← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42
آيات (1، 2):- "وَرَجُلٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، وَامْرَأَتُهُ سَفِّيرَةُ، بَاعَ مُلْكًا وَاخْتَلَسَ مِنَ الثَّمَنِ، وَامْرَأَتُهُ لَهَا خَبَرُ ذلِكَ، وَأَتَى بِجُزْءٍ وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ."
كما قدَّم القديس لوقا الكنيسة القوية الناجحة يقدم هنا هذه القصة المحزنة. وكما حدث أيام عاخان الذي قبل الحرام فهلك وإنهزم الشعب بسبب خطيته أمام أعدائه، هلك حنانيا الكذاب، لأن الكنيسة كانت معرضة لأن تفقد انتصاراتها ومجدها بسبب خطية حنانيا وسفيرة. الكنيسة الآن تبدأ عهدًا جديدًا مع الله كما كانت إسرائيل تبدأ مع يشوع عهدًا جديدًا في أرضها الجديدة. وليستمر عمل الله مع شعبه لا بُد من عزل الخطية، وهذا ما أراد الله أن يظهره هنا. يموت عاخان وتستمر إسرائيل، ويموت حنانيا وتستمر الكنيسة. إذًا استمرار الكنيسة مرهون بحفظ وصايا المسيح والمعنى أن من يخالف وصية المسيح يهلك ولكن الكنيسة تستمر. والقصة تشير لأن غفران الخطية بدم المسيح ليس معناه الاستهتار. كان هذا لا بُد وأن يحدث في بداية المسيحية حتى لا يظن أحد أن غفران الخطايا بالدم معناه الفوضى والاستهتار فالله قدوس لا يقبل الخطية (وما زالت الكنيسة تعاني من هذا الفكر الغريب حتى يومنا هذا، وهو أن دم المسيح يغفر حتى بدون توبة أو اعتراف، بل وصل الأمر أن الدم يغفر بدون إيمان، فماذا يقول هؤلاء عن موت حنانيا وسفيرة) . إذًا ما حدث كان لبنيان الكنيسة. وكما كان بطرس حازمًا هنا كان بولس حازمًا مع خاطئ كورنثوس. وهكذا فعل الله في بداية اليهودية إذ أمر برجم من تعدى على السبت (عد15: 32 – 36)، ليخاف الجميع وتنتشر القداسة ولا يفهم أحد أن العلاقة مع الله. تعنى الفوضى والاستهتار.
وهذا ما طلبه المسيح إن أعثرتك عينك فاقلعها.. إلخ. أي فلتمت الخطية داخل قلبي قبل أن أهلك كلى وألقى في جهنم. وهذا على المستوى الشخصي. ونلاحظ أنه لم يكن هناك إجبار لأحد أن يبيع ممتلكاته، فكل واحد حر. إذًا خطية حنانيا وسفيرة ليسا أنهما حجبا جزء من المال بل خطيتهم هي الغش والكذب، وأنهما ظنا أنهما قادران على إخفاء شيء عن الله. وكانا سيأخذان من الصندوق المشترك كأنهما لا يملكان شيئًا وهما يمتلكان ما أخفياه.
آيات (3، 4):- "فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟ أَلَيْسَ وَهُوَ بَاق كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هذَا الأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ»."
نلاحظ أن عمل الشيطان لأن يملأ قلوب الناس بالشر ليصيروا كأدوات في يده ليُرديهم قتلى. وهنا الشيطان ملأ قَلْبَىْ حنانيا وسفيرة بالغش والخداع والرياء والكذب على الكنيسة وبالتالي على الروح القدس، فالروح القدس الذي يملأ بطرس هو الذي كشف له كذب حنانيا. والشيطان هو أبو الكذاب (يو 8). حنانيا بحث عن مديح الناس والشهرة والإكرام والتعظيم من الناس لا من الله. هما بحثا عن مجدهما الذاتي لا عن مجد الله. وهما أرادا الكرامة من الناس بالغش في التصرف. هما أرادا أن يربحا السماء والأرض معًا، بل هو يطالب الكنيسة بدفع قيمة ما يوازى ثمن أرضه أدبيًا بينما هو مختلس من ثمن الأرض في جيبه. هنا محبة الله والمال معًا ومعهما يطلبون إعجاب الناس. هنا حنانيا سمح للشيطان أن يملأ قلبه بينما هو قد امتلأ سابقًا من الروح القدس. ومعنى أنه سمح للشيطان أن يملأ قلبه أنه إنحاز للشيطان ضد الروح القدس. ومن يفسد هيكل ابن الله يفسده الله (1كو 16:3، 17).
الله هنا يريد بموت حنانيا وسفيرة أن يفهم كل إنسان أن الحياة مع المسيح ليست استهتارًا وحرية خارج الوصايا فإمّا الثبات في المسيح أو الموت. وأن الله يحاسب المؤمنين على أعمال قلوبهم ونياتهم تجاه بيت الله.
هنا الله أظهر أنه إله النعمة الذي يغفر ويطهر بدمه ولكنه هو إله البر والقدوس الذي لا يحتمل الخطية. الله بنعمته يغفر لمن بتوبته يستحق الغفران ولكنه لا يغفر بل يعاقب المستهتر والمستبيح (عب 28:10-31).
تَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ
= الروح القدس يملأ الكنيسة ويملأ الرسل، وكل ما تعمله الكنيسة يعمله الروح، وكل ما يُعمل ضد الكنيسة يُعمل ضد الروح. وبمقارنة آية (3، 4) نرى ألوهية الروح القدس، فالروح القدس هو الله، وبالتالي فالكذب على الروح القدس هو كذب على الله.
آيات (5، 6):- "فَلَمَّا سَمِعَ حَنَانِيَّا هذَا الْكَلاَمَ وَقَعَ وَمَاتَ. وَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذلِكَ. فَنَهَضَ الأَحْدَاثُ وَلَفُّوهُ وَحَمَلُوهُ خَارِجًا وَدَفَنُوهُ."
هنا نرى الموت هو عقوبة للخطية ولكل من يقاوم الروح القدس.
آيات (7، 8):- "ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ مُدَّةِ نَحْوِ ثَلاَثِ سَاعَاتٍ، أَنَّ امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ، وَلَيْسَ لَهَا خَبَرُ مَا جَرَى. فأَجَابَهَا بُطْرُسُ: «قُولِي لِي: أَبِهذَا الْمِقْدَارِ بِعْتُمَا الْحَقْلَ؟» فَقَالَتْ: «نَعَمْ، بِهذَا الْمِقْدَارِ»."
واضح الاتفاق الخاطئ بين حنانيا وسفيرة.
آيات (9، 10):- "فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: «مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا أَرْجُلُ الَّذِينَ دَفَنُوا رَجُلَكِ عَلَى الْبَابِ، وَسَيَحْمِلُونَكِ خَارِجًا». فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ. فَدَخَلَ الشَّبَابُ وَوَجَدُوهَا مَيْتَةً، فَحَمَلُوهَا خَارِجًا وَدَفَنُوهَا بِجَانِبِ رَجُلِهَا."
تجربة روح الرب = هو التمادي في إغاظة الله بالإصرار على الخطية وعدم الاستفادة من طول أناة الله (رو 4:2، 5). هو إصرار الإنسان على خطيته وهو يعلم أنها تغيظ الله وتغضبه (خر 2:17). وهنا حنانيا وسفيرة كأنهما يفعلان ما يفعلانه ويلزما الله أن لا يتحرك ضدهما ويقتص منهما. وهكذا جربت حواء الله وأكلت من الممنوع.
آية (11):- "فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذلِكَ."
هذا هو القصد مما حدث لحنانيا أن يتمم الكل خلاصهم بخوف ورعدة (في 12:2) فتنمو الكنيسة.
الكنيسة = هنا أول ذكر لكلمة كنيسة للتعبير عن المسيحيين وهي تعني الجماعة.
آيات (12، 13):- "وَجَرَتْ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّعْبِ. وَكَانَ الْجَمِيعُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْسُرُ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمْ، لكِنْ كَانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُمْ."
آيات وعجائب = هذا هو وعد المسيح (مر 17:16). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لم يكن أحد يجسر = اليهود خافوا من السنهدريم ورؤساء الكهنة (يو 43:12). ونلاحظ أنهم لم يؤمنوا مع أنهم عظموا الرسل والمسيحيين. وقارن مع الآية السابقة فالآيات والعجائب تجرى في جو القداسة والخوف من الله وأنهم بنفس واحدة.
آيات (14-16):- "وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ، وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ."
حركة الكنيسة نشطة بفاعلية الروح القدس، والروح القدس حينما يجد قلبًا مستعدًا يعمل معه لحساب مجد الله. ولاحظ أن بطرس بقوة الروح القدس الذي فيه كان ظله يشفى الأمراض. الله هنا يكرم بطرس وظل بطرس. وبنفس الطريقة كانت مآزر بولس تشفى الأمراض (أع 12:19). وبنفس المفهوم يكرم الله أجساد القديسين والشهداء، كما حدث مع عظام إليشع التي أقامت ميت، ويكرم الله صور وأيقونات القديسين التي تصنع معجزات حتى الآن. فالله يكرم من يكرمه: أنا "أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي" (1 صم 2: 30)، والروح القدس يملأ مَنْ هُم بنفس واحدة. قارن الآية السابقة مع (أع 1:2).
آيات (17، 18):- "فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ مَعَهُ، الَّذِينَ هُمْ شِيعَةُ الصَّدُّوقِيِّينَ، وَامْتَلأُوا غَيْرَةً فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَى الرُّسُلِ وَوَضَعُوهُمْ فِي حَبْسِ الْعَامَّةِ."
في مقابل عمل الروح القدس يهيج الشيطان ويحرك عملاؤه، فإيمان الشعب بالمسيح يقلل دخل الهيكل.
حبس العامة = الذي يوضع فيه أشر أنواع المجرمين (لو 12:21). حتى لا يعظمهم الشعب.
آيات (19-23):- "وَلكِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ فِي اللَّيْلِ فَتَحَ أَبْوَابَ السِّجْنِ وَأَخْرَجَهُمْ وَقَالَ: «اذْهَبُوا قِفُوا وَكَلِّمُوا الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ بِجَمِيعِ كَلاَمِ هذِهِ الْحَيَاةِ». فَلَمَّا سَمِعُوا دَخَلُوا الْهَيْكَلَ نَحْوَ الصُّبْحِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ. ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ، وَدَعَوُا الْمَجْمَعَ وَكُلَّ مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْحَبْسِ لِيُؤْتَى بِهِمْ. وَلكِنَّ الْخُدَّامَ لَمَّا جَاءُوا لَمْ يَجِدُوهُمْ فِي السِّجْنِ، فَرَجَعُوا وَأَخْبَرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا الْحَبْسَ مُغْلَقًا بِكُلِّ حِرْصٍ، وَالْحُرَّاسَ وَاقِفِينَ خَارِجًا أَمَامَ الأَبْوَابِ، وَلكِنْ لَمَّا فَتَحْنَا لَمْ نَجِدْ فِي الدَّاخِلِ أَحَدًا»."
السماء مفتوحة والله قادر أن يحافظ على رجاله وشهوده. والله قادر أن يحرر أولاده في أي لحظة، ولكن نلاحظ أن الله أخرجهم لا ليهربوا بل ليكرزوا "فكلمة الله لا تُقيَّد" (2تى2 : 9)، ولكنه في بعض الأحيان يسمح لهم أن يشتركوا في صليبه وذلك أيضًا لحساب مجد اسمه. فحينما يرى الناس الرسل محتملين الألم لأجل المسيح يعرفون محبتهم له وإيمانهم به، وهذا أصدق من التصاقهم به في حالة المعجزات والأيات التي يعملها بواسطتهم، بل أننا رأينا عبر التاريخ أنه كلما زادت الإضطهادات نمت الكنيسة وإمتدت في العالم كله. هنا رأى الشيوخ والكهنة معجزة خروج التلاميذ من السجن ولكن بدلًا من أن يؤمنوا زاد هياجهم بفعل عمل الشيطان الذي أسلموا انفسهم له. الله صنع هذه المعجزة ليؤمن اليهود أنهم يحاربون الله نفسه. كَلاَمِ هذِهِ الْحَيَاةِ = الكلام والبشارة التي يعظ بها التلاميذ، ومن يؤمن تكون له حياة.
آيات (24، 25):- "فَلَمَّا سَمِعَ الْكَاهِنُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ هذِهِ الأَقْوَالَ، ارْتَابُوا مِنْ جِهَتِهِمْ: مَا عَسَى أَنْ يَصِيرَ هذَا؟ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَأَخْبَرَهُمْ قَائِلًا: «هُوَذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ وَضَعْتُمُوهُمْ فِي السِّجْنِ هُمْ فِي الْهَيْكَلِ وَاقِفِينَ يُعَلِّمُونَ الشَّعْبَ!»"
ربما شك رؤساء الكهنة في الحراس ولكن حينما عرفوا أنهم في الهيكل ارتابوا فالذي يهرب من السجن بواسطة رشوة الحراس لا يذهب للهيكل ليعلم ثانية بل يهرب ويختفي. وهم ارتابوا لأن الحادثة إمّا إعجازية وهذا مما سيرفع شأن المسيحية في نظر الناس، أو أنهم خرجوا عن طريق الحراس.... إذًا فالحراس صار منهم مؤمنين بالمسيحية.. وكلا الاحتمالين في نظرهم خطر. وخروج التلاميذ من السجن بهذا الأسلوب الإعجازي أظهر أن سجنهم كان خطأ لا يوافق الله عليه وأنهم خدام الله حقًا.. ولكن من يفهم؟!! والله من محبته يسمح بكل هذه المعجزات لعل هؤلاء المعاندين يفهموا، ويكفوا عن عنادهم، ويتوبون، فيقبلهم.
آية (26):- "حِينَئِذٍ مَضَى قَائِدُ الْجُنْدِ مَعَ الْخُدَّامِ، فَأَحْضَرَهُمْ لاَ بِعُنْفٍ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ الشَّعْبَ لِئَلاَّ يُرْجَمُوا."
عجيب أنهم يخافون من الشعب ولا يخافون من قوة المسيح التي ظهرت في إنقاذ تلاميذه.
آيات (27، 28):- "فَلَمَّا أَحْضَرُوهُمْ أَوْقَفُوهُمْ فِي الْمَجْمَعِ. فَسَأَلَهُمْ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ قِائِلًا: «أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَانِ»."
التلاميذ ذهبوا مع الحراس ليشهدوا للمسيح أمام السنهدريم. وعجيب أن لا يفتح رئيس الكهنة معهم موضوع خروجهم من السجن، ذلك لأنه أدرك أن قوة سماوية تعمل معهم، والأعجب إصراره على تحدى هذه القوة. وسؤاله للتلاميذ عن كسر تعليمات السنهدريم السابقة 18:4 القصد منه أن يسجنهم، فهذه تهمه يعاقب عليها القانون.
ملأتم أورشليم = هذا بالضبط ما أراده المسيح ولقد نفذه الرسل. تجلبون علينا دم هذا الإنسان= هذه مسرحية تعني أنهم يبرئون أنفسهم من دم المسيح. ومعنى الكلام أنكم يا رسل المسيح تتهموننا بأننا قتلنا المسيح وهو بريء، وقتل إنسان بريء تهمة يدينها الناموس وبهذا فأنتم تهيجون الشعب ضدنا.
آية (29):- "فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ."
رد بطرس هنا مباشر ومفحم للغاية. لقد أظهر لهم أنهم إنما يحاربون الله.
آيات (30-32):- "إِلهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ الَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. هذَا رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا. وَنَحْنُ شُهُودٌ لَهُ بِهذِهِ الأُمُورِ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ»."
بطرس هنا يبشرهم ويشهد لهم بالقيامة وأن الذي أقامه هو الله. إذًا حكمهم بصلب المسيح أبطله الله بإقامة المسيح فتصبح محكمتهم لاغية باطلة وضد أحكام الله. إله أبائنا= إشارة لأنه يؤمن بالله الذي يؤمن به اليهود وأنه ليس كافرًا بالله الذي يعرفونه. رئيسًا= أي رئيسًا على إسرائيل الله = أي الكنيسة غل 6: 16، فهو يملك على قلوب المؤمنين. غفران الخطايا= أي الله مستعد لغفران خطية صلبكم للمسيح إن آمنتم وتبتم. ونحن شهود لهُ.. والروح القدس أيضًا= أي الروح القدس الذي أعطاه الله لنا هو يشهد للمسيح. فالآيات التي نعملها بالروح القدس ليشهد الروح القدس أن شهادتنا عن المسيح إنما هي شهادة حق وأن المسيح قام حقًا من الأموات وبهذه الشهادة لبطرس برأ الرسل وأدان المحكمة على صلبها للمسيح، وذِكر القيامة هنا أثار الصدوقيين.
آيات (33-40):- "فَلَمَّا سَمِعُوا حَنِقُوا، وَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ. فَقَامَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ فَرِّيسِيٌّ اسْمُهُ غَمَالاَئِيلُ، مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوسِ، مُكَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ الشَّعْبِ، وَأَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ الرُّسُلُ قَلِيلًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: « أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، احْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ جِهَةِ هؤُلاَءِ النَّاسِ فِي مَا أَنْتُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ تَفْعَلُوا. لأَنَّهُ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ قَامَ ثُودَاسُ قَائِلًا عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ شَيْءٌ، الَّذِي الْتَصَقَ بِهِ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ نَحْوُ أَرْبَعِمِئَةٍ، الَّذِي قُتِلَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَبَدَّدُوا وَصَارُوا لاَ شَيْءَ. بَعْدَ هذَا قَامَ يَهُوذَا الْجَلِيلِيُّ فِي أَيَّامِ الاكْتِتَابِ، وَأَزَاغَ وَرَاءَهُ شَعْبًا غَفِيرًا. فَذَاكَ أَيْضًا هَلَكَ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْقَادُوا إِلَيْهِ تَشَتَّتُوا. وَالآنَ أَقُولُ لَكُمْ: تَنَحَّوْا عَنْ هؤُلاَءِ النَّاسِ وَاتْرُكُوهُمْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ هذَا الرَّأْيُ أَوْ هذَا الْعَمَلُ مِنَ النَّاسِ فَسَوْفَ يَنْتَقِضُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ اللهِ فَلاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْقُضُوهُ، لِئَلاَّ تُوجَدُوا مُحَارِبِينَ للهِ أَيْضًا». فَانْقَادُوا إِلَيْهِ. وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ."
كان حاضرًا هنا غمالائيل معلم بولس الرسول (أع 3:22) بل ربما كان بولس نفسه حاضرًا هذا الاجتماع. ونلاحظ أنهم فكروا في قتل الرسل دون أن يشيروا للتهمة التي بسببها يستحقون القتل. ولكن دفاع بطرس أمامهم أغاظهم. وغمالائيل هذا هو كبير معلمي الناموس وممثل الفكر الفريسي. والفريسيين أي المفرزين معروفين بدراسة التوراة والناموس. وكانوا يضادون المتحررين من اليهود المتهلينين أي الذين تحللوا من التقاليد لمعيشتهم وسط اليونانيين الأمم. ومعنى مفروزين (فريسيين) أنهم منفصلين عن هؤلاء المتحررين. وكان تأثير الفريسيين على الشعب كبيرًا ولهم صوت مسموع في المجامع حتى ضد الصدوقيين بسبب شهرتهم واحترام الشعب لهم. ويقول التقليد المسيحي أن غمالائيل صار مسيحيًا وآمن. حنقوا= بطرس حين وعظ يوم الخمسين نخس السامعين في قلوبهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهنا قال نفس الشهادة ونفس الكلمات ولكنها تثير حنق المجمع إن إنجيل المسيح هو رائحة حياة لحياة لمن نخسوا في قلوبهم ورائحة موت لموت لهؤلاء الذين حنقوا. وكانت حجة غمالائيل أن أتباع يهوذا وثوداس تبعثرا بعد موت يهوذا وثوداس. فلو كان المسيح ليس من الله سيتبعثر أتباعه بعد موته. ثوداس ويهوذا= كانوا ثوارًا قاموا بثورات ضد الرومان. ويهوذا طالب بعدم دفع الجزية للرومان فسحقه الرومان. ولكن قامت على تعاليمه وثورته جماعة الغيورين (غالبًا هم من سألوا هل ندفع الجزية أم لا لقيصر). وثوداس سبق بثورته ثورة يهوذا وغالبًا كانت ثورته سنه 4ق.م.
أيام الإكتتاب= أقام كيرينيوس والى سوريا اكتتابًا لليهودية سنة 6 ب.م. حينما صارت اليهودية ولاية رومانية. وذلك لتحديد الجزية التي يدفعها اليهود للرومان. وقام يهوذا بثورته لأنه اعتبر أن الجزية للرومان نوع من الاستعباد، وأنها إهانة لله ملك إسرائيل. وسحق الرومان ثورته ولكن تلاميذه من الغيورين (كان منهم تلميذ المسيح سمعان الغيور أو القانوي) استمروا حتى سنة 70 م. أي سنة خراب أورشليم وربما كانوا هم السبب في الحرب مع روما. ولقد ادعى كل من يهوذا وثوداس أنهم المسيح الذي أتى ليحرر الشعب من الرومان وصار لهم تلاميذ. ونلاحظ في كلمة غمالائيل فشل هؤلاء الفريسيين في معرفة إن كانت المسيحية من الله أم لا. وهذا فشل لليهودية ككل، فغمالائيل هو أعظم معلم في ذلك الوقت. نحن أمام أمة انسدت أذانها عن معرفة الحق وعميت أبصارهم. حقًا لقد كانت مشورة غمالائيل السبب في الإفراج عن الرسل، ولكن هذا الدارس للناموس كان عليه دور أكبر فهو يعرف أكثر، كان عليه أن يغلق الباب على السنهدريم ويدرسوا ويصلوا إلى قرار.... هل المسيحية من الله أم لا.
عمومًا فالله استخدم غمالائيل في إنقاذ الرسل فالرسل ما زال أمامهم عمل يؤدونه قبل أن يستشهدوا.
آية (41):- "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ."
الجلد يكون 39 جلدة يسيل منها دم المضروب. ولكن الروح القدس الْمُعَزِّي أعطاهم فرحًا إذ إشتركوا مع المسيح في ألامه، ومن تألم معه يتمجد أيضًا معه.
والفرح في الضيق علامة من علامات الحق راجع 1بط 1:5 + مت 11:5. ونقول أن من يحب حقيقة يفرح بأن يشترك في آلام من يحبه دون أن يفكر في مجد يحصل عليه، كما تشتهى الأم أن تتألم مع ابنها المتألم. ولكن يجب أن نفهم أن الفرح في وقت آلام الإضطهاد هو فرح يسكبه الله على المتألم فيكاد لا يشعر بالألم، فالفرح الذي يعطيه الله يسود ويطغى على الألم. وهذا الفرح لا يعطيه الله لنا الآن لئلا ننتفخ، لكنه يعطيه عند الاحتياج. تمامًا كما يعطى الكلمة المناسبة وقت الاحتياج عندما نقف أمام ملوك وولاة (مت10: 19). ولو أعطانا هذه الحكمة الآن سننتفخ. لذلك فمن محبة الله أنه يعطى الفرح والحكمة في وقت الاحتياج فقط. وهذا هو السر في فرح وتهليل الشهداء وهم ذاهبون للاستشهاد.
آية (42):- "وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ."
الروح أمدهم ليس بالفرح فقط بل بالقوة للشهادة لاسم المسيح.
← تفاسير أصحاحات سفر الأعمال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أعمال الرسل 6 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أعمال الرسل 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w9p2mbm