أريد أن أكلمكم في هذه الليلة عن الأمانة.
عندما نتكلم عن معنى الأمانة نجد أنها تشمل أشياء كثيرة جدًا جدًا لا نحصيها. والله اهتم بموضوع الأمانة فقال: "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 10). وعندما تكلم الله عن الخدام الصالحين والرعاة الصالحين، تساءل يا ترى من تظنون هو الوكيل الأمين الحكيم، الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه؟ وقال أيضًا "كن أمينًا في القليل فسأقيمك على الكثير، أدخل إلى فرح سيدك": ونص الآية هو: "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (إنجيل متى 25: 21، 23) أي يوم الدينونة سيقول هذا.
هو الذي يكون دقيقًا جدًا في عمله لا يهمل ولا يتغير، ويكون مخلصًا.
هو الذي يفهم ويذاكر جيدًا ويحفظ ويراجع مرة ومرتين.
هو الذي لا يغش في بضاعته، سواء في نوع البضاعة أو في الميزان أو في الكيل أو في المقياس. وفي التجارة عمومًا الأمانة هي عدم الغش. والأمانة في المال معروفة.
أن كل طرف من الزوجين يكون أمين بحيث لا يخون الطرف الآخر.
عندنا مثل رائع لها هو داود النبي الذي كان مثالًا للأمانة في الرعي، حيث هجم أسد ودب على أحد أغنامه. فهجم داود على الأسد والدب ودافع حتى أخذ هذه الغنماية من فمهم وضربهم. كان من الممكن أن يخاف ويجري، لكن هذا لم يحدث.
أي لا تخون الله بفتح أبواب قلبك لأعدائه الشياطين. لا تفتح باب قلبك لخطية، ولا لشهوة خاطئة، ولا لأي خطأ.
أمانتك لله أنك لا تتساهل في تنفيذ وصاياه ولا تهمل.
وأمانتك لله في العشور والبكور والنذور.
وأمانتك لله في تعهداتك لله، فلا تتعهد لله بأن لا تفعل الخطأ وتكثر من وعودك لله دون تنفيذ.
أمانتك لله من جهة يوم الرب، هل تحفظه لله أم لا، هذه من ضمن وصاياه الهامة.
أمانتك لله أنك لا تكون كثير الأعذار والتبريرات في كل خطأ تفعله.
أمانتك للناس تبدأ أولًا بأمانتك نحو بيتك، تهتم ببيتك وروحياته وأن يكون بيت مقدس أنت وزوجتك وأولادك، كلهم يكونون مقدسين لأن الله يقول: "وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ" (سفر التثنية 6: 6، 7).
يظن الكثير من الناس أن أمانتهم نحو بيتهم تقتصر على الأكل والشرب والملبس. ويشكرون الله على ذلك. ويقول الشخص: أمانتي نحو أولادي أني ربيتهم وتخرجوا من المدارس.
ولكن ماذا عن أرواحهم وصلتهم بالله؟ هل أنت أمين على هذا أيضًا؟ إن كنت أمينًا على بيتك، قد يقيمك الله أيضًا أمينًا على بيته أو على نفوس الناس. ولكن إن لم تكن أمينًا في بيتك؟ فكيف يقيمك الله على بيته؟
أحيانًا في رسامتنا للكهنة الجدد نهتم: في أي كنيسة يخدم؟ متعلم أم لا؟ لكن لا يحدث أننا نفكر هل هو أمين في بيته أم لا؟ هذه مشكلة. قد يكون شخص قديس في الكنيسة، أو يبدو هكذا، ويخدم ونشيط، ولكن الذين معه في البيت يعانون منه جدًا، ومن سوء معاملته. فهو أمام الكنيسة بوجه وفي منزله بوجه آخر.
فالمفروض أول شيء في التعامل مع الناس، أن تكون أمين على بيتك وأولادك وأرواحهم.
هناك شيء آخر يدخل في أمانتك لله وأمانتك للناس. هل كل بيت تدخله تقول كلمة عن الله، أم الله مغيب في لقاءاتك وزياراتك، هذه ليست أمانة منك. هل كل شخص تقابله تعطيه فكرة روحية يسير بها، أم الله ليس له دخل في علاقاتك.
وطبعًا الأمانة نحو الناس تدخل فيها أيضًا الخدمة. فالخدمة تكون للناس. والعجيب أن كل مسئول عن الخدمة نسميه أمين الخدمة. سواء كان أمين عام للخدمة أو أمين فرع من الفروع، أو أمين أسرة من الأسرات الكل نسميهم "أمين"، لماذا ندعوهم "أمين"؟ لأننا نستأمنه على هؤلاء الناس. فيكون أمين ومستأمن منا.
بولس الرسول قال: "إذ استئمِنتُ على الوكالة. أي أن الله استأمنه وجعله أمينًا على هذه الوكالة. فالإنسان المفروض يكون أمين في الخدمة. أمين في الخدمة بالعمق وليس بالشكليات الخارجية.
هناك بعض الأشخاص تجدهم يتدفقون حيوية ونشاط وهم كما يقال في الشعر: "مكر، مفر، مقبل، مدبر، معًا"، مثل شخص لا يهدأ أبدًا، ولكنه يكون للأسف من الداخل وفي عمق الخدمة لا شيء. هذا بالطبع لا ينفع.
كما أنك يجب أن تكون أمينًا نحو الله ونحو الناس، يجب أن تكون أمينًا نحو نفسك.
ماذا يعني أن تكون أمين نحو نفسك؟
الله أعطاك نفس، وأوصاك أن تكون أمينًا عليها. أول شيء في أمانتك نحو نفسك، أن تفكر في أبديتك. وتسأل نفسك، هل الطريق الذي أسير فيه سيوصلني للأبدية أم لا؟
يجب أن تهتم بنقاوتك، ويجب أن تهتم بروحياتك، وليس هذا فقط، بل الأمانة تقتضي بأن تهتم بنموك أيضًا. هناك إنسان يسير خطوتين أو ثلاثة في طريق الروحيات ثم يقف ولا يسير بعد ذلك. لا ينمو أبدًا.
الإنسان الأمين لنفسه أمين لروحياته، ليس فقط ليضمن مكان في الأبدية، بل يهتم بنوع المكان الذي سيذهب إليه في الأبدية. فهناك مراكز في الأبدية.
في أحد المرات أرسل راهب إلى شيخ كبير في الرهبنة وكان مريض، وقال له أريد أن أراك يا أبي، لأني في هذا العالم ممكن أن أراك، ولكني أخشى عندما نذهب للأبدية تكون في مركز عالي لا أستطيع الوصول إليه، ولا أستطيع الاقتراب منك. هنا على الأرض من السهل أن أتقابل معك.
ماذا سيكون مركزك في الأبدية؟ يجب أن تفكر في هذا الأمر.
المفروض أنك لكي تكون أمينًا نحو نفسك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. تنتبه إلى قول الرسول في الرسالة إلى العبرانيين "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مقاومين ضد الخطية": ونص الآية هو: "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 4) أي يجاهد ضد الخطية ولو أدى الأمر أن يسفك دمه في هذا المجال.
وهذا ما تعلمناه في الجيش أن الضابط الأمين في الخدمة يحارب ويقاوم إلى آخر طلقة وآخر رجل. فلو متبقي معه ولو طلقة واحدة يستمر في الكفاح، ولو كان معه جندي واحد يظل يحارب به. إلى آخر طلقة وآخر رجل.
لكي تكون أمينًا على نفسك لا تجعل في سفينة حياتك ثقوبًا يدخل الماء إليها. السفينة تلطمها المياه من الخارج ولكن إذا دخلت المياه داخلها تغرقها. فلا تجعل هناك ثقوب في سفينة حياتك، ليدخل الماء إليها، كن صامد وراسخ وقوي ولا تعتذر بقولك هذا حدث خارج عن إرادتي. هذا الكلام لا يعفيك. ولا ينقذك. لابد أن تكون لديك أمانة في القلب والفكر والحواس.
والمركز أمام الله في الأبدية ليس حسب وظيفة الإنسان على الأرض: (شماس، قس، أسقف، بطريرك) لا. إنما حسب نوعية حياته.
وسأقول لكم أمثلة على ذلك:
"الشماس إسطفانوس" لم يكن قس، أو أسقف أو رسول، لكن مع ذلك كان رجلًا كبيرًا وعظيمًا في الكنيسة ونذكر أسمه قبل الكثير من البطاركة. "إسطفانوس" كان دوره في الكنيسة شماس. لكن عند الله كان رجلًا عظيمًا جدًا. وكان يقود جماهير إلى الإيمان وهو شماس. وكان يجادل فلاسفة ولا يستطيعون أن يقاوموا القوة ولا الروح التي يتكلم بها.
أيضًا الشماس "أثناسيوس" في مجمع نيقية المسكوني، هذا الشماس كان يتعلق به المجمع كله، الذي فيه 318 من الآباء والأساقفة، كان يرد على آريوس من كل ناحية. كان هو القائد اللاهوتي للمجمع المسكوني وهو شماس.
عندنا أيضًا "الأنبا رويس" لم يكن شماس أو قس أو أسقف أو حتى أغنسطس. لكن كان "الأنبا رويس" بشخصيته القوية.
لذلك نلاحظ أيضًا في التمثيل أن بطل الرواية من الممكن أن لا يكون ملك أو رئيس أو مدير. ربما يكون الخادم، ويكون هو بطل الرواية لأنه يتقن دوره إتقانًا قويًا يُعجَب به الناس. وقد يكون معه في الرواية مدير كبير أو رئيس كبير ولكنه بالنسبة له في الأداء يكون مثل "الكومبارس".
كان هو كل شيء.
ننتقل لنقطة أخرى وهي عبارة "الأمانة في القليل". السيد المسيح يقول: "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (إنجيل متى 25: 21، 23).
لذلك أقول لكم أن الفضائل عبارة عن سلم عالي، وكل الذي يجب أن تعمله أن تخطو الخطوة الأولى. إن كنت أمين في الخطوة الأولى، يقيمك الله على الخطوة الثانية. ثم الثالثة... إلخ. إلى أن تصل إلى القمة.
ونص الآية هو: "طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا، السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ" (سفر المزامير 119: 1). أي المهم أن يكونوا سائرين في الطريق. ليس من المهم أن يكونوا قد وصلوا فعلًا للغاية، ولكن المهم أن يكونوا سائرين في الطريق السليم. والله قادر أن يوصلهم.
كن أمينًا في حدود إمكانياتك يقيمك الله على إمكانيات أكثر ويعطيك عطايا أكثر حتى تستطيع أن تعمل بها.
كن أمينًا في فضائل الجسد، يقيمك الله على فضائل الروح.
إن كنت تسلك بدقة في خشوع الجسد، يعطيك الرب خشوع الروح. فعندما نسجد أمام الهيكل نكون في خشوع الجسد وهذا يعطينا هيبة لهذا الهيكل فيدخل الخشوع إلى روحنا.
إن كنت أمين في حفظ ثمار الروح "المحبة والفرح والسلام وطول الأناة إلى آخره"، يعطيك الله مواهب الروح.
القديس الأنبا إبرام أسقف الفيوم كان أمين في عمل الرحمة "يعطي كل ما عنده"، فعندما وجده الله هكذا أمينًا على القليل أقامه على معجزات الشفاء لكي يقوم بها.
كما في الرهبنة إن كان الإنسان أمينًا في فترة المجمع وهو يعيش في وسط الرهبان، يقيمه الله على الوحدة وعلى حياة السكون والهدوء.
آدم لو كان أمينًا في الامتناع عن شجرة معرفة الخير والشر، لأقامه الله على شجرة الحياة.
اللص اليمين كان أمينًا في فترة 5 ساعات على الصليب (صلب في الساعة السادسة وانتقل في السنة الحادية عشر). فأمانته في تلك الساعات أوصلته إلى الفردوس.
إذا كنت أمين على العشور وتدفع باستمرار الله سيوصلك دون أن تدري إلى درجة من سألك فأعطه. وإذا كنت أمين في عبارة "مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ" (إنجيل متى 5: 42) ينقلك الرب إلى درجة أعلى وهي "أن تعطي من أعوازك".
لو كنت أمين في العطاء من الأعواز، يعطيك درجة أن تعطي كل مالك.
درجة تقود إلى درجة. إن كنت أمينًا في الفكر الواعي، يقيمك الله على العقل الباطن.
إن كنت أمينًا في سلوكك بالنهار، يقيمك الله على طهارة أحلام الليل. "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ" (إنجيل متى 25: 21، 23).
سبق أن كتبت في هذا المجال. إن كنت أمينًا في قبول ليئة يقيمك الله على راحيل.
إن كنت أمين في بيت فوطيفار يقيمك الله على قصر فرعون وعلى كل مصر. كما حدث ليوسف الصديق، الذي كان أمينًا في بيت فوطيفار، في هذا القليل، فأقامه الرب على مصر كلها. درجة توصل إلى درجة.
الأمانة في القليل تؤدي إلى الأمانة في الكثير.
إن كنت أمينًا فيما يرى يقيمك الله على ما لم تره عين.
إن كنت أمينًا في العالم الحاضر، يقيمك الله على العالم الآتي.
إن كنت أمين في هذا الجسد المادي، يقيمك على الجسد الروحي أيضًا. كلما تكون أمينًا في الخطوة الأولى يقودك في باقي الخطوات.
إن كنت أمينًا في عشرتك مع الناس الحاضرين يقيمك الله على عشرة الملائكة في السماء.
إن كنت أمينًا مع نفسك التي تعرف كل أسرارها والتي تطيعك، يستأمنك الله على أنفس الناس الآخرين، لأن الذي ليس أمين على نفسه كيف يقيمه الله على أنفس أخرى؟
داود لما كان أمينًا في رعي الغنم، أقامه الله على رعاية الشعب كله.
إن كنت أمينًا في مرحلة التغصب ومخافة الله، يقيمك الله على الفضيلة التي تصنعها بكامل إرادتك ويقيمك على محبة الله.
إن كنت أمينًا في الحواس، يقيمك على نقاوة الفكر. وإن كنت أمينًا على نقاوة الفكر يقيمك على نقاوة النية ونقاوة القلب.
وإن كنت أمين في هذا يقيمك على نقاوة العمل أيضًا.
إن كنت أمينًا في هذا العمر المحدود، يقيمك الله على غير المحدود في الأبدية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/vgwyp5x