← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14
اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ عَشَرَ
نجح آسا في علاقته مع الله سواء في مواجهته للأعداء حيث اعترف أنه بلا قوة واتَّكل على الرب إلهه، فانتصر على العدو. كما نجح في مقاومته للعبادة الوثنية وتطهيره للأرض وإعادة تأسيس عبادة الرب في كل مكانٍ. غير أنه استسلم للحلول الوسطى في تعامله مع المدن التي أخذها من إسرائيل، مُتَّكلاً على الحكمة البشرية في تشامخٍ وكبرياءٍ، كي يكسبهم. إذ قيل: "أما المرتفعات فلم تُنزَع من إسرائيل" (2 أخ 15: 17)، معتقدًا أنه بهذا يجتذبهم إليه.
هذا وقد أعطاه الله فرصًا كثيرة للتوبة، لم ينتفع بها. بل أساء استخدامها؛ من هذه الفرص الآتي:
1. سمح لملك إسرائيل بعشا أن يصعد إلى الرامة ليبنيها، حتى يمنع شعبه من الالتقاء بآسا. وربما كان بذلك يُعِدُّ نفسه للحرب ضد يهوذا. عوض أن يلجا آسا إلى الله بروح التوبة والالتصاق به، التجأ إلى ملك أرام كي يسنده ويكسر تحالفه مع إسرائيل.
2. مرة ثانية قَدَّم له فرصة لمراجعة نفسه، إذ أرسل إليه حناني الرائي (النبي) ليُوَبِّخه، مؤكدًا له أنه بتصرفه الخاطئ فقد النصرة على كل من إسرائيل وأرام، مذكّرًا إيّاه بالنصرة التي سبق له أن تمتع بها على زارح الكوشي بجيشه العظيم. لم يسمع للنبي بل سجنه وأهانه.
3. مرة ثالثة أعطاه فرصة خلال المرض الخطير، إذ صار سجينًا على سريره كما سجن النبي. وعوض التوبة ورفع القلب إلى الله نزل بقلبه إلى الأرض ليحفر قبرًا يليق بكرامته يأوي جثمانه الذي لا تستطيع العطور مهما كان قدرها ونوعها أن تحفظه من الفساد.
يدعونا هذا الأصحاح أولاً ألا نعتمد على ماضينا الصالح، فقد يعيش الإنسان شبابه مقدّسًا للرب، لكن في شيخوخته يتهاون ويتصلَّف ولا يسمع لصوت الرب. ثانيًا أن نتجاوب مع دعوة الله المستمرة وبوسائل مختلفة كي نرجع إليه ونلتصق به خلال التوبة.
v إلى متى لا نطيع المسيح، الذي يدعونا إلى ملكوته السماوي؟... هذا هو وقت التوبة، وذاك هو وقت المكافأة. هذا وقت التعب والمشقَّة، وذاك وقت نوال الأجرة. هذا وقت الصبر، وذاك وقت الراحة[1].
v حين تنشغل بخطيةٍ ما كن مُتَّهِمًا لنفسك (أم 18: 17)، ولا تنتظر الآخرين ليُقَدِّموا الاتهام. بهذا تصير أشبه بإنسانٍ بارٍ يتهم نفسه في أول حديث له في المحكمة، أو تكون كأيوب الذي لم يعقه جمهور الشعب في المدينة عن الإعلان عن جريمته أمام الكل[2].
للأسف يختم هذا الأصحاح تاريخ الملك آسا، ولا يسرد أخبارًا سارة عن أواخر أيَّامه كالتي رأيناها في بداية مُلْكِه.
1 فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلاَثِينَ لِمُلْكِ آسَا صَعِدَ بَعْشَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَهُوذَا، وَبَنَى الرَّامَةَ لِكَيْلاَ يَدَعَ أَحَدًا يَخْرُجُ أَوْ يَدْخُلُ إِلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا. 2 وَأَخْرَجَ آسَا فِضَّةً وَذَهَبًا مِنْ خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَنْهَدَدَ مَلِكِ أَرَامَ السَّاكِنِ فِي دِمَشْقَ قَائِلًا: 3 «إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ أَبِي وَأَبِيكَ عَهْدًا. هُوَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ لَكَ فِضَّةً وَذَهَبًا، فَتَعَالَ انْقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ فَيَصْعَدَ عَنِّي». 4 فَسَمِعَ بَنْهَدَدُ لِلْمَلِكِ آسَا، وَأَرْسَلَ رُؤَسَاءَ الْجُيُوشِ الَّتِي لَهُ عَلَى مُدُنِ إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبُوا عُيُونَ وَدَانَ وَآبَلَ الْمِيَاهِ وَجَمِيعَ مَخَازِنِ مُدُنِ نَفْتَالِي. 5 فَلَمَّا سَمِعَ بَعْشَا كَفَّ عَنْ بِنَاءِ الرَّامَةِ وَتَرَكَ عَمَلَهُ. 6 فَأَخَذَ آسَا الْمَلِكُ كُلَّ يَهُوذَا، فَحَمَلُوا حِجَارَةَ الرَّامَةِ وَأَخْشَابَهَا الَّتِي بَنَى بِهَا بَعْشَا، وَبَنَى بِهَا جَبْعَ وَالْمِصْفَاةَ.
فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلاَثِينَ لِمُلْكِ آسَا،
صَعِدَ بَعْشَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَهُوذَا وَبَنَى الرَّامَةَ،
لِكَيْلاَ يَدَعَ أَحَدًا يَخْرُجُ أَوْ يَدْخُلُ إِلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا. [1]
يرى البعض أن النص الخاص بالسنة السادسة والثلاثين هي اختصار shorthand formula يعني السنة السادسة والثلاثين من بداية المملكة المنشقة، أي بعد موت سليمان مباشرة. بهذا تكون السنة هنا 986 ق. م، وهي تطابق ما ورد في 1 مل 16: 6-8. فقد عاش آسا عشرة سنوات في سلام (2 أخ 14: 1).
يرى يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنه جاء خطأ في النسخ فهي "في السنة السادسة والعشرين".
لقد بَنَى بعشا ملك إسرائيل الرامة، لكي لا يسمح لأحدٍ من شعبه أن يخرج إلى آسا ملك يهوذا (2 أخ 1:16)، حتى لا ينضم إليه، فيفقد مدنًا أكثر تنضم إلى يهوذا، وربما كان يُعِدُّ نفسه للدخول في معركة ضد يهوذا.
يرى البعض أن ما حدث من بعشا كان بسماح من الله لتأديب آسا من أجل عدم توبته، لأنه لم ينزع المرتفعات من مدن إسرائيل التي خضعت له (2 أخ 15: 17)[3].
وَأَخْرَجَ آسَا فِضَّةً وَذَهَبًا مِنْ خَزَائِنِ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ،
وَأَرْسَلَ إِلَى بَنْهَدَدَ مَلِكِ أرام السَّاكِنِ فِي دِمَشْقَ قَائِلاً: [2]
يظهر مدى انحدار ما وصل إليه آسا أنه إذ صعد على يهوذا بعشا ملك إسرائيل لم يستشر الله، كما سبق وتَصرَّف عندما هاجمه زارح الكوشي، إنما في خوفٍ واضطرابٍ وعدم رجوع إلى الرب أخرج فضة وذهبًا من خزائن الهيكل والقصر الملكي، وأعطاها لبنهدد ملك سوريا (أرام) لينقض عهده مع بني إسرائيل. أراد أن يُحَرِّك السياسات الدولية بالمال، عوض أن يثق في الله ضابط الكل، أراد أن يُحَطِّمَ هذا التحالف بطرقٍ بشريةٍ.
آسا الذي اتكل على الله عندما هاجمه زارح الكوشي، الآن يضطرب من بعشا ملك إسرائيل. لم يلجأ إلى الله، بل إلى ملك أرام طالبًا معونته ضد إسرائيل. نجحت خطته البشرية إلى حين، فحين استلم بنهدد الفضة والذهب التي أحضرها له آسا من بيت الرب كجزيةٍ، كسر بنهدد تحالفه مع بعشا، ووجدها فرصة لكي يضرب مدن أفرايم.
لم يكن قلب آسا مُخْلِصًا لله ومستقيمًا، إنما كان صاحب قلب منقسم إلى يومٍ للربٍ ويومٍ للاتكال على البشر.
لقد دخل آسا في سلسلة من الخطايا كل خطية تدفعه إلى خطايا أخرى:
1. لم يأتِ هذا الخطأ فجأة، إنما جاء ثمرة تهاونه، إذ كما رأينا استسلم للحلول الوسطى في تعامله مع المدن التي أخذها من إسرائيل، متكلاً على الحكمة البشرية، كي يكسبهم، إذ قيل: "أما المرتفعات، فلم تنزع من إسرائيل" (2 أخ 15: 17).
2. اتِّكاله على الحكمة البشرية دفعه إلى عدم استشارة الله عندما هاجمه بعشا ملك إسرائيل كما سبق أن فعل عندما هاجمه زارح الكوشي في بداية حكمه.
3. أخطأ بتحالفه مع بنهدد الملك الوثني، فلو تمثَّل بأبيه الذي أقام عهدًا مع الله، لما افتخر بتحالف والده مع الأسرة المالكة في أرام [3].
4. لم يُراعِ كرامة إخوته شعب إسرائيل بوجهٍ ما وسلامهم، فكان يمكنه معالجة الموقف دون أن يتحالف مع ملكٍ وثنيٍ ضد إخوته، فلا يفتح الباب لهذا الوثني أن يكون له موضع في إسرائيل، ويكون مصدر إزعاج ليهوذا في المستقبل.
5. استخدم الرشوة، فقام بنهدد بكسر عهده مع بعشا ملك إسرائيل. وهذا أمر ليس فيه كرامة ووقارٍ بين الملوك، أن يُنقض التحالف بسبب إغراءٍ ماديٍ.
6. مما زاد من بشاعة الخطية، أن آسا أخذ ذهب وفضة بيت الرب، وأغرى بنهدد الوثني. لقد نهب خزائن الهيكل من أجل خدمة سياسية عالمية. كان الأفضل أن يُقَدِّمَ صلوات وابتهالات للرب في بيته، فيدخل في صداقة مع الله لا تكلفه ما دفعه لبنهدد.
7. آسا مسئول أمام الله من أجل الدم الذي سفكه بنهدد في إسرائيل، وأيضًا الغنائم التي سلبها [14].
إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي وَأَبِيكَ عَهْدًا.
هُوَذَا قَدْ أَرْسَلْتُ لَكَ فِضَّةً وَذَهَبًا،
فَتَعَالَ انْقُضْ عَهْدَكَ مَعَ بَعْشَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،
فَيَصْعَدَ عَنِّي. [3]
فَسَمِعَ بَنْهَدَدُ لِلْمَلِكِ آسَا،
وَأَرْسَلَ رُؤَسَاءَ الْجُيُوشِ الَّتِي لَهُ عَلَى مُدُنِ إِسْرَائِيلَ،
فَضَرَبُوا عُيُونَ وَدَانَ وَآبَلَ الْمِيَاهِ وَجَمِيعَ مَخَازِنِ مُدُنِ نَفْتَالِي. [4]
فَلَمَّا سَمِعَ بَعْشَا كَفَّ عَنْ بِنَاءِ الرَّامَةِ، وَتَرَكَ عَمَلَهُ. [5]
فَأَخَذَ آسَا الْمَلِكُ كُلَّ يَهُوذَا،
فَحَمَلُوا حِجَارَةَ الرَّامَةِ،
وَأَخْشَابَهَا الَّتِي بَنَى بِهَا بَعْشَا وَبَنَى بِهَا جَبْعَ وَالْمِصْفَاةَ. [6]
توقَّف بعشا عن بناء الرامة، فاستخدم آسا الحجارة لبناء حصون ضد إسرائيل، في جبع على بُعد ميليْن ونصف من شرق الرامة، والمصفاة على بُعْد نفس المسافة من شمال الرامة. فصار في مأمنٍ من إسرائيل.
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
7 وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ جَاءَ حَنَانِي الرَّائِي إِلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا وَقَالَ لَهُ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ اسْتَنَدْتَ عَلَى مَلِكِ أَرَامَ وَلَمْ تَسْتَنِدْ عَلَى الرَّبِّ إِلهِكَ، لِذلِكَ قَدْ نَجَا جَيْشُ مَلِكِ أَرَامَ مِنْ يَدِكَ. 8 أَلَمْ يَكُنِ الْكُوشِيُّونَ وَاللُّوبِيُّونَ جَيْشًا كَثِيرًا بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا؟ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّكَ اسْتَنَدْتَ عَلَى الرَّبِّ دَفَعَهُمْ لِيَدِكَ. 9 لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ نَحْوَهُ، فَقَدْ حَمِقْتَ فِي هذَا حَتَّى إِنَّهُ مِنَ الآنَ تَكُونُ عَلَيْكَ حُرُوبٌ.
وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ جَاءَ حَنَانِي الرَّائِي إِلَى آسَا مَلِكِ يَهُوذَا، وَقَالَ لَهُ:
مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ اسْتَنَدْتَ عَلَى مَلِكِ أرام،
وَلَمْ تَسْتَنِدْ عَلَى الرَّبِّ إِلَهِكَ،
لِذَلِكَ قَدْ نَجَا جَيْشُ مَلِكِ أرام مِنْ يَدِكَ. [7]
حسب آسا أن خطَّته قد نجحت تمامًا، وأنه تصرَّف بحكمةٍ. فمن جانب توقَّف بعشا عن بنائه الرامة. ومن جانب آخر توسَّعت تخوم يهوذا، وصارت في حَصَانة من إسرائيل. ولعل الكثير من الشعب والقادة مدح آسا على حكمته وحُسْن تدبيره للأمور، لكن الله لم يُسرّ منه. أرسل إليه حناني الرائي ليَردَّه إليه بالتوبة.
حناني الرائي: هو أب ياهو، وهو نبي آخر نقرأ عنه في 1 مل 16: 1؛ 2 أي 19: 2؛ وقد لاحظنا أخطاء كثيرة في تحالف آسا مع بنهدد، لكن ما كشفه النبي أن أعظم أخطائه التي أذنب فيها كان اعتماده على ملك أرام، وليس على الرب إلهه.
لعل آسا ظن أن الله لا يقدر أن يهبه النصرة، أو لا يريد له النصرة، فلجأ إلى الذراع البشري. لقد فَقدَ آسا ثقته في الله، مُعطِيًا القدرة لخلاصه في يد بنهدد لا الله، ولهذا أخبر النبي الملك بوضوح أنه في تصرُّفه هذا غباوة وحماقة [9]. لقد اتَّكأ على قصبةٍ مرضوضةٍ، عِوَض الاتِّكال على صخر الدهور.
اتَّكل آسا على بنهدد ملك أرام، فنجا جيش الأخير من يد آسا، لأن الرب رفع يده عن آسا، ولم يكن مصير بنهدد وجيشه كمصير الكوشيين. لو أن آسا صرخ إلى الله كما فعل سابقًا، لدخل ملك أرام في حرب ضد آسا بكونه متحالفًا مع بعشا ملك إسرائيل، وبالتالي سقط ملك أرام تحت يد آسا مع بعشا!
على خلاف جده الذي تواضع أمام الكلمة النبويّة (2 أخ 12: 6)، مَدَّ آسا يده على النبي بالسوء، وكان أول ملك ليهوذا يمارس هذا الخطأ. وقام الرب بتأديب آسا على عدم ثقته فيه واضطهاده نبي الله.
أَلَمْ يَكُنِ الْكُوشِيُّونَ وَاللُّوبِيُّونَ جَيْشًا كَثِيرًا بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا؟
فَمِنْ أَجْلِ أَنَّكَ اسْتَنَدْتَ عَلَى الرَّبِّ دَفَعَهُمْ لِيَدِكَ. [8]
لقد أوضح النبي للملك أنه كان يليق به أكثر من غيره أن يثق في الله، لأن له خبرة سابقة في معركته مع الكوشيين، كيف أنقذه الله بالرغم من كثرة عدد الكوشيين وإمكانياتهم العسكرية (2 أخ 14: 9-15).
يليق بنا في ضيقاتنا أن نتذكَّر معاملات الله معنا ومع آبائنا في مثل هذه الظروف المتكررة؛ وأن ربنا هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد، فلماذا لا نتكل عليه؟
لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ،
لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ نَحْوَهُ،
فَقَدْ حَمِقْتَ فِي هَذَا،
حَتَّى إِنَّهُ مِنَ الآنَ تَكُونُ عَلَيْكَ حُرُوبٌ. [9]
في حماقته فَقَدَ آسا سلامه مع الله، فسمع الصوت النبوي: "من الآن تكون عليك حروب". كثيرًا ما يخطئ الإنسان باعتماده على ذراع بشر لإنقاذه من ضيقته، فيحصد قلقًا دائمًا، ويصير كأن الرب نفسه ضده، يدخل في حروبٍ لا تنقطع!
كان آسا يعرف تمامًا أن عينيّ الرب تجولان في كل الأرض ليتشدَّد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه، وهذا معناه:
أ. أن الله ضابط المسكونة كلها، رحمته بلا حدود، فكيف نثق في المخلوقات دون الخالق؟ عينا الرب تجولان في كل الأرضٍ، ولا يُخفَى شيء عنهما، ولا يفلت منه أمر كضابط الكل. رأى القدِّيس يوحنا المُخَلِّص الذي ينظر إلى الأرض كلها، فقال: "رأيت فإذا في وسط العرش والمخلوقات الحيَّة الأربعة في وسط القسوس خروف قائم كأنه مذبوح، له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المُرسَلة إلى كل الأرض" (رؤ 5: 6).
ب. أن الله يرعى شعبه متى كانت قلوبهم كاملة نحوه، تتكئ عليه وتثق فيه. وهو يُدَبِّر كل الأمور لخلاصهم، وذلك من قِبَل حُبِّه العجيب للمؤمنين به والمُخلِصين في علاقتهم به (إش 45: 4؛ أف 1: 22).
ج. مَنْ كانت قلوبهم مستقيمة أمام الله، لهم ثقة في حمايته لهم. فعدم الثقة فيه يكشف عن بُعْدنا عن الله ويأسنا في تعاملنا معه، واتِّكالنا على ذراع البشر.
v هل يدهش أحد لأن عقل الله الإلهي يمتد إلى كل أجزاء المسكونة، يجري هنا وهناك، ويُدَبِّر كل الأشياء، ويحكم كل الأمور، بكونه حاضرًا في كل موضعٍ، منتشرًا في كل مكان، إن كان للذهن البشري القوة والقدرة، بالرغم من كونه محصورًا في جسدٍ مائت، حتى أنه لا يمكن إعاقته بحواجز الجسد الثقيل والبطيء الحركة الذي يربطه، عن أن يمنح نفسه في عدم صبره على الراحة، قوة الجولان بلا عائق؟[4]
فَغَضِبَ آسَا عَلَى الرَّائِي،
وَوَضَعَهُ فِي السِّجْنِ،
لأَنَّهُ اغْتَاظَ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ هَذَا،
وَضَايَقَ آسَا بَعْضًا مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. [10]
لم يعد قلب آسا كاملاً أمام الله كما أعلن حناني النبي (7-10). مع خبراته كل هذا الزمان وسلوكه في طريق الكمال، تهاون آسا بتركه المرتفعات في البلاد التي خضعت له، حاسبًا أنه يكفي أن يرجعوا إلى الرب.
هذا التهاون دفعه إلى تهاون أخطر، فقد سَلَّمَ ذهب بيت الرب وفضته لملك سوريا ليُحَطِّمَ إسرائيل، وعندما جاء حناني يُحَذِّره من هذا الانحراف، وضعه في السجن.
صار آسا عدوًا لكلمة الله في شخص من حملها (حناني النبي). وإذ حزن بعض من الشعب على تصرُّف آسا مع حناني النبي ضايقهم الملك.
← وستجد تفاسير أخرى
هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
11 وَأُمُورُ آسَا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ، هَاهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ لِيَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. 12 وَمَرِضَ آسَا فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ مِنْ مُلْكِهِ فِي رِجْلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَفِي مَرَضِهِ أَيْضًا لَمْ يَطْلُبِ الرَّبَّ بَلِ الأَطِبَّاءَ. 13 ثُمَّ اضْطَجَعَ آسَا مَعَ آبَائِهِ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالأَرْبَعِينَ لِمُلْكِهِ، 14 فَدَفَنُوهُ فِي قُبُورِهِ الَّتِي حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَأَضْجَعُوهُ فِي سَرِيرٍ كَانَ مَمْلُوًّا أَطْيَابًا وَأَصْنَافًا عَطِرَةً حَسَبَ صِنَاعَةِ الْعِطَارَةِ. وَأَحْرَقُوا لَهُ حَرِيقَةً عَظِيمَةً جِدًّا.
لم يحتمل آسا توبيخ الله له على لسان نبيِّه، مع إدراكه أن ما قاله النبي صادر من الله نفسه، وأنه توبيخ عادل، غايته أن يرجع إلى الله، ويندم على خطئه. لكنه في كبرياء قلبه عوض التوبة، أضاف إلى خطئه شرًا أعظم، وهو عناده لإنسان الله، ورفضه مشورته الحكيمة.
لم يحتمل الملك معارضة تصرفاته، فسقط في الغضب ليقف ليس ضد النبي، بل في وجه الله نفسه.
لم يقف غضبه عند الانفعال، وإنما تحوَّل إلى رغبة في الانتقام، فسجن النبي كفاعل شرٍ.
"ضايق آسا بعضًا من الشعب في ذلك الوقت"، ربما لأنهم حاولوا التفاهم مع الملك لإخراج النبي من السجن، أو قاموا بخدمة النبي في السجن. تَحوَّل الملك من خادمٍ لشعبه إلى طاغيةٍ عنيدٍ في رأيه.
وَأُمُورُ آسَا الأُولَى وَالأَخِيرَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ لِيَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. [11]
وَمَرِضَ آسَا فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ مِنْ مُلْكِهِ فِي رِجْلَيْهِ،
حَتَّى اشْتَدَّ مَرَضُهُ،
وَفِي مَرَضِهِ أَيْضًا لَمْ يَطْلُبِ الرَّبَّ، بَلِ الأَطِبَّاءَ. [12]
إن كان الله قد سمح بمرض آسا، لأنه لم يسمع لحناني الرائي، فكان يلزمه أن يرجع بالتوبة إلى الله، فيشفيه. "هلم نرجع إلى الرب، لأنه هو افترس فيشفينا، ضرب فيجبرنا" (هو 6: 1). لكنه عوض الرجوع إلى الرب طبيب النفوس والأجساد طلب الأطباء [12].
من أجل أمانته كل هذا الزمان سمح الله له بالتأديب، فحلّ به مرض لمدة سنتين في رجليه، واشتد المرض به جدًا، ومع هذا لم يرجع آسا عن شره.
قام الرب بتأديبه، فإذ سجن الرائي، قيد الرب حركته بالسماح له بالمرض في رجليه ليشعر بضعفه وعجزه عن الحركة. لم يُقَيِّده بسلاسل وقيود منظورة، وإنما بالمرض.
لقد فقد شركته مع الله، ورفض الوصية الإلهية، وغضب على رجل الله والمؤمنين الحقيقيين، وفي مرضه لم يرجع إلى الله بالتوبة.
يبدو أن رائحة الفساد التي فاحت من رجليه كانت شديدة جدًا، بالرغم من أنهم أضجعوه في سرير كان مملوءًا أطيابًا عطرة، غير أن هذه الأطياب لم تنزع رائحته الفاسدة أمام الرب.
أُصِيبَ الملك بمرض في رجليه، فتألم جدًا، غالبًا من نوع خطير من النقرس. فكما وضع النبي في مقطرة في السجن، وضعته خطاياه في مقطرة المرض الشديد لكي لا يتحرَّك من سريره، لعله يتعرَّف على خطيته، ويرجع إلى الرب. لكنه في عناد مُرّ "لم يطلب الرب، بل الأطباء" الوثنيين الذين كانوا يستخدمون السحر. كان يمكنه أن يطلب الأطباء لكن يطلب الرب أولاً، فيهبه الرب الشفاء خلال الأطباء والأدوية. فهو الذي خلق الأعشاب للعلاج، وهو الذي يعطي الفهم والمعرفة لخدمة البشرية خلال تخصصاتهم، لكن ليس في عنادٍ مع الله، وتجاهلٍ لعمل نعمته والاتكال عليه.
لعل الأطباء الذين لجأ إليهم كانوا غرباء عن شعبه، يستخدمون السحر والشعوذة، لا العلم والمعرفة.
كتب يشوع بن سيراخ الذي يُقال عنه إنه كان طبيبًا، فصلاً رائعًا عن "الطب والأطباء"، جاء فيه:
"أعطِ للطبيب كرامته اللائقة به، حسب احتياجك له، فإن الرب خلقه.
فإن الشفاء من عند العلي، ومن المَلِك ينال الطبيب العطايا.
مهارة الطبيب ترفع رأسه، فيُعجَب به في حضرة العظماء.
أخرج الرب الأدوية من الأرض، والرجل الفطن لا يستخف بها.
أليس بعودٍ صار الماء عذبًا (خر 15: 25)، حتى عُرِفَت قوته؟
وهو الذي أعطى الناس المهارة ليتمجَّد في عجائبه.
بالأدوية يشفي، ويزيل الأوجاع، ومنها يصنع الصيدلي أمزجة.
وأعماله لا نهاية لها، وعن يده يحلُّ السلام على وجه الأرض.
يا بني، إذا مرضتَ فلا تتهاون، بل صلِّ إلى الرب، فهو يشفيك.
أقلع عن أخطائك، واجعل يديك مستقيمتين، وطَهِّرْ قلبك من كل خطيئة.
قَرِّبْ ذبيحة ذات رائحة مرضية، وتذكار قربان الخبز الفاخر، واسكب دهنًا على تقدمتك، بحسب ما في يدك.
ثم اجعل الطبيب في مكانته، فإن الرب خلقه هو أيضًا، ولا يفارقك، فإنك تحتاج إليه.
في بعض الأحيان تكون العافية في أيادي الأطباء.
فهم أيضًا يُصَلُّون إلى الرب أن ينجح عملهم على الراحة والشفاء من أجل إنقاذ الحياة.
من يخطئ أمام صانعه، قد يقع في يدي طبيب" (سي 38: 1-15).
v اطلب الرب، لا تكن مثل آسا ملك يهوذا الذي بعدما تَقَبَّل بركات من الله سقط، حتى إذ أصيب بشللٍ في قدميه، لم يرد أن يسأل الله بالرغم من وجود نبي[5].
الأب أمبروسياستر
v كل فنٍ هو هبة الله لنا، ليس نقص ما تفتقر إليه الطبيعة... بعد أن قيل لنا إننا إلى التراب الذي جئنا منه نعود، لحقنا بجسمٍ مُلتحِف بالألم ومصيره الموت، ويُعَرَّض للمرض بسبب الخطية، وأعطى لنا عِلْمَ الطب حتى يشفينا من المرض ولو بقدرٍ ضئيل[6].
v أعطى الله الأرض وعقاقيرها من أجل شفاء الجسد، مُصدِرًا أمرًا بأن يُعالِج الجسد الذي من التراب بأشياء مأخوذة من التراب (الأعشاب)... بعدما سقط الإنسان من الفردوس، جاء توًا تحت تأثير أمراض الجسد واضطراباته... لذلك وهب الله العالم الدواء لأجل راحته، للشفاء ورعاية الجسد، وسمح للذين لا يستطيعون أن يستودعوا أنفسهم بالكامل بين يدي الله أن يستخدموه[7].
v فن الطب ليس عائقا عن التقوى، لكن يجب أن تمارسه بخوف الرب[8].
الأب برصنوفيوس
ثُمَّ اضْطَجَعَ آسَا مَعَ آبَائِهِ،
وَمَاتَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالأَرْبَعِينَ لِمُلْكِهِ [13]
فَدَفَنُوهُ فِي قُبُورِهِ الَّتِي حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ،
وَأَضْجَعُوهُ فِي سَرِيرٍ كَانَ مَمْلُوًّا أَطْيَابًا وَأَصْنَافًا عَطِرَةً حَسَبَ صِنَاعَةِ الْعِطَارَةِ.
وَأَحْرَقُوا لَهُ حَرِيقَةً عَظِيمَةً جِدًّا. [14]
يرى البعض أن آسا في مقاومته لله، أَعدَّ لنفسه قبره وتدبير موكب جنازته المهيب، وذلك في زهوه وغروره. لقد حفر القبر لنفسه.
وربما تذكَّر الشعب ما قام به الملك من أعمال تقوية لسنين طويلة. اهتموا بجنازته، فمارسوها بوقارٍ شديدٍ، وأحرقوا له حريقة عظيمة جدًا بالأطياب، تعبيرًا عن احترامهم له، وحسبوا ما فعله مؤخرًا هفوات وضعفات.
v اهتزَّ قلب رجل الإصلاح آسا ملك يهوذا.
في أواخر أيامه انقسم قلبه، وفقد استقامته.
ظن أنه قادر أن يعطي ساعة لرَبِّه وساعة للعالم.
فسدت إرادته المقدسة، وفقد قدسية عقله.
انهار في سلسلة من الخطايا،
فصار ألعوبة في أياديها.
v دَخَلَه الكبرياء، فظن في نفسه حكيمًا.
لم يعد يستشير الله ولا يتَّكِل عليه.
تهاون في تقديس المدن التي استولى عليها،
حتى يكسب سكانها،
فخسر مساندة الله له.
سمح له الله بقيام ملك إسرائيل ضده،
لكي يرجع إليه بالتوبة،
ويسترد قُدْسية إرادته وتفكيره.
لم يسمع لصوت التجربة التي حلَّتْ به.
v نهب ذهب بيت الرب وفضته وفتح مخازن قصره،
ليغري أرام، فيتخلَّى عن حليفه ملك إسرائيل.
نجح بأسلوبه البشري المُجَرَّد من نعمة الله.
انهار أمامه ملك إسرائيل إلى حين.
ووسَّع آسا تخوم يهوذا وبنى حصونًا.
v أرسل إليه الرب حناني النبي يدعوه للتوبة.
ازداد تصلُّفًا، وسجن النبي وأهانه.
تحرَّك البعض من الشعب لنصحه، فغضب عليهم.
ظَنَّ في نفسه القدرة والحكمة والتدبير الحسن.
ليس من يقدر أن يقف أمامه أو يراجعه.
v سمح الله له بتجربة المرض.
اشتدَّ به المرض، فصار مُقَيَّدًا به على سريره.
التجأ إلى السحرة يطلب منهم الشفاء.
شعر بقُرْبِ انتقاله، فاهتم بحفر مقبرة له.
لم يرفع قلبه إلى الله يسأله المغفرة.
إنما نزل بفكره إلى الأرض، يُعِدّ لجثمانه مكانًا!
v هَبْ لي يا رب قلبًا مُخلِصًا مستقيمًا كقلب داود.
يطلبك على الدوام ويعمل مرضاتك.
قَدِّس عقلي الذي وهبتني إيَّاه،
فينشغل دومًا بك.
قَدِّس إرادتي، لتتناغم بنعمتك مع إرادتك.
قَدِّسني إلى التمام، فأتَّكل عليك في كل أموري.
ارفع فكري إلى سماواتك،
فلا أحفر لجثماني قبرًا، يضم فيه رائحة الفساد.
_____
← تفاسير أصحاحات أخبار ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أخبار الأيام الثاني 17 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير أخبار الأيام الثاني 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/s968rhv