← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ
وردت محتويات هذا الأصحاح باختصار شديد في (2 مل 14: 21-22؛ 15: 1-7).
بدأ عُزِّيا مُلكَه بحياة مستقيمة في عينيّ الرب مع اهتمامه بالإنشاءات ونصراته. لكن إذ حاول اغتصاب العمل الكهنوتي، ضُرِبَ بالبرص حتى يوم موته.
ملك عُزِّيا على يهوذا لمدة 52 عامًا، وهي أطول مدة لمَلِك على يهوذا. في سنواته الأخيرة بسبب التزامه بالسُكنَى في بيت المرض، كان ابنه يوثام يشاركه الحكم.
بالرغم من هذه المدة الطويلة التي قضاها عُزِّيا في الحُكْمِ، وردت سيرته 2 مل 15: 1-7 في سبعة آيات فقط.
قَدَّم سفر أخبار الأيام الثاني تفاصيل كثيرة لم ترد في سفر الملوك. ميَّزه هنا بخمسة أمور[1]:
1. أشار إلى سلوكه تحت إرشاد الكاهن زكريا [5]، كما كان يوآش تحت إرشاد أبيه الروحي يهوياداع (2 أخ 24: 2).
2. أبرز هنا اهتمامه العسكري، وأعماله الجريئة [6-9؛ 11-15]. كشفت الحفريات عن كثير من المعسكرات الحربية الواردة هنا.
3. اتَّسم بغيرته على التَقَدُّم في الزراعة والإنتاج الحيواني [10].
4. أوضح السفر سبب إصابته بمرض البرص (2 مل 15: 5) كعقوبة لتعدِّيه بممارسة عمل كهنوتي بعجرفة (16-21)، وذلك كما فعل شاول الملك (1 صم 13: 8-14).
5. أشار السفر إلى أن بقية أعمال عُزِّيا سَجَّلها إشعياء النبي [22].
مع طول مدة مُلْكِه مات، وفي السنة التي مات فيها رأى إشعياء النبي الملك الحقيقي، ملك الملوك، جالسًا على العرش، وأذياله تملأ الهيكل (إش 6: 1)!
|
1-5 |
|
|
6-8 |
|
|
9- 10 |
|
|
11-15 |
|
|
16-18 |
|
|
19-20 |
|
|
21-23 |
* من وحي 2 أي 26: هَبْ لي روح التواضع، فأتشبَّه بك يا ملك الملوك!
1 وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيَّا وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ أَمَصْيَا. 2 هُوَ بَنَى أَيْلَةَ وَرَدَّهَا لِيَهُوذَا بَعْدَ اضْطِجَاعِ الْمَلِكِ مَعَ آبَائِهِ. 3 كَانَ عُزِّيَّا ابْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ. 4 وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. 5 وَكَانَ يَطْلُبُ اللهَ فِي أَيَّامِ زكَرِيَّا الْفَاهِمِ بِمَنَاظِرِ اللهِ. وَفِي أَيَّامِ طَلَبِهِ الرَّبَّ أَنْجَحَهُ اللهُ.
وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيا وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً،
وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ أَمَصْيَا. [1]
هُوَ بَنَى أَيْلَةَ وَرَدَّهَا لِيَهُوذَا بَعْدَ اضْطِجَاعِ الْمَلِكِ مَعَ آبَائِهِ. [2]
قام عُزِّيا ببناء أيلة (إيلات)، وهي مدينة تقع بالقرب من عصيون جابر على الذراع الشرقي للبحر الأحمر. أخذها داود (2 صم 8: 20) ثم استرجعها الأدوميون. ارتبطت مرة بسليمان (2 أخ 8: 17)، ثم أصبحت في أيدي أدوم.
كَانَ عُزِّيا ابْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ. [3]
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. [4]
أقامت نعمة الله ملكًا جديدًا، وقَدَّمت له الفرص لكي ينمو ينجح، لكن دون أن تُلزِمَه بالسلوك باستقامة بغير إرادته، كما سبق ففعلت مع يوآش، وأيضًا مع أمصيا. فالأول بعد موت يهوياداع سار وراء مشورة الرؤساء مُحِبِّي الأصنام. والثاني بعد أن وهبه الله النصرة على بني أدوم سجد لأصنامهم. وها هي النعمة تعمل في عُزِّيا ليبدأ باستقامة، لكنه بعد ذلك بكبرياء قلبه حاول اغتصاب العمل الكهنوتي بتقديم البخور في بيت الرب.
"حسب كل ما عمل أمصيا أبوه": يذكره هنا من أجل أعماله الصالحة، ولا يذكر سقطاته.
وَكَانَ يَطْلُبُ الله فِي أَيَّامِ زَكَرِيَّا الْفَاهِمِ بِمَنَاظِرِ الله.
وَفِي أَيَّامِ طَلَبِهِ الرَّبَّ، أَنْجَحَهُ الله. [5]
كان على علاقة طيبة مع زكريا الفاهم فيما لله. يرى البعض أنه ابن زكريا الكاهن الذي رجمه جده يوآش (2 أخ 24: 21). يبدو أن زكريا هذا كان مُتبحِّرًا في النبوة، ورِعًا يطلب السماويات. بحسب الترجمة السبعينية كان له تأثيره عليه كمُعَلِّمٍ له، ربما كان يُفَسِّر له النبوات.
كان يطلب الله في أيام زكريا الفاهم بمناظر الله، فأنجحه الله، كما جعله فهيمًا يسمع لكلام الله على لسان زكريا. ليس من الضروري أن يوصف جميع الأنبياء بهذه الصفة، أي رائين. ولم يكن الكل قادرين على شرح مناظر الله، إنما هي موهبة تُعطَى لبعض رجال الله مثل يوسف ودانيال (دا 1: 7). لم يكتفِ عُزِّيا أن يعيد بناء ما دَمَّره العدو، بل سعى أن يجعله الله آمنًا من الهجوم. كان مُلتزِمًا بحماية القطيع من الأعداء الخارجيين والذين من الداخل.
التصاقه بزكريا وطلب مشورته جعله ناجحًا، إذ قيل: "وفي أيام طلبه الرب، أنجحه الله" [5].
الالتصاق بالله يهب المؤمن حياة ناجحة، ليس فقط في عبادته، وإنما في كل جوانب حياته. فالنجاح عطية من الله.
6 وَخَرَجَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَهَدَمَ سُورَ جَتَّ وَسُورَ يَبْنَةَ وَسُورَ أَشْدُودَ، وَبَنَى مُدُنًا فِي أَرْضِ أَشْدُودَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ. 7 وَسَاعَدَهُ اللهُ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَعَلَى الْعَرَبِ السَّاكِنِينَ فِي جُورِ بَعْلَ وَالْمَعُونِيِّينَ. 8 وَأَعْطَى الْعَمُّونِيُّونَ عُزِّيَّا هَدَايَا، وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى مَدْخَلِ مِصْرَ لأَنَّهُ تَشَدَّدَ جِدًّا.
وَخَرَجَ وَحَارَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ،
وَهَدَمَ سُورَ جَتَّ وَسُورَ يَبْنَةَ وَسُورَ أَشْدُودَ،
وَبَنَى مُدُنًا فِي أَرْضِ أَشْدُودَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ. [6]
كان بعضهم قد أتى بهدايا ليهوشافاط (2 أخ 17: 11)، وقاموا على يهورام ابنه (2 أخ 21: 16).
إذ التصق بالرب وهبه الله نصرة على الفلسطينيين الوثنيين، فحَطَّم حصونهم، وأقام مدنًا خاصة به في أراضيهم.
وَسَاعَدَهُ الله عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ،
وَعَلَى الْعَرَبِ السَّاكِنِينَ فِي جُورَبَعْلَ وَالْمَعُونِيِّينَ. [7]
ساعده كلمة الرب ضد الفلسطينيين وضد العرب الذين عاشوا في جيرار وسهول المعون Meun. جاء في الترجوم إنه يقصد بالعرب هنا أولئك الذين كانوا يُدعون Meuneons, Munites, Meonites[2].
وَأَعْطَى الْعَمُّونِيُّونَ عُزِّيا هَدَايَا،
وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى مَدْخَلِ مِصْرَ، لأَنَّهُ تَشَدَّدَ جِدًّا. [8]
9 وَبَنَى عُزِّيَّا أَبْرَاجًا فِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الزَّاوِيَةِ وَعِنْدَ بَابِ الْوَادِي وَعِنْدَ الزَّاوِيَةِ وَحَصَّنَهَا. 10 وَبَنَى أَبْرَاجًا فِي الْبَرِّيَّةِ، وَحَفَرَ آبَارًا كَثِيرَةً لأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّاحِلِ وَالسَّهْلِ، وَفَلاَّحُونَ وَكَرَّامُونَ فِي الْجِبَالِ وَفِي الْكَرْمَلِ، لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفِلاَحَةَ.
وَبَنَى عُزِّيا أَبْرَاجًا فِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الزَّاوِيَةِ،
وَعِنْدَ بَابِ الْوَادِي وَعِنْدَ الزَّاوِيَةِ وَحَصَّنَهَا. [9]
لم يكن عُزِّيا من الذين يبذلون طاقاتهم في الحروب مع الأمم على حساب بنيان بلده وشعبه.
وَبَنَى أَبْرَاجًا فِي الْبَرِّيَّةِ،
وَحَفَرَ آبَارًا كَثِيرَةً،
لأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّاحِلِ وَالسَّهْلِ،
وَفَلاَّحُونَ وَكَرَّامُونَ فِي الْجِبَالِ،
وَفِي الْكَرْمَلِ، لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفِلاَحَةَ. [10]
بنى أبراجًا لحماية المواشي من هجوم الأعداء، وهي للمراقبة والدفاع من الغزاة.
كان محبًا للفلاحة بجانب اهتمامه بالقطيع والمراعي والرعاة والمزارعين.
وكان محبًا للتعمير أيضًا كما للفلاحة. كان فخر للمزارعين أن يهتم أحد عظماء ملوك بيت داود بالفلاحة المنتجة، ولعل اهتمامه بالفلاحة أعطى لنفسه سلاحًا وسط المعارك والحروب، كما جعلته لا يمارس حياة الترف واللهو، كما يفعل كثير من الذين عُرفوا بالانتصارات في المعارك.
ماذا يقصد بالبرية والساحل والسهل؟[3]
1. يقصد بالبرية المنطقة المرتفعة في الجنوب والجنوب الشرقي الممتدة من الشاطئ الغربي للبحر الميّت حتى قرب بئر سبع.
2. الساحل: السهل المجاور للبحر في الغرب بين تلال اليهودية والبحر.
3. السهل: الأرض الخصبة جدًا التي وراء الأردن في سهول جلعاد.
الكرمل: يرى كالميت Calmet أنه يوجد كرمل في سبط يهوذا حيث عاش نابال، وكرمل Carmel أخرى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بجوار Kishon، وكلاهما يمتازان بأراضيهما الخصبة لزراعة الكروم.
اهتم بحفر آبار كثيرة مثل الآباء البطاركة، وهي تشير إلى الاهتمام بعمل الروح القدس، الماء الحيّ.
يُعَلِّق العلامة أوريجينوس عن الآبار التي حفرها إبراهيم وطمّها الفلسطينيون وملأوها ترابًا (تك 26: 15). بعد موته عاد إسحق ونبشها، وأزال عنها التراب (تك 26: 18)، قائلاً: بأن ما فعله الفلسطينيون الوثنيون يشير إلى عمل الشياطين في النفس البشرية حيث يفسدون فيها صورة الله. وما فعله إسحق كان رمزًا لعمل المسيح الذي يُعِيد لنا الصورة الإلهية بعمل روحه القدوس.
أما عن نبش الآبار التي يردمها عدو الخير بالقاذورات، فيتحقق بدراسة الكتاب المقدس باجتهاد مع الصلاة. لذلك يوصينا بالصلاة. ففي كثير من الأحيان، نكون بجانب آبار الماء الجاري- الكتاب الإلهي- ولكننا نعجز عن التَعَرُّف عليه بمفردنا.
v كما أن إسحق آتى لينبش الآبار التي حفرها أبيه، فإن المسيح فقط، (ورمزه) إسحق، هو الذي يمكن أن يُزِيلَ من آبار أنفسنا القاذورات التي ملأتها خطايانا، حتى يمكن للمياه الحية أن تطفو مرة أخرى. ويؤكد دوام "بقاء الصورة" في الإنسان، بالرغم من أخطائه، من خلال نعمة المسيح، حيث يمكن التحوُّل من حالة إلى أخرى: ونفس الشيء بالنسبة لدوام سكنى الروح.
v لذلك، فإن الآبار التي حفرها إبراهيم، التي هي أسفار العهد القديم، قد امتلأت بالتراب بواسطة الفلسطينيين، أو بالمُعَلِّمين الأشرار، الكتبة والفريسيين، أو حتى القوى المعادية... حتى لا يعطوا مشروبًا للذين هم لإبراهيم. فهؤلاء الناس لم يشربوا من الأسفار المقدسة، بل عانوا "من عطش كلمة الرب"، حتى يأتي إسحق، ويفتح لهم الخدام كي يشربوا.
وإننا نُقَدِّم الشكر للمسيح، ابن إبراهيم حيث كُتِبَ:" كتاب أجيال يسوع المسيح، ابن داود بن إبراهيم (مت 1:1) الذي أتى وفتح الآبار لنا. فقد فتحها للذين قالوا: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يُكَلِّمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟" (لو 24:32). لقد فتح هذه الآبار!
v فلنَعْلَم أننا أحيانًا نكون مُستَلْقين بجانب بئر "المياه الحية"، التي هي حول الكتب الإلهية، ونخطئ فيها. نأخذ الكتب ونقرأها، ولكننا لا نقترب من المعنى الروحي.
إذن، هناك ضرورة للبكاء والصلاة المستمرة التي بها يفتح الرب أعيننا، لأنه حتى أعين العميان الموجودين في أريحا، لم يكن ممكنًا إن تُفتَح إلا عندما يطلبون من الرب (مت 20:30).
وماذا أقول؟ إن أعيننا تُفتح، لأن المسيح أتى ليفتح أعين الذين لا يُبصِرون.
إذن، أعيننا انفتحت، ونُزِعَ حرف الناموس. ولكن أخشى أننا نغلقها مرة أخرى في سباتٍ عميقٍ، فلا نرى المعنى الروحي.
v كن مجتهدًا في قراءة الكتاب المقدس. نعم، كن مجتهدًا...
اقرع. فسيَفتح لك حارس الباب...
لا تكتفي بأن تقرع وتستقصي. فالصلاة هي أهم شيء لبلوغ الحقيقة الروحية.
لذلك، لم يقتصر مُخَلِّصنا على القول: "اقرعوا يُفتَح لكم" و"اطلبوا تجدوا"، بل قال أيضًا "اسألوا تعطوا".
فكل منا، الذي يخدم كلمة الله، يحفر آبارًا، ويطلب الماء الحي الذي بواسطته يُجَدِّد سامعيه.
v ما زال اليهود عند مارّة، مقيمين عند المياه المُرَّة، لأن الله لم يُرهم بعد الشجرة التي يصير بها الماء عذبًا[4].
v ألقى الرب بشجرة في المياه، فصارت عذبة. أما عندما تأتي شجرة (صليب) يسوع، ويسكن في داخلي تعليم مُخلِّصي، حينئذ يصير ناموس موسى "عذبًا"، ويصير مذاقه، لمن يقرأه ويفهمه، بالحقيقة حلوًا"[5].
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
11 وَكَانَ لِعُزِّيَّا جَيْشٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ يَخْرُجُونَ لِلْحَرْبِ أَحْزَابًا حَسَبَ عَدَدِ إِحْصَائِهِمْ عَنْ يَدِ يَعِيئِيلَ الْكَاتِبِ وَمَعَسِيَا الْعَرِيفِ تَحْتَ يَدِ حَنَنْيَّا وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ. 12 كُلُّ عَدَدِ رُؤُوسِ الآبَاءِ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ أَلْفَانِ وَسِتُّ مِئَةٍ. 13 وَتَحْتَ يَدِهِمْ جَيْشُ جُنُودٍ ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ وَسَبْعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمَلِكِ عَلَى الْعَدُوِّ. 14 وَهَيَّأَ لَهُمْ عُزِّيَّا، لِكُلِّ الْجَيْشِ، أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا وَخُوَذًا وَدُرُوعًا وَقِسِيًّا وَحِجَارَةَ مَقَالِيعَ. 15 وَعَمِلَ فِي أُورُشَلِيمَ مَنْجَنِيقَاتٍ اخْتِرَاعَ مُخْتَرِعِينَ لِتَكُونَ عَلَى الأَبْرَاجِ وَعَلَى الزَّوَايَا، لِتُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَالْحِجَارَةُ الْعَظِيمَةُ. وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى بَعِيدٍ إِذْ عَجِبَتْ مُسَاعَدَتُهُ حَتَّى تَشَدَّدَ.
وَكَانَ لِعُزِّيا جَيْشٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ،
يَخْرُجُونَ لِلْحَرْبِ أَحْزَابًا حَسَبَ عَدَدِ إِحْصَائِهِمْ،
عَنْ يَدِ يَعِيئِيلَ الْكَاتِبِ وَمَعْسِيَّا الْعَرِيفِ،
تَحْتَ يَدِ حَنَنْيَا وَاحِدٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ. [11]
اهتم أيضًا بجيشه، لاستكمال أسلحته الدفاعية.
يبدو أن عُزِّيا في أيام سلوكه باستقامة في عينيّ الرب اتَّسم بالتدبير الصالح والنظام، فأنشأ للجيش مؤسستين: جيش المقاتلين يخرجون للحرب أحزابًا، يستردون ما سبق أن فقدته المملكة. وجيش لحماية الحصون والبلاد، كانوا مستعدين للدفاع ضد أي هجوم من الخارج [12-13].
يبدو أن نظامه كان أفضل ممن سبقوه، لذلك أشار إليه يعيئيل الكاتب، الذي كان عمله أن يُسَجِّلَ أسماء الجنود أفرادًا حسب فرقهم (أحزابهم).
كُلُّ عَدَدِ رُؤُوسِ الآبَاءِ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَأْسِ أَلْفَانِ وَسِتُّ مِئَةٍ. [12]
يقصد برؤوس الآباء القادة في الجيش.
وَتَحْتَ يَدِهِمْ جَيْشُ جُنُودٍ،
ثَلاَثُ مِئَةِ أَلْفٍ وَسَبْعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُ مِئَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ،
بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمَلِكِ عَلَى الْعَدُوِّ. [13]
وَهَيَّأَ لَهُمْ عُزِّيا لِكُلِّ الْجَيْشِ،
أَتْرَاسًا وَرِمَاحًا وَخُوَذًا وَدُرُوعًا وَقِسِيًّا وَحِجَارَةَ مَقَالِيعَ. [14]
حجارة مقاليع: أَعدَّها لكي إذا ما حدث قتال يجدونها جاهزة.
وَعَمِلَ فِي أُورُشَلِيمَ مَنْجَنِيقَاتٍ اخْتِرَاعَ مُخْتَرِعِينَ لِتَكُونَ عَلَى الأَبْرَاجِ،
وَعَلَى الزَّوَايَا لِتُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَالْحِجَارَةُ الْعَظِيمَةُ.
وَامْتَدَّ اسْمُهُ إِلَى بَعِيدٍ،
إِذْ عَجِبَتْ مُسَاعَدَتُهُ حَتَّى تَشَدَّدَ. [15]
المنجنيقات: هي آلات لرمي الحجارة، بلغة العصر مدافع تقذف حجارة وليس قذائف. كان هذا السلاح موجودًا قبل عُزِّيا، لكنها تطورت، لتحمل كميات أكبر من الحجارة، أو تقذف على مدى مسافات أكبر.
كان عُزِّيا مهتمًا بالجانب العسكري، جاء في الترجوم: [صنع في أورشليم آلات رائعة: منجنيقات، وأبراجًا مجوّفة ثَبَّتها على الأبراج وعلى البستين (أجزاء ناتئة من الحصن) لكي تُصوَّب منها السهام والحجارة الضخمة[6].]
يرى البعض أن هذه المنجنيقات كانت متقدمة بالنسبة لعصرها، وأن مملكة يهوذا سبقت اليونانيين والرومان في استخدامها. لا نعجب إن كان ما قام به عُزِّيا أعطاه شهرة عالمية، وكان مصدر رعب لأعدائه[7].
16 وَلَمَّا تَشَدَّدَ ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ وَخَانَ الرَّبَّ إِلهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 17 وَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ كَهَنَةِ الرَّبِّ بَنِي الْبَأْسِ. 18 وَقَاوَمُوا عُزِّيَّا الْمَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: «لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيَّا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ الْمُقَدَّسِينَ لِلإِيقَادِ. اُخْرُجْ مِنَ الْمَقْدِسِ لأَنَّكَ خُنْتَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الإِلهِ».
وَلَمَّا تَشَدَّدَ ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ،
وَخَانَ الرَّبَّ إِلَهَهُ،
وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ. [16]
جاء في الترجوم: [لقد أخطأ ضد كلمة الله إلهه[8].]
لعل نجاحه وشهرته على مستوى عالمي، ورُعْب الأعداء منه، دفعه إلى الكبرياء، فتسلل في قلبه وفكره العصيان على الشريعة الإلهية.
للأسف رغم كل هذا النجاح ارتفع قلبه إلى الهلاك [16]. تعالى، وحاول اغتصاب الحق، لإيقاد البخور على المذبح الذهبي الخاص بالكهنة وحدهم (عد 16: 40). ضُرِبَ الملك بالبرص لاحتقاره قداسة الله، فبادر بالخروج من حضرة الرب.
سقط بعض الملوك الذين من نسل داود في الزنا أو عبادة الأوثان أو الزواج من وثنيات أو القتل، غير أن عُزِّيا لم يُتَّهم بأية خطية من هذا النوع، إنما خان الرب إلهه بتعدِّيه على وظيفة الكهنوت. وهو في هذا لم يتَّعِظ بما سبق أن فعله شاول البنياميني أول ملك لإسرائيل.
لم نسمع أن أحدًا من الملوك الصالحين أو الأشرار فعل هذا، فلماذا تجاسر عُزِّيا الملك، ودخل الهيكل ليوقد بخورًا على المذبح، بالرغم من معرفته أن الناموس يمنعه من ذلك، وقد دخل وراءه رئيس الكهنة ومعه ثمانون كاهنًا يقاومونه، أما هو فغضب جدًا وحنق عليهم؟
1. ربما ظَنَّ أنه أكثر غيرة وحبًا للعبادة من الكهنة ومن الملوك السابقين، فتعدَّى حدوده، ومارس ما لا يجوز له فعله.
2. ربما توَّهم أن الكهنة لم يقوموا بوظيفتهم بورعٍ وتقوى كما يجب، وأنه بإمكانه أن يعمل ما هو أفضل منهم.
3. ربما كان ذلك في يوم عيدٍ مقدسٍ، أو مناسبة خاصة به أو بأسرته، فدخل يُقَدِّم بخور شكر لله أو يطلب مراحمه، لكن للأسف بروح التشامخ والتحدِّي للوصية الإلهية.
4. ربما لاحظ أن الملوك الذين انحرفوا في عبادة الأوثان أوقدوا بخورًا بأنفسهم للأصنام، فأبوه أوقد بخورًا لآلهة أدوم (2 أخ 25: 14). وأيضًا يربعام (1 مل 13: 1). فأراد أن يؤكد أنه ملتصق بمذبح الرب لا مذابح الأوثان.
5. إذ تعرَّف على الكثير من الأسرار الإلهية وشرح النبوات بتلمذته لزكريا الفاهم بمناظر الله، لم يسلك بما يليق بهذه المعرفة، إنما ظَنَّ أنه صاحب معرفة أكثر من غيره، فسقط في الغرور والكبرياء.
هذا كله لا يُبَرِّر ما فعله، إذ لم يكن قانعًا بالكرامات والعطايا والنصرات التي وهبه الله إيَّاها، فأراد اغتصاب الممنوعات كما فعل أبوانا الأولان.
v توجد أربع علامات بها يُعرَف كل نوعٍ من كبرياء المتعجرفين:
عندما يظنون أنهم يقتنون أية سمة صالحة من ذواتهم.
وإذا اعتقدوا أنها وُهِبَت لهم من فوق، ولكن من أجل استحقاقاتهم الذاتية.
أو دون تردد عندما يفتخرون بأن لديهم شيء وهو ليس لديهم،
أو عندما يستخفون بالآخرين، ويرغبون أن يظهروا أنهم الوحيدون الذين لديهم ما لهم.
يفتخر الشخص بأنه اقتنى سماته الصالحة من ذاته، مثل هذا يقول له الرسول: "أي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت فد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟" (1 كو 4: 7)
مَرَّة أخرى، يُحَذِّرنا ذات الرسول ألا نظن أن أية عطية من النعمة تُوهَب لنا عن استحقاقات سابقة، بقوله: "لأنكم بالنعمة مُخَلَّصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد" (أف 2: 8-9). ويقول عن نفسه: "أنا الذي كنتُ قبلاً مُجَدِّفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت" (1 تي 1: 13). في هذه الكلمات يعلن بوضوحٍ أن النعمة لا تُعطَى لمستحقين، حين يُعَلِّمنا الأمرين، أي استحقاق له عن أفعاله الشريرة، وأن ما ناله هو بواسطة حنو الله.
لكن يفتخر البعض أن لديهم أمورًا بالحقيقة ليست لديهم، وذلك كما يتكلم الصوت الإلهي عن موآب بالنبي: "أنا عرفت كبرياءه وعجرفته، وأن فضيلته ليست حسب (استحقاقاته)" (راجع إر 48: 30). وقيل لملاك كنيسة لاودكية: "لأنك تقول إني أنا غني، وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولستَ تَعْلَم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ 3: 17).
والبعض في استخفافهم بالغير، يرغبون في الظهور أنهم الوحيدون أصحاب سمات صالحة يتَّسمون بها. هكذا نزل الفريسي من الهيكل دون أن يتبرَّرَ، لأنه وصف نفسه كما لو كان في موقفٍ فريدٍ، مستحقًا للأعمال الصالحة، ومَيَّز نفسه عن العشار المتوسل.
يُحَذِّرنا الرسل القديسون من خطية الكبرياء هذه. فإنهم إذ رجعوا من كرازتهم، وقالوا في كبرياء: "يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو 10: 17)، فلكي يحفظهم من الفرح بهذه العطية الفريدة لعمل المعجزات... أجابهم الرب للحال، قائلاً: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18).
v يا لحُب السيطرة! يا لشهوة المجد الباطل، كيف تُسقِط وتُهلِك كل شيء، تجعل البشر يقفون ضد خلاصهم وخلاص الآخرين. تجعلهم بالحق عميان، وفي ظلمة، ويحتاجون إلى من يقودهم بيديه[9].
v كيف يمكننا أن نتخلَّص من المجد الباطل؟ فَكِّروا في أولئك الذين من أجل المجد أنفقوا أموالاً كثيرة، ولم ينالوا شيئًا منه.
فَكِّروا في الأموات، أي مجد قد نالوه، وكيف أن هذا المجد لا وجود له، بل يبدو أنه صار كلا شيء. لتفكروا أنه يحمل مُجَرَّد الاسم "المجد" ولا يحوي فيه شيئًا حقيقيًا...
لنهرب من هذه الهوة، ولنطلب أمرًا واحدًا: المجد الذي من الله، وأن نكون مقبولين لديه، وممدوحين من سيدنا جميعًا. فإذ نعبر حياتنا الحاضرة في الفضيلة، ننال البركات الموعود بها مع أولئك الذين يحبونه بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقدرة والكرامة مع الآب والروح القدس إلى أبد الأبد وإلى انقضاء العالم[10].
v لنهرب من الكبرياء، لأنه أكثر الأوجاع خداعًا للنفس. فمنه تنبع الشهوة الرديئة ومحبة المال والكراهية والحروب والصراعات. لأن الذين يطمعون في نوال أكثر مما لديهم لن يستطيعوا أن يتوقَّفوا. شهوتهم لا تنبع إلاَّ من خلال حُبِّهم للمجد الباطل... إذا ما استطعنا أن نقطع الكبرياء، رأس كل شرٍ، يصاحب ذلك إمكانية إماتة كل أعضاء الشر الأخرى، ولا يوجد شيء يمنعنا عن أن نعيش على الأرض وكأنها سماء!...
إذا ما أردنا أن نقتني مجدًا، يلزمنا أن نهرب من مجد العالم، ونشتهي مجدًا من الله وحده. حينئذ نحقق الاثنين معًا (المجد في العالم ومن الله)، ونتمتَّع بهما بنعمة ربنا يسوع المسيح ومحبته الحانية[11].
v واضح أن الفخر المُبالغ فيه كان من سمات الرسل الكذبة[12].
v كما أن الكبرياء هو ينبوع كل الشرور، هكذا التواضع هو أساس كل ضبط للنفس[13].
وَدَخَلَ وَرَاءَهُ عَزَرْيَا الْكَاهِنُ،
وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ كَهَنَةِ الرَّبِّ بَنِي الْبَأْسِ. [17]
دخل الكهنة لكي يطلبوا منه الخروج من الهيكل، وكانوا يُعَلِّمون أن هذا يُكَلِّفهم حياتهم نفسها.
وَقَاوَمُوا عُزِّيا الْمَلِكَ، وَقَالُوا لَهُ:
لَيْسَ لَكَ يَا عُزِّيا أَنْ تُوقِدَ لِلرَّبِّ،
بَلْ لِلْكَهَنَةِ بَنِي هَارُونَ الْمُقَدَّسِينَ لِلإِيقَادِ.
اخْرُجْ مِنَ الْمَقْدِسِ لأَنَّكَ خُنْتَ،
وَلَيْسَ لَكَ مِنْ كَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الإِلَهِ. [18]
إذ حاول إيقاد البخور بنفسه في بيت الرب على مذبح البخور الذهبي، عارضه رئيس الكهنة والكهنة المُرافِقون له، إذ كانوا مستعدين لإيقاد البخور لحسابه حسب قانون وظيفتهم. شرحوا له بوضوح أن ما يفعله، يكسر الناموس، ويُعَرِّضه للخطر. أوضحوا له الآتي:
1. "ليس لك يا عُزِّيا": إذ لا يجوز حسب الشريعة لأحد سوى الكهنة من بني هرون أن يفعل هذا (خر 30: 7؛ تث 33: 10: 1 أي 23: 13). فداود وسليمان ويهوشافاط صَلُّوا مع الكهنة، وباركوا الشعب ووعظوهم، لكنهم لم يُوقِدوا بخورًا. للملك دوره وللكاهن دوره. ولا يجوز لإنسانٍ ما أن يمارس العملين: الملوكي والكهنوتي. فالملوك من سبط يهوذا، والكهنة من سبط لاوي. المسيَّا المُخَلِّص هو وحده رئيس الكهنة السماوي، وفي نفس الوقت ملك الملوك.
طلبوا منه أن يكرم الرب لا بممارسة ما لا يجوز عمله، إنما بالتزامه بروح الإخلاص والأمانة مع الحُبِّ والتواضع بما وهبه الله.
2. "ليس لك من كرامة من عند الرب الإله". قَدَّموا له تحذيرًا بأسلوب هادئ وديع، لأن ما يعنونه هو: "ستحلُّ بك فضيحة أمام الشعب مع هلاك لنفسك، فتفقد حتى كرامتك كملكٍ".
حَذَّروه مما يحلُّ بالغرباء الذين يقتحمون العمل الكهنوتي (عد 3: 10؛ 28: 6). فقد سبق قورح وجماعته وهم من بين لاوي وليسوا كهنة من بين هرون أن تمرَّدوا بتقديمهم بخورًا لله فهلكوا (عد 16: 35).
يليق بنا كمؤمنين في شركة مع السيد المسيح، كهنة وشعبًا، أن نتطلَّع إلى رئيس الكهنة السماوي، القادر وحده أن يحملنا إلى حضن أبيه.
19 فَحَنِقَ عُزِّيَّا. وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلإِيقَادِ. وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى الْكَهَنَةِ خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِجَانِبِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 20 فَالْتَفَتَ نَحْوَهُ عَزَرْيَاهُو الْكَاهِنُ الرَّأْسُ وَكُلُّ الْكَهَنَةِ وَإِذَا هُوَ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ، فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَادَرَ إِلَى الْخُرُوجِ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ.
فَحَنِقَ عُزِّيا.
وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلإِيقَادِ.
وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى الْكَهَنَةِ،
خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ،
فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِجَانِبِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. [19]
حنق عُزِّيا على الكهنة الذين وَبَّخوه، وأَصرَّ على تنفيذ ما في فكره. تطلَّع عُزِّيا إلى نصيحة الكهنة كتدخُّلٍ في شئونه الخاصة، وإهدارٍ لكرامته، ودخولهم في عداوة معه. مع هذا يرى البعض أنه كان أفضل من أبيه، إذ لم يسقط في عبادة الأوثان حتى عند سقوطه في الكبرياء واقتحامه الكهنوت.
"البرص[14]" في الطب الحديث هو مرض جلدي خطير يصل في بعض مراحله الخطيرة إلى تآكل بعض أطراف الجسم وتشويه شكل الإنسان، بجانب خطورته في انتقال العدوى سريعًا. ولعل ما ورد في العهد القديم تحت أسم "البرص" لا يعني مرضًا معينًا، إنما كل ما يمكن أن يُسَبِّب عدوى لا بين الناس فحسب، إنما حتى بين الأثاثات كانتقال العث من ثوب إلى ثوب، والسوس من خشب إلى خشب الخ.
قد يرى الإنسان في الحُكْمِ على الأبرص في ظل الشريعة الموسوية نوعًا من القسوة، مثل عزله بعيدًا عن الجماعة، وحسبانه نجسًا حتى يبرأ. لكننا نجد حتى في المجتمعات الحديثة بالرغم مما وصل إليه الطب من تَقَدُّمٍ فائقٍ في هذا القرن أن أصحاب الأمراض الجلدية يُعزَلون في مستشفيات أو مصحات بعيدة عن السكن، ويخشى حتى الأطباء على أنفسهم من انتقال العدوى إليهم.
ارتبط البرص في ذهن اليهود بالخطية، لخطورة المرض صحيًا، وتشويه جسم الإنسان، وسرعة نقل العدوى. لهذا استخدمه الرب أحيانًا للتأديب، كما فعل مع مريم أخت موسى بسبب كلامها ضد أخيها (عد 12: 10)، وما حدث مع جيحزي، حين مال قلبه وراء نعمان السرياني يطلب الفضة والذهب ويكذب على أليشع النبي (2 مل 5: 27)، وما أصاب عُزِّيا الملك لاعتدائه على وظيفة الكهنوت (2 أي 26: 16-21).
فَالْتَفَتَ نَحْوَهُ عَزَرْيَاهُو الْكَاهِنُ الرَّأْسُ وَكُلُّ الْكَهَنَةِ،
وَإِذَا هُوَ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ،
فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَادَرَ إِلَى الْخُرُوجِ،
لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ. [20]
إذ واجه الكهنة بعنفٍ وتحدٍّ للوصية الإلهية، ظهر البرص على جبهته، ليكشف المرض على ثمر العصيان للوصية، وأنه يلتزم بالخروج فورًا، لئلا يُصَاب بعقوبةٍ أقسى.
يخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن عُزِّيا هدَّد الكهنة بالقتل إن عارضوه، فتزلزلت الأرض، وانشق سقف الهيكل وسقطت أشعة الشمس على وجه الملك لتكشف عن حلول البرص على جبهته. ويرى البعض أن هذه الزلزلة هي التي وردت في عا 1:1؛ زك 14: 5.
هذه الضربة العلنية والتي شهدت لها الشمس، وعبَّرت الأرض عن غضبها، أنهت الشجار الذي حدث بين الملك والكهنة، فتشجَّعوا على طرده من الهيكل. بل بادر بنفسه بالخروج، من أجل ما حلَّ به من فضيحة.
لقد أدرك أن ما حلَّ به لا يمنعه فقط من تقديم البخور على المذبح، وإنما حتى من التعامل مع الناس، والاقتراب من مذبح الله.
لم يقتنع الملك بكلمات الكهنة، فأَقنعه الله بلغة المرض الذي يُفقِده كرامته وقدرته على الاقتراب حتى من المُقرَّبين له. أراد اغتصاب كرامة الكهنوت بجانب كرامة الملوكية، فتجرَّد من كل كرامة، حتى كرامة العامة من الشعب.
لقد أعطى الله مثالاً لما يحل بالمتكبّر، وكشف عن غيرته على نقاوة بيته، وطلب أن يعرف كل إنسانٍ مهما كان صالحًا وعظيمًا أن يلتزم بالوصية الإلهية.
يرى البعض أن الملك كان فاقدًا مخافة الرب، لذلك سمح الله له بالمرض، كي يعتزل المجتمع، ويتوقَّف عن الأعمال الملوكية ليُفَكِّر في علاقته بالله.
يرون أنه مع كونه ملكًا فاضلاً إلا إنه أخطأ بمحاولته اقتحام وظيفة الكهنوت، وهذه نقطة سوداء في حياته، وقد سمح الله بتأديبه. لقد ظن أنه يقترب من الله بالأكثر خلال تقديم البخور على مذبح البخور الذي لا يُقرِّبه سوى الكهنة. ولعله في فترة اعتزاله هذه رجع إلى نفسه، وأدرك خطأه وندم!
"لأن الرب ضربه". جاء في الترجوم: "لأن كلمة الرب جلب عليه الوباء[15]".
v الشخص الذي لا يُعهَد إليه بهذه الوظيفة ويمارسها بذاته، يسقط تحت نفس عقوبة عُزِّيا[16].
21 وَكَانَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَرَضِ أَبْرَصَ لأَنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَكَانَ يُوثَامُ ابْنُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ عَلَى شَعْبِ الأَرْضِ. 22 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ عُزِّيَّا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ كَتَبَهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ. 23 ثُمَّ اضْطَجَعَ عُزِّيَّا مَعَ آبَائِهِ وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي حَقْلِ الْمِقْبَرَةِ الَّتِي لِلْمُلُوكِ، لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ أَبْرَصُ. وَمَلَكَ يُوثَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.
وَكَانَ عُزِّيا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ،
وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَرَضِ أَبْرَصَ،
لأَنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ،
وَكَانَ يُوثَامُ ابْنُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ عَلَى شَعْبِ الأَرْضِ. [21]
بابتلائه بالبرص اضطر أن يعتزل المجتمع كله، حتى من أسرته والقادة العسكريين والمدنيين ومن رجال الدين، لقد فقد إمكانية القيام بالعمل الملكي، واضطر أن يترك ابنه يوثام "على بيت الملك يحكم على شعب الأرض" [21].
كان يظن الملك أنه فوق كل قانونٍ وكل سلطانٍ، فإذ صار أبرص خضع للفحص والحُكْمِ عليه من الكهنة (تث 24: 8).
أقحم نفسه بالدخول إلى القدس، حيث لا يجوز لأحدٍ الدخول فيه سوى اللاويين، الآن ببرصه لا يجوز له الدخول حتى في الدار الخارجية.
صار حال الملك مثل مريم أخت موسى وهرون التي أصيبت بالبرص (عد 7: 14).
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ عُزِّيا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ كَتَبَهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ. [22]
لقد فقد هذا العمل تمامًا، إذ لم يصلنا من إشعياء عنه سوى ما ورد في (إش 1:1؛ 6: 1).
في سنة وفاة عُزِّيا رأى إشعياء رؤياه (إش 6)، ليُعلِنَ أن الملك الحقيقي هو رب الجنود، وأن نعمة الله تقوم على الذبيحة (إش 6: 7).
ثُمَّ اضْطَجَعَ عُزِّيا مَعَ آبَائِهِ،
وَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ فِي حَقْلِ الْمَقْبَرَةِ الَّتِي لِلْمُلُوكِ،
لأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ أَبْرَصُ.
وَمَلَكَ يُوثَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [23]
لم يُدفَن في مقبرة الملوك، لأن جثمانه يحمل آثار البرص، ويُحسَب ذلك نجاسة.
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
للقديس مار يعقوب السروجي
إذ قام إشعياء النبي بعمله النبوي في أيام عُزِّيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا (إش 1:1)، يربط القديس مار يعقوب السروجي في ميمره 163 بين تصرُّفات عُزِّيا الملك ورسالة إشعياء النبي. جاء ميمره بمقدمة طويلة عن الثالوث القدوس، لأن إشعياء في رؤياه في سنة وفاة عُزِّيا رأى السيد جالسًا على كرسي عالٍ وأذياله تملأ الهيكل، وشاهد السيرافيم كل واحدٍ ينادي الآخر مُسَبِّحًا الثالوث القدوس، بقوله: قدوس، قدوس، قدوس... (إش 3:6). كما رَكَّز على نبوات إشعياء عن السيد المسيح والقديسة مريم، ثم تحدَّث عن رفض ابنة إبراهيم (اليهود) لسرِّ الثالوث القدوس وتَعَبُّدها للأصنام.
بعد هذا تحدث عن اقتحام الملك عُزِّيا للعمل الكهنوتي.
كعادته في قصائده عن نصوص الكتاب المقدس وأحداثه، جاء مار يعقوب فريدًا في تفسيره لما حدث مع عُزِّيا الكاهن.
يرى القديس مار يعقوب السروجي أن تصرُّف الملك عُزِّيا الذي بدأ ملكه بداية حسنة، إذ "عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل أمصيا أبوه" (2 أي 4:26)، لم ينحرف إلى اقتحام العمل الكهنوتي في كبرياءٍ وتشامخٍ وتحدٍ فجأة، إنما هو ثمرة تجاوبه مع الشعب الذي حتى في طاعته أحيانًا للملوك المُصلِحين كانت قلوبهم ملتهبة بالعبادة الوثنية والرجاسات. لقد عَلَّلَ ذلك بالآتي:
1. في بدء انطلاق الشعب من مصر، حين صعد موسى على جبل حوريب وتأخر، ألزموا هارون أن يصنع لهم عجلاً ذهبيًا يتعبَّدون له ويرقصون حوله.
2. كثيرا ما كان الشعب يقتدي بالأمم في ممارستهم للاحتفالات والمواسم بطريقة فاسدة ورجاسات.
3. كان الشعب يضغط على الملوك بممارسة العادات الوثنية علانية.
4. يبدو أن القديس مار يعقوب رأى في انحراف سليمان بزواجه نساء كثيرات والارتباط بالسراري كان بوازع من القادة الذين حوله، أو امتثالاً بالشعب المنحرف في هذا العمل بصورة أو أخرى. هكذا كان الملوك يتأثرون بالقادة الذين حولهم وبالشعب.
5. ذكر مار يعقوب أمثلة من الملوك الذين انحرفوا ولو إلى زمانٍ مُعَيَّن نحو العبادة الوثنية مثل رحبعام بن سليمان ويربعام الذي انشقَّ عن بيت داود وجمع حوله عشرة أسباط، وأخآب الذي تزوج إيزابل الشريرة وغيرهم، كان للشعب دوره في هذا الانحراف.
هكذا يرى القديس مار يعقوب مع مسئولية الملوك عن انحرافهم، غير أن الشعب كان مُعَلِّمًا لهم للفساد بطريقة أو أخرى. هذا لا يعفي الملوك من مسئوليتهم عن شرِّهم، إذ كانوا في انحرافهم يدفعون الشعب بالأكثر نحو الوثنية. هنا يظهر خطورة القائد والشعب أيضًا، حين يدفع كل منهما الآخر نحو الفساد أو التقوى.
v أَحَبَّت ابنة إبراهيم العجل (خر 32: 4)، وعَلَّمت ملوكها أيضًا أن يُحِبُّوا الأصنام.
أَحَبَّت جماعة الشعب العجل منذ طفولتها، وصاغت أصنامًا، وصنعت مواسم للأباطيل...
صار لها الملوك، وأبغضوا الرب كما أبغضته، واحتقر القضاة الله بِسَيْرِهم.
صارت مُعَلِّمة، ومنها تَعَلَّم الملوك الإثم، وأسكرتهم علنًا بالوثنية.
عرف الملوك بأنها تحب الأباطيل، وكل واحدٍ منهم كثَّر صنمًا ليُحسِنَ لديها.
رقد داود الملك العادل والإلهي، وقام سليمان الشاب الذي تربَّى مع الشريرات.
نصبت الجماعة له فخاخًا بفضل نساء كثيرات، وعَلَّمته أن يُصعِدَ الذبائح للآلهة (1 مل 11: 4).
أخذت رحبعام، وربَّته ليصير وثنيًا (1 مل 14: 23)، لأنها كانت تتوق أن تُكثِرَ الأصنام بكل الفرص.
كمل يربعام شهوتها الذي صاغ العجول (1 مل 12: 28-29)، وأراح نفسها أخآب وايزابل بأصنامهما (1 مل 16: 31).
الواحد أراحها، لأنه صنع صنمًا رباعي الوجوه، والآخر عزَّاها، إذ أجاز ابنه في النار، وصار وثنيًا (2 أي 33: 6-7)[17].
بعد أن تحدث القديس مار يعقوب عن عُزِّيا الذي بدأ بالاستقامة، وانحرف نحو الوثنية وعاداتها في قلبه، وقد ساهم المحيطون به في ذلك، رأى ملوك الأمم المحيطة يُحسَبون رؤساء كهنة للأوثان، يَتمتَّعون بالسلطان الملوكي كما الكهنوتي. لهذا حسب نفسه في وضع مُهِين بين ملوك الأرض.
تجاسر ليمارس العمل الكهنوتي، وحين نصحه كاهن بخطئه، لم يبالِ بذلك، بل أهانه كمن قد وطأه تحت قدميه.
صوَّره القديس بأنه في وقاحةٍ خطف المجمرة من يد الكاهن قسرًا، ودخل إلى مذبح البخور ليُقَدِّمَ بخورًا أمام الله.
v عُزِّيا الذي حفظ نفسه من الوثنية جعلته (ابنة إبراهيم) يخطف مكان الكاهن بجسارة.
إن كان لا يمِل السامع من التعليم، فإن الميمر قد تَحَرَّك ليظهر خبر عُزِّيا.
خبر ذلك الوحي الذي (صار) عند إشعياء سببه موجود هنا لمن يسمع بتمييزٍ.
لبس عُزِّيا جسارة قلب ملوك الأرض وكبرياءهم، لكي يضع البخور أمام الله.
ظفر في الحرب، وعظمت نفسه في المملكة، وتَكَبَّر ليضع البخور في مكان الكاهن.
ولم يكفِهِ أنه لم يحسب حسابًا للكاهن الذي وطئه، بل تجاسر وخطف الكهنوت بإثم.
التاج الذي ناله من الله وجده صغيرًا في عينيه، فدخل ليخطف المجمرة بالإكراه من اللاوي.
لم يكفِهِ أنه قام في ولاية ملوك الشعب، فحسن لديه أن يخطف بجسارة درجة الكهنة.
وبكبرياءٍ مُهِينٍ للاهوت، خطف بإثم مجمرة الكاهن من يديه.
دخل بعنف الرئاسة إلى هيكل الرب، وضَلَّ بالسلطة، وسقط عن أداء الواجب.
نفخه كبرياء الرئاسة، ولم يفهم بأنه لا يجوز له وضع البخور أمام الله[18].
يُقَدِّم لنا القديس مار يعقوب السروجي صورة حيَّة للعلاقة بين السلطان الزمني للدولة ورجالها والدور الفعَّال للكنيسة وقادتها. ليس من تنازع بين الدولة والكنيسة. فسلامة الواحدة فيها بنيان للاثنتين. تُعطَى لرئيس الدولة كرامته ويُعترَف بسلطانه، ويُكرَم قادة الكنيسة فيما يخص دورهم.
ليس من حق الدولة أن تلزم الكنيسة بما يتعارض مع إيمانها ودورها الروحي الفعَّال، ولا من حق رجل الدين التدخُّل في السياسة.
v أعطى الله للبشر سلطتين، الواحدة للمملكة، والأخرى معها للكهنوت.
الملك صاحب سلطان على الأراضي وعلى الولايات، والكاهن صاحب سلطان على النفوس وعلى الضمائر.
يأمر الملك الأجسام، وتسمع صوت أمره، ويأمر الكاهن الأرواح وتسمعه.
للملك سيف يقتل الجسد فقط، وللكاهن حق الحرمان الذي يقدر أن يقطع النفس.
الملك صاحب سلطان على المقتنيات وعلى المباني، والكاهن صاحب سلطان على الأرواح لينتهرها.
يقدر الملك أن يعطي الذهب لمن يحبه، ويقدر الكاهن أن يغفر للشعب الذي يطلب منه.
للملك تاج علني ورئاسة، وللكاهن كلمة خفية تحل العقد.
أعطى الناموس القوس للملك، والمجمرة للكاهن، ليقوم كل واحدٍ منهما بما يخصه حسب سلطته.
لا يليق السيف بالكاهن إن استله، ولا الملك أن يحمل المجمرة إذا اشتاق إليها.
الأمور الروحية هي للكاهن من قبل الله، وللملك أن يُدَبِّرَ الأمور الجسدية.
لا ذاك صاحب سلطان ليأمر الأمور العلنية، ولا ذاك يقدر أن يُدَبِّرَ الأمور الخفية.
الكاهن كاهن والملك ملك: إنهما سلطتان لينتظم العالم بالكهنوت وبالمملكة[19].
تجاوز الملك عُزِّيا حدوده، فأراد أن يُقَدِّمَ بخورًا في هيكل الرب، فوبَّخه عزريا الكاهن، طالبًا منه ألا يقتحم هيكل الرب، ويمارس عملاً ليس من اختصاصه.
v تجاوز عُزِّيا الملك حدوده، وأسقط الكاهنَ، وبجسارته أخذ مكانه.
له القوس وله المجمرة، وكما ظن صارت له المملكة والكهنوت أيضًا.
أخذ ما هو للملوك، وفَتَّش عما هو للكهنة، ولو أمكن لخطف الرمح الخارجي والعطر الداخلي.
بكبرياءٍ تجاوز الواجب كل يومٍ، ودخل إلى الهيكل، وأخذ المجمرة بإثمٍ.
وألقى البخور ليدخل ويعطر أمام العظمة، فتحرَّك الكاهن بتوبيخٍ مملوءٍ نورًا.
بدأ ابن اللاويين يتكلم بدون خوفٍ ضد الملك بصوتٍ عالٍ وهو يقرعه.
الهيكل المقدس هو بيت في سلطة الكاهن، والكاهن لم يكن يخاف من توبيخه.
شرع الكاهن يقول للملك وهو يوبخه: اعلم أيها الملك بأن هذه الدرجة ليست درجتك.
لك سلطان في الخارج لتدبير الولايات، أما الرئاسة في بيت الغفران، فليست خاصة بك.
أنت ملك فقط لا كاهن، لا تضل! فالمجمرة ليست خاصة بك من قِبَل الله.
عليك أن تأمر بالحروب الخارجية، أما الذبائح الداخلية فعليَّ أنا أن أُصعِدَها.
ليس لي قوس، وليس لك عطر من قبل الله، خذ ما يخصك، ولا تتصرَّف بما لا يخصك.
يكفيك تاجك ورئاسة كل الشعب، فلا تخطف درجة أخرى ليست خاصة بك.
إنك ملك، لا سلطان لك على الكهنوت، فامكثْ فيما أنت فيه، ولا تشتهِ ما لا يخصك.
خذ السيف واخرج، وكن قويًا على الأراضي، وأعطني المجمرة لأضع البخور في بيت الغفران.
أعطاك العلي المملكة، وأعطاني الكهنوت! يا ملك الشعب، ماذا تتوخى من درجة الكهنوت؟[20]
ما كان يشغل قلب عزريا الكاهن ليس أن الملك سَلَبَه سلطانه، وإنما أقحم نفسه في عملٍ خاصٍ بسبط اللاويين، كاسرًا الشريعة.
في جسارةٍ أخذ الملك المجمرة، ودخل ليُقَدِّمَ بخورًا، مُتشبِّها بملوك الأمم الوثنية. لذا أسرع الكاهن يُحَذِّره حتى لا يُدِينه الله على تهاونه مع الملك. شعر الملك أن الكاهن أهانه، واستخفَّ به أمام حاشيته الملكية وأمام الكهنة، فحقد عليه، وفَكَّر كيف ينتقم منه.
v تكلم الكاهن بطهارةٍ القلب ضد الملك لئلا يسكت ويصير مُلامًا من قِبَل الله.
لم يتذمَّر لأن الملك خطف درجته، لكنه تذمَّر بسبب عنف جسارته.
كان الكاهن متضايقًا، لأن النظام اضطرب هناك، فاغتاظ لاوي وأبناؤه الأحبار من عُزِّيا.
أخذ الرجل المجمرة ليدخل (ويعطر) ولم يكن لاويًا، وقد وُطئ وأُبطل ناموس بيت الله.
تَسَلَّح الكاهن البهي بالتوبيخ ضد هذا التصرُّف، واحتقر الملكَ بسبب الإثم الذي ارتكبه.
وإذ صدر التوبيخ على عُزِّيا، صار مُحتقَرًا ومُهمَلاً أمام جنوده.
رماه الكاهن بكلمات الحق، كما لو كان بسهامٍ، وطُعِنَ الملك، وتصاعد غضبه كالدخان.
تضايق وغضب، وصار أضحوكة أمام حاشيته، وصار يُهَدِّد الكاهن، مُفَكِّرًا بما يصنعه به.
وقف الكاهن وفمه مملوء توبيخًا، يقرع الملك مثل صبي مُلام قد أَذْنَبَ.
كان الملك مملوءًا حقدًا وغضبًا وقسوة قلب، وفكر في الضربة التي يضرب بها الكاهن[21].
إذ ارتدى الملك الجسارة على المقدسات الإلهية، حلَّ بجبهته البرص كلباسٍ ارتداه لا يستطيع الخلاص منه. عوض البخور برائحته الطيبة، صدر عن المجمرة التي في يد الملك رائحة الكبرياء والعجرفة والتشامخ، رائحة لا يطيقها رب السماء!
صار الملك كمن دخل وليمة السماء بثيابٍ دنسةٍ، فاستحق الطرد. حَلَّ به البرص علامة التزامه بمفارقة الهيكل فورًا. صار الملك العنيف في خزيٍ وعارٍ، أما الكاهن المُفترَى عليه فرأى السماء تتحرَّك لتدافع عن قدسية الهيكل. يبدو أن الملك – في نظر القديس مار يعقوب السروجي- أراد أن يغتصب لباس المجد الكهنوتي، فارتدى البرص البغيض.
v أظهر الرب ما يخصه في بيت الغفران، فصدر البرص، وقبض على الملك، وجعله مُدَنَّسًا.
لبس عُزِّيا قميصًا من مائدة اللاهوت، لأنه كان قد لبس الجسارة.
فحصت العين الخفية، وتطلعت إلى مجمرته، ورأت بأنه وضع بخورًا بكبرياء لا بعدلٍ.
رأت أنه احتقر الكاهن القائم في بيت الغفران، ولم يسمح له بوضع البخور لله.
وأراد أن يدوس ذلك الكاهن الفقير والبهي، فأخذ مجمرته ليُدخِلَها هو أمام الله.
حسب الملك وقوفَه وراء الكاهن إهانة له، وأيضًا عودة الرئاسة في الهيكل المقدس إلى الكهنة.
بكبريائه لم يتنازل حتى يُغفر له بالبخور الذي يُدخِله ابن اللاويين لأجل الكثيرين.
ولهذا صعد من مجمرته عطر نتن، وفاحت رائحة كريهة إلى العدالة، وتصاعد غضبها.
وعندما تَدَنَّس بحرمانه وبالعطر الذي قَرَّبه، ألبسته ثوبًا مدنسًا على أعضائه.
أُصيب الملك بالبرص، لأنه اشتهى سلطةً ليست خاصة به، ولبس الكاهن بهجة الوجه أمام الكثيرين.
من البيت المقدس خرج البرص لعُزِّيا، لئلا يخطف لباس الكاه، ويعطر البخور.
صار البرص شاهدًا للكاهن، ووبَّخ الملك، وصار في خزيٍ له، لأنه كان يسيء التصرُّف.
أراد أن يتجاوز على الأفود لباس الكهنة، فلبس بدل الأفود البرص البغيض[22].
يَشْتَمُّ الله القدوس قداسة القلب والفكر وأعماق النفس رائحة بخور طيبة.
قد يكون الإنسان طاهر الجسد، أي أن جسده نظيف، إلا أن دنس القلب يسكب دنسًا حتى على أعضاء الجسم. وهبنا الله الإرادة الحُرَّة، لكي نُقَدِّمَ اشتياقنا للخلاص ومحبتنا لله عطرًا زكيًا، فيهبنا المغفرة.
دخل عزيا الملك الهيكل بإرادته الحُرَّة، يحمل كبرياء قلبه، فعوض تقديم بخور عطر، قَدَّم رائحة دنسة، لهذا خرج مرتديًا البرص على جبهته علامة غضب الرب عليه.
v القلب النقي هو مُحرَقة أمام الله، الذي يحب الأفكار الطاهرة كالعطور.
مَحَبَّة (خلاص) النفس هي مجمرة مملوءة حياة، ومحبة الرب هي سكيب يصعد أمام العظمة.
طلب الرب من أبناء لاوي أن يُدخِلُوا أمامه أفكارهم مع مباخرهم.
بحجة المجمرة نَقَّى النفس التي تحملها، لتكون رائحتها طيبة كالعطور.
نار المجمرة مُشَبَّهة كلها بمحبة الرب، والعقاقير بالحركات الصادرة من الفكر.
وعندما تصدر الأفكار الصالحة من الإرادة الحُرَّة، تقبلها محبة الرب بحرارةٍ.
يتصاعد عطر زكيّ الرائحة إلى الله، ويصدر غفران من العظمة للمقرب.
لم يُقَرِّب عُزِّيا عطر النفس، بل خُطِفَ بإثم مجمرة الكاهن.
وبعدلٍ صدر عليه البرص من البيت المقدس: أجرة بغيضة للمجمرة المُقَرَّبة ببغضٍ.
كان قلبه دنسًا وجسده طاهرًا، ولهذا بسط دنسَ نفسه على أعضائه.
عندما دخل عُزِّيا إلى الهيكل المقدس، كان متكبرًا بالمملكة والعجرفة والسلطة.
وعندما خرج كان تاجه مطأطأ، وروحه هابطة، ولابسًا البرص، وقد صار سخرية للبلدان.
جرى كل هذا لأنه تكبَّر، وتجاسر ليدخل ويعطر البخور أمام العظمة.
وإذ أخذ المجمرة من الكاهن ابن اللاويين، لبس البرص، وأُهين أمام المشاهدين.
تجاوز عُزِّيا حدوده، وأثم بخلاف نظامه، فصار غريبًا عن المملكة، لأنه أخذ المجمرة[23].
جاءت رؤيا إشعياء في سنة وفاة عُزِّيا الملك (إش 1:6)، وجاء قول الرب لهوشع في أيام عُزِّيا ويوثام (هو 1: 1). استنتج القديس مار يعقوب من هذين النصين أن إشعياء عاصر حادثة اقتحام عُزِّيا العمل الكهنوتي والتزم الصمت، ربما لأنه كما قال في رؤياه: "ويل لي، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش 5:6). إذ صمت ولم يُوَبخ الملك على ما فعله، فقد إشعياء روح النبوة إلى حين، وحَلَّ على هوشع ليُوَبِّخَ الملك. يرى القديس يعقوب أنه كان يليق بإشعياء أن يُوَبِّخَ الملك كما فعل عزريا الكاهن. سمح الله لإشعياء بالصمت كتأديب له فترة برص عُزِّيا حتى يوم موته. وعندئذ إذ قَدَّم إشعياء توبة صادقة، فكان مُرّ النفس على ما حَلَّ بالشعب، اعترف أنه نجس الشفتين، وأن الشعب نجس الشفتين. إذ تمتَّع إشعياء النبي بهذه الرؤيا السماوية، أدرك سرَّ الابن الوحيد. ارتعب قدام القدوس، وتذكَّر أنه لم يُوَبِّخ عُزِّيا الملك على حماقته وعجرفته ومحاولته اغتصاب السلطان الكهنوتي بالعنف. اعترف إشعياء النبي بخطئه، حاسبًا نفسه أنه نَجِسُ الشفتين، وساكن بين شعب نجس الشفتين.
هذا رأي شخصي لم يرد في كتابات الآباء على ما أظن، لذلك لم أقتبس كلماته في هذا الشأن في تفسيرنا هذا الأصحاح، إنما أكتفي بما تمتع به إشعياء عند رؤيته للشاروبيم وسماعه تسبحتهم لله.
أروع ما ناله إشعياء النبي أنه تعرَّف على سرّ الثالوث القدوس، إله واحد مُثَلَّث الأقانيم. هذه المعرفة ترتبط بالجو السماوي الفريد في التهليل والتسبيح كما بنغمات نارية جميلة!
v سيرافيم النار صنعوا ميمر الإيمان، وكانوا يُكَرِّرونه أمام إشعياء ليتعلَّمَ أيضًا.
كانوا يُسَبِّحون بالمزمار خبر الإيمان المهوب بكنارة مؤهلة ومُصاغة من اللهيب.
وكان العلويين يشكرون الابن مع أبيه بنغمات اللهيب الجميلة.
لو كان اللاهوت أقنومًا واحدًا فقط لكان التقديس واحدًا لا ثلاثة كما نُطِقَ.
وما دام للسيرافيم ثلاثة تقديسات، فقد تعلَّم العالم بأن الله ثلاثة أقانيم.
الابن الكامل معروف ومساوِ مع أبيه، كما يشهد الميمر المؤلَّف من قِبَل السماويين.
قيل: قدوس، قدوس، قدوس الرب: تقديسات ثلاث...
لا يُقَال أرباب في اللاهوت، لأن الرب واحد والتقديسات الثلاثة خاصة به[24].
جاءت تسبحة السيرافيم في سفر إشعياء (أصحاح 6) تكشف عن سرِّ الثالوث القدوس.
1. لا يُمكِن أن يُقَال قدوس الأولى للآب والثانية للابن والثالثة للروح القدس، كأنهم منفصلون ومنعزلون عن بعضهم البعض.
2. ليست "قدوس" منهم تختلف عن الاثنين الآخرين، لأن ليس في الأقانيم أكبر أو أقل.
3. تكشف الثلاثة تقديسات عن وجود ثلاثة أقانيم، لكن التسبحة ككلٍ موجهة للثلاثة أقانيم كما لكل أقنوم.
4. لم يقل قدوس، قدوس، قدوس أرباب، بل "رب"، لأنه رب واحد، إله واحد.
5. هذه التسبحة يُسَبِّحها السيرافيم من قَبْل أن توجد المسكونة وقبل خلقة الإنسان.
v التقديسات التي نُطِقَت لا تُقَسِّم الأقانيم ليُخصص أي (تقديس) هو الآب، وأي هو (تقديس) الابن.
الصوت الأول ليس (صوت) الآب، والثاني (صوت) الابن، والثالث (صوت) الروح فقط.
لا يوجد لكل واحدٍ منهم تقديس مُعَيِّن، لكن (توجد) ثلاثة (تقديسات) غير مجزأة لثلاثتهم.
لا توجد درجة واحدة عالية وواحدة وسطى وواحدة سفلى، ليصير عمقٌ في اللاهوت.
لا يقبل الآب صوتًا واحدًا هو الصوت الأول، والصوت الآخر الذي في الوسط هو للابن.
في فمنا الأصوات مصفوفة الواحد بعد الآخر، في اللاهوت لا توجد صفوف وأجزاء.
ثلاثة أصوات تقديسات لثلاثتهم، لأن كل الأصوات هي عامة بالقداسة.
ثلاثة أصوات ليتضح الثالوث: الرب واحد، لأن اللاهوت لا ينقسم.
واحد هو القدوس، ولأنه ثلاثة (أقانيم) تُرسَل إليه سريًا ثلاثة تقديسات من قبل الملائكة.
جَمْعُ النار تَحرَّك ليقول أمام إشعياء: قدوس الرب، وليس قدوس الأرباب.
ثلاثة تقديسات، لأن الأقانيم هم ثلاثة، أما الرب فهو واحد، لأن الله لا يتجزأ.
عندما يُقَدَّس ثلاثيًا يُنطق واحد، وعندما يُعترَف به إلهًا واحدًا فهو ثالوث.
لا تنقسم الأصوات لتصبح أجزاء: (جزء) الروح (وجزء) الابن (وجزء) الآب.
كلها هي (أصوات) الآب، وكلها هي (أصوات) الابن بدون انقسام، وكلها هي (أصوات) الروح القدس، لأن اللاهوت واحد.
في النبوة وفي تسبيح السماويين الواحد هو ثلاثة والثلاثة هم واحد بوضوح.
ومنذ البداية كان الثالوث يُقَدَّس بحركة أبناء النور النارية الحية[25].
كان يليق بالشعب اليهودي أن يؤمنوا بالثالوث القدوس، إذ أعطيت لهم فرص كثيرة للتعرُّف على سرِّه، خاصة خلال النبوات التي بين أيديهم.
إن كان السيرافيم كطغمةٍ سماويةٍ عظيمةٍ تعرَّفوا على السرِّ بالطبيعة بكونهم في السماء، فإنهم بدورهم صاروا مُعَلِّمين لليهود عنه.
v أظهر الآب في كل مناسبةٍ أن له ابنًا، وكان يكشف لبني سرِّه عن وحيده.
وكان ينتظر بألا يُفضَح أمام اليهود، ويلومونه ويفصلونه عن أبيه.
كان سيرافيم النار يعرفون السرَّ الخفي، وكانوا يتحرَّكون إلهيًا لتسبيحه.
كانوا يتحرَّكون بالابن ذاته على الكلام، لأنهم به يوجدون ويُؤمَرون على خدمته.
سبقوا وتعلموا بالإحساس الذي أعطاه لطبيعتهم أن يُسَبِّحوا بالمزمار ثلاثيًا للاهوت.
لأنهم رأوا الابن حالاّ في حضن أبيه، وكان يُترجَم بفمهم مع الروح القدس.
عرفوا ثلاثيًا بأن الرب هو واحد، وقد سَبَّح العلويون بالمزمار: قدوس، قدوس، قدوس الرب.
لم يسمع اليهودي السرّ العظيم كما نُطِقَ، لأنه أراد أن يثقل أذنيه.
ولا يرى صورة الابن المصورة في الكتب كالنيّر، لأنه أراد أن يصير أعمى.
لماذا استعمل السيرافيم ثلاثة تقديسات، إلا ليتعلم العالم بأن الثالوث موجود؟
ولو نظر الشعب الذي شاء أن يصير أعمى، لرأى صورة الابن في القراءات[26].
إن كان بتسبيح السيرافيم تَعَرَّف إشعياء النبي على سرِّ الله الواحد مُثَلَّث الأقانيم، فإنه خلال الجمرة التي لمست شفتيه أدرك سرَّ جسد الرب واهب المغفرة. يا لعظمة جسد الرب المُقَدَّم للخطاة لأجل تطهيرهم!
لم يكن ممكنًا للساروف أن يمسك بيده الجمرة التي ترمز إلى جسد المسيح، بل استخدم ملقطًا حتى لا يحترق!
الآن أُعطي للكاهن في سرِّ الإفخارستيا أن يناول الخطاة السالكين في طريق التوبة جسد الرب ودمه لينالوا مغفرة الخطايا، ويتمتَّعوا بالحياة الأبدية.
v حالاً قَرَّب الساروف له جمرة في ملقطٍ وهي سرُّ جسد ابن الله.
ظهر له النمط المُزمع أن يصير على الأرض: كيف تشرق المراحم لتغفر لجميع الخطاة.
قال له: ها قد مسَّت هذه فمك ليزول إثمك، وتُغفَر لك خطاياك.
باللؤلؤة الموضوعة هنا على المائدة تصوَّر الجمرة التي أعطاها الساروف لإشعياء.
أمسك ملقط اللهيب بيد نارية، وبها أخذ جمرة السرّ من المائدة.
ورأى النبي صورة كل أمور المستقبل: كيف وبماذا يُغفَر للعالم إثمه؟
لم يمسكها الساروف بيده لئلا يحترق، ولم يأخذها النبي بفمه لئلا يضمحل...
أسرار رؤية النبوة هذه، تُخدَم هنا كل يومٍ في بيت الغفران.
وبما أن الجمرة ظهرت جسديًا، فها هي تؤكل من المائدة الإلهية.
هوذا الكاهن يمسكها بأصابعه، ويُقَرِّبها إلى الخاطي ليأكل منها وبها يتطهَّر.
ها إنها تؤكل وتُشرَب بالخبز والخمر، وهوذا جميع الخطاة يوزعونها بأياديهم.
سُرِدَ سرّ النار الغافرة بحركة الجناح وببهاء السماويين.
وتَعَلَّم النبي منذ ذلك الحين سرّ الكنيسة، وفي نبوته جلب إلى العالم صورة الجمال[27].
يقف القديس مار يعقوب السروجي في دهشة لعدم إنصات اليهود للنبوات التي بين أيديهم. لقد قبلوا عبر العصور العبادة الوثنية، أي السجود لأصنام الآلهة والإلاهات الباطلة، بينما يرفضون ابن الله الذي شهد له أنبياؤهم.
v لا الأنبياء بإيحاءاتهم، ولا رؤى الحقائق تُقنِع اليهودي.
بجنونه يعرف أن يفتري فقط، وينقض ويرذل كل أسرار الوحيد.
ظهر له بأن لله ابنًا في الخفاء، ولأنه صار وثنيًا احتقر ووطئ النبوة.
أغمض عينيه بإرادته، وأثقل أذنيه، ولا يريد أبدًا أن يرى ولا أن يسمع.
يسهل عليه أن يقول: يوجد آلهة وآلهات، ولا يتنازل ليقول إن لله ابنًا[28].
تشهد الطبيعة نفسها لابن الله، فالشمس يتولَّد منها الضوء، وبدونه ما كانت تُحسَب شمسًا. والأشجار تتولد منها ثمار نتمتع بها، فلماذا يرفضون ولادة كلمة الله من الآب؟!
v لا يعترف إذًا أن للشمس ضوءًا، ولا للهيب حرارة.
ولا للشجرة ثمرة وهي منها، ولا للنفس كلمة وهي مستترة فيها.
ولا يريد أن يصدق الطبيعة التي يراها ولا يشاء أن يسمع الكتاب وهو يقرأ فيه.
ولا إشعياء الذي رأى مجد الوحيد وتكلم عنه، ولم يعطِ أذنه لسماع الحق[29].
إذ تجاوب مع سؤال الله طالبًا أن يرسله، كرز بالثالوث القدوس: فالآب أُعلِنَ عنه، والابن كُرِزَ به، والروح القدس هو الذي أرسله.
v وعد النبي فخرج ليُبَشِّر، وشرع يُظهِر للعالم السرَّ الذي كان مخفيًا.
ورفع صوته ليُظهِرَ الابن للأرضيين، ويكرز بمجده في جمع السماويين العظيم.
سمع ترتيل السيرافيم المملوء عجبًا، وبوحيه خلط صوته ليزمر (ليسبِّح) هو أيضًا.
فهم بأنهم رَتَّلوا الخبر ثلاثيًا، ومن كلمتهم تَعرَّف على كل الثالوث.
وتأكد أن للاهوت أقانيم، فأظهر للأرض الأسرار التي كانت مستترة.
وصف الآبَ وسماه في نبوته: "أُظهِرَ"، وكرز بالابنَ، وقال: أُعطِي لنا "ابن".
وعندما أراد أن يُظهِرَ أقنوم الروح قال: الرب "وروحه" أرسلني، وكشف كل السرِّ.
اسم الآب والابن والروح بأقانيمهم مزركش وجلي في النبوة بدون نقاش[30].
v لكِ الطوبى أيتها الكنيسة رفيقة أسرار النبوة، فجمالكِ انتصر بكل كنوز مصاف الرسل.
هوذا الكنوز وكل الأشياء الجديدة والعتيقة مخزونة في خزينتكِ، ليغتني العالم من خيراتكِ.
هوذا الثالوث يُكرَز بفم أبنائك، كما سبق السيرافيم وأظهروا لإشعياء.
اعترفتِ بالآب ولم تبدليه بالأباطيل، وآمنتِ بالابن ولم تفصليه عن أبيه.
وصدَّقتِ بالروح ولم تجعليه غريبًا عن الجوهر، وإيمانكِ عالٍ ونقيٍ بكل الأصوات...
هوذا الأصوات تختلط فيكِ بالأصوات بقداسة، ليكثر التسبيح من قبل العلويين ومن قبل السفليين.
هوذا إشعياء يفرح بك بنبوته، لأنك عرفتِ إيحاءاته كما نُطِقَت.
رجاؤكِ في الآب، وحقيقتكِ في الابن، وافتخاركِ في الروح ، مبارك مَنْ بمحبته أعطاكِ جسدَه لتُخَلَّصي به[31].
v بروح التواضع، خضع يوآش الملك ليهوياداع،
فعاش في استقامة قلب، يعمل لمجد اسمك القدوس.
وها هو حفيده عُزِّيا يتتلمذ على يديّ زكريا الكاهن والنبي،
فكان يطلبك، وكنت أنت سرُّ نجاحه.
v وهبه الله النصرة على الفلسطينيين الوثنيين.
هدم أسوار بعض مدنهم، وبني لنفسه مدنًا في أرضهم.
ذاع صيته في بلاد كثيرة، فتشدَّد جدًا.
اهتم بالأعمال العسكرية، واستخدم آلات حديثة.
صار موضع رُعْبِ الأعداء.
إذ خاف الرب، وهبه أن يكون مخوفًا ومُكرَّمًا.
قام بتنظيم جيشه وتقويته.
v انحدر هذا الجبار الناجح في هوة الكبرياء.
ظن أنه أعظم من الجميع، فإذا به يصير أسير الذات.
التحف بثوب إبليس، وفي خيلاء اقتحم ما ليس في سلطانه.
تطلَّع إلى الملوك حوله وهم يمارسون العمل الكهنوتي في عبادة الأصنام.
في كبرياء أراد أن يُقَدِّم بخورًا في الهيكل غير مبالٍ بالشريعة.
حين حذَّره رئيس الكهنة ضاقت نفسه فيه.
وحسب تحذيرهم إهانة له.
اقتحم الهيكل، وأمسك بالمجمرة يُقَدِّم بخورًا.
صعد من المجمرة رائحة عصيانه وكبريائه وفساد قلبه.
عوض تقديم بخور لنوال مراحم الله،
حلَّ عليه التأديب من قبل الساكن في السماوات.
أصابه وباء البرص على جبهته، حتى لا يقدر أن يخفيه.
خشي الكل أن يلمسوه لئلا يتنجَّسوا.
فاضطر أن يسرع بالخروج بسبب الفضيحة العلنية.
فقد شِرْكَته مع أسرته، واللقاء مع الجماعة، والحديث مع القادة المدنيين والعسكريين.
انقطع حواره مع الكهنة، وأغلق على نفسه في بيت المرض.
عوض نوال سلطان الكهنوت بجانب سلطانه الملكي،
فقد ما كان لديه ولم ينل شيئًا.
ليس من طريق نقتني به البركات مثل الحب والتواضع.
ليس من طريق للنجاح والكرامة سوى الطاعة لله.
أقحم نفسه أن يدخل إلى القدس،
فطَرَد نفسه بنفسه من قصره الملكي،
حتى في موته لم يُدفَن في مقبرة الملوك، إنما في حقلها!
v هَبْ لي يا رب أن ألتصق بك، وأَتمثَّل بوداعتك.
هَبْ لي أن أصير بروحك القدوس شريكًا لك في التواضع.
وأنت خالق السماء والأرض، دُفِنْتَ في مقبرةٍ بين الأموات.
لكي أَتمتَّع بقوة قيامتك،
أقوم معك وأَتمتَّع بعربون سماواتك!
بالكبرياء يفقد الإنسان صورتك فيه!
وبنعمتك تهبني التواضع، فتتجلَّى صورتك فيَّ يومًا فيومًا.
إني أَترقَّب يوم مجيئك على السحاب مع ملائكتك.
نعمتك تُقيمني وترفعني إليك، وأختبئ في أحضانك!
_____
[1] Cf. Patrick Henry Reardon: Chronicles of History and Worship, 2 Chronicles 26.
[2] Adam Clarke Commentary.
[3] Barnes Notes.
[4] In Exodus hom. 7:3.
[5] In Jer. hom. 10:2.
[6] Adam Clarke Commentary.
[7] Adam Clarke Commentary.
[8] Adam Clarke Commentary.
[9] Hom. on Acts, hom. 28.
[10] Hom. on Acts, hom. 28.
[11] On John, homily 28.
[12] In 2 Cor. hom 22:2.
[13] In Matt. hom 15:3.
[15] Adam Clarke Commentary.
[16] Constitutions of the Holy Apostles, Book 3: 1: 10.
[17] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (إش 6: 1؛ 2 أي 26: 1-23؛ 2 مل 15: 1-7) (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[18] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[19] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[20] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[21] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي.
[22] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[23] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[24] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[25] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[26] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[27] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[28] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[29] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[30] الميمر 163 على عُزِّيا الملك وإشعياء النبي ( (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
[31] الميمر 163 على عُزيا الملك وإشعياء النبي (راجع نص الراهب بول بيجان ترجمة الدكتور الأب بهنام سوني).
← تفاسير أصحاحات أخبار ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أخبار الأيام الثاني 27 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير أخبار الأيام الثاني 25 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/883dmjb