← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33
2 أخبار الأيام 34-35
من بين العشرين ملكًا ليهوذا تسعة عشر ملكًا وعثليا الملكة، يمكن أن يقال إنه يوجد فقط ثمانية ملوك يُدعَون صالحين، وإن كان بعضهم صارت لهم أخطاء جسيمة. هؤلاء الثمانية هم آسا، ويهوشافاط، ويوآش، وأمصيا، وعزيا (عزريا)، ويوثام، وحزقيا، ويوشيا.
أما يوشيا فيُعتبَر أحد عظماء ملوك يهوذا المُصلِحين وآخرهم، قَدَّمه إرميا مثلاً كان يليق بخلفائه أن يقتدوا به، قائلاً عنه: "أما أكل أبوك وشرب وأجري حقًا وعدلاً، حينئذ كان له خير. قضى قضاء الفقير والمسكين، حينئذ كان خير. أليس ذلك معرفتي، يقول الرب؟" (إر 22: 15-16)[1].
من العجيب أن الله يسمح بحركة إصلاح قبل السبي بفترة قصيرة، بعد حكمي مَنَسَّى وآمون، اللذيْن أغرقا يهوذا في الوثنية والخطية. أراد أن يُعطِي رجاءً، أنه في كل العصور يوجد خلاص لكل من يطلب أن يرجع إليه.
جاء عصر يوشيا الذي يُعتبَر آخِر ضوء تبعثه الشمعة الأخيرة التي كادت أن تنطفئ، يتبعها ليل طويل حالك السواد، حتى يأتي الملك الحقيقي، يُشرِق بنور برِّه على الجالسين في الظلمة.
تبقى حياة الملك يوشيا صورة مبهجة تملأ النفس رجاءً، فقد وُلِدَ من أبٍ شريرٍ وعن جدٍ شريرٍ، وفي جو ديني فاسد، وفي قصر ملوكي مُنْحَل بالفساد، وتسلَّم كرسي العرش في الثامنة من عمره تحت وصاية أناسٍ لا يبالون بما هو لله. ومع هذا فقد التصق بالرب، وبدأ حركة الإصلاح على مستوى الهيكل وكل يهوذا وحتى إسرائيل قدر استطاعته.
لقد سمح الله بظهور هذه الشخصية قبل دمار يهوذا وإسرائيل تمامًا ليختبر الشعب والقادة سنوات مجيدة تكون شاهدة عليهم بأنهم كانوا قادرين على اختيار طريق الرب.
اتَّسم عصره بالأمور الهامة التالية:
1. انهيار أشور تدريجيًا أعطى فرصة ليوشيا أن يبدأ بالاستقلال والتحرير من أشور.
2. اهتمامه بترميم الهيكل أَدَّى به إلى اكتشاف سفر الشريعة في السنة الثامنة عشرة من حُكْمِه (2 مل 22: 3). وقراءة السفر قاد إلى تجديد العهد بين الملك وكل الشعب مع الله.
3. الاحتفال بعيد الفصح.
اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالثَّلاَثُونَ
وُلد عام 648 ق.م، وتَوَلَّى العرش سنة 640 ق.م (حتمًا كان تحت الوصاية)، وصار أبًا في السادسة عشرة من عمره (2 أخ 36: 2). في عام 628 ق.م صارت المملكة بين يديه، وقام بالإصلاحات الدينية [3-7]. ويلاحظ في إصلاحاته الآتي[2]:
1. نزع الآلهة الكنعانية، وكانت قد نزعت الآلهة الأشورية بواسطة الملك منسّى (2 أخ 33: 15).
2. امتدَّ إصلاحه إلى أسباط مَنَسَّى وإفرايم وشمعون، فطهَّر أراضيها من الأوثان. استطاع أن يفعل هذا، لأن أشور بدأت تضعف عسكريًا، ولم تعد تستطيع أن تقترب من أورشليم. فقد مات آخر إمبراطور أشوري قوي آشوربانيبال Assurbanipal (668-633 ق.م) ولم يعد أحد من خلفائه قادرًا على تهديد الجانب الغربي من الهلال الخصيب. اقترب وقت ثورة نبوخذنصر البابلي على أشور (626-605 ق.م). سقطت أشور أمام بابل في 614 ق.م، ونينوى في عام 612 ق.م، وحاران في عام 610 ق.م، ولم يعد لأشور المُرعِبة كيان بعد.
كان إرميا النبي وراء إصلاحات يوشيا، فقد وُلِدَ عام 640 ق.م نفس السنة التي استلم فيها يوشيا العرش، وتَسلَّم النبوة بعد اكتشاف سفر الشريعة وكان عُمْرُ إرميا 18 سنة عند اكتشاف السفر، ولذلك اشتكى إرميا بأنه وَلَدٌ عاجز عن القيام بالعمل النبوي (إر 1: 6).
ارتبطت إصلاحات الهيكل باكتشاف سفر الشريعة. يقول الدارسون منذ العصور الآبائية إنه سفر التثنية أو جزء مُعَيَّن منه.
|
1 – 2 |
|
|
3– 7 |
|
|
8 – 13 |
|
|
14 – 28 |
|
|
29 – 33 |
سبق أن عرض سفر الملوك الثاني (2 مل 22) الكثير من هذه الأمور.
كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ ثَمَانِيَ سِنِينَ حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. [1]
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
وَسَارَ فِي طُرُقِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً. [2]
سار يوشيا في "طرق داود أبيه"، قيل هذا عن اثنين من أجداده العظام وهما يهوشافاط وحزقيا. يعني هذا التعبير أن هؤلاء الملوك كانوا يضعون أمام أعينهم أبيهم داود نموذجًا لهم في محبته المخلصة للرب ولشعبه، وفي عبادته المتهللة بالروح.
مع استقامة قلب الملك، غير أن الشعب لم يكن قلبه مستقيمًا. ففي عصره قال إرميا عن مملكة يهوذا: "لم ترجع إليَّ أختها الخائنة يهوذا بكل قلبها، بل بالكذب يقول الرب" (إر 3: 10).
لم يكن غير مبالٍ بالحياة المقدسة، وفي غيرته لم يتعدَّى حدوده، بهذا لم ينحرف يمينًا في برٍ ذاتي واعتداد بذراعه البشري، ولا شمالاً بتهاونه وتراخيه مع الشر. سار في الطريق الملوكي الذهبي. عمل المستقيم في عينيّ الرب، لكنه كطفلٍ صغيرٍ ترك تدبير الأمور في أيدي آخرين.
"لم يحد يمينًا ولا يسارًا"، لأن عيني قلبه لم تتطلعا من حوله يمينًا أو يسارًا ولا خلفه، ينسى ما هو وراء، ويمتد إلى قدام (في 3: 13)، كان يتطلع إلى فوق، يطلب السماوي. وكما يقول الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله " (كو 3: 1).
v رقص بولس روحيًا عندما امتد إلى قدام من أجلنا، ونسي ما هو وراء، واضعًا هدفه قدامه، طالبًا نوال مكافأة المسيح... هذا الرقص يصحبه الإيمان، وترافقه النعمة[3].
v كان يركض على الأرض، والمكافأة متدليّة من السماء. إذن ركض على الأرض، وصعد بالروح. انظروا فإنه يبسط نفسه إلى خارج، انظروا إنه مُتعلِّق بالمكافأة[4].
v إن كنت مكتفيًا، فأنت مفقود. تقدَّم، احتفظ بالتقدُّم. لا تقف في ذات الموضع، ولا ترجع إلى الوراء، ولا تخرج من الطريق.
v يليق بنا حتى إن أوكل إلينا أقل الأعمال أن نمارسها بغيرةٍ عظيمةٍ وحبٍ، عالمين أن ما يُصنَع بالله ليس تافهًا، بل يقابله ملكوت السماوات[5].
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
3 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ إِذْ كَانَ بَعْدُ فَتًى، ابْتَدَأَ يَطْلُبُ إِلهَ دَاوُدَ أَبِيهِ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ ابْتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مِنَ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِي وَالتَّمَاثِيلِ وَالْمَسْبُوكَاتِ. 4 وَهَدَمُوا أَمَامَهُ مَذَابحَ الْبَعْلِيمِ، وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ قَطَعَهَا، وَكَسَّرَ السَّوَارِيَ وَالتَّمَاثِيلَ وَالْمَسْبُوكَاتِ وَدَقَّهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَهَا. 5 وَأَحْرَقَ عِظَامَ الْكَهَنَةِ عَلَى مَذَابِحِهِمْ وَطَهَّرَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 6 وَفِي مُدُنِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَشِمْعُونَ حَتَّى وَنَفْتَالِي مَعَ خَرَائِبِهَا حَوْلَهَا 7 هَدَمَ الْمَذَابحَ وَالسَّوَارِيَ وَدَقَّ التَّمَاثِيلَ نَاعِمًا، وَقَطَعَ جَمِيعَ تَمَاثِيلِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُلْكِهِ، إِذْ كَانَ بَعْدُ فَتىً،
ابْتَدَأَ يَطْلُبُ إِلَهَ دَاوُدَ أَبِيهِ.
وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ ابْتَدَأَ يُطَهِّرُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
مِنَ الْمُرْتَفَعَاتِ وَالسَّوَارِي وَالتَّمَاثِيلِ وَالْمَسْبُوكَاتِ. [3]
واضح أن نبوات إرميا المبكرة (إر 2-3) كانت متزامنة مع مجهودات يوشيا الأولى في اقتلاعه وإبادته للوثنية، وقد جاءت هذه النبوات تسنده في عمله هذا[6].
بدأت النبوات بكلمات تشجيع يُوجِّهها الرب لشعبه بكونه يُمَثِّل العروس المخطوبة له، وأنه لا ينسى غيرة صباها ومحبتها له وذهابها ورائه في البرية (إر 2:1-2). وأن الله يتطلع إلى إسرائيل بكونه قدسًا للرب (إر 3:2). وأما في عتابه، فيوضِّح الآتي:
1. لم تستبدل أُمةٌ ما آلهتها، أما إسرائيل فسرعان ما يستبدل إلهه الحقيقي المُحِب والعامل لحساب شعبه بأصنام ميتة (إر 11:2).
2. ارتكب شعبه شرِّيْن: الأول إنه ترك إلهه الينبوع الحي، والثاني نقر لنفسه آبارًا لا تضبط ماءً (إر 13:2).
أدرك يوشيا الفساد الذي تعيش فيه يهوذا على مستوى القصر الملكي ورجال الدولة والقادة الدينيين، فابتدأ يطلب إله داود أبيه. طلبه في سنه المُبَكِّر، لأن من يبكر إلى الرب يجده (أم 8: 17).
لم يستطع يوشيا أن يبدأ الإصلاح إلا في الثانية عشرة من استلامه العرش، وهو بعد فتى حيث بلغ العشرين من عمر، حيث رُفِعَت عنه الوصاية، وأمسك بزمام الحُكْم كله في يديه. هكذا يليق بالشباب أن يطلب الرب في سنٍ مبكر ما استطاعوا.
إن كان الملك منسى قد أزال الأصنام، فإن يوشيا لم يقف عند إزالتها، بل قام بتكسيرها وسحقها ورشها على قبور الذين ذبحوا لها، حتى لا يبقى لها أية أثار، ولكي يدرك الكل أن الذين ذبحوا للأوثان لم ينالوا سوى التراب الدنس الذي من سحق التماثيل.
وَهَدَمُوا أَمَامَهُ مَذَابِحَ الْبَعْلِيمِ وَتَمَاثِيلَ الشَّمْسِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ،
قَطَعَهَا وَكَسَّرَ السَّوَارِيَ وَالتَّمَاثِيلَ وَالْمَسْبُوكَاتِ،
وَدَقَّهَا وَرَشَّهَا عَلَى قُبُورِ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَهَا. [4]
كم من المرات هُدِمَت مذابح البعليم، لكن للأسف كلما ارتدَّ ملك إلى الوثنية وجد في القادة الدينيين والسياسيين، وفي الشعب رغبة حارة وقوية لإقامة مذابح وثنية وتماثيل وسواري.
لم يطرح التماثيل خارج المدينة كما سبق ففعل جده مَنَسَّى عند توبته، وإنما قام بتكسيرها وسحقها كالتراب. بغيرته كان له تأثير لا في يهوذا وأورشليم فقط، وإنما حتى في بعض مدن إسرائيل.
وَأَحْرَقَ عِظَامَ الْكَهَنَةِ عَلَى مَذَابِحِهِمْ،
وَطَهَّرَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [5]
أمر بحرق عظام كهنة الأوثان (2 مل 23: 5).
وَفِي مُدُنِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَشَمْعُونَ إلى نَفْتَالِي مَعَ خَرَائِبِهَا حَوْلَهَا [6]
كان لإصلاحات يوشيا صداها، ليس فقط في يهوذا، وإنما حتى في مُدُنِ مَنَسَّى وأفرايم وشمعون إلى نفتالي، هذه التي كانت تابعه لمملكة إسرائيل.
عندما يخدم المؤمن إلهه بإخلاص ونقاوة قلب، يعمل روح الله ليجتذب حتى الذين ليس له علاقة بهم، ليرجعوا إلى الرب. حقًا إن الحق الإلهي له جاذبيته في حياة السالكين بالروح، ليعمل من خلالهم في حياة الآخرين. هذا يدفعنا للدخول إلى العمق في علاقتنا مع الله، والصلاة من أجل خلاص العالم حتى بالنسبة لمقاومي الحق الانجيلي والكنيسة.
هَدَمَ الْمَذَابِحَ وَالسَّوَارِيَ وَدَقَّ التَّمَاثِيلَ نَاعِمًا،
وَقَطَعَ جَمِيعَ تَمَاثِيلِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ،
ثُمَّ رَجَعَ إلى أُورُشَلِيمَ. [7]
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
8 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ مِنْ مُلْكِهِ بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ الأَرْضَ وَالْبَيْتَ، أَرْسَلَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا وَمَعَسِيَا رَئِيسَ الْمَدِينَةِ وَيُوآخَ بْنَ يُوآحَازَ الْمُسَجِّلَ لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِهِ. 9 فَجَاءُوا إِلَى حِلْقِيَا الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ، وَأَعْطَوْهُ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الَّتِي جَمَعَهَا اللاَّوِيُّونَ حَارِسُو الْبَابِ مِنْ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَمِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 10 وَدَفَعُوهَا لأَيْدِي عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فَدَفَعُوهَا لِعَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ لأَجْلِ إِصْلاَحِ الْبَيْتِ وَتَرْمِيمِهِ. 11 وَأَعْطَوْهَا لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ لِيَشْتَرُوا حِجَارَةً مَنْحُوتَةً وَأَخْشَابًا لِلْوُصَلِ وَلأَجْلِ تَسْقِيفِ الْبُيُوتِ الَّتِي أَخْرَبَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا. 12 وَكَانَ الرِّجَالُ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ بِأَمَانَةٍ، وَعَلَيْهِمْ وُكَلاَءُ يَحَثُ وَعُوبَدْيَا اللاَّوِيَّانِ مِنْ بَنِي مَرَارِي، وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ لأَجْلِ الْمُنَاظَرَةِ، وَمِنَ اللاَّوِيِّينَ كُلُّ مَاهِرٍ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ. 13 وَكَانُوا عَلَى الْحُمَّالِ وَوُكَلاَءَ عَلَى كُلِّ عَامِلِ شُغْل فِي خِدْمَةٍ فَخِدْمَةٍ. وَكَانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ كُتَّابٌ وَعُرَفَاءُ وَبَوَّابُونَ.
وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ مِنْ مُلْكِهِ،
بَعْدَ أَنْ طَهَّرَ الأَرْضَ وَالْبَيْتَ،
أَرْسَلَ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا وَمَعْسِيَّا رَئِيسَ الْمَدِينَةِ وَيُوآخَ بْنَ يُوآحَازَ الْمُسَجِّلَ،
لأَجْلِ تَرْمِيمِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِهِ. [8]
بعد أن طهر بيت الرب من الرجاسات التي كانت فيه، ابتدأ في إعداده لممارسة العبادة. لم يقف الإصلاح عند الجانب السلبي من إزالة الشر وسحقه، وإنما قام بالعمل الإيجابي من إصلاح الهيكل وممارسة العبادة الحقيقية. في بداية الإصلاح بدأ يطلب إله داود أبيه [3]، الآن قد أزال كل أثر للوثنية، وبدأ الإصلاح الإيجابي، شعر بالعلاقة الشخصية مع الله فدُعي الله "الرب إلهه" [8].
المُسَجِّل: ضابط officer ذو مكانة عالية في السلطة اليهودية، فهو ليس مجرد مُسجِّل للأحداث فحسب، إنما مسؤول رفيع المكانة أو رئيس لمجلس الملك، ربما يشير لقبه إلى وظيفته كمُشير للمَلِك. في أيام داود ظهر المُسجِّل وسط رئيس الجيش (2 صم 8: 16؛ 20: 24؛ 1 أي 18: 15). في حُكْمِ حزقيا كان المُسجِّل بالاشتراك مع القائم البيت والكاتب يُمَثِّلون المَلِك (2 مل 18: 18، 37). وهنا نراه مُكَلَّفًا مع رئيس المدينة بترميم بيت الرب، مما يشير إلى سمو عمله[7].
فَجَاءُوا إلى حِلْقِيَّا الْكَاهِنِ الْعَظِيم،ِ
وَأَعْطُوهُ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إلى بَيْتِ الله الَّتِي جَمَعَهَا اللاَّوِيُّونَ حَارِسُو الْبَابِ،
مِنْ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ وَمِنْ كُلِّ بَقِيَّةِ إِسْرَائِيلَ،
وَمِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ،
ثُمَّ رَجَعُوا إلى أُورُشَلِيمَ. [9]
اشترك الكل في عمل الإصلاح، فقد بدأ الملك بالعمل، وقام اللاويون بجمع فضة من الشعب للخدمة، وسَلَّم اللاويون الفضة لرئيس الكهنة حلقيا، الذي صار ينفق على حركة الإصلاح [10-11]. فالقائد الناجح هو الذي يُشرِك الكثيرين معه، ولا يمركز العمل في شخصه وحده.
نزح البعض من مَنَسَّى وأفرايم وبقية الأسباط التي في الشمال، وعاشوا في يهوذا.
وَدَفَعُوهَا لأَيْدِي عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
فَدَفَعُوهَا لِعَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
لأَجْلِ إِصْلاَحِ الْبَيْتِ وَتَرْمِيمِهِ. [10]
استطاع رجلٌ واحدٌ مُخْلِصٌ، الملك يوشيا، أن يُعطِي الفرصة لأعداد كبيرة للكشف عما في قلوبهم من روح الأمانة والرغبة الحارة في العمل لحساب الرب.
لم يعمل الملك وحده، إنما أرسل اللاويين ليشترك كل الشعب في المساهمة في إصلاح البيت. قَدَّم اللاويون ما كانوا يجمعونه إلى ثلاثة أمناء [8]، وهؤلاء بدورهم قَدَّموه إلى رئيس الكهنة [9]. دُفِعَت الأموال المجموعة إلى الوكلاء والعاملين، وهؤلاء كانوا أمناء مجتهدين [12].
وَأَعْطُوهَا لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ، لِيَشْتَرُوا حِجَارَةً مَنْحُوتَةً وَأَخْشَابًا لِلْوُصَلِ
وَلأَجْلِ تَسْقِيفِ الْبُيُوتِ الَّتِي أَخْرَبَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا. [11]
يُقصَد بالبيوت هنا الغرف التي كانت تُحِيط بالهيكل من ثلاثة جوانب منه (1 مل 6: 5)، أو المباني الخارجية المُلْحَقَة بالساحات.
يُقصَد بملوك يهوذا منسى وآمون[8].
يمكننا أن نتطلع إلى شخصية يوشيا كنموذج عملي للقائد الناجح:
1. لا يعتمد نجاح القائد الصالح الحي ولا سلطانه على عمره، فقد تسلَّم الملك العرش في الثامنة من عمره (2 أخ 34: 1)، وقام بتطهير أورشليم ويهوذا وهو في العشرين من عمره (2 أخ 34: 3)، وبلا شك وجد مقاومة من الجماهير التي كانت تعبد الأصنام في المرتفعات، وترتبط بالسواري والمسبوكات. هذا مع مقاومة الأعداد الغفيرة من الكهنة الوثنيين وعائلاتهم ومن المنتفعين من هذه العبادة، وأيضًا من الذين كانوا مُعجَبين ببعض التماثيل والمسبوكات.
2. وُلِدَ هذا الطفل الذي صار ملكًا من أبٍ شريرٍ (آمون) وجِدُّه مَنَسَّى الذي وإن كان قد تاب في آخر حياته، غير أنه ملك لمدة خمسة وخمسين سنة، أفسد خلالها كل أرض يهوذا. وكان جو القصر الملكي في عهد جدِّه وأبيه مملوءًا بالرجاسات، غير أنه بلا شك كان لوالدته أثرها عليه. جلس على العرش وسط رجال الدولة والقصر الفاسدين، ومع هذا تحدَّى هذه الظروف التي أحاطت به.
3. سرُّ نجاح يوشيا أنه لم يمركز الإصلاح في يده وحده، بل نجح في خلق قيادات جادة في الإصلاح بين الكهنة واللاويين والرؤساء والشعب، حتى بين العمال البنائين والنجارين. نجاح القائد في تشغيل الطاقات مع توجيهها في غير دكتاتورية (2 أخ 34: 8-13).
4. ارتباطه بالشريعة أو الوصية الإلهية، والتزامه بها، ومساندة الكل أن يقتدي به في إقامة عهدٍ مع الرب (2 أخ 34: 14-21).
5. في تواضع حقيقي كان يستشير أناس الله، مثل خلدة النبية (2 أخ 34: 22).
6. بث روح الفرح الروحي، إذ احتفل بعيد الفصح، "لم يُعمَل فصح مثله في إسرائيل من أيام صموئيل النبي" (2 أخ 35: 18). هذا بث في القادة روح الرجاء!
وَكَانَ الرِّجَالُ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ بِأَمَانَة،ٍ
وَعَلَيْهِمْ وُكَلاَءُ يَحَثُ وَعُوبَدْيَا اللاَّوِيَّانِ مِنْ بَنِي مَرَارِي،
وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ لأَجْلِ الْمُنَاظَرَةِ،
وَمِنَ اللاَّوِيِّينَ كُلُّ مَاهِرٍ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ. [12]
انفرد سفر أخبار الأيام بالحديث عن اللاويين من حيث تعهدهم بالإشراف المالي على ترميم الهيكل [11-13]، هذا أَدَّى إلى اكتشاف سفر شريعة الرب. هذا ما يكشف عن اهتمام اللاويين والكهنة بإصلاحات يوشيا.
لا نتعجَّب من ربط الكاتب بين أمانة عمال البناء والنجارين وغيرهم بالقول "ومن اللاويين كل ماهرٍ بآلات الغناء"، ولعل هؤلاء الرجال ساهموا في العمل بالترنُّم بالمزامير والتسابيح المُفرِحة، فخلقت جوًا من الفرح والبهجة، مما سند الكل في عمله. فالفرح هو سمة صحيحة للمجتمع الروحي، قادر أن يسند كل يدٍ للعمل الجاد بروحانية وأمانة لحساب الملك السماوي. وكما أن الفرح في الرب يسند النفس في جهادها، فإن الحزن المُفرِط يُحَطِّم النفس ويبعث حالة من الإحباط، كما يُفسِد العقل.
v "أحسنوا العزف لمجده بالرباب بهتافٍ" (مز 33: 1). كانوا مثل جنودٍ مُلتزِمين انتصروا على أعدائهم، فرفعوا أصواتهم بهتافات النصر.
لقد قال: "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33)، فمن هو الإنسان الذي يستطيع أن يحارب الشرير دون أن يختبئ في ظل قدرة قائده؟ ونحن في ملء الرجاء فيه، نطرح عدونا ونصيبه بالسهام...
الهتاف صرخة غير منطوقة بكلمات، يتَّفق عليها جميع المحاربين، ويطلقونها بنفس واحدة، وقد ارتبطوا جميعًا برباط المحبة[9].
v لا تُحبَطْ، فإن الحزن الزائد يصير مصدرًا للخطية. يفيض الحزن على العقل (فيفسده)، يُسَبِّب العجز ارتباكًا، ويُوَلِّد الاضطراب أفكار جحودٍ[10].
v "أخيرًا يا إخوتي افرحوا في الرب" يقول بحق "في الرب"، وليس "حسب العالم"، فإن هذا ليس بفرحٍ. يقول إن هذه المتاعب التي بحسب المسيح تجلب فرحًا[11].
v تحفظ من أن تحوط نفسك بطاغية الحزن. يمكنك أن تسيطر على نفسك، فإن العاصفة ليست أعظم من مهارتك.
v الحزن المُفرِط أمر مرعب يوَّلد موتًا. لذلك يقول بولس: "لئلا يُبتلَع مثل هذا من الحزن المُفرِط" (2 كو 2: 7)[12].
v يمكن للشيطان أن يُحَطِّمَ حتى تحت مظهر التقوى. فإنه يقدر أن يُحَطِّمَ ليس فقط بأن يقود الشخص إلى الزنا بل وأحيانًا بالعكس بالحزن المُفرِط الذي يجعل اليأس يتبع التوبة... أنه يقاتلنا بسلاحنا لا بسلاحه[13].
وَكَانُوا عَلَى الْحُمَّالِ وَوُكَلاَءَ عَلَى كُلِّ عَامِلِ شُغْلٍ فِي خِدْمَةٍ فَخِدْمَةٍ.
وَكَانَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ كُتَّابٌ وَعُرَفَاءُ وَبَوَّابُونَ. [13]
صورة رائعة للعمل الجماعي الذي دستوره الحب والاحترام المتبادل، فالكل يعمل حسب موهبته، يعتز كل واحدٍ بدوره، ويخدم الآخرين بالحُبِّ، لبنيان كنيسة الله، ومجد اسمه القدوس.
1. الملك يقود حركة الإصلاح.
2. اللاويون يجمعون الفضة لحساب الهيكل.
3. الشعب يدفع بسخاء.
4. رئيس الكهنة يتقبَّل العطايا للإنفاق.
5. النجارون والبناؤون والحُمَّال يعملون بأمانة.
6. الوكلاء بروح الحب يُدَبِّرون الأعمال.
7. فِرَقُ التسبيح من اللاويين يخلقون جوًا من الفرح الروحي.
جاءت كلمة "كُتَّاب" هنا لا لتعني طبقة معينة، إنما هم مجموعة من اللاويين تأسست لحفظ الكتابات الخاصة بالشريعة والنبوات، غالبًا ما قام حزقيا الملك بتخصيص بعض اللاويين لحفظ النبوات على وجه الخصوص[14]
14 وَعِنْدَ إِخْرَاجِهِمِ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَجَدَ حِلْقِيَا الْكَاهِنُ سِفْرَ شَرِيعَةِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى. 15 فَأَجَابَ حِلْقِيَا وَقَالَ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَا السِّفْرَ إِلَى شَافَانَ، 16 فَجَاءَ شَافَانُ بِالسِّفْرِ إِلَى الْمَلِكِ وَرَدَّ إِلَى الْمَلِكِ جَوَابًا قَائِلًا: «كُلُّ مَا أُسْلِمَ لِيَدِ عَبِيدِكَ هُمْ يَفْعَلُونَهُ، 17 وَقَدْ أَفْرَغُوا الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَدَفَعُوهَا لِيَدِ الْوُكَلاَءِ وَيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ». 18 وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ قَائِلًا: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَا الْكَاهِنُ سِفْرًا». وَقَرَأَ فِيهِ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. 19 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ، 20 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَا وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَبْدُونَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ قَائِلًا: 21 «اذْهَبُوا اسْأَلُوا الرَّبَّ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ مَنْ بَقِيَ مِنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَنْ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي انْسَكَبَ عَلَيْنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَحْفَظُوا كَلاَمَ الرَّبِّ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هذَا السِّفْرِ». 22 فَذَهَبَ حِلْقِيَا وَالَّذِينَ أَمَرَهُمُ الْمَلِكُ إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تُوقَهَةَ بْنِ حَسْرَةَ حَارِسِ الثِّيَابِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَكَلَّمُوهَا هكَذَا. 23 فَقَالَتْ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ: 24 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، جَمِيعَ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. 25 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يَغِيظُونِي بِكُلِّ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، وَيَنْسَكِبُ غَضَبِي عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. 26 وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا مِنَ الرَّبِّ، فَهكَذَا تَقُولُونَ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: 27 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ اللهِ حِينَ سَمِعْتَ كَلاَمَهُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامِي وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ أَمَامِي يَقُولُ الرَّبُّ، قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا. 28 هأَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ فَتُضَمُّ إِلَى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ، وَكُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَجْلِبُهُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ لاَ تَرَى عَيْنَاكَ». فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ الْجَوَابَ.
وَعِنْدَ إِخْرَاجِهِمِ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إلى بَيْتِ الرَّبِّ،
وَجَدَ حِلْقَّيَا الْكَاهِنُ سِفْرَ شَرِيعَةِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى. [14]
إذ بدأوا في العمل وجد رئيس الكهنة حلقيا سفر شريعة الرب في بيت الرب. وجد الينبوع الذي يفيض بمياه الراحة السماوية. وُجِدَ سفر الشريعة الذي كان مفقودًا بسبب تراخي الملوك وعدم مبالاتهم بالشركة مع الله، وكان العثور على هذه النسخة له فاعليته على الملك ورجال المملكة والقادة والشعب، وساد جو الفرح والتهليل في المملكة كلها.
ألا يليق بنا أن نشكر الله ونُسَبِّحه، لأن الكتاب المقدس صار في متناول يد الجميع، ولم يعد الإنجيل مصدر الفرح نادرًا. لم تعد كلمة الرب عزيزة. أي عُذْرٍ نُقَدِّمه إن أهملنا التمتُّع بكلمة الرب؟!
فَقَالَ حِلْقِيَّا لِشَافَانَ الْكَاتِبِ:
قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ.
وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ إلى شَافَانَ. [15]
فَجَاءَ شَافَانُ بِالسِّفْرِ إلى الْمَلِكِ وَقَالَ:
كُلُّ مَا أُسْلِمَ لِيَدِ عَبِيدِكَ هُمْ يَفْعَلُونَهُ. [16]
وَقَدْ أَفْرَغُوا الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،
وَدَفَعُوهَا لِيَدِ الْوُكَلاَءِ، وَيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ. [17]
وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ:
قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا.
وَقَرَأَ فِيهِ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. [18]
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ [19]
ارتعب الملك والشعب بعد اكتشاف سفر الشريعة، وإدراك كسرهم لبعض الشرائع، فقد شعر بأن إصلاحاته هذه لا تعفيه من كسره للشرائع. ربما لأول مَرَّة يسمع يوشيا كلمة الرب، فمزَّق ثيابه [19]، وتهلل بالرب إلهه [27]. حقًا يليق بنا أن نُمَزِّقَ قلوبنا لا ثيابنا.
في تواضع وانسحاق مَزَّق الملك ثيابه الملوكية، وأرسل ليسألوا الرب عما يفعله، حتى يرفع غضبه، لا عن أسرته ولا عن دولته فحسب، بل وحتى عن إسرائيل التي كانت مُنْشَقَّة عن المملكة.
وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَا وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَبْدُونَ بْنَ مِيخَا
وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ: [20]
اذْهَبُوا، اسْأَلُوا الرَّبَّ مِنْ أَجْلِي،
وَمِنْ أَجْلِ مَنْ بَقِيَ مِنْ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا،
عَنْ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ،
لأَنَّهُ عَظِيمٌ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي انْسَكَبَ عَلَيْنَا،
مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَحْفَظُوا كَلاَمَ الرَّبِّ،
لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي هَذَا السِّفْرِ. [21]
لم يخجل الملك من أن يطلب من الكاهن والكاتب وغيرهما أن يسألوا الرب من أجل ما يلزم أن يفعله. في سفر الأعمال سأل المُستمِعون لكلمة الرب: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" (أع 2: 37). وبنفس الروح قال السجَّان: "يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أع 16: 3). وقيل في إشعياء: "إن كنتم تطلبون، فاطلبوا" (إش 21: 12).
كان يوشيا يشعر بالتزامه برعاية الأسباط العشرة كما بسبطي يهوذا وبنيامين. ضمت خدمته كل الأسباط، لأن ما كان يشغله هو خلاص الكل، ورجوعهم إلى الله. أما بالنسبة للمسيحي فيليق به وقد التصق بالمُخَلِّص محب البشر، أن يتَّسِعَ قلبه بالحُبِّ لكل البشرية، مشتهيًا خلاص الكل.
v التقرُّب بنفسٍ واحدةٍ إلى الله بالتوبة أفضل عند الله من جميع القرابين؛ إذ ليس في العالم عند الله أفضل من النفس الإنسانية. لأن كل ما في العالم يزول إلاَّ النفس فإنها لا تزول.
v إن رأيتَ حمارًا ساقطًا، فإنك تُقِيمه دون أن تسأل عن صاحبه، أليس بالأكثر جدًا بالنسبة للإنسان الساقط، ألاَّ تسأل لمن هذا؟ إنه ملك لله، حتى وإن كان وثنيًا... حتى وإن كان غير مؤمنٍ، فإنه يحتاج إلى عونٍ![15]
v لنولول عليهم أشد من ولولة النساء النادبات، لأنهم يجهلون خلاصهم، لأن المرأة لا تحب الرجل هكذا كما نحب نحن كافة الناس لنجذبهم إلى الخلاص.
v إن كان يونانيًا (أمميًا) أو أيا من كان فلننح عليه، لأن ذكر الصليب عنده جهالة، مع أنه حكمة الإله وقوته!
v إن رأيتَ أعمى سيسقط في هوة، أما تمدُّ يدك إليه وتسنده حالاً، فكيف إذن يسوغ لنا أن نرى إخوتنا ساقطين في مثل هذه المخاطر ولا نمد إليهم يد الإعانة وهم مُشرِفون على السقوط في الحفرة الجهنمية الخالدة؟
v يجب علينا أن نُظهِرَ الحب الأخوي والتدبير اللائق نحو بني طبيعتنا، ونَتَحَمَّلها بالمحبة التي هي رأس الفضائل، التي بدونها لا يستطيع أحد أن ينجو. لهذا لا تفتر أيها الحبيب أبدًا، بل كن ناصحًا لأخيك، ولو قذفك وأرهبك بالضرر والخسارة. فأَظهِر له جناح الحنو وأَطِل أناتك عليه، حتى تربح نفسه، ولو بالغ في عدائه لك. فعليك أن تفرح، إذ يكون الإله نفسه محبًا وصديقًا، لأن النفس ثمينة جدًا ولا يُوازِيها العالم بأسره. ورجوع نفسٍ واحدة إلى طريق الحق والصواب أفضل من ربوات الأموال التي تُقَدِّمها رحمة...
ومتى رأيت إنسانًا محتاجًا إلى شفاء روحي أو جسدي، لا تقل في نفسك إن هذا من عمل فلان أن ينقذه من شره ويشفيه، فإنني من الشعب لي زوجة وأولاد، وهذا من عمل الكهنة والرهبان.
أجبني يا هذا: هل لو وجدتَ وعاءً مملوءً ذهبًا تقول في نفسك لم لا يأخذ هذا الوعاء فلان أو فلان؟... بل تبادر كالذئب الخاطف وتأخذه قبل أي إنسان! ليكن لك هذا الاشتياق نحو إخوتك الساقطين، واضعًا في نفسك أنك وجدت كنزًا ثمينًا جدًا، هو اعتناؤك بخلاص أخيك. هوذا الله يقول على فم رسوله إن أنقذت إنسانًا ضالاً تخلص نفسًا من الموت (1 يو 5: 20).
فَذَهَبَ حِلْقِيَّا وَالَّذِينَ أَمَرَهُمُ الْمَلِكُ إلى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تُوقَهَةَ بْنِ حَسْرَةَ حَارِسِ الثِّيَابِ،
وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَكَلَّمُوهَا هَكَذَا. [22]
لم يستشير حلقيا إرميا النبي ولا صفنيا النبي الذي كان أحد المُقَرَّبين من الملك يوشيا (صف 1: 1). ربما لأن إرميا لم يكن في أورشليم بل كان في قرية عائلته (عناثوث)، وصفنيا كان خارج المدينة. لذلك التجأت اللجنة التي عَيَّنها الملك إلى خلدة النبية الأرملة والتي كان زوجها يعمل في البلاط الملكي في حفظ الملابس والحلي الملكية[16]. ذكر الكتاب المقدس خلدة من بين نبيات أخريات، مثل مريم أخت هارون (خر 15: 20)، ودبورة القاضية والنبية (قض 4: 4)، ونعودية (نح 6: 14)، وزوجة إشعياء النبي (إش 8: 3)؛ حنة (لو 2: 36)، أربعة بنات فيلبس ( أع 21: 8-9).
فَقَالَتْ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ:
قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ. [23]
جاء حديث خلدة مع مندوبي الملك ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مُوَجَّه إلى يوشيا كإنسان من بين كل رجال إسرائيل أمام شريعة الله، فانه إذ تواضع أمام الرب يضمه من وجه الشرِّ القادم.
القسم الثاني: مُوَجَّه إلى يوشيا كملك يهوذا مسئول عن كل الأمة، فإنه إذ ملأ شر الأمة الكأس، فإن تأديبًا مُرًّا سيحلُّ بها بعد موت يوشيا الصالح.
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
جَمِيعَ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي السِّفْرِ الَّذِي قَرَأُوهُ أَمَامَ مَلِكِ يَهُوذَا. [24]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِيَغِيظُونِي بِكُلِّ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ.
وَيَنْسَكِبُ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. [25]
أَكَّدَتْ لهم النبيّة خِلْدة بأن شرور يهوذا قد طفح كيلها، وأن التأديب سيحلُّ بها كما بإسرائيل. غير أن التأديب لا يحلُّ عليهم في أيام يوشيا. وإذ كان يوشيا شابًا ظنَّ الشعب أن التأديب لن يلحق بهم، ولم يُدرِكوا أن يوشيا يموت صغير السن، في الثلاثين من عمره.
استمر الملك في تواضعه، وقرأ السفر في حضور القادة. ومن أمكنهم الحضور، ولم يُخفِ عنهم خطورة الموقف، حتى لا يتراخوا ويهملوا في التوبة.
وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا مِنَ الرَّبِّ، فَهَكَذَا تَقُولُونَ لَهُ:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: [26]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ، وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الله،
حِينَ سَمِعْتَ كَلاَمَهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
وَتَوَاضَعْتَ أَمَامِي، وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ، وَبَكَيْتَ أَمَامِي،
يَقُولُ الرَّبُّ قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا. [27]
هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إلى آبَائِكَ، فَتُضَمُّ إلى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ،
وَكُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَجْلِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ لاَ تَرَى عَيْنَاكَ.
فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ الْجَوَابَ. [28]
لقد طلب يوشيا أن يرفع الله غضبه عن الشعب كله، لكن إذ كانت الخطية متأصلة في الشعب، ويحملون في داخلهم عنادًا خفيًا، وهب الله يوشيا بركة خاصة، إذ يقول: "هأنذا أضمك إلى آبائك، فتُضم إلى قبرك بسلام..." [28].
أراد الرب أن يضمه إلى آبائه وإلى قبره بسلام من وجه الشر القادم، بسبب إصرار القادة والشعب على الرجوع إلى الشر والفساد بعد موته.
29 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَجَمَعَ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، 30 وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ مَعَ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلِّ الشَّعْبِ مِنَ الْكَبِيرِ إِلَى الصَّغِيرِ، وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 31 وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى مِنْبَرِهِ وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ، لِيَعْمَلَ كَلاَمَ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا السِّفْرِ. 32 وَأَوْقَفَ كُلَّ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَبَنْيَامِينَ، فَعَمِلَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ حَسَبَ عَهْدِ اللهِ إِلهِ آبَائِهِمْ. 33 وَأَزَالَ يُوشِيَّا جَمِيعَ الرَّجَاسَاتِ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلَ جَمِيعَ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ. كُلَّ أَيَّامِهِ لَمْ يَحِيدُوا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمْ.
وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَجَمَعَ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ [29]
بعد سماع الناموس ورسالة الله من النبية خلدة، لم ييأس ولا تراخَ، بل دعا كل القادة والشعب، الكبار والصغار، الشيوخ والشبان، الأغنياء والفقراء، ووقف الملك ليقرأ الناموس بنفسه، وكان متأثرًا جدًا، فحرَّك مشاعر السامعين.
وَصَعِدَ الْمَلِكُ إلى بَيْتِ الرَّبِّ،
مَعَ كُلِّ رِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلِّ الشَّعْبِ،
مِنَ الْكَبِيرِ إلى الصَّغِيرِ.
وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الْعَهْدِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [30]
"كل الشعب، من الكبير إلى الصغير": أدرك الملك أن بيت الرب مفتوح للجميع، وأن الدخول في عهدٍ مع الرب يلتزم به الكبير كما الصغير.
كلمة الله فعَّالة في حياة الجميع، تُقَدَّم لا لسنٍ معينٍ، بل للطفل كما الشيخ والرجل كما المرأة، للفتيان كما للشباب. لقد أراد الملك أن يتمتَّع الشعب كله بشريعة الرب، بكونها هي غِنَى النفس وسندها في تغرُّبها في هذا العالم، تملأها بالرجاء والفرح الحقيقي، مع السلام الداخلي.
v الشعب الذي كان منتسبًا للأمم في حداثته، وهو الذي كان يسير في طرقٍ معوجةٍ قبل قبوله الإيمان. كيف يمكن لهذا الشعب أن يُقَوِّم طريقه إلا بحفظه أقوالك، أي كلمات الرب؟!
v بما أن ذكر الله يجعلنا نهرب من الشباك الشيطانية، وحيث إنني كرست لك يا إلهي كل عقلي وكل إدراكي، لذا فأنا لا أستحق أن أمكث خارج وصاياك.
وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى مِنْبَرِهِ،
وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ،
وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ،
لِيَعْمَلَ كَلاَمَ الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا السِّفْرِ. [31]
قبل أن يطلب الملك من الشعب أن يقطعوا عهدًا مع الله، قطع هو عهدًا وهو على المنبر، وتعهَّد بحفظ وصايا الرب بكل قلبه وكل نفسه حسب ما هو مكتوب في السفر، مهما لاقى من متاعبٍ.
v من هم هؤلاء الذين لا يحفظون عهدك، إلا الذين حادوا عن شهادات الله، ولم يحتملوا متاعب مضطهديهم الكثيرين؟ الآن هذا هو العهد أن من يغلب يُكَلَّل. فالذين لا يحتملون الاضطهاد إذ ينحرفون عن شهادات الله لا يحفظون العهد. هؤلاء رآهم المرتل وذاب أسى لأنه أحبهم. فالغيرة حسنة، هذه النابعة عن الحب لا الحسد. أضاف بخصوص الذين فشلوا في حفظ الناموس: "لأنهم لأقوالك لم يحفظوا"، لأنهم صاروا جاحدين في ضيقاتهم.
وَأَوْقَفَ كُلَّ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَبِنْيَامِينَ،
فَعَمِلَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ حَسَبَ عَهْدِ الله إِلَهِ آبَائِهِمْ. [32]
إذ قطع الملك عهدًا مع الله، طلب من كل الموجودين أن يقفوا في خوف الله عندما قرأ بنود العهد ليشهدوا بالتصديق على العهد، وحفظه بكل إخلاص وأمانة.
أمام ما سمعه الملك من مندوبيه عن رسالة الله بخصوص الأمة، جمع الكهنة والأنبياء والشعب، وسألهم أن يُقِيموا عهدًا مع الله. هذا الأمر كان يرافق الرجوع إلى الله. فعندما كان الجيل الجديد يستعد لدخول أرض الموعد تحت قيادة يشوع، جَدَّدَ موسى العهد قبل انتقاله، كما جاء في سفر التثنية. وفي مناسبتين قام يشوع بتجديد العهد مع الله (يش 8: 34 الخ؛ يش 24). وهكذا فعل صموئيل (1 صم 7: 2 الخ؛ 1 صم 12)، وأيضًا بعد أن أعاد نحميا بناء سور أورشليم صَلَّى عزرا واعترف وهو يبكي وكان ساقطًا أمام بيت الرب، واجتمع إليه من إسرائيل جماعة كثيرة جدًا من الرجال النساء والأولاد، لأن الشعب بكى بكاء عظيمًا (عز 10: 1)[17].
هكذا يليق بكنيسة المسيح في كل بلد أن تجتمع دومًا لتُجَدِّدَ عهدها مع مُخَلِّصِها بقيادة روحه القدوس الذي وهبه لها في يوم الخمسين، الذي سكن فينا في سري المعمودية والميرون، لنحيا بالحق كجسد المسيح السالك بالروح.
وَأَزَالَ يُوشِيَّا جَمِيعَ الرَّجَاسَاتِ مِنْ كُلِّ الأَرَاضِي الَّتِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ،
وَجَعَلَ جَمِيعَ الْمَوْجُودِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلَهَهُمْ.
كُلَّ أَيَّامِهِ لَمْ يَحِيدُوا مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِهِمْ. [33]
كان للملك أثره على الشعب، فلم يحيدوا من وراء الرب إله آبائهم كل أيام حياته، لكن قلوبهم كانت منجذبة للأصنام ورجاسات الوثنية. كان قدوة ومثالاً، عرف أن يكسبهم للرب، لا بالأوامر المشددة، بل بالحُبِّ.
حقًا وُجِدَ كثيرون لم يرجعوا بكل قلوبهم، بل بالكذب (إر 6-10). قيل عن يهوذا في أيامه إنها مضت وزنت (إر 3: 8).
ففي العام الثالث والعشرين لهذا الحكم، أي بعد أربعة أو خمسة أعوام "أغاظوا الله بأعمال أياديهم" (إر 25: 3-7).
كان يوشيا مخلصًا في علاقته مع الله، لكن عامة الشعب مع تجاوبهم مع إصلاحاته، لم تكن قلوبهم نقية تمامًا. كل إصلاحٍ يحتاج إلى روح الله يُحَرِّك القلب، ويرفعه كما إلى السماء، ليجد عذوبةً صادقةً في الشركة مع الله.
ما فعله يوشيا الملك العظيم هو نموذج لكل قائد في الكنيسة أن يُقَدِّمَ توبة وتجديدًا للعهد مع ربنا يسوع، ويحث من هم حَوْلَه للتوبة الصادقة، سواء كان هذا القائد أسقفًا أو كاهنًا أو شماسًا أو خادمًا أو خادمة في التربية الكنسية واجتماعات الشباب أو أب أسرة أو والدة. لنبدأ بأنفسنا كما بدأ الملك التقى يوشيا بنفسه حين دعا شعبه إلى التوبة والرجوع عن كل الرجاسات التي سقطوا فيها.
v نفسي تتهلل بعملك العجيب، يا أيها الراعي الصالح.
أَرسلتَ يوشيا ليملك وهو في الثامنة من عمره.
كيف رَعَى شعبك باستقامة وهو طفل صغير؟
من يُصَدِّق أنه ابن آمون الشرير وحفيد مَنَسَّى؟
تُرَى من الذي حرَّك قلبه نحو الاستقامة منذ طفولته؟
نعمتك العجيبة، وحُبك لشعبك أرسلا هذا الملك المستقيم!
v تُرَى كيف عاش هذا الملك الراعي كل أيامه باستقامة؟
في أيامه كان إرميا لا يكف عن البكاء، كانت جدران قلب إرميا توجعه.
كان الفساد قد بلغ حتى إلى هيكلك المقدس،
في شبابه المبكر طَهَّر الملك يهوذا وأورشليم.
أزال المرتفعات والسراري والتماثيل والمسبوكات.
قام بترميم بيتك لكي يُعِيدَ العبادة لك.
v أرسلتَه في وسط الظلمة، ليحمل سراجك المنير.
تحرَّك بقوة في رجاءٍ مُفرِح دون إحباطٍ.
قاد حركة الإصلاح بنفسه واستمر بلا يأس.
غيرته وحكمته وتقواه والتصاقه بك دفع الكثيرين للعمل معه.
نعمتك جذبت الكثيرين حوله ليعملوا معه.
قَدَّم الشعب عطايا للهيكل بسخاء.
وبغيرة مقدسة جمع اللاويون الفضة لحساب الهيكل.
وتَقَبَّل رئيس الكهنة العطايا للإنفاق على الإصلاح.
والتهبت قلوب النجارين والبنائين والحُمَّال للعمل بأمانةٍ وإخلاصٍ.
ووقف خورُس اللاويين يُسَبِّحونك كمن هم في السماء.
لم يكن أحد محتاجًا إلى من يدفعه للعمل.
نعمتك العجيبة العاملة في يوشيا، عملت في الجميع.
v أَرْسِلْ لنا رعاة مثل يوشيا الذي لم ينهمك في إدارة المملكة،
ولا في إصلاح الهيكل على حساب شريعتك المقدسة!
أَحنَى الملك رأسه بمخافة ليسمع الشريعة.
في تواضعٍ انسحق قلبه ومَزَّق ثيابه.
طلب من كل من هم حوله أن يُصَلُّوا عنه.
v يا لقلب هذا الملك العجيب!
يطلب الصلاة عنه كخاطي،
ويطلب الصلاة عن كل الأسباط.
قَلْبُه مُتَّسِع، يطلب خلاص حتى الأسباط التي سبق أن انشقت!
v في تواضعٍ أرسل إلى خلدة النبية يسألها.
صعد إلى بيت الرب مع كل رجال يهوذا والكهنة واللاويين والشعب.
وقف على المنبر يقطع عهدًا مع الرب.
وسأل الموجودين أن يقفوا في مخافة الرب.
v هوذا الحصاد كثير، والفعلة قليلون.
لتُرسِلْ فعلة يسلكون طريقك بلا انحرافٍ.
أنت فاحص القلوب، وواهب الحب بنعمتك.
أنت هو الراعي الصالح، تعمل خلال من تُرْسِلهم!
أَرْسِلْ أيها القدوس في كل الأجيال رعاة حسب قلبك.
_____
[1] The Wiersbe Bible Commentary, p. 724.
[2] Cf. Patrick Henry Reardon: Chronicles of History and Worship, 2 Chronicles 34.
[3] Concerning Repentance, 2:43.
[4] Sermons on N.T. Lessons, 41 :6.
[5] Catena Aurea.
[6] Barnes’ Notes.
[7] Cyclopedia of Biblical, Theological and Ecclesiastical Literature, Q - Red Heifer, by James Strong & John McClintock.
[8] Barnes’ Notes.
[9] تفسير المزمور 33 (32).
[10] In the Time of Famine and Drought, 5.
[11] Homilies on Philippians, homily 10.
[12] Homilies on St. John, 78:1.
[13] In 2 Cor. Hom. 4:5.
[14] Barnes’ Notes.
[15] In Hebr. hom 10: 8.
[16] The Wiersbe Bible Commentary OT , 725
[17] The Wiersbe Bible Commentary OT, 726.
← تفاسير أصحاحات أخبار ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أخبار الأيام الثاني 35 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير أخبار الأيام الثاني 33 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m3dba9y