* تأملات في كتاب
ملوك أول: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46
الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
(1) القحط والبحث عن إيليا (ع1-18)
(2) قبول ذبيحة إيليا وقتل أنبياء البعل (ع19-40)
(3) نزول المطر (ع41-46)
1 وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِيلِيَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ قَائِلًا: «اذْهَبْ وَتَرَاءَ لأَخْآبَ فَأُعْطِيَ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». 2 فَذَهَبَ إِيلِيَّا لِيَتَرَاءَى لأَخْآبَ. وَكَانَ الْجُوعُ شَدِيدًا فِي السَّامِرَةِ، 3 فَدَعَا أَخْآبُ عُوبَدْيَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ عُوبَدْيَا يَخْشَى الرَّبَّ جِدًّا. 4 وَكَانَ حِينَمَا قَطَعَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ أَنَّ عُوبَدْيَا أَخَذَ مِئَةَ نَبِيٍّ وَخَبَّأَهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فِي مُغَارَةٍ وَعَالَهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ. 5 وَقَالَ أَخْآبُ لِعُوبَدْيَا: «اذْهَبْ فِي الأَرْضِ إِلَى جَمِيعِ عُيُونِ الْمَاءِ وَإِلَى جَمِيعِ الأَوْدِيَةِ، لَعَلَّنَا نَجِدُ عُشْبًا فَنُحْيِيَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَلاَ نُعْدَمَ الْبَهَائِمَ كُلَّهَا». 6 فَقَسَمَا بَيْنَهُمَا الأَرْضَ لِيَعْبُرَا بِهَا. فَذَهَبَ أَخْآبُ فِي طَرِيق وَاحِدٍ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ عُوبَدْيَا فِي طَرِيق آخَرَ وَحْدَهُ. 7 وَفِيمَا كَانَ عُوبَدْيَا فِي الطَّرِيقِ، إِذَا بِإِيلِيَّا قَدْ لَقِيَهُ فَعَرَفَهُ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: «أَأَنْتَ هُوَ سَيِّدِي إِيلِيَّا؟» 8 فَقَالَ لَهُ: «أَنَا هُوَ. اذْهَبْ وَقُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا». 9 فَقَالَ: «مَا هِيَ خَطِيَّتِي حَتَّى إِنَّكَ تَدْفَعُ عَبْدَكَ لِيَدِ أَخْآبَ لِيُمِيتَنِي؟ 10 حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ، إِنَّهُ لاَ تُوجَدُ أُمَّةٌ وَلاَ مَمْلَكَةٌ لَمْ يُرْسِلْ سَيِّدِي إِلَيْهَا لِيُفَتِّشَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ. وَكَانَ يَسْتَحْلِفُ الْمَمْلَكَةَ وَالأُمَّةَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوكَ. 11 وَالآنَ أَنْتَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ هُوَذَا إِيلِيَّا. 12 وَيَكُونُ إِذَا انْطَلَقْتُ مِنْ عِنْدِكَ، أَنَّ رُوحَ الرَّبِّ يَحْمِلُكَ إِلَى حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِذَا أَتَيْتُ وَأَخْبَرْتُ أَخْآبَ وَلَمْ يَجِدْكَ فَإِنَّهُ يَقْتُلُنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ أَخْشَى الرَّبَّ مُنْذُ صَبَايَ. 13 أَلَمْ يُخْبَرْ سَيِّدِي بِمَا فَعَلْتُ حِينَ قَتَلَتْ إِيزَابَلُ أَنْبِيَاءَ الرَّبِّ، إِذْ خَبَّأْتُ مِنْ أَنْبِيَاءِ الرَّبِّ مِئَةَ رَجُل، خَمْسِينَ خَمْسِينَ رَجُلًا فِي مُغَارَةٍ وَعُلْتُهُمْ بِخُبْزٍ وَمَاءٍ؟ 14 وَأَنْتَ الآنَ تَقُولُ: اذْهَبْ قُلْ لِسَيِّدِكَ: هُوَذَا إِيلِيَّا، فَيَقْتُلُنِي». 15 فَقَالَ إِيلِيَّا: «حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ، إِنِّي الْيَوْمَ أَتَرَاءَى لَهُ». 16 فَذَهَبَ عُوبَدْيَا لِلِقَاءِ أَخْآبَ وَأَخْبَرَهُ، فَسَارَ أَخْآبُ لِلِقَاءِ إِيلِيَّا. 17 وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟» 18 فَقَالَ: «لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ.
ع1:
استمر القحط ثلاثة أعوام حتى جاء كلام الرب إلى إيليا، مكلفًا إياه بالظهور لآخاب الذي ظل يبحث عن إيليا وهو مختفى طيلة تلك الأعوام، ووعده الله بأن ينهى فترة القحط ويعطى مطرًا. وأمر الله لإيليا أن يقابل آخاب؛ لأن آخاب هو الملك والمسئول عن كل الشعب وعن طريقه يمكن استدعاء أنبياء البعل وكل الشعب كما سيظهر في باقي هذا الاصحاح.فبرغم الجفاف الذي حدث لم يرجع آخاب إلى نفسه ويتوب، فجاءت دعوة الرب لإيليا بالظهور لكي يقدم لآخاب فرصة أخرى للتوبة في قصة كهنة البعل كما سيأتى.
ويذكر العهد الجديد في (لو4: 25، يع 5: 17) أن مدة القحط كانت ثلاث سنوات وستة أشهر، أما هنا فيذكر أنها ثلاث سنوات والفرق هو أن لقاء إيليا الأول مع آخاب كان في فصل الربيع الذي لا ينزل فيه مطر حتى بداية الشهر التالي أي حوالي ستة أشهر ضمها العهد الجديد، أما هنا فحسب المدة من بدء الشتاء التالي للربيع.
الله كان قد منع المطر من أجل ابتعاد الشعب عن عبادة الله وعبادتهم للبعل بقيادة إيزابل وآخاب، الذين قتلا أنبياء الله أيضًا. ورغم قساوة قلب آخاب وإيزابل لكن الشعب تأثر من المجاعة وبدأ يرجع إلى الله أو أصبح عنده استعداد للتوبة ورفض عبادة الأوثان؛ لذا قال الله لإيليا أنه سينزل المطر. وهذا يبين أن الله يسمح بالضيقة؛ ليجذب شعبه للتوبة ولكنه مملوء حنانًا، فعندما يبدأوا بالتجاوب يفيض ببركاته عليهم.
ع2: نفذ إيليا الأمر الإلهي في الحال وذهب ليقابل آخاب في السامرة. ولاحظ هناك معاناة الشعب بسبب المجاعة.
ع3: كان آخاب قد أقام مديرًا لشئون قصره هو عوبديا، وكان يثق فيه ويأتمنه على قصره. وكان عوبدنا هذا رجلًا تقيًا يخشى الرب. وهكذا نجد أن أخاب الشرير لم يأتمن أحدًا على بيته إلا رجلًا تقيًا يعبد الله لأن الأتقياء هم الأمناء الذين يثق فيهم الكل حتى الأشرار.
† كن متمسكًا بوصايا الله فترضيه وتنال بركته ويعطيك نعمة في أعين الكل بل تكون مبشرًا بالله حتى عند الأشرار لتعيدهم لله.
ع4:
قطعت: قتلت.حينما كانت إيزابل تطارد أنبياء الرب للقضاء عليهم كان عوبديا يعمل على إنقاذهم من يدها بأن أخذ 100 نبى من مدرسة الأنبياء ووضع كل 50 منهم في مغارة، وكان يأتي إليهم بخبز وماء ليبقيهم على قيد الحياة في زمن القحط أي يطعمهم طوال المجاعة، فنستنتج من هذا ما يلي:
اضطهاد آخاب وايزابل لأنبياء الله وقتل الكثيرين منهم إذ شعرت بضعف آلهتها عن إنزال المطر فنسبت القحط لرجال الله وحاولت قتلهم خاصة وأن إيليا هرب من يدها في البرارى.
شجاعة عوبديا وإيمانه وكرمه في اهتمامه بإعالة 100 نبى من مدرسة الأنبياء ولذا نجد ذكر لمدرسة الأنبياء بعد عصر آخاب كما في (2 مل 2: 1، 2، 4).
كان أنبياء الله في عزلة عن الشعب فعاشوا في حياة الوحدة للصلاة من أجل الشعب.
ويُفهم من هذا أن إيزابل لم تستطع قطع جميع أنبياء الله بدليل:
استطاع عوبديا أن يخبئ مائة نبى لله.
وجود مدارس الأنبياء في أيام أليشع، كما ذكرنا.
وجود سبعة آلاف ركبة لم تجثو لبعل، كما قال الله لإيليا (1 مل 19: 18) وقد يكون بينهم عدد من أنبياء الله.
ولأن إيزابل تشجع عبادة الأوثان، لم تقتل الأنبياء الذين يخدمون العجول الذهبية، التي أقامها يربعام في بيت إبل ودان ولم تقتل أيضًا الذين يقدمون ذبائح على المرتفعات في إسرائيل للأوثان، فذكر أربعمائة من هؤلاء الأنبياء في (1 مل 22: 6).
ع5: كان ما يشغل بال آخاب في فترة القحظ ليس حياة شعبه بل حياة حيواناته من خيل وبغال فها هو يطلب من عوبديا المسئول عنها أن يخرج معه للبحث عن عيون الماء أو الأودية حتى يستبقى حياة من يستطيع من بهائمه. فهو قطعًا استورد من البلاد المحيطة مثل مصر طعامًا له ولمن معه وترك شعبه يموتون جوعًا. ورغم كل ما فعله القحط في البلاد لم يتب آخاب وإيزابل ويرجعا على الله معترفين بخطاياهم التي هي سبب القحط.
ع6: قرر أن يذهب كل منهما في اتجاه غير الآخر ليستطيعا البحث عن الماء في أكبر مساحة ممكنة في الأرض وهذا يبين أن القحط كان شديدًا وجفت الأنهار، فحاولا البحث عن أي عيون ما زال فيها ماء.
ع7: بينما عوبديا ينفذ المهمة التي كلفه بها الملك إذ به يلتقى وجهًا لوجه مع إيليا فسجد أمامه، ورغم معرفته لشخصه طلب من إيليا التأكيد على أنه هو. وبالطبع كانت ملاقاة إيليا لعوبديا بتدبير الله وتعجب عوبديا لظهور إيليا إذ أن آخاب يبحث عنه ليقتله ولكنه بالتأكيد فرح ببركة لقائه لأن إيليا يمثل صوت الله في المملكة الشريرة التي ابتعدت عن الله وارتبطت بعبادة الأوثان.
ع8: أكد له إيليا أنه هو، وكلفه بالرجوع إلى ملكه آخاب ويبلغه بعثوره عليه.
ع9-12: قال عوبديا لإيليا أن هذه الرسالة التي حملها له إيليا تعرضه لخطر الموت لما يلي:
لأن آخاب سيغضب عليه لعدم قبضه على إيليا وقد يقتله.
أرسل آخاب وبحث عن إيليا في كل مكان في المملكة والممالك المحيطة واستحلفهم أي أكد عليهم للقبض على إيليا ليأتى ويصلى ويرفع القحط وعجز الكل عن العثور على إيليا.
إذا أخبر آخاب بأنه وجد إيليا وطلب منه أن يأتي معه ليقابله في المكان المعين وبعد أن يحضر يمكن ألا يجد إيليا إذ سيحمله روح الله كما هو معتاد إلى أي مكان آخر، سيشعر حينئذ آخاب أن عوبديا يستهزئ به فيأمر بقتله، فعوبديا يؤمن أن الله يحمى نبيه إيليا من يد آخاب الذي يريد قتله، فيحمله إلى أي مكان ويخفيه هناك كما أنقذه طوال الثلاثة سنوات ونصف السابقة وأنقذه من يد آخاب.
وفى النهاية ترجى عوبديا إيليا ألا يدعه يموت لأنه يتقى الله ولا يعبد البعل مثل آخاب وباقى الشعب.
ع13، 14: ذكر عوبديا لإيليا أنه اهتم بإعالة مائة من بنى الأنبياء ليشفع ذلك فيه فلا يعرضه إيليا لخطر الموت بحمله هذه الرسالة إلى آخاب وعوبيديا هو من أفضل الأتقياء الذين عاشوا أيام آخاب، فعبدوا الله ولم يعبدوا البعل ولكن سرًا لئلا يقتلهم آخاب، بل اهتم بأنبياء الله ولكن أيضًا سرًا، فلم يكن في قوة إيليا؛ ليعلن الحق، حتى لو تعرض للموت ولكن هذا لا يلغى تقواه ومحبته لله.
ع15: تعهد إيليا الذي يشعر بحضرة الله كل حين التي تعودها في خلوته بالبرية وأكد لعوبديا أنه سيقابل آخاب في هذا اليوم حتى يطمئن. وقد ذكر إيليا رب الجنود كلقب لله ليؤكد لعوبديا أمرين:
أنه يتعهد أمام الله القوى القادر على كل شيء فتعهده ثابت.
ليطمئن عوبديا فلا يخاف من قوة آخاب إذ هي لا شيء أمام قوة الله.
ع16: عندئذ اطمأن عوبديا واثقًا من صدق إيليا فرجع حيث وجد آخاب وأخبره بعثوره على إيليا فسار آخاب للقاء إيليا، وهذا بالطبع أهم من العثور على عيون الماء والحشائش، ويظهر هنا ضعف آخاب أمام قوة الله التي في إيليا فسار الملك إلى إيليا الذي يده حياة الشعب كله وآخاب نفسه. فالله يعطى مهابة لأولاده وقوة تُخضع الأشرار لهم.
ع17: عندما وصل آخاب إلى إيليا ظهر شر آخاب الذي لم يتب حتى الآن عن خطاياه رغم قسوة القحط فاتهم إيليا بأنه سبب الضيق الشديد الذي حلّ بمملكة إسرائيل بمنعه المطر فحدثت هذه المجاعة العظيمة. ولعله بهذا أراد تهييج الشعب الذي معه على إيليا.
ع18:
بعليم: جمع بعل إذ كان اسم البعل يطلق على مدن وأماكن كثيرة فيقصد إيليا كل بعل يعبدوه، وكان إدخال عبادة البعل إلى إسرائيل على يد آخاب وإيزابل امرأته.بكل قوة وشجاعة أنكر النبي الاتهام الموجه إليه بل وبكل جرأة رد النبي الاتهام الموجه إليه إلى الملك وبيت أبيه مبينًا له أن سبب الغضب الذي حل على الأرض بمنع الماء هو إهمال وصايا الرب وعبادة الأوثان. التي سار فيها آخاب وكل بيته.
ومن يكدر شعب الله يستحق الرجم والموت، كما حدث مع عخان بن كرمى أيام يشوع (يش7: 25) وقول إيليا لآخاب بترككم وصايا الرب يقصد كل الشعب، الذي يقوده آخاب ولكن قال أيضًا لآخاب بسيرك وراء البعليم، أي بصيغة المفرد؛ لأن الذي أدخل عبادة البعليم إلى إسرائيل هو آخاب.
19 فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السَّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ». 20 فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. 21 فَتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ». فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ. 22 ثُمَّ قَالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْبِ: «أَنَا بَقِيتُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ وَحْدِي، وَأَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا. 23 فَلْيُعْطُونَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارُوا لأَنْفُسِهِمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَيُقَطِّعُوهُ وَيَضَعُوهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ يَضَعُوا نَارًا. وَأَنَا أُقَرِّبُ الثَّوْرَ الآخَرَ وَأَجْعَلُهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلكِنْ لاَ أَضَعُ نَارًا. 24 ثُمَّ تَدْعُونَ بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ وَأَنَا أَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ. وَالإِلهُ الَّذِي يُجِيبُ بِنَارٍ فَهُوَ اللهُ». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالُوا: «الْكَلاَمُ حَسَنٌ». 25 فَقَالَ إِيلِيَّا لأَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ: «اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ ثَوْرًا وَاحِدًا وَقَرِّبُوا أَوَّلًا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأَكْثَرُ، وَادْعُوا بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَضَعُوا نَارًا». 26 فَأَخَذُوا الثَّوْرَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ وَقَرَّبُوهُ، وَدَعَوْا بِاسْمِ الْبَعْلِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ قَائِلِينَ: «يَا بَعْلُ أَجِبْنَا». فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ. وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ الَّذِي عُمِلَ. 27 وَعِنْدَ الظُّهْرِ سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا وَقَالَ: «ادْعُوا بِصَوْتٍ عَال لأَنَّهُ إِلهٌ! لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ أَوْ فِي سَفَرٍ! أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ فَيَتَنَبَّهَ!» 28 فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَال، وَتَقَطَّعُوا حَسَبَ عَادَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ. 29 وَلَمَّا جَازَ الظُّهْرُ، وَتَنَبَّأُوا إِلَى حِينِ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ، 30 قَالَ إِيلِيَّا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَيْهِ. فَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ الْمُنْهَدِمَ. 31 ثُمَّ أَخَذَ إِيلِيَّا اثْنَيْ عَشَرَ حَجَرًا، بِعَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: «إِسْرَائِيلَ يَكُونُ اسْمُكَ» 32 وَبَنَى الْحِجَارَةَ مَذْبَحًا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَعَمِلَ قَنَاةً حَوْلَ الْمَذْبَحِ تَسَعُ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الْبَزْرِ. 33 ثُمَّ رَتَّبَ الْحَطَبَ وَقَطَّعَ الثَّوْرَ وَوَضَعَهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَقَالَ: «امْلأُوا أَرْبَعَ جَرَّاتٍ مَاءً وَصُبُّوا عَلَى الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى الْحَطَبِ». 34 ثُمَّ قَالَ: «ثَنُّوا» فَثَنَّوْا. وَقَالَ: «ثَلِّثُوا» فَثَلَّثُوا. 35 فَجَرَى الْمَاءُ حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَامْتَلأَتِ الْقَنَاةُ أَيْضًا مَاءً. 36 وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ أَنَّ إِيلِيَّا النَّبِيَّ تَقَدَّمَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ. 37 اسْتَجِبْنِي يَا رَبُّ اسْتَجِبْنِي، لِيَعْلَمَ هذَا الشَّعْبُ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ حَوَّلْتَ قُلُوبَهُمْ رُجُوعًا». 38 فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ. 39 فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!». 40 فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: «أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ». فَأَمْسَكُوهُمْ، فَنَزَلَ بِهِمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ.
ع19:
جبل الكرمل: جبل يمتد من شرق فلسطين إلى قرب البحر المتوسط، مسافة حوالي ثلاثة عشر ميلًا ويمتد نهر قيشون جنوب الجبل من الشرق ويتجه نحو الشمال الغربي حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط في مكان جنوب مدينة حيفا. وأعلى قمته منطقة تسمى المحرقة، حيث قدم إيليا ذبيحته وهي منطقة ضخمة مسطحة في الجبل ويبلغ ارتفاعها حوالي ألف وسبعمائة قدم عن سطح البحر وهي تقع في الجزء الشرقى منه.أنبياء البعل: كانوا يدّعون النبوة وهم كذبة، فأطلق عليهم أنبياء، والبعل هو إله الشمس، الذي كان يعبده آخاب.
أنبياء السوارى: كانت تقام سوارى، أي أعمدة خشبية لعبادة الإلهة عشتاروت وهي إلهة القمر، التي كانت تعبدها إيزابل.
يأكلون على مائدتها: كانت إيزابل تعولهم وتهتم باحتياجاتهم.
كان آخاب في احتياج شديد لنزول المطر؛ لاشتداد الجوع، لذا عندما كلمه إيليا بسلطان وأمره أن يجمع كل إسرائيل، أى رؤساء كل الشعب ويحضر أيضًا أنبياء البعل، الذين عددهم أربعمائة وخمسين وأنبياء السوارى، الذين تهتم بهم إيزابل وعددهم أربعمائة، أطاع آخاب في خضوع ونفذ الأمر بسرعة، فكان كطفل أمام سيد عظيم؛ لأن قوة الله كانت في إيليا ولعله كان مطمئنًا إلى أن عدد أنبيائه كبير جدًا وإيليا شخص واحد، فلم يخف من المواجهة ولعله كان يظن أن إيليا يريد أن يظهر سلطانه بإنزال المطر أمام كل الرؤساء والمسئولين في المملكة ولم يتخيل شيئًا آخر.
وقد اختار إيليا جبل الكرمل والمكان الذي حدده، الذي سمى فيما بعد بالمحرقة للأسباب الآتية:
كان يوجد في هذا المكان مذبح قديم رممه إيليا (ع30) ولعله كان من أيام الآباء البطاركة، إبراهيم واسحق ويعقوب، فهو مكان مقدس في نظر الشعب.
لارتفاع الجبل يمكن أن تُرى النار التي فوقه من على بعد كبير، فتراها إيزابل وكثير جدًا من الشعب.
يوجد الجبل في مكان متوسط بين أماكن إقامة الأسباط، فيمكن أن يرى ما يحدث عليه أكبر عدد من الشعب.
لارتفاع الجبل يمكن أيضًا أن تُرى من عليه السماء والسحاب، الذي ينبئ بنزول المطر.
كان الكنعانيون يعتبرون هذا الجبل مسكنًا لآلهتهم، فكانت فرصة لإيليا أن يعلن قوة الله، التي فوق جميع الآلهة من أجل قداسة هذا المكان، خاصة بعدما فعله إيليا عليه، أصبح مكانًا مقدسًا في نظر الشعب؛ لذا أقام أليشع النبي مسكنًا له فيه (2 مل4: 25).
يبدو أن إيزابل كانت أكثر تخوفًا من آخاب، فمنعت أنبياء السوارى من الذهاب إلى هذه المواجهة، التي لم يذهب إليها سوى أنبياء البعل (ع22)؛ لعلها خافت أن تظهر ضعف آلهتها أمام قوة الله، أو أن يصيب أنبياؤها أي شيء من الضرر.
ع20: أمام قوة كلام الله على فم إيليا أطاع الملك في الحال وأرسل فجمع رؤساء الشعب أي رؤساء الأسباط والعشائر وكل أنبياء البعل؛ لأن الملك كان في ضعف شديد لاشتداد المجاعة وكان يظن أن إيليا يأمر بجمع كل هؤلاء؛ ليظهر سلطانه في إنزال المطر.
ع21:
تعرجون بين الفرقتين: الأعرج نتيجة ضعف رجليه يميل يمينًا ثم يسارًا ولا يستطيع أن يسير بخطى ثابتة مستقيمًا.فوجئ الشعب بأن إيليا لم يصلى لينزل المطر، بل واجههم بسبب المشاكل التي يعانون منها، أي المجاعة، وهو ابتعادهم عن الله وخلطهم عبادته بعبادة الأوثان، فقد رأوا في الله القوة والسلطان على كل شيء، كما عمل مع أبائهم منذ القديم ورأوا في عبادة البعل إرضاء للملك وإشباع لشهواتهم الشريرة التي تقترن بالعبادة الوثنية. وهنا في سؤال إيليا يطالبهم باختيار من يعبدون، أما الله، أو البعل؛ لأنه لا يمكن الخلط بين العبادتين، فهذا لا يرضى الله. وأمام هذا السؤال الصريح صمت رؤساء الشعب، لأنهم أدركوا خطأهم ولعلهم ما زالوا يريدون التمسك بالعبادتين؛ لأنهم لا يستطيعوا ترك الله الإله الحقيقي ومازالوا في نفس الوقت يخافون من الملك ويريدوا اشباع شهواتهم وبالتالي احتاجوا إلى قوة تهزهم وتعيد ايمانهم بالله وهذا ما سيفعله إيليا في الآيات التالية فلم يجدوا ما يجيبون به إيليا ويلاحظ أن إيليا لم يسأل الملك ولا أنبياء البعل؛ لأنهم أشرار تعلقوا بعبادة الأوثان ورفضوا الله.
† إن الله يريد كل قلبك ونفسك وفكرك وقدرتك، فلا ينشغل قلبك بالله والعالم لأن محبة العالم عداوة لله. والله أيضًا أعطاك ذاته على الصليب ويعطيك جسده ودمه على المذبح كل يوم، فاقل تجاوب أن تعطيه حياتك، كما أعطاك حياته حينئذ تمتلئ شبعًا وقوة وتحيا مطمئنًا وخيرات لا يعبَّر عنها.
ع22: استكمل إيليا حديثه مع رؤساء الشعب فقال لهم إنى قد بقيت نبيًا وحيدًا لله، أعلن اسمه في كل المملكة؛ لأنه رغم وجود أنبياء آخرين مثل الذين يعولهم عوبديا (ع13) كانوا جميعهم مختبئين خوفًا من بطش آخاب. وقال أيضًا أنه يوجد الآن أربعمائة وخمسين نبيًا وثنيًا يعبدون البعل فهو واحد أمام أربعمائة وخمسين ولكنه يتكلم بإيمان وسلطان ولا يخشى العدد الكبير الذي أمامه وأصواتهم العالية ومساندة الملك لهم. ويلاحظ أن أنبياء السوارى وعددهم أربعمائة، الذين تعتنى بهم إيزابل وتعولهم لم يحضروا هذا اللقاء، مع أن إيليا طلب من آخاب أن يدعوهم؛ لعل إيزابل خافت عليهم من قوة إيليا وإلهه وهذا يبين أن إيزابل وآخاب رغم شرهم كانوا يخافون من إيليا ولكنهم لم يخضعوا لخوف الله وأصروا على عبادة الأوثان.
ع23، 24: أضاف إيليا، فقال للشعب، لكيما تعرفون من هو الإله الحقيقي، أعطونا ثورين وليتقدم أنبياء البعل ويختاروا ثورًا ويذبحوه ويقطعوه إلى أجزاء ويقدموه ذبيحة لإلههم البعل ونرى هل سيُنزل لهم نارًا من السماء لتأكل الذبيحة، أم لا؟ وأنا أقدم الثور الثاني ذبيحة ونرى هل سينزل الله نارًا من السماء لتأكلها أم لا؟ فاستحسن الشعب هذا الاقتراح؛ إذ أن إيليا استطاع أن يؤثر على قلوبهم ويثير فيهم محبة الإله الوحيد كما تعلموا من آبائهم ولأن قوة الله كانت معه، فاستطاع روح الله أن يؤثر في القلوب وخضعوا لاقتراح إيليا، بل واستحسنوه، فلم يستطيع بعد ذلك أنبياء البعل أن يرفضوا تحدى إيليا لهم، ولعلهم كانوا يترجون أن يستطع البعل إنزال نار من السماء؛ لأن له سلطان على النار؛ كما يدعون.
يلاحظ أن البعل هو إله الشمس، المعروف عنه لتابعيه أن له سلطان على النار والأمطار، فهنا إيليا يفضح البعل؛ لأنه عندما يعجز عن إنزال النار فهذا يبين ضعفه أمام الشعب وبالتالي عجزه عن رفع المجاعة بإنزال المطر أيضًا.
كانت دعوة إيليا غريبة عن ذهن الشعب؛ لأنه طلب منهم أن يعبدوا إما الله، أو البعل وتنزل النار من السماء من الله أو البعل؛ لتعلن قبول الذبيحة؛ فلا يمكن عبادة الإثنين معًا في الوقت الذي كان عبدة البعل يرحبون بعبادة أي إله آخر بجوار إلههم مثل الآلهة عشتاروت، التي أقاموا لها السوارى؛ فيبدو عبدة الأوثان أنهم مجاملين ومتسامحين ويقبلوا العبادات الأخرى وأن إيليا هو المتزمت وليس عنده محبة، إذ يريد عبادة الله فقط ولكن كل هذا لم يضعف إيليا وأعلن إيمانه وتحديه للإله الوثني بعل.
† كن متمسكًا بإيمانك، فلا تقبل أفكارًا غريبة عن الكنيسة بدعوى التسامح والحب، حتى لو اتهمك البعض بالتزمت وأنك تقصر الدخول للسماء على نفسك ومن يؤمنون بإيمان كنيستك، كن قويًا مثل إيليا وصل من أجل الكل ولكن لا تتنازل عن إيمانك الذي مات من أجله الشهداء.
ع25: بعد أن كلم إيليا الشعب بما سبق، وجه كلامه لأنبياء البعل وقال لهم إبدأوا بتقديم ثوركم ذبيحة ولا تضعوا نارًا عليها واطلبوا من إلهكم؛ لينزل نارًا ويقبل ذبيحتكم وقد قال لهم إبدأوا لأنهم عددهم أكبر وكانت هذه حكمة منه، إذ بعدما يفشلوا في قبول ذبيحتهم ولا تنزل نار، يتقدم هو وينجح في إنزال النار فيظهر أن إلهه هو الإله الحقيقي؛ لأنه لو بدأ هو أولًا ونزلت النار على ذبيحته قد يقولون ونحن أيضًا نستطيع وقد يحدث هرج ولا يظهر عجزهم، أما بدئهم بتقديم الذبيحة وفشلهم يظهر بوضوح ضعف إلههم البعل وأن ما يدعونه بسلطانه على النار هو كذب. وقد ترك إيليا لأنبياء البعل أن يختاروا الثور الذي يريدونه، لئلا يقولوا أن إيليا قد اختار ثورًا حسنًا وترك لهم ثورًا به عيوب ترفضه آلهتهم أي البعليم وهو جمع بعل.
ويلاحظ من كل هذا أن إيليا أجل إنزال المطر؛ ليعالج سبب المشاكل وهو ضعف إيمانهم بالله وعبادتهم للأوثان حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الله فيعطيهم المطر كهبة إلهية منه لأولاده المطيعين.
ع26: تقدم أنبياء البعل وأقاموا مذبحًا، أو رمموا مذبحًا قديمًا للبعل، كان في هذا المكان وقدموا عليه ذبيحتهم، أي قطعوها ووضعوها عليه، ثم رفعوا صلواتهم للبعل حتى يقبل ذبيحتهم واستمروا مدة طويلة في الصلاة، من الصباح حتى الظهر وكانوا يرقصون حول المذبح، لأنهم اعتقدوا أن البعل يرضى عنهم بالرقص، كما اعتقدوا بممارسات خاطئة كثيرة مثل الزنا، فكانوا يشبعون شهواتهم أو يحركهم الشيطان بذلك حتى ترضى عنهم الآلهة الوثنية ولكن كل صلواتهم ورقصهم لم ينفع شيئًا ولم تنزل نار من السماء، فكانوا في حرج وضيق شديد أمام الشعب.
ولعل أنبياء البعل اعتقدوا أن قوة إلههم وهو إله الشمس تظهر بوضوح، عندما تشتد حرارتها في الظهر، فصرخوا ورقصوا، حتى الظهر ولكن لم يحدث شيئًا.
† ونرى هنا أن أنبياء البعل وإيليا يقدمون نفس شكل العبادة وهو ذبيحة؛ لترضى عنهم الآلهة ولكن هناك فرق شاسع بين عبادة الله وعبادة الأوثان. ولكن الشيطان كان ومازال حتى الآن يقلد شكل العبادة الحقيقية ولكن مع أفكار غريبة؛ ليضل الناس عن عبادة الله الحقيقية ومن لا يدقق قد يظن أن كل العبادات واحدة وينخدع وينحرف، فيترك كنيسته ويبتعد عن الله. فكن حذرًا، لا تستمع لأفكار غريبة عن كنيستك؛ أو تنجذب لأية عبادة تختلف عن كنيستك.
ع27:
بعد صلوات ورقص أنبياء البعل لمدة طويلة حتى الظهر، قال لهم إيليا إصرخوا لإلهكم فإن الإله لعظمته قد يحتاج إلى صوت عالى وهو بهذا يسخر بهم؛ لأن الإله يرى ويسمع كل شيء، حتى لو كان بصوت منخفض، ثم قال لهم ولعل إلهكم مستغرقًا في تفكير معين وغير منتبه لما تقولون وبالطبع منطقيًا هذا كلام خطأ؛ لأنه كيف لا يسهر الإله على تابعيه وهو روح وليس إنسان فكيف يستغرق في تفكير يمنعه عن سماع صلوات تابعيه. وقال لهم أيضًا لعل إلهكم في خلوة وهذا لا يقبله العقل؛ لأنه ليس إنسان يبتعد عن الناس ويختلى، بل هو روح لا تحتاج إلى خلوة، فهو يحقر من إلههم. وأضاف أيضًا إيليا احتمال أن يكون مسافرًا وبالطبع المسافات لا تعنى شيئًا بالنسبة للأرواح فهي قادرة أن تسمع عن بعد. وهو بكل هذا ينبه الشعب أن الآلهة الوثنية ليست آلهة ولا وجود لها لعلهم ينتبهون ويرجعون إلى الله الإله الحقيقي، الذي لا يوجد فيه كل هذه الضعفات ثم قال لهم أخيرًا ربما يكون إلههم نائمًا وبالطبع الروح لا تنام.
ع28: العجيب أن أنبياء البعل صدقوا ما قاله إيليا الذي استهزأ بهم، إذ ظنوا أن إلههم البعل في خلوة، أو نائم ... إلى آخره وصاحوا بأصوات عالية وفى أيديهم السيوف التي أخذوا يجرحون أنفسهم بها حتى سالت دماءهم وكانت هذه عادة عندهم في صلواتهم يعملونها، لعل إلههم عندما يرى دماءهم تسيل يشفق عليهم ويستجيب لهم. هكذا عاشوا في خرافات أوهمهم الشيطان بها.
ع29:
الظهر: الساعة السادسة عند اليهود وهي تقابل الثانية عشر ظهرًا بتوقيتنا.تنبأوا: صلوا ودعوا إلههم وصرخوا إليه.
حين إصعاد التقدمة: أي الساعة التاسعة عند اليهود وهي تقابل الثالثة بعد الظهر حين كانت تقدم محرقة المساء.
استمر أنبياء البعل في الصراخ من الصباح حتى الظهر، ثم حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ولكن لم يجبهم إلههم البعل بشئ ولم تنزل نار من السماء فكانوا في فشل ويأس كبير.
لماذا فشل أنبياء البعل في إنزال النار؟ وكيف عجز الشيطان عن إنزال النار؟ وكيف تحدى إيليا أنبياء البعل في تقديم ذبيحة ليروا من يستطيع إنزال النار، الله أم البعل؟ كل هذا راجع لإيمان إيليا بقوة الله ووجود إيليا كنبى لله يعلن حضور الله وفى حضور الله يفشل كل عمل شيطانى، أي من المستحيل أن ينزلوا نارًا في وجود إيليا، لأن قوة الله التي فيه توقف عمل الشيطان، كما ظهر عجز السحرة أيام موسى حينما حولوا عصيهم إلى حيات فأكلتهم الحية التي من عصا موسى (خر7: 12).
ع30: إذ أتت الساعة الثالثة بعد الظهر لم يعد هناك وقت ينتظره إيليا لأن المساء أصبح قريبًا، فتقدم ونادى على جميع رؤساء الشعب لينظروا عمل الله وقبوله لذبيحته فرمم مذبحًا قديمًا لله كان موجودًا في هذه المنطقة غالبًا من أيام البطاركة إبراهيم واسحق ويعقوب.
ع31: استخدم إيليا في ترميم المذبح إثنى عشر حجرًا بعدد أسباط بنى يعقوب الذي هو إسرائيل، فرغم انقسام المملكة لكنه يؤمن أنهما شعب واحد ولابد أن يعود الأسباط شعبًا واحدًا وهذا ما حدث بعد السبي.
ع32: بنى إيليا مذبحًا على اسم الرب أي أنه مختلف عن مذبح البعل وكل المذابح الوثنية وعليه ستحدث المعجزة والإعلان الإلهي.
وبعدما بنى المذبح حفر حوله قناة عميقة تسع كيلتين من بذور الحبوب وغالبًا المقصود ليس حجم كيلتين، إذ أن الكيلة تساوى إثنى عشر قدح أي حوالي ثمانية ونصف لترًا، بل المقصود عمق القناة كان بارتفاع كيس أو جوال يسع كيلتين والخلاصة أنها قناة عميقة وقد عمل هذه القناة لأن في بعض العبادات الوثنية كانوا يحفرون قناة ويضعون فيها نار فتخرج من اسفل المذبح وتأكل الذبيحة، أما هنا فسيضع ماء في القناة؛ ليتأكد الشعب من عدم وجود نار على الأرض وحول المذبح.
ع33-35: بعد أن بنى إيليا المذبح رتب الحطب فوقه بنظام؛ لأن إلهنا إله نظام ولكيما تظهر قوة المعجزة، فإيليا لا يخفى شيئًا بين الحطب، إن كان موضوعًا كأكوام، ثم وضع الثور على الحطب المرتب، بعد أن قطعه إلى أجزاء، ثم أمر مساعديه أن يملأوا أربع جرات ماء ويصبوها على الثور والحطب والمذبح فابتل كل شيء بالماء وسال من على المذبح فسقط في القناة المحفورة حوله، ثم طلب أن يصبوا أربع جرات مرة ثانية، ثم أربع جرات للمرة الثالثة حتى غطى الماء كل شيء وملأ القناة العميقة المحيطة بالمذبح وذلك لكيما ينتفى أي شك في وجود مصدر للنار مخبأ في المذبح وما حوله، كما كان يفعل بعض الوثنيين. وهذا يبين مدى ثقة إيليا في الله، الذي سينزل نارًا قوية من السماء، تستطيع أن تلتهم الذبيحة مهما كانت مبللة بالماء.
ع36:
عند إصعاد التقدمة: وقت المحرقة المسائية التي أوصت الشريعة بعملها والتي كانت تقدم يوميًا عن الشعب أمام الله ليرضى عنهم وترمز لذبيحة المسيح على الصليب التي أرضى بها الآب.بعد أن رتب إيليا وبنى المذبح والمحرقة والحطب ووضع عليها الماء، انتظر حتى حان وقت تقديم الذبيحة المسائية، أى من الساعة الثالثة إلى الخامسة مساءً، وذلك ليعلن أن الله يفرح بتقديم العبادة له في مواعيدها ويعلن نفسه لأولاده في هذا الوقت ويثبت إيمانهم.
وقف في هذا الوقت إيليا وصلى إلى الله واحتوت صلاته ما يلي:
ذكّر الله بمواعيده التي أعطاها للآباء إبراهيم واسحق وإسرائيل واستبدل كلمة يعقوب بإسرائيل الذي كملت فيه النبوات.
اعلان قوة الله التي تفوق كل الآلهة الوثنية ليؤمن شعب الله به ويظهر أمام جميع الأمم.
إظهار أن إيليا عبد الله الذي يتمم أوامره، فالله هو الذي أمر بمنع المطر وحدوث المجاعة لكيما يتوب الشعب ويؤمنوا أنه الإله الوحيد، خاصة عندما يقبل الذبيحة بالنار من السماء.
ع37:
حولت قلوبهم رجوعا: بدأوا الرجوع لله بالإيمان والتوبة عن عبادة الأوثان.طلب إيليا بإلحاح على الله أن يستجيب لصلاته، فإيمانه بالله لا يلغى اللجاجة، إذ أن هذا يظهر مدى إيمانه وتمسكه بالله وقال لله أنه يطلب استجابته بإنزال النار لتأكل الذبيحة لأمرين، هما:
ليظهر بوضوح أن الله هو الإله الوحيد وكل الآلهة الوثنية لا شيء.
إن كان قد حرك مشاعر الشعب للإيمان به والتوبة، عندما واجههم إيليا بالسؤال ليختاروا أن يعبدوا إما الله، أو البعل، إذ لا يمكن الجمع بينهم (ع21)، ثم عندما ظهر عجز أنبياء البعل عن إنزال النار لأكل ذبيحتهم، الآن يطلب أن يكمل إيمان وتوبة الشعب عندما تنزل النار لتأكل ذبيحته وهذا يبين أن توبة الإنسان وإيمانه لا تأتى في لحظة ولكن تأتى في خطوات حتى تكمل.
† إن كان لك طلبة عند الله فانتظره وألح عليه واعلن له أنك لن تتركه وتثق في قدرته على حل مشكلتك، فالله يفرح بإيمانك ولجاجتك.
ع38: بعد صلاة إيليا العميقة القوية المملوءة لجاجة، أظهر الله مجده أمام كل الشعب ونزلت نار من السماء وأكلت الذبيحة والحطب الذي تحتها والحجارة، التي تحت الحطب، التي تكون المذبح والتراب الذي تحت المذبح، بل من قوة النار استطاعت أن تلمس الماء الكثير، الذي حول المذبح، فأصبح المكان كله محترقًا بالنار.
هذه النار من المؤكد أنها نزلت من السماء بدليل ما يلي:-
لم يكن هناك برق أو أمطار أو احتمال نزول نار من ظواهر طبيعية.
النار أكلت الذبيحة ثم الحطب وبعده الحجارة وأسفلها التراب والماء أي أنها نازلة من فوق إلى إسفل وليس كطبيعة النار التي تصعد من أسفل إلى أعلى.
لمس النار للماء يؤكد أنه لم يكن هناك نار مخبأة أسفل المذبح، كما كان يفعل الوثنيون في عباداتهم.
في حالة النار العادية تشعل الحطب الذي يحرق الذبيحة، أما في هذه الحالة فالنار أحرقت الذبيحة قبل أن يشتعل الحطب.
غمر الذبيحة بالماء يرمز لسر المعمودية الذي فيه يغطس الإنسان في الماء والنار السماوية ترمز لعمل الروح القدس في السر، الذي حل بصلاة إيليا، الذي يرمز للكاهن.
احتراق الإثنى عشر حجرًا التي تمثل شعب الله بأسباطه الإثنى عشر بالنار يرمز لدعوة الله شعبه أن يقدموا حياتهم ذبيحة حب؛ ليتمتعوا بفيض محبته ورحمته.
كان الشعب بعيدًا عن الله مرتبطًا بعبادة الأوثان فاستحق أن يحترق بنار الغضب الإلهي ولكن الذبيحة هي فقط التي احترقت بدلًا عن الشعب كله فهي ترمز للمسيح الذي مات عن البشرية وفداها.
† الله مستعد أن يصنع معجزات قوية، إن احتاج الأمر، فثق في ذلك وهو قادر أن يحل مشاكلك بطرق هادئة لا يلحظها الناس، إلا أنت، أو بعمل عظيم ظاهر للجميع، لكن في جميع الأحوال آمن به وألح عليه، فهو سيتدخل حتمًا ويحل مشكلتك.
ع39: نتيجة هذه المعجزة الإلهية بنزول النار من السماء حدث ما يلي:-
أعلن الشعب خضوعهم لله وحده بسجودهم أمامه واستعدادهم لطاعة وصاياه وأوامره.
أعلنوا بقوة أن الرب هو الإله وحده وكرروا ذلك، مؤكدين إيمانهم وبهذا استجاب الله لطلبة إيليا (ع37) وعضده وتمجد أمام كل شعبه.
ع40: أمر إيليا الشعب أن يقبضوا على كل أنبياء البعل ولا يفلت منهم أحدًا ويجروهم على نهر قيشون وهناك أمر بذبحهم، فهو بهذا يتمم أمرين:
تأكيد إيمانهم بالله، بقطع الشر من بينهم وإزالته.
اشتراكهم في تطهير الأرض ليستعيدوا ثقتهم بأنفسهم، كأبناء لله.
ذبح إيليا لأنبياء البعل لم يكن قسوة منه بدليل ما يلي:
كان هذا تنفيذًا لشريعة الله التي تأمر بقتل من يحرض غيره على عبادة الأوثان (تث13: 6-9).
ذبح الكهنة كان أمرًا من الله لإيليا، كما يظهر من (ع36).
لو كان إيليا تهاون وأبقى أنبياء البعل أحياء وهم غالبًا معظمهم من اليهود وليسوا من الأجانب كانوا سيعملون ثانية لتضليل الشعب وعباداته للأوثان.
وهكذا أزال إيليا أنبياء البعل عند نهر قيشون الذي يدعى حتى الآن بنهر المقطع حيث قطعت رؤوس هؤلاء الأشرار.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
41 وَقَالَ إِيلِيَّا لأَخْآبَ: «اصْعَدْ كُلْ وَاشْرَبْ، لأَنَّهُ حِسُّ دَوِيِّ مَطَرٍ». 42 فَصَعِدَ أَخْآبُ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، وَأَمَّا إِيلِيَّا فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِ الْكَرْمَلِ وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. 43 وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «اصْعَدْ تَطَلَّعْ نَحْوَ الْبَحْرِ». فَصَعِدَ وَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ». فَقَالَ: «ارْجعْ» سَبْعَ مَرَّاتٍ. 44 وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ: «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ». فَقَالَ: «اصْعَدْ قُلْ لأَخْآبَ: اشْدُدْ وَانْزِلْ لِئَلاَّ يَمْنَعَكَ الْمَطَرُ». 45 وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا أَنَّ السَّمَاءَ اسْوَدَّتْ مِنَ الْغَيْمِ وَالرِّيحِ، وَكَانَ مَطَرٌ عَظِيمٌ. فَرَكِبَ أَخْآبُ وَمَضَى إِلَى يَزْرَعِيلَ. 46 وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى إِيلِيَّا، فَشَدَّ حَقْوَيْهِ وَرَكَضَ أَمَامَ أَخْآبَ حَتَّى تَجِيءَ إِلَى يَزْرَعِيلَ.
ع41:
دوى: صوت عالى.بعد قتل إيليا لأنبياء البعل نظر للملك آخاب، الذي كان صائمًا بسبب اضطرابه، لأجل الحدث المنتظر بمواجهة إيليا لأنبياء البعل ورؤساء الشعب وكان يلاحظ ما يحدث من هؤلاء الأنبياء في صلواتهم وتقطيعهم لأنفسهم بالسيوف، ثم نزول النار؛ لتأكل ذبيحة إيليا ولعله كان يريد أن يعرف الحقيقة، من هو الإله الأعظم، هل إله إيليا، أم البعل؟ كل هذا جعله غير راغب في الأكل؛ وبعد أن شاهد الملك قتل أنبياءه لم ينزعج؛ لأنه بدأ يشعر مع باقى الشعب أن الله هو الإله الحقيقي؛ لذلك قال له إيليا إصعد من عند نهر قيشون إلى المرتفعة التي على جبل الكرمل حيث أقيمت خيام للملك ومائدة ليأكل؛ لأن الوقت كان قد تجاوز الرابعة، أو الخامسة مساءً.
وأخبر إيليا آخاب أنه يسمع صوت دوى مطر؛ مع أنه لم يكن صوت مسموع في أذنى آخاب وكل الواقفين ولكن إيليا سمعه بروح النبوة.
غالبًا في هذا الوقت بدأ برؤساء الشعب ينصرفون بعد هذا اليوم الطويل بأحداثه القوية ويعاب على إيليا بأنه لم يستغل فرصة تجمع رؤساء الشعب من جميع مناطق المملكة وتأثرهم بما حدث وإعلانهم إيمانهم بالله حتى يقودهم في خطوات محددة لبدء الحياة الجديدة مع الله مثل الرجوع لله بالصلاة كل يوم والتمسك بوصاياه وشريعته والتخلص من تماثيل البعل المقامة في بلادهم المختلفة، فهذا هو الاستكمال الطبيعي الذي كان لابد أن يعمله لأنه يعرف أن البشر يتأثرون ثم ينسون ما قد شعروا به ويعودون إلى حياتهم الأولى الشريرة بعد فترة. وانشغاله بإنزال المطر وهو المطلب الأول للشعب لو كان تأخر لمدة ساعة حتى يعظ الشعب كان يصبح أفضلًا، لكن إيليا رغم عظمته كان إنسان أيضًا له ضعفاته.
من ناحية أخرى نرى استجابة الله لاحتياج شعبه، فبعدما أعلنوا إيمانهم به تدخل الله بقوته، ليرفع المجاعة، فأعلن لإيليا أن المطر سينزل بقوة وأعلن هو بدوره للملك وكل الواقفين حوله.
ع42: أطاع الملك كلام إيليا، إذ تثبت من قوة الله ونبيه إيليا ولم يهتم بموت أنبياؤه، لأنه عرف أنهم مضلين، بالإضافة إلى احتياجه للطعام، فصعد إلى حيث أعدت له مائدة على المرتفعة بالقرب من مكان قبول ذبيحة إيليا.
أما إيليا فصعد من عند نهر قيشون إلى مكان مرتفع في جبل الكرمل يستطيع أن يرى منه البحر وكان يتبعه فقط تلميذه. وهناك على رأس الجبل سجد إيليا على الأرض وأخذ يصلى ليتحنن الله على شعبه وينزل المطر ويرفع المجاعة وغالبًا صلواته كانت تشمل أولًا الشكر لله؛ لأنه تدخل وأعلن نفسه من خلال النار النازلة من السماء وبهذا عضد نبيه إيليا أمام كل الشعب وأعادهم لعبادته. فامتزجت كلمات الشكر مع التضرع إلى الله ليكمل عمله ويرحم شعبه ويعطيهم المطر. هذا السجود وما يصاحبه من صلوات يؤكد اتضاع إيليا وإيمان بالله القادر على كل شيء وأيضًا تذلله؛ لأنه في سجوده وضع رأسه في الأرض ووجهه متجه نحو ركبتيه، فهو يعلن ضعفه وحاجته لله.
ورغم أن الله قد دعى إيليا ليقابل آخاب ويخبره بأن المطر سينزل (ع1) ولكنه صلى كثيرًا لينزل المطر فوعود الله لا تجعلنا نتكاسل عن الصلاة والصوم وكل عبادة بل على العكس تجذبنا لزيادتها حتى تتمتع بتحقيق هذه الوعود وتزداد محبتنا وتعلقنا بالله، فلا فاعلية للوعود إن لم نصلى ونلح على الله لينعم علينا بها.
نرى أيضًا أن إيليا لم ينشغل بمجده بعد نزول النار، إذ لم يقف ليستقبل مدح الناس له، بل أسرع يكمل عمله لحل المشكلة بإنزال المطر.
ع43: بعد أن صلى إيليا أرسل تلميذه إلى مكان أعلى في الجبل؛ ليرى البحر بوضوح من هناك، حيث تبدأ الغيوم من بعيد تظهر، ثم تتحرك حتى تأتى في منتصف السماء وتنزل بعد ذلك الأمطار. فذهب التلميذ ولم ير شيئًا، فعاد وأخبر إيليا بذلك.
واصل إيليا صلواته بتذلل وتضرع أكثر أمام الله، ثم عاد وأرسل تلميذه؛ لينظر البحر من بعيد ولكنه لم يجد شيئًا ورجع وأخبر إيليا بذلك. واستمر إيليا في صلواته وإرسال تلميذه، حتى أنه أرسله سبعة مرات. هذه الصلوات تبين إيمان إيليا ولجاجته في نفس الوقت وتضرعه لأجل الشعب كله فكان المفروض أن رؤساء الشعب يستمروا معه في صلوات ولكنهم انصرفوا لأجل ضعفهم أما هو، فكنائب عنهم، استمر يصلى.
ولم ينزل الله المطر سريعًا حتى يبين عظمة إيمان إيليا واتضاعه وتمسكه بالصلاة، فيكون مثالًا لهذا الشعب حتى يرجع إلى الله ويتمسك بالصلاة.
† عندما نرى بعض الخطايا والضعفات فيمن حولك لا تدينهم، بل اطلب من الله لأجلهم وعلى قدر احتياجهم قدم صلوات وأصوام وميطانيات بهذا تكون خادمًا حقيقيًا ومحبًا لمن حولك.
ع44:
في المرة السابعة رأى تلميذ إيليا غيمة صغيرة رآها بصعوبة لأنها مثل حجم كف الإنسان صاعدة من البحر أي من أقصى السماء، ففرح وأسرع يخبر إيليا أن هناك أمل في ظهور غيوم ونزول مطر، أما إيليا ففهم أن هذه الغيمة الصغيرة بداية لغيوم كثيرة جدًا ستغطى السماء وتنزل أمطارًا قوية؛ لذلك أمر تلميذه أن يسرع إلى الملك الموجود على المرتفعة فوق جبل الكرمل ويخبره بالإسراع للذهاب إلى قصره القائم في يزرعيل؛ حتى لا يعطله المطر الغزير عن ذلك. من هذا نفهم أن لا نحتقر أية بركة إلهية، حتى لو بدت صغيرة لأنه يمكن أن تكون بداية لبركات وفيرة؛ كما كان تجسد المسيح كطفل صغير في مذود بداية لفداء البشرية على الصليب، الذي انتظرته كل الأجيال.
ع45: سرعان ما ملأت الغيوم السماء وهبت ريح عاصفة وهطل مطر غزير فأسرع آخاب بمركبته نحو يزرعيل حيث كان لآخاب قصر هناك غير قصره في السامرة عاصمة ملكه.
ع46: كان إيليا من مدينة تشبه التي في جبل جلعاد شرق نهر الأردن وسكان هذه المنطقة الجبلية يتميزون بطول القامة والقوة البدنية، بالإضافة إلى أن إيليا عاش في البرارى معظم حياته، فقدرته على المشى والجرى كبيرة ولكن من غير المعقول أن يسبق مركبة آخاب الملك التي تجرها الخيول من جبل الكرمل إلى يزرعيل، حيث كان للملك قصر هناك يقضى فيه فصل الشتاء، بالإضافة إلى قصره الكبير في عاصمته السامرة. وكانت المسافة من الكرمل إلى يزرعيل حوالي خمسة عشر ميلًا ولكن تذكر الآية هنا أن يد الرب كانت على إيليا، فيفهم من هذا أن روح الله حمله بعض من هذه المسافة ولكنه كان يجرى لعل في بداية الطريق. أمام مركبة الملك ثم بعد هذا وصل إلى يزرعيل قبل المركبة الملكية وفى هذا الجرى نشعر بأمرين:
مساندة للملك آخاب، إذ يجرى أمامه، أي أنه أحد تابعيه المرافقين له، فيشجعه هذا على الثبات في الإيمان بالله ورفض البعل والتوبة عن العبادة الوثنية، فلا يهتز عندما يقابل إيزابل الشريرة، الوثنية، المتعلقة بالأصنام والقوية الشخصية، التي كانت تؤثر عليه. ولعله عندما رأى إيليا يجرى بسرعة، ثم يحمله روح الله ثم يسبقه إلى يزرعيل يتأكد من قوة الله التي فيه، فيتمسك بالإيمان الذي ينادى به إيليا.
ليكون في يزرعيل؛ ليتلقى رسالة إيزابل الشريرة، التي سترسلها إليه، كما سنرى في الإصحاح التالي.
مما سبق نرى نشاط إيليا واستغلاله للوقت، فقد اجتمع منذ الصباح مع الملك وأنبياء البعل ورؤساء الشعب وانتظر حتى الظهر ليصلى أنبياء البعل، ثم رمم المذبح وأعد ذبيحته وقدمها في الساعة الثالثة مساءً وبعد ذلك قبلها الله بالنار من السماء وأعلن الشعب إيمانه به، ثم قبض على أنبياء البعل وقادهم إلى نهر قيشون وذبحهم هناك وهذا استغرق وقتًا حتى الرابعة والنصف، ثم قضى حوالي ساعة في الصلاة؛ حتى نزل المطر ثم بعد ذلك جرى أمام المركبة؛ حتى وصل إلى يزرعيل وهذا استغرق نصف ساعة أو أكثر، أي وصل ليزرعيل في آخر النهار، هذا مثال للخادم الحقيقي، الذي يعمل دائمًا فيعضده الله بقوة.
← تفاسير أصحاحات الملوك أول: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير ملوك الأول 19 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير ملوك الأول 17 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/kings1/chapter-18.html
تقصير الرابط:
tak.la/f7f34c7