هناك عقيدة أساسية تشرح باقي مفاهيم الإيمان المسيحي، من جهة تدبير الخلاص على وجه الخصوص، هذه العقيدة اسمها (وحدة الجنس البشري). على أساس هذه العقيدة يمكن فهم علاقتنا بخطية آدم بسهولة ووضوح.
وَيَتَلَخَّص إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هذا الأمر:
أن البشرية كلها كانت في آدم حينما خُلِق؛ فَصِرْنَا مخلوقين فيه. ثم لَمَّا أخطأ آدم، صِرْنا مخطئين فيه، وكذلك مُتْنَا فيه، وَفَسَدْنَا فيه. وعندما تَجَسَّد كلمة الله صار آدم جديدًا؛ ففيه نُخلق خليقة جديدة، وفيه نَتَبَرَّر، وفيه نحيا، وننال عدم الفساد والحياة الأبدية.
يشرح القديس أثناسيوس الرسولي هذه الحقيقة الإيمانية في كتابه الخالد ضد الآريوسيين:
"وهكذا أيضًا قد خُلِق جنس البشر على صورة الله. لأنه وإن كان آدم وحده قد خُلِقَ من التراب، إلا أنه فيه كانت توجد كل ذرية الجنس البشري".[48]
هنا اعتبر القديس أثناسيوس الرسولي أن البشر كلهم خُلقوا في آدم، ونفس التعليم ذَكَرَهُ في كتاب تجسد الكلمة:
"وهكذا خلق الله الإنسان وكان قصده أن يبقى في غير فساد. أما البشر،[49] فإذ احتقروا التفكير في الله ورفضوه، وفكروا في الشر وابتدعوه لأنفسهم كما أشرنا أولًا، فقد حُكِمَ عليهم بحكم الموت الذي سبق إنذارهم به، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد كما خُلِقُوا، بل إن أفكارهم قادتهم إلى الفساد ومَلَكَ عليهم الموت".[50]
يُلَاحَظ في هذا النص أن القديس أثناسيوس يشرح أن الإنسان عمومًا خُلِقَ في آدم في حالة عدم فساد، وأن الإنسان أي البشرية كلها عمومًا أخطأت في آدم، وحُكِمَ عليها بالموت في آدم.
"لأجل هذا إذن ساد الموت أكثر وَعَمَّ الفساد على البشر، وبالتالي كان الجنس البشرى سائِرًا نحو الهلاك".[51]
يُلَاحَظ هنا أنه قد ساد الموت وَعَمَّ الفساد على كل البشر وليس آدم وحده. وبالطبع، فإن القديس أثناسيوس يبني تعليمه على النصوص المقدسة من الكتاب المقدس، وعلى ما استلمه من الآباء السابقين له.
يقول
«إذًا، ما هو الذي فهمناه؟ تقول رواية سفر التكوين، إن الله عمل الإنسان مشيرًا بهذا التعبير غير المُحَدَّد، إلي كل الجنس الإنساني. لأن آدم لم يُطلَق في ذلك الحين مع الخليقة، كما تقول الرواية في العبارات اللاحقة، بل كان اسمًا للإنسان الذي خُلِقَ، وهو لا يعي هذا وذاك، بل هو الاسم الذي يشمل الجميع. وبهذه التسمية الجامعة للطبيعة الإنسانية، صار لنا بهذا التكوين، أن نرمي إلي شيء مثل هذا، أنه بعلم الله السابق وقدرته بشأن أول تكوين، شمل كل الإنسانية. لأنه لا ينبغي أن نتصوَّر، أنه يوجد شيء غير مُحَدَّد بالنسبة للكائنات المخلوقة، بل إن لكل كائن نهاية، ومقياس مُحَدَّد، والذي يتحدد من قِبَل حكمة الخالق.» إذًا، كما أن فلان من الناس يَحده حجم جسده، وطول قامته، إذًا فهو الحجم الذي من خلاله، يظهر تشكيل الجسد. هكذا فأنا أعتقد أن كل ملء الإنسانية تم احتواءه كما في جسد واحد من قِبَل الله، إله الكل، بِسَابِق علمه، وقدرته، وهذا ما تُعَلِّم به الكلمة القائلة: «فخلق الله الإنسان علي صورته علي صورة الله خلقه». حقًّا فإن الصورة ليست في مكان ما من الطبيعة، والنعمة ليست في أحد الأماكن الموجودة داخله. بل أن هذه القوة تمتد لتشمل الجنس البشري بأسره بدرجة متساوية.
والدليل علي ذلك، أن العقل يقيم في الجميع بطريقة واحدة. فالجميع لديهم القدرة علي أن يعقلون، ويفكرون، وغير ذلك من الجوانب الأخرى، التي من خلالها تتصور الطبيعة الإلهية في هذا الذي خُلِقَ علي صورة الله. وبطريقة مُمَاثِلَة يوجد الإنسان الذي ظهر مع أول خلق، وذاك الذي سيصير عند نهاية العالم.
وَكِلَاهُمَا يحمل الصورة الإلهية، بطريقة متساوية. ولذلك الإنسانية جمعاء، سُمِّيَت إنسان واحد.."(51ب)
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ونجد فكرة أن كل البشرية كانت في آدم مُتَغَلْغِلَة في فِكْر آباء الكنيسة الجامعة، فيقول القديس العظيم مقاريوس الكبير في العظة 11:
"كأنما مَلِك له مقتنيات وخَدَم تحت إمرَتِهِ يقومون علي حاجته، ثم حدث أنه أُمسِك من أعدائه وسيق إلي السبي، فلمّا أُمسِك وسُبِيَ، تبعه بالضرورة خدامه والقائمون علي حاجته، هكذا آدم أيضًا: فإنه خُلِقَ نقيًّا بواسطة الله لكي يخدمه، وأُعطِيَ هذه المخلوقات لتقوم علي حاجته، إذ قد أُقيم سيدًا علي هذه الخلائق وملكًا لها. غير أنه منذ دَنَت منه الكلمة الخبيثة وتحادثت معه، اقتبلها إليه أولًا من الخارج بواسطة السَّمْع، ثم نَفَذَت عبر قلبه فملكت كل حياته، وهكذا في النهاية لمّا أُمْسِك أُمْسِكَت معه أيضًا الخليقة التي تخدمه وتقوم علي حاجته. فإنه بواسطته قد مَلَكَ الموت علي كل نفس وشَوَّه كل صورة آدم بسبب تلك المعصية، حتى إن البشر انعطفوا وجنحوا نحو عبادة الشياطين...".[52]
ويعلمنا القديس باسيليوس الكبير قائلًا:
"For since we fell away from the true delight that was in paradise, we invented adulterated delicacies for ourselves. And since we no longer see the tree of life, nor do we pride ourselves in that beauty, there have been given to us for our enjoyment cooks and bakers, and various pastries and aromas, and such things console us in our banishment from there".[53]
"لأنه منذ أن ارتددنا عن البهجة الحقيقية التي كانت في الفردوس، اخترعنا لأنفسنا أطايب مغشوشة، وبما أننا لم نَعُد نرى شجرة الحياة، ولم نَعُد نتباهَى بأنفسنا في هذا الجمال، فقد مُنِحنا طُهاةً وَخَبَّازين والعديد من المعجنات والعطور من أجل استمتاعنا، ومثل هذه الأشياء تُعَزِّينا في مَنْفَانا من هناك (الفردوس)."[54]
هنا يعتبر القديس باسيليوس أن سَقْطَة آدم وابتعاده عن البهجة الفردوسية هي سقطتنا كلنا.
"Yet, one may also ask, for what reason was the tree in paradise, through which the devil’s attack on us was about to take place? For if he had not had the bait for his deceit, how would he have led us on through the disobedience into death? Because there needed to be a commandment to test our obedience".[55]
"ومع ذلك قد يتساءل المرء أيضًا عن سبب وجود الشجرة في الفردوس، والتي من خلالها كان هجوم الشيطان علينا على وشك الحدوث من خلالها؟ لأنه لو لم يكن لديه الطُّعْم لخداعه (الإنسان) فكيف كان سيقودنا من العصيان إلى الموت؟ لأنه كان لا بُد من وجود وصية لاختبار طاعتنا."[56]
لاحظ أن القديس باسيليوس يُعَبِّر عن حقيقة هجوم الشيطان على آدم في الفردوس هو بمثابة هجوم علينا كلنا في آدم. ونفس التعليم تجده في النصوص التالية:
"Why does he fight against us? Because, being a receptacle of all evils, he also accepted the disease of malice and envied our honor. For he could not bear our life free from pain in paradise".[57]
"لماذا يحاربنا؟ لأنه لكونه وعاء لكل الشرور، فقد قَبِل أيضًا مرض الحقد وحَسَدَ الكرامة التي لنا، لأنه لم يستطع أن يحتمل حياتنا أن تكون خالية من الألم في الفردوس."[58]
"Accordingly, the devil has remained as our opponent because of the fall that came upon us due to his abuse long ago".[59]
"... وعليه ظل الشيطان كخصم لنا بسبب السقوط الذي أصابنا بسبب إسائته منذ زمن بعيد."[60]
"For not one wrestling or contest will remain for us on high, nor will anyone be set against us and turn us aside from the blessed life. But we will have an uninterrupted existence without pain and enjoy the tree of life, from which we were prevented from partaking since the beginning through the plot of the serpent".[61]
"لأنه لن تبقى لنا مصارعة أو منافسة واحدة في الأعالي، ولن يقف أحد ضدنا ويبعدنا عن الحياة المباركة. ولكننا سننعم بوجود غير منقطع دون ألم ونتمتع بشجرة الحياة التي مُنِعْنَا من الشركة فيها منذ البدء بمؤامرة الحية."[62]
وأيضًا يعلمنا القديس كيرلس:
"It is as though he were to say, we have been condemned to death by the transgression of Adam, since the entire nature of humanity experienced this in him. Indeed, he was the firstfruits of our race. In Christ, however, we blossomed once more into life".[63]
"وكأنه كان سيقول: لقد حُكِمَ علينا بالموت بتعدي آدم، بما أن الطبيعة البشرية برمتها قد اختبرت هذا فيه. لقد كان هو بالفعل باكورة جنسنا. ولكن في المسيح، أزهرنا مرة أخرى إلى داخل الحياة"[64].
"Human nature has experienced a turning away from God’s face in Adam because of his transgression".[65]
"لقد اختبرت الطبيعة البشرية الارتداد عن وجه الله في آدم بسبب تعديه"[66]
"For in Adam, as I said, we have fallen away from grace. The statement “Increase and multiply” and “subdue the earth”104 was addressed to the first man representing human nature as a whole."[67]
"لأننا في آدم، كما قلت، سقطنا بعيدًا عن النعمة. والكلمات "أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها"(تك 1: 28) كانت موجهة إلى الإنسان الأول المُمَثِّل للطبيعة البشرية ككل"[68].
"Then Paul shows that we are stripped of the glory that was given to us long ago. That is why he says, “We do not yet see everything in subjection to him.”
“We see Jesus, who for a little while was made lower than the angels, now crowned with glory and honor because of the suffering of death.” The Word of God, who is God by nature as we have often said, lowered himself to the point of emptying and shared our name, as a “man” who “for a little while was lower than the angels,” so that he might become obedient to the Father “even to the point of death,” and he might crown human nature with glory and honor, since he is crowned as one of us even though he is the “Lord of glory.”"[69]
Now we who choose to think rightly certainly do not imagine that he says these things about one man. Rather, he represents all of humanity in one person and says that he regained participation in the glory that was given in ancient times. Now we must describe the construction of the entire passage and the outcome of its skillful composition. He shows that man has lost the glory because of the transgression of Adam in order to explain how to get it back, just as one might show the poverty of the human race in order then to point out the one through whom we have been enriched. You see, he immediately adds,"ثم يُبَيِّن بولس أننا تعرينا من المجد الذي أعطي لنا منذ القديم. ولهذا يقول "عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعًا لَهُ" (عب 2: 8) أما الآن، فنحن، الذين نختار أن نفكر التفكير الصحيح، لا نتخيل بالطبع أنه يقول هذه الأشياء عن إنسان واحد. بل إنه يمثل البشرية جمعاء في شخص واحد ويقول إنه استعاد المشاركة في المجد المُعطَى في الأزمنة القديمة. والآن علينا أن نصِف إنشاء الفقرة كلها ونتيجة تركيبها الماهر. فهو يُبَيِّن أن الإنسان قد فقد المجد بسبب تَعَدَّي آدم لكي يشرح كيفية استعادته، تمامًا كما يمكن لشخص أن يُبَيِّن فقر الجنس البشري لكي يشير بعد ذلك إلى الواحد الذي به اغتنينا. وكما ترون، فهو يضيف فورًا "ولكن الذي وُضِع قليلًا عن الملائكة، يسوع، نراه مُكللًا بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت." إن كلمة الله، الذي هو الله بالطبيعة كما قلنا كثيرًا، وضع نفسه حتى إلى حد الإخلاء وشارك اسمنا، بكونه "إنسانًا" "وُضِع قليلًا عن الملائكة"، لكي يصبح طائعًا للآب "حتى الموت" (في 2: 8)، ويكلل الطبيعة البشرية بالمجد والكرامة، بما إنه مكلل كواحد منا مع أنه هو "رَبَّ الْمَجْدِ". (1 كو 2: 8)"[70].
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويقول القديس أثناسيوس تعليقًا في تفسيره لـ(مزمور 68):
""لا تصرف وجهك عن فتاك". لأن الله الآب أَبعَد البشرية بسبب تعدي آدم، لأجل هذا فإنه يطلب منه أن يدير وجهه إلينا مرّة أخرى". [71]
وقد بنى الآباء تفاسيرهم بهذا الصدد علي الكتاب المقدس (بطبيعة الحال)، ففي رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح الخامس على وجه الخصوص، يورِد الرسول القديس هذه الحقيقة: "مِنْ أجلِ ذلكَ كأنَّما بإنسانٍ واحِدٍ دَخَلَتِ الخَطيَّةُ إلَى العالَمِ، وبالخَطيَّةِ الموتُ، وهكذا اجتازَ الموتُ إلَى جميعِ النّاسِ، إذ أخطأَ الجميعُ” (رو 5: 12).
"ولكن ليس كالخَطيَّةِ هكذا أيضًا الهِبَةُ. لأنَّهُ إنْ كانَ بخَطيَّةِ واحِدٍ ماتَ الكَثيرونَ، فبالأولَى كثيرًا نِعمَةُ اللهِ، والعَطيَّةُ بالنِّعمَةِ الّتي بالإنسانِ الواحِدِ يَسوعَ المَسيحِ، قد ازدادَتْ للكَثيرينَ! وليس كما بواحِدٍ قد أخطأَ هكذا العَطيَّةُ. لأنَّ الحُكمَ مِنْ واحِدٍ للدَّينونَةِ، وأمّا الهِبَةُ فمِنْ جَرَّى خطايا كثيرَةٍ للتَّبريرِ. لأنَّهُ إنْ كانَ بخَطيَّةِ الواحِدِ قد مَلكَ الموتُ بالواحِدِ، فبالأولَى كثيرًا الّذينَ يَنالونَ فيضَ النِّعمَةِ وعَطيَّةَ البِرِّ، سيَملِكونَ في الحياةِ بالواحِدِ يَسوعَ المَسيحِ! فإذًا كما بخَطيَّةٍ واحِدَةٍ صارَ الحُكمُ إلَى جميعِ النّاسِ للدَّينونَةِ، هكذا ببِرٍّ واحِدٍ صارَتِ الهِبَةُ إلَى جميعِ النّاسِ، لتَبريرِ الحياةِ. لأنَّهُ كما بمَعصيَةِ الإنسانِ الواحِدِ جُعِلَ الكَثيرونَ خُطاةً، هكذا أيضًا بإطاعَةِ الواحِدِ سيُجعَلُ الكَثيرونَ أبرارًا” (رو 5: 15-19).
هذا النص المقدس يورِد مقارنة واضحة جدًا بين ما أصاب البشرية كلها في آدم، مع ما تناله البشرية في المسيح يسوع ربنا. الخطية في مقابل البر، أي خطية آدم التي طالَت الجميع في مقابل بر المسيح الذي يناله كل من يؤمن به، والموت في مقابل الحياة، "فَإِنَّهُ إِذِ ٱلْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ ٱلْأَمْوَاتِ. لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ، هَكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ" (1كو 15: 21-22). والفساد الذي أصاب الطبيعة البشرية في آدم، في مقابل وعد عدم الفساد الذي نناله في المسيح "هكذا أيضًا قيامَةُ الأمواتِ: يُزرَعُ في فسادٍ ويُقامُ في عَدَمِ فسادٍ" (1كو 15: 42).
إن هذا المفهوم الكتابي والإيماني (وحدة الجنس البشري) يظهر واضحًا وبصورة جزئية، في قصة داود وجليات: "فوَقَفَ (جليات) ونادَى صُفوفَ إسرائيلَ وقالَ لهُمْ: «لماذا تخرُجونَ لتَصطَفّوا للحَربِ؟ أما أنا الفِلِسطينيُّ، وأنتُمْ عَبيدٌ لشاوُلَ؟ اختاروا لأنفُسِكُمْ رَجُلًا وليَنزِلْ إلَيَّ. فإنْ قَدَرَ أنْ يُحارِبَني ويَقتُلَني نَصيرُ لكُمْ عَبيدًا، وإنْ قَدَرتُ أنا علَيهِ وقَتَلتُهُ تصيرونَ أنتُمْ لنا عَبيدًا وتَخدِمونَنا»“ (1صم 17: 8-9).
هزيمة جليات كانت هزيمة لكل شعبه، وكذلك خطية آدم صارت خطية كل البشر. كما كانت خيانة عخان بن كرمي سببًا لتكدير[72] كل جماعة إسرائيل. "وخانَ بَنو إسرائيلَ خيانَةً في الحَرامِ، فأخَذَ عَخانُ بنُ كرمي بنِ زَبدي بنِ زارَحَ مِنْ سِبطِ يَهوذا مِنَ الحَرامِ، فحَميَ غَضَبُ الرَّبِّ علَى بَني إسرائيلَ” (يش 7: 1).
"قد أخطأَ إسرائيلُ، بل تعَدَّوْا عَهدي الّذي أمَرتُهُمْ بهِ، بل أخَذوا مِنَ الحَرامِ، بل سرَقوا، بل أنكَروا، بل وضَعوا في أمتِعَتِهِمْ. فلَمْ يتَمَكَّنْ بَنو إسرائيلَ للثُّبوتِ أمامَ أعدائهِمْ. يُديرونَ قَفاهُمْ أمامَ أعدائهِمْ لأنَّهُمْ مَحرومونَ، ولا أعودُ أكونُ معكُمْ إنْ لَمْ تُبيدوا الحَرامَ مِنْ وسَطِكُمْ. قُمْ قَدِّسِ الشَّعبَ وقُلْ: تقَدَّسوا للغَدِ. لأنَّهُ هكذا قالَ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ: في وسَطِكَ حَرامٌ يا إسرائيلُ، فلا تتَمَكَّنُ للثُّبوتِ أمامَ أعدائكَ حتَّى تنزِعوا الحَرامَ مِنْ وسَطِكُمْ." (يش 7: 11-13).
ونصرة داود صارت نصرة لكل شعبه، وكذلك غلبة المسيح صارت لكل المؤمنين باسمه. "قد كلَّمتُكُمْ بهذا ليكونَ لكُمْ فيَّ سلامٌ. في العالَمِ سيكونُ لكُمْ ضيقٌ، ولكن ثِقوا: أنا قد غَلَبتُ العالَمَ»" (يو 16: 33).
"شُكرًا للهِ الّذي يُعطينا الغَلَبَةَ برَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ” (1كو 15: 57)؛ لذلك يفتخر الإنسان المسيحي بالصليب الذي به غَلَبَ الرب يسوع العالم. "وأمّا مِنْ جِهَتي، فحاشا لي أنْ أفتَخِرَ إلّا بصَليبِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، الّذي بهِ قد صُلِبَ العالَمُ لي وأنا للعالَمِ." (غل 6: 14).
عقيدة وحدة الجنس البشري تجعل الأب الكاهن يقف ويصلي في الليتورجيا بلسان واحد نيابة عن كل البشرية في وحدانية بالمسيح. وهذا ما يصلي به الأب الكاهن في الليتورجيا القبطية كتعبير عن وحدة البشرية في شخص واحد هو آدم قديمًا، ثم في آدم الجديد الرب يسوع المسيح:
"يا الله العظيم الأبدي الذي جَبَلَ الإنسان على غير فساد".[73]
"الذي جَبَلَنَا وَخَلَقَنَا وَوَضَعَنَا في فردوس النعيم".[74]
"خلقتني إنسانًا كَمُحِب للبشر... من أجل تعطفاتك الجزيلة كَوَّنتني إذ لم أكن، أقمت السماء لي سقفًا، وَثَبَّت لي الأرض لأمشي عليها... وفتحت لي الفردوس لِأَتَنَعَّم وأعطيتني عِلْم معرفتك. أظهرت لي شجرة الحياة وعرفتني شوكة الموت. غرسٌ واحدٌ نهيتني أن آكُل منهُ، هذا الذي قلت: لا تأكل منه وحده. فأكلت بإرادتي، وتركت عني ناموسك برأيي، وتكاسلت عن وصاياك، أنا اختطفت لي قضية الموت".[75]
"أنت يا سيدي حَوَّلتَ لِيَ العقوبة خلاصًا، كراعٍ صالحٍ سعيت في طلب الضال، كأبٍ حقيقيٍ تعبت معي أنا الذي سقطت... أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك، كنورٍ حقيقيٍّ أشرقت للضالين وغير العارفين".[76]
"أنت الكائِن في كل زمان، أتيت إلينا على الأرض، أتيت إلى بطن العذراء، أيها الغير المحوى، إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون ناموسك عني، وأريتني القيام من سقطتي. أعطيت إطلاقًا لِمَنْ قُبِضَ عليهم في الجحيم، أزلت لعنة الناموس، أبطلت الخطيئة بالجسد...". مساويًا لله، لكن وضعت ذاتك وأخذت شكل العبد، وَبَارَكْتَ طبيعتي فيك وأكملت [77]
"أتيت إلى الذَّبح مثل حَمَلٍ حتى إلى الصليب. أظهرت عِظَم اهتمامك بي، قتلت خطيئتي بقبرك. أصعدت باكورتي إلى السماء".[78]
"يا الله الذي من أجل محبتك للبشر، التي لا يُنْطَق بها، أرسلت ابنك الوحيد إلى العالم لِيَرُد إليه الخروف الضال".[79]
هنا تفسير رائع لِمَثَل الخروف الضال؛ فالكنيسة فهمت أن الخروف الضال هو البشرية كلها التي ضَلَّت في آدم، والتسعة والتسعين التي لم تَضِل هم الملائكة والطغمات السمائية.
وفي الأرباع الخشوعية يقول الأب الكاهن، وهي نفس كلمات لحن Ⲫⲁⲓ ⲉⲧⲁϥⲉⲛϥ.
"فتح باب الفردوس، ورد آدم إلى رئاسته مره أخرى. من قِبَل صليبه وقيامته المقدسة رَدَّ الإنسان مره أخرى إلى الفردوس".[80]
لكن إذ رأي (الشيطان) مجدنا، ذاك الذي حسد جنسنا منذ البدء، لم يستطع أن يتحمَّل المجد الذي كنّا فيه، بل أراد أن يجذبنا إليه إلى المذلة، وأراد أن يحرمنا من التمتع بشجر الفردوس، بَيد أنه لم يقدر أن يدخل بسبب الملائكة المحيطين بالفردوس، فوجد هذه الفرصة التي لا يقدر أحد أن يلحظها، ولا يمكن لأحد أن يعرفها".[81]
هذا المفهوم العقيدي الرائع، مبني على إيماننا بوحدانية الله مع تَعَدُّد الأقانيم، وعلى حقيقة أن الإنسان مخلوق على صورة الله؛ فبالتالي لا بُد أن يكون البشر بالرغم من تعددهم، يكونون واحدًا؛ ليحققوا صورة ومثال وشبه الله. هذا المفهوم يشرح لنا كيف كُنَّا في آدم حينما أخطأ، فأصابتنا خطيته ونتائجها أي الموت والفساد. وكيف نَتَجَمَّع في المسيح لِنَنَال فيه وبه البر والقيامة والحياة الأبدية وعدم الفساد. فكما كنا في آدم عندما خُلِقَ، فَخُلِقْنَا فيه؛ كذلك كنا فيه حينما أخطأ ومات وفسد؛ فأخطأنا فيه ومتنا وفسدنا.
_____
[48] القديس أثناسيوس الرسولي - ضد الآريوسيين المقالة الثانية، الطبعة الأولى 2015. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. فصل19، فقرة 48. ص230.
[49] الجدير بالملاحظة أن القديس أثناسيوس بدلًا من تعبير "آدم" يستخدم تعبير البشر، وهو تعبير يدل ليس على إنسان بمفرده بل على كل البشر، تأكيدًا منه على وحدة الجنس البشري. (ملاحظة للدكتور جوزيف موريس فلتس في تعريبه لكتاب تجسد الكلمة).
[50] القديس أثناسيوس الرسولي. "تجسد الكلمة" (4/ 4). مرجع سابق.
[51] القديس أثناسيوس الرسولي. "تجسد الكلمة" (6/ 1). مرجع سابق.
(51ب) القديس غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان، ترجمة د.سعيد حكيم، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الأولى، سنة 2022، الفصل السادس عشر، ص 151، 152، 153.
[52] القديس مقاريوس الكبير، عظات القديس مقاريوس الكبير، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، طبعة ثالثة مُنقحة سبتمبر 2000، ص 103 و104.
[53] Harrison, N. V., Sr. (2005). Preface. In J. Behr & A. Casiday (Eds.), & N. V. Harrison (Trans.), On the Human Condition (p. 54). St Vladimir’s Seminary Press. second homily. On the Origin of Humanity, Discourse 2: On the human being.
[54] القديس باسيليوس الكبير، الخطاب المقالة الثانية، عن الإنسان.
[55] Harrison, N. V., Sr. (2005). Preface. In J. Behr & A. Casiday (Eds.), & N. V. Harrison (Trans.), On the Human Condition (p. 77). St Vladimir’s Seminary Press. Homily Explaining that God Is Not the Cause of Evil.
[56] القديس باسيليوس الكبير، عظة الله ليس سبب الشر.
[57] Harrison, N. V., Sr. (2005). Preface. In J. Behr & A. Casiday (Eds.), & N. V. Harrison (Trans.), On the Human Condition (p. 76). St Vladimir’s Seminary Press. Homily Explaining that God Is Not the Cause of Evil.
[58] [58] القديس باسيليوس الكبير، عظة الله ليس سبب الشر.
[59] Harrison, N. V., Sr. (2005). Preface. In J. Behr & A. Casiday (Eds.), & N. V. Harrison (Trans.), On the Human Condition (p. 78). St Vladimir’s Seminary Press. Homily Explaining that God Is Not the Cause of Evil.
[60] القديس باسيليوس الكبير، عظة الله ليس سبب الشر.
[61] Harrison, N. V., Sr. (2005). Preface. In J. Behr & A. Casiday (Eds.), & N. V. Harrison (Trans.), On the Human Condition (p. 80). St Vladimir’s Seminary Press. Homily Explaining that God Is Not the Cause of Evil[61].
[62] القديس باسيليوس الكبير، عظة الله ليس سبب الشر.
[63] Cyril of Alexandria. (2022). Commentaries on Romans, 1-2 Corinthians, and Hebrews (J. C. Elowsky, G. L. Bray, M. Glerup, & T. C. Oden, Eds.; D. R. Maxwell, Trans.; p. 6). IVP Academic: An Imprint of InterVarsity Press. Romans 5:15.
[64] القديس كيرلس الكبير، شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية، شرح (رو5: 15).
[65] Cyril of Alexandria. (2022). Commentaries on Romans, 1-2 Corinthians, and Hebrews (J. C. Elowsky, G. L. Bray, M. Glerup, & T. C. Oden, Eds.; D. R. Maxwell, Trans.; p. 77). IVP Academic: An Imprint of InterVarsity Press. 1 Corinthians 15:35-38.
[66] القديس كيرلس الكبير، شرح الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، شر (1كو 15: 35-38).
104 (Gen 1:28).
[67] Cyril of Alexandria. (2022). Commentaries on Romans, 1-2 Corinthians, and Hebrews (J. C. Elowsky, G. L. Bray, M. Glerup, & T. C. Oden, Eds.; D. R. Maxwell, Trans.; p. 115). IVP Academic: An Imprint of InterVarsity Press. Hebrews 2:8.
[68] القديس كيرلس الكبير، شرح الرسالة إلى العبرانيين، شرح (عب 2: 8).
[69] Cyril of Alexandria. (2022). Commentaries on Romans, 1-2 Corinthians, and Hebrews (J. C. Elowsky, G. L. Bray, M. Glerup, & T. C. Oden, Eds.; D. R. Maxwell, Trans.; p. 118). IVP Academic: An Imprint of InterVarsity Press. Hebrews 2:9.
[70] القديس كيرلس الكبير، شرح الرسالة إلى العبرانيين، شرح (عب 2: 9).
[71] القديس أثناسيوس الرسولي، تفسير سفر المزامير، الجزء الثالث، ترجمة د.جورج ميشيل أندراوس، مراجعة د.جورج عوض إبراهيم، الطبعة الأولى 2021، الناشر مؤسسة القديس أنطونيوس-المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، تفسير المزمور 68، فقرة 18، ص160.
[72] في موضوع عخان بن كرمي، مع أنه بخطيته كدر بني إسرائيل، ولكن لم يهلك كل بني إسرائيل بسبب خطيته. بل هلك هو وأسرته معه. ولذلك كانت تقدم ذبائح عن خطايا جماعية؛ فبالتأكيد توجد هناك خطايا جماعية؛ فقد ينتشر التهاون بين المؤمنين مثلًا، وربما أراد الله بسماحه بتكدير بني إسرائيل بسبب خطية عخان، أن يوقظهم ويعطيهم فرصة للتكفير الجماعي، ولكن لم يهلكهم جميعًا. وأردت هنا أن أورد القصة كدليل على تأثير خطية شخص واحد على جماعة كبيرة..
[80] رفع بخور- سر اعتراف الشعب، وَتُقال نفس الكلمات بلحن خاص في الخميس الكبير والجمعة العظيمة وعيديّ الصليب.
[81] أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار، خولاجي الدير الأبيض ترجمة عن القبطية ودراسة، مدرسة الإسكندرية، الطبعة الأولى 2014، ص 106.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/economy-of-salvation/unity-of-the-human-race.html
تقصير الرابط:
tak.la/g8jwa4m