St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   07-Resalet-Coronthos-1
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

كورنثوس الأولى 14 - تفسير رسالة كورنثوس الأولى

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس:
تفسير رسالة كورنثوس الأولى: مقدمة رسالة كورنثوس الأولى | كورنثوس الأولى 1 | كورنثوس الأولى 2 | كورنثوس الأولى 3 | كورنثوس الأولى 4 | كورنثوس الأولى 5 | كورنثوس الأولى 6 | كورنثوس الأولى 7 | كورنثوس الأولى 8 | كورنثوس الأولى 9 | كورنثوس الأولى 10 | كورنثوس الأولى 11 | كورنثوس الأولى 12 | كورنثوس الأولى 13 | كورنثوس الأولى 14 | كورنثوس الأولى 15 | كورنثوس الأولى 16

نص رسالة كورنثوس الأولى: كورنثوس الأولى 1 | كورنثوس الأولى 2 | كورنثوس الأولى 3 | كورنثوس الأولى 4 | كورنثوس الأولى 5 | كورنثوس الأولى 6 | كورنثوس الأولى 7 | كورنثوس الأولى 8 | كورنثوس الأولى 9 | كورنثوس الأولى 10 | كورنثوس الأولى 11 | كورنثوس الأولى 12 | كورنثوس الأولى 13 | كورنثوس الأولى 14 | كورنثوس الأولى 15 | كورنثوس الأولى 16 | كورنثوس الأولى كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في هذا الإصحاح يعالج بولس الرسول موضوع التكلم بألسنة ويعقد مقارنة بين موهبة الألسنة والتنبؤ وأيهما أكثر نفعًا لبنيان المؤمنين. وموضوع الألسنة من أعقد أمور الكنيسة الأولى وأكثرها غموضًا، فهذه الظاهرة انتهت بانتهاء كنيسة الرسل. ظهرت يوم الخمسين ومع شعب أفسس ومع كرنيليوس وتكلم عنها بولس هنا فقط (أع 2: 1-13 + 46:10 + 1:11-18 +1:19-6). أمّا يوم الخمسين فلقد تكلم الرسل بلغات متعددة كآية لجمهور المجتمعين وإعلانًا للرسل أن يذهبوا ويكرزوا للعالم كله فيفهمهم الشعوب أثناء كرازتهم، ولذلك نجدهم قد تفاهموا مع سامعيهم بلغاتهم الخاصة (أع 37:2) وفي حادثة كرنيليوس. كان هذا علامة على قبول الله للأمم وفتح باب الخلاص لهم، فلقد فهم بطرس من تَكَلُّمْ كرنيليوس بألسنة أن ما حدث للرسل حدث للأمم. كلاهما أخذ نفس الموهبة. وفي يوم أفسس كانت الألسنة آية لمن نالوا الروح القدس، بعد أن قالوا ولا سمعنا أنه يوجد روح قدس وبهذا فهموا أن حلول الروح القدس قد أعطاهم مواهب. من كل هذا نفهم أن هذه الموهبة كان هدفها غير المؤمنين، لذلك قال بولس الرسول "أنها آية لغير المؤمنين" (1 كو 22:14) لذلك لم نسمع عن الألسنة بعد الكنيسة الأولى. ومن بعد دخول المسيحية إلى مصر حتى الآن لم نسمع عن موهبة ألسنة كانت لأحد من الآباء القديسين.

أما ما يصنعه الخمسينيون الآن فهو بلا أدنى هدف أو حكمة إلهية؛ ولا يعدو أن يكون حركات هستيرية مفتعلة:-

(1) فلقد حققت موهبة الألسنة غايتها بقبول الأمم، فلا داع الآن لهذه الموهبة. لا يوجد شعب بلا كارز بلغته، فلا احتياج لآخر من الخارج يكلمهم بلسانهم. فالمسيحية انتشرت في كل العالم.

(2) الانفعالات التي تصاحب الألسنة عندهم تتنافى مع الروح الوديع الهادي الذي للمسيح. والمسيحي مملوء سلام وهدوء.

(3) بولس يدعو لتمييز الأرواح (1كو 10:12) وهذا يعني تقييم الكلام الذي نسمعه لنحكم على صحته. فكيف يتم هذا مع وجود ألسنة غير مفهومة.

(4) الكبرياء تنشئ بلبلة وألسنة غير مفهومة، كما حدث في بابل (تك 1:11-9) أما المحبة فتعطي فهما لبعضنا البعض كما حدث يوم الخمسين.

(5) كيف يرى الرسول هذه الموهبة من واقع هذا الإصحاح:-

(أ) "لا تكونوا أولادًا في أذهانكم" (آية 20) فمن يسعى وراء موهبة استعراضية ما زال في مرحلة طفولة روحية. أمّا الناضج روحيًا فيسعى وراء ما يبني قابلًا الصليب.. فالمسيحي ليس طريقه الإبهار والبهرجة والمظهريات بل قبول الصليب.

(ب) "أفلا يقولون أنكم تهذون" (آية 23) من يراكم وأنتم في هذا الوضع تتكلمون بألسنة غير مفهومة سيقول أن هذا نوع من الجنون. فهل هذه طريقة للبنيان؟ المطلوب أن نبني السامع آية 9 + آية 24 + آية 16.

(ج) "الألسنة آية لغير المؤمنين" (آية 22) فما فائدتها أذن للمؤمنين.

6- ليس معنى هذا أن الرسول ينكر موهبة الألسنة، ولكن يفضل المواهب التي تبني، وعلى أن تكون لهذه الموهبة استعمال الآن ولكن ما فائدة الألسنة الآن.

7- إذا أعطى الله المؤمن موهبة ألسنة، وصلى بهذا اللسان، فمن المؤكد أنه سيفرح لأن أي عمل للروح في إنسان سيجعله يفرح... ولكن أيضًا إن صلَّى المؤمن بلسانه العادي سيفرح.

8 – الله يتدخل بطريقة معجزية ليعمل ما نعجز نحن عن عمله بالطريقة العادية فإذا كان يمكن للكارز أن يتعلم لغة الشعب الذي يكرز لهُ فلماذا الموهبة؟ الله أعطى للتلاميذ هذه العطية فهم كانوا صيادين بسطاء وسيرسلهم الله لكل العالم، فكيف يكلمون العالم سوى بلسانه. أمّا في أيامنا فنجد أن واحدًا مثل نيافة الأنبا انطونيوس مرقس أسقف أفريقيا قد عَلَّمَ نفسه كثير من اللغات الإفريقية وترجم لهم كتب الكنيسة.

9- الكنيسة تحتاج لألسنة ولكن ليس كما يفهمها الخمسينيون، فالكنيسة تحتاج لمن يكلم المتألم بكلام تعزية، ويكلم المستهتر بلسان تبكيت، ويكلم اليائس بكلام تشجيع هكذا كلَّم بولس أغريباس الملك بلسان غير فيلكس. فأغريباس الملك كان رجلًا عارفًا بالناموس، لذلك كلمهُ الرسول بولس من واقع الناموس، أمّا فيلكس الوالي الذي يحيا في الخطية، فكلمهُ بولس عن البر والتعفف والدينونة حتى أنه ارتعب (أع 1:26 -23 + أع 24:24، 25). وهذا ما كان يعنيه بولس الرسول بقوله "صرت لليهود كيهودي.. صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قومًا" (1 كو 20:9-22).

عمومًا فالكنيسة لا تعترض على أن تكون هناك موهبة ألسنة، على أن يكون لها فائدة لبناء الكنيسة. وكانت موهبة الألسنة تنفيذًا لوعد السيد المسيح في (مر 17:16).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

آية 1: - "اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ، وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، وَبِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا."

اتبعوا المحبة = إذا كانت المحبة أعظم الفضائل، وتملأ القلب سلام وفرح وهي عربون الحياة السماوية. فعليكم أن تطلبوا المحبة أولًا ولا تفضلوا عليها شيئًا آخر. ولكن جدوا للمواهب الروحية = لا مانع أن تجتهدوا لتمتلكوا مواهب للخدمة وللبنيان، ولكن بدون محبة ستصبح الموهبة سبب كبرياء وغيرة وحسد. وأول وأهم موهبة هي التنبؤ فبها تعلمون الآخرين، وهذا أفضل من التكلم بلسان لا يفهمه أحد. والتنبؤ هو توصيل الحق الذي يريده الله، الذي أعلنه لمن يتنبأ للآخرين سواء بوعظ أو نبوة عن المستقبل فكلاهما يتكلم عن السماء وكيفية الوصول إليها. ولاحظ أنه يقول عن المحبة إتبعوا = أي كلكم. فالمحبة يجب أن تكون في الكل، فبدون محبة أنا لست مسيحيًا. أما بالنسبة للمواهب فيقول جدوا = أي حاولوا. والله سيعطيني الموهبة التي أتمم بها العمل الذي يريده مني. عليَّ أن أطلب الموهبة لمجد الله وليس لمجدي الشخصي. لذلك علينا أن لا نطلب موهبة معينة، بل أن نمجد الله، لذلك هناك من يبحث عن الخدمات الخفية. وعمومًا فالكل بمواهبه يتكامل في الكنيسة ليتمجد اسم المسيح.

 

آية 2:- "لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ، وَلكِنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ."

أن موهبة التنبؤ أفضل من موهبة التكلم بألسنة، هذه التي كانوا يشتهونها في كورنثوس. لأن من يتكلم بلسان لا يستفيد منه الناس شيئًا، إلا أن يكون لهم نفس اللسان واللغة، وإذا سألت هذا الشخص: ماذا تفعل؟ قد تكون إجابته: أنا أصلي بالروح. إذن إن كان يكلم الله فليتكلم سرًا، فالصلاة هي كلام مع الله = لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ = والله يمكن أن نكلمه بأي لغة حتى اللغة الأصلية لنا، وإذا كنت تكلم الله فلماذا تكلمه بصوت عالٍ، كلم الله في السر، لكن كلم الناس بما يفيدهم علنًا. بدون ترجمة يكون اللسان أشبه بحديث خاص مع الله لا يستفيد منه أحد شيئًا ولن يفهمه أحد = ليس أحد يسمع. أذن فالأفضل أن يكلم الله في السر أو بنفس لغته الأصلية ولا داَعٍ للسان. أمّا لو وُجِدَ وسط شعب غريب مرسل لكرازتهم فليكلمهم بلغتهم وهذه فائدة موهبة الألسنة. أمّا لو وُجِدَ في وسط شعبه والله أعطاه هذه الموهبة ففائدتها أن الله يريد أن يرسله لشعب آخر للكرازة. لكن بينما هو ما يزال وسط شعبه، وعَمِل فيه الروح فيكون هذا ليعلن له أسرار وحقائق إلهية = ولكنه يتكلم بالروح وأسرار = أي أن الألسنة ليست للنشوة الروحية أو هي ليست مجرد أصوات غير ذات معنى. هنا الرسول لا يلغي الموهبة، لكنه يحدد طريقة التعامل معها

(1) أن كانت الكلمات هي صلوات فليكلم بها الله سرًا.

(2) لو كانت أسرار إلهية معلنة للناس فليترجم ليستفيد الناس ويسمعوا.

وهذا ما حدث يوم الخمسين إذ تكلم بطرس، وترجم الباقين لكل اللغات ففهم كل السامعين، كل واحد بلغته.

 

آية 3:- "وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ، فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ."

النبوة هنا هي تعليم الآخرين بكلام مفهوم للبنيان = أي ماذا يبني علاقتهم بالله وينميها ويعمقها. وعظ = تخويفهم من نتائج الخطية وشرح الممارسة العملية للحياة الإيمانية. تسلية =COMFORT أي راحة وتعزية، ليشعر المتألم براحة وسط آلامه بتجارب هذه الحياة. وفتح أبواب الرجاء أمامه.

 

آية 4:- "مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ."

يبني نفسه = بكل تأكيد من يتكلم بلسان يشعر بعمل الروح القدس فيه وفاعليته التي تلهب نفسه الباطنة وبهذا يبني نفسه، فأي موهبة تبني صاحبها. ولكن حسب تعاليم السيد المسيح فمن أراد أن يصلي (سواء بلسان أو بلغته الأصلية) فليدخل إلى مخدعه ويصلي سرًا (مت 5:6-8) حتى لا تكون الصلاة مظهريات تدخل الكبرياء للقلب. وأمّا من يتنبأ فيبني الكنيسة = لذلك اعتبر التكلم بألسنة هو أقل الدرجات في المواهب الروحية لأنها تستهدف الذات إن طلبها الإنسان -طالما لم يذهب للشعوب- ولا يترتب عليها بنيان الكنيسة. (راجع آية 28) وفيها نرى صاحب اللسان إن لم يكن يترجم فليصمت في الكنيسة وليكلم نفسه والله. والأفضل إن كَلَّم الله فليكن هذا بلسانه ليشترك معه ذِهنه، وهذا ما يقوله الرسول هنا (14، 15).

 

آية 5:- "إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، وَلكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ، إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ، حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَانًا."

الرسول يقيس أفضلية المواهب على قياس المحبة، لذلك يطلب لهم المواهب التي فيها نفع للآخرين مثل التنبؤ. والرسول لا يلغي الألسنة، لكنه يفضل أن يكون معها ترجمة ليستفيد الكل من إعلانات الله. هذا إذا كان الواعظ من بلد آخر ولا يعرف لساننا، ولكن ما معنى أن يتكلم واحد من كنيستي له نفس لساني بلسان آخر ثم يترجم له أحد. وقد يكون هذا في أيام الكنيسة الأولى حين كان الله يعد رسلًا وخدامًا ليذهبوا إلى كنائس بعيدة.

 

آية 6:- "فَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّمًا بِأَلْسِنَةٍ، فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ، إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ، أَوْ بِعِلْمٍ، أَوْ بِنُبُوَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيمٍ؟"

هنا يطبق الرسول المبدأ على نفسه، فهو لن يكون نافعًا لهم إن لم يكلمهم بلسان مفهوم. بإعلان = كشف عن أسرار إلهية خفية فائقة المعرفة. علم = تعليم عقائد أو وعظ أو تفسير ما يبدو غامضًا. تعليم = تقديم مبادئ مسيحية واضحة.

 

آيات من 7-9:- "اَلأَشْيَاءُ الْعَادِمَةُ النُّفُوسِ الَّتِي تُعْطِي صَوْتًا: مِزْمَارٌ أَوْ قِيثَارَةٌ، مَعَ ذلِكَ إِنْ لَمْ تُعْطِ فَرْقًا لِلنَّغَمَاتِ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا زُمِّرَ أَوْ مَا عُزِفَ بِهِ؟ فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضًا صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ، فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تُعْطُوا بِاللِّسَانِ كَلاَمًا يُفْهَمُ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا تُكُلِّمَ بِهِ؟ فَإِنَّكُمْ تَكُونُونَ تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ!"

الرسول يستخدم أمثلة ليشرح لهم ما يريدهم أن يفهموه.

اَلأَشْيَاءُ الْعَادِمَةُ النُّفُوسِ = أي التي لا حياة فيها، أي الجماد، وهنا يقصد الآلات الموسيقية. ويقول الرسول حتى هذه لها لغة مفهومة، فهناك موسيقى هادئة تُهدئ النفس، وهناك موسيقى للحزن وموسيقى للفرح. والْبُوقُ أيضًا = له معاني لكل صوت، فهناك صوت حين يُسمع يتهيأ المحاربون للقتال، وهناك صوت للتجمع وصوت للاستيقاظ. أمّا لو أعطت هذه الآلات نغمة واحدة أو نغمات عشوائية فلن يفهمها أحد، بل ستثير السامعين (كأن أُعطى بوق لطفل) فان كانت هناك لغة مفهومة تخرج من الآلات عادمة النفوس، فبالأولى على البشر ذوي النفوس الحية أن تكون لهم لغة مفهومة. العزف بلا معنى لا يُطرب أحد، كذلك اللسان إن لم يكن مفهومًا يصير مثل عدمه. تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ = أي بلا جدوى. إذًا إن لم تعطوا باللسان المعجزي الذي وُهِبَ لكم كلامًا يفهمه السامعون فكأنكم تتكلمون بلا جدوى. إن صدر من البوق صوت عشوائي فلن يفهم أحد ما الذي سيفعله، ومن يتكلم إذن بلسان غير مفهوم يكون كبوق عشوائي لا يؤدي المهمة المرجوة منه. فَرْقًا لِلنَّغَمَاتِ = أي نغمات متمايزة يخرج منها قطعة موسيقية لها معنى.

 

آيات 10-12:- "رُبَّمَا تَكُونُ أَنْوَاعُ لُغَاتٍ هذَا عَدَدُهَا فِي الْعَالَمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِلاَ مَعْنىً. فَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْرِفُ قُوَّةَ اللُّغَةِ أَكُونُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَعْجَمِيًّا، وَالْمُتَكَلِّمُ أَعْجَمِيًّا عِنْدِي. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا."

الأعجمي = هو من يتكلم لغة غير مفهومة أو الذي لا يفهم اللغة التي يسمعها. والمعنى أن هناك لغات كثيرة لها معنى عند من يتكلمها ولكنها بلا فائدة بالنسبة لي، لأنني لا أعرف هذه اللغات وأفهم معناها = أعرف قوة اللغة. فهناك لغات قوية تجد فيها الكلمات متعددة لتعبر عن كل شيء بتدقيق، فمثلا كلمة حب بالعربية تقابلها 3 كلمات في اليونانية (راجع مقدمة الإصحاح السابق). ولو أمامي كتب علمية قيمة جدًا لكنها بلغة لا أعرفها فستكون بلا فائدة بالنسبة لي، ولكن هذا لا يمنع أن بها معلومات ذات نفع لكن ليس لي. فأنت يا مَنْ تتكلم بلسان، ما الفائدة التي ستعود على مَنْ يسمعك وهو لا يفهم ما تقول. أتريد أن تكلم الله في صلاة، إذًا أدخل إلى مخدعك وكلم الله بلغتك ليشترك ذهنك. نصيحة الرسول لهم أن يطلبوا كغيورون أن يزدادوا في المواهب التي تبني الكنيسة وليس المواهب التي تُمَجِّد الشخص، كالألسنة التي لا يفهمها أحد. فالموهبة ليست للشخص نفسه بل لخدمة الآخرين ولبناء الكنيسة (1بط4: 10 + أف4: 7-16).

 

آية 13:- "لِذلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ."

على من له موهبة اللسان ويتكلم بكلام غير مفهوم، فليصلي أن يعطِه الله أن يترجم ليفهمه الناس، والله يريدنا أن نفهم، فالله خلق الإنسان عاقلًا. ولنسمع كيف يتعامل مع الإنسان: "أقنعتني يا رب فاقتنعت، وألححت عليَّ فغلبت" (إر 20: 7). أما الألسنة فكان هذا وضع خاص بالكنيسة الأولى، إذ كان الله يعطي الألسنة للبعض حتى ينطلقوا لبلاد أخرى. وهذه الآية تشير لِمَنْ وجد في نفسه الموهبة، ووجد نفسه يتكلم بلسان وسط الناس، قبل أن يغادر الكنيسة إلى البلد الذي يريده الله أن يذهب إليه. والسؤال المنطقي: هل لو أرسل الله رسولًا له هذه الموهبة إلى شعب ما، هل سيكلمهم وهو لا يفهم ما يقوله؟!

 

آية 14:- "لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ، فَرُوحِي تُصَلِّي، وَأَمَّا ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ."

الرسول هنا يرد على تصورات خاطئة لدى أهل كورنثوس، فهم يريدون هذه الموهبة، أن يصلوا بألسنة غير مفهومة ويشعروا بنشوة أو تفوق على مَنْ لا يصلي بلسان (والنشوة والتلذذ بالصلاة يحدثان أيضًا لو صليت بلسان مفهوم أي اللسان الذي وُلِدتْ فيه). بل ما يجب أن يعلمه من يصلي أن الروح القدس في أثناء الصلاة يضع أفكارا في عقل من يصلي، وكلمات على لسانه وهذا يعطيه فهما وحوارا مع الله. فما معنى أن يتكلم كلاما هو لا يفهمه، وهل يضع الروح القدس في عقله أو على لسانه أيضًا كلاما غير مفهوم. ربما تحدث التعزية من الصلاة بلسان ولكن العقل لم يستمع لصوت الروح.

إن كنت أصلي بلسان فَرُوحِي تُصَلِّي = هذا كلام أهل كورنثوس وليس رأي الرسول. بل الرسول يوضح لهم إن هذا لهو أسلوب خاطئ، فلا معنى أن أصلي بروحي دون أن أفهم ما أقول = ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ فلا معنى أن أكون خاضعا تحت تأثير وفاعلية الروح، بينما العقل غير مدرك ما يُقَال، ويظل العقل بدون نفع أي بدون ثمر إذ لا يشترك مع النفس في الموهبة. وخطأ أن نتصور أن الله يعطي موهبة أن يتكلم إنسان بلسان لا يفهمه هو نفسه فحتى الوحي هو عبارة عن فكر إلهي مُعَبَّرًا عنه بلغة الإنسان، فالوحي لم يلغ عقل النبي أو الكاتب. لذلك فأسلوب إشعياء المثقف يختلف عن أسلوب عاموس الراعي. وأسلوب بولس يختلف عن أسلوب يعقوب الصياد. فالوحي لا يلغي المواهب الخاصة في الكتابة واللغة. فالفكر هو فكر الله والأسلوب والصياغة هما للكاتب ويستغل فيهما خبراته وثقافته. على أن الوحي أيضًا يعصم الكاتب من الخطأ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونحن نفرِّق بين الوحي والإملاء (2بط1: 20 ، 21) فإن كان الوحي المقدس الذي يقتضي التعبير الدقيق لم يلغ عقل الإنسان، فيستحيل أن تأتي هبة من الروح في آخر الأيام لتلغي عقل الإنسان وتجعله يقول ما لا يفهم متوهمًا أنه يصلي بالروح. ولا يصح أن يعطي الله الإنسان أن يصلي كلامًا لا يفهمه ولا يعيه هو نفسه، بل إن الشيطان سيستغل هذا الوضع، ويضع كلمات هرطقة مثل يسوع أناثيما (1كو3:12). المظهريات تقود للكبرياء. والكبرياء يقود الإنسان ليلعب به الشيطان ويجعله يخطئ في الله. أمّا من حل عليهم الروح القدس في الكتاب فكانوا يحدثون بعظائم الله (أع11:2+46:10) أو كانوا يتنبأون مثل أهل أفسس (أع 6:19). ولم نسمع في الكتاب المقدس عمن تكلم دون أن يعي ما يقول. فتعظيم الله يعني تسبيح على عظائم الله وتمجيده وشكره، فهل هذا يتم دون وعي. والتنبؤ يعني كلام مفهوم بوعظ أو نبوات.

 

آية 15:- "فَمَا هُوَ إِذًا؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا."

هذا هو الوضع السليم الذي يقبله الله أنه حينما أصلي بالروح يكون ذهني واعيًا وفاهمًا لما أقول، فالموضوع ليس غيبوبة روحية، بل حوار مع الله. ولو كان هناك من يسمع ما أقول يجب أن أكون مفهومًا عند السامعين، وفي إتصال ذهني معهم، وتكون العبادة مفهومة للمشتركين فيها.

 

آية 16:- "وَإِلاَّ فَإِنْ بَارَكْتَ بِالرُّوحِ، فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ، كَيْفَ يَقُولُ «آمِينَ» عِنْدَ شُكْرِكَ؟ لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَاذَا تَقُولُ!"

بَارَكْتَ بِالرُّوحِ = باركت أي تسابيح شكر لله. وباركت بالروح أي بمفهومكم يا أهل كورنثوس، أنكم تسبحون الله بكلام غير مفهوم كموهبة من الروح القدس فإن سمعك الْعَامِّيِّ = أي من ليس له مواهب روحية خاصة ومعرفته محدودة، مثل هذا حينما تشكر أو تسبح بلسان كيف يقول آمين = أي كيف يكون هذا، إن لم يفهم ما تقول. من هنا نفهم أن المهم في العبادة المشتركة أن يكون هناك شركة بين من يصلي أو يرتل أو يعظ وبين السامعين. يجب أن يكون المصلي مفهومًا لدى السامع لتحدث الشركة ويقول آمين = أي يسبح الله ويشكره معك

 

آية 17:- "فَإِنَّكَ أَنْتَ تَشْكُرُ حَسَنًا، وَلكِنَّ الآخَرَ لاَ يُبْنَى."

لو كنت تشكر بلسان غير مفهوم، فأنت وحدك تصلي .

وتشكر حسنا = لكن بلا بناء للسامعين.

 

آية 18:- "أَشْكُرُ إِلهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِكُمْ."

ربما كموهبة أو لثقافته العالية. وغالبًا المعنى أنه يتكلم بألسنة كدارس لأنه لم يفهم اللغة الليكأونية (أع 10:14- 14).

 

آية 19:- "وَلكِنْ، فِي كَنِيسَةٍ، أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضًا، أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ."

تفهم الآية هكذا … أنا أفضل أن أتكلم في كنيسة خمس كلمات مفهومة وأعلمها للآخرين، عن أن أكلمهم عشرة آلاف كلمة بلسان. فقوله أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي = أي أدركها بعقلي وأُعَلِّم الآخرين بما أدركته. أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ = أكثر هنا معناها هذا أفضل من أن أتكلم 10000 كلمة بلسان، فهذا لن يبني السامعين. الرسول في الكنيسة يخرج من ذاته ويكون شغله الشاغل بنيان الناس إن في صلاة أو في وعظ.

 

آية 20:- "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ."

لا تكونوا أولادًا في أذهانكم = ما يطلبونه من مواهب ألسنة ما هو إلاّ أحلام طفولة، فالأطفال يفرحون بالشيء المزخرف في ظاهره حتى وإن كان بلا فائدة. ولاحظ أنه يصفهم بالإخوة قبل كلامه عنهم أنهم أولادًا في تصوراتهم حتى لا يغضبوا منه قبل أن يوجه لهم نصيحته. ومعنى كلامه أن التَعَلُّقْ بالألسنة من صفات الأطفال لما يحيط به من مظاهر مبهرة. وإن أردتم أن تكونوا أولادًا فكونوا هكذا في الشر، وهذا ما قاله السيد المسيح (مت 3:18). أي تتصرفوا بالبراءة التي يتصف بها الأولاد وكذلك في إخلاصهم، وبلا مكر ولا خداع.أما في الأذهان فكونوا كاملين = فالطفل لا يكون بعد قادرًا على الفهم، أي أن الرسول يريد أن موهبة الألسنة تكون مرتبطة بالفهم والإدراك. فكاملي الذهن هم من يبحثوا عن كل ما يبني الآخرين ويبني حياتهم.

 

آية 21:- "مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ: «إِنِّي بِذَوِي أَلْسِنَةٍ أُخْرَى وَبِشِفَاهٍ أُخْرَى سَأُكَلِّمُ هذَا الشَّعْبَ، وَلاَ هكَذَا يَسْمَعُونَ لِي، يَقُولُ الرَّبُّ»."

مكتوب في الناموس = لفظ الناموس يشير لكل العهد القديم. أمّا النبوة التي يشير لها بولس الرسول فهي من (أش 11:28-12). ومعنى النبوة أن الله أرسل لهم أنبياء يكلمونهم بلسانهم فلم يسمعوا لهم، فهاهو سيرسل لهم أشور وهي أمة تذلهم لتؤدبهم وهم (أي أشور) يتكلمون بلسان غريب عنهم؛ أي لن يستجيبوا لتوسلاتهم إذا طلبوا الرحمة منهم لأنهم ببساطة لا يفهمون ما يُقال، وهذا ليؤدبهم الله. ومع هذا لن يسمعوا، والمقصود بكلام الرسول:-

1) بهذا تصبح الألسنة علامة للدينونة، فشعب إسرائيل سيعاقب بوجوده وسط شعب غريب اللسان لأنهم رفضوا أن يسمعوا وصايا الله.

2) كأن الرسول يريد الربط بين معاناة إسرائيل من لغة الغزاة الغريبة وبين سلوك المؤمن البسيط إذا ما رأى الكاملين يتكلمون بلسان غريب لا يفهمه، فكلا الموقفين يحمل في طياته معاناة من اللسان الغريب لعدم القدرة على الاستيعاب والإحساس بالغربة والانعزال.

3) إن الله أرسل الألسنة التي تكلم عنها إشعياء كضربة تأديب لشعبه وليس للبركة، فما فائدة الألسنة التي تَتَمَسَّكون بها؟!

 

آية 22: - "إِذًا الأَلْسِنَةُ آيَةٌ، لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَيْسَتْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ."

إِذًا = هي ليست عائدة على آية 21 بل على كل ما مضى. فإذا فهمتم أن الألسنة لا فائدة منها لكم كمؤمنين، لأن ما يفيدكم هو النبوة. لذلك عليكم أن تفهموا أن الله أعطى موهبة الألسنة لنكلم بها غير المؤمنين بلسانهم. ونلاحظ أن الثلاث مرات التي ظهرت موهبة الألسنة فيها كانت لغير المؤمنين، فالله أعطى الرسل ألسنة يوم الخمسين ليكرزوا لغير المؤمنين في كل العالم. وبالنسبة لكرنيليوس وأهل أفسس فكانت الألسنة علامة على قبولهم.

 

St-Takla.org Image: "And thus the secrets of his heart are revealed; and so, falling down on his face, he will worship God and report that God is truly among you." (1 Corinthians 14:25) - by James Shaw Crompton. صورة في موقع الأنبا تكلا: "وهكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة. وهكذا يخر على وجهه ويسجد لله، مناديا: أن الله بالحقيقة فيكم." (1 كو 14: 25) - للفنان جيمز شو كرومبتون.

St-Takla.org Image: "And thus the secrets of his heart are revealed; and so, falling down on his face, he will worship God and report that God is truly among you." (1 Corinthians 14:25) - by James Shaw Crompton.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وهكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة. وهكذا يخر على وجهه ويسجد لله، مناديا: أن الله بالحقيقة فيكم." (1 كو 14: 25) - للفنان جيمز شو كرومبتون.

آيات 23، 24:- "فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ، فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، أَفَلاَ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ؟ وَلكِنْ إِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَنَبَّأُونَ، فَدَخَلَ أَحَدٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ أَوْ عَامِّيٌّ، فَإِنَّهُ يُوَبَّخُ مِنَ الْجَمِيعِ. يُحْكَمُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمِيعِ."

لو كنتم تتكلمون بألسنة كلكم ودخل عاميون = لا يعرفون شيئًا عن المواهب، أفلا يتوهمون أنكم تهذون. العامي هنا هو من له درجة من الإيمان ولكن لم يصل بعد إلى حد التمتع بالمواهب. ومن هنا نلاحظ أن العامي لو دخل مكان فيه مؤمنون يتنبأون، فإن ما يسمعه سيبكته ويتعلم منه. أمّا لو دخل إلى مكان يتكلمون فيه بألسنة فسيتعثر فيهم.

 

آية 25:- "وَهكَذَا تَصِيرُ خَفَايَا قَلْبِهِ ظَاهِرَةً. وَهكَذَا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ للهِ، مُنَادِيًا: أَنَّ اللهَ بِالْحَقِيقَةِ فِيكُمْ."

هذا يشبه من يسمع عظة ويأتي للواعظ ويقول لهُ "من قال لك ذلك عني" لأنه يتصور أن الواعظ يعرف عنه كل شيء، ولكن الواعظ قطعًا لا يعرف عنه شيئا، إنما هو عمل الروح القدس.

 

آية 26:- "فَمَا هُوَ إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ."

الرسول يريد أن كل المواهب تخدم من أجل البنيان.

مزمور = صلاة ملهمة بالروح القدس، ولقد تعودت الكنيسة على صلوات المزامير في اجتماعاتها، وربما يقصد الرسول الصلوات التي يهبها الروح للمؤمنين فالصلوات هي ضمن عطايا الروح القدس لِيُمَجَّد الله بها. ومن أمثلتها التسبحة والألحان والترانيم (كو 16:3). تعليم = شرح حقائق الإيمان بإلهام خاص من الروح القدس. لسان = موهبة الألسنة ولكن بطريقة بَنَّاءة. إعلان = ملهم بإعلان جديد أو نبوة أو كشف يخبر به السامعين. الترجمة = أي القدرة على تفسير الألسنة. فَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ لِلْبُنْيَانِ. والمقصود بعد كل ما قاله الرسول أن الترجمة ستكون في حالة مجيء خادِم من بلد آخر فليترجم له مَنْ له موهبة الترجمة. ولكن لا معنى أن يُعْطي الروح لسان لأخي وتترجمه لي أختي!

 

آية 27:- "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ، فَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ عَلَى الأَكْثَرِ ثَلاَثَةً ثَلاَثَةً، وَبِتَرْتِيبٍ، وَلْيُتَرْجِمْ وَاحِدٌ."

فاثنين اثنين = حتى لا يحدث تشويش. ولكن نفهم أن المؤمن الذي له موهبة الألسنة له القدرة على التحكم فيها. أمّا الذين فيهم روح دنس فلا يمكنهم التحكم في أنفسهم. وبترتيب = أي يتكلم الواحد بعد الآخر وليس في وقت واحد فيحدث التشويش. وللبنيان فليترجم واحد.

 

آية 28:- "وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ، وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ."

حتى لا يكون الموضوع فيه ناحية استعراضية، فليكلم نفسه = إن كان في هذا تعزيته. ويكون الله سامعًا له. ولا يرفع صوته ليسمعه أحد، فلن يفهمه أحد.

 

آية 29:- "أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، وَلْيَحْكُمِ الآخَرُونَ."

فليتكلم الأنبياء ويعظوا ويستمع لهم الآخرين ويميزوا بما لهم من موهبة تمييز الأرواح، هل هذا الكلام من الله أم لا (1 يو 1:4-3).

 

آية 30 :- "وَلكِنْ إِنْ أُعْلِنَ لآخَرَ جَالِسٍ فَلْيَسْكُتِ الأَوَّلُ."

إن حدث أن أُعطِيَ لأحد من المؤمنين الآخرين إعلان أو كشف، أي إذا تحرك أحد المؤمنين بواسطة نعمة الروح القدس وكشف له الروح القدس شيئًا. فعلى المتكلم أن يسكت ليعطي فرصة للآخر أن يتكلم. وبترتيب وبلا تشويش.

 

آية 31:- "لأَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ جَمِيعُكُمْ أَنْ تَتَنَبَّأُوا وَاحِدًا وَاحِدًا، لِيَتَعَلَّمَ الْجَمِيعُ وَيَتَعَزَّى الْجَمِيعُ.

يمكن للمؤمنين أن يتعبدوا ويعلموا ويتنبأوا ولكن بنظام. وكل واحد يكمل بتعليمه، تعليم الآخر، فالروح يعمل في الكل.

 

آيات 32، 33:- "وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ خَاضِعَةٌ لِلأَنْبِيَاءِ. لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ."

الرسول يؤكد بوضوح قدرة المؤمن أو النبي على أن يتحكم في موهبته، أي يستطيع الأنبياء أن يقفوا عن التنبؤ لأجل أن تعطي الفرصة للآخرين. أي في حالة إذا كانت النبوة من الله تكون أرواح الأنبياء خاضعة لهم، أي لا يغيب ذهنهم بل يكونون متحكمين في أنفسهم، أمّا من تحركهم الشياطين فلا يمكنهم التحكم في أنفسهم. فالله يعطي الموهبة ومعها الضابط حتى لا ينحرف بها الإنسان أو يجرفه الشيطان بعيدًا عن هدفها الأصيل. والله وضع أن تخضع موهبة التنبؤ للأنبياء. فالله الذي يهب هذه الموهبة هو ليس إله تشويش (أصل الكلمة يعني ضجيج) بل إله سلام. وعلى ذلك فيجب أن يسود النظام والسلام جميع الكنائس المسيحية في كل مكان.

 

آيات 35:34:- "لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ."

يبدو أن الوضع في كورنثوس كان فيه كثير من الجدل بخصوص وضع النساء. فيبدو أن النساء حاولن تقليد الرجال في كل شي وتغافلن عن وضعهن، ورفضن الخضوع لرجالهن، بل إتخذن موقف المعلم في الكنيسة بطريقة مظهرية وأحدثن ضجيجًا. والرسول رأى أن الوضع الإنجيلي السليم أن تصمت النساء في الكنائس، ويخضعن لرجالهن والرسول لا يطلب أن تصمت النساء بصورة مطلقة فهو في (1 كو 5:11) قال أن المرأة تصلي وتتنبأ، لكن الرسول طلب منع حب الظهور والتشويش وخضوع المرأة لرجلها فالرجل رأس المرأة. (لذلك ففي الكنيسة تقتصر الوظائف الكهنوتية على الرجال).

 

آية 36:- "أَمْ مِنْكُمْ خَرَجَتْ كَلِمَةُ اللهِ؟ أَمْ إِلَيْكُمْ وَحْدَكُمُ انْتَهَتْ؟"

عبارة فيها توبيخ، إذ يبدو أنهم في كورنثوس خرجوا على الأسس التي تنظم العبادة الجماعية وكان هناك تشويش. وكأن الرسول يقول لهم هنا: مَنْ أنتم حتى لا تذعنوا للحق الذي أُعلم به.. هل أنتم أصل الكرازة بالإنجيل = منكم خرجت كلمة الله. بل أنتم مجرد حقل واحد من حقول الكرازة. أم إليكم وحدكم انتهت = يرجع لكم الحق في ترتيب العبادة في الكنيسة. المعنى: هل لا يوجد مؤمنون إلاّ بينكم "ما فيش حد غيركم يعرف كلمة الله".. هل لا يتم ترتيب أمور الكنيسة إلاّ بالاعتماد عليكم. انتهت = أي لم تصل إلاّ إليكم فيكون لكم الحق في ترتيب الأمور كلها كما يتراءى لكم.

 

آية 37:- "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيًّا أَوْ رُوحِيًّا، فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ."

من هو نبي حقيقي سيدرك أن ما أكتبه إليكم هو الحق وهو وصايا الرب.

 

آية 38:- "وَلكِنْ إِنْ يَجْهَلْ أَحَدٌ، فَلْيَجْهَلْ!"

أي كل واحد حر أن يطيع أو يظل في عدم طاعته جاهلًا بما هو حق، وليتحمل كل واحد مسئولية نفسه ومسئولية تجاهله لما أقوله.

 

آية 39:- "إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ، وَلاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ."

هذا ملخص تعاليم الرسول، فهو لم يلغ الألسنة ولكنة يفضل التنبؤ.

 

آية 40:- "وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ."

لياقة وترتيب = فلتمارس كل الأعمال في الكنيسة بجدية ووقار وترتيب حسن.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات كورنثوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/07-Resalet-Coronthos-1/Tafseer-Resalat-Koronthos-1__01-Chapter-14.html

تقصير الرابط:
tak.la/4xtxzy8