محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
راجع موضوع الصليب والآلام عند بولس الرسول في المقدمة. ولقد لاحظ بولس الرسول أن أهل كورنثوس يسعون وراء المواهب ليحصلوا على كرامات زمنية. وفي هذا الإصحاح نرى مفهوم بولس الرسول أن الكرامة الحقيقية ليست في المواهب بل في حمل الصليب مع المسيح، ونراه يقول عن نفسه نحن جهال / ضعفاء / بلا كرامة / نُشتَم / يُفتَرى علينا / صرنا أقذار العالم.... فهو يقبل أن يهان في خدمته من أجل المسيح. ألم يهان المسيح لأجله. وبولس الرسول رأى في شقاقاتهم وتحزباتهم وراءه ووراء أبلوس أن ذاتهم (الأنا) متضخمة. وكان رأيه أن لا ينتفخوا ويتشيعوا وراء خادم معين، بل يتركوا الحكم لله. فكما رأينا أن الله يضع الخدام في طريقنا لأجل خلاص نفوسنا.
آية 1:- "هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ،"
إذًا لا تنظروا إلينا كرؤساء وسادة، بل انظروا إلى كل واحد منا كخادم للمسيح وكمؤتمن على الحقائق السماوية غير المعروفة والتي كشفها الله لنا.
كخدام = أصلها اليوناني عبيد، فنحن عبيد لله ننفذ أوامره. ولا نطلب إلاّ مجده
فليحسبنا = لا تنظروا إلى شعبيتي أو خلافه، فأنا لست شيئًا بل مجرد عبد لله.
وكلاء = استلم أمانة من الله ليعمل في كرمه (لو 12: 41-47). والوكالة ليست في أشياء مادية بل على سرائر الله = جاءت سرائر باليونانية μυστήριο ميستيريون mystries وتعني قوة خفية، أو معتقد أو مبدأ خفي. وهي تنطبق على الأسرار الكنسية اللازمة لتقديس الإنسان، وتجعله عضوًا حيًا في جسد المسيح، وتهيأه لحياة الشركة مع الرب الإله. إذًا كلمة وكيل سرائر الله تشير لعمله ككاهن يخدم أسرار الله (رو 15: 16).
آية 2:- "ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا."
ثم يسأل moreover it is required أي أن ما هو مطلوب من الوكلاء أن يكونوا أمناء ومخلصين فيما أوكل إليهم. هو يبدأ هنا في إعطاء درس عن كيفية التعامل مع الخدام بعيدًا عن روح التعصب والتحزب. ونراه هنا يقول أن تعاليم الخدام يجب أن تفحص لنرى هل هي متفقة مع تعاليم الكنيسة أو أن هناك شذوذ عن تعاليم الكنيسة. يُسأل = تفحص نوعية تعاليمهم.
آية 3:- "وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَرٍ. بَلْ لَسْتُ أَحْكُمُ فِي نَفْسِي أَيْضًا."
يوم بشر = هو أطلق على المحكمة البشرية يوم بشر بالمقارنة مع يوم المحكمة الإلهية (يوم الدينونة) المسمى يوم الرب. وليس معنى كلام الرسول هنا هو عدم الاهتمام بكلام الناس بصورة مطلقة، فالسيد المسيح طلب منا أن يرى الناس أعمالنا الصالحة ويمجدوا أبونا الذي في السموات. لكن المقصود هو أن نهتم أولًا بحكم الله وبأن نرضي الله، لا بأن نحوز رضا الناس، فالناس أحكامهم وقتية، وهي حسب الظاهر ولا تخلو من التعصب والجهل بأمور الخدمة. وأحكام الناس تأثيرها لا يمتد طويلًا. ومن يبحث عن رضا الناس وبالتالي عن أن يكون لهُ شعبية كبيرة سيكون بالتالي يبحث عن مجد ذاته. وفي آية 2 نجده يقول أنه يجب أن يفحص الناس في تعليم الخادم، وفي آية 3 يقول أنه لا يهتم بما يقوله الناس والحل سهل، فما يهتم به الخادم بالدرجة الأولى هو أن يُرضي الله، أما لو اهتم بأن يرضي الناس فسيحاول أن يجد ويقول ما يعجبهم ليحوز على إعجابهم، وهذا فخ للخدام. المهم أن يبحث الخادم عن صوت الله داخله ويردده. بل هو حتى لا يهتم بحكم نفسه على نفسه، فضمير الإنسان لا يخلو من خطأ وهو غير معصوم، ومصيره النهائي لن يتقرر بحكمه على نفسه. بل أن الرسول حين حكم على نفسه قال "الخطاة الذين أولهم أنا" (1 تى 1: 15) وحين تكلم عن خدمته قال "لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1كو 15: 10). هو في الآية السابقة قال لهم أنه مستعد أن يحاسبوه، ولكنه هنا يحذرهم أن يكون حكمهم خاطئًا وعلى سبيل الإدانة، لأن الناس تعودوا أن يحاسبوا ويدينوا الخدام، وقد يخطئوا فيوبخوا من يستحق الكرامة أو العكس. بل نجد الرسول هنا لا يحاول أن يبرئ نفسه، هو يترك من يتكلم ويدين ليفعل ما يريده، ويترك التصرف لله الذي يرى كل شيء.
آية 4:- "فَإِنِّي لَسْتُ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ فِي ذَاتِي. لكِنَّنِي لَسْتُ بِذلِكَ مُبَرَّرًا. وَلكِنَّ الَّذِي يَحْكُمُ فِيَّ هُوَ الرَّبُّ."
بالرغم من أن ضميري لا يؤنبني على تقصير ما في خدمتي فهذا لا يعني كمال أمانتي "فالله ينسب لملائكته حماقة" (آي 4: 18). هنا يلجأ لشهادة ضميره وهو كثيرًا ما كان يفعل ذلك (أع 23: 1 + 2كو 1: 12). ولكن حتى يصلح الضمير للحكم ينبغي أن يسلك الإنسان كما يرضي الله، ومع شهادة ضميره أنه لم يخطئ وجد أن هذا لا يبرره أيضًا، وهذا ما علم به رب المجد " متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون. لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17: 10) هذا هو الشعور المفروض أن يكون داخل كل خادم، أنه عبد بطال، تاركًا الحكم لله.
آية 5:- "إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ."
لا تستعجلوا في إصدار الأحكام على أي منا (بولس أو أبلوس) فهذا من حق الرب وحده، وحتى لا تسقطوا في خطية الإدانة، حتى يأتي الرب = أي يوم الدينونة حين ينير الرب خفايا الظلام = أي يظهر الأفكار الداخلية. أما الناس فيحكموا على الخادم من المظهر الخارجي، كلامه ووعظه. عمومًا ماذا يفيد الخادم من قول الناس عنه أنه ليس مثله، المهم رأي الله فيه في يوم الرب.
آية 6:- "فَهذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهًا إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا: «أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ."
حولته تشبيها إلى نفسي وإلى أبلوس = أنا تكلمت عن نفسي وعن أبلوس مع أنني أقصد أن جميع الخدام عليهم أن لا يحسبوا أنفسهم سوى أنهم خدام للمسيح فقط ولا أزيد، هو لا يريد أن يجرح خدام كنيسة كورنثوس لكنه لم يأتي بسيرتهم حتى لا يغتاظوا أو يغضبوا.
فوق ما هو مكتوب = قد يكون المكتوب " سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء" (1كو 1: 19). لأن من يدين ويحكم على غيره فهو قد اعتبر نفسه حكيمًا فهيمًا، والإدانة هي أن أسلب الله حقه كديان. وقد يكون الرسول بقوله هذا "ما هو مكتوب" لا يقصد آية معينة، بل يقصد أن هذا ما تعلمناه من الكتاب المقدس عمومًا أن ننظر إلى أنفسنا وإلى الآخرين بشيء من التواضع، إذًا علينا ألاّ ننتفخ بروح التبعية والتحزب والتفاخر بإنسان، بولس أم أبلوس أم صفا...
آية 7:- "لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟"
لأنه من يميزك = هذه للمعلمين الذين كانوا يطلبون الثناء ويفتخرون بأنفسهم ويؤلفون أحزابًا تدين لهم. وهو يقول لهم لماذا تفتخرون بأنفسكم فكل شيء حسن أخذناه من الله " لا تضلوا يا أخوتي كل عطية صالحة هي نازلة من فوق" (يع 1: 17). فلماذا تفتخر بما أخذته من الله كأنه من عندك. وما يوجه للناس هو أن كل خادم مميزاته التي عنده هي من الله فلماذا تفتخرون بمعلم أو بخادم وكل ما عنده هو من الله. وعلى كل واحد أن لا يفتخر بموهبته فلا يوجد إنسان خلق موهبته، لكن الموهبة هي من عند الله (1 بط 4: 10). فلماذا تفتخر بموهبتك كأنك أنت عملتها لنفسك ولم تأخذها من الله. وأهل كورنثوس كانت لهم مواهب يفتخرون بها. وعلى كل إنسان أن يفكر هكذا، أن أي ميزة عنده (ذكاء / مال / مركز...) هي من الله، وليشكر الله على ما أعطاه، وأن ينظر لمن ليس عنده ويطلب من الله أن يعطيه، بل يطلب من الله أن يرشده كيف يخدمه ويمجد اسمه بالعطية التي أعطاها لهُ. ولاحظ أن الشيطان إذ لم يفعل سقط من كثرة ما عنده فقال ليس مثلي (أش 14: 12-16). فلنفتخر بالله ليس بما نملكه من مواهب.
آية 8:- "إِنَّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ! قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكُمْ!"
بولس هنا وضع يده على خطية أهل كورنثوس ألا وهي الكبرياء الذي أخذ شكل التدين المريض والتعصب الأعمى. لقد شعروا بسبب المواهب التي أعطاها الله لهم أنهم شبعوا واستغنوا عن الله سريعًا، وهذا خداع من إبليس أن يُسقط حديثي الإيمان في خطية الكبرياء والبر الذاتي، هذه ضربة يمينية لكل مبتدئ، وقارن مع (في 3: 12-14). فهم شعروا أنهم وصلوا لقامات عالية جدًا، بل امتلكوا السماء، بينما الرسل أنفسهم ما زالوا يجاهدون. بل سعوا للمواهب التي فيها مظهريات ومجد ذاتي كالألسنة ليتفاخروا بها. أما التدين السليم، فمن عنده موهبة يشعر أنه لا يستحقها لخطيته. ولذلك فالله لا يعطينا مواهب كثيرة حتى لا ننتفخ ونتكبر فنضيع، بل في أحيان كثيرة يؤخر التعزيات مع كل جهادنا لخوفه علينا من خطية الكبرياء.
شبعتم = في خيالكم. ملكتم بدوننا = استحوذتم على ملكوت السموات بمفردكم دون أن تشركوننا معكم نحن معلميكم، وهذه سخرية من بولس عليهم، إذ هم تصوروا أنهم سبقوا معلميهم كبولس نفسه، فكأن بولس ما زال يجاهد ليحصل على ملكوت السموات، أما هم فوصلوا إليه. وليتكم ملكتم لنملك = فوصول المخدوم للمسيح هو تاج مجد للخادم، فلو كانوا قد ملكوا لكان بولس قد شعر ببركات هذا الملك، فله الفضل في هذا الملك. هنا نجد دعوة من بولس لهم ليتضعوا ويشعروا بشعور دائم بالحاجة إلى الله، فالكبرياء هي أن أشعر أنني شيء بدون الرب يسوع (رؤ 3: 17).
آية 9:- "فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ."
آخِرين = أنتم تشعرون شعورًا زائفًا أنكم شبعتم وصرتم في المقدمة، أما نحن قد أظهرنا الله أمام أعين الناس كما لو كنا في المؤخرة (وكان الرومان يضعون الأسرى المحكوم عليهم بالموت في آخر موكب النصرة الذي يتصدره القائد المنتصر وجنوده) = كأننا محكوم علينا بالموت = نظهر كمتهمين حُكِمَ عليهم بالموت " نُمات كل النهار، حسبنا كغنم للذبح " معرضين لأخطار رهيبة بسبب كرازتنا، أما أنتم فلا تواجهون هذه الأخطار. وهذا درس من الرسول أن الشبع الحقيقي ليس هو في المواهب بل في احتمال هذه الضيقات والاضطهادات، بل درس في اتضاع الرسول إذ يضع نفسه في مؤخرة الصفوف كمن هو غير مستحق الوقوف معهم. وبهذا يعطيهم درسًا. فهم تصوروا أنهم ملكوا وهو يقف في الآخِر لا ينتظر كرامة من أحد، صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس = أعمالنا تنال تقدير الملائكة وآلامنا تنال إشفاقهم وهم يتمنون ظفرنا، أما الناس فيحتقروننا ويتمنون فشلنا، هو قد صار عملنا منظرًا رديئًا بالنسبة للأشرار، وصار منظرًا مكرمًا من الملائكة الأخيار.
آية 10: - "نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ!"
هذه الآية سخرية منه على تخيلاتهم ومقارنة بالواقع الذي يجب أن يروه في حياة الرسول. فهم يبحثون عن الكرامة في العالم، ولكن عليهم أن يتشبهوا بالرسل الذين يبحثون عن الصليب الذي فيه كرامة لله. مشكلة أهل كورنثوس أنهم كانوا بلا آلام فانتفخوا، أما من يحمل صليبه فلا يصاب بالكبرياء (2 كو 12: 7).
نحن جهال = كما يرانا غير المؤمنين. أما أنتم فحكماء = كما ترون أنفسكم، في نظرة افتخار وغرور، وفي حقيقة الأمر أنتم تجهلون الحقائق الروحية. بل هم ادعوا الحكمة ونسبوا للرسل الجهل إذ أدانوهم.
آية 11: - "إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ،"
هذه هي أوسمة الشرف الحقيقية للخادم وليس كما يتصور الكورنثيون أنها المواهب والانتفاخ بها. آلام الكرازة هي المجد الحقيقي.
نلكم(1) = هذه للعبيد. في مقابل شعورهم بأنهم ملكوا. ليس لنا إقامة = فهو يجول يكرز في كل مكان، دائم التنقل، قد لا يجد ثيابًا كافية في برد الشتاء = نَعْرى.
آية 12: - "وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ."
هو في كرازته لا يثقل على أحد. بل يتحمل سخرية غير المؤمنين وشتائمهم ولا يقابل الشر بالشر. نشتم فنبارك = يصلي لأجل من يشتموه. نضطهد فنحتمل = الكلمة الأصلية لنحتمل سائلين الخير لمن يضطهدنا.
آية 13: - "يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ."
بينما يتكلمون علينا بالكلام الرديء وينسبون إلينا أشياء غير صحيحة فإننا نقابلهم بالكلام الطيب والإرشاد والوعظ. صرنا كأقذار = أصبحنا في نظر مَنْ نكرز لهم محتقرين مرذولين ومتهمين ومُفْتَرى علينا، ويسيء غير المؤمنين إلى سمعتنا.
صرنا وسخ كل شيء إلى الآن. هو يفتخر بهذه الآلام فبها يشارك المسيح.
آية 14: - "لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ."
لم أذكر آلامي وأقارن بينها وبين ما تدعونه من غنى مواهبكم لأخجلكم بل قصدت أن أنصحكم وأرشدكم وأنبهكم، فلا أقصد الإشارة إلى نقائصكم بل أقصد نصحكم بما فيه خيركم. وبعد ما قال بدأ يُظهر محبته وأبوته فيما يلي.
آية 15: - "لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ."
ربوات = إشارة للكثرة (الربوة = 10000). المرشدين = في اليونانية المرشد هو الذي يوكل له بالطفل فيصحبه للمدرسة ويدربه على الأخلاق الحميدة. آباء = الأب له ميزة على المرشد قطعًا. وبولس ولدهم إذ آمنوا على يديه فعليهم أن يطيعوه واثقين في أنه يحبهم كأب فيثقوا في تعليمه فهو يتكلم ويعلم عن محبة، فهو الذي بذر بذرة الإيمان، ومَنْ أتى بعده كان يهتم بالتوجيه والتعليم (غل 4: 19)(2). ونرى هنا بولس يقول أنه أب لهم إذ وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ. وهذا رد على مَنْ يفهمون قول السيد المسيح "لا تدعوا لكم أبا على الأرض" (مت 23: 9) بطريقة خاطئة، ويرفضون الأبوة في الكهنوت. فحين قال السيد المسيح هذا، كان يقصد اليهود الذين يظنون أنهم يفتخرون بالألقاب ويسمون أنفسهم هكذا، وأن هذا لفضل فيهم ولعلمهم. ولكن المسيحية تفهم الأبوة الروحية والبنوة الروحية كما قال بولس الرسول هنا تمامًا أنها في المسيح أي أن الكاهن في المسيح والمولود منه في المعمودية وفي الإيمان هو أيضًا في المسيح. كلاهما في المسيح، فلا أبوة خارجة عن المسيح، والكاهن يُثَبِّت أولاده في المسيح.
آية 16: - "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي."
قارن مع (اتس 2: 5-12 + اتس 1: 6، 7). كأولادي تمثلوا بي كما يتمثل الابن بأبيه. وهذا يلقي حملًا كبيرًا على الخدام، فهم قدوة. ولذلك نصلي "نجني من الدماء يا الله..." فكم نفس تهلك بسبب قدوتنا السيئة لهم.
آية 17: - "لِذلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، الَّذِي هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ وَالأَمِينُ فِي الرَّبِّ، الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ."
هدف إرسال تيموثاوس أن يصلح طرقهم وحياتهم بأن يذكرهم بالطريقة التي كان بولس يكرز بها في كل مكان وفي كل كنيسة ليتمثلوا به (ببولس).
آية 18: - "فَانْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِيًا إِلَيْكُمْ."
على أن بعضًا منكم كانوا يكذبون حقيقة مجيئي إليكم، ومن انتفخوا ومن تمادوا في خطيتهم كمن زنى مع امرأة أبيه ظنوا أنني لن أجيء وأعاقب.
آية 19: - "وَلكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا إِنْ شَاءَ الرَّبُّ، فَسَأَعْرِفُ لَيْسَ كَلاَمَ الَّذِينَ انْتَفَخُوا بَلْ قُوَّتَهُمْ."
حين يأتي الرسول سيختبر قوة هؤلاء الذين كانوا يتكلمون وهل لهم قوة حقيقية من الروح القدس، أو مجرد كلمات انتفاخ وذلك من ثمارهم أو العكس أي تدينهم الظاهري وجدلهم العقيم واحتقارهم للسلطان الرسولي.
آية 20: - "لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بِكَلاَمٍ، بَلْ بِقُوَّةٍ."
ملكوت الله ليس كلامًا جميلًا نردده بل هو حياة نعيشها بقوة الله. وهو يتأسس في النفوس ليس بالكلام، إنما بقوة عمل الله في النفوس التي تجذب القلوب وتدفعها للإيمان بالمسيح، فتعيش هذه النفوس بالتقوى بقوة معونة الله، ولنرى في حياة القديسين أمثلة جبارة، فهذا شاب يربطونه إلى عامود ويدخلوا إليه امرأة عاهرة لتسقطه فتخرج من عنده مؤمنة بالمسيح.
آية 21: - مَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَبِعَصًا آتِي إِلَيْكُمْ أَمْ بِالْمَحَبَّةِ وَرُوحِ الْوَدَاعَةِ؟"
هو يطلب إليهم أن يصلحوا أحوالهم حتى لا يأتي إليهم بعصا = تأديب وتأنيب ولوم. بل يرونه كأب محب في وداعة. وبولس بحكمة الروح القدس عَرِف متى يستخدم العصا ومتى يستخدم الوداعة مع خاطئ كورنثوس، هذه الآية مقدمة لإصحاح (5) الذي فيه نرى الرسول يستخدم العصا. وهو عموما كأب حكيم يعرف متى يستخدم العصا ومتى يستخدم المحبة ليجذب النفوس لله. ولكننا رأينا في سفر الأعمال كيف أن بطرس عاقب حنانيا وسفيرة بالموت وهنا نرى بولس يُسلم الزاني للشيطان لهلاك الجسد. فكانت العقوبات في بداية المسيحية لإظهار أن الله قدوس لا يحتمل الخطية، وحتى لا يشعر الناس في البداية أن الحرية في المسيحية معناها فوضى. فالعصا كانت هي السلطان الرسولي والذي به يعاقب الرسل الخطاة.
← تفاسير أصحاحات كورنثوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير كورنثوس الأولى 5 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير كورنثوس الأولى 3 |
_____
(1) إضافة من الموقع: "نُلْكَمُ"، أي نُضْرَب بقبضة اليد beaten/punched.
(2) أي أن بولس ولدهم ولم يُعَلِّمهم فقط.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/nfpf54q