظيمة ويلد اثنى عشر ابنا (تك17: 20)، فالبركة لإبراهيم في إسماعيل كانت في العدد.

2. يذكر في (ع32) أن قطورة كانت سرية إبراهيم أما في (تك25: 1) يذكر أنها زوجته وهذا معناه أنها كانت إحدى جواريه مثل هاجر واضطجع معها، فصارت زوجة له ولكن ليست في مرتبة الزوجة الحرة الوحيدة سارة.

3. يذكر نسل إسماعيل وقطورة، ثم نسل عيسو ويشير فقط إلى نسل سارة؛ لأنه هو المقصود والذي سيركز عليه في باقي الأصحاحات؛ لأن به يتم الخلاص والفداء؛ إذ منه يأتي المسيح. أي أنه ذكر أولاد الجسد وهم نسل إسماعيل وقطورة وعيسو [المذكورين في (تك25: 12-16)، (تك25: 1-4)، (تك26: 4، 5، 9، 10)] أولًا لينتهي منهم، فيبقى الاهتمام كله بالنسل الروحاني، الذي هو من خلال اسحق ويعقوب (إسرائيل) ابنه.

4. ترك الله النسل الشرير ولم يفنهم، بأن جعلهم عقماء؛ لأنه يحترم إرادة الإنسان وحريته وبهذا تظهر طول أناة الله على الأشرار، وهذا أيضًا يزكى الأبرار وسط الأشرار؛ إذ تمسكوا بكلام الله رغم أن غيرهم رفضوه.

5. ذكرت الأنسال في سفر التكوين بالتفصيل؛ ليبين الأمم التي تكونت منهم وملأت الأرض، أما هنا فلم يذكرهم بالتفصيل؛ لأن غرضه كان هو الوصول للنسل المبارك، الذي منه يأتي المسيح.

يلاحظ في هذه الآيات:

1. يذكر في (ع38) السكان الأصليين لسلسلة جبال سعير (تك36: 30) الواقعة جنوب البحر الميت وفلسطين وكنعان. وقد هاجم نسل عيسو الحوريين وهم السكان الأصليين لجبال سعير وأخذوا بلادهم وسكنوا فيها، ثم قام عليهم داود الملك وأباد كل ذكر فيهم (1 مل11: 15، 16).

2. كلمة حورى معناها مغارة وكان الحوريون يسكنون في مغاير في جبال سعير.

3. يذكر في (ع50) ملكة تسمى بنت ماء ذهب يحكى عنها التقليد اليهودي أنها عملت باجتهاد شديد حتى صارت غنية جدًا ولديها ذهب بوفرة وبعد هذا زهدت العالم، إذ شعرت ببطلانه، وهذا يوضح عمل الله مع البعيدين عنه، فيرفعهم عن التعلق بالماديات.

4. يذكر أمراء أدوم مرتبطين بالبلاد التي تملكوا عليها وليس بأسمائهم (ع51-54).

وعمومًا نرى في هذا الأصحاح اهتمام بالأنساب من أدوم وذلك لما له من أهمية كبيرة هي:

1. وحدة الجنس البشري، فالكل يرجع إلى أدوم وبالتالي هذا يؤدى إلى ترابط ومحبة بين كل البشر.

2. في هذه الأنساب نرى بدايات شعوب العالم المختلفة وهذا معناه أن الكتاب المقدس مرسل إلى كل شعوب العالم إذ ذكروا جميعًا فيه؛ حتى يؤمنوا بالمسيح مخلص البشرية ويحيوا معه، فيكون لهم مكان في السماوات.

3. هذه الأنساب لها أهمية كبيرة لنصل إلى المسيح، الذي من إبراهيم ويهوذا وداود. ولكن بعد تجسد المسيح لم تعد هناك أهمية للأنساب، إذ يوجد النسب الروحي، أي سر المعمودية والارتباط بأسرار الكنيسة. فالأنساب تبين اهتمام الله بتدبير خلاصنا، ثم يرفعنا إلى النسب الروحي.