وتشمل أمورًا عديدة منها: أمانتك لأبديتك، والاهتمام بروحك، وبنموك الروحي، وأمانتك في مقاومة الخطية، وأمانتك من جهة وقتك، ومن جهة عقلك...
الأمين لأبديته يبذل كل جهده لكي يؤهل لها.
هذا ينظر إلى نفسه كغريب على الأرض، لا يشتهي شيئًا مما فيها، وكل رغباته مركزة في الحياة الأبدية، كما قال الكتاب "غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرَى بل إلى التي لا تُرَى. لأن التي تُرَى وقتيه. أما التي لا تُرَى فأبدية" (2كو4: 18).
وهو في ذلك يهتم بروحه بكل الاهتمام أكثر مما يهتم بجسده.
وهذا عكس ما نراه في دنيانا. لأن كثيرين يهتمون بأجسادهم في أكلها وفي لبسها وفي صحتها وفي علاجها وتقويتها وأيضًا في رياضتها... بينما أرواحهم لا يهتمون بها على الإطلاق، كما لو كانت أبديتهم لا تشغل بالهم أبدًا...
الأمناء لأبديتهم يهتمون بغذاء أرواحهم.
يقدمون للروح كل ما تحتاجه من كلمة الله، ومن الصلوات والتراتيل والتأملات، ومن الاجتماعات الروحية والصدقات الروحية. وما يغذيها من سر الأفخارستيا، بكل استعداداته، وما يغذيها أيضًا من محبة الله ومن ثمار الروح، ومن التداريب الروحية النافعة... فهل أنت كذلك.
والأمناء لأبديتهم يهتمون بعلاج أرواحهم.
إن وجدوا أي مرض روحي يزحف إليهم، يلجأ ون إلى طبيب أرواحنا وأجسادنا، إلهنا الذي قوة بروحه القدوس. كما يلجأ ون إلى الآباء والمرشدين الروحيين يطلبون علاجًا لأنفسهم علاجًا من كل شهوة خاطئة ومن كل فكر شرير...
والأمناء لأرواحهم دائمًا بنموهم الروحي.
فهم لا يكتفون أبدًا بأي مستوى يصلون إليه، ذلك لأن الله يطلب منهم القداسة والكمال. فيقول " كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى5: 48) ويقول الكتاب أيضًا "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بط 1: 15).
لذلك فالأمناء لأرواحهم يعيشون جياعًا وعطاشًا إلى البر.
وذلك لينالوا الطوبى التي وعد بها الرب (متى5: 6). عطشهم إلى الرب لا ينتهي، مهما ارتووا منه يطلبون المزيد، قائلين مع داود رجل المزامير والصلوات "عطشت نفسي إليك"، "كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه، كذلك اشتاقت نفسي إليك يا الله" (مز63). ومهما ارتفعوا في الفضيلة، يشعرون أنهم في حاجة إلى مزيد، كما حدث للقديس بولس الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو12: 2، 4). وع ذلك كان يقول "لست أحسب نفسي" لست أحسبت نفسي أني قد أدركت... ولكني أسعي لعلي أدرك... أنسي ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام. اسعي نحو الغرض..." (في 3: 12-14).
وهكذا فالأمين لروحياته يعيش في نمو دائم.
كالشجرة التي هي كل يوم في نمو، سواء شعرت أنت بذلك أم لم تشعر... وقد قال المزمور في ذلك "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مز92: 12).
إنه ينمو في صلواته طولًا وعمقًا، وينمو في إيمانه وفي اتضاعه وفي محبته، كما ينمو قي بذله وعطائه، ولا يقف عند حد. ويوبخ ذاته كلما توقف نموه.
وفي نموه لا يبحث عن أبديته فقط، أنما أيضًا عن مركزه فيها.
وما دام كل إنسان سيأخذ أجرته بحسب تعبه (1كو3: 8)، فهو يتعب بكل جهده، لينال أجره أكثر. وما دام "نجم يفوق نجمًا في المجد" (1كو15: 41). فهو أيضًا يعمل لكي يستحق تلك الأمجاد الأبدية ويتفانى في محبة الله، وينمو فيها باستمرار، حتى يمكنه أن يتمتع بذلك في الأبدية، شاعرًا أن نموه في محبة الله، ليس يساعده فقط على أبدية أسعد، إنما أيضًا يحرسه هنا من السقوط. والأمانة تدعوه أن ينمو...
فهل أنت ذلك، وهل في كل يوم تنمو...؟
أم تراك ما زلت حيث أنت وقد توقف نموك. أم أنت ترجع إلى خلف، وقد بردت محبتك الأولى. أم أنت لا تزال محتاجًا إلى توبة لكي تقوم...؟ اسأل نفسك. فإن كنت كذلك فإن الأمانة تقتضي منك الجهاد بكل قوتك في مقاومة الخطية.
احترس من أن تخجل أحد أبواب نفسك مفتوحًا للخطية.
بكل أمانة سد جميع الأبواب التي يدخل منها الشيطان إلى نفسك. كن أمينًا في ضبط فكرك وفي ضبط حواسك. لأن الحواس أبواب للفكر. كما أن الفكر باب تدخل منه الشهوة إلى القلب. أما أنت فرتل مع داود النبي قائلًا "سبحي الرب يا أورشليم. سبحي إلهك يا صهيون. لأن الرب قوي مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك" (مز147). حقًا كما قيل في النشيد:
"أختي العروس جنة مغلقة... ينبوع مختوم" (نش4: 11).
إنها جنة حافلة بثمار الروح، ولكنها مغلقة أمام عدو الخير وكل أفكاره وكل حيلة، لا يستطيع أن يدخل إليها، لأن الرب في داخلها. إنها هيكل لروحه القدوس (1كو3: 16). لذلك هي محصنة تمامًا ضد هجمات العدو.
هذه النفس الأمينة تشبه سفينة بلا ثقوب.
لا يوجد فيها ثقب واحد يدخل منه الماء.
الماء يحيط بها من كل جانب، ولكنه في الخارج، لا يجد منفذًا أمامه ينفذ منه إلى
داخلها. هكذا الإنسان الأمين. وإن رأى
الشيطان يحاول أن يثقب ثقبًا في نفسه، يُسَارِع
بعلاجه بلا إبطاء. وتبقى نفسه سليمة، يحاربها
الشيطان من الخارج، دون أن يدخلها
والإنسان الأمين لروحياته لا يبرر نفسه إن سقطت.
ولا يتعذر بضعفه، ولا بشدة الحروب التي تصادفه، بل هو يقاوم حتى الموت. إن يوسف الصديق رفض الخطية، ولم يعتذر بالظروف الضاغطة عليه. ودانيال النبي والثلاثة فتية تمسكوا بالرب ولم يعتذروا بأنهم أسرى في السبي، وبأن التهديدات شديدة ومرعبة: جب الأسود وأتون النار... بل صمدوا. وكذلك كان الشهداء أمام كل ألوان التعذيب والتخويف...
فالإنسان الأمين إنسان صامد، يحارب حروب الرب ببسالة.
لا يقول "حدث هذا الأمر غضبًا عني، أو فوق إرادتي". كلا بل إنه يقف أصعب الحروب الروحية، كما وقف داود الصبي أمام جليات الجبار، بكل إيمان وبدون خوف، واثقًا أن الله سينصره.
والإنسان الأمين في حروبه يذكر ما يقال عن ضابط الجيش الباسل:
إنه يقاوم إلى آخر طلقة وأخر رجل.
أي بكل ما عنده من جهد، وبكل ما أوتي من
نعمة ومن معونة، ولا يستسلم مطلقًا للعدو، ولا يخون الرب، ولا يعتمد على أعذار
يقدمها.
وقصص الكتاب وقصص التاريخ حافلة بأمثلة الأقوياء الأمناء الذين ثبتوا في محبة الرب مهما كانت الظروف المحيطة بهم.
إذا وُجِدَت أمانة القلب، توجد أمانة الإرادة.
فالذي يريد، يستطيع. وإن أعوزته القوة، يطلبها من فوق فتأتيه. ولذلك مع حديث القديس بطرس الرسول عن قوة الشيطان، وكيف أنه مثل أسد يزأر ويجول ملتمسًا من يبتلعه هو، نراه يقول بعد ذلك:
"فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط1: 8، 9).
نعم، إن المقاومة هي دليل الأمانة، على أن تكون مقاومة جادة، من عمق القلب، وبكل الإرادة. وماذا تكون نتيجة المقاومة؟ يقول القديس يعقوب الرسول:
"قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7).
المهم إذن في القلب النقي الأمين الذي يريد أن يقاوم، ويدفع الإرادة لكي تقاوم. ولهذا كان الرب يسأل عن حالة القلب أولًا، وقبل أن يشفي مريض بيت حسدَا، يسأله أولًا "أتريد أن تبرأ" (يو5: 6).
إن الشيطان من عادته أن يجس نبضك أولًا.
يختبرك هل تتساهل معه ولو في أمر بسيط جدًا. فإن فعلت، يَتَجَرَّأ إلى ما هو أكثر. إن فتحت أمامه ولو فتحة كثقب إبرة، يهجم عليك بقوة أكثر، لأنه يدرك بذلك أن أمانتك ليست كاملة أمام الله، وأن تساهلك في القليل يشجعه على أن يجد فيك موضعًا، أو نقطة ضعف يستغلها!
إن تساهلت في الحواس، يحاربك بالأفكار.
وإن تساهلت مع الفكر، يحاربك بالشهوة.
وإن تساهلت مع الشهوة، يحاربك بإتمام الفعل.
لذلك لا تتساهل مطلقًا في أي شيء. وإن سقطت في خطوة، أسرع وقم ولا تتطور إلى غيرها. فالأمانة تقتضي منك أن تلاحظ نفسك، ولا تهمل في نقاوتها ولا في أمر خلاصها. وإن وجدت الشيطان قد ألقَى في فكرك أي أمر رديء، تذكر بسرعة قول الكتاب:
"مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ" (2كو10: 5).
الإنسان الأمين لأبديته وروحيًّا ته يراقب نفسه. لا ينتظر حتى تسقط سقطة مميتة، إنما إن وجدت شيئًا من الفتور قد زحف إليها، يسرع إلى معالجته لئلا يتطور الأمر معه. إن يقاوم الخطأ من بادئ الأمر، ولا تمهل حتى يصل إلى خطورة تتعبه. ذلك لأنه إن تراخي، لن يتراخى الشيطان معه.
إن الإنسان الأمين لا يعتذر بقله إمكانياته.
إنما هو يحاول إمكانياته باستمرار. وهو لا يعتذر بعدم قدرته، لأن الله قادر أن يمنحه القوة. والله أمين لا يسمح أن يجرب أحد بما هو فوق قدرته. وفي ذلك قال الرسول " ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون. بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو10: 13).
الإنسان الروحي أمين من جهة وقته.
يستغله فيما يفيده من كل ناحية، يفيده روحيًا، ويفيده عقليًا، ويفيده من جهة خدمة الآخرين. وهو يرى أن هذا الوقت جزء من حياته لا يجوز أن يبدده بلا فائدة. والوقت أيضًا أمانة قد أؤتمن عليها ينبغي أن ينفقه في الخير فانظر كم من وقتك يضيع عبثًا. واسأل نفسك: هل أنا أمين من جهة وقتي...
خذ مثلًا لذلك أمانتك من جهة يوم الرب.
إنه للرب، ملك له. إن كنت غير أمين في قضاء هذا اليوم بطريقة روحية كيوم الرب، يقال عن مواسم الرب وأعياده. إنها له، أيام مقدسة. يقول الرب في سفر اللاويين "موسم الرب التي تنادون فيها محافل مقدسة. هذه هي مواسمي" (لا23: 2). ويذكر الرب تقديسها كالسبوت تمامًا (لا23: 8: 25، 32، 39).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8qpq6tz