← اللغة الإنجليزية: Macedonia - اللغة العبرية: מקדוניה - اللغة اليونانية: Μακεδονία - اللغة الأمهرية: - اللغة الأرامية: ܡܩܕܘܢܝܐ - اللغة اللاتينية: Macedonia.
وهي بلاد معتبرة موقعها شمالي بلاد اليونان. وأسست مملكة مكدونية في القرن السابع ق.م. واشتهرت في ايام فيلبس وابنه إسكندر ذي القرنين 359-323 ق.م. وكانت أول قسم من أوربا قبل الإنجيل. واختلفت حدود مكدونية باختلاف القرون غير أنها في أيام العهد الجديد كان يحدها شمالًا جبل هيمس في البلقان الذي يفصل بينها وبين ميسيا وشرقًا ثراكيا وجنوبًا أخائية (بلاد اليونان) وغربًا ايبروس والليريكون والفاصل من تلك الجهة سلسلة جبال بندس. وتنقسم إلى سهلين أحدهما وادي النهر أكسيوي الذي مصبه بقرب أمفيبولس وبين مصبي هذين النهرين شبه جزيرة ذات ثلاثة رؤوس ممتدة إلى البحر الإيجي على الرأس الشمالي منها جبل أثوس Όρος Άθως المتسربل بالثلج أكثر أيام السنة وقد مر بولس ورفاقه بالطريق الذي يخترق عنق شبه الجزيرة هذه، وسمي هذا الطريق الطريق الأغناطية. وتنبأ دانيال عن هذه المملكة (دا 8: 5-18، 21) وأخذها الرومانيون وكانت قصبتها حينئذ تسالونيكي (1).
ودعي بولس للتبشير فيها برؤيا خاصة (أع 16: 9؛ 17: 1-12) ثم عاد إليها (أع 20: 1-6) وربما زارها مرة ثالثة (1 تي 1: 3؛ في 2: 24). ويستدل من رسائل بولس إلى أهل تسالونيكي وفيلبي، أن أهل مكدونية كانوا موصوفين بخصال حسنة.
لا يتفق علماء الأجناس على أصل الجنس المكدوني، ودرجة قرابتها للجنس الهليني. ولكن هناك تقليد قديم بأنه كان فيهم عنصر هليني وعنصر غير هليني، ولكنه كان عنصرًا آريًا وثيق الصلة بالشعوب الفريجية وغيرها من الشعوب التراقية. ولكن العنصر الغالب وهو المكدونيون -بالمعنى الضيق- بما فيهم العائلة المالكة التي من المعروف أنها كانت أسرة يونانية، ترجع من خلال التمنديين (Temenids) من أرجيوس إلى الهرقليين (كما يذكر هيرودوت ሄሮዶቶስ) وقد سكنوا في السهول الخصبة حول وادي "الهالياكمون" (Haliacmon) الأسفل (وادي كراسو (Karasu)، ووادي أكسيوس (الوردار) إلى الشمال والشمال الغربي من خليج "رمايك " (Thermaic)، وكانت عاصمتهم أصلًا في إدسا (Edessa)، ثم نقلها فيليب الثاني إلى "بيلا" (Pella). أما القبائل الأخرى والأقدم، فقد اضطرت للنزوح شمالًا وغربًا إلى المرتفعات، وظلوا يصارعون على مدى أجيال عديدة للحفاظ على استقلالهم، مما أضعف الدولة المكدونية، وبخاصة بتحالفهم مع جحافل الليريكونيين والتراقيين الذين كانوا في حرب مستمرة مع ملوك مكدونية. وللاحتفاظ بوضعهم سالموا الولايات اليونانية، كما اعترفوا بولائهم للفرس مؤقتًا في بعض الأحيان، وهكذا وسعوا بالتدريج دائرة نفوذهم.
يرجع هيرودوت Herodotus بنسب العائلة المالكة إلى برديكاس (Perdiccas) الأول من خلال أرجيوس (Argaeus) وفليب الأول، وأيروبوس (Aeropus) وألكيتاس (Alcetas) وأمينتاس (Amyntas) الأول إلى الإسكندر الأول الذي كان ملكًا لمكدونية في أيام غزو الفرس لليونان، وقد عمل هو وحفيده برديكاس الثاني وأرخيلاوس الكثير لتعزيز قوة مكدونية. ولكن موت أرخيلاوس في 399 ق.م. أعقبته أرعبون سنة من الضعف والانحلال.
عندما تولى العرش فيليب الثاني بن أمينتاس الثاني في 359 ق.م. وكان رجلًا قويًا جسدًا وعقلًا، وقائدًا محنكًا، ودبلوماسيًا بارعًا، رأى بوضوح- من البداية- الغاية التي يجب أن يصبو إليها، وهي خلق جيش وطني عظيم ودولة قوية. وعمل بعزم وبلا كلل طوال حكمه الذي استمر 23 سنة، لتحقيق هذا الهدف، فأدمج القبائل المقدونية في أمة واحدة، ووضع يده -تارة بالقوة، وتارة بالدهاء- على المواقع الهامة في أمفيبوليس وبندا وبوتيديا وأوليثوس وأبدرا ومارونيا، وجمع كمية كبيرة من الذهب بتأسيسه فيلبي على موقع كرينيدس. ومد بالتدريج حكمه على البرابرة وعلى اليونانيين أيضًا، وأخيرًا حصل بعد معركة "كايرونيا" (Chaeronea) (338 ق.م.) على اعتراف اليونانيين أنفسهم به قائدًا عامًا للولايات الهيلينية، وزعيمًا للمكدونيين واليونانيين في الحرب ضد الفرس. وفي الوقت الذي أعد فيه العدة للقيام بهذه المهمة، اُغتيل بأمر من زوجته الخائنة أولمبياس (في 336 ق.م.) فخلف ابنها الإسكندر الأكبر أباه على العرش. وبعد أن استولى الإسكندر على تراقيا وإيرلاريا واليونان، وجَّه نظره إلى الشرق. وفي سلسلة من المعارك البارعة، قضى على الإمبراطورية الفارسية.
فبعد المعركة الفاصلة عند نهر جرانيكوس (334 ق.م.) خضعت له معظم بلاد آسيا الصغرى. وبمعركة إسوس (Issus) في 333 ق.م.) التي انهزم فيها داريوس نفسه، انفتحت الطريق أمام الإسكندر إلى فينيقية ومصر. وقد ختمت هزيمة داريوس للمرة الثانية في " أبرلا" (331 ق.م.) مصير الإمبراطورية الفارسية. ثم استولى الإسكندر على بابل وسوسة وبرسبوليس واكبتانا هي التوالي. وواصل الإسكندر زحفه شرقًا عبر هركانيا وآريه وأراكوسيا وبكتريا وسوجديانا حتى الهند التي وصل فيها حتى ((سوتلج (Sutlej) ثم عاد أدراجه عبر جدروسيا وكرمانيا وبرسيس إلى بابل، لإعداد العدة لفتح الجزيرة العربية. ونجد ملخصًا لأعماله في (1مك 1: 1-7) حيث نقرأ أنه: "الإسكندر بن فيلبس المكدوني.. من أرض كتيم "، كما يذكر غزوه لفارس في (1 مك 6: 2)، حيث يوصف بأنه "الملك المكدوني الذي كان أول ملك في اليونان" أي أنه أول من وحَّد- في أمة واحدة- الولايات اليونانية ما عدا الواقع منها إلى الغرب من البحر الأدرياتيكي.
مات الإسكندر في يونيو 323 ق.م. وتعرضت إمبراطوريته للتمزق نتيجة للصراع بين قواده (1مك 1: 9). وبعد فترة من المنازعات والفوضى، قامت ثلاث ممالك قوية على أنقاض إمبراطورية الإسكندر، هي: مكدونية، وسورية، ومصر. ولكن ظل النفوذ المكدوني قويًا في سورية، فنجد جنودًا مكدونيين في خدمة الملوك السلوقيين (2مك 8: 20). وفي 215 ق.م. عقد الملك فيليب الخامس بن ديمتريوس الثاني، وخليفة أنتيجونوس دوسن (229- 220 ق.م.) حلفًا مع هانيبال القرطجني الذي هزم قوات روما عند بحيرة "ترازميني" (217 ق.م.) وفي كانيا (216 ق.م.) وشرع في استرداد إيليريا. وأخيرًا بعد بضع سنوات من المعارك غير الفاصلة، عقد الصلح في 205 ق.م، وتعهد فيليب بعدم مهاجمة ممتلكات روما في شرقي البحر الأدرياتيكي. ونشبت الحرب المكدونية الثانية نتيجة تحالف أنطيوكس الثالث، ملك سورية، وفيليب ملك مكدونية ضد مصر في 200 ق.م. وانتهت بعد ثلاث سنوات بهزيمة ساحقة لقوات فيليب على يد قوات روما في تسالي (Thessaly)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وفي المعاهدة التي أعقبت هذه المعركة، تخلى فيليب عن فتوحاته في بلاد اليونان وإيليريا وتراقيا وأسيا الصغرى وجزر الأرخبيل، وعن أسطوله، وأنقص جيشه إلى 5000جندي، وأعلن أن لا حرب بعد ذلك، وعدم الدخول في أحلاف بغير موافقة روما.
في 179 ق.م. خلف برسيوس أباه فيليب على عرش مكدونية، فجدد التحالف مع روما، وشرع في العمل على تقوية نفوذه ومده، فنشبت الحرب في 172 ق.م. وبعد انتكاسات عديدة استطاع القنصل لوكيوس أميليوس بولس أن يهزم المكدونيين في معركة فاصلة في " بدنا " (Pydna) في 168 ق.م. (ارجع إلى (1 مك 1: 5)، حيث يُسَمَّى "فرساوس" "بملك كتيم"، فانتهت الملكية في مكدونية، ونُفي فرساوس إلى إيطاليا، ولكن مُنح المكدونيون الحرية والحكم الذاتي، وقسمت بلادهم إلى أربعة أقسام كانت عواصمها هي: "أمفيبوليس"، "تسالونسكي" Thessaloniki، "بيلا" و"بلاجونيا" على الترتيب. وكان يحكم كلاَّ منها مجلسها الخاص، ومُنعت الاتصالات بينها، وأُغلقت مناجم الذهب والفضة، وفُرضت عليها جزية تُدفع سنويًا لخزينة روما، تبلغ نصف ضريبة الأراضي التي كان قد فرضها الملوك المكدونيون.
ولكن هذا الخلط بين الحرية والتبعية لم يكن من الممكن أن يستمر طويلًا، فبعد إخماد ثورة أندريسكوس (148 ق.م.) تحولت مكدونية إلى ولاية رومانية، مع توسيعها بإضافة أجزاء من إيليريا وأبيروس وجزائر بحر إيجه وتسالي. وكان يُرسل إليها كل سنة حاكم من روما له سلطات عسكرية وقضائية واسعة، وزالت الحواجز بين أقسامها، وتحسنت الاتصالات بين أجزاء الولاية بإنشاء "الطريق الإغناطي" من "ديراكيوم" إلى "تسالونسكي"، ثم امتد بعد ذلك شرقًا إلى الدردنيل. وفي 146 ق.م. انهزم الأخائيون الذين كانوا قد أعلنوا الحرب على روما، ونهبت كورنثوس ودُمرت، وانحل الحلف الأخائي، وتحولت بلاد اليونان- تحت اسم أخائية- إلى ولاية رومانية تابعة لوالي مكدونية. وفي 27 ق.م. عندما قسمت إدارة الولايات بين أوغسطس قيصر ومجلس الشيوخ، وقعت مكدونية وأخائية في نصيب مجلس الشيوخ، وانفصلت إدارتاهما. وفي 15 م. أدى سوء إدارة مجلس الشيوخ بالولايتين إلى حافة الخراب، فنقلتا إلى إدارة الإمبراطور طيباريوس، الذي وحدهما تحت إدارة واحدة، إلى أن أعادهما كلوديوس قيصر في 44م إلى مجلس الشيوخ. ولهذه الصلة التاريخية والجغرافية، نجد مكدونية وأخائية تذكران معًا في العهد الجديد، مع ذكر مكدونية أولًا (أع 19: 21؛ رو 15: 26؛ 2كو 9: 2؛ 1تس 1: 7، 8).
اقتطع دقلديانوس (284- 305 م.) من مكدونية تسالي وجزائر ساحل إيليريا، وجعل منهما ولايتين، الثانية منهما باسم "إبيروس الجديدة". وفي أواخر القرن الرابع، انقسم ما بقى من مكدونية إلى ولايتين مكدونية الأولى، ومكدونية الثانية "سالوتاريس" (Salutaris) وفي 395 م.، عندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطوريتين الغربية والشرقية، ضُمت مكدونية إلى الشرقية. وفي غضون السنوات القليلة اللاحقة، اجتاحها القوط بقيادة أكريك. وفي النصف الأخير من القرن السادس، استقرت فيها أعداد كبيرة من السلاف. وفي القرن العاشر، وقع جزء كبير منها تحت حكم البلغاريين، ثم نشأت فيها مستعمرات من قبائل أسيوية مختلفة بأمر من الأباطرة البيزنطيين. وفي 1204 م. أصبحت مملكة لاتينية تحت حكم بونيفاس مركيز مونفرات. ولكن بعد عشرين سنة، أسس ثيودور أمير إبيروس اليوناني، إمبراطورية يونانية في تسالونيكي. وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر، أصبح الجزء الأكبر منها تحت سيادة الصرب. ولكن في 1430م. وقعت تسالونيكي في يد الأتراك العثمانيين، وظلت حتى 1913م جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. وهذا التاريخ هو السبب في هذا الخليط من السكان الذي يتكون أساسًا من أتراك وألبانيين ويونانيين وبلغاريين، وفيهم عنصر لا بأس به من اليهود والغجر والصرب وغيرهم.
تلعب مكدونية دورًا بارزًا في رحلات الرسول بولس في سفر أعمال الرسل الأصحاحات (أع 13-18)، كما في رسائله. وعلاقات الرسول بولس الحميمة بكنائس مكدونية (فيلبي وتسالونيكي وبيرية)، ولكننا سنتناول هنا بإيجاز زياراته لمكدونية:
في رحلته التبشيرية الثانية، جاء الرسول بولس إلى ترواس، ومنها أبحر مع سيلا وتيموثاوس ولوقا إلى نيابوليس، أقرب ميناء مكدوني، وذلك بناء على رؤية رجل مكدوني (يظن سير رمزي أنه لوقا) يقول له: "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (أع 16: 9). ومن نيابوليس سافر برًا إلى فيلبي، التي يصفها لوقا بالقول: "التي هي أول مدينة من مقاطعة مكدونية" (أع 16: 12). ومن فيلبى سافر بولس ورفيقه على الطريق الإغناطي، " فاجتاز في أمفيبوليس وأبولونية، وأتيا إلى تسالونسيكي " (أع 17: 1) التي كانت عاصمة مكدونية في ذلك الوقت. وإذ اضطرتهما عداوة اليهود لمغادرة تسالونيكي، انتقلا إلى بيرية، حيث بقي سيلا وتيموثاوس بها زمنًا قصيرًا بعد أن اضطر بولس لمغادرتها عندما أهاج اليهود الجموع ضده، وذهب إلى ولاية أخائية (أع 17: 14، 15). ومع أنه أرسل إلى رفيقيه لكي يسرعا إليه في أثينا (أع 17: 15) إلا أن اهتمامه بخير الكنائس المكدونية التي كانت حديثة النشأة، جعله يرسل تيموثاوس فورًا إلى تسالونيكي (1تس 3: 1، 2) ولعله أرسل سيلا إلى نواحي أخرى من مكدونية، ولم يعودا إليه إلا بعد أن مكث في كورنثوس بعض الوقت (أع 18: 5؛ 1 تس 3: 6). ويمكننا أن ندرك الانتشار السريع للإيمان المسيحي في مكدونية في ذلك الوقت، من العبارات التي يستخدمها الرسول بولس في رسالته الأولى إلى المؤمنين في تسالونيكي- أولى رسائله التي وصلت إلينا، والتي كتبت في أثناء زيارته الأولى لكورنثوس. فهو يتحدث عن المؤمنين في تسالونيكي بأنهم "صاروا قدوة لجميع الذين يؤمنون في مكدونية وفي أخائية" (1تس 1: 7)، ويمتدح محبتهم " لجميع الإخوة الذين في مكدونية كلها" (1تس 4: 10). والأعجب من ذلك قوله: " لأنه من قبلكم أذيعت كلمة الرب ليس في مكدونية وأخائية فقط، بَل في مكان أيضًا قد ذاع إيمانكم " (1تس 1: 8).
في رحلته التبشيرية الثالثة، زار الرسول بولس مكدونية مرتين. ففي أثناء خدمته الطويلة في أفسس، عزم على القيام بزيارة ثانية لمكدونية وأخائية، فأرسل اثنين من معاونيه (تيموثاوس وأرسطس) إلى مكدونية للإعداد لزيارته (أع 19: 21، 22). وبعد ذلك بفترة، عندما هاجمت الجموع في أفسس بتحريض من ديمتريوس الصائغ ورفقائه (أع 19: 23-41)، ودع بولس التلاميذ وخرج ليذهب إلى مكدونية (أع 20: 1). ولا يعطينا لوقا عن هذه الزيارة إلا كلمات موجزة، فبولس " لما كان قد اجتاز في تلك النواحي ووعظهم بكلام كثير، جاء إلى هلاس " (أع 20: 2)، ولكننا نعلم من رسالته الثانية غلى الكنيسة في كورنثوس، التي كتبها من مكدونية (والأرجح من فيلبي) في أثناء هذه الزيارة، الكثير عن تحركاته ومشاعره في تلك الأثناء. ففي أفسس غيَّر خططه، فقد كانت خطته أن يعبر أولًا بحر إيجة إلى كورنثوس، ومنها إلى مكدونية، ثم العودة إلى كورنثوس ليبحر منها إلى سورية (2كو 1: 15، 16). ولكن في الوقت الذي كتب فيه رسالته الأولى إلى كورنثوس- والأرجح أن ذلك كان في نهاية زيارته لأفسس- عزم على الذهاب إلى كورنثوس عن طريق مكدونية، وهو ما حدث فعلًا (1كو 16: 5، 6)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ونعلم من رسالته الثانية إلى الكنيسة في كورنثوس (2كو 2: 13) أنه سافر من أفسس إلى ترواس حيث ينتظر أن يجد تيطس، ولكن لم يكن تيطس قد وصل، وبولس، إذ لم تكن له راحة في روحه، ترك ترواس وابحر إلى مكدونية. ويبدو أن هذه المشاعر لازمته هناك أيضًا، حيث كانت هناك "من خارج خصومات، ومن داخل مخاوف"، إلى أن جاءه تيطس، مما بعث التعزية والراحة في نفسه (2كو 7: 5، 6). كما أن الرسول ابتهج بأخبار " نعمة الله المعطاة في كنائس مكدونية (2كو 8: 1). ففي وسط اضطهادات قاسية، احتملوا تجاربهم بفرح عظيم، ولم يمنعهم فقرهم العميق من أن يطلبوا منه بإلحاح أن يسمح لهم بالمشاركة في الجمع من أجل المؤمنين في أورشليم (رو 15: 26؛ 2كو 8: 2-4)، فقد كان السخاء في العطاء إحدى الفضائل البارزة في كنائس مكدونية منذ البداية، فقد أرسل الفيلبيون عطايا للرسول بولس في مناسبتين في أثناء زيارته الأولى لتسالونيكي (في 4: 16)، ومرة أخرى بعدما غادر مكدونية وذهب إلى كورنثوس (2كو 11: 9؛ في 4: 15). وهنا يبدو أن الكورنثيين كانوا قد جمعوا عطاياهم منذ العام السابق، مما جعل الرسول بولس يفتخر من جهتهم لدى المكدونيين (2كو 9: 2). ويقول إنه في زيارته القريبة لأخائية يمكن أن يرافقه البعض من مكدونية (عد 4)، ولكننا لا نعلم هل تحقق ذلك أم لا.
تمت زيارة الرسول بولس الثالثة لمكدونية بعد ذلك بثلاثة أشهر، وجاءت نتيجة تدبير مؤامرة من يهود كورنثوس لاغتياله، مما جعله يغير من عزمه على الإبحار من كنخريا- الميناء الشرقية لكورنثوس- إلى سورية (2كو 1: 16؛ أع 20: 3)، فرجع إلى مكدونية، ورافقه ثلاثة من المؤمنين المكدونيين (سوباترس وأرسترخس وسكوندس) وأربعة من أسيا الصغرى. والأرجح أنه سار في الطريق الإغناطي إلى فيلبي التي وصلها قبل عيد الفطير. وقد سبقه رفقاؤه إلى ترواس (أع 20: 5)، ومكث هو في فيلبي إلى ما بعد عيد الفصح (الخميس 7 أبريل سنة 57م. كما يذكر سيروليم رمزي). ثم أبحر من نيابوليس مع لوقا، وانضم إلى رفقائه الذين كانوا في انتظاره في ترواس.
في ختام سجنه الأول في روما، عزم الرسول بولس على زيارة مكدونية حالما يطلق سراحه (في 1: 29؛ 2: 24). ورتب أن يرسل تيموثاوس قبل ذلك ليزور الفيلبيين، وبلا شك بيرية وتسالونيكي أيضًا. ولا نعرف ما إذا كان تيموثاوس قد قام فعلًا بهذه الزيارات أم لا. ولكننا نعلم من (1تي 1: 3) أن بولس نفسه عاد إلى مكدونية مرة أخرى، ولعله ذهب إليها مرة خامسة في أثناء إقامته في ترواس، التي قد ترتبط على الأرجح- بمناسبة أخرى (2تي 4: 13).
(i)- من الجوانب البارزة في الكنائس في مكدونية، أهمية المكانة التي شغلتها النساء. فكانت النساء هن أول من تكلم إليهن الرسول بعد وصوله إلى فيلبي، كما كانت ليدية أول من فتح الرب قلبها لقبول الإنجيل، فكانت باكورة المؤمنين في أوربا، كما أنها أضافت الكنيسة في بيتها (أع 16: 14، 15-40). كما طرد الرسول روح العرافة من جارية في فيلبي (أع 16: 18). كما يذكر الرسول اسمي سيدتين جاهدتا معه في الإنجيل (في 4: 2، 3). كما كان بين أول من آمنوا في تسالونيكي "عدد ليس بقليل من النساء المتقدمات" [أي من علية القوم - (أع 17: 4)]. كما أنه في بيرية آمن أيضًا عدد ليس بقليل "من النساء اليونانيات الشريفات" (أع 17: 21).
(ii)- خصائص بارزة: يبدو أنه كان يربط الرسول بولس بالمؤمنين في مكدونية -بخاصة- علاقة وثيقة وحميمة. فكان سخاؤهم ورحابة قلوبهم، وفرحهم، وصبرهم، في التجارب والاضطهادات، ونشاطهم في نشر الإنجيل، ومحبتهم للإخوة، كانت هذه قليلًا من كثير مما كان الرسول بولس يمتدحه فيهم (1، 2تس، في؛ 2كو 8:1-8). كما يبدو أنهم كانوا أيضًا أكثر تحررًا -عن كنائس أسيا الصغرى- من النزاعات التهودية، ومن ((إغراءات الفلسفة والغرور الباطل)) (كو 2: 8).
(iii)- أعضاء الكنائس في مكدونية: نعرف أسماء عدد قليل من المؤمنين الأوائل في كنائس مكدونية: "سوباترس" (أع 20: 4)- والأرجح أنه هو نفسه "سوسيباترس" (رو 16: 21) من بيرية، و"أرسترخس" (أع 19: 29؛ 20: 4؛ 27: 2؛ كو 4: 10؛ فل24)، و"ياسون" (أع 17: 5، 9)، و"أبفرودس" (فى 2: 25؛ 4: 18) و"أفودية وسنتيخي" (في 4: 2)، وليدية (أع 16: 14، 40) وكانت من ثياتيرا أصلًا. وسكوندس (أع 20: 4) التسالونيكي، وأكليمندس (في 4: 3). ويحتمل أن لوقا البشير نفسه كان من فيلبي كما يرى سير وليم رمزي. كما يُذكر "غايس" بوصفه مكدونيًا (أع 19: 29)- وإن كان الأرجح أن الوصف "بالمكدوني" (بالمفرد) لا ينطبق إلا على أرسترخس- أما غايس فالأرجح أنه هو غايس الدربي (أع 20: 4).
* انظر: ابولونية، بيرية، نيابوليس.
_____
(1) أي أن تسالونيكي كانت هي عاصمة مقدونية اليونانية لفترة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tx8agz4