← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ
سرد سفرا الملوك أحداث بناء بيت الرب بأكثر تفصيلٍ عمَّا ورد هنا في أخبار الأيام.
|
1-2 |
|
|
3-9 |
|
|
10-13 |
|
|
14 |
|
|
15-17 |
1 وَشَرَعَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ، فِي جَبَلِ الْمُرِيَّا حَيْثُ تَرَاءَى لِدَاوُدَ أَبِيهِ، حَيْثُ هَيَّأَ دَاوُدُ مَكَانًا فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. 2 وَشَرَعَ فِي الْبِنَاءِ فِي ثَانِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ.
في تفسيرنا لسفر الخروج الأصحاح 25 رأينا أن الأب ميثوديوس يقول: [تنبأ اليهود عن حالنا، أما نحن فنتنبأ عن السماويات؛ حيث أن الخيمة (أو الهيكل) هي رمز للكنيسة، وأما الكنيسة فهي رمز السماويات[1].]
وَشَرَعَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ فِي جَبَلِ الْمُرِيَّا،
حَيْثُ تَرَاءَى لِدَاوُدَ أَبِيهِ،
حَيْثُ هَيَّأَ دَاوُدُ مَكَانًا فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. [1]
هذا الأصحاح هو الموضع الوحيد في الكتاب المقدس الذي أعلن أن موقع الهيكل هو جبل المريّا، الذي قَدَّم فيه إبراهيم ابنه إسحق ذبيحة مُحرَقة (تك 22: 2).
أُقِيمَ الهيكل في الموضع الذي فيه تمَّ أول رمز أو إشارة عملية لذبيحة الابن الوحيد الجنس، يُقَدِّمها الآب لخلاص البشرية. هذا هو أساس بيت الله وغايته؛ التمتُّع بذبيحة الفداء التي قدمها السيد المسيح.
v إبراهيم حسب إيمانه، التصق بوصية كلمة الله، وبفكرٍ مستعدٍ قَدَّم ذبيحة لله، ابنه الوحيد المحبوب. وذلك لأن ما يُسر الله أن يُقَدِّمَ لحساب كل نسله ابنه المحبوب الوحيد ذبيحة لفدائنا.
اختيار هذا الموضع يكشف عن نظرة الله إلى بيته المُقَدَّس في وسط شعبه، إنه بيت الذبيحة الفصحيّة التي تهب المؤمنين خلاصًا مُفرِحًا.
لم يكن سليمان في حاجة إلى دراسة موقع الهيكل، فقد سبق فحُدِّد له الموقع مُسبّقًا (1 أي 21: 18؛ 22: 1)، وذلك لإراحة باله، وحرصًا على الوقت وتجنُّبًا للمناقشات الطويلة بين القادة حول اختيار موقعٍ مناسبٍ لبنائه.
تمَّ الموقع بناء على اختيار إلهي، اتَّسم بالآتي:
أ. كان في أورشليم، لأن هذه المدينة اختارها الرب، والمكان اختاره الرب ليكون اسمه فيه. هذا وقد دُعِيَت السماء "أورشليم العُليا" (غل 4: 26).
ب. على جبل المريّا، وهو الجبل الذي قَدَّم عليه إبراهيم ابنه إسحق مُحرَقة (تك 22: 2). وقد أعطى الله لإبراهيم كبشًا يُقَدِّمه عِوَض إسحق ابنه، وكان ذلك رمزًا لذبيحة السيد المسيح. كان لائقًا أن يُبنَى البيت على ذبيحة المسيح الكفَّارية عن العالم كله.
ج. في هذا الموضع ظهر الرب لداود وأجابه بنارٍ (1 أي 21: 18، 26)، وهناك قَدَّم داود ذبيحة كفَّارة عن الخطأ الذي ارتكبه.
د. المكان اشتراه داود من ماله، ولم يَقْبَلْ أن يُقَدِّمَ الذبيحة على أرض موهوبة له، اشتراها خلال إرشاد إلهي.
ه. أُقِيم الهيكل في بيدر أرونا اليبوسي، حتى يُدرِكَ الأمم أن الله هو إله البشرية كلها، وليس خاصًا باليهود دون بقية الأمم.
و. ورد في التقليد اليهودي قصة خاصة باختيار هذا الموقع. قيل إن أخيّن كانا يعيشان في هذه المنطقة. أحدهما متزوج والآخر أعزب. كان الأخ المتزوج لأجل محبته لأخيه وشعوره بأن أخاه محتاج إلى مصاريف كثيرة للإعداد للزواج، كان في كل ليلةٍ يحمل غلاّت من مخازنه، ويذهب بها في الخفاء ليضعها في مخازن أخيه. أما الأخ الأعزب فكان يشعر بأن أخاه وهو متزوج ويعول أسرة يحتاج إلى مصاريف كثيرة، فيمارس نفس العمل كل ليلةٍ. في الصباح كان كل منهما يجد أن مخازنه لم تنقص، بل تزاد بسبب بركة الرب له. وفي إحدى الليالي التقى الاثنان وكل منهما يحمل من غلاّته ليضعها في مخازن أخيه. سأل كل منهما الآخر عمًّا يفعله. تعانق الاثنان، ومن فرحهما بحبهما لبعضهما البعض بكيا. في هذا الموقع حيث أُعلن الحب الأخوي، اختار الله أن يُبنَى بيته المُقَدَّس، بيت الحب الإلهي والأخوي.
وَشَرَعَ فِي الْبِنَاءِ فِي ثَانِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِهِ. [2]
أما عن زمان بدء العمل، فقيل إنه لم يبدأ العمل حتى العام الرابع من مُلْكِ سليمان [2]. لم تمضِ الثلاث السنوات في مناقشات، فقد كان الموقع مُحَدَّدًا، والرسم المعماري مُعَدًّا. إنما كان هذا العمل الضخم يحتاج إلى إعدادات كثيرة. وكان عدد العمال ضخمًا جدًا، وربما احتاج البعض أن ينهي ما في يديه من أعمال ليتفرَّغ تمامًا لهذا العمل.
3 وَهذِهِ أَسَّسَهَا سُلَيْمَانُ لِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ: الطُّولُ بِالذِّرَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ الأَوَّلِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَالْعَرْضُ عِشْرُون ذِرَاعًا. 4 وَالرِّواقُ الَّذِي قُدَّامَ الطُّولِ حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَارْتِفَاعُهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ، وَغَشَّاهُ مِنْ دَاخِل بِذَهَبٍ خَالِصٍ. 5 وَالْبَيْتُ الْعَظِيمُ غَشَّاهُ بِخَشَبِ سَرْوٍ، غَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ نَخِيلًا وَسَلاَسِلَ. 6 وَرَصَّعَ الْبَيْتَ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ لِلْجَمَالِ. وَالذَّهَبُ ذَهَبُ فَرَوَايِمَ. 7 وَغَشَّى الْبَيْتَ: أَخْشَابَهُ وَأَعْتَابَهُ وَحِيطَانَهُ وَمَصَارِيعَهُ بِذَهَبٍ، وَنَقَشَ كَرُوبِيمَ عَلَى الْحِيطَانِ. 8 وَعَمِلَ بَيْتَ قُدْسِ الأَقْدَاسِ، طُولُهُ حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ جَيِّدٍ سِتِّ مِئَةِ وَزْنَةٍ. 9 وَكَانَ وَزْنُ الْمَسَامِيرِ خَمْسِينَ شَاقِلًا مِنْ ذَهَبٍ، وَغَشَّى الْعَلاَلِيَّ بِذَهَبٍ.
وَهَذِهِ أَسَّسَهَا سُلَيْمَانُ لِبِنَاءِ بَيْتِ الله:
الطُّولُ (بِالذِّرَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ الأَوَّلِ) سِتُّونَ ذِرَاعًا،
وَالْعَرْضُ عِشْرُون ذِرَاعًا. [3]
وَالرِّواقُ الَّذِي قُدَّامَ الطُّولِ حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا،
وَارْتِفَاعُهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ،
وَغَشَّاهُ مِنْ دَاخِلٍ بِذَهَبٍ خَالِصٍ. [4]
سُلِّمَتْ أبعاد الهيكل لسليمان من أبيه داود، فلم يوجد ما يدعو لتغيير الأبعاد.
يُلاحَظ في وصف الهيكل أنه يتَّسم بارتفاعٍ عالٍ جدًا بالنسبة لطوله وعرضه، فالطول كالعرض عشرون ذراعًا، بينما ارتفاعه مائة وعشرون.
كان ارتفاع القدس ثلاثون ذراعًا، أما الرواق الذي كان أمام القدس ولم يُذكَرْ في سفر الملوك فكان مبنى مستقلاً مرتفعًا أمام القدس.
وَالْبَيْتُ الْعَظِيمُ غَشَّاهُ بِخَشَبِ سَرْوٍ غَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ،
وَجَعَلَ عَلَيْهِ نَخِيلاً وَسَلاَسِلَ. [5]
بالنسبة لزينة الهيكل، فقد كان عمل الأخشاب رائعًا للغاية، ومع هذا فكان مُغشَّى بذهبٍ خالصٍ [5]. كان البيت العظيم مُغَشَّى بخشب السرو، الذي غشاه بذهبٍ خالصٍ، وجعل عليه نخيلاً وسلاسل.
من جهة الخشب الذي يُستخدَم في بيت الرب فيرى العلامة أوريجينوس أنه خشب لا يسوس يشير إلى العلم أو العفة التي لا تشيخ[2] ولا تفسد.
أما عن الذهب، فكما سبق فكررنا في تفسيرنا للكتاب المقدس يشير إلى السماء، والنخيل يشير إلى النصرة، والسلاسل تشير إلى الوحدة وارتباط الكل معًا كما بسلاسل ذهبية. هذا ما تتسم به كنيسة المسيح إذ تحمل الفكر السماوي، وتتمتع دومًا بحياة النصرة في جهادها ضد إبليس والخطية، وأن يتحد كل أعضائها معًا كجسدٍ واحدٍ للرأس المسيح، وعروسه السماوية المقدسة.
يرى العلامة أوريجينوس أن الذهب هو الإيمان الذي يجعل من القلب سماءً، لذا يُشِير إلى السماويات، كما يُشِير إلى القديسين بكونهم سماءً يسكن الله في قلوبهم.
يقول: [إن آمنت تُقَدِّم قلبك وعقلك ذهبًا!... لأجل ذلك فإن موسى وهو يُمَثِّل الناموس الروحي يعلن "خذوا من عندكم" (خر 35: 5). إن كنتم تستطيعون أن تأخذوا هذه الأشياء من عندكم، فهي إذن في داخلكم. تستطيع أن تُقَدِّم للرب شيئًا من مشاعرك، ومن كلماتك الخ[3].]
ويرى الأب ميثوديوس أن الذهب يُشير إلى حياة البتولية، إذ يقول: [لقد أمر بالذهب (أن تصنع منه أدوات داخل قدس الأقداس) لسببيْن: أولاً أنه لا يصدأ، وثانيًا أن لونه إلى حدٍ ما يُقارب لون الشمس. بهذا فهو يناسب البتولية التي لا تحمل شيئًا دنسًا أو غضنًا، إنما تشع دائمًا بنور الكلمة. خلالها نقف قريبين من الله، داخل قدس الأقداس وأمام الحجاب بأيدٍ غير دنسة كالبخور، نقدم الصلوات للرب رائحة ذكية مقبولة، في مجامر الأربعة وعشرين قسيسًا (الذهبية) التي هي صلوات القديسين[4].]
وَرَصَّعَ الْبَيْتَ بِحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ لِلْجَمَالِ.
وَالذَّهَبُ ذَهَبُ فَرَوَايِمَ. [6]
كان الذهب من ذهب فروايم، من أفضل أنواع الذهب.
وَغَشَّى الْبَيْتَ: أَخْشَابَهُ وَأَعْتَابَهُ وَحِيطَانَهُ وَمَصَارِيعَهُ بِذَهَبٍ،
وَنَقَشَ كَرُوبِيمَ عَلَى الْحِيطَانِ. [7]
نقش كروبيم على الحيطان، فقدس الأقداس يُمَثِّل عرش الله السماوي بوجود تمثالي الكاروبيم، والحجاب مزين بالكاروبيم [14] الذين لن يسمحوا بالدخول إلى عرش الله لغير حاملي السمات السماوية، حتى الحيطان مزينة بالكاروبيم، لأن بيت الرب سماء ثانية!
وَعَمِلَ بَيْتَ قُدْسِ الأَقْدَاسِ طُولُهُ حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا،
وَعَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا،
وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ جَيِّدٍ سِتِّ مِئَةِ وَزْنَةٍ. [8]
وَكَانَ وَزْنُ الْمَسَامِيرِ خَمْسِينَ شَاقِلاً مِنْ ذَهَبٍ،
وَغَشَّى الْعَلاَلِيَّ بِذَهَبٍ. [9]
كانت العوارض والأعتاب والجدران والمصاريع مغشَّاة بالذهب.
إن كان الهيكل يشير إلى قلب المؤمن كقول الرسول بولس: "أنتم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1 كو 3: 16)، والذهب يشير إلى السمائيات، فإنه يليق بالمؤمن أن تكون كل حياته الداخلية وسلوكه تحمل سمة سماوية.
أيضًا قدس الأقداس الذي طوله كما عرضه عشرون ذراعًا، كله مُغشَّى بالذهب. حتى المسامير كانت من الذهب، وأيضًا علاليه أو سقفه مُغشَّى بالذهب.
تَزيَّن الهيكل بأحجار كريمة بكونه رمزًا للسماء، إذ كل جدرانها وأبوابها وأساساتها مُزيَّنة بحجارة كريمة ولؤلؤ (رؤ 21: 18-21).
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
10 وَعَمِلَ فِي بَيْتِ قُدْسِ الأَقْدَاسِ كَرُوبَيْنِ صَنَاعَةَ الصِّيَاغَةِ، وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ. 11 وَأَجْنِحَةُ الْكَرُوبَيْنِ طُولُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا، الْجَنَاحُ الْوَاحِدُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ، وَالْجَنَاحُ الآخَرُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ جَنَاحَ الْكَرُوبِ الآخَرِ. 12 وَجَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرِ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ، وَالْجَنَاحُ الآخَرُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَتَّصِلُ بِجَنَاحِ الْكَرُوبِ الآخَرِ. 13 وَأَجْنِحَةُ هذَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ مُنْبَسِطَةً عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَهُمَا وَاقِفَانِ عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَوَجْهُهُمَا إِلَى دَاخِل.
وَعَمِلَ فِي بَيْتِ قُدْسِ الأَقْدَاسِ كَرُوبَيْنِ صَنَاعَةَ الصِّيَاغَة،ِ
وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ. [10]
إذ كلمة "كروب" معناها "معرفة"، يرى العلامة أوريجينوس أن الكروبين يوصفان بأنهما ذهبيًان، لأنهما يشيران إلى فيض المعرفة (السماوية)[5].
وَأَجْنِحَةُ الْكَرُوبَيْنِ طُولُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا،
الْجَنَاحُ الْوَاحِدُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ،
وَالْجَنَاحُ الآخَرُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ جَنَاحَ الْكَرُوبِ الآخَرِ. [11]
وَجَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرِ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَمَسُّ حَائِطَ الْبَيْتِ،
وَالْجَنَاحُ الآخَرُ خَمْسُ أَذْرُعٍ يَتَّصِلُ بِجَنَاحِ الْكَرُوبِ الآخَرِ. [12]
إن كان طول أجنحة الكاروبين معا عشرين ذراعًا، خمسه أذرع لكل جناحٍ، فالجناحان مبسوطان ليشغلا كل عرض قدس الأقداس، وكأن قدس الأقداس يُمَثِّل السماء ولا يوجد فيها إلا من يحمل سمة السماء. يليق بكل البشر، إذ يلتقون بالرب أن يتمتعوا بالسمات السماوية، ولا يكون للتراب موضع في قلوبهم.
وَأَجْنِحَةُ هَذَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ مُنْبَسِطَةً عِشْرُونَ ذِرَاعًا،
وَهُمَا وَاقِفَانِ عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَوَجْهُهُمَا إِلَى دَاخِلٍ. [13]
قبل بناء الهيكل كان الكاروبان على غطاء تابوت العهد، وكان حجمهما صغيرًا نسبيًّا. أما بعد بناء الهيكل، فصار حجمهما كبيرًا. كان كل جناح يمتد خمسة أذرع.
كان الكاروبان واقفين، جناح كل منهما يلمس جناح الآخر، والثاني يتلامس مع الحائط. فامتداد الأربعة أجنحة المبسوطة تبلغ 20 ذراعًا، أي بعرض قدس الأقداس [8، 12-13]. كان وجهاهما متجهًا إلى الداخل نحو تابوت العهد. يظهران كخادميْن لله غير المنظور، وكأنهما يدعوان كل المؤمنين من كهنة ولاويين وشعب أن يشتركوا معهما في العبادة لله، لا أن يتعبَّدوا لهما.
وَعَمِلَ الْحِجَابَ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ وَكَتَّانٍ،
وَجَعَلَ عَلَيْهِ كَرُوبِيمَ. [14]
يحجب حجاب الهيكل القدس عن قدس الأقداس. يكشف هذا الحجاب عن حاجة البشرية، حتى المُتعبِّدين لله في المصالحة مع الله، حتى يمكنهم العبور إلى السماويات. هذا تحقَّق بصليب السيد المسيح، حيث انشق حجاب الهيكل، ليس بيدٍ بشرية، بل بعمل المُخَلِّص نفسه.
صُنِعَ الحجاب من مواد مختلفة وألوان متنوعة: أسمانجوني وأرجوان وقرمز وكتَّان [14]. الأسمانجوني الأزرق يُشِير إلى السماء؛ والأرجوان يرتديه الملوك، والقرمز لون الدم، والكتَّان الأبيض يشير إلى الطهارة والنقاوة. هكذا يليق بالمؤمن أن يحمل السمة السماوية، ويسلك كملكٍ صاحب سلطان لا يخشى قوات الظلمة، ويتمتع بدم السيد المسيح الغافر للخطايا، ويعيش في طهارةٍ وعفةٍ!
سبق لنا الحديث عن ما يرمز إليه كل من الأسمانجوني والأرجوان والقرمز والكتَّان في تفسير الخروج أصحاح 25:
يرى العلامة أوريجينوس أن الأرجوان يُشِير إلى ضياء المحبة[6]، كما يُشِير أيضًا إلى النار[7]. فالمسيحي الحقيقي يحمل في قلبه نارًا، هي نار الروح القدس الذي يُنِير الطريق، والذي يحرق الأشواك الخانقة للنفس.
يُشِير القرمز إلى دم السيد المسيح المُخَلِّص، فإن القرمز الذي نُقَدِّمه هو شهادتنا له حتى الدم، إذ يقول الرسول: "من أجلك نُمَات كل النهار"؛ كان القرمز يُشِير إلى الاستشهاد سواء بسفك دم المؤمنين في عصور الاستشهاد أو حياة الإماتة اليومية من أجل الرب.
البوص (الكتان) المبروم: إذ يُشِير البوص إلى الجسد، فكونه مبرومًا أي تحت الضبط والقمع[8]، كقول الرسول: "أُقمِعْ جسدي وأستعبده" (1 كو 9: 27). فكل جهاد لضبط الجسد والتحكُّم فيه في المسيح يسوع هو تقدمة لبيت الرب.
وَعَمِلَ أَمَامَ الْبَيْتِ عَمُودَيْنِ، طُولُهُمَا خَمْسٌ وَثَلاَثُونَ ذِرَاعًا،
وَالتَّاجَانِ اللَّذَانِ عَلَى رَأْسَيْهِمَا خَمْسُ أَذْرُعٍ. [15]
وَعَمِلَ سَلاَسِلَ كَمَا فِي الْمِحْرَابِ،
وَجَعَلَهَا عَلَى رَأْسَيِ الْعَمُودَيْنِ،
وَعَمِلَ مِئَةَ رُمَّانَةٍ، وَجَعَلَهَا فِي السَّلاَسِلِ. [16]
وَأَوْقَفَ الْعَمُودَيْنِ أَمَامَ الْهَيْكَلِ،
وَاحِدًا عَنِ الْيَمِينِ، وَوَاحِدًا عَنِ الْيَسَارِ،
وَدَعَا اسْمَ الأَيْمَنِ يَاكِينَ، وَاسْمَ الأَيْسَرِ بُوعَزَ. [17]
نُصِبَ عمودان أمام الهيكل، ارتفاع كل منهما حوالي 18 ذراعًا (1 مل 7: 15)، وقد دُعيا ياكين وبوعز، ومعناهما "الأساس، والقوة".
يرى البعض أن هذيْن العمودين يشيران إلى بيت داود الذي أسسه الرب (2 صم 7)، ويستمر بقوة الرب.
توجد سلاسل على رأس العمودين تُشِير إلى وحدة الأمة كلها، وإن كانت تضم الأسباط.
إن كانت الوحدة في العهد القديم رُمِزَ إليها بسلاسلٍ تربط الأعمدة، فقد أعطانا الرب جسده، حتى يصير الكل أعضاء مختلفة في جسدٍ واحدٍ، لها رأس واحد، وهو ربنا يسوع المسيح.
مع ما تَمَتَّع به سليمان من امتيازات كنواله الحكمة وبناء بيت الرب وغيرهما، الأمور التي يبدو بها أنه فاق أبيه فيها، فإن هذه الامتيازات تُدِينه بالأكثر ما لم يُحسن استخدامهما. يقول القديس مار يعقوب السروجي إنه حين كان سليمان الحكيم بهيًا أنزل الله نارًا على قربانه، علامة قبوله ورضاه عليه، وحين ذبح للشياطين طرحه من أمام وجهه. ففي إجابته على التساؤل: لماذا اختار الرب العارف بكل شيءٍ يهوذا تلميذا له؟ ولماذا خلق الشيطان الذي يقاوم الحق الإلهي؟ قال:
v إن قلتَ لماذا اختاره عارف الكل، وهو يعرف بأنه غاش وغير صادقٍ؟
اختاره وهو جميل ونقي وطاهر، وليس فيه عيب ووديع ومستقيم ومملوء حبًا لابن الله.
وبعد أن اختاره وكان لائقًا ومملوءًا جمالاً، تَغَيَّر وفقد جماله وصار بغيضًا.
وإن قلت: إن كان يعرف بأنه سيتغير، فلماذا أعجبه جماله الوقتي غير الثابت؟
يمكن قول الكثير ضد هذه الأمور، لو وُجِدَت المحبة فلتسمعها بإفرازٍ.
لو تصرف فاحص الكل حسب معرفته، لأبطل تدبير القدرة الخالقة.
لَمَا أدخل آدم الذي خلقه في الفردوس، ولما أمره بألا يأكل من الشجرة (تك 2: 17).
ولَمَا خلق الشيطان مع الملائكة، ولا صنع الحية الماكرة التي أضلَّت (تك 3: 1).
ولتعطلت مسيرة القدرة الخالقة المستقيمة، ولَمَا جاء العالم إلى الوجود كما صار.
لو تصرف حسب معرفته، لما صوَّر المُجَدِّف في بطن أمه.
ولَمَا أعطى للوثني أن يبصر النور، ولا أتَى نهائيًا بالكافر إلى العالم.
أنْزَل عارف الكل ذاته كما إلى اللامعرفة من أجل مراحمه الكثيرة لخليقته.
جبل آدمَ، وكان يعرف بأنه لا يطيعه، وبالرغم من معرفته لم يرد أن يبطل (خلقته) بكونه العارف.
أدخله إلى الجنة، وهو عارف أنه لا يثبت فيها، وبإرادته الصالحة أدخله حتى يمكث هناك.
أوصاه كثيرًا بألا يأكل من الشجرة، ولو تصرَّف حسب معرفته لما أمره.
هكذا أيضًا مع أنه عارف بأن الشيطان سيسقط، خلقه مع طغمة السمائيين.
صنع للكافر فمًا ولسانًا، وهو يعرف أنه سيكفر به، ولم يحرمه منهما.
رب آدم أدخله إلى الجنة ليبقى في الجنة، أما خروجه منها بعد أن أذنب فيعود إليه.
أمره أن يحفظ نفسه من الشجرة، وإذ لم يحفظها كما أُمِرَ، فهذا يعود إلى إرادته.
خلق الشيطان مع طغمة آل ميخائيل ليُسَبِّحَه، فحسد وسقط من حريته.
حين اختار ربنا يهوذا وهو عارف أنه سيُسَلِّمه، شابه أيضًا أباه في أعماله.
إذ كان جميلاً دعاه للبشارة مع الجميلين، وبعد أن صار مرذولاً خلطه مع الصالبين.
أبوه أيضًا لا يرذل الناس ما داموا جميلين، لأنه انزل النار على قربان سليمان (2 أي 7: 1).
حين كان (سليمان) جميلاً استجاب له بالصلاة، ووهبه النار، وبعد أن صار خادمًا الذبائح الوثنية، طرحه من عنده (1 مل 11).
وعد ابن الله أيضًا يهوذا كرسيًا (مت 19: 28)، ولأنه جحده أنزله وأعطاه المشنقة أجرًا له (مت 27: 5)[9].
v اسمح لي يا أيها السماوي أن أتساءل:
ماذا كانت مشاعر الطغمات السماوية،
وهي تراك تتجسَّد في أحشاء البتول من أجلي؟
السماء ليست بطاهرة أمامك، يا أيها القدوس؟
السماء والأرض لا تسعانك، يا أيها الغير محدود!
السمائيون يعجزون عن إدراك أسرارك الفائقة!
كيف نزلتَ إلى أرضنا، يا من تهابك كل الطغمات السماوية؟
v نزلتَ إلينا لتُقِيمَ من الترابيين شِبْه سمائيين!
تُقِيمنا من المزبلة،
وبروحك القدوس تجعلنا هيكلاً لك!
v أقام سليمان لك هيكلاً في جبل المُريّا،
حيث قَدَّم إبراهيم ابنه إسحق مُحرَقة لك بالنيّة والحُبّ.
وقَدَّم داود ذبيحة لتغفر له، وتنقذ شعبك من الوباء!
وها أنت رب سليمان ومخلصه، تُقِيم هيكلك في داخلي.
بروحك القدوس تُحَوِّل أعماقي إلى جبل المُريّا الجديد،
بل وتُقِيم من قلبي جلجثة عجيبة.
تُعلِنُ قوة صليبك وبهجة قيامتك في داخلي!
v غَشَّى سليمان بيتك بخشب سرو، بذهبٍ خالصٍ.
وها أنت تكسو قلبي بالبتولية التي لا تفسد،
وتُحَوِّل ترابي إلى طبيعة شبه سماوية.
v رصَّع سليمان بيتك بالحجارة الكريمة للجمال.
وها أنت بروحك القدوس تُزَيِّن نفسي،
يهبني شركة الطبيعية العجيبة،
أصير بنعمتك أيقونة حيَّة لك.
يأخذ مما لك ويخبرني.
يمنحني الحُبَّ والفرح والسلام والعفة والصلاح!
يُشرِق بالنور فيَّ، فيُبَدِّد ظلمتي!
v لم يكن مُمكِنًا لإنسانٍ أن يدخل قدس الأقداس،
سوى رئيس الكهنة مَرَّة واحدة في السنة.
هوذا أنت تسكن فيَّ، مع أبيك السماوي والروح القدس.
يا لعظم حُبِّك للبشرية!
أقمتها من سقوطها، ورفعتها إلى أمجادٍ فائقةٍ.
هيّئتها لتتمتع بالبنوة لك.
وها أنت تُعِد لها ميراثًا لا يفنى!
هَبْ لقلوبنا وعقولنا وعواطفنا وأحاسيسنا،
أن تصير خورُس يُسَبِّح اسمك بلا انقطاع.
يشارك الطغمات السماوية حياتهم.
أي هيكل هذا الذي من صُنْعِ يديك؟!
_____
[1] Methoudius: Banquet of the Ten Vergins. 5: 8.
[2] Origin: In Exod, hom 9: 3.
[3] Origin: In Exod, hom 13: 2. راجع تفسير سفر الخروج الأصحاح 25
[4] Banquet of the Ten Virgins 5: 8. راجع تفسير سفر الخروج الأصحاح 25
[5] Commentary on Song of Songs 2:8.
[6] Origin: In Exod, hom 9: 3.
[7] Origin: In Exod, hom 13:4.
[8] Origin: In Exod, hom 13:5.
[9] الميمر 53 الفصل ج : لليل الأربعاء (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني)، الميمر 52، على آلام مخلصنا وصلبه ودفنه وقيامته، قبطي ص 571-572؛ الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي في صلب ربنا يسوع المسيح، الجامعة الأنطونية، 2009، ص 61-64.
← تفاسير أصحاحات أخبار ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أخبار الأيام الثاني 4 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير أخبار الأيام الثاني 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2phnx7g