← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44
رأينا بولس من قبل ككارز ولاهوتي. وهنا نراه كمسيحي عادي يواجه مشاكل في حياته العادية، هنا نراه كرجل عملي عندما تواجهه ظروف طارئة. كما رأينا أبونا إبراهيم من قبل حين ذهب لينقذ لوط من كدرلعومر. وهؤلاء القديسين في المشاكل العادية نجدهم رجال الساعة. وأهمية هذه الرحلة هي انتقال البشارة من اليهود الرافضين لها إلى روما عاصمة العالم الأممي آنذاك.
آية (1):- "فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الرَّأْيُ أَنْ نُسَافِرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا، سَلَّمُوا بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ اسْمُهُ يُولِيُوسُ."
السفر في البحر أقصر وأقل في النفقات. نسافر= إذًا لوقا كان معهُ.
آية (2):- "فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ، وَأَقْلَعْنَا مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي فِي أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ، رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي."
أدراماتينية = أدراميتيوم أحد موانى ميسيا وكانت مركزًا لبناء السفن وطالما السفنية أدراماتينية، إذًا هي متجهة لميناء أدراميتيوم. وخلال هذه الرحلة ستمر على عدة موانى، وهم في أحد هذه المواني سيجدوا سفينة متجهة لإيطاليا ولاحظ أن لوقا
وارسترخس يرافقان بولس في غير خجل من سلسلته.
آية (3):- "وَفِي الْيَوْمِ الآخَرِ أَقْبَلْنَا إِلَى صَيْدَاءَ، فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِالرِّفْقِ، وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ."
صَيْدَاءَ
= هي في لبنان. ونلاحظ رفق القائد الروماني مع بولس. وربما كان حاضرًا أثناء إلقاء خطابه أمام أغريباس. ولكن معاملة بولس اللطيفة وشخصيته اللطيفة أسرت قلب هذا القائد الروماني. وهذا ما سَبَّبَ نجاة لبولس في نهاية الرحلة حين رفض القائد قتل الأسرى لمحبته لبولس. وهنا نراه يعطى لبولس فرصة لمقابلة أصدقائه. بالمعاملة المسيحية اللطيفة للناس نكسب محبتهم = طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.
آية (4):- "ثُمَّ أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ وَسَافَرْنَا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ، لأَنَّ الرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً."
من تحت قبرص= ليحتموا بجبالها من الرياح المضادة.
آية (5):- "وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا الْبَحْرَ الَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ، نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ."
ميراليكية= هو ميناء ميرا في ليكية. وليكية هي مدينة مزدهرة على البحر وهي مركز لتجارة القمح الوارد من مصر لروما، وهي مركز خدمة للسفن.
آية (6):- "فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ الْمِئَةِ هُنَاكَ سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا أَدْخَلَنَا فِيهَا."
مصر كانت مخزن القمح لإيطاليا. وكان القمح يرسل في سفن جبارة.
آية (7): "وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْدًا أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَبِالْجَهْدِ صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا الرِّيحُ أَكْثَرَ، سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِي."
آية (8):- "وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِالْجَهْدِ جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «الْمَوَانِي الْحَسَنَةُ» الَّتِي بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ."
المواني الحسنة= هي ميناء ما زالت موجودة بنفس الاسم.
آية (9):- "وَلَمَّا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ، وَصَارَ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ خَطِرًا، إِذْ كَانَ الصَّوْمُ أَيْضًا قَدْ مَضَى، جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ"
ولما مضى زمان طويل= الريح المضادة زادت من زمن الرحلة. وكانوا يتوقعون تغيير اتجاه الريح ولكن دون جدوى. إذ كان الصوم= هو صوم يوم الكفارة وهو يتراوح أو يأتي في الفترة ما بين 25 سبتمبر، 10 أكتوبر ولقد كان هذا أسوأ موسم للملاحة بسبب العواصف المفاجئة وهذا يعلمه البحارة. أمّا الوقت المناسب للسفر بحرًا هو ما بين يوم الخمسين وعيد المظال. الذي يأتي بعد يوم الكفارة مباشرة في نفس الشهر. لذلك نصحهم بولس بعدم إكمال السفر بحرًا. هنا نرى بولس خبيرًا في البحر من كثرة أسفاره. ولم يكن اليونان والرومان يعرفون البوصلة لذلك إذا سادت الغيوم لا يستطيعون السير. فهم يسيرون بحذاء الشاطئ وعلاماتهم هي المدن الساحلية.
آية (10):- "قَائِلًا: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنَا أَرَى أَنَّ هذَا السَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ، لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَالسَّفِينَةِ فَقَطْ، بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضًا»."
كان لبولس خبرته في البحر من كثرة ركوبه للسفن، وطالما جابه أخطارًا فيه (2 كو25:11). وكان رأى بولس أن يستمروا في ميناء المواني الحسنة حتى تنتهي فترة العواصف. أنا أرى= هذا رأيه الخاص وليس برؤيا سماوية فهو تصوَّر أنهم سيموتون= بل لأنفسنا أيضًا وهذا لم يحدث. ولكن لنلاحظ أن الله يعطى أولاده حكمة حتى في الأمور العالمية. والشيطان سد أذان الكل عن كلام بولس ليزيد من آلامه أو ليتخلص منه.
آية (11):- "وَلكِنْ كَانَ قَائِدُ الْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ السَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ."
ولكن كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة والى صاحبها أكثر مما إلى قول بولس.
انحاز قائد المئة لربان السفينة وقائد المئة هو صاحب القرار.
آيات (12، 13):- "وَلأَنَّ الْمِينَا لَمْ يَكُنْ مَوْقِعُهَا صَالِحًا لِلْمَشْتَى، اسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضًا، عَسَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ الإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا. وَهِيَ مِينَا فِي كِرِيتَ تَنْظُرُ نَحْوَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ الْغَرْبِيَّيْنِ. فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ، ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ، فَرَفَعُوا الْمِرْسَاةَ وَطَفِقُوا يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ."
المينا= هي ميناء المواني الحسنة. فينكس= هي ميناء في كريت له مدخلان مدخل إلى الجنوب الغربي ومدخل إلى الشمال الغربي. وهم فضلوا (البحارة) أن تكون فترة توقفهم بسبب العواصف في فينكس وليس في المواني الحسنة ربما لأن فينكس أكبر وبها إمكانيات أفضل. فلماّ نسمت ريح جنوب= هذه ريح مخادعة تأتى بعد الرياح الشديدة التي واجهوها (آيات 4، 7) وهي ريح هادئة لكنها مخادعة فهي لا تستمر طويلًا يعقبها إعصار شديد (أوروكليدون). ومن ليس له خبرة يظن أن ريح الجنوب الهادئة ستستمر. وهذا ما تصوره ربان السفينة الذي ظن بأن ريح الجنوب ستمكنه من الوصول إلى فينكس ليقضى الشتاء هناك. والشتاء هو فترة الأعاصير الشديدة التي لا يبحرون خلالها.
آيات (14، 15):- "وَلكِنْ بَعْدَ قَلِيل هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ». فَلَمَّا خُطِفَتِ السَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ الرِّيحَ، سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ."
أوروكليدون= هي ريح زوبعية تدفع السفينة هنا وهناك وتمزقها، وهي تهب في كل اتجاه. خُطفَتْ= الريح انتزعتها من مسارها ولم يعد أحد يتحكم في مسارها. سلمنا فصرنا نحمل= وماذا يمكنهم أن يفعلوا سوى الاستسلام للأمواج. ولكن هذه الآية الحلوة تعزينا في الشدائد التي نواجهها ولا نجد لها حلًا فنستسلم ليد الله التي تحملنا خلال الشدائد. ولكن هو تسليم في يد الله الحنون وليس استسلام في يد أقدار لا ترحم.
آية (16):- "فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا «كَلَوْدِي» وَبِالْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ الْقَارِبَ."
القارب= هو قارب النجاة وهو يعلق على جانب السفينة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وبالجهد استطاعوا التحكم فيه ليرفعوه، ولم يستطيعوا رفعه إلى السطح إلاّ بجهد جهيد وكان رفع القارب مهم لتحزيم السفينة بالحبال القوية. وهم استطاعوا التحكم في القارب عندما مروا تحت جزيرة كلودى وربما كان ذلك بسبب أن جبالها خفضت من حدة الرياح فاستطاعوا التحكم في القارب.
آية (17):- "وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ، حَازِمِينَ السَّفِينَةَ، وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي السِّيرْتِسِ، أَنْزَلُوا الْقُلُوعَ، وَهكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ."
معونات= هي حبال قوية يربطونها عدة مرات حول السفينة حتى لا تتفكك ألواحها. وظلت هذه الطريقة مستخدمة حتى استخدموا الحديد في السفن. السيرتس= هي رمال سائبة على السواحل الشمالية لإفريقيا، ولأن الرياح شديدة خافوا أن تدفعهم الرياح لهذه الرمال فتنغرس السفينة بمقدمها في هذه الرمال ويظل مؤخرها يتأرجح وسط الأمواج الهائجة حتى تتحطم السفينة. لذلك أنزلوا القلوع حتى لا تدفعهم الرياح وإكتفوا بالدفة لتوجيه السفينة للشمال الغربي.
آية (18):- "وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ، جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي الْغَدِ."
يفرغون= يلقون حمولة السفينة من القمح حتى لا تتفسخ السفينة من ثقلها بسبب ضربات الأمواج.
آية (19): "وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ السَّفِينَةِ."
آية (20):- "وَإِذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلاَ النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيل، انْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا."
الشمس والنجوم كانوا يعطون إرشادًا قبل اختراع البوصلة.
آية (21):- "فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ، حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسْطِهِمْ وَقَالَ: «كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي، وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ، فَتَسْلَمُوا مِنْ هذَا الضَّرَرِ وَالْخَسَارَةِ."
الصوم بسبب الحالة النفسية التي يعانوا منها وعدم إمكانية طهى الطعام.
آية (22):- "وَالآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلاَّ السَّفِينَةَ."
هذه كانت رؤيا إلهية.
آية (23):- "لأَنَّهُ وَقَفَ بِي هذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاَكُ الإِلهِ الَّذِي أَنَا لَهُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ،"
لاحظ أن الركاب وثنيين ولكل واحد إلهه الذي يعبده. ولكن كل هذه الآلهة ليست لها ملائكة ترسلها ولا تتنبأ بالمستقبل أو تضمنه. الذي أنا لهُ= أنا مكرس بالكامل لله.
آية (24):- "قَائِلًا: لاَ تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ."
لاشك أن بولس صلى لنجاته ونجاة من معه، والله إستجاب، وما أعجب إستجابة الله فهو لأجل قديس واحد (وهو بولس) ينقذ الجميع، ولولاه لهلكوا جميعًا. وهل يستجيب الله لبولس وهو في ضعف الجسد ولا يستجيب له الآن وبولس
في السماء إن تشفعنا به.
آية (25):- "لِذلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِاللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هكَذَا كَمَا قِيلَ لِي."
هذه الرسالة التي يحتاجونها أن يؤمنوا بالله والإيمان سيعطيهم سلامًا.
آية (26):- "وَلكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ»."
هذا ما قاله له الملاك أنهم سيقعوا على جزيرة وليس على شاطئ أوروبا ولا إفريقيا.
آية (27):- "فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا، ظَنَّ النُّوتِيَّةُ، نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَنَّهُمُ اقْتَرَبُوا إِلَى بَرّ."
الليلة الرابعة عشرة منذ غادروا كريت. في بحر أدريا= هكذا كان القدماء يلقبون الجزء من البحر الذي يقع جنوب شبه جزيرة إيطاليا.
ظن = هذه خبرة البحارة إذ يعرفون أصوات الأمواج المتكسرة على الشاطئ.
آية (28):- "فَقَاسُوا وَوَجَدُوا عِشْرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلًا قَاسُوا أَيْضًا فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً."
مقياس بحري لقياس الأعماق، وما زال مستخدما للآن. ومعنى أن المقياس يقل، أنهم يقتربون من الشاطئ.
آية (29):- "وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ، رَمَوْا مِنَ الْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ."
لو وقعت السفينة على شاطئ صخري لتحطمت. ولو رموا المراسي كالعادة من الأمام لكانت السفينة قد دارت على نفسها من شدة الأمواج. لذلك هم رموا المراسي من الخلف. والمراسي (هي الهلب) وتعمل عمل الفرامل. أربع مراس= دليل شدة العاصفة. وكانوا يطلبون أن يصير النهار = هذه ملاحظة شاهد عيان هو لوقا الرسول.
آية (30):- "وَلَمَّا كَانَ النُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ، وَأَنْزَلُوا الْقَارِبَ إِلَى الْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ الْمُقَدَّمِ،"
حاول النوتية الهرب في قارب النجاة لخفته فهم يتوقعون غرق السفينة بين لحظة وأخرى.
آيات (31، 32):- "قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ وَالْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هؤُلاَءِ فِي السَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا». حِينَئِذٍ قَطَعَ الْعَسْكَرُ حِبَالَ الْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ."
بولس له وعد إلهي بالنجاة، لكن لماذا لا يستخدم كل الوسائل المتاحة لينجو. فبدون نوتية من يوجه السفينة. هنا تظهر فطنة بولس الرسول ثانية فهو لم يصدق الحجة التي قالها النوتية ليهربوا. ونحن لا ينبغي أن نقف مكتوفى الأيدى إذا كان هناك ما يمكن عمله. فالله يساعدنا على خلاص نفوسنا إن ساعدنا أنفسنا على ذلك. ولكن توقع إتمام الوعد دون القيام بمجهود من جانبنا أمر باطل ورجاء كاذب. وهذا لا يتعارض مع "
سلمنا فصرنا نحمل " فهم سلموا حين لم يكن أمامهم شيء يعملونه. ولكنهم لم يسلموا منذ بدأوا الرحلة بل كانوا يعملون بجد.
آية (33):- "وَحَتَّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، قَائِلًا: «هذَا هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لاَ تَزَالُونَ صَائِمِينَ، وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئًا."
بولس لإيمانه كان في سلام قلبي عميق أمّا الباقون ففي خوفهم. امتنعوا عن الطعام.
آية (34):- "لِذلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، لأَنَّ هذَا يَكُونُ مُفِيدًا لِنَجَاتِكُمْ، لأَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ»."
مفيدًا لنجاتكم= لكي تتمكنوا من السباحة إلى الشاطئ.
آية (35):- "وَلَمَّا قَالَ هذَا أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ اللهَ أَمَامَ الْجَمِيعِ، وَكَسَّرَ، وَابْتَدَأَ يَأْكُلُ."
هذه طريقة الرب يسوع وصار المؤمنين يتبعونها.
آية (36): "فَصَارَ الْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا طَعَامًا."
آية (37):- "وَكُنَّا فِي السَّفِينَةِ جَمِيعُ الأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ."
العدد حتى يعرف القائد المفقودين عند الوصول للشاطئ خصوصًا أن بينهم سجناء مثل بولس، وهم عهدة في يد القائد.
آية (38):- "وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ الطَّعَامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ السَّفِينَةَ طَارِحِينَ الْحِنْطَةَ فِي الْبَحْرِ."
حتى لا تصطدم بالشاطئ الصخري بل تظل خفيفة طافية فتصل للشاطئ بسهولة.
آية (39):- "وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الأَرْضَ، وَلكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجًا لَهُ شَاطِئٌ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ السَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ."
لم يكونوا يعرفون الأرض = التي شاهدوها من بعد، فهم لم يقتربوا من ميناء بل وصلوا إلى شاطئ عادي لذلك لم يميزوا هذه الجزيرة.
آية (40):- "فَلَمَّا نَزَعُوا الْمَرَاسِيَ تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِي الْبَحْرِ، وَحَلُّوا رُبُطَ الدَّفَّةِ أَيْضًا، رَفَعُوا قِلْعًا لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ، وَأَقْبَلُوا إِلَى الشَّاطِئِ."
لما نزعوا المراسي = بتركها في البحر (المرسى = الهلب). وكان لكل سفينة أكثر من هلب. حلوا ربط الدفة= المقصود بالدفة هنا مجدافين كبيرين من شمال السفينة ويمينها، ويستخدموا كدفة بأن يربطوا أو يفكوا ويستخدموا كمجدافين كما حدث هنا حتى يمكن توجيهها بالمجدافين إلى الشاطئ.
آية (41):- "وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، شَطَّطُوا السَّفِينَةَ، فَارْتَكَزَ الْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لاَ يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا الْمؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ الأَمْوَاجِ."
بين بحرين = هذا يعنى لسان من الرمال يدخل في قلب المياه.
آية (42):- "فَكَانَ رَأْيُ الْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا الأَسْرَى لِئَلاَّ يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ."
سبب قتل الأسرى أن القائد مسئول عن عدد الأسرى.
آية (43):- "وَلكِنَّ قَائِدَ الْمِئَةِ، إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ، مَنَعَهُمْ مِنْ هذَا الرَّأْيِ، وَأَمَرَ أَنَّ الْقَادِرِينَ عَلَى السِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا فَيَخْرُجُونَ إِلَى الْبَرِّ،"
كان قائد المئة قد أحب بولس وأعجب به ممّا رآه منه في قصر فستوس وعلى السفينة. محبة قائد المئة لبولس ثم محبة أهل مالطة الوثنيين له بعد ذلك كان لها تعزيات كبيرة في نفس بولس في مقابل اضطهاد شعبه اليهودي له. حقًا شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني.
آية (44): "وَالْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَلْوَاحٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ السَّفِينَةِ. فَهكَذَا حَدَثَ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى الْبَرِّ."
هذه السفينة المعذبة من الأمواج ترمز للكنيسة. والبحر يرمز للعالم المضطرب بأمواجه. أما مياه البحر المالحة ترمز لشهوات العالم، التي إن شرب منها أحد يهلك ويموت.
ونرى أن هناك أنواع من البشر على السفينة التي تمثل الكنيسة:-
الأول :- من هو مثل بولس الرسول الذي له العين المفتوحة التي ترى خلاص الله فلا تضطرب من الرياح والأمواج بل هي مطمئنة تثق في وعد المسيح الذي قال "الذين أعطيتني حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك" (يو17: 12) وتثق في وعد الله الذي قال "... لا أنساكِ...هوذا على كفى نقشتك" (إش49: 15 ، 16) + وقال أيضًا "من يمسكم يمس حدقة عينه" (زك2: 8). وهذا النوع بإيمانه يعطى طمأنينة لمن حوله كما عمل بولس الرسول هنا وطلب من الجميع أن يأكلوا "فأكلوا وصاروا مسرورين" (آية36). هذا النوع هو من قال عنه الرب "من آمن بي تجرى من بطنه أنهار ماء حي" (يو7: 38).
الثاني :- من ليس له هذه العين المفتوحة فيضطرب ويخاف. هو ما زال موجودا في الكنيسة ولكن إيمانه ضعيف. ومثل هذا النوع يحتاج الخدام الأمناء الأقوياء الذين من النوع الأول الذين لهم العين المفتوحة، يسندونه ويعطونه رجاء فلا يخور = "فأكلوا وصاروا مسرورين".
الثالث :- هم خدام غير أمناء لا يبحثون إلا على مصالحهم الشخصية حتى لو هلكت الرعية. هؤلاء مثل البحارة الذين أرادوا أن يهربوا لينجوا تاركين الآخرين ليهلكوا. هؤلاء قال عنهم الرب "وأما الذي هو أجير، وليس راعيا، الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها. والأجير يهرب لأنه أجير، ولا يبالي بالخراف" (يو10: 12 ، 13).
والسؤال الآن ... لماذا يا رب تترك سفينة الكنيسة معذبة من أمواج العالم؟
نجد الإجابة في عدد راكبى السفينة 276 نفس ومعانى الأرقام:-
200:- 100 هو رقم قطيع المسيح الصغير (لو12: 32 + 15: 4) ، فيكون 200 هم شعب الله في العهد القديم والعهد الجديد.
6:- هو رقم السقوط فآدم سقط في اليوم السادس وفي الساعة السادسة.
70:- هو رقم سنوات سبى بابل لشعب يهوذا، فالله أسلمهم لعبودية ملك بابل مدة 70 سنة ليؤدبهم بسبب وثنيتهم وخطاياهم. ولكنه أسلمهم على رجاء، إذ وعدهم الله بالعودة إلى أورشليم ثانية بعد 70 سنة. ووعدهم أيضًا بهلاك مملكة بابل (إر25 ، 29).
ويصير المعنى:- أنه كما أخضع الله شعب يهوذا لعبودية بابل لمدة 70 سنة عادوا بعدها لأرض الميعاد، هكذا أخضع البشر، بل أخضع الخليقة كلها حتى نهاية الأيام إلى الباطل. ولكن كان هذا على رجاء (رو8: 20). أما عن قطيع المسيح المرموز له برقم 200 فالله أسلمهم للباطل لتأديبهم (راجع 1كو5: 5). وتسليم الخليقة للباطل كان بسبب السقوط في اليوم السادس.
وفى نهاية الأيام يهلك عدو الخير ويلقى في البحيرة المتقدة بالنار، وينجو قطيع المسيح الصغير ليدخل إلى أورشليم السمائية أرض الميعاد الأبدية لشعب الله. وكما وعد الله يهوذا بالعودة إلى أورشليم بعد 70 سنة، يعد الله شعبه بأن فترة التأديب أو فترة خضوع الخليقة للباطل وعذاب السفينة من الأمواج، هي فترة قليلة جدًا قال عنها "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك" (إش54: 7). فعمر العالم منذ سقوط الإنسان لا يتعدى عدة ألاف من السنين وهي لا شيء بالنسبة للأبدية.
ولنرى مشابهات بين قصة السفينة التي نجا ركابها وبين الكنيسة وكيف تنجو:-
*هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ = هذه هي حروب عدو الخير (أف6: 10 - 12). ولقد قال بولس الرسول عن الشيطان عدو الخير "رئيس سلطان الهواء" (أف2: 2). فالرياح هي التي تحرك البحر وتهيج الأمواج، والشيطان هو الذي يهيج العالم ضد الكنيسة، وسبق القول أن البحر يشير للعالم في الكتاب المقدس.
*وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ السَّفِينَةِ + طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ السَّفِينَةَ طَارِحِينَ الْحِنْطَةَ فِي الْبَحْرِ + وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ، جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي الْغَدِ = لكي ينجو الإنسان بحياته يبيع كل شيء لأنه "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟" (مت16: 26) ويقول الرب للشاب الغنى "اذهب بع كل ما لك وإتبعنى" (مر10: 21). يبيع هنا أي لا يكون للإنسان شيء عزيز لديه في هذا العالم، وهذا معنى ما قاله الرسول "فأقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم. والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون. والذين يشترون كأنهم لا يملكون. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول. فأريد أن تكونوا بلا هم" (1كو7: 29 - 32). عموما من يجد اللؤلؤة الكثيرة الثمن، يسهل عليه أن يبيع ما كان لآلئ في عينيه قبل أن يعرف المسيح اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت13: 45 ، 46).
*طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ = المعونة هي النعمة عطية الله للكنيسة في العهد الجديد. فالروح القدس يعين ضعفاتنا (رو8: 26).
*وَبِالْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ الْقَارِبَ + فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ = هذا عن جهادنا اللازم لتعمل معنا النعمة فنخلص "وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران" (1بط4: 18).
*والسفينة تكسرت = إشارة لنهاية العالم. ولكن النفوس نجت بحسب وعد الله لبولس. النفوس نجت ووصلت لجزيرة، رمزا لنهاية صورة هذا العالم ووصولنا إلى أورشليم السمائية.
*وعلى أولاد الله أن يقولوا "سلمنا فصرنا نحمل" (آية15) ويطمئنوا أن السفينة لن تغرق، فكيف تغرق والمسيح فيها (مت8: 23 - 27) وهو أيضًا له السيطرة على البحر والرياح أي على كل الأحداث فهو ضابط الكل، وهذا معنى سير المسيح على البحر الهائج (مت14: 22 - 33). بل وبطرس سار على الماء هو أيضا، طالما كانت عينه مثبتة على المسيح. إذًا المطلوب منا أن نثبت عيوننا على المسيح بكل ثقة فيه فهو ضابط الكل فنحيا في سلام على الأرض وننجو. وعلينا أن لا ننظر للبحر الهائج أي العالم لئلا نضطرب ونفقد سلامنا فنغرق.
← تفاسير أصحاحات سفر الأعمال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أعمال الرسل 28 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أعمال الرسل 26 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5adj7vr