← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60
1- لقد شعر إسطفانوس أنهم لفقوا ضده التهم، ونظر للماضي فوجد أن اليهود فعلوا هذا مع كل الأنبياء، وفعلوا هذا بموسى إذ رفضوه وهو مخلصهم، وفعلوا هذا بالمسيح الذي تنبأ عنه موسى في تث 18، وآباؤهم فعلوا جريمة بأخيهم يوسف.
2- قد يُقال أن حديث إسطفانوس هنا هو حديث مثير لليهود ولكنهم كانوا قد بيَّتوا النية على قتله وهو أدرك هذا فوجدها فرصة للشهادة عن المسيح قبل موته.
3- هو شهد للآباء والأنبياء ممّا يثبت كذب تهمتهم ضده بأنه مجدف، واتهموه بأنه ضد الناموس والهيكل وموسى فأظهر إكرامه لموسى وللناموس، واتهموه بأنه تكلم عن خراب الهيكل، ولكنه كما نفهم من كلامه أنه لم يقل هذا مباشرة بل هو تكلم عن نهاية دور الهيكل ودور الذبائح التي تُقَدَّم فيه وأن المسيحي يستطيع أن يعبد الله في كل مكان وأي مكان بالروح والحق، وأن الذبائح كانت رمزًا للمسيح، فلما أتى المرموز إليه انتهى دور الرمز، فأوّلوا كلامه على أنه يسيء للهيكل، والهيكل هو رمز دولتهم وأمتهم ودينهم. وما لم يقله إسطفانوس لكن قاله المسيح أنه لن يبقى في الهيكل حجر على حجر وذلك لانتهاء دوره، ولأن المؤمن سيصير هو الهيكل الذي سيسكن فيه الروح القدس. ونلاحظ أنهم تمردوا على الله والهيكل موجود في وسطهم. فالهيكل لم يمنعهم من إغاظة الله. وإرميا وجه لهم نفس المعنى إذ ظنوا أن هيكل الرب يحميهم بالرغم من خطاياهم (أر 4:7، 14).
4- أراد اليهود أن يحصروا الله داخل دولتهم وشعبهم وهيكلهم فأرجعهم إسطفانوس للبداءة إذ اختار الله إبراهيم من خارج أرض الميعاد، وكان بلا ناموس ولا هيكل بل أن موسى تربى غريبًا في مصر وعاش غريبًا في سيناء، وكلمه الله في سيناء ولم يدخل أرض الميعاد. وحينما طلب داود بناء هيكل قال له الله وهل الله يسكن في داخل بناء 1مل 27:8. بل أن الله اختار أولًا خيمة تطوى وتفرد وحيثما تفرد يقدمون العبادة فما أهمية الهيكل. ففي أي مكان إذًا يمكن أن نقدم العبادة لله.
5- هم اتهموه بأنه يسئ للناموس فإتهمهم هو بأن آبائهم اساءوا لموسى واضع الناموس. بل هم لم يحفظوا الناموس. هنا إسطفانوس هو الذي حاكم اليهود.
6- يفهم من كلام إسطفانوس أن المسيحية هي الهدف النهائي من المسيرة اليهودية أو أن مسيرة اليهود متجهة طبيعيًا نحو المسيحية. وأن عوائد الناموس والختان والهيكل كان لها دورها في وقت ما ولقد إنتهى دورها حيث بدأت المسيحية وأن الوعد لإبراهيم كان سابقًا للناموس والهيكل وهذا ما تلقفه منه بولس الرسول بعد ذلك. وشرح بولس الرسول هذا الفكر بعد ذلك في (رو 11) إذ صوَّر أن اليهود كانوا شجرة زيتون، وبعد أن جاء المسيح استمر من آمن به في هذه الشجرة، أما من رفضه فكان غصنًا تم قطعه من الشجرة، ومن آمن به من الأمم كان كغصنًا بريًا تم تطعيمه في شجرة الزيتون. وهذه الشجرة بدأت حقا باختيار إبراهيم، ولكن جذورها كانت من آدم.
7- ملخص كلام إسطفانوس أن الأمة اليهودية من أيام إبراهيم إلى موسى كانت متغربة في الأرض، ومن موسى إلى داود كان بيت الله عبارة عن خيمة بسبب الغربة والترحال. فإذا كان الله يمكن أن يُعبد في كل مكان كما فعل الآباء فما أهمية إعتباركم لأن الهيكل هو المكان الوحيد لعبادة الله، أو المكان الوحيد الذي يسكنه الله. بالإضافة لأن إسطفانوس صورهم كشعب معاند لله وللمرسلين من الله من أيام يوسف ورؤساء الآباء لأيام موسى، وهم قاتلى الأنبياء وأخيرًا قتلوا ابن الله. ففي خطاب إسطفانوس نجد أن الشخص المرفوض من اليهود هو المعين من الله وكما عملوا مع يوسف ومع موسى عملوا مع المسيح يسوع، وسيعملوا نفس الشيء معه.
8- الخطاب موجه أيضًا للمسيحيين الداخلين للمسيحية من اليهود، والذين ما زالوا ملتزمين بحرف الناموس والهيكل ليتحرروا منهم.
آيات (1، 2):- "فَقَالَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَتُرَى هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا هِيَ؟» فَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْمَعُوا! ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ،"
إِلهُ الْمَجْدِ
= بهذا يكون قد دحض عن نفسه تهمة التجديف. ويظهر من قوله إله المجد أن الله له كل المجد، والهيكل لا يضيف له شيئًا.ظهر لأبينا إبراهيم
= لتبدأ شجرة الزيتون بإبراهيم (وجذور هذه الشجرة كانت من آدم).فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ
= إذًا فالله غير ملتزم بمكان أي بأمة إسرائيل في أرض الميعاد.
آيات (3، 4):- "وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ، بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ، إِلَى هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا."
وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ
= هذا كان بداية تدبير الخلاص بعزل إبراهيم عن وثنية أور ولتكوين شجرة الزيتون (شعب الله الذي بدأ باليهود وإستمر فيمن آمن بالمسيح، فشعب الله شعب واحد وشجرة واحدة).الواضح من (تك 1:12). أن الله ظهر لإبراهيم في أرض حاران. ولكن نفهم من (تك 7:15+ نح 7:9) أن الله ظهر لإبراهيم أولًا في أور ليخرجه منها. وخروج إبراهيم من أور كان أول خطوة لإنسان يتبع الله في خطة الخلاص العظمى لتكوين شعب إسرائيل الذي سيأتي منه المسيح. قصة بدأت بطاعة إبراهيم وإنتهت بطاعة المسيح حتى الموت. وفي المقابل عدم طاعة إسرائيل لله. وغالبًا فالذي عَوَّق إبراهيم في حاران هو تارح أبوه لذلك قال= بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ.
آية (5):- "وَلَمْ يُعْطِهِ فِيهَا مِيرَاثًا وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ، وَلكِنْ وَعَدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مُلْكًا لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدُ وَلَدٌ."
الله يعطى وعد لإبراهيم أن يرث الأرض هو ونسله =
وعد أن يعطيها ملكا له. ومع هذا لم يمتلكها بل عاش متغربا فيها، بل إضطر أن يشترى مغارة المكفيلة ليدفن سارة زوجته. فكون أن الله يعطى إبراهيم وعدا بإمتلاك الأرض ومع هذا لم يمتلكها، فهذا يعنى أن الوعد بالأرض هو رمز لشيء آخر. وكان ذلك رمزا للنسل الذي له الوعد بميراث المجد وهو المسيح نسل إبراهيم، الذي جعله الله وارثًا لكل شيء (عب1: 2). وأيضا رمزًا لميراث أمجاد السماء لنسل إبراهيم بالإيمان أي المسيحيين، وكان ذلك بواسطة عمل المسيح. ويقصد إسطفانوس بهذا أن يرفع أفكارهم بعيدًا عن أهمية إمتلاك الأرض، فأرض كنعان رمز لأرض أخرى هي السماء. وهذا نفس ما كرره بولس الرسول في (عب11: 8 – 10). هذه هي خطة الله أن ينقل أولاده لمجد السماء.
آية (6):- "وَتَكَلَّمَ اللهُ هكَذَا: أَنْ يَكُونَ نَسْلُهُ مُتَغَرِّبًا فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ، فَيَسْتَعْبِدُوهُ وَيُسِيئُوا إِلَيْهِ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ،"
هذا التغرب رمز لتغرب أولاد آدم بعد طرده من الجنة.
آية (7):- "وَالأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا سَأَدِينُهَا أَنَا، يَقُولُ اللهُ. وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ وَيَعْبُدُونَنِي فِي هذَا الْمَكَانِ."
هذه الدينونة لفرعون رمزًا لدينونة إبليس. ومدة الإستعباد هذه كان الله فيها يهذب ويعد شعب إسرائيل ويفصله عن العادات الوثنية المنتشرة في المنطقة. والهدف هو وَيَعْبُدُونَنِي فِي هذَا الْمَكَانِ = هذه قيلت لموسى في خر 12:3. والله يقولها عن جبل سيناء وليس الهيكل. إذًا الله يمكن عبادته في كل مكان هنا نرى قوة الوعد فالشعب نما وتَقَوَّى في أثناء عبوديته في مصر (كانوا 70 نفسا فصاروا بالملايين). ونرى أيضًا أهمية الضيقات في نمو شعب الله.
آية (8):- "وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ."
في آية 5 الله وَعَدَ إبراهيم بالميراث له ولنسله قبل أن يعطيهم عهد الختان. والله اختار إبراهيم وهو غير مختون وأعطاه الوعد. وبذلك يكون الوعد أثبت من الختان ، وهذا ما كرره بولس الرسول بعد ذلك أيضا (غل3: 15 – 17). وكان الختان بعد ذلك هو علامة الإيمان، هو ختم العهد.
آية (9):- "وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ،"
كما حسد الإخوة يوسف، حَسَدَ رؤساء الكهنة المسيح وصلبوه مر 10:15. وكما صنع الله من المكيدة ضد يوسف خلاصًا هكذا صنع من المكيدة ضد المسيح خلاصًا. والله كان مع يوسف في أرض مصر بينما كان الإخوة في أرض الميعاد، فما معنى ما تفهموه أنتم من أن الله مرتبط بأرض الميعاد، فيوسف المحبوب من الله ملك على مصر.
آية (10):- "وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَقَامَهُ مُدَبِّرًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ."
وهكذا رفع الله المسيح المصلوب ليجلس عن يمينه وصار رأسًا للكنيسة. وكما ملك يوسف على المصريين خارج أرض الميعاد ملك المسيح على الأمم. والمعنى أن الله مع أولاده ويحول ضيقاتهم لمجد. والمعنى الذي يقصده إسطفانوس أن الله كان يتعامل ويبارك ليوسف المحبوب البار خارج أرض الميعاد، بل المجاعة أتت على أرض الميعاد فلجأوا إلى يوسف في مصر.
آيات (11-14):- "«ثُمَّ أَتَى جُوعٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَكَنْعَانَ، وَضِيقٌ عَظِيمٌ، فَكَانَ آبَاؤُنَا لاَ يَجِدُونَ قُوتًا. وَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّ فِي مِصْرَ قَمْحًا، أَرْسَلَ آبَاءَنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَعْرَفَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ، وَاسْتَعْلَنَتْ عَشِيرَةُ يُوسُفَ لِفِرْعَوْنَ. فَأَرْسَلَ يُوسُفُ وَاسْتَدْعَى أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَجَمِيعَ عَشِيرَتِهِ، خَمْسَةً وَسَبْعِينَ نَفْسًا."
لاحظ أن إخوة يوسف هم الذين ذهبوا إليه جائعين مع سبق رفضهم وأذيتهم لهُ فهل يفهم هذا السامعين في المجمع ويذهبوا في إيمان للمسيح الذي رفضوه ولاحظ أن الجوع الذي حدث في كنعان، أرض الميعاد التي يعتبرونها مقدسة بينما كان الشبع في مصر خارج أرض الميعاد حيث يوسف هناك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لو كان المجمع قد ترك إسطفانوس يشرح ما يريد لكان قال لهم أنتم الآن في مجاعة لرفضكم المسيح فاذهبوا إليه تجدون الشبع لكنهم للأسف سدوا أذانهم آية 57.
وَضِيقٌ عَظِيمٌ
= هذا ما سيحدث لليهود بسبب رفضهم للمسيح سنة 70 م. على يد تيطس. وبدأ الضيق بمجاعة عظيمة أثناء الحصار ثم هلاك ودمار لإصرارهم على الرفض. وليتهم كانوا استفادوا من درس إسطفانوس عن إخوة يوسف الذي ذهبوا إليه ساجدين. وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَعْرَفَ يُوسُفُ = هذه نبوة عن إيمان اليهود قبل المجيء الثاني. ويفهم من كلام إسطفانوس أن أرض كنعان لم تنقذ يعقوب وبنيه من الجوع بل أنقذهم يوسف المرفوض من خارج أرض كنعان. وفي آية (11) يقول أباؤنا، فأباء اليهود هم أباء المسيحيين (هي شجرة زيتون واحدة). 75 نَفْسًا = (حسب السبعينية) وهم 66 نفس جاءوا مع يعقوب +9 أنفس هم عائلة يوسف في مصر.
آيات (15-16):- "فَنَزَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَمَاتَ هُوَ وَآبَاؤُنَا، وَنُقِلُوا إِلَى شَكِيمَ وَوُضِعُوا فِي الْقَبْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ بِثَمَنٍ فِضَّةٍ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ."
إسطفانوس يضغط القصة. فإبراهيم اشترى مغارة المكفيلة حيث دفن فيها بعض الآباء، ويعقوب اشترى في شكيم حيث دُفِن يوسف. وواضح أن إسطفانوس دمج القصتين، وهذا الدمج في الحديث كان معروفًا عند العبرانيين ويتركوا للسامع أن يملأ الفراغ في الأحداث المعروفة. ولكن الإشارة هنا أن كل ما امتلكه إبراهيم في أرض الميعاد قبر إشارة لغربتنا في هذا العالم. ودليل إيمان الآباء في وعد الله بميراث الأرض إصرارهم على دفن موتاهم فيها.
آيات (17-19):- "وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْمُو الشَّعْبُ وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ، إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا."
بركة الرب جعلت الشعب ينمو، هذا الشعب الذي سيرث أرض كنعان والله سمح بهذا الفرعون القاسى حتى يفطمهم عن قدور اللحم وعن أرض مصر فيفكروا في العودة بعد أن تمم الله مخططه في جعلهم شعب. والملك الآخر هو أحمس الذي طرد الهكسوس. أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ = جعلهم مرفوضين من المصريين فيلقون بهم في النهر. والمعنى أن الضيق الذي يواجهه المسيحيين الآن من اليهود سيكون سببًا في نمو الكنيسة وفطامها عن أورشليم. وكل ضيقة يسمح بها الله ليفطمنا عن محبة العالم.
آيات (20-21):- "«وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ. وَلَمَّا نُبِذَ، اتَّخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا ابْنًا."
وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا
= الأصل اليوناني جميلًا بالله أو نحو الله، أي أن هيئة الولد كان فيها مسحة إلهية سرية (عب 23:11) كما نقول الآن "هذا إنسان وجهه فيه نعمة". وهذه النعمة أدركها أبواه بل وإبنة فرعون نفسها. ولاحظ أن موسى العظيم لم يتربى في هيكل بل في بيت وثنى.
آية (22):- "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ."
لقد سمح الله لموسى أن يتدرب على أيدي علماء مصر في كل فنون العلم والأدب فهو سيصير ملكًا وسط شعبه، هذا إعداد إلهي لموسى. وواضح من كلام إسطفانوس أنه لا يجدف على موسى بل يظهر عظمة موسى من يوم ميلاده وفي إمكانياته ومع هذا رفضوه وثاروا عليه وهكذا عملوا مع المسيح.
الأقوال= الناموس الذي وضعه. الأعمال= معجزاته وقيادته للشعب.
آيات (23-28):- "وَلَمَّا كَمِلَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، خَطَرَ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَفْتَقِدَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَإِذْ رَأَى وَاحِدًا مَظْلُومًا حَامَى عَنْهُ، وَأَنْصَفَ الْمَغْلُوبَ، إِذْ قَتَلَ الْمِصْرِيَّ. فَظَنَّ أَنَّ إِخْوَتَهُ يَفْهَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى يَدِهِ يُعْطِيهِمْ نَجَاةً، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي ظَهَرَ لَهُمْ وَهُمْ يَتَخَاصَمُونَ، فَسَاقَهُمْ إِلَى السَّلاَمَةِ قَائِلًا: أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنْتُمْ إِخْوَةٌ. لِمَاذَا تَظْلِمُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؟ فَالَّذِي كَانَ يَظْلِمُ قَرِيبَهُ دَفَعَهُ قَائِلًا: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ أَمْسَ الْمِصْرِيَّ؟"
يفتقد إخوته= ربما كان موسى يخطط لثورة عسكرية ضد فرعون وبدأ إعداد العدة وسط الشعب، فلما مات المصري وصل لفرعون أن موسى يتزعم ثورة وسط اليهود لذلك طلب قتله. وهذا اليهودي يقول له من أقامك رئيسًا= لتقود هذه الثورة. وهذا إن دل على شيء فسيدل على أنهم عشقوا العبودية والذل في مصر من أجل قدور اللحم. وعمومًا فالله سمح بهذا ليكمل إعداد موسى ويكمله بالتواضع فيصير قائدًا مثاليًا يفهم أن خلاص الشعب بيد الله وليس بيده هو. وأيضًا ليزداد ذل الشعب فيصرخ طالبًا الخروج والخلاص، إذ كان لا بُد لهم أن يقتنعوا بأن الخروج أنسب لهم، وبدون هذا الذل ما كانوا فكروا أو قبلوا الخروج. مظلومًا= ربما من مسخره.
لما كملت له أربعين سنة= مدة 40 سنة هذه من التقليد اليهودي.
من أقامك رئيسًا= تدل على أن من أنقذه موسى بالأمس نشر القصة. وبدلًا من أن يشكروا موسى هاجوا عليه. وكما خلصهم يوسف بعد أن ناله منهم ضرر، خلصهم موسى بعد أن نال منهم ضرر. وهكذا المسيح. وإشارة إسطفانوس لقول اليهودي لموسى من أقامك رئيسًا هو تمهيد للتوبيخ الذي سيوجه لمجمع السنهدريم في آية 51، وآية 35.
آية (29):- "فَهَرَبَ مُوسَى بِسَبَبِ هذِهِ الْكَلِمَةِ، وَصَارَ غَرِيبًا فِي أَرْضِ مَدْيَانَ، حَيْثُ وَلَدَ ابْنَيْنِ."
وصار غريبًا= بعد أن كان أميرًا. وهذا ما أثر في نفس موسى فسمى ابنه جرشوم بمعنى غربة. وهذا رمز للمخلص الذي أخلى ذاته آخذًا صورة عبد.
آية (30):- "«وَلَمَّا كَمِلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ."
ملاك الرب
هو الأقنوم الثاني في أحد ظهوراته في العهد القديم بدليل في آية 31 صار إليه صوت الرب... والرب تعنى يهوه. إذًا المتكلم هو يهوه نفسه. ولماّ تكلم قال أنا إله إبراهيم. آية 32 والنار إشارة لطبيعة الله، فالكتاب يقول إلهنا نار آكلة. وكما لم تحرق النار العليقة هكذا حل في بطن العذراء دون أن تحترق العذراء. فالعليقة إشارة للتجسد. وكان هذا الظهور لموسى بداية قصة الخروج من مصر. وكان تجسد المسيح بداية قصة الخلاص من عبودية إبليس. ولاحظ هنا أن الله يظهر لموسى في سيناء وليس أرض الموعد. فالله ليس مقيدًا بمكان.
آيات (31-33):- "فَلَمَّا رَأَى مُوسَى ذلِكَ تَعَجَّبَ مِنَ الْمَنْظَرِ. وَفِيمَا هُوَ يَتَقَدَّمُ لِيَتَطَلَّعَ، صَارَ إِلَيْهِ صَوْتُ الرَّبِّ: أَنَا إِلهُ آبَائِكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ. فَارْتَعَدَ مُوسَى وَلَمْ يَجْسُرْ أَنْ يَتَطَلَّعَ. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: اخْلَعْ نَعْلَ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ."
إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ
= المعنى أنه حان وقت تنفيذ الوعود التي كانت للأباء. فالله له مخطط بدأ بالأباء إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى. الآن يكمل هذا المخطط. فَارْتَعَدَ مُوسَى = والله أخبره بعد ذلك لا يرانى الإنسان ويعيش.. أما وجهي فلا يُرى خر 20:33-23. ووجه الله بمعنى شخص أو كيان الله الفائق. وهنا نرى أن الله يقدس المكان الذي يحل فيه. أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ. = ولاحظ أن هذه الأرض كانت هي سيناء فأينما يحل الله يصير المكان مقدسًا، فما معنى ما تتصورونه أنتم، أن تكون أورشليم فقط أرضًا مقدسة بل يمكن السجود لله في أي مكان. خلع الحذاء= رمز للتخلى عن الخطايا فالحذاء رمز للإحتكاك بقاذورات العالم ومحبة الأمور الزمنية الميتة.
آية (34):- "إِنِّي لَقَدْ رَأَيْتُ مَشَقَّةَ شَعْبِي الَّذِينَ فِي مِصْرَ، وَسَمِعْتُ أَنِينَهُمْ وَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ. فَهَلُمَّ الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَى مِصْرَ."
السخرة عملت عملها والشعب الآن مقتنع بالخروج. فالله لا يجبر أحد على شيء بل يقنعه به. نزلت= الله موجود في كل مكان ولكن قوله نزلت إشارة لاهتمامة تعالى بالبشر الموجودين على الأرض. وفيه إشارة للتجسد.
آية (35):- "«هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ."
بعد أن أظهر لهم عظمة موسى وعلاقته بالله وتكليف الله لهُ يظهر لهم تذمرهم ورفضهم لموسى العظيم، وهكذا استمروا في رفضهم لله في شخص المسيح. وفاديًا= أي مخلصًا ومنقذًا ومع هذا رفضوه وهذا ما صنعوه بالمسيح المخلص. هذا موسى= تكرار اسم موسى هنا كان للفت النظر للتشابه بين موسى والمسيح في عملية الخلاص والرفض لكليهما من قبل الشعب. المجمع اتهم إسطفانوس بأنه يجدف على موسى. وهو هنا يقول بل من تذمر على موسى هم أباءكم أما أنا فأعرف قدره.
آية (36):- "هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً."
كما صنع موسى عجائب صنع المسيح عجائب والهدف إقناع الشعب بأن يسير وراء الله والنتيجة دائمًا عناد ورفض وتذمر لمن أحبهم وسعى لخلاصهم.
آية (37):- "«هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ."
طالما أن موسى تنبأ عن المسيح إذًا لا مناقضة بين موسى والمسيح. هنا نرى موسى ليس مجرد رمز للمسيح بل كان شاهدًا للمسيح وتنبأ عنه. وكان يُعِّدْ الطريق أمامه بإعداد شعب يأتي منه المسيح. والقصد أنه إذا أتى المرموز إليه ينتهي دور الرمز، إذا أتى المسيح ينتهي دور موسى. ولاحظ أن بقية كلام موسى في هذه النبوة أن من لا يسمع كلام هذا النبي فإن الله سيحاسبه. وبهذا فهو يدين من يحاكموه ويحذرهم مهددًا.
نَبِيًّا مِثْلِي = هذا من ناحية الجسد.
آية (38):- "هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالًا حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا."
في الكنيسة= الكنيسة هي إكليسيا باليونانية εκκλησία وهي ترجمة لكلمة الجماعة في العبرية. هذا هو الذي كان= أي موسى. في الكنيسة في البرية= وسط الجماعة. مع الملاك الذي يكلمه= أي الله نفسه يهوه أو الأقنوم الثاني الإشارة هنا لكلام الله مع موسى بعد الخروج. ومع أبائنا= فالله كلم الآباء في سيناء. الذي قبل أقوالًا حية= أي الناموس فكلمة الله دائمًا حيَّة وفعالة عب 12:4 (فهل بهذا القول يكون إسطفانوس مجدفًا على الناموس). لاحظ هنا تصوير إسطفانوس أن الكنيسة هي اجتماع الله مع شعبه في أي مكان وليس في أورشليم فقط. وهكذا المسيح في وسط كنيسته في غربتها في هذا العالم.
آية (39):- "الَّذِي لَمْ يَشَأْ آبَاؤُنَا أَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ لَهُ، بَلْ دَفَعُوهُ وَرَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ،"
جماعة إسرائيل أرادت رجم موسى ليعودوا إلى مصر (عد 1:14-10) وهكذا فعلوا بالمسيح. رَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ = أي ضلوا وإنحرفوا وإشتاقت قلوبهم لخيرات مصر وللشهوات الحسية وأخيرًا تمردوا. دفعوه = في الإنجليزية (rejected) رفضوه.
المعنى المقصود أنكم شعب تعود أن يرفض من يأتي لخلاصه.
آية (40):- "قَائِلِينَ لِهَارُونَ: اعْمَلْ لَنَا آلِهَةً تَتَقَدَّمُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ!"
الآباء أرادوا لهم آلهة تتقدمهم واليهود الحاليين بقيادة قيافا قالوا ليس لنا ملك إلاّ قيصر.
آية (41):- "فَعَمِلُوا عِجْلًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ."
هنا وصل إسطفانوس لتصوير تمرد الآباء على الله ورجوعهم بقلوبهم لعبودية مصر ولخطايا مصر. والعجل هو تقليد للعجل أبيس الإله المصري .
آيات (42-43):- "فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ، وَنَجْمَ إِلهِكُمْ رَمْفَانَ، التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ."
راجع رو 28:1 فإماّ أن يطلب الإنسان الله فيعطيه ذهنًا مفتوحًا ليسير في طريق القداسة أو نترك الله ونعطيه القفا فينحط ذهننا وتنغلق عيوننا. وهذا ما حدث لإسرائيل إذ تركوا الله نجدهم وقد إنحطوا لعبادة الأوثان (هو 17:4، 18) وإسطفانوس هنا يقتبس من عا 25:5-27. جُنْدَ السَّمَاءِ = هي في نظامها وكثرتها كجيش منظم يديره الله ويضبطه فهو ضابط الكل، ولها ناموس يديره الله، وضعه الله لها ولا تخطئه. وهم عبدوا الشمس والقمر والنجوم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). رَمْفَانَ = الإله زحل SATURN ورمزوا له بصورة نجم. مُولُوكَ = هو إله بنى عمون ومولوك تعنى ملك. وعَبَدَه إسرائيل بعد دخولهم أرض الموعد وكان له تمثال نحاس يوقدون فيه نارًا إلى أن يحمر ويقدمون أولادهم ذبائح له. خَيْمَةَ مُولُوكَ = بالتباين مع خيمة الشهادة.
فأنقلكم إلى ما وراء بابل= في نبوة عاموس وردت فأسبيكم إلى ما وراء دمشق. فعاموس قال نبوته قبل سبي بابل بكثير. وربما كان الأراميون أو الأشوريون هم الأعداء الظاهرون وقت النبوة، لذلك يشير النبي إلى السبي بقوله ما وراء دمشق. ولكن قوله ما وراء دمشق يعنى أن السبي سيكون أبعد بكثير من دمشق أي إلى بابل، ولكن هناك بابل التي لم تكن معروفة وقت عاموس وهي أخطر بكثير من أرام وأبعد بكثير من دمشق (أعداء اليهود القريبين). ولأن بابل لم تكن معروفة لم يذكرها بالاسم. ولكن بعد أن أصبح معروفًا أن السبي حدث إلى بابل فإسطفانوس يذكرها هنا بالاسم. ومعروف من النبوات أن السبي إلى بابل حصل لهم كعقوبة (أي على يهوذا) على عباداتهم للأوثان. ويصير معنى كلام إسطفانوس تهديدًا لِمَنْ يسمع؛ أنه نتيجة لعنادكم يا يهود أنكم ستذهبون إلى سبي أبعد وأخطر من سبى بابل، أي خراب أورشليم سنة 70 م. وتشتتهم 2000 سنة وليس 70 سنة كما حدث في سبى بابل.
آيات (44-45):- "«وَأَمَّا خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا أَمَرَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى أَنْ يَعْمَلَهَا عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ رَآهُ، الَّتِي أَدْخَلَهَا أَيْضًا آبَاؤُنَا إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا مَعَ يَشُوعَ فِي مُلْكِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ وَجْهِ آبَائِنَا، إِلَى أَيَّامِ دَاوُدَ"
الخيمة هي خيمة الاجتماع حيث يجتمع الله مع شعبه. وكان الله يجتمع مع شعبه في البرية وفي الخيمة حتى أيام داود. خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ = قوله الشهادة إشارة إلى لوحيّ الشريعة، والتابوت سمى تابوت الشهادة. أَدْخَلَهَا آبَاؤُنَا = أدخلوها لأرض كنعان حيث كان ملوك الأمم يملكون. وهو بهذا يشير لأن الله لا يحب أرض كنعان لذاتها، فقد ملك عليها ملوك أشرار، ولكن الله يحبها لو سكن فيها قديسين. إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا = ورث الشعب الأرض وخلفوا الأمم الذين طردوا منها. عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي = قوة الخيمة أنها تحمل ظل السماويات.
آيات (46-47):- "الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَنًا لإِلهِ يَعْقُوبَ. وَلكِنَّ سُلَيْمَانَ بَنَى لَهُ بَيْتًا."
حينما بنى داود له بيتًا فخمًا أراد أن يبنى لله بيتًا. والله أخبره أنه من نسله من سيبنى الهيكل. وهذه نبوة عن المسيح الذي يبنى هيكل جسده. وكان سليمان رمزًا للمسيح. فالله لا يهتم أن يكون له بيت من الرخام والذهب، بل الله يريد قلوب تحبه، قلوب مقدسة يرتاح فيها، وهذه أعدها المسيح كهياكل لله بأن أرسل الروح القدس، وصار المؤمنين يعبدون الله ويسجدون له بالروح والحق. الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً = داود وجد نعمة أمام الله، وواضح من الكلام أن سليمان ليس الأعظم من داود ومع هذا بنى الهيكل.
آيات (48-50):- "لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي، كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ أَلَيْسَتْ يَدِي صَنَعَتْ هذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا؟"
الْعَلِيَّ
= من هو فوق الكل ساكن سماء السموات. السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ الله، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ = هذه مأخوذة من (إش 1:66، 2) وقارن مع (مت 34:5، 35 + 22:23). لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي = فهو يملأ كل مكان ولا يحده مكان. وهذه الآية رددها بولس فيما بعد (أع 17: 24) وسليمان بعد أن أتم أفخم بناء قال "هل يسكن الله حقًا على الأرض" (1مل 27:18 + 2أى 6:2 + 18:6). ولكن الله يقول أنه يسكن مع المنسحق والمتواضع (إش 15:57). إسطفانوس هنا يريد أن يقول أن الله لا يحده الهيكل الذي تفتخرون به بل هو يقدس كل مكان يرفع فيه الإنسان قلبه، وهذا ما قال الله لموسى النبي في أرض سيناء، فالله إذا قال عن أرض سيناء أنها مقدسة. ونفهم أن سليمان بنى الهيكل كمكان سكنى لله ولكن الأصح أن الله موجود في كل مكان بدليل (إش 1:66، 2). وما قاله الله لداود من قبل. فإن كان إسطفانوس قد قال إن الهيكل له وضع مؤقت فله سند في نبوة إشعياء هذه. وهنا إسطفانوس يشرح لهم أن الله لا يحتاج للهيكل بل الإنسان يحتاج للهيكل ليتحول الإنسان لمكان يرتاح فيه الله، وإن فشل هيكل سليمان في هذا فلا داعي لوجوده.
آية (51):- "«يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ، وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ! أَنْتُمْ دَائِمًا تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذلِكَ أَنْتُمْ!"
قارن مع (خر 9:32، 10 + 3:33، 5 + 8:34، 9 + تث 6:9). إذًا تهمة أن الشعب صلب الرقبة أي غير مطيع هي تهمة قديمة (الطاعة يكنى عنها بإحناء الرأس). هو يتهمهم أنهم في حرفيتهم أغلقوا أذانهم وقلوبهم وعيونهم فلم يعرفوا المسيح وصلبوه. هم اتهموه أنه يجدف على ناموس موسى فأحال التهمة عليهم وأنهم هم الذين يعصون كلام الله. اتهموه بالتجديف على الهيكل وكانت إجابته أن الهيكل مبنى مؤقت. اتهمهم أنهم يهتمون بختان الجسد وليس بختان القلب. غير المختونين بالقلوب= هي تهمة أيضًا قديمة (لا 41:26 + تث 16:10 + أر 4:4 + 26:9). وغلف القلب هو نجاسة القلب وعدم طاعة الله ونقض العهد مع الله، هو موقف عدائي مع الله. وغلف الأذن= أر 10:6 إذًا هي أيضًا تهمة قديمة ضد اليهود ومعناها أن الأذن لا تسمع إنذارات الرب بل تتلذذ بنجاسات العالم والمعارف الشيطانية. هذه الصفات القديمة والتي ما زالت فيهم هي التي جعلتهم لا يسمعون كلام المسيح ولا يطيعونه بل يصلبوه فهم لم يفهموه. إن دفاع إسطفانوس كان دفاع عن المسيح والمسيحية وإلقاء التهمة على اليهود المعاندين. أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس= قارن مع (أش 9:63، 10). والروح القدس يشهد بالأنبياء عن المسيح.
آية (52):- "أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ؟ وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ، الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ،"
هذا ما قاله المسيح عليهم مت 29:23-34 فاليهود اضطهدوا كل الأنبياء الذين تنبأوا عن المسيح.
آية (53):- "الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ»."
هذا تقليد يهودي أن الناموس أُعْطِي بواسطة ملائكة، وهذا ما قاله بولس الرسول أيضًا (عب 2:2 + غل 19:3). وربما فهموا هذا من (مز 17:68 + تث 1:33-4) ترجمة سبعينية، فالسبعينية ترجمت "قديسيه" لـ"ملائكة". وواضح أن إسطفانوس هنا يريد أن يقول أنكم لو حفظتم الناموس لكنتم قد عرفتم المسيح. وهذا هو وضع تلاميذ المسيح إذ هم عرفوه وتبعوه وأحبوه إذ كانوا ملتزمين حقًا بقلوبهم بطاعة الناموس.
آية (54):- "فَلَمَّا سَمِعُوا هذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ."
هذا= أي 1) عدم لياقة الهيكل لسكنى الله؛ 2) اتهامهم بقتل الأنبياء والمسيح.
حنقوا= مع أن وجهه كان كملاك أما هم فصاروا كوحوش متعطشة للدماء.
آية (55):- "وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ."
لقد قال إسطفانوس ما قاله بإيمان قوى، فنقله الله إلى مرتبة العيان ليرى المسيح الذي شهد عنه والذي سوف يذهب إليه بعد لحظات وكان هذا ليعطيه ثباتًا في لحظات الشدة. يمين الله= التعبير يشير للقوة والمجد.
آية (56):- "فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ»."
السموات مفتوحة لتستقبل الشهيد الشاهد الأمين. لقد أدانته محكمة الأرض وبرأته محكمة السماء التي يراها الآن أمام عينيه. وكانت الرؤيا التي رآها فرصة أخيرة ليشهد بها أمام هذا الجمع عن يسوع ابن الإنسان القائم عن يمين الله. والذي أخبر لوقا بكل ما دار هو بولس الرسول والذي كان حاضرًا هذه المحاكمة. ولكن منظر وجه إسطفانوس وكلماته صارت حيَّة لا تنسى من ذاكرته (أع 20:22). وكان ما قاله إسطفانوس هنا هو ترديد لما قاله دانيال النبي (دا 13:7، 14). وكان اليهود يفهمون هذه النبوة أنها على المسيح. قائما عن يمين الله= لا تعارض بين القول قائمًا والقول جالسًا. فقائمًا أي متواجدًا، وهو متواجد في حالة جلوس أي المساواة في الكرامة والمجد.
آيات (57-58):- "فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ."
واضح أنه لم يصدر حُكم ضد إسطفانوس، بل ما حدث كان حالة ثورة وهياج حركها إبليس. وهنا رئيس الكهنة كان قد إنتهز فرصة غياب بيلاطس في قيصرية ونفذ حكم الرجم متعللًا:-
1- أنه لم يصدر حكم رسمى من المجمع بالقتل.
2- أنها حالة هياج عام لم يستطع رئيس الكهنة أن يقاومه.
أَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ
= كما نص الناموس كعقوبة للمجدف (لا 13:24-16).سَدُّوا آذَانَهُمْ
= حتى لا يسمعوا بقية دفاعه وشهادته فتتدنس أذانهم. وشرح بقية الآية تجده في حياة بولس الرسول.
آية 58:- كان عند اليهود من يجدف يُرجم. وهم إتهموا إسطفانوس بالتجديف (لا13:24-16). وكان الأمر يحتاج لشاهدين أو ثلاثة على التجديف. وإذا صدر الحكم ضد المجدف يبدأ الشهود برجم المجدف (تث 6:17-7) وهنا نسمع عن شاول للمرة الأولى إذ كان شاهدًا على قتل اسطفانوس وكان راضيًا بقتله (أع 1:8). وخلع الشهود الذين شهدوا ضد اسطفانوس ثيابهم عند قدمى شاول ليبدأوا عملية رجم اسطفانوس. وظل بولس الرسول حزينًا على هذا اليوم كل أيام حياته (أع 20:22). واليهود لم يكن لهم سلطان على إعدام شخص ولكن كانوا يفعلونها في غفلة من الحاكم إذا كان متساهلًا أو في
غيبة.
آيات (59-60):- "فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ."
هنا نرى إسطفانوس يقول ما قاله المسيح على الصليب، لم يكن هنا يقلد المسيح إنما كان المسيح يحيا في إسطفانوس (غل 20:2).
أيها الرب يسوع إقبل روحي= داود يقول في (مز 5:31) في يدك أستودع روحي ويقولها لله. وبهذا نفهم أن إسطفانوس فهم أن يسوع هو الله. ونقارن هذا مع ما قاله المسيح "يا أبتاه في يديك أستودع روحي (لو 46:23) وبهذا أيضًا نفهم أن إسطفانوس فهم أن كل ما للآب هو للابن، فيمكن إذًا أن نستودع له أرواحنا كما الآب أيضًا. هو كان يستشهد ويموت وهو يصلى.
صرخ بصوت عظيم= هذا دليل أن الروح الذي فيه أعطاه قوة. وغفران إسطفانوس لمن يرجمونه هو دليل حياة المسيح الغافر فيه ومن لا يَغْفِر لا يُغْفَر له أيضًا. بل بغفرانه هذا أكمل شهادته عن المسيح، فإسطفانوس شهد للمسيح في حياته كما في موته.
رقد= هذا هو الاسم الجديد للموت بعد قيامة المسيح "لعازر حبيبنا قد نام" (يو 11:11) وشتان الفرق بين رقاد القديسين وهم يرون السماء مفتوحة وموت الأشرار في رعب.
الآيات الخاصة بشاول الطرسوسي بولس الرسول العظيم أية (58):-
"وَأَخْرَجُوهُ
خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ
رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ."
← تفاسير أصحاحات سفر الأعمال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أعمال الرسل 8 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أعمال الرسل 6 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bdkyjv9