ننتقل إلى نقطة أخرى وهي العشور...
والعشور هي أيضًا أقدم من الشريعة المكتوبة. نسمع عن أبينا يعقوب لما رأى سلمًا بين السماء والأرض، أنه قال لله "إن كان الله معي وحفظني... ورجعت بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا... وكل ما تعطيني فإني أُعَشِّرهُ لك" (تك 28: 20-22).
ولعل يعقوب قد أخذ فكرة العشور عن جده أبينا إبراهيم، الذي قدم العشور إلى ملكي صادق كاهن الله العلي "فأعطاه عشرًا من كل شيء" (تك 14: 20).
ثم أمر الله بالعشور في الشريعة أيام موسى النبي.
فقال "تعشيرًا تُعَشِّر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة" (تث 14: 22). "وكل عشر الأرض من كل حبوب الأرض وأثمار الشجر، فهو للرب، قدس للرب..." (لا 27: 30). "عشر حنطتك وخمرك وزيتك" (تث 12: 17) (تث 14: 23) "وأما كل عشر البقر والغنم، فكل ما يعبر تحت العصا، يكون العاشر قدسًا للرب" (لا 27: 32). وبالإجمال لخص زكا العشار كل في عبارة واحدة قال فيها "وَأُعَشِّر جميع أموالي" (لو 18: 12) أو هي عبارة أبينا يعقوب أبي الآباء "وكل ما تعطيني أُعَشِّرهُ لك" (تك 28: 22).
حتى الكاهن الذي كان يأخذ العشور من الشعب، كان يقدم عشرها للرب، رفيعة للرب. وكانت أعشار هذه تُسَمَّى "الرفائع" (عد 18: 26، 28).
والذي لا يدفع العشور، يُعْتَبَر أنه سَلَبَ الرب.
ورد هذا صراحة في سفر ملاخي النبي، حيث قال الرب "أيسلب الإنسان؟! فإنكم سلبتموني. فقلتم بما سلبناك؟ في العشور والتقدمة... هاتوا جميع العشور إلى الخزنة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)... وجربوني قال رب الجنود: إن كنت لا أفتح لكم كوَى السماء، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع..." (ملا 3: 8-10)
المال الذي لا تدفعه في العشور، هو مال ظلم.
لأنك سلبت فيه الرب، وظلمت الكنيسة كما ظلمت الفقراء أصحابه... لذلك قال السيد الرب "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم" (لو 16: 9). هؤلاء الأصدقاء هم الفقراء الذين يصلون من أجلكم "حتى يقبلوكم في المظال الأبدية".
حتى إن كنت محتاجًا، ادفع العشور متمثلًا بتلك المرأة التي دفعت من أعوازها (لو 21: 4). ولعل البعض يسأل هنا:
نعم، أعطهم إن كانوا محتاجين. فإن الرسول يقول "إن كان أحد لا يعتني بخاصته ولاسيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان وصار شرًا من غير المؤمن" (1تي 5: 8)... إذن أعطهم، ولكن لا تعطهم وحدهم. لئلا يظن أن مجرد الواجب، أو رابطة الدم، هي التي دفعتك للعطاء. فإن أعطيتهم الكل، تكون قد بخست حق باقي الفقراء المستحقين معهم أو الذين قد يكونون استحقاقًا للعطاء منهم...
كل مال يَصِل إليك، افرز عُشْرهُ للرب...
سواء كان مرتبك الثابت، أو موارد أخرى إضافية، أو منحًا أو موارد طارئة. سواء كان مالًا أو أشياء عينية تعرف قيمتها ويدفع عشرها... الكل تخصم عشره، وتفرزه في صندوق خاص بالرب. ولا تقع في الخطأ الذي يقع فيه كثيرون: إذ ينفقون من إيراداتهم أولًا، ثم يفحصون هل تبقى لله شيء لم يتبق!! جاعلين استحقاقات الرب في آخر القائمة، أو قد ينسونها! أو يعتبرون مصروفاتهم الأخرى تحت قائمة الضروريات. أما نصيب الرب، فمن الكماليات أو من الفائض! أما أنت فاخصمه من إيرادك مباشرة، كما تخصم منك أمور رسمية معينة...
واعلم أن العشور هي الحد الأدنى في العطاء.
إنها تدخل في العطاء اليهودي وليس المسيحي. أما في المسيحية، فيقول الكتاب "من سألك فأعطه" (مت 5: 42). ويقول أيضًا "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض... بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت 6: 19، 20). إذن لا يصح أن تكتفي بدفع العشور، ولا تعطي مَن يحتاج بينما عندك ما تكنزه.
ولا تَقُل عند دفع العشور إن الله قد استوفَى حقه!! أو استوفى كل حقه عليك!!
ويستريح ضميرك عند هذا الحد، وتغلق قلبك أمام طلبات المحتاجين! فإن الكتاب يقول "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فهو أيضًا يصرخ ولا يستجاب" (أم 21: 13)... لتكن المحبة ثابتة في قلبك، ولا تتعامل مع الله ومع الكنيسة ومع الفقراء بعلم الحساب دون القلب!! وكلما عرضت أمامك مناسبة لعمل الرحمة، لا تغلق أمامها قلبك بحجة أنك قد دفعت العشور...
في عطائك ارتفع فوق مستوى العشور...
فقد قال السيد المسيح له المجد "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 5: 20). والكتبة والفريسيون كانوا بلا شك يدفعون العشور. إذن لابد أن تدفع أكثر. لا تكن ناموسيًا تكتفي بحرفية الناموس. إنما في عطائك تعامل بقلبك وبحبك. ولا تحب مالك أكثر مما تحب الفقراء. واذكر قول الرب "إن أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء" (مت 19: 21). وإن سمعت هذه العبارة، فلا تمضى حزينًا مثل الشاب الغني الذي كان أول من سمعها...
على أن العشور ليست هي كل شركة الرب في مالك.
هناك أيضًا وصية البكور:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/28v4g9h