* تأملات في كتاب
ملوك أول: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
الأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ
(1) هروب إيليا (ع1-8)
(2) ظهور الله لإيليا (ع9-18)
(3) دعوة أليشع (ع19-21)
1 وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. 2 فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولًا إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». 3 فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ وَمَضَى لأَجْلِ نَفْسِهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ. 4 ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنَّنِي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي». 5 وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ». 6 فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. 7 ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». 8 فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ،
ع1:
وصل آخاب إلى قصره وقابل زوجته إيزابل الشريرة، التي ترعى وتساند عبادة الأوثان في المملكة، فأخبرها بما حدث في الكرمل وكيف فشل أنبياء البعل في إنزال نار من السماء، أما إيليا فنزلت نار عظيمة وأكلت ذبيحته فآمن الشعب وأمسك أنبياء البعل كلهم وذبحهم عند نهر قيشون. ولم يذكر لها قوة الله، التي أنزلت النار، أو عجز البعل عن ذلك وبالطبع لم يقص عليها كيف هطلت الأمطار؛ لأنها شعرت بها إذ ملأت المملكة كلها. ولكن لماذا لم يخبر آخاب إيزابل بقوة الله؟ يرجع هذا إلى ما يلي:إيمانه بالله كان ضعيفًا جدًا بالإضافة إلى تأثره بقتل أنبياء البعل التابعين له.
خوفه من إيزابل التي ترعى عبادة الأوثان؛ لئلا تغضب عليه خاصة وأن شخصيتها أقوى منه.
قد يكون استعاد رشده بعد ثورة الشعب عند نزول النار وقتل أنبياء البعل وبدأ يفكر في أنه خسر أربعمائة وخمسين من كهنة البعل وأراد الانتقام من إيليا وترك ذلك لزوجته الشريرة، أي أنه استفزها لتنتقم من إيليا، عندما تسمع بقسوته في قتل أنبياء البعل.
لعله خاف أن يصير إيليا ذو مركز كبير، كما كان موسى وصموئيل، فيتبعه الشعب ويضعف مركزه كملك.
ع2:
ثارت إيزابل جدًا عندما سمعت بذبح أنبياء البعل وعبرت عن غيظها بإرسال رسول إلى إيليا الموجود في يزرعيل يخبره بأنها حلفت بالآلهة أنها سوف تقتله غدًا في هذا الوقت وهذه الرسالة تعنى ما يلي:أنها اغتاظت جدًا وتريد أن تقتله، كما ذكرت.
أنها لا تستطيع أن تقتله لخوفها من الشعب أن يقوم عليها، خاصة بعد رجوعهم لله ومعرفتهم أنه الإله الحقيقي ولكن تهديدها هذا، أرادت به أن تخيف إيليا، حتى يهرب فيخلو لها المكان وتستطيع بحيلها أن تعيد الشعب إلى عبادة أوثانها. وهذا هو الأرجح.
ع3: عندما سمع إيليا تهديد إيزابل وللأسف نفذ خطتها، أو خطة الشيطان، فهرب سريعًا من يزرعيل إلى بئر سبع جنوبًا وهي في جنوب مملكة يهوذا وتبعد حوالي مائة وخمسين كيلو مترًا عن يزرعيل. وعندما وصل إلى هناك، كان في حالة ضيق ويأس شديد، فلم يحتمل حتى الوجود مع تلميذه فتركه هناك وذهب جنوبًا في البرية؛ ليكون وحده.
وهروب إيليا عكس ما كان الله يريده، إذ أن الشعب أصبح مستعدًا للحياة مع الله، فكان يجب أن يبقى في وسطهم ويشجعهم على التمسك بوصايا الله وشريعته ليثبتوا في الإيمان.لكن هروبه أعطى الفرصة لإيزابل؛ لتعيدهم إلى حياتهم القديمة، في الخلط بين عبادة الله والأوثان.
وحالة اليأس التي كان فيها إيليا، جعلته لا يذهب إلى يهوشافاط ملك مملكة يهوذا في أورشليم والتي تتبعها بئر سبع؛ لأنه في خوفه لم يأتمن أحد على نفسه ولا حتى يهوشافاط الصالح؛ لأنه كان قد صاهر آخاب.
عندما نظر إيليا إلى نفسه خاف، ليته كان قد نظر إلى الله لكان قد نزع عنه الخوف مع أنه عندما كان مع الله لم يخف عن آخاب الملك ولا كل أنبياء البعل الذين معه، أنه يشبه بطرس الذي أنزل عينيه عن المسيح، عندما كان ماشيًا على الماء فبدأ يغرق.
† أنت جبار طالما تنظر إلى الله وترتعد منك الشياطين ولكنك لو استسلمت لضعفك سيزعجك الشيطان بأفكاره، بل ويبعدك عن الله ويدخلك في اليأس. ردد طوال اليوم صلاة قصيرة حتى تتذكر أن الله معك دائمًا.
ع4: رتمة: نوع من أشجار الشيح ينمو في الصحراء وهو وافر الظلال. ترك إيليا تلميذه في بئر سبع وسار جنوبًا في طريق برية سيناء مسافة يوم والمقصود بمسافة يوم سبع ساعات يمشيها الإنسان في اليوم ويستريح أثنائها وهذه السبع ساعات يقطع خلالها عشرين ميلًا. وكانت مشاعر الحزن قد غطت على إيليا لما يلي:
الإنهاك الجسدي نتيجة ما حدث منذ يومين عندما قدم الذبيحة وقتل أنبياء البعل وصلى صلاة حارة، حتى نزل المطر ثم جرى أمام مركبة آخاب حتى وصل إلى يزرعيل في اليوم الذي بعده كيف سار مسافة كبيرة من يزرعيل حتى بئر سبع، ثم أخيرًا في هذا اليوم سار سبع ساعات حتى وصل واستراح تحت شجرة الرتم. وبالتالي هذا التعب الجسدي أثر أيضًا على نفسيته لصعوبة الأحداث التي مرت به.
خوفه من تهديد إيزابل بقطع رأسه، فهو رغم إيمانه وشجاعته في مواجهة آخاب وقتل أنبياء البعل لكنه ضعف وخاف من إيزابل وهرب وما زال بعض الخوف في داخله من أن ترسل رسولًا خلفه ويقتله.
يأسه من جدوى خدمته، فبعدما نجح في إرجاع الشعب للإيمان بالله على جبل الكرمل، لم يستطع قيادتهم في الحياة الجديدة مع الله لأن إيزابل هددته بالقتل، فهرب مستسلمًا لليأس، فاقدًا إحساسه بمساندة الله له.
إحساسه بالوحدة، أي أنه الوحيد الذي ما زال يعبد الله والشعب كله وراء إيزابل في عبادة الأوثان.
لعله تكبر عندما قبل الله ذبيحته بالنار واستطاع أن يقتل أنبياء البعل، أي أنه حقق ما لم يحققه غيره، فحاربه إبليس بعد ذلك إلى بالكبرياء، التي انقلبت، بعد تهديد إيزابل له إلى الخوف واليأس وقد سمح الله له بهذا الضعف حتى يتضع وفى هدوء البرية يراجع نفسه ولكن الله الرحيم لن يتركه، كما سنرى في الآيات التالية.
وقد عبر عن يأسه بطلبة الموت؛ لينضم إلى آبائه ولعله تذكر وقتئذ المتاعب التي قابلها الأنباء السابقين مثل موسى وداود ونسى قوة التي ساندته.
ع5: بعد عناء نهار طويل، إذ شعر إيليا بتعب وضيق ويأس، نام تحت الرتمة ولكن حنان الله لا يمكن أن يتركه لأنه ابنه، حى لو كان في ضعف روحي، فأرسل له ملاك لمسه بحنان وأيقظه وكان الوقت مساءً. وطلب منه أن يأكل، إذ كان قد أعد له مائدة أمامه؛ ليأكل ويتعزى وليخرجه من مشاعره الحزينة ونلاحظ هنا أن الله يهتم بطعام إيليا بشكل عجيب وغريب فأرسل له عندما بدأت المجاعة الغراب؛ ليطعمه بخبز ولحم، ثم أطعمه عند أرملة صرفة صيدا والآن يطعمه عن طريق الملاك.
† الله في ساعة الضيقة، ثق أنه يستطيع أن يتدخل بطرق تفوق العقل لينجدك ويسندك فاطمئن واتكل عليه واطلبه بإيمان مهما كانت الضيقات المحيطة بك، فهو حتمًا سيتدخل.
ع6:
كعكة رضف: نوع من الخبز كبير الحجم يعمل بوضع العجين المفرود على حجر ساخن جدًا من الشمس، أو يسخن بالنار فينضج الخبز خلال دقائق وهذا الخبز معروف ومحبوب في المناطق العربية المملوءة بالصحارى. ويسمى هذا الخبز أيضًا خبز الملَّة (تك18: 6) الذي عمله إبراهيم لضيوفه الثلاثة.فرح جدًا إيليا وتعزى بمنظر الملاك ولمساته الحانية ونظر، فوجد الملاك قد أعد له المائدة بجوار رأسه، عبارة عن كعكة رضف كبيرة وبجوارها وعاء كبير مملوء بالماء. وهذا الخبز طعمه لذيذ، فهي مائدة محبوبة طعام ساخن وماء كثير، يعزى إنسان نائم وحده في البرية، بلا طعام ولا شراب، فقام وأكل كثيرًا من هذه الكعكة الكبيرة وشرب كما يريد من الماء، ثم نام في اطمئنان بين يدى الملاك الذي يحرسه ويهتم به، خاصة بعد أن امتلأت بطنه من الطعام والشراب وشبع.
ع7: بعد أن نام إيليا فترة كافية في حراسة الملاك وهي غالبًا فترة الليل كله، لمسه الملاك بحنان في الصباح الباكر للمرة الثانية أي أنه كان في حراسة الملاك ورعايته طوال الليل، وأيقظه وطلب منه بعد أن استراح وتم هضم الأكل الذي أكله أن يقوم ليأكل مرة ثانية؛ لأنه سيمشى مسافة طويلة؛ ليصل إلى المكان الذي يقصده، فالله كان يعلم بسابق علمه أن سيسير في البرية مسافة طويلة؛ حتى يصل إلى جبل حوريب داخل برية سيناء. إنه حنان إلهي يفوق العقل ويفوق اهتمام الأم برضيعها، لأنه يهتم بنبيه، رغم خطيته وضعفه، لكنه ابنه قبل كل شيء، خاصة وأن إيليا صار وحيدًا، معزولًا عن الكل، فوجد الله معه يعوضه عن كل شيء. وقد أظهر الله احتياج الإنسان النفسى بمن يشاركه، عندما جاءت الملائكة؛ لتخدم المسيح بعد أن صام أربعين يومًا وأربعين ليلة (مت4: 2، 11).
ع8:
حوريب: جبل يوجد في برية سيناء ظهر الله بمجده عليه أمام شعبه وصعد إليه موسى وأخذ الوصايا والشريعة ورسم خيمة الاجتماع.قام إيليا وأكل من الخبز وشرب من الماء وهو بين يدى الملاك ونلاحظ أن الله أعطاه الطعام الذي يناسبه؛ لأنه تعود حياة البرية والتقشف؛ فأعطاه خبز وماء فقط، مع أنه في قبل ذلك بسنوات أعطاه خبز ولحم وبعد ذلك أعطاه فطير، عند أرملة صرفة صيدا والآن يعطيه خبزًا؛ لأنه قد تعود حياة النسك.
بعد ذلك قام إيليا منتعشًا وقويًا؛ ليسير في الصحراء مسافة طويلة، حتى وصل إلى جبل حوريب، الذي يسميه الكتاب المقدس جبل الله، فهو مكان مقدس، بل أقدس مكان في برية سيناء وما حولها ولم يذكر في الكتاب المقدس أن زاره أحد بعد موسى سوى إيليا، فهو مكان التقاء القديسين مع الله. والمسافة حتى جبل حوريب حوالي مائة وستين ميلًا وقد قطعها إيليا في أربعين يومًا وذلك بأن يسير حوالي أربع أميال كل يوم وهي ثُلث المسافة تقريبًا التي يستطيع الإنسان أن يسيرها يوميًا ولعله فعل هذا لأنه غير متعجل للوصول إلى الجبل؛ لأنه نسى الهرب من إيزابل وسار مع الله؛ لأنه تشجع بظهور الملاك له. وقد يكون سار أيامًا مسافات أطول من أربع أميال واستراح أيام أخرى عن المسير.
ومَنْ جعل إيليا يذهب إلى حوريب؟ هناك احتمالين:
أن الله أرشده عن طريق الملاك أن يذهب إلى هذا المكان المقدس؛ ليتقوى وينال بركة روحية ونفسية.
أنه إذ بدأ الرجاء يدب في قلبه. بعد رؤية الملاك اشتاق أن يذهب إلى هذا المكان المقدس، حيث أعطى الله الوصايا والشريعة للإنسان.
ولكن لماذا قضى إيليا أربعين يومًا صائمًا؛ حتى وصل إلى حوريب، مع أنه يستطيع أن يصلها في حوالي أسبوع، أو أكثر، إذا سار كل يوم مسافة أطول؟
كانت فرصة لله حتى ينمى الرجاء في داخل إيليا ويثبته من خلال هدوء البرية والجهاد في السير وتذكر معاملات الله مع إيليا في السنوات السابقة.
حتى يتسنى تمامًا مطاردة إيزابل له وينشغل بحياته مع الله في هدوء البرية.
ليصوم أطول فترة يحتملها الإنسان وهي أربعون يومًا، كما صام موسى على الجبل. وفى فترة الصوم الطويل ينسى الإنسان قوته الشخصية ويرتفع روحيًا؛ ليشعر بالله.
ليتذكر كيف حفظ الله موسى وأعده؛ ليلتقى به على الجبل وكيف أتاه الشعب في البرية أربعين سنة؛ لينسوا أوثان مصر ويعرفوا الله، أي يتذكر أن الله هو وحده معينه وملجأه وشبعه.
ليرى كيف يسنده الله أربعين يومًا دون طعام وهو سائر في البرية، متمتعًا بعشرته.
9 وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا. وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟». 10 فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 11 فَقَالَ: «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. 12 وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ. 13 فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 14 فَقَالَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 15 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، 16 وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. 17 فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. 18 وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ».
ع9:
عندما وصل إيليا إلى جبل حوريب، وجد المغارة التي دخل فيها موسى عندما طلب أن يرى الله، فأخفاه فيها وعبر أمامه (خر33: 22)، وقد قال المغارة بالتعريف؛ ليؤكد هذا المعنى ولم يقل مغارة، أي آية مغارة في الجبل.وبعد أن نام إيليا في المغارة واستيقظ، شعر بطمأنينة في هذا الجبل المقدس، وأصبح قويًا مستعدًا لأن يكلمه الله ويعاتبه، فقال له لماذا أتيت إلى ههنا يا إيليا، وهو يقصد بذلك عدة أمور:
لماذا تركت عملك كقائد روحي للشعب بعد أن أعلنوا إيمانهم، فهم محتاجين لإرشادك وتشجيعك؛ ليثبتوا في الإيمان؟
لماذا خفت من إيزابل مع أنى سندتك أمام آخاب الشرير ولم تخف من مواجهته؟ لماذا هربت الآن وأتيت إلى ههنا؟
تعود إيليا أن يقوده الله، فهو الذي أرسله إلى نهر كريت حيث أطعمته الغربان (1 مل 17: 3-6)، ثم أرسله إلى صرفة صيدا؛ لتعوله الأرملة (1 مل 17: 9) وبعد ثلاثة سنوات ونصف أرسله ليقابل آخاب (1 مل 18: 1) ويأخذه إلى جبل الكرمل. أما هنا فلم يأمره الله أن يأتي إلى سيناء.
ع10: فرح إيليا بلقاء الله، الذي تعود على عشرته في البرية وأسرع يكلمه؛ ليخرج كل الضغوط التي اختزنها في قلبه وكل مشاعر الضيق واليأس، فهو إلهه وملجأه الوحيد، فعبر عن كل ما في داخله وعن ضعفاته وقال لله إنه غار على مجد الله؛ لأن الشعب بقيادة الملك قد ابتعدوا عن الله وظهر شرهم فيما يلي:
تركوا عهدهم مع الله -أن يحيوا كشعب خاص له- الذي قطعوه مع الله في جبل حوريب مع موسى قديمًا، الآن تركوه وأشركوا معه عبادة الأوثان، التي نهى عنها الله في عهده معهم.
هدموا ونقضوا المذابح، التي بناها شعب إسرائيل على المرتفعات لعبادة الله؛ لأنهم بعيدين عن مذبح الله في أورشليم وبناء هذه المذابح وإن كان خطأ؛ لأن المذبح الوحيد ينبغى أن يكون في أورشليم ولكن أفضل بالطبع من عبادة الأوثان. فلما اثارت إيزابل الحرب ضد المؤمنين بالله هدمت هذه المذابح التي بناها هؤلاء المؤمنون.
امتدت يد إيزابل الشريرة؛ لتقتل أنبياء الله، الذين يعارضون عبادة الأوثان.
ثم قال في يأس لله وبقيت أنا وحدى مع أنه يعلم أن هناك مائة من الأنبياء يعولهم عوبديا ولكنهم مختفين خوفًا من إيزابل، فشعر بعدم قدرتهم على الخدمة، فها هو الآن ينضم إليهم في يأس ويختفى من وجه إيزابل ولعله شعر بفشله في إرجاع شخص واحد من الشعب إلى الله، مع أن هذا غير حقيقي، كما سنرى من كلام الله التالي بالإضافة إلى تأثر الكثيرين والذين سيكمل إيمانهم مع الوقت.
في كل هذا أغفل وتناسى إيليا أن الله هو العامل في خدمته وليس إيليا بقوته وأن كل ما يحدث من خطوات يستخدمها الله؛ ليكمل ملكوته على قلوب أولاده، فهو بذاته ييأس ولكن بالاتكال على الله يتقوى ويواصل خدمته، حتى لو لم تظهر الثمار سريعًا.
نلاحظ أيضًا أن إيليا في ضيقة وثورته لم يجب على سؤال الله وأخرج مشاعره المكبوتة والله سمعه بمحبته الأبوية ليريحه ولكن كان الأجدر بإيليا أن يجيب على السؤال معلنًا توبته عن خطاياه، فيقول لقد ضعفت يا إلهي وخفت من إيزابل وهربت إلى هنا وكان الله بحنانه سيسامحه ويرشده ماذا يعمل. فلم يكن هناك داعى للأعذار التي قدمها إيليا بهروبه إنه يذكرنا بآدم عندما ناداه الله في الجنة فلم يعلن توبته أمامه بل قدم عذرًا وهو أنه عريان، ثم أن المرأة أعطته فأكل.
من لقاء وكلام الله لإيليا تظهر محبة الله العجيبة فيما يلي:
ثبات الله في محبته، مهما تغير الإنسان، فهو الذي دعاه؛ ليوقف المطر وعاله بالغربان، ثم عند أرملة صرفة صيدا وسانده وقبل ذبيحته على جبل الكرمل وما زال يحنو عليه في يأسه عند جبل حوريب. إن الله بالحقيقة هو الآب الذي لا يتغير أبدًا في محبته.
تظهر محبة الله بشكل أكبر عندما يضعف الإنسان، فهو وإن كان قد أرسل له الغربان؛ لتطعمه، ثم الأرملة الفقيرة في صرفة صيدا ولكن الآن لأول مرة يظهر له ملاك ليطعمه؛ لأنه في ضعف أكثر من ذى قبل، فازدادت مراحم الله له؛ لتنقذه، كما أرسل المسيح بعد قيامته رسالة خاصة إلى بطرس الناكر يعلمه أنه قد قام وكذلك انفرد به عند بحيرة طبرية بعد قيامته وعاتبه ليعيده إلى مرتبته الأولى (مر16: 7، يو21: 15-19).
تظهر طول أناة الله في إيقاظ الملاك وهو تحت الرتمة، ثم أيقظه للمرة الثانية وأطعمه أيضًا وبعد ذلك أطال أناته عليه أربعين يومًا؛ ليشجعه ويجدد رجاءه وأخيرًا ظهر له في جبل حوريب المقدس؛ ليبدأ في عتابه ويعيده إلى قوته الأولى.
تظهر محبة الله في عدم عتاب النبي إيليا عندما هرب من إيزابل، بل تركه يصل بسلام إلى بئر سبع، ثم يترك غلامه ويصل إلى الرتمة وهناك يطعمه مرتين بيد الملاك، ثم يرعاه حتى يصل إلى حوريب، مع أن الله غير موافق على هروبه من إيزابل ولكن أبوة الله، تشفق على أولاده حتى أثناء الخطية وفى الوقت المناسب يعاتبهم ويعيدهم إليه. إن محبة الله تفوق العقل فهو يحبنا ونحن في الخطية وليس فقط بعد أن نتوب ويعتنى بنا، لعل مراحمه تقودنا للإيمان والتوبة.
† أنظر إلى محبة الله في حياتك السابقة وكيف اعتنى بك، خاصة في الضيقات وبالأكثر عندما كنت مهملًا له فتخجل وتعود وترتبط به أكثر وتشكره كل حين.
انتظر إيليا أن يرى الله الذي توقع أن يعبر أمامه بأى شكل من الأشكال القوية التي تظهر مجده، مثل انقطاع الأمطار والجفاف، أو نزول النار من السماء لتأكل ذبيحته، فقد تخيل إيليا أمام شرور آخاب وإيزابل أنه لا يصلح إلا للعمل الإلهي القوى، الذي يهز العالم وفيما هو منتظر، شعر بريح قوية تشق الجبال أي عاصفة تحطم الصخور وتزحزحها من مكانها، فظن أن هذا فعل ملائكى يعلن قرب قدوم الله، لكن الله لم يتكلم بعد ذلك.
ظل إيليا منتظرًا الله فحدثت زلزلة هزت المكان كله، فقال إيليا في نفسه إن هذا مقدمة لحضور الله ولكنه لم يسمع شيئًا من الله.
وبعد هذا رأى نارًا كبيرة قوية تظهر أمامه، فقال في نفسه إن إلهنا نار آكلة وسيتكلم الآن ولكنه لم يسمع شيئًا.
نلاحظ أن هذه الظواهر الثلاثة هي التي ظهر بها الله أمام شعبه على الجبل أيام موسى، عندما أعطاه الوصايا والشريعة (خر19: 16، 18). فكان إيليا يتخيل أن هذه هي مقدمات ظهور الله ولأن إيليا كان متحمسًا ناريًا توقع أن يكون ظهور الله دائمًا بشكل إعجازى ضخم.
أخيرًا سمع إيليا صوت منخفض لعله لم يعتد بها أولًا ولكن بعدها سمع صوت الله، كما سنرى في الآيات التالية؛ ليؤكد له الله أنه ليس الشكل الوحيد للعمل هو الأعمال المبهرة، بل يمكن أن يعمل الله بهدوء فيجذب الكثيرين إليه، فالمسيح كان يعمل بهدوء ويصنع خيرًا في كل مكان وكان يستر على خطايا المخطئين وليس مثل إيليا الذي يتضايق ويشتكى من خطايا الملك والشعب الأشرار (ع10). وفى العمل الهادئ حتى الموت قدم لنا المسيح فداءً كاملًا، بل إن إيليا نفسه كانت له أعمال هادئة أثرت فيمن حوله دون أن يدرى فحياته في البرية كانت مثالًا لجيله وفى الأجيال القادمة، في محبة الوحدة والبتولية، فهو صورة مبكرة للرهبنة. وثبات إيليا على إيمانه كان مساندًا للأنبياء المختفين والسبعة آلاف ركبة، التي ما زالت تؤمن بالله. إن الله يعمل بكل الطرق، فلنخضع له ونقبل تدابيره.
ظهر الله بصوت منخفض لم يكن يتوقعه إيليا كمقدمة لظهور الله والله يظهر في حياتنا بأشكال كثيرة لا ننتبه إليها؛ لأننا نتخيل الله بحسب رغباتنا وأمامنا مثالًا واضحًا هو المسيح عندما تجسد لم يؤمن به إلا القليلون، أما الباقون، فشكوا وظنوه إنسانًا عاديًا وليس الله، فعلى قدر اتكالنا على الله وخضوعنا له نستطيع أن نميز كلامه معنا من خلال حياتنا اليومية.
† عندما ترى مشاكل في بيتك، أو في الكنيسة، أو في أي مكان، فلا تظن دائمًا أن الحل هو تدخل غلهى قوى يزعج الأشرار ويظهر حقك فقد يرى الله أن الحل هو العمل الهادئ، حتى لو بدا موقفك ضعيفًا، أو متهمًا من الآخرين، فلا تتعجل الثمار، فإنها ستأتي ولو بعد حين، استمر في العمل الهادئ وثق أن الله معك لن يتركك أبدًا.
ع13: إنتبه أخيرًا إيليا إلى أنه في حضرة الله، فأسرع يغطى وجهه، بل يلفه بردائه؛ لأنه في حضرة الله العظيم المهوب، كما تغطى الملائكة وجوهها بأجنحتها من بهاء مجده، ثم سمع الله يكرر عليه نفس السؤال السابق، لماذا أنت ههنا يا إيليا؟ وهذا معناه ما يلي:
إن إجابة إيليا الأولى غير سليمة.
طول أناة الله التي تعطى فرص كثيرة لأولاده؛ حتى يتوبوا.
ع14: أجاب إيليا نفس الإجابة السابقة (ع10)، أى أن قلبه لم يتحرك بعد بالتوبة وما زال مضطربًا وأفكار الذات واليأس تحاربه ولم يخضع تمامًا لله.
برية دمشق: صحراء تقع بين منطقة باشان ومدينة دمشق.
حزائيل: كان أحد العاملين المقربين من الملك بنهدد ملك آرام (سوريا الحالية) وقد قتل سيده الملك وملك عوضًا عنه وهاجم شعب الله وضايقهم كثيرًا.
ياهو بن نمش: كان قائدًا حربيًا في مملكة إسرائيل وقتل يورام ملك إسرائيل وأخزيا ملك يهوذا وإيزابل وكل نسل آخاب وظل نسله على عرش إسرائيل حتى الجيل الرابع.
أليشع بن شافاط: كان فلاحًا وأبوه غنيًا من مدينة آبل محولة الواقعة شمال شرق شكيم وهو من سبط يساكر وتسلم قيادة الشعب الروحية بعد صعود إيليا إلى السماء.
ظهرت محبة الله في إعادة إيليا إلى خدمته، إذ قال له إذهب راجعًا في طريقك وطلب منه أن يمسح حزائيل ملكًا على آرام وياهو ملكًا على إسرائيل وأليشع نبيًا عوضًا عنه وهذه الأمور الثلاثة كانت دعوة فقط وإقامة من الله ولم تتم فعلًا، إلا بعد صعود إيليا، فالذى أقام حزائيل ومسح ياهو هو أليشع لأن حزائيل لملك وثني لا يمسح بالزيت، أما ياهو فمن الله ويمسح بالدهن. ولكن كلام الله هذا معناه إعادة إيليا إلى عمله كنبى وإن كان لفترة محددة وسيقوم بعده أليشع؛ لأن إيليا كان قد أخطأ خطأ كبيرًا بهروبه من عمل الله، مثلما أخطأ موسى وشك في الله فحرمه من دخول أرض الميعاد وكما تطاول شاول الملك وقدم ذبيحة بدلًا من صموئيل فرفضه الله ومسح داود بدلًا منه.
ع17: وضع الله ثلاث من المسئولين لحماية شعبه من الأشرار، فبواسطة الضيقات التي ستمر على شعب الله يرجعون إليه، فيفهم أن حزائيل سيضطهد شعب الله ويقتل الكثيرين؛ لعل الباقين يرجعون إلى الله، ثم يقوم ياهو ملكًا على إسرائيل، فيقتل أيضًا نسل آخاب وعابدى البعل وكهنته والكثير من الأشرار، حتى يتوب من تبقى. وإن كان -بعد هذا- هناك عدد من الأشرار، سيقتلهم سيف أليشع، أي كلمات الله القوية التي على فمه، فالله يعمل بطرق متنوعه ليرجع شعبه إلى الإيمان والتوبة. وهؤلاء الثلاثة مختلفين تمامًا عن بعضهم البعض فالأول وهو حزائيل رئيس لدولة وثنية مجاورة لشعب الله، هي آرام. والثانى وهو ياهو سيكون ملكًا على شعب الله إسرائيل، أما الثالث فسيكون نبيًا يدعو باسم الله فالله يعمل برئيس دولة أجنبية من الخارج وبرئيس شعبه بالداخل والنبى كان صوتًا لله في مملكة إسرائيل التي لا يوجد فيها هيكل الله الموجود في مملكة يهوذا.
وهؤلاء الثلاثة كانوا يعملون أعمالًا مختلفة فحزائيل كان من البلاط الملكى وياهو كان قائدًا في الجيش وأليشع كان فلاحًا. أي أن الله يمكن أن يستخدم جميع الطاقات لخدمته وتوبة شعبه.
وبهذا الكلام يطمئن الله إيليا أنه سيزيل الشر ولكن ليس على يديه، بل بواسطة آخرين، هم هؤلاء الثلاثة، أي لا يتعجل تنفيذ أحكام الله. فوزع الله الخدمة التي كان ينبغى أن يقوم بها إيليا على ثلاثة فلو كان إيليا لم يهرب لكان استخدمه الله ولكن الله يعلن رضاه عنه لإعادته ليمسح هؤلاء ليحملوا عنه مسئولياته.
ع18: طمأن الله إيليا أنه ليس وحده يعبد الله، بل هناك سبعة آلاف شخص يعبدون الله ولم يسجدوا للبعل ولا قبلوا تماثيله، كما كانت عادة الوثنيين في عبادتهم السجود للصنم وتقبيله وهذا العدد يشمل الأنبياء المختفين وغيرهم من المؤمنين. هؤلاء الله يحبهم ويرعاهم ويعرفهم بأسمائهم، رغم أنهم ضعفاء، اختفوا في خوف من اضطهاد إيزابل وإيليا وحده هو المعلن أمام الملك أنه يعبد الله وينادى بإسمه. فالله يشفق على الكل ويلتمس الأعذار لهم، سواء إيليا، أو المؤمنين المختفين. وكلمة أبقيت تعنى أن الله هو الذي حفظ هؤلاء المؤمنين، حتى لو كان بعضهم ضعيفًا وكل ما تميز به عدم السجود للآلهة الوثنية، فإيليا لا يعرفهم، إذ هم غير متميزين، أو خدام، أو مساعدين ولم يكونوا تلاميذ واضحين من تلاميذه ولكنهم آمنوا وعاشوا حياة نقية في السر خوفًا من الاضطهاد.
والله بهذا يشجع إيليا أن خدمته أثمرت هؤلاء السبعة الآلاف حتى يتعزى ويواصل خدمته.
وعدد السبعة الآلاف بالطبع نسبة قليلة جدًا بالقياس بإجمالي عدد شعب الله إلا أن الله يهتم بهم ويعرفهم واحدًا واحدًا وهذا يشجع المؤمنين أن يثبتوا في إيمانهم، مهما كان الكثيرين حولهم بعيدين عن الإيمان.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
19 فَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ وَوَجَدَ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ يَحْرُثُ، وَاثْنَا عَشَرَ فَدَّانَ بَقَرٍ قُدَّامَهُ، وَهُوَ مَعَ الثَّانِي عَشَرَ. فَمَرَّ إِيلِيَّا بِهِ وَطَرَحَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ. 20 فَتَرَكَ الْبَقَرَ وَرَكَضَ وَرَاءَ إِيلِيَّا وَقَالَ: «دَعْنِي أُقَبِّلْ أَبِي وَأُمِّي وَأَسِيرَ وَرَاءَكَ». فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ رَاجِعًا، لأَنِّي مَاذَا فَعَلْتُ لَكَ؟» 21 فَرَجَعَ مِنْ وَرَائِهِ وَأَخَذَ فَدَّانَ بَقَرٍ وَذَبَحَهُمَا، وَسَلَقَ اللَّحْمَ بِأَدَوَاتِ الْبَقَرِ وَأَعْطَى الشَّعْبَ فَأَكَلُوا. ثُمَّ قَامَ وَمَضَى وَرَاءَ إِيلِيَّا وَكَانَ يَخْدِمُهُ.
ع19:
فدان بقر: زوج من البقر يجر محراث ويستطيع أن يحرث فدان خلال يوم تقريبًا.رداءه: عبارة عن قطعة مستطيلة من القماش طوله أكثر من مترين وعرضها أقل من مترين وهي تشبه العباءة وكانت خاصة بالأنبياء تصنع من الصوف، أو الشعر.
ظهرت طاعة إيليا السريعة لله، الذي قاده بالروح إلى المكان، الذي يعيش فيه أليشع فذهب من برية دمشق وعبر نهر الأردن ووصل إلى مدينة آبل محولة الموجودة غرب نهر الأردن في سبط يساكر، فرأى أليشع وغالبًا كان يعرفه من قبل كأحد بنى الأنبياء أو من الشباب الأتقياء المؤمنين بالله، فلم يحتاج أن يتعرف عليه. ووجده في حقول أبيه يتابع العمال الذين يحرثون الأرض وكان أبيه يملك إثنى عشر محراثًا، يجرها اثنى عشر زوج من البقر وهذا يبين لنا مدى غنى والده شافاط؛ لأنه في اليوم الواحد يحرث إثنى عشر فدانًا، فبالطبع كان يملك أضعاف هذا العدد، أي ما لا يقل عن مائة فدان، أو قد يكون أكثر.
وكان أليشع مهتمًا بمتابعة العمل في حقول أبيه الذي أوكله على هذا العمل، فكان يراقب المحراث الأخير الثاني عشر في حراثته للأرض؛ ليكون بشكل جيد، حتى تصلح الأرض للزراعة بعد ذلك. فهو مدقق ويتحمل المسئولية مهما كانت كبيرة. وكان أليشع شابًا غالبًا في العشرينات من عمره، ليستطيع متابعة هذا العمل الكبير.
عندما رأى أليشع ذهب إليه وطرح رداءه عليه وطرح الرداء يعنى دعوة أليشع لتبعية إيليا والتلمذة على يديه؛ ليحمل مسئولية النبوة بعده، كما إذا طرح رجل الرداء على امرأة يعنى طلبها للزواج وضمها إلى بيته كما في حالة بوعز وراعوث (را3: 9).
فكلاهما عليه نفس الرداء أي يصيرا كجسد واحد من جهة العمل والمسئولية. وهكذا اتضع إيليا فنقل العمل النبوى وقيادة الشعب إلى أليشع وإذ اتضع هكذا نال مجدًا لم ينله أحد وهو بعد سنوات صعد إلى السماء في مركبة نارية، فعندما كان نجمًا لامعًا يمنع الأمطار وينزل النار من السماء، حورب بالكبرياء واليأس، فهرب ولكن عندما عاتبه الله وتأدب في البرية اتضع، فنال أعظم مجد، بل ظهر مع المسيح ومع موسى على جبل التجلى (مت17: 3).
ع20: فرح أليشع بدعوة إيليا له؛ ليتبعه ويتفرغ للعمل النبوى ويترك إدارة أراضي أبيه وهذا يبين مدى محبة أليشع لله واستعداده لترك كل شيء من أجله؛ لأنه جرى وراء إيليا، أي نفذ في الحال الدعوة الإلهية.
ولكنه استأذن إيليا أن يودع أباه وألمه ولعله كان وحيدًا ليس له إخوة؛ لأنه لم يذكر اخوته وهذا يصعب الأمر على الوالدين، أن ابنهم الوحيد سوف يتكرس لخدمة الله؛ بالإضافة إلى أنهما كانا غنيان، لكنهما لم يتعرضا على تكريسه ولم يعطلاه. وهذا يظهر أنهما والدان يهتمان بالحياة الروحية لابنهما وخاضعان لله ولا يفكران في محبتهما لابنهما بطريقة أنانية تعطل عمل الله كما يعترض البعض الآن على تكريس أبنائهم.
سمح له إيليا بالرجوع لتوديع والديه وقال له، ماذا فعلت لك، أي أن الله هو الذي دعاك ولست أنا ومن حقك أن تودع والديك، بل من حقك أيضًا ألا تستجيب للدعوة. ولعله بهذا ينبهه ألا يتعوق في عادات ذلك الزمان، التي كانوا يقضون فيها أيامًا وأسابيعًا في الوداع وحفلاته؛ حتى لا يسقط في خطية التأجيل، التي قد تضعف رغبته في التكريس، كما حذر المسيح مَن أراد أن يتبعه ولكن استأذنه أن يدفن والده أولًا (لو9: 59-61). وبهذا ترك أليشع كل غنى والده من أجل الله، كما ترك موسى قبلًا قصر فرعون من أجل الله وكما ترك بعد هذا التلاميذ أعمالهم وتبعوا المسيح وبنفس الطريقة فعل القديسون مثل الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا فتركوا غناهم من أجل محبة الله والتكريس لها.
ع21: بعد أن فرح أليشع بدعوة الله له بتبعية إيليا والتكريس لخدمة الله عن طريق الرداء، الذي ألقاه إيليا عليه، أراد أن يعبر عن فرحه بالتكريس وقطع نفسه عن أعمال الحياة، فأخذ زوج بقر، الذي كان يجر أحد المحاريث التابعة لأبيه وغالبًا استأذن أبيه في ذلك - فذبح البقر وصنع وليمة لأحبائه ومعارفه واستخدم أخشاب المحراث في إشعال النار؛ لطهى اللحم وكان هنا يشبه ذبيحة سلامة مقدمة لله، أي ذبيحة شكر لله على اختياره له ولخدمته. وبهذا أعلن للكل أنه يودعهم ليتكرس في خدمة الله وحتى لأفكار الشك، أو صعوبة الخدمة أن تهزه فيعود لحياته الأولى، فهذا الإعلان هو قطع وترك للحياة القديمة ليذهب في طريق جديد لن يتركه.
ثم ودع أليشع والديه ويبدو أن هذا الوداع لم يستغرق إلا قليلًا، فذهب وتبع إيليا؛ ليتتلمذ عليه ويخدمه كما ذكر أنه كان يصب ماء على يديه (2 مل3: 11).
وهكذا بدأ أليشع في التكريس والتلمذة على يدى إيليا، ولعل إيليا أخبره أنه سيكون خليفته في قيادة الشعب بعد فترة من الزمان، فزاد هذا من تعلق أليشع به والاهتمام بالتلمذة على يديه، التي استمرت حوالي ستة عشر عامًا حتى ارتفع إيليا إلى السماء، فتسلم أليشع القيادة للشعب.
† إذا دعاك الله لأى عمل روحي، أو خدمة فلا تتعطل بأمور الحياة وتذكر ان المسيح قدم لك حياته على الصليب، فمهما قدمت له فهو تعبير صغير وتجاوب بسيط مع حبه.
← تفاسير أصحاحات الملوك أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الأول 20 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير ملوك الأول 18 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/kings1/chapter-19.html
تقصير الرابط:
tak.la/v5js8bm