← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33
الآيات (1-14): "الْحَيُّ الدَّائِمُ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ عَامَّةً. الرَّبُّ وَحْدَهُ يَتَزَكَّى. لَمْ يَسْمَحْ لأَحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ بِأَعْمَالِهِ، وَمَنِ الَّذِي اسْتَقْصَى عَظَائِمَهُ؟ مَنْ يُعَدِّدُ قُوَّةَ عَظَمَتِهِ؟ وَمَنْ يُقْدِمُ عَلَى تَبْيَانِ مَرَاحِمِهِ؟ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ عَجَائِبِ الرَّبِّ، وَلاَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، وَلاَ أَنْ يَسْبُرَهَا. إِذَا أَتَمَّ الإِنْسَانُ، فَحِينَئِذٍ يَبْتَدِئُ، وَإِذَا اسْتَرَاحَ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَيَّرُ. مَا الإِنْسَانُ، وَمَا مَنْفَعَتُهُ؟ مَا خَيْرُهُ، وَمَا شَرُّهُ؟ عِدَّةُ أَيَّامِ الإِنْسَانِ عَلَى الأَكْثَرِ مِئَةُ سَنَةٍ. كَنُقْطَةِ مَاءٍ مِنَ الْبَحْرِ، وَكَذَرَّةٍ مِنَ الرَّمْلِ، هكَذَا سِنُونَ قَلِيلَةٌ فِي يَوْمِ الأَبَدِيَّةِ. فَلِذلِكَ طَالَتْ عَلَيْهِمْ أَنَّاةُ الرَّبِّ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ رَحْمَتَهُ. رَأَى وعَلِمَ أَنَّ مُنْقَلَبَهُمْ هَائِلٌ، فَلِذلِكَ أَكْثَرَ مِنَ الْعَفْوِ. رَحْمَةُ الإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ، أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَلِكُلِّ ذِي جَسَدٍ. يُوَبِّخُ وَيُؤَدِّبُ وَيُعَلِّمُ وَيَرُدُّ، كَالرَّاعِي رَعِيَّتَهُ. يَرْحَمُ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ تَأْدِيبَهُ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى الْعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ."
هي مقارنة بين عظمة الله وتفاهة البشر الذين ما كانوا قادرين على أن يحيوا بدون مراحم الله ورأفاته، لذلك تأتي الآيات التالية تدعو لأن يرحم الإنسان قريبه.
فالله وحده الحي الدائم هو الأزلي الأبدي. خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ.. والرَّبُّ وَحْدَهُ يَتَزَكَّى = هو وحده البار الكامل الذي بلا عيب.
لم يسمح لأحد أن يخبر بأعماله= فلا أحد يدركها أو يدرك أسراره. وحتى العلم الحديث لم يتوصل لكل الأسرار.
ليس للإنسان أن يسقط من عجائب الرب ولا أن يزيد عليها= هذه ترجمة أو شرح القانون الكيميائي "الطاقة والمادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم". فلن يخلق الإنسان مادة جديدة، ولن يمكنه إفناء مادة، بل تحويل شيء إلى شيء آخر أو صورة أخرى، أو اكتشاف شيء لم يكن يعلمه. ولا أن يسبرها= لا سبيل إلى استقصاء كل عجائب خليقة الله. إذا أتم الإنسان= إذا ظن الإنسان أنه أتم اكتشاف شيء فالحقيقة أنه حينئذ يبتدئ أي أنه ما زال في البداية. فمهما كانت معلومات الإنسان فهي كقطرة في محيط. وإذا استراح= توقف عن البحث= فحينئذ يتحير= لا يجد إجابات على أشياء كثيرة. أما الإنسان فهو لا شيء، عمره قليل على الأكثر مئة سنة. كنقطة ماء من البحر. هذا الإنسان الضعيف مهما زاد بره فلن يُزيد بر الله، ومهما زاد شره فهو لن يُسيء لله = ما الإنسان وما منفعته. ما خيره وما شره. ولضعف الإنسان= طالت عليهم أناة الرب وإلا فهو يهلك. والله يعلم أن جهنم رهيبة= منقلبهم هائل لذلك أكثر من العفو. ورَحْمَةُ الإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ الذي يحبه أو الذي يستفيد منه. أما رحمة الرب فلكل ذي جسد= بل هو مات لأجل الخطاة ولأجل الذين يشتمونه والذين يعبدون الشيطان. وليس معنى رحمة الله أن يتغاضى عن خطايانا بل هو يوبخ ويؤدب ويعلم ويرد. مثل ما يفعل الراعي الذي معه عصا وعكاز. العصا لضرب الذئاب التي تحاول الهجوم على القطيع، والعكاز لضرب الخروف الشارد عن القطيع ليعود. ومن يقبل تأديبه ويبادر إلى العمل بأحكامه يرحمه (14).
الآيات (15-18): "يَا بُنَيَّ، لاَ تَقْرِنِ الصَّنِيعَةَ بِالْمَلاَمِ، وَلاَ الْعَطِيَّةَ بِكَلاَمِ التَّنْغِيصِ. أَلَيْسَ النَّدَى يُبَرِّدُ الْحَرَّ؟ هكَذَا الْكَلاَمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَطِيَّةَ. أَمَا تَرَى أَنَّ الْكَلاَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْعَطِيَّةِ، وَكِلاَهُمَا عِنْدَ الرَّجُلِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ. تَعْيِيرُ الأَحْمَقِ مَكْرُوهٌ، وَعَطِيَّةُ الْحَاسِدِ تُكِلُّ الْعُيُونَ."
إذا كان الله يرحم ويتراءف فلنعمل نحن أيضًا هكذا "وإغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" لا تقرن الصنيعة (أعمال الإحسان للآخرين) بالملام= أي أعطِ خيرًا للناس دون أن تلومهم وتنغص عليهم، بل أعط للناس كلامًا حلوًا، فالناس تعيش في هذا العالم في ألم من تجارب هذا العالم (الحر) وليكن كلامك كالندى يبرد عليهم. بل إن الكلام أفضل من العطية فإذا لم تستطع أن تعطي السائل ما يريده فلتعطه كلامًا حلوًا. أما الكلام الصعب يؤلم الناس= تعيير الأحمق مكروه وعطية الحاسد تكل العيون= الحاسد هنا هو من يعطي ويشعر أنه أولى ممن يأخذ. وفي (17) كلاهما (العطية المادية) + (الكلام الناعم المشجع) عند الرجل المنعم عليه= أي يحتاج لكليهما. وتفهم كلاهما أيضًا أن من ننعم عليه فهو محتاج للصنيعة، وفي ضيقته هو محتاج لكلمة تعزية، فكلا العوز المادي والاحتياج المعنوي هو محتاج لكليهما.
الآيات (19-29): "قَبْلَ الْقَضَاءِ كُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْحَقِّ، وَقَبْلَ الْكَلاَمِ تَعْلَّمْ. قَبْلَ الْمَرَضِ اسْتَطِبَّ، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ افْحَصْ نَفْسَكَ، فَتَنَالَ الْعَفْوَ سَاعَةَ الاِفْتِقَادِ. قَبْلَ الْمَرَضِ كُنْ مُتَوَاضِعًا، وَعِنْدَ ارْتِكَابِ الْخَطَايَا أَرِ تَوْبَتَكَ. لاَ يَحْبِسْكَ شَيْءٌ عَنْ قَضَاءِ نَذْرِكَ فِي وَقْتِهِ، وَلاَ تُحْجِمْ عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ ثَوَابَ الرَّبِّ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. قَبْلَ الصَّلاَةِ أَهِبْ نَفْسَكَ، وَلاَ تَكُنْ كَإِنْسَانٍ يُجَرِّبُ الرَّبَّ. اُذْكُرِ الْغَضَبَ فِي أَيَّامِ الاِنْقِضَاءِ، وَوَقْتَ الاِنْتِقَامِ عِنْدَ تَحَوُّلِ الْوَجْهِ. فِي وَقْتِ الشِّبَعِ اذْكُرْ وَقْتَ الْجُوعِ، وَفِي أَيَّامِ الْغِنَى اذْكُرِ الْفَقْرَ وَالْعَوَزَ. بَيْنَ الْغَدَاةِ إِلَى الْعَشِيِّ يَتَغَيَّرُ الزَّمَانُ، وَكُلُّ شَيْءٍ سَرِيعُ التَّحَوُّلِ أَمَامَ الرَّبِّ. الْحَكِيمُ يَتَحَذَّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي أَيَّامِ الْخَطَايَا يَحْتَرِزُ مِنَ الْهَفَوَاتِ. كُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ الْحِكْمَةَ، وَيَعْتَرِفُ لِمَنْ يَجِدُهَا. الْعُقَلاَءُ فِي الْكَلاَمِ يُتِمُّونَ أَعْمَالَهُمْ بِالْحِكْمَةِ، وَيُفِيضُونَ الأَمْثَالَ السَّدِيدَةَ."
هذه نصائح قيمة للحكيم قبل القضاء كن على يقين من الحق= لا تتسرع في الحكم حتى تتيقن من الحكم. وبنفس المنطق قبل الكلام تعلم= فهناك من يتكلم من دون علم في أي موضوع قبل المرض استَطِبَّ= أي اعتن بصحتك قبل أن يأتي المرض، هذه حكمة. ومن الحكمة أن يعتبر الإنسان جسده وصحته وزنة عليه أن لا يبددها. مثال لذلك من عنده ضعف جسدي في نقطة معينة كمن عنده حساسية لنزلات البرد، مثل هذا عليه أن يتحاشى التعرض للهواء وإلا سيتعرض للمرض. والحكيم يضرب هذا كمثل لمن عنده ضعف تجاه شهوة أو خطية معينة، فمثل هذا إن كان قد قدم توبة صادقة عليه أن يهرب من أي مكان به إمكانية السقوط وأن لا يثق في نفسه، وإلا سيسقط = وعند ارتكاب الخطايا ار توبتك. أي أظهر توبتك بالهروب. وكل منا يعرف الخطايا المحببة إليه، فعليه أن يبتعد عن أماكنها وطرقها ليظهر أن توبته عنها هي توبة جادة. ومن الحكمة أن يفحص الإنسان نفسه قبل القضاء (قَبْلَ الْقَضَاءِ افْحَصْ نَفْسَكَ) = الدينونة ومَن يقدم توبة ينال العفو ساعة الافتقاد (تَنَالَ الْعَفْوَ سَاعَةَ الاِفْتِقَادِ).
قبل المرض كن متواضعًا= لا تفكر أن قدراتك الجسمانية كبيرة بل تواضع حتى لا تهلك جسدك. وعن أهمية النذور والوفاء بها يقول سليمان الحكيم أن لا تنذر خيرٌ من أن تنذر ولا توفي (جا4:5، 5). ولا تحجم عن أعمال البر= "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فذلك خطية له" (يع17:4). وهناك من يتصور أن الصلاة هي وسيلة لتغيير فكر الله، ولكن الحكيم يقول قبل الصلاة أهِّب نفسك= أي هيئ نفسك أن تتقبل ما يسمح به الله. أي أطلب من الله أن يغير ولكن كن متأهبًا أن تقبل الوضع كما هو عليه. ولا تكن كإنسان يجرب الرب= أي لا تكن في صلاتك منتظرًا إن استجاب الرب تحبه وتشكره، وإن لم يستجب تتذمر عليه فبهذا تكون مجربًا للرب. لا تتذمر على الرب ولا تخطئ إليه واُذْكُرِ الْغَضَبَ فِي أَيَّامِ الاِنْقِضَاءِ، وَوَقْتَ الاِنْتِقَامِ = حين ينتقم الله في يوم الدينونة من الخطاة. عند تحول الوجه= بدلًا من الرحمة يأتي الانتقام. وفي (25)، (26) نجد الحكيم لا يوافق على المثل الشعبي (إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) ويعتبر أن هذا سفه، ففي الأيام التي يكون المال معنا كثيرًا فلنقتصد حتى لا تأتي أيام لا نجد فيها المال. هو هاجم البخل من قبل (سي 3:14-9). وهنا يهاجم الإسراف الشديد. إذًا المطلوب التصرف بالتعقل والحكمة. وروحيًا فالإنسان الذي وصل لقامة روحية عالية وبدأ يفرح ويتلذذ بالله عليه أن يستمر في جهاده وإلاّ أتت عليه أيام فقر روحي ويفقد ما سبق واكتسبه. أيام الخطايا= هي هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي نحن معرضون فيه للسقوط، علينا أن نحذر حتى من الهفوات، وهذه تساوي [خذوا لنا الثعالب الصغار الْمُفْسِدَةَ الكروم] (نش15:2). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فمن يتسامح مع نفسه في الهفوات سيتسامح مع نفسه في الخطايا الكبيرة. وقد يقصد بأيام الخطايا (فِي أَيَّامِ الْخَطَايَا) الأيام التي يكون الإنسان فيها ضعيفًا روحيًا، فعلى هذا أن يَتَحَذَّر. لكن على من يظن نفسه أنه قوي أن يحذر بالأكثر فمن يظن نفسه أنه قوي، فهذا كبرياء يقود للسقوط. لذلك فالأكثر احتمالًا لأيام الخطايا هو وجود الإنسان في هذا الجسد. ومَن يتحذر من أيام العوز فيقتصد، ويتحذر من الهفوات.. إلخ. هو حكيم عاقل يتدبر أموره الزمنية وحياته الأبدية= كل عاقل يعرف الحكمة. ويعترف لمن يجدها= الحكيم يرى الحكيم ويفهم أن قراراته بعقل وحكمة، أما الجاهل فيرى تصرفات الحكيم أنها جهل. العقلاء في الكلام يتمون أعمالهم بالحكمة= في ترجمة أخرى "هم أيضًا حكماء" والمقصود أن الحكيم هو في القول وأيضًا في أعماله. وهذه تتفق مع ما يأتي ويفيضون الأمثال السديدة= أي الحكيم يظهر في أقوال فمه.
الآيات (30-33): "لاَ تَكُنْ تَابِعًا لِشَهَوَاتِكَ، بَلْ عَاصِ أَهْوَاءَكَ. فَإِنَّكَ إِنْ أَبَحْتَ لِنَفْسِكَ الرِّضَى بِالشَّهْوَةِ، جَعَلَتْكَ شَمَاتَةً لأَعْدَائِكَ. لاَ تَتَلَذَّذْ بِكَثْرَةِ الْمَآدِبِ، وَلاَ تُلْزِمْ نَفْسَكَ الإِنْفَاقَ عَلَيْهَا. لاَ تُفْقِرْ نَفْسَكَ بِالْمَآدِبِ، تُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنَ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ فِي كِيسِكَ شَيْءٌ، فَإِنَّكَ بِذلِكَ تَكْمُنُ لِحَيَاتِكَ."
هذه تحذير من الانقياد للشهوات والملاذ والملاهي فهذا يجعل الشياطين تشمت فينا= جعلتك شماتة لأعدائك. وتحذير آخر من أن يستدين الإنسان ليقيم مآدب للآخرين= فإنك بذلك تكمن لحياتك= أي تدبر مصيبة لنفسك.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 19 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يشوع ابن سيراخ 17 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/98fn7tr