← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
في الإصحاح السابق نجد ملك شرير يغادر العالم في خزي وهنا نرى نبيًا عظيمًا يغادر العالم في مجد. فقد انتقل إيليا إلى السماء بجسده مثل أخنوخ.
الآيات 1-8:- "وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ الرَّبِّ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ، أَنَّ إِيلِيَّا وَأَلِيشَعَ ذَهَبَا مِنَ الْجِلْجَالِ. فَقَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «امْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ إِيلَ». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». وَنَزَلاَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ. فَخَرَجَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ إِيلَ إِلَى أَلِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا». ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيلِيَّا: «يَا أَلِيشَعُ، امْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى أَرِيحَا». فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». وَأَتَيَا إِلَى أَرِيحَا. فَتَقَدَّمَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا إِلَى أَلِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا». ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيلِيَّا: «أُمْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الأُرْدُنِّ». فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». وَانْطَلَقَا كِلاَهُمَا. فَذَهَبَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ وَوَقَفُوا قُبَالَتَهُمَا مِنْ بَعِيدٍ. وَوَقَفَ كِلاَهُمَا بِجَانِبِ الأُرْدُنِّ. وَأَخَذَ إِيلِيَّا رِدَاءَهُ وَلَفَّهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ، فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَا كِلاَهُمَا فِي الْيَبَسِ."
إليشع كان يخدم إيليا (1 مل 21:19 + 2 مل 11:3) وتتلمذ عليه. وفي (2) فقال إيليا = إيليا عرف أن زمان انتقاله قد أتى وغالبًا فقد عرف إليشع ذلك أيضا. ولذلك فمن محبة إليشع لإيليا لم يشاء أن يفارقه في ساعاته الأخيرة. وقول إيليا لأن الرب قد أرسلني = نفهم منه أن الله رسم له حوادث تلك الساعات الأخيرة وأرسله إلى أماكن تجمعات الأنبياء ليفتقدهم ويزورهم ويشجعهم ويباركهم بكلامه الأخير قبل انتقاله وقول إيليا لإليشع إمكث هنا = أي في الجلجال لأنه أراد أن ينفرد قبل انتقاله أو لأنه أشفق على تلميذه إليشع فهو يعرف محبته أو هو عرف كيف سينتقل، ومن تواضعه لم يشأ أن يعرف أحد. وهذا يخجل من يتكلم عن نجاحه في خدمته وعن مواهبه. وفي (3) بنو الأنبياء = هم التلاميذ في مدرسة الأنبياء. وكان إيليا رئيسهم. وقد علموا أن إيليا قد قرب انتقاله ربما بإعلان من الله أو من إيليا، فكانوا يشجعون إليشع ويعزونه وقول إليشع فأصمتوا = معناه أنه لا يريد الكلام في الموضوع حتى لا يزداد حزنه. وإيليا أخذ يزور مدارس الأنبياء من بيت إيل إلى أريحا. وأخيرا في (6) يقول:-
الرب قد أرسلني إلى الأردن... ثم فلق إيليا الأردن...... فلماذا شق الأردن؟
1. ليكون صعوده في عبر الأردن في مكان منفرد كما صعد موسى ليموت في جبل نبو.
2. كما شق موسى البحر ليعبر بنو إسرائيل من العبودية للحرية يصنع إيليا نفس الشيء ليلفت نظر الجميع أن يتركوا عبادة الأوثان التي استعبدتهم مثل عبودية مصر.
3. كان شق نهر الأردن على يد يشوع سابقًا وعبور الشعب إلى كنعان الأرضية رمز لدخول المؤمنين بعد الموت إلى كنعان السماوية (فشق الأردن يشير للموت) وبهذا يكون عبور إيليا لنهر الأردن رمز لانتقاله لحياة جديدة وصعوده للسماء. وهكذا المسيح بموته شق لنا النهر (نهر الموت) ليكون عبورنا سهلا (فأسهل أن تعبر نهرًا جَفَّت مياهه عن أن نعبره وماؤه جاري) والمسيح بموته ابتلع الموت وجفف لنا تياراته الخطرة فأصبح مرورنا عبر الأردن (أو عبر الموت) سهلًا لذلك تصلي الكنيسة ليس موت لعبيدك يا رب بل هو انتقال = ليس غرق في مياه الأردن بل هو عبور لقد صار عبورنا إلى السماء سهلًا.
4. صعود إيليا بهذه الصورة فيه رمز لما سيحدث بعد ذلك مع المسيح (مع الفارق).
5. هو شهادة لجيل فاسد بقداسة إيليا وغيرته النارية وحبه المتقد لله.
فَعَبَرَا كِلاَهُمَا فِي الْيَبَسِ
= العبور السهل على أرض جافة . ولكن كلمة اليبس جاءت في العبرية "خرابة" ولها نفس المعنى في العربية أي أرض تم تخريبها. والمعنى أن إيليا ترك الأرض التي خربتها عبادة الأوثان لينطلق ويكون مع الله فقط فيستريح، ليس كما نقول الآن يستريح بمعنى الموت، لأن إيليا لم يمت حتى الآن ولكنه إستراح إذ ترك الأرض المملوءة خطايا ووثنية.وفي آية (7) فَذَهَبَ خَمْسُونَ رَجُلًا = وهذا يشير لكثرة عدد الأنبياء، كما لاحظنا سابقا من كثرة عدد الأماكن التي زارها إيليا مع أليشع ليفتقدها قبل إنتقاله، فالله لا يبقى نفسه بلا شاهد. وكما قال بولس الرسول "ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو5: 20). فعبادة الأوثان انتشرت في إسرائيل، ولذلك نجد الله يزيد من عدد الأنبياء ليسند الضعفاء بل وزادت المعجزات لعلهم يفهمون أين هو الحق.
الآيات 10،9:- "وَلَمَّا عَبَرَا قَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «اطْلُبْ: مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ؟». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ». فَقَالَ: «صَعَّبْتَ السُّؤَالَ. فَإِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ يَكُونُ لَكَ كَذلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ»."
نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ
= البكر له نصيب اثنين (تث 17:21) فإليشع إعتبر نفسه الابن البكر لإيليا. فكما قلنا إيليا كان يعتبر هو أب جميع الأنبياء، وإليشع بسؤاله هذا يريد أن يكون البكر، وهو طامع ليس في ميراث أرضي أو زمني أو ثروة أو صحة بل هو يطلب قوة روحية تعينه في الخدمة. وهو يطلب من إيليا أن يتشفع له عند الله. هو طلب قوة للخدمة فيكون كالبكر وسط الأنبياء يتقدمهم في الخدمة والمخاطر والواجبات وهذا النوع من الطمع يفرح الله. لذلك يقول بولس الرسول: من إبتغى الأسقفية فيشتهي عملا صالحًا: "إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلًا صَالِحًا" (1 تي 1:3). لأن الذي يبتغي الأسقفية في زمان بولس الرسول ما كان يبتغي مجدًا أو خلافه بل كان يعرف أنه سيخدم شعب الله وهو معرض للهوان والتعذيب والاستشهاد. صَعَّبْتَ السُّؤَالَ = فإليشع يطلب خدمة صعبة قد لا يكون مقدرا لجسامتها فضلا عن أنه ليس من حق إيليا أن يُعَيِّنْ خليفته ويعطيه ما يريده فالله الذي يُعَيِّنْ ويعطي لِمَنْ يشاء. فإن رأيتني في (2 مل 17:6) نرى تلميذ إليشع بصلوات إليشع تنفتح عينه فيرى المركبات النارية لأن هذه رؤية روحية وهذه ليست لكل إنسان، وإيليا يعلم أن إنتقاله سيكون في مركبة نارية وهذه ليست شيئا مرئيا لكل إنسان. وكانت العلامة التي أعطاها إيليا لإليشع أن يرى هذه المركبات النارية وهي تحمله، فإن رآها... إذًا فقد أعطاه الله رؤيا روحية تؤهله لهذه الخدمة، ويكون قد قبله خليفة لمعلمه إيليا. وحينما رأى إليشع هذا المنظر أدرك أن الله أعطاه قوة النظر وبصيرة روحية ليرى ويفهم ما لا يراه ولا يفهمه غيره.
الآيات 12،11:- "وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ، فَأَمْسَكَ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا قِطْعَتَيْنِ،"
لقد مجد الله إيليا بهذا الصعود حتى يتعلم الأنبياء الشهادة للحق مثله مهما كلفهم هذا. ونفس الكلام موجه لكل خادم. ولكي ترتفع أنظار كل واحد إلى أن هناك حياة في السماء، والموت ليس نهاية وليعمل كل واحد أعمالا صالحة حتى تكون لحظة انتقاله مجيدة. والتصاق إليشع بمعلمه درس لكل واحد أن يلتصق بالمسيح ليأخذ بركة. فإليشع رفض الراحة وظل ملتصقا بإيليا بالرغم من مشقات الطريق. وإيليا لم يمت، بل هو محفوظ في مكان ما لا نعلمه مثل أخنوخ وتقول معظم التفسيرات أنهما هما الشاهدين اللذين سيتنبأ في أيام ضد المسيح ويقتلهما ضد المسيح ويعلق جثتاهما ثم تدب فيهما روح حياة بعد 3 أيام إعلانًا بقرب نهاية العالم (رؤ 11). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يا أبي = فهو كان تلميذ لإيليا كابنه. مركبة إسرائيل وفرسانها = كان إيليا لإسرائيل أعظم من جيش بأكمله بمركباته وفرسانه، فهو يرشدهم ويحذرهم وبصلواته وشفاعته ينتصرون مهما كان عددهم قليلا. وتمزيق إليشع ثيابه هو إعلانا منه عن حزنه لخسارة هذا الرجل العظيم.
وصعود إيليا في مركبة نارية كان كمن يدخل منتصرا ظافرا فهو عاش مشتعلا بالروح فصعد للسماء في مركبة نارية عاش في حماس ناري في خدمته ومحبته فأخذته مركبة من نار. ولقد ضعف إيليا فترة بسيطة من حياته حين قال ليتني أموت فهل كان يعلم وقتها ما ادخره له الله من مجد، كانت هذه لحظة يأس وضعف. والله الرحوم قد غفرها ونشكر الله أنه كثيرا ما يسامحنا على ما نقوله في لحظات اليأس.
ومما يؤكد عودة إيليا في الأيام الأخير نبوة ملاخي (مل 6،5:4) فهو سيأتي قبل المجيء الثاني للمسيح حين يأتي للدينونة وكما كان في مجيئه الأول يرد شعب إسرائيل عن عبادة البعل إلى عبادة الله الحق هكذا سيرد قلوب الآباء على الأبناء لأن في هذه الأيام ستبرد محبة الكثيرين من كثرة الإثم. فإن كان قلب الأب قد قسَا على ابنه فكيف يكون موقف الأب القاسي هذا من الله؟! هذا هو عمل إيليا القادم.
الآيات 13-18:- "وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ. فَأَخَذَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ وَقَالَ: «أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِيلِيَّا؟» ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضًا فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ. وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ قَالُوا: «قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ». فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلًا ذَوُو بَأْسٍ، فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ، لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ». فَقَالَ: «لاَ تُرْسِلُوا». فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى خَجِلَ وَقَالَ: «أَرْسِلُوا». فَأَرْسَلُوا خَمْسِينَ رَجُلًا، فَفَتَّشُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ. وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ مَاكِثٌ فِي أَرِيحَا قَالَ لَهُمْ: «أَمَا قُلْتُ لَكُمْ لاَ تَذْهَبُوا؟»"
نلاحظ أن إليشع يسير على نفس طريق أبيه الروحي في كل شيء وهو هنا يحاول شق النهر كما فعل إيليا. فضرب النهر لأول مرة فلم ينشق وكان هذا امتحان لإيمان إليشع وقد اجتاز الامتحان بنجاح ولم ييأس (وهكذا يثبت الله إيمانه وإيماننا) فقال أين هو الرب إله إيليا = هو نادى الرب إله إيليا بثقة فجاءت القوة وانفلق النهر.
وفي (16) خمسون رجلا = يبدو أن الأنبياء كانوا كالجنود كل فرقة خمسون رجلا ولم يشأ إليشع أن يمنعهم عن البحث عن إيليا 1) حتى يؤمنوا 2) حتى لا يقولوا أنه فرح بمركزه الجديد وبأنه تخلص من إيليا كسيد له ومعلم له ويتعجل الرئاسة.
الآيات 19-25:- "وَقَالَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ لأَلِيشَعَ: «هُوَذَا مَوْقِعُ الْمَدِينَةِ حَسَنٌ كَمَا يَرَى سَيِّدِي، وَأَمَّا الْمِيَاهُ فَرَدِيَّةٌ وَالأَرْضُ مُجْدِبَةٌ». فَقَالَ: «ائْتُونِي بِصَحْنٍ جَدِيدٍ، وَضَعُوا فِيهِ مِلْحًا». فَأَتَوْه بِهِ. فَخَرَجَ إِلَى نَبْعِ الْمَاءِ وَطَرَحَ فِيهِ الْمِلْحَ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ أَبْرَأْتُ هذِهِ الْمِيَاهَ. لاَ يَكُونُ فِيهَا أَيْضًا مَوْتٌ وَلاَ جَدْبٌ». فَبَرِئَتِ الْمِيَاهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، حَسَبَ قَوْلِ أَلِيشَعَ الَّذِي نَطَقَ بِهِ. ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ. وَفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ فِي الطَّرِيقِ إِذَا بِصِبْيَانٍ صِغَارٍ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَسَخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا لَهُ: «اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ! اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ!». فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَائِهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الْوَعْرِ وَافْتَرَسَتَا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَدًا. وَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَمِنْ هُنَاكَ رَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ."
نرى إبتداء من هنا عدد كبير من المعجزات لإليشع تقرب من ضعف معجزات إيليا. والمعجزات هي وسيلة من الله يفتقد بها شعبه إسرائيل حتى لا يسيروا وراء الأوثان ، وحتى لا يعرجوا بين الفرقتين ويختاروا الله ويتركوا عبادة البعل . حقا الله يتمنى أن نؤمن دون أن نرى معجزات (يو20: 29)، لكن إن لم تكن هناك وسيلة سوى المعجزة فإن الله يسمح بها. الله يحب شعبه ويستخدم كل وسيلة ممكنة حتى لا يهلك شعبه. ونرى أن الله سمح بوجود أنبياء جبابرة مثل إيليا وأليشع وكثرة من مدارس الأنبياء وهم بالمئات وكثير من المعجزات، بل وضربات تأديب.
1- معجزة إبراء المياه:-
سمع رجال المدينة من بني الأنبياء ما فعل إيليا وإليشع بالأردن فإغتنموا الفرصة ليطلبوا منه بركة لمدينتهم. وموقع مدينة أريحا حسن وكان عند سفح الجبل وأمام المدينة سهل الأردن وحولها النخل وغيرها من الأشجار وأعشاب لها رائحة طيبة. وكان موقع المدينة جيد للتجارة ولكن المياه رديَّة والأرض مجدبة أي غير مثمرة ونسبوا جدبها لرداءة مياهها. وطلب إليشع صحن والملح. والملح في حد ذاته لا يبرئ المياه بل يفسدها وكذلك الصحن. ولكن الصحن والملح هما مادة المعجزة مثل الماء في سر المعمودية ومثل جهاد البشر، لكن نعمة الله هي التي تغير الفساد الذي فينا. وإحضار صحن وملح هو امتحان لمن يحضرهم، وبالملح صارت المياه حلوة وكذلك الأرض. والملح له معنى رمزي فهو يشير لعدم الفساد. وهكذا لنصلح حياتنا وطريقنا علينا أن نصلح قلوبنا بملح النعمة. والمعجزة رمزية وتشير لأن ديانة إسرائيل أصبحت فاسدة ولو إستمع الشعب لإليشع لا بُد وأنه يشفى. ونلاحظ أن الإنسان هو روح وجسد، الروح تقبل عمل النعمة ولكن طالما نحن في الجسد فنحن نحتاج أن نرى شيئا ماديا بحواسنا الخمس، وهنا كان هذا الشيء المادي هو الملح.
2- معجزة أطفال بيت إيل:-
ذهب إليشع ليزور مدرسة الأنبياء في بيت إيل وهناك في بيت إيل عجل يربعام. وأهل بيت إيل يكرهون من يوبخهم على هذه العبادة ولذلك كانوا دائمًا يسخرون من الأنبياء في مدرسة الأنبياء التي في بيت إيل، والآن هم يسخرون من إليشع ومن صلعته وهذا في حد ذاته عيب كبير أن يسخر أحد من آخر لضعف فيه أو عيب فيه فكم وكم لو كان هذا الإنسان نبيا. وقولهم اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ = هي سخرية من قصة صعود إيليا للسماء فكأنهم يسخرون من إليشع قائلين إصعد للسماء مثل معلمك فنحن لا نريدك. ولم يكن العيب في الأطفال الصغار بل في آبائهم الذين حرضوهم على هذا وعلموهم السخرية من أنبياء الله بل أرسلوهم ليطردوا إليشع. ولعنة إليشع لهم كانت غيرة لمجد الله الذي يهان في هذا المكان. وإذا كانت لعنة إليشع لهم لكرامة شخصية لما إستجاب الله له. ولنلاحظ أن موت الأطفال هو تأديب لآبائهم، فهناك الآن 42 بيت مع باقي أسرهم في حزن عميق على ما فعلوه بعد أن مات أبنائهم. ولنلاحظ خطورة السخرية من رجال الله. على أن هناك رأي آخر... أن كلمة غلام المترجمة هنا صبيان صغار قد تعني سن الشباب. فيكونوا مسئولين عن عملهم. سواء هذا أو ذاك كانت لعنة إليشع للصبيان فيها تأديب لبيت إيل كلها لترهب الله الذي تركوه.
← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الثاني 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير ملوك الثاني 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y7vmd2n