محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: |
تقع كورنثوس على برزخ ضيق بين خليجين ولذلك لها مينائين، ميناء على كل خليج.
ميناء (1) يُدعى كنخريا وميناء (2) ويُدعى ليجيوم. وبلاد اليونان تنقسم لإقليمين:
أ- الشمالي هو مقدونية
ب- والجنوبي هو إخائية. وعاصمة الإقليم الجنوبي كورنثوس وتقع على بعد 40 ميلًا غرب أثينا.
وبها مينائين يطلان على بحرين تربط بهما الشرق والغرب، مشهورة بغناها وعظمتها وبكونها مدينة صناعية ضخمة خاصة في بناء السفن. وهي مركز للفنون المختلفة خاصة الفن المعماري. وهي مدينة مفتوحة على العالم في التجارة والدورات الرياضية. وكمدينة مفتوحة ضمت ديانات كثيرة، وضمت كثيرين من اليهود الذين طردهم كلوديوس قيصر من روما مثل اكيلا وبريسكلا. وجاءها اليهود أيضًا من فلسطين للتجارة، وكانت مملوءة آلهة مصرية ويونانية ورومانية وبها هيكل للإلهة الإغريقية الزهرة إلهة العشق والشهوة، وهيكل لإفروديت إلهة الحب عند اليونان. وكانت هذه الهياكل مملوءة غانيات وراقصات (1000 لمعبد إفروديت فقط) تخصصوا للطقوس الوثنية الفاجرة. وبسبب انفتاحها صارت مثلًا للفساد الخلقي والزنا، وصار مثلًا "عش كورنثيًا" أي عش فاسدًا، وكانت كلمة فتاة كورنثية تعني فتاة داعرة. ولقد أسماها الفيلسوف شيشرون " نور بلاد اليونان" ولقد ضمت المدينة عدد كبير من العبيد فكان بها (200,000 إنسان حر + 400,000 عبد)، وكان اليونانيون والوثنيون عمومًا يعتبرون العبيد أفضل قليلًا من البهائم، وكان من حق السيد أن يقتل عبده دون مسائلة. وفي حوالي سنة 51 - سنة 52 م. أتى إليها بولس الرسول ضمن رحلته التبشيرية الثانية وكرز فيها لمدة 18 شهرًا، وكان ذلك بأوامر من الرب مباشرة (أع 18: 9، 10) فتحولت المدينة بإعجاز، بعمل الروح القدس وغيرة بولس للمسيحية. وزارها الرسول فيما بين سنة 54 م.، 57 م. وفي هذه الفترة كتب رسالة رومية (1كو16: 6، 7 + 2كو 12: 14 + 13: 1 + رو 16: 27).
يرى كثير من الدارسين أن الرسول بولس قد زار كورنثوس 3 مرات على الأقل.
ويرى البعض أن الرسول كتب 4 رسائل إلى كورنثوس هم:
1. الرسالة السابقة وهي ما أشير إليها في (1كو 5: 9). ويقولون أن الرسول كتبها قبل الرسالة الأولى لكورنثوس (الرسالة القانونية).
2. رسالة كورنثوس الأولى والتي وردت بالكتاب المقدس.
3. الرسالة المحزنة (2كو2: 4).
4. رسالة كورنثوس الثانية والتي وردت بالكتاب المقدس.
وأغلب الظن كما يرى البعض الآخر، وهذا هو الأرجح أن ما يسمى الرسالة السابقة وما يسمى الرسالة المحزنة هما إشارة للرسالة الأولى لكورنثوس وبالتالي فلا يوجد سوى رسالتين لكورنثوس هما اللتان وردتا بالكتاب المقدس.
وأصحاب رأى الأربع الرسائل يقولون أن الرسالة السابقة كتبها بولس الرسول قبل الرسالة الأولى القانونية ليحذر المؤمنين من الشركة مع المؤمنين الأشرار، ويقولون أن هذه الرسالة مفقودة. ويعتمدون على الآية (1كو 5: 9) " كتبت إليكم في الرسالة أن لا تخالطوا الزناة". ولكن بالرجوع للآية (1كو 5: 1) نجد أن بولس الرسول يتكلم بحزن أنهم تركوا في وسطهم هذا الخاطئ الزاني. وبالتالي يكون في (آية 9) المقصود بالرسالة هو الرسالة الأولى لكورنثوس، ولا داعي أن يكون هناك رسالة خاصة تحمل هذا المعنى، فهو موجود في نفس الإصحاح. وأصحاب رأى الأربع الرسائل يقولون أن هناك رسالة محزنة اعتمادًا على قول الرسول في (2كو2: 4) " لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم....". ولكن من يقرأ الرسالة الأولى لكورنثوس يجد هذا المعنى أن الرسول كتب الرسالة الأولى وهو حزين بسبب حالة الزنا التي وجدت في كورنثوس، ونجد كلامه معهم بطريقة عنيفة، وفيها نجد حرمانه للزاني. وبالتالي فالأرجح أن بولس كتب لأهل كورنثوس رسالتين فقط هما اللتان وردتا بالكتاب المقدس.
إذ كان الرسول في أفسس جاءته أخبار من عبيد سيدة شريفة تُدعى خُلوي (رو 1 : 11)، كان في بيتها الكثير من العبيد الذين آمنوا. كما جاء إليه مندوبون من قادة كورنثوس هم استفاناس وفرتوناتوس وإخائيكوس (رو 16: 17) يحملون تساؤلات كنسية وعقائدية. وكانت الأخبار التي وصلته من عبيد خُلوي أخبارًا مزعجة عن انقسامات حادثة في كنيسة كورنثوس وتشيع البعض لبولس والبعض لأبلوس فأرسل الرسول رسالته الأولى ليصحح هذه الأوضاع ويرد على التساؤلات. وأرسل رسالته غالبًا مع تلميذه تيموثاوس لكي يصلح تيموثاوس أيضًا الأوضاع (رو 4: 17 + 16: 10). وكان هذا غالبًا سنة 57 م. ولقد عانت الكنيسة في كورنثوس من الخصومات والفساد وعبادة الأوثان والإباحية، وثورة بعض النساء على العادات الموجودة فأرادت بعض النساء خلع غطاء الرأس الذي كانت تلبسه النساء الشريفات علامة خضوعهن لأزواجهن، وأراد بعض الرجال أن يطلقوا شعورهم. وكانت بعض النساء يرفعن أصواتهن في الكنيسة تباهيًا بمراكزهن الاجتماعية، وأساء البعض فهم موهبة التكلم بألسنة فتحولت الكنيسة لنوع من التشويش (رو 14: 33، 40). لذلك أتت الرسالة تحوي تقريبًا نظامًا متكاملًا لحياة المسيحي بعد المعمودية يحدد سلوكه فيما يخص التحزبات وخطورة الانقسام (ص1-ص4). وفي (ص5) نرى سلطة الكنيسة في عقوبة الزاني وفي (ص6 - ص 7) نرى تعاليم خاصة بالزواج والبتولية والتحذير من الزنا. وفي (ص 8 - ص 10) تعاليم خاصة بالأكل مما ذبح للأوثان موضحًا أهمية عدم إعثار الآخرين رغم الحرية التي لنا في المسيح. وفي (ص 11) يصحح الرسول بعض العادات الاجتماعية في آداب الحضور للكنيسة والعشاء السابق للقداس، وإظهار قدسية التناول وأهمية الاستعداد له. وفي (ص 12 - ص 14) يناقش موضوع المواهب الروحية، وفي (ص 15) يتحدث عن عقيدة القيامة مؤكدًا قيامة المسيح التي كانت طريقًا لقيامتنا. وفي (ص 16) ينظم الرسول خدمة الفقراء ويختم بنصائحه الرسولية لهم.
بعد أن كتب الرسول رسالته الأولى والتي كان عنيفًا فيها، وقطع الزاني من شركة الكنيسة، خالجه نوعان من المشاعر، فهو ندم على رسالته، ولكنه أيضًا كان يشعر أنه أرضى ضميره وكتب ما أملاه عليه الروح القدس (2كو 7: 8). فهو ندم إذ خاف أن تكون رسالته العنيفة الأولى قد تسببت في أن يترك البعض إيمانه. ومحبة الرسول هذه وخوفه على أولاده جعله يُرسل تيطس تلميذه لكورنثوس ليطمئن على أثار رسالته الأولى بينهم. واستمر ينتظر حضور تيطس ليطمئن منه على أخبار شعب كورنثوس، لكنه لم يستطع الانتظار بل ذهب من أفسس إلى مكدونية ليقابل تيطس ليسمع منه أخبارًا تطمئنه على أهل كورنثوس (2كو 2: 12، 13 + 2كو 7: 5). ولما تقابل مع تيطس وسمع عن أخبار توبتهم فرح وتعزى (2كو 7: 9). وكتب لهم هذه الرسالة الثانية ليعبر فيها عن ارتياحه لنجاح رسالته الأولى.
وهذه الرسالة الثانية هي رسالة نموذجية للخدام، فبولس هنا يمثل الخادم المثالي، فبالرغم من أنهم شككوا في رسوليته لأنه ليس من الاثني عشر، بل طلب البعض منهم أن يأتي بولس برسائل توصية من أورشليم، والبعض أشاع أنه خائف من مواجهتهم إذ قال أنه سيأتي ولم يأتي، وإتهمه البعض بأنه يعتمد على الكنائس لكي تعوله. ولكن نجد بولس الرسول مع كل هذا يفيض حبًا لهم، ويستعبد نفسه لهم لأجل خلاص كل نفس.
اضطرار الرسول بولس أن يدافع عن رسوليته ليس إعجابًا بنفسه، ولكن لإثبات صدق تعاليمه حتى لا يرتدوا عن الإيمان الصحيح.
ويبدو أن المعلمين المتهودين قدموا رسائل توصية من أورشليم (2كو 3: 1، 2) فطلبوا من بولس أن يقدم هو أيضًا رسالة توصية من أورشليم، ورأى بولس أن في هذا غباوة، فخدمته في كورنثوس وإيمان أهلها والتغيير الذي حدث فيهم والمواهب التي صارت لهم هو خير شهادة لصحة رسوليته. هم خيرٌ من أي رسالة مكتوبة، فهو الذي علمهم وبشرهم.
ونرى الرسول هنا بما له (وللكنيسة) من سلطان الحل والربط أنه يحل زاني كورنثوس بعد أن كان قد قطعه، فهو قطعه وأسلمه للشيطان لا ليحطمه بل كان قاصدًا توبته وخلاص نفسه.
جزء كبير من الرسالة الثانية هو سيرة شخصية للرسول، لكنه أستخدمها ليظهر احتماله وصدق رسوليته، وعواطفه ومحبته تجاههم.
وهو يشرح فيها لماذا تعوق عن الحضور حسب وعده في (1كو 16: 2، 5، 7) فهو إذ لم يستطع أن يأتي اتهموه بالخفة (2كو 1: 17) أي يقول ولا ينفذ أو ربما اتهموه بأنه خائف من المواجهة (2كو 10: 10).
ولقد كتب بولس الرسول الرسالة الثانية من فيلبي (مقاطعة مكدونية) بعد أن جاءه تيطس حاملًا أخبار ردود فعل الرسالة الأولى. وكان ذلك خلال عام من كتابته لرسالته الأولى. ولقد أرسلها بولس الرسول مع تيطس (2كو 8: 16، 17).
كانت غالبية شعب كورنثوس من الأمم (1 كو 12: 2) وكان بها عدد لا بأس به من اليهود، كان الرسول يخاطبهم بقوله عن آبائهم.. أبائنا (1كو 10: 1-11) ولقد بدأ بولس خدمته في المجمع اليهودي، كارزًا لليهود والأمم الدخلاء، وكان يقيم مع أكيلا وبريسكلا ويعمل معهما في صناعة الخيام، ولما قاومه اليهود ذهب للأمم. ضمت الكنيسة عددًا كبيرًا من العبيد (1كو 1: 26 + 7: 21) على أنه كان بينهم شرفاء مثل تيطس (راجع 1كو 11: 21-32).
وبعد أن ترك بولس المدينة زارها أبلوس وكان يهوديًا إسكندريًا ذا ثقافة يونانية عالية وفصيحًا. وقَبِِلَ أبلوس المسيحية وصار يكرز وكانت خدمته ناجحة (1كو 3: 5-9)، غير أن البعض أساء استخدام اسمه فظهرت خصومات في الكنيسة فتشيع البعض لبولس كأول كارز للمدينة، وتشيع البعض لأبلوس من أجل اقتداره وحكمته، وتشيع البعض لبطرس (صفا) ربما لأنهم اعتمدوا على يديه في أورشليم، والبعض نادوا بأنهم أتباع المسيح غالبًا رغبة منهم في التحرر من كل التزام ليسلك كل واحد على هواه بحجة أنهم لا ينتسبون لقيادات بشرية. وهؤلاء أساءوا فهم الحرية المسيحية.
يظن البعض أن قوة الله لا بُد أن تظهر في شفاء أمراضنا أو انتقامًا فوريًا من أعداء يسيئون لنا، أو حل مشكلة مادية مستعصية، ومع أن هذا وارد، إلاّ أن قوة الله تظهر حقيقة في تحويل الفاجر إلى قديس (رو4: 5). ولاحظ عمل الله في كورنثوس المشهورة بالزنا في المعابد الوثنية التي تحتوي على ألاف من الفتيات (بل الرجال المأبونون) المخصصون للزنا كطقس من طقوس العبادة، والتي تشمل أيضًا طقوسًا مثيرة وموسيقى صاخبة وفُجْر متفشي، إذ بهذه المدينة تتحول إلى حياة القداسة المسيحية، وكان هذا على يد بولس الرسول الضعيف جسديًا والمصاب بشوكة في الجسد، والذي كان يبشر بنجار مات مصلوبًا وسط شعب يعبد القوة والفلسفة ويعيش في فجر وفساد. وإذا بهذا الشعب يترك فساده وخطيته ليؤمن بهذا المصلوب. هنا نرى حقيقة قوة الله في التغيير، والتي غيرت هذه المدينة الوثنية المنحلة إلى أقوى كنيسة (1كو 2: 4، 5).
بولس الرسول في رسائله عمومًا لا يقدم بحوثًا نظرية في العقيدة. لكن العقائد المسيحية صارت له حياة يحيا بها. ومن خلال كلماته التي يكتبها في رسائله نجد العقائد التي آمن بها وصارت تشكل وجدانه
وحياته، تخرج مع كلماته بعفوية دون أن يقصد أن يقدم بحثًا نظريًا في رسائله. وهذه مثل أي مسيحي منا حينما يقول لأحد أحبائه "الله يحفظك" وفي يوم آخر يردد "المسيح يحفظك" فهو بهذا يعبر عن إيمانه بأن المسيح هو نفسه الله، لقد صارت هذه العقيدة تشكل وجدانه فأصبح لا يجد فرقًا بين أن يقول المسيح أو يقول الله. ولنأخذ فيما يلي أمثلة على العقائد التي وردت وسط كلمات الرسول في رسالتي كورنثوس:-
"نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح (1 كو 1: 3؛ 2كو 1: 2)" هنا نرى التساوي بين الله الآب والمسيح فكلاهما مصدر للنعمة والسلام.
وفي (1كو 1: 3، 7، 8، 9، 10....... إلخ) نجد تكرار قول الرسول ربنا يسوع المسيح.
وأمّا للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله (1كو 1: 24) وهذه تثبت أزلية السيد المسيح وكونه واحدًا مع الله. فلو كان المسيح مخلوقًا كما يقول البعض، فكيف خلق الله لنفسه قوة، وكيف خلق لنفسه حكمة. مستحيل أن يكون هناك زمان لم يكن فيه الابن الذي هو قوة الله وحكمة الله، وبذلك فالمسيح أزلي. وصفة الأزلية لا تقال سوى لله.
الرسول يسمي المسيح رب المجد (1كو 2: 8). وهذه لا تقال سوى عن الله.
" ربٌ واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1كو 8: 6) إذًا المسيح هو خالق كل شيء. وهذه تتفق مع (يو 1: 3) والله هو الخالق.
ولا نجرب المسيح كما جرب أناسٌ منهم فأهلكتهم الحيات (1كو 10: 9) هو يقصد تجربة اليهود ليهوه في العهد القديم، وبهذا نرى أن المسيح هو يهوه. المسيح هو ابن الله (2كو 1: 3 + 2كو 1: 19 + 2كو 11: 31) المسيح يدين العالم (2كو 5: 10) " إننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا".
قارن الآيات " أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16) مع " ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس" (1كو 6: 19).
فالرسول لإيمانه أن الروح القدس هو الله لا يجد فرقًا أن يقول أن جسدنا هو هيكل لله أو أن جسدنا هو هيكل للروح القدس.
وراجع الآيات (1كو 2:10-13) فنجد أن الروح القدس يعرف أمور الله ويفحص كل شيء حتى أعماق الله ويعلن لنا ما يريده من أسرار السماء وهو بالنسبة لله كمثل روح الإنسان للإنسان.
" لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا (1 كو 5: 7).
" لأنكم قد إشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 20) " قد إشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس" (1كو 7: 23).
" فيهلك بسبب علمك الأخ الضعيف الذي مات المسيح من أجله" (1كو 8: 11).
" المسيح مات من أجل خطايانا" (1كو 15: 3 + 1كو 15: 4). كان موته ليصالحنا مع الله (2كو 5: 18-21).
من هو الفادي في العهد القديم؟ كان هو من يسدد الدين الذي على أحد أقربائه فيحرره من العبودية التي وقع تحتها إذ كان غير قادر على تسديد دينه. ونحن بسبب خطايانا صرنا عبيدًا فاشترانا المسيح بدمه وسدد ما علينا لله وصالحنا مع الله، ومن يرجع لخطيته ثانية فهو يعود للعبودية ثانية.
(1) الآية الأولى:- "لكن إغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو 6: 11) هنا نرى عمل الثالوث في المعمودية،
باسم الرب يسوع (الابن) وبروح (الروح القدس) إلهنا (الآب).
وهذا ما علمه السيد المسيح "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19). ولماذا تكون المعمودية عمل للثالوث القدوس؟ الخلق عمومًا هو عمل الثالوث القدوس. "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26) وقولـه نعمل.. صورتنا.. شبهنا.. بصورة الجمع هو إشارة للثالوث، فالعبرية لا تعرف صيغة التفخيم، فالفرد مهما كان عظيمًا لا يقول عن نفسه نحن بل يقول أنا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولما سقط الإنسان وتشوهت صورته، كان الحل الذي رآه الله، أن يعيد خلقة الإنسان. وكان ذلك بالفداء، ثم المعمودية، لذلك ظهر الثالوث يوم عماد السيد المسيح، فالخليقة الجديدة هي عمل الثالوث، كما أن الخلقة الأولى هي عمل الثالوث. وقول السيد المسيح عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، يعني بقوة ومقدرة الآب والابن والروح القدس، وعملهم في المعمودية ليعاد خلق المعمد من جديد. فالآب يريد والابن يترجم إرادة الآب إلى عمل الفداء، فيموت بالصليب ويقوم. والروح القدس عمله أن يثبتنا في المسيح، وإذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو 5: 17). ولاحظ أن نزول المسيح لنهر الأردن ليُعَمَّدْ هو إعلان منه عن قبوله الموت عنا. وهذا هو الطريق الوحيد لنموت نحن بإنساننا العتيق وتغفر خطايانا. وبالمعمودية نعود ونتجدد بحسب صورة خالقنا بعد أن نخلع الإنسان العتيق (كو 3: 9، 10). وكان حلول الروح القدس يوم العماد على المسيح هو حلول الروح القدس على الكنيسة جسد المسيح ليبدأ عمل الروح القدس مع كل معمد ليجعله يموت ويُدفن مع المسيح ويقوم متحدًا معهُ ثابتًا فيه (رو 6: 3-7). ولاحظ قول الرسول "اغتسلتم" إشارة لأن المعمودية بالماء... وقولـه "وبروح إلهنا" إشارة لأن المعمودية هي من الماء والروح كما قال السيد المسيح لنيقوديموس (يو 3: 5).
(2) والآية الثانية:- والآية الثانية "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله" (2كو 1: 21) وفيها نرى أن الله بروحه القدوس يثبتنا في المسيح الابن لنصبح أبناء الله.
(3) والآية الثالثة:- والآية الثالثة التي نسمع فيها عن الثالوث والتي يتكلم فيها بولس الرسول عن المواهب وينسبها أيضًا للثالوث (1كو 12: 4-6) " فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد. وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل". فالثالوث كما قلنا في المعمودية يخلق المعمد ليصير خليقة جديدة، وهنا يخلق جسد المسيح، أي الكنيسة خلقة جديدة لتكون جسد المسيح، لكل عضوٍ عمله، فنحن أعضاء جسد المسيح، لكل عضو عمله الذي يحدده الآب. أما الروح القدس فهو الذي يعطي الموهبة أو الإمكانيات أو القدرة على العمل، هو ينفذ إرادة الآب بأن يعطي الموهبة التي يحتاجها العضو (الأفراد) ليقوم بعمله. وبثباتنا في المسيح نصير أعضاء حية هو يستخدم أعضائنا كآلات بِرّ (رو6)، فلا حياة لعضو خارجًا عن جسد المسيح. وبهذا نستطيع أن نقوم بالخدمة الموكلة لنا.. فالآب يريد والابن والروح القدس أقنوميّ التنفيذ. لذلك نجد الرسول ينسب:-
العمل............ للآب،
والخدمة........ للابن الذي أتى ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ،
والموهبة....... للروح القدس،
مثال:- فالعين البشرية لها عمل محدد.. هو النظر أو الإبصار. ولكنها لا يمكن أن تقوم بعملها إن لم تكن ثابتة في الجسم بأوردة وأعصاب. وأيضًا يجب أن تكون سليمة لتقوم بعملها. في هذه الآية الثالثة نرى عمل الثالوث في تكوين جسد المسيح أي الكنيسة، بأعضاء (أفراد) عملهم يتكامل معًا.
(4) والآية الرابعة:- نرى فيها أيضًا عمل الثالوث في بركة الكنيسة "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم (2كو 13: 14). فالله الآب أعلن محبته بتجسد وفداء ابنه ربنا يسوع المسيح وإرسال روحه القدوس ليشترك معنا في عمل صالح (أوشية المسافرين)
هذا ما عمله بولس الرسول في (1كو 5: 5) إذ أسلم الزاني للشيطان أي قطعه وحرمه من شركة الكنيسة. ثم في (2كو 2: 6، 10) أحله من هذا الحرمان وسامحه. وهذا يتفق مع قول المسيح لتلاميذه " إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت (يو 20: 22، 23 + مت 16: 19 + مت 18 : 18)
يراجع في هذا إصحاح (1كو 15 بأكمله + 1كو 6: 14)" والله قد أقام الرب وسيقيمنا نحن أيضًا بقوته " + (2 كو 4: 14).
وسنحصل على جسد ممجد في السماء (1كو 15 + 2كو 5: 1) " لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي".
أ- المعمودية:- (1كو 6: 11) (راجع ص 12) + (1كو 1: 13-17)
ب- الإفخارستيا:- (1كو 10: 15-21 + 1كو 11: 23-31)
ج - الميرون:- وهو سر حلول الروح القدس في المؤمن المعمد.
راجع الآيات (1 كو 2:10-13) فالروح القدس يحل فينا. وهو الذي يثبتنا في المسيح (2كو 1: 21، 22). ولكن ما نحصل عليه في الأرض هنا هو عربون الروح (2كو 5: 5)
د - الكهنوت:- بولس يسمي نفسه والخدام الذين مثله" وكلاء سرائر الله" (1 كو4 :1) وسرائر هنا جاءت ميستيريون بمعنى أسرار الكنيسة.
هكذا يعيش الإنسان المؤمن، العقيدة عنده حياة يحياها وليست موضوعات للمناقشة والجدل، ليست موضوعات نظرية بل حياة. فالمؤمن يذكر آيات الكتاب المقدس ويقول المسيح يقول كذا وكذا وقد يقول ربنا يقول كذا وكذا، لا فرق فهو يؤمن بأن المسيح هو الله، وهذا ليس موضوعًا للمناقشة والإثباتات.
وعقيدة الشفاعة التي نؤمن بها فأغلبية المسيحيين قد لا يعرفون إثباتًا لها ولكنهم يحيون حياة شركة مع السمائيين، وحياة صداقة ودالة، وإن أثبت هذا شيء فهو يثبت أن المسيح قد صالح السمائيين على الأرضيين وجعل الاثنين واحدًا. سمعت هذا السؤال يومًا من بنت صغيرة في مدارس الأحد " هل يمكن أن يكون لي أصدقاء في السماء كما لي أصدقاء في المدرسة " هذه قد تحولت لها عقيدة الشفاعة لحياة تحياها.
وعقيدة أن الله أب لنا يحبنا حبًا لا يوصف تظهر في تسليم كل أمورنا لهُ حتى ولو كانت تجارب أليمة، وهذا ما عَبَّرَ عنه الرسول هنا في (1كو 3: 22) " أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحيوة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم "
هذا ما حدث مع فلاحين بسطاء في روسيا. فبعد أن قامت الثورة الشيوعية أتى الثوار الملحدين ببعض رجال الدين الفاسدين أمام جماهير الفلاحين البسطاء. ودخلوا مع رجال الدين في حوار لإثبات أنه لا يوجد إله. وطبعًا فبسطاء الفلاحين لم يفهموا هذا الحوار الفلسفي خصوصًا مع تقاعس رجال الدين الفاسدين عن الرد فما كان من الفلاحين إلاّ أنهم وقفوا يصرخون "إخرستوس آنستي" لقد كانت عقيدة قيامة المسيح وألوهيته بالنسبة لهم ليست موضوعًا للحوار والمناقشة بل حياة يحيونها
لاحظ بولس الرسول انتفاخ أهل كورنثوس بسبب مواهبهم وسعيهم للحصول على مواهب فيها مظهرية وأنهم يسعون لكرامات زمنية فأرسل لهم معاتبًا " إنكم قد شبعتم (مواهب) قد استغنيتم. ملكتم بدوننا. وقطعًا فهذا أسلوب ساخر يعبر به عن سعيهم وراء الكرامات الزمنية، ثم يقول عن نفسه ليخجلهم "نحن جُهّال / ضعفاء / بلا كرامة... نجوع ونعطش ونعرى ونلكم.. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء" (1كو 4: 8-13). ويقول عن نفسه حين تحزب البعض له والبعض لأبلوس " فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح" (1كو 4: 1) وجاءت كلمة خدام بمعنى عبيد. ومعنى ما قاله الرسول هنا أنه لا يجب علينا وعلى الخدام بالذات أن نبحث عن كرامات زمنية، بل هو يرى أن كرامة الخادم هي في حمل الصليب كسيده.
لماذا لم يترك الرسول هذه الخدمة الشاقة؟
1- الرسول يرى أن الخدمة هي تكليف إلهي:- " لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر إذ الضرورة موضوعة عليَّ. فويلٌ لي إن كنت لا أبشر. فإنه إن كنت أفعل هذا طوعًا فلي أجر. ولكن إن كان كرهًا فقد استؤمنت على وكالة" (1كو 9: 16، 17). هنا يظهر الرسول أن هناك نوعين من الخدام 1) من يخدم بفرح 2) من يخدم بتغصب. وسواء هذا أو ذاك فمن يخدم فله أجر، ومن يمتنع فويلٌ له. أمّا من يهرب كيونان فسيبتلعه حوت. فالخادم الذي يترك خدمته، تبتلعه هموم العالم، أما من يستمر في خدمة الرب ويعمل العمل الذي كلفه به الرب فسلام الله الذي فيه يبتلع هموم العالم. والله يرسل خدامه كبولس ويونان إلى شعبه فهو يهتم بخلاص كل نفس، النفس غالية جدًا عند الله. لذلك فمن يترك خدمته أو يستعفى من الخدمة يغيظ الله جدًا (خر 4: 14).
2- الخدمة كرامة:- ليست كرامة يسعى إليها الخادم فهذا مرفوض. ولكن هي كرامة يعطيها الله لمن يعمل معه " نحن عاملان مع الله" (1كو 3: 9) والله من محبته لخدامه الأمناء يعطيهم كرامة ونعمة ومحبة في أعين الناس دون أن يسعوا هم إليها ولاحظ محبة الناس لبولس الرسول وما حصل عليه من كرامات.
(أ) وكان بكاء عظيم من الجميع ووقعوا على عنق بولس يقبلونه متوجعين ولا سيما من الكلمة التي قالها أنهم لن يروا وجهه أيضًا (أع 20: 37، 38 + أع 21 : 13)
(ب) تجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها بل كملاك من الله قبلتموني كالمسيح يسوع، فماذا كان إذًا تطويبكم. لأني أشهد أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني (غل 4: 14، 15)
(ج) عومل كإله في لسترة إذ أقام عاجز الرجلين (أع 14: 8-15)
(د) صنع معجزات (2كو 12: 12) حتى بالمناديل من على جسده (أع 19: 12)
(هـ) أقام ميت (أع 20: 9-11)
(و) اختطف إلى الفردوس
(ز) كانت له مناظر وإعلانات وبوفرة (2كو 12: 1-7) "بفرط الإعلانات"
(ح) كانت دعوته عن طريق المسيح شخصيًا (أع 9: 1-9 + غل 2: 11، 12)
(ط) كان خادم للعهد الجديد الذي تفوق كرامته العهد القديم بما لا يقاس (2كو 3: 6-11، 18 + 4: 1). ويكفيه فخرًا أنه يعمل مع الله (1كو 3: 9)
3- لكن الخدمة صليب وهوان أيضًا
راجع (1كو 4: 10-13 + 2كو 6: 3-10).
فلماذا الصليب؟
في (1 كو 4: 11) يقول إلى هذه الساعة ويعني ذلك أن الصليب للكنيسة في كل زمان ومكان.
المبدأ الذي وضعه بولس الرسول نفسه
مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ (غل 2: 20) والصليب نوعان:
(أ) موضوع عليَّ:-
1- اضطهاد اليهود والأمم لهُ.
2- المسيحيون يغيظونه بينما هو في سلاسل وحبس (فيلبى 1: 14-16).
3 - عدم محبة البعض " كلما أحبكم أكثر أحب أقل" (2كو 12: 15).
4- شوكة جسده (غل 4: 14، 15 + غل 6: 11 + أع 19: 12) وهذه يمكن فهمها أنها ضعف شديد في النظر وقروح متقيحة في جسده.
5- راجع (1كو 4: 8-13 + 2كو 11: 23-27).
6- قالوا عنه أ) خفيف (2كو 1: 17) يتكلم ويعد ولا يوفي.
(ب) يحتاج لرسائل توصية وفي هذا إنكار لرسوليته (2كو 3: 1).
(ج) أنه يفسد ويظلم (يأخذ أموالهم) (2كو 7: 2، 5). ولذلك وحتى لا يعثر أحد كان لا يحمل أموالًا بل يرسل رسلًا للجمع (1كو 16: 3، 4 + 2كو 8: 16-24).
(د) أنه ليس رسول (1كو 9: 2).
7- الهرطقات التي واجهها والضعفات التي كانوا فيها والحالة الروحية المتردية جعلته في حزن " لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة " (2كو 2: 4)... " من يضعف وأنا لا أضعف".. (2 كو 11: 29).
8- نرى مقدار شدة التجارب التي وصلت به لحد الموت واليأس (2كو 1: 8، 9).
(ب) صليب اختياري:-
"أقمع جسدي وأستعبده" (1كو 9: 27) + كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء (1كو 9: 25) ومن لا يفعل يصير مرفوضًا (1كو 9: 27).
Ι- حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا." لأننا نحن الأحياء نسلم دائمًا للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو 4: 10، 11). وهذه تناظر "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20) فلكي يحيا المسيح فيَّ يجب أن أقبل الصليب الموضوع عليَّ أو الاختياري، فالمسيح لم يقم إلاّ بعد أن صلب ومات. ولكي يحيا المسيح فيَّ، وتكون لي حياة المسيح يجب أن أقبل الطريق من أوله وهو الصليب، ومن يقبل الصليب يحيا المسيح فيه. ومن لا يستطيع أن يفرض صليبًا على نفسه اختياريًا يساعده المسيح لمحبته فيه ويعطيه صليبًا من عنده. فلنقبل الصليب لتكون لنا حياة المسيح القائم من الأموات.
أمّا منطق الشيطان فهو رفض الصليب والسعي وراء ملذات العالم، لذلك حين أراد بطرس أن يبعد المسيح عن الصليب قال له " اذهب عني يا شيطان" (مت 16: 23). وكان هو أيضًا صوت الشيطان يدعو المسيح أن انزل عن الصليب إن كنت ابن الله (مت 27: 40-43). ولذلك كان منطق كنيستنا زيادة الأصوام والدعوة لشكر الله حتى في الضيقات والتجارب.
وما هو فهم بولس الرسول لأن يحيا المسيح فيَّ؟
1- أما نحن فلنا فكر المسيح (1كو2: 16) + نتكلم في المسيح (2كو 2: 17).
2- ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية (1كو 6: 15).
3- يسلم عليكم في الرب + محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع (1كو 16: 19، 24) فحتى السلام والمحبة لا تكون خالصة أمينة إن لم تكن لي حياة المسيح ولي ثبات فيه.
4- طالما كانت لي حياة المسيح فلقد صرنا " جسد المسيح" (1كو 12: 27).
5- وصار لبولس وداعة المسيح وحلمه (صفاته) (2كو 10: 1) فحينما صارت لبولس حياة المسيح صار المسيح يحيا فيه، ويعطيه فكره وصارت أعضاؤه هي أعضاء المسيح، ويملى المسيح على بولس ما يقولـه وما يفعله " نتكلم في المسيح". بل هو يعطيه أن يحب الناس محبة صادقة وليست غاشة.
П- بولس فهم أن الألم يأتي من الشيطان " أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2كو 12: 7) ولكن بولس يعلم أنه في يد الله ضابط الكل وأن محبة المسيح تحصره (2كو 5: 14). فكيف يستطيع الشيطان أن يؤذيه؟ لاحظ أن بولس يؤمن أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28) ويعلم أن كل الأشياء الحياة / الموت / العالم / الأمور الحاضرة أم المستقبلة... كل شيء لكم (1كو 3: 22) أي كل ما يسمح به الله هو من أجل خلاص نفوس أولاده. فإستنتج بولس أن هذا الأذى من الشيطان هو للخير، فبالنسبة لبولس كان غرضه أن لا ينتفخ ويرتفع. الله سمح للشيطان أن يؤذيه لكن كان هذا لخلاص نفسه فاستخدم بولس نفس الأسلوب مع زاني كورنثوس " قد حكمت.. أن يُسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1كو 5: 5). فهنا الشيطان يؤذي هذا الشاب جسديًا ليكره الخطية ويتوب فتخلص الروح في يوم الرب. فالآلام إذًا هي نيران أفران بابل التي لم تؤذي الفتية الثلاثة لكن أربطتهم احترقت، فالله يسمح ببعض الآلام من محبته حتى تحترق الرباطات التي تربطنا بالخطية. والسبب ببساطة أن في داخلنا نفس متمردة على طاعة الله، والله يؤدب. وكان هذا معنى الحوار الذي دار بين السيد المسيح وبين بطرس (يو 21) أنه إن كنت تحبني فإقبل الصليب الذي أسمح به. وإن كنت غير فاهم الآن ما أنا أصنع لكنك ستفهم فيما بعد (يو 13: 7).
Ш- الله يريد أن يملأ خدامه بركات ومواهب، ولكنه يخاف عليهم من الانتفاخ، ولاحظ كم حظي بولس الرسول بمواهب وعمل معجزات وتأثير جبار في خدمة أوروبا كلها، وصار له أولاد يحبونه في كل مكان، وكم رأى من رؤى وإعلانات. ولذلك فمن محبة الله وحتى لا ينتفخ هذا الخادم الأمين سمح الله بهذه التجارب له لتموت الأنا (شماله تحت رأسي) ولكن الله لم يتركه وحده في هذه الآلام بل ازدادت له التعزيات (يمينه تعانقني نش 2: 6). ولاحظ قول بولس الرسول "كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزياتنا أيضًا" (2كو 1: 5).
فكلما ازدادت المواهب والعطايا ازدادت التجارب والآلام.
وكلما ازدادت التجارب والآلام ازدادت التعزيات.
فالتجارب والآلام تحمي الخادم من الانتفاخ والكبرياء.
والتعزيات تحمي الخادم من الانكسار تحت وطأة ثقل الصليب وراجع (2كو 1 : 3-10) تجد أن كلمة تعزية وردت 10 مرات وكلمة ضيقة ومرادفاتها وردت 10 مرات. فالتعزية بقدر الألم. حتى نحتمل الألم فلا نفشل حتى يتم التأديب، والله يؤدب من يحبه (الذي فيه أمل) (عب12: 6). أما من لا أمل فيه.."لا أعاقب بناتكم لأنهم يزنين" (هو 4: 14)
ІV- الخادم المتألم المملوء تعزية قادر أن يعزي الآخرين، هو أولًا قادر على الإقناع إذ هو واقع تحت نفس الآلام، وهو إذ يراه الناس مملوء تعزية، يتعزون. وهذا معنى قول الرسول " فإن كنا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الآلام التي نتألم بها نحن أيضًا أو نتعزى فلأجل تعزيتكم وخلاصكم (2كو 1: 6)
ولذلك اختار الله دانيال ليكلم الملوك، لكنه كان لا يقدر أن يكلم الشعب فالذي يعيش في القصور لن يكون مقنعًا للشعب. واختار الله حزقيال ليكلم الشعب إذ هو واقع تحت الآلام مثلهم، آلام السبي والفقر.
وهذا معنى ما قيل عن السيد المسيح " يكمل رئيس خلاصهم بالآلام " أي يشابهنا في كل شيء حتى الآلام. ولماذا؟ " لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب 2: 18) أما نحن فنكمل بالآلام لنشبه المسيح. وأيضًا " لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عب 4: 15).
V- "وإن كان إنساننا الخارج يفنى (بالآلام) فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2كو 4: 16) وكم من مريض بمرض صعب تنقى تمامًا بسبب مرضه، وكانت تجربته سبب خلاص نفسه (أيوب).
VI- الآلام سبب للمجد الأبدي "خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا" (2 كو 4: 17) فمهما كانت ضيقتنا الآن صعبة لكنها خفيفة بالنسبة للمجد الأبدي.
(1) يصاحب الآلام تعزيات.
(2) مدة الضيقة الآن هي بالقياس للأبدية لا شيء.
(3) المجد المعد لو وضع في كفة والآلام في كفة لظهر خفة ألآمنا بجانب المجد وهذا ما قاله الرسول أيضًا في (رو 8: 17) " إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه". " وسنأخذ إكليلا لايفني" (1كو 9: 25). لكن المهم أن ننظر للسماء والأمجاد المنتظرة " ونحن غير ناظرين للأشياء التي ترى بل إلى التي لا تُرى" (2كو4: 18) فهذا يعطي المتألم الصبر والاحتمال.
VII) الرسول بولس يُسَّرْ بضعفاته إذ يشعر أنه كلما ظهر ضعفه كان عمل الله معه بزيادة " أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات والاضطهادات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 8-10) + "أفتخر في ضعفاتي لكي تحل عليَّ قوة المسيح" والسبب بسيط فلو كنت أشعر بقوتي أو فلسفتي، أي بقوة عضلية أو قوة ذهنية من عندي فسأعطل عمل الله، وأفسد خطة الله بتدبيراتي البشرية. وحين أشعر بأنني لا شيء وفي منتهى الضعف تعمل فيَّ قوة الله ولا أقاوم قيادته فيكون عمل الكرازة قويًّا. ولاحظ أن المسيح لو أظهر قوته وأتى بملائكته لتضرب صالبيه وتبعدهم عنه ما تمَّ الخلاص، لكن الخلاص تم بصورة ضعف المسيح. "لأنه وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حيٌ بقوة الله. فنحن أيضًا ضعفاء فيه لكننا سنحيا معه بقوة الله من جهتكم" (2 كو 13: 4) ولاحظ أن بولس الرسول في ضعفه ظهرت قوة المسيح في كرازته وتعاليمه وفي ظهور مواهب وقوات في شعب كورنثوس، وفي عقاب المخطئ أيضًا ظهر سلطانه وقوته.
VIII- أدرك بولس الرسول أن تعزيات الله للمتألم ليس معناها أنه ينزع عنه الألم فلا يعود يشعر به بل أنه سيكون هناك آلام في الخارج وتعزيات الروح القدس في الداخل، فمجال عمل الروح القدس في القلب، فهو الروح المعزي" (2 كو 4: 7-10) + (2 كو 6: 8-10) مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين... كحزانى ونحن دائمًا فرحون...".
من أجل كل بركات الصليب هذه فرض بولس الرسول على نفسه صليبًا اختياريًا إذ كان يقمع جسده ويستعبده فوق كل ما كان يعاني منه من آلام وتجارب.
1- استخدم بولس الرسول أسلوبًا مشابهًا لأسلوب السيد المسيح مع أهل كورنثوس، فهو يشجع ويلاطف قبل أن يعاتب. ولاحظ قوله أشكر إلهي في كل حين من جهتكم... (1كو 1: 4-9). وقارن مع (رؤ 2: 2-4) " أنا عارف أعمالك وتعبك... لكن عندي عليك..."
2- " نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة (1كو 1: 23) " والكرازة بالصليب ليست فقط بالكلام بل باحتمال آلام الصليب بشكر، بل وبقمع الجسد بفرح، وذلك لإيماننا بأن هناك مجد معه بعد القيامة، لذلك تصلي الكنيسة " بموتك يا رب نبشر وبقيامتك نعترف " فالبشارة بموت المسيح هي القبول بأن نموت مع المسيح عن العالم لاعترافنا بحقيقة القيامة. والموت عن ملذات العالم هو ضد فلسفات هذا العالم التي تؤمن بأن نعطي للجسد كل الملذات الممكنة " نأكل ونشرب لأننا غدًا نموت (1كو 15: 32)
3- كيف فهم بولس الرسول مبدأ " ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمي" (1 كو 3: 7) وهل قصد بهذا أنه لا قيمة لعمل الخدام طالما أن الله هو الذي ينمي، هل معنى هذا أن لا نعمل ونترك الله يعمل وحده.
أ- أولًا كيف ينمي الله الزرع دون أن يغرسه أحد ويرويه آخر لذلك قال الرسول " فإننا عاملان مع الله وأنتم فلاحة الله" (1 كو 3: 9) وكان طلب السيد المسيح "الحصاد كثير والفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده" (مت 9: 37، 38) بل إن الرسول فهم الخدمة على أنها خدمة المصالحة مع الله (2 كو 5: 18-20) فكم من أولاد لله في حالة خصام وتصادم مع الله لأنهم لا يفهمون أحكامه، لأنهم لا يدركون محبته.
ب- مع أن الخدمة هي عمل مهم لكن على الخادم أن يشعر في نفسه أنه لاشيء، وأن الله هو الذي أعطاه هذه النعمة حتى يعمل، والله أعطاه الموهبة التي يخدم بها، فلماذا يفتخر "أي شيء لك لم تأخذه، وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ" (1 كو 4: 7) + "لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10). وعلى الخادم أن لا ينتظر المديح من الناس بل من الله " حينئذ يكون المدح لكل واحد من الله" (1 كو 4: 5) وذلك يوم الدينونة.
ج- على الخادم أن يكون أمينًا حتى آخر لحظة (1كو 4: 2).
د- على الخادم أن لا يسعى وراء المواهب للمجد الباطل ولو فعل يكون هذا كعبادة الأوثان " فالنحاس الذي يطن والصنج الذي يرن" (1كو 13: 1، 2) لا يستعملوا إلاّ في هياكل الأوثان. لكن على الخادم أن يسعى للمواهب لا لمجد نفسه بل لبنيان الكنيسة ولمجد الله " اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا" (1كو 14: 12). أما أهل كورنثوس فطلبوا الألسنة للمجد الباطل. وبمناسبة الألسنة فنحن نحتاج في الكنيسة لمواهب ألسنة، لا ألسنة تتكلم لغات غير مفهومة بل نحتاج لمن له لسان يبكت به المستهتر ويوبخه، ولمن له لسان يشجع اليائس ويعطي تعزية للمتألم والمريض والحزين فهذه الألسنة تبني.
هـ- على الخادم أن يخدم بطريقة روحية، ليعرف الناس شخص المسيح، وأهمية الصليب في حياة المؤمن، وكيفية التعزية، حتى لو جاءت التجربة لا ينهار المؤمن تاركًا إيمانه. لأن هناك خدام يركزون على الأنشطة الاجتماعية والموسيقية والرحلات تاركين الأهم وهو معرفة شخص المسيح. هؤلاء يقول عنهم بولس الرسول " النار ستمتحن عمل كل واحد" (1 كو 3: 13) فالنار هي التجارب، ومن يحتمل التجربة هو من كان قد اختبر شخص المسيح.
و- إنكار الخادم لذاته كما قال يوحنا المعمدان " ينبغي أن هذا يزيد وإني أنا أنقص" (يو 3: 30) وراجع قول بولس الرسول (1 كو 1: 12-14). ونجد أن أبلوس رفض الحضور إلى كورنثوس لما عرف أن هناك من تحزب لهُ (1 كو 16: 12). ولاحظ قول بولس الرسول أن من يتكلم عن نفسه يصير غبيًا (2 كو 11: 1، 16). ولذلك فمن يريد أن يفتخر فليفتخر بالرب الذي يعمل كل شيء فينا وبنا (1 كو 1: 31 + 2 كو 10: 17، 18).
ز- الخادم يحتاج لحكمة إلهية في كلامه وفي وعظه وفي إرشاداته " أبشر لا بحكمة كلام، فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة (1 كو 1: 17، 18). "المسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرًا وقداسة" (1 كو 1: 30)." كلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية بل ببرهان الروح والقوة" (1 كو 2: 4) + " نتكلم بحكمة الله" (1 كو 2: 7).
أ- بأن يحيا المسيح فيَّ فيكون لي فكر المسيح (غل 2: 20 + 1 كو 2: 16)
ب- بأن أثبت في المسيح (بالمعمودية والميرون والتوبة والاعتراف والتناول) فيصير لي المسيح حكمة من الله.هذه بركة من بركات التجسد، فالمسيح رأس الكنيسة حلّ فيه كل ملء اللاهوت جسديًا (كو 2: 9) والمسيح بتجسده اتحد بنا جسديًا فصارت لنا كل بركات الله بقدر ما نحتمل، بركات وحكمة وقداسة وبر. ما يحدد عطايا الله لنا هو محدوديتنا.
"بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد.." (2كو 6 : 4-10).
"صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس" (1كو 4: 9).
"كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو 6: 12).
"كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء تبني" (1كو 10: 23).
"كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط عليَّ شيء" (1كو 6: 12).
"كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين" (1كو 10: 32).
"فإذ نحن عالمون مخافة الرب نقنع الناس. وأما الله فقد صرنا ظاهرين لهُ وأرجو أننا قد صرنا ظاهرين في ضمائركم أيضًا" (2كو 5: 11).
"يظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو 2: 14).
"لأننا رائحة المسيح الزكية.. رائحة حياة لحياة.." (2 كو 2: 15، 16).
نجد بولس الرسول يفيض من محبته على أولاده في كورنثوس، ولكن وفي نفس الوقت كان حازمًا جدًا في مواجهة الأخطاء.
" إنكم في قلوبنا لنموت ونعيش معكم" (2كو 7: 3) وهذه تعني أنني أحبكم وأتمنى أن أعيش معكم العمر كله. ولاحظ حزنه بسبب رسالته الأولى وخوفه عليهم (2كو 2: 12، 13 + 2كو 7: 5-10). وبالرغم من كل ما قاله أهل كورنثوس ضده يقول لهم " فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون. قلبنا متسع (2كو 6: 11) أي هو مستمر في تعليمه وكرازته لهم. وراجع الآيات (1كو 16: 24 + 2كو 2: 4 + 2كو 4: 5 + 2كو 11: 11 + 2كو 12: 14، 15 + 2كو 11: 29 + 2كو 11: 2 + 2كو 10:1 + 2كو 12: 20، 21 + 2كو 13: 9). ومن محبته لهم واهتمامه بخلاص نفوسهم لم يثقل على أحد في ماديات (2كو 11: 7-11). وراجع أيضًا (1كو 4: 21 + 1كو 5: 1- 8 +1كو 3: 1- 4 +1كو 6: 1-11) لنرى حزم بولس الرسول معهم. فمحبة الرسول محبة حازمة.
بدأ الرسول في إصحاح (5) بمعالجة الشاب الذي زنى مع امرأة أبيه. وكان هذا المستوى أسفل السلم، بل هناك ما هو أحط أي مضاجعو الذكور. وحين ذكر الرسول هذا المستوى تعجب أن هناك من يوجد فيه والطريق مفتوح أمامه للدرجات الروحية العالية، فامتد ببصره عبر الإصحاحات (6، 7) ليحدثنا عن الدرجات العالية.
1- أحط الدرجات هي الشذوذ الجنسي أي مضاجعو الذكور والمأبونون (1 كو 6: 9) وقال عنهم " أسلمهم الله لذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق ليهينوا أنفسهم" (رو 1: 24-28).
2- درجة الزنا وهذه قال عنها أن من التصق بزانية هو جسد واحد (1 كو 6: 16) فالزاني صار جسداني يجري وراء شهواته، كأنه جسد بلا روح، وحد نفسه مع زانية.
وهذه الدرجات المنحطة من السلم لا يرثون ملكوت الله (1 كو 6: 9).
3- تأتي بعد هذا درجة المتزوج الذي ماتت امرأته (أرمل) ويريد أن يتزوج ثانية لأنه غير قادر أن يضبط نفسه، فالرسول يبيح هذا الزواج (1 كو 7: 8، 9) ولو أنه لا يفضله، ويفضل عليه أن يحيا المؤمن مكرسًا قلبه وعواطفه لله.
4- الزواج الأول، وأيضًا فالرسول يفضل عليه البتولية وتكريس القلب لله فحينما يعطي المؤمن كل قلبه وعواطفه لله يتذوق طعم السمائيات. لذلك وحتى لا يحرم المتزوج من تذوق السمائيات طلب الرسول أن يمتنع الطرفان عن ممارسة العلاقات الجسدية لفترات يصومون فيها ويصلون، بعدها يعودون ليمارسوا علاقاتهم الجسدية بطريقة طبيعية (1 كو 7: 2-5) ولكن هناك من يرفض أن يمتنع عن العلاقات الجسدية وقت الأصوام، وهؤلاء يقول لهم الرسول أن الامتناع له شرط موافقة الطرفين، وذلك حتى لا تفقد الأسر سلامها إذ يمتنع أحد الطرفين، إلَّا أن من يرفض الامتناع يبقى في درجة أقل، لا يتذوق طعم الحياة السمائية، ومن يمتنع وقت الأصوام عن علاقاته الجسدية مع الطرف الآخر يبقى في درجة أعلى، لأنه يكرس كل عواطفه لله.
5- هناك درجة أعلى للمتزوجين، وهؤلاء من استطاعوا ضبط شهواتهم وعاشوا في تعفف لا يبحثون إلَّاعن السمائيات إذ شعروا باقتراب الأيام وأن أيام غربتهم على الأرض قد اقتربت نهايتها (1 كو 7: 29).
6- والدرجة الأعلى هي البتولية (1 كو 7: 1، 32-34، 38) هي درجة يصلب فيها الإنسان شهواته، هي درجة قمع الجسد واستعباده (1 كو 9: 24-27). وقارن مع (مت 19: 12) "هؤلاء خصوا أنفسهم لأجل الملكوت".
7- والدرجات العليا في السلم هي درجات يقترب فيها الإنسان من أن يكون روحًا بلا جسد " وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (1 كو 6: 17). وكلما مارس المؤمن عملية صلب أهواؤه وشهواته، كلما مارس عملية الإماتة لجسده يرتفع في درجات هذا السلم، بل أن المسيح يساعد مثل هذا الإنسان بوضع صليب عليه يزيد من عملية إماتة الجسد لتسمو الروح. والسبب بسيط كما شرحه بولس الرسول في (غل 5: 17) لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر. وكلما ضعف الجسد، تستطيع الروح أن تحلق في السماويات. وهذا ما عَبَّرَ عنه بولس الرسول حينما أختطف للسماء الثالثة وقال "أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم (2 كو 12: 1-4). وحتى هذه الدرجات الروحية العالية فيها درجات. فنسمع قول يوحنا اللاهوتي " كنت في الروح" (رؤ 1: 10) ثم نسمع عن درجة أعلى "صرت في الروح" (رؤ 4: 2). في الدرجة الأولى استلم يوحنا بعض الرسائل من المسيح لبعض الكنائس. أما في الدرجة الثانية فلقد رأى عرش الله ورأى رؤى عجيبة.
يشبه الرسول الحياة الروحية بالزرع " إن كنا زرعنا لكم الروحيات أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات" (1كو 9: 11) " أنا غرست وأبلوس سقى" (1 كو 3 : 6). وبالتالي يمكننا أن نفهم أنه كما أن الزرع ينمو هكذا روحياتنا تنمو أي يمكننا أن نرتقي درجات هذا السلم ونفهم أيضًا أنه بقدر ما نزرع بقدر ما نحصد، فمن بذر قليل من البذور في حقله عليه أن لا يتوقع محصول كبير. لذلك يقول الرسول " من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد. ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد " (2 كو 9: 6). لذلك وحتى ننمو علينا: -
1- أن نزرع بالبركات، أي نقضي أوقاتًا طويلة ملتصقين بالله في صلاة ["متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور" (1 كو 14: 26). "وأنتم أيضًا مساعدون بالصلاة لأجلنا" (2 كو 1: 11).] ودراسة كتاب وخدمة وتسابيح وقداسات، المهم أن نلتصق بالله ومن يفعل يصير روحًا واحدًا مع الله (1 كو 6: 17).
2- التأمل المستمر في السماويات "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل التي لا ترى" (2 كو 4: 18) "عالمين أن الوقت مقصَّر" (1 كو 7: 29).
3- اعتزال الشر "اعتزلوا لا تمسوا نجسًا" (2 كو 6: 14-7: 1). فلا شركة للنور مع الظلمة ولا للمسيح مع بليعال (2 كو 6: 14، 15).
4- قبول الصليب بشكر ليتجدد الداخل (2 كو 4: 16، 17). بل أن نقمع الجسد ونستعبده في سهر الليالي في الصلاة.. وفي أصوام (1كو 9: 27) + (2 كو 11: 27).
5- بلا خصام مع الإخوة حتى لا نكون جسديين (1 كو 3: 1- 4). بل نسلك في محبة (1 كو 13) فينسكب علينا الروح القدس (مزمور 133: 1-3).
6- أن نحذر لئلا نسقط، وأن لا نرضي عن أنفسنا " من هو قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12).
7- أن نعمل كل شيء لمجد الله (1 كو 10: 31) + (1 كو 6: 20).
8- أن نحزن حزنًا مقدسًا أي على خطايانا، ولا نحزن على خسارة أي شيء في العالم، وأيضًا لا نفرح بأي شيء في العالم، فهو عالم باطل فانٍ، ولقد قربت ساعة لقائنا مع المسيح (1 كو 7: 29-31).
ومن يفعل ينمو روحيًا فينتقل من مجد إلى مجد (2 كو 3: 18) ويرتقي درجات السلم. ويتحول من طفل روحي إلى ناضج روحيًا: "لما كنت طفلًا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر. ولكن لما صرت رجلًا أبطلت ما للطفل" (1كو 13: 11). وكان الرسول يعني بهذا أننا على الأرض إدراكنا محدود كأطفال ولكن في السماء سيكون إدراكنا كامل كإدراك رجل ناضج. ولكننا يمكن أن نطبق هذه الآية على ثلاثة مراحل:-
(1) الطفولة الروحية على الأرض
(2) النضج الروحي على الأرض
(3) الإدراك الكامل في السماء.
ولنأخذ مثال فالطفل غير الناضج روحيًا حين تقع عليه تجربة يظن أن الله غير راضٍ عنه ويظل يردد هذا شاكيًا قسوة الله عليه، ومع النضج تنفتح عين المؤمن ويدرك في رجولته الروحية محبة الله وأن هذه التجربة هي لصالح خلاص نفسه فيشكر الله عليها.
بل هناك من يطلب التجربة ليتنقى (مز26: 2). وفي هذه الآية نجد 3 كلمات:(1) أفطن أي أفهم.
(2) وأفكر تعني الاستنتاجات المبنية على ما فهمته.
(3) أتكلم أي ما أردده.
|
طفل |
رجل |
في السماء |
أفطن |
الله تركني |
الله يحبني فهو لا يسمح بشر لأولاده |
رؤية الله عيانًا وإدراك محبته، بل سنفهم لماذا |
أدرك |
هو تركني فلأتركه |
هو سمح بهذا لكي أَكْمُلْ |
سمح ببعض الآلام على الأرض |
أتكلم |
تذمر على الله |
شكر الله |
تسبيح مستمر ودائم |
مرحلة الطفولة الروحية: - تتميز مرحلة الطفولة بالأنا. فالطفل لا يفهم إلاّ أن كل شيء له حتى أبيه وأمه. بل أن العالم كله يدور حول محور واحد هو هذا الأنا. والطفل الروحي يفكر بنفس الأسلوب ماذا يفرحني ويعطيني لذة وراحة. وإذا حدث أن كانت إرادة الله مخالفة لهذا الإنسان يحدث تصادم بينه وبين الله، ويتذمر على الله ويتمرد على الله وعلى إرادته، ويتساءل لماذا تسمح بهذا يا رب.
مرحلة النضج الروحي: - في مرحلة النضج يظهر الآخر في حياة الإنسان وفي مرحلة النضج الروحي يبدأ الله في الظهور في حياة هذا الإنسان فيتعرف عليه ويدرك محبته، وتختفي الأنا تدريجيًا، ويبدأ المؤمن البحث عما يرضي الله. وكلما نضج المؤمن ازداد اكتشافه لوجود الله وإدراكه لمحبته، وتتضاءل الأنا، " ينبغي أن هذا يزيد وإني أنا أنقص" ويختفي التمرد تدريجيًا ويبدأ التسليم لإرادة الله عن حب.
في السماء: - النضج الكامل، هناك سأعرف الله كما عُرِفْتْ (1 كو 13: 12) فتختفي الأنا تمامًا ويصبح الله الكل في الكل (1 كو 15: 28) ويحدث الخضوع الكامل لله (1 كو 15: 24-28) وينتهي التمرد. ومع اكتشاف مجد الله ومحبته لن يكون هناك سوى التسبيح. بل أن إدراكنا سيتسع يومًا فيوم في السماء. فكل يوم سأعرف عن الله ما هو جديد. وهذا لن ينتهي لأن الله غير محدود. (بل أن بعض البشر لا تعرفهم إلاّ بعد انقضاء سنين طويلة وحينما تكتشف حلاوة عشرتهم يفرحك هذا) وهذا ما سيحدث مع الله الحلو الصفات، فكل ما أعرف عنه جديدًا سيعطيني هذا فرحًا، وهذه المعرفة لن تنتهي وبالتالي فالأفراح لن تتوقف في الأبدية. ولأن طاقة الإنسان النفسية محدودة فسيطلب الاتساع ليتحمل كل هذا الفرح، فيعرف أكثر ويفرح أكثر، ويتسع ليعرف المزيد، وذلك لمزيد من الفرح. فالحياة في السماء معرفة والمعرفة تتحول لفرح أبدي لا نهائي " وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي..." (يو 17: 3).
← تفاسير أصحاحات كورنثوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7g6ya24