← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32
الآيات (1-4): "مَنْ لَمَسَ الْقِيرَ تَوَسَّخَ، وَمَنْ قَارَنَ الْمُتَكَبِّرَ أَشْبَهَهُ. لاَ تَرْفَعْ ثِقَلًا يَفُوقُ طَاقَتَكَ، وَلاَ تُقَارِنْ مَنْ هُوَ أَقْوَى وَأَغْنَى مِنْكَ. كَيْفَ يُقْرَنُ بَيْنَ قِدْرِ الْخَزَفِ وَالْمِرْجَلِ؟ إِنَّهَا إِذَا صُدِمَتْ تَنْكَسِرُ. الْغَنِيُّ يَظْلِمُ وَيَصْخَبُ، وَالْفَقِيرُ يُظْلَمُ وَيَتَضَرَّعُ."
عن علاقات الفقير مع الأغنياء. من لمس القير (القطران) توسخ. ومن قارن المتكبر أشبهه= من يعيش وسط الخطاة سريعًا ما سيتشبه بهم، لذلك لم يكن داود يجلس في مجلس المستهزئين (مز1). وفي الآيات (2-4) نصيحة للفقير والضعيف أن لا يحاول أن يعيش وسط الأغنياء والأقوياء ظنًا منه أن هذا سيرفع من شأنه، فسيظل قِدْرِ الْخَزَفِ (إناء الخزف) ضعيفًا هشًا إذا صدمت تنكسر وسيظل المرجل (غلاية حديد) قويًا لا ينكسر. ومع أي مشكلة فالغني يَظْلِمْ الفقير ومع هذا يَصخَبْ ويشتكي. والفقير يُظْلَم ومع هذا يتضرع حتى يعفوا الناس عنه فهم قطعًا سيجاملون الغني القوي. لن ينتفع الفقير الذي يعيش وسط الأغنياء إلاّ أنه سيشابههم في كبريائهم وبلا مبرر وبهذا سيعيش مكروهًا يهزأ الناس به.
الآيات (5-11): "إِنْ كُنْتَ نَافِعًا اسْتَغَلَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ عَقِيمًا خَذَلَكَ. إِنْ كَانَ لَكَ مَالٌ عَاشَرَكَ، وَاسْتَنْفَذَ مَالَكَ وَهُوَ لاَ يَتْعَبُ. إِنْ كَانَتْ لَهُ بِكَ حَاجَةٌ، غَرَّكَ وَتَبَسَّمَ إِلَيْكَ وَوَعَدَكَ وَكَلَّمَكَ بِالْخَيْرِ، وَقَالَ: «مَا حَاجَتُكَ؟» وَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الأَطْعِمَةِ مَا يُخْجِلُكَ، حَتَّى يَسْتَنْفِذَ مَا لَكَ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ، وَأَخِيرًا يَسْتَهْزِئُ بِكَ وَيَرَاكَ بَعْدَ ذلِكَ فَيَخْذُلُكَ، وَيُنْغِضُ رَأْسَهُ عَلَيْكَ. اخْشَعْ للهِ، وَانْتَظِرْ يَدَهُ. احْذَرْ أَنْ تَغْتَرَّ وَتَتَذَلَّلَ فِي جَهَالَتِكَ. لاَ تَكُنْ ذَلِيلًا فِي حِكْمَتِكَ، لِئَلاَّ يَسْتَدْرِجَكَ الذُّلُّ إِلَى الْجَهَالَةِ."
مازال الحكيم ينبه الفقير أن لا يتعايش مع الغني، فالغني لن يريد من الفقير شيئًا سوى أن يستغله= إن كنت نافعًا إستغلك والعكس فإن كان الفقير بلا منفعة فلا حاجة للغني بهذا الفقير، فهو سيترفع عن معاشرته= وإن كنت عقيمًا (بلا فائدة للغنى) خذلك أي رفض معاشرتك. وإذا عاشرت الغني أيها الفقير فستعيش على مستواه فينتهي مالك بسرعة= إستنفد مالك وهو لا يتعب= أي ثروته باقية كما هي. وهو لن يبتسم في وجهك إلاّ لو كان له حاجة عندك وحينما تنتهي هذه الحاجة لن يعود يرتاح لمعاشرتك= يستهزئ بك. وبدلًا من أن تتودد للأغنياء ليرفعوك، اذهب وإخشع لله، فهو الذي يباركك ويرفعك= وإنتظر يده (بركاته التي ترفعك). وإحذر أن تغتر= تعاشر الأغنياء في غرور ليرفعوك وتضطر أن تتذلل في جهالتك. هناك من يبدد أمواله على ولائم للأغنياء لعله يستفيد منهم، والحكيم يقول لن تستفيد فهم لا يريدونك، بل يريدون أي مصلحة يستفيدونها منك. لذلك فلتبدد أموالك على الفقراء كما عمل وكيل الظلم فيكون لك أصدقاء في السماء، والله يعوضك فترتفع. لا تكن ذليلًا في حكمتك= هناك من يتصور أنها حكمة أن يعيش ملتصقًا بالأغنياء أو الأقوياء حتى لو عاش ذليلًا وسطهم لكن الحكيم يقول أن هذا يَسْتَدْرِجَكَ.. إِلَى الْجَهَالَةِ = أي تنفق أموالك بلا مبرر لتساير هؤلاء الأغنياء، وذلك حتى تفتقر ثم يُلقون بك إذا لم يعد لك فائدة. أما الحكمة هي في أن تلتصق بالله وبالبسطاء الذين تخدم الرب إذ تخدمهم. هذه هي حكمة وكيل الظلم.
الآيات (12-18): "إِذَا دَعَاكَ مُقْتَدِرٌ فَتَوَارَ؛ فَبِذَلِكَ يَزِيدُ فِي دَعْوَتِهِ لَكَ. لاَ تَقْتَحِمْ، لِئَلاَّ تُطْرَدَ، وَلاَ تَقِفْ بَعِيدًا لِئَلاَّ تُنْسَى. لاَ تُقْدِمْ عَلَى مُحَادَثَتِهِ، وَلاَ تَثِقْ بِكَلاَمِهِ الْكَثِيرِ؛ فَإِنَّهُ بِكَثْرَةِ مُخَاطَبَتِهِ يَخْتَبِرُكَ، وَبِتَبَسُّمِهِ إِلَيْكَ يَفْحَصُكَ. إِنَّهُ بِلاَ رَحْمَةٍ. لاَ يُنْجِزُ مَا وَعَدَ، وَلاَ يُمْسِكُ عَنِ الإِسَاءَةِ وَالْقُيُودِ. احْتَرِزْ وَتَنَبَّهْ جِدًّا؛ فَإِنَّكَ عَلَى شَفَا السُّقُوطِ. وَإِنْ سَمِعْتَ بِهذِهِ فِي مَنَامِكَ فَتَيَقَّظْ. فِي حَيَاتِكَ كُلِّهَا، أَحْبِبِ الرَّبَّ وَادْعُهُ لِخَلاَصِكَ."
هنا صورة عكسية، فماذا يفعل الفقير البسيط حين يدعوه الغني القوي، هل يذهب أو يرفض الذهاب، ببساطة تعليم السيد المسيح لنا نحن البسطاء هو أن نذهب، لكن علينا أن نجلس في المتكآت الأخيرة، أن نسلك بتواضع ونفهم أننا نحن لسنا على مستوى الأغنياء. لا تقدم على محادثته = في ترجمة أخرى "لا تقدم على محادثته كالند للند". وهذا معنى قوله هنا إذا دعاك مقتدر فتوار= وهذا يجعل القوي يرتاح إليك = ويزيد في دعوته لك. ولكن هناك من يظن في هذا المكان أنه كالند للند مع القوي، ونصيحة الحكيم لهذا = لا تقتحم لئلا تُطرد. إذًا هل الأفضل أن لا أذهب؟ يقول لا، فإذا دعاك القوي فاذهب وإلاّ فأنت تحتقر دعوته فيتجاهلك بعد ذلك = لا تقف بعيدًا (لا تمتنع عن الحضور) لئلا تنسى. هذه هي حكمة المتكآت الأخيرة. لا تثق بكلامه الكثير.. يختبرك.. يفحصك= لا تظن أيها الضعيف الفقير أنه حين يكلمك القوي أنك صرت على مستواه، بل هو يتعرف على بعض الأخبار يلتقطها منك. ليس معنى هذا الشعور بصغر النفس، بل السلوك بحكمة فلا يظن الفقير في محضر الأغنياء أنه مثلهم فهم سيطردونه ويهزأون به. ويقول الحكيم لمن يتصرف هكذا = إِنَّكَ عَلَى شَفَا (قريب جدًا) السُّقُوطِ. وإن سمعت بهذه في منامك فتيقظ = لا داعي لأحلام اليقظة بأنك وصلت لدرجة الأغنياء. لكن الغني والقوي بلا حدود وهو الله لا يخجل منك ولا يحتقرك مهما كنت فقيرًا. إذًا في حياتك كلها أحبب الرب وأدعه لخلاصك.
الآيات (19-24): "كُلُّ حَيَوَانٍ يُحِبُّ نَظِيرَهُ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُحِبُّ قَرِيبَهُ. كُلُّ ذِي جَسَدٍ يُصَاحِبُ نَوْعَهُ، وَالرَّجُلُ يُلاَزِمُ نَظِيرَهُ. أَيُقَارِنُ الذِّئْبُ الْحَمَلَ؟ كَذلِكَ شَأْنُ الْخَاطِئِ مَعَ الْتَّقِيِّ. أَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الضَّبْعِ وَالْكَلْبِ؟ وَأَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ؟ الْفِرَاءُ فِي الْبَرِّيَّةِ صَيْدُ الأُسُودِ، وَكَذلِكَ الْفُقَرَاءُ هُمْ مَرَاعِي الأَغْنِيَاءِ. التَّوَاضُعُ رِجْسٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِ، وَهكَذَا الْفَقِيرُ رِجْسٌ عِنْدَ الْغَنِيِّ."
هذا توجيه للفقير الضعيف أن لا يفرح ويتكبر ويغتر إذا وجد فرصة لمعاشرة الأغنياء والأقوياء، فهم لا يبالون بصداقته، لأنهم يفضلون معاشرة من هم مثلهم= كل حيوان يحب نظيره= أي كل الخليقة تميل أن تعاشر من هم مثلها. وبنفس المفهوم فالخطاة لا يحبون أن يعاشروا الأتقياء فهم لا يفضلون أحاديثهم. "الطيور على أشكالها تقع". وبنفس المفهوم فعلى أولاد الله الأتقياء ألا يعاشروا الخطاة فينجذبوا لخطاياهم، والبداية ستكون أنهم يحاولون أن يتكلموا مثلهم ليكونوا مقبولين منهم. الفراء= الفرا أي حمار الوحش. وهذا يشير للإنسان الفقير الضعيف بجانب الأقوياء الأسود.
التواضع رجس (فضيحة) عند المتكبر. فالمتكبر لا يفهم أن يتواضع إنسان، وهكذا الغني لا يفضل أن يتصادق مع فقير.
الآيات (25-29): "الْغَنِيُّ إِذَا تَزَعْزَعَ يُثَبِّتُهُ أَصْدِقَاؤُهُ، وَالْمُتَوَاضِعُ إِذَا سَقَطَ فَأَصْدِقَاؤُهُ يَطْرُدُونَهُ. يَزِلُّ الْغَنِيُّ فَيُعِينُهُ كَثِيرُونَ. يَتَكَلَّمُ بِالْمُنْكَرَاتِ فَيُبَرِّئُونَهُ. يَزِلُّ الْمُتَوَاضِعُ فَيُوَبِّخُونَهُ. يَنْطِقُ بِعَقْلٍ، فَلاَ يَجْعَلُونَ لِكَلاَمِهِ مَوْضِعًا. يَتَكَلَّمُ الْغَنِيُّ فَيَنْصِتُ الْجَمِيعُ، وَيَرْفَعُونَ مَقَالَتَهُ إِلَى السَّحَابِ. يَتَكَلَّمُ الْفَقِيرُ فَيَقُولُونَ: «مَنْ هذَا؟» وَإِنْ عَثَرَ يَصْرَعُونَهُ."
هنا نرى واقع نعيشه في عالم مملوء بالرياء. فالمجاملة للأغنياء والأقوياء مهما أخطأوا، والعكس فأي خطأ للفقير الضعيف يجعلهم يطردونه ويهزأون به، بل هذا حتى لو قال الصواب.
الآيات (30-32): "أَلْغِنَى يَحْسُنُ بِمَنْ لاَ خَطِيَّئةَ لَهُ، وَالْفَقْرُ مُسْتَقْبَحٌ فِي فَمِ الْمُنَافِقِ. قَلْبُ الإِنْسَانِ يُغَيِّرُ وَجْهَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْخَيْرِ؛ وَإِمَّا إِلَى الشَّرِّ. طَلاَقَةُ الْوَجْهِ مِنْ طِيبِ الْقَلْبِ، وَالْبَحْثُ عَنِ الأَمْثَالِ يَجْهَدُ الأَفْكَارَ."
ليس معنى هذا أن الحكيم يكره الأغنياء، بل يا ليت التقوى تصاحب الغِنَى = الغِنَى يحسن بمن لا خطيئة له. أما الفقير ومعه الجهل فشيء قبيح. فالحكيم لا يقول أن الفقير مهما حدث فهو حكيم ورع، لا بل إن المنافق الفقير شيء مستقبح أيضًا. ما يهتم به الحكيم حقيقة هو قلب الإنسان فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فقلب الإنسان يقوده إمّا للخير أو للشر (إِمَّا إِلَى الْخَيْرِ؛ وَإِمَّا إِلَى الشَّرِّ).
يُغَيِّرُ وَجْهَهُ = أي اتجاهه. والقلب الطيب يظهر هذا في وجه صاحبه. فصاحب القلب البسيط الباحث عن الله يرى الله ويفرح. هذه تساوي "إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا" (مت22:6). أما الإنسان الذي ما زال لم يستقر على حكمة العين البسيطة أي البحث عن مجد الله فقط، والبحث عن السماء والأبدية، وما زال يبحث عن الحكمة البشرية لتقوده ويسميها هنا الأمثال فهو في حيرة من أمره= يجهد الأفكار= لا يجد سلامًا ولا فرحًا يظهر على الوجه = طلاقة الوجه. مثل هذا الإنسان التائه يظن أن مصادقة الأغنياء والأقوياء أصحاب المراكز هي الحكمة، لذلك إذ لا يبحث عن الله بل عن الناس يكتئب.
← تفاسير أصحاحات سيراخ: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51
تفسير يشوع ابن سيراخ 14 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يشوع ابن سيراخ 12 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r5th9k8