محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
متي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
(مت 1:19-12):-
وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذَا الْكَلاَمَ انْتَقَلَ مِنَ الْجَلِيلِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ. وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». قَالُوا لَهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟» قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي». قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ».
وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ. فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ». ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي».
قضى الرب في الجليل فترة طويلة من خدمته، ولما أكمل الخدمة ترك الجليل ولم يعد إليها إلاّ بعد القيامة. وهنا نراه متجهًا إلى اليهودية وأورشليم للمرة الأخيرة، مارًا بعبر الأردن. وفي زيارته هذه الأخيرة لأورشليم صُلبَ. وفي أثناء هذه الرحلة تدخل أحداث (لو 51:9-34:18). ومنطقة عبر الأردن (بيرية وتسمى الآن الجولان) هي التي كان يوحنا المعمدان يعلم ويعمد فيها (يو40:10).
ليجربوه = كانت هناك مدرستين عند اليهود في موضوع الطلاق:-
1. مدرسة الراباي هليل، وهم يسمحون بالطلاق لكل سبب حتى عدم إجادة الطهي أو حتى لو أعجبت الرجل امرأة أخرى وكره امرأته.
2. مدرسة الراباي شمعي وهي تقيد الطلاق إلاّ لسبب الخيانة فقط.
وسؤال الفريسيين للمسيح هنا في خبث، فهو موجه ضد هيرودس وهيروديا فهيرودس كان قد طلق امرأته بنت الحارث ليتزوج بامرأة أخيه فيلبس. فلو منع المسيح الطلاق لإشتكوه لهيرودس فيقتله كما قتل المعمدان. ولو سمح المسيح بالطلاق لكان أقل من المعمدان جرأة في الشهادة للحق. لكل سبب= أي لكل ما لا يعجبه فيها بحسب مدرسة الرابي هليل. خلقهما ذكرًا وأنثى= الرب هنا يقرر شريعة الزوجة الواحدة، فالله خلق امرأة واحدة لآدم، بالرغم من حاجته لزيادة النسل في الأرض ولأن الله خلق امرأة واحدة لآدم، فكيف يطلقها أو يختار غيرها. يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته= الرابطة الزوجية أقوى من كل الروابط العائلية ولا تفك. فإن كان الرجل لا يمكنه تغيير أباه وأمه مهما سببوا له من المتاعب ، فهو إذًا لا يمكنه تغيير إمرأته التي ترك أباه وأمه بسببها. ولقد سمح موسى بالطلاق، لذلك كان هؤلاء الفريسيون الخبثاء، وكانوا قد سمعوا رأيه بمنع الطلاق أثناء عظته على الجبل (مت 31:5-32) يريدونه أن يكرر رأيه هذا ثانية ليتهموه بأنه كاسر للناموس. أما السيد المسيح فاستغل السؤال ليشرح لهم ولنا أن الزواج سر مقدس= فالذي جمعه هو الله= الله هو الذي جمع الزوجين ليصبحا جسدًا واحدًا. وإذا كان الله هو الذي جمعهما فكيف يفرق الإنسان بالطلاق ما جمعه الله. من أجل هذا يترك.. = من أجل أن يتم سر الزواج ليستقل الرجل عن عائلته ليبني أسرة جديدة.
والكتاب قدس سر الزواج في عدة مناسبات:-
1. هنا يقول عنه السيد المسيح أن ما جمعه الله. إذًا هو رباط إلهي.
2. كثيرًا ما سمعنا في العهد القديم عن اليهود شعب الله أنهم عروس الله (أش 1:50 + هو 2:2).
3. بولس الرسول شبه علاقة المسيح بكنيسته بعلاقة الرجل بامرأته وقال إن هذا السر عظيم (أف 23:5-32).
4. السيد المسيح كرم الزواج بحضوره عرس قانا الجليل (يو2).
5. يقول بولس الرسول "ليكن الزواج مكرمًا عند كل واحد والمضجع غير نجس (عب 4:13) وراجع أيضًا (1تى 1:4-3 + 1كو 10:7-11).
6. المسيح كعريس للكنيسة ترك أباه= أي ترك مجده وأخلى ذاته آخذًا صورة عبد وترك أمه = أي الشعب اليهودي الذي أتى منه بالجسد. ليلتصق بامرأته أي كنيسته.
وموسى لم يوصي بالطلاق، فالسؤال خاطئ فلماذا أوصى موسى أن يُعطَى كتاب طلاق فتطلق. (تث 1:24) لكن موسى أوصى أنه في حالة أن يطلق رجل زوجته يعطيها كتاب طلاق به يمكنها أن تصبح حرة وتتزوج من رجل آخر لو أرادت. والسيد يشرح لماذا سمح موسى بهذا. بأن موسى من أجل قساوة قلبهم أذن أو سمح ولم يوصي بهذا. وإذا كان العهد القديم قد سمح بالطلاق فهو سمح أيضًا بالحلف أما شريعة العهد الجديد فقد منعت كلاهما فهي شريعة النعمة التي تساند من ينفذ الوصايا. وهم في قساوة قلوبهم كانوا سيقتلون نساءهم لو تضايقوا منهن. إذًا طلاق الزوجات كان خيرٌ من قتلهن. بل ربما كان الرجل وهو يكتب كتاب طلاق لزوجته ويعرف أن بهذا الكتاب ستصير لآخر، يرجع عن فكرة الطلاق. والسيد أعطى سببًا واحدًا للطلاق وهو الزنا. فالزنا يجعل الزانية جسد واحد مع الرجل الآخر، وبهذا هي قطعت علاقة الجسد الواحد مع زوجها وبهذا فرب المجد يقيد الطلاق تمامًا إلاّ لعلة الزنا. وبهذا على الزوج والزوجة أن يحتملا بعضهما بثبات للحفاظ على العلاقة التي جمعها الله. ومن يطلق امرأة لغير سبب الزنا ويتزوج بأخرى (عن طريق المحاكم العالمية) فهو يزني، لأن الذي طلقه إنسان، ولكن الله لم يطلقه. ونرجع للقاعدة التي وضعها المسيح ما جمعه الله لا يفرقه إنسان. ومادام الله لم يحكم بالانفصال فهما مازالا جسدًا واحدًا، فكيف يتزوج بأخرى؟ فهذا يكون زنا. فالزنا هو أن يقيم الرجل علاقة مع امرأة أخرى غير زوجته، وزوجته الأولى (التي طلقها بواسطة إنسان) ما زالت زوجته بحسب حكم الله، لذلك قال السيد في (مر11:10) يزني عليها فهي ما زالت زوجته. وإن كان موسى قد سمح بالطلاق فملاخي النبي أعلن عن غضب الله على من يغدر بامرأته (ملا13:2-16) وهنا يصرح أن الله يكره الطلاق. فالمسيح يشرح لهؤلاء القساة روح الناموس وليس حرفه.
وواضح طبعًا أن في كلام السيد المسيح منعًا باتًا من تعدد الزوجات فإذا كان من طلق امرأته (بحكم من المحكمة) يزني إن تزوج بأخرى. فماذا يكون الموقف ممن تزوج امرأة أخرى دون أن يطلق الأولى (حتى بحكم من المحكمة).
فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان = هناك زواج مدني وهو سُنَّة إلهية منذ بدء الخليقة (تك1، 2) ولكن الزواج في المسيحية مختلف، فالزواج يكون ببركة خاصة من الله وبسماح منه وعن طريق وكلاؤه من الكهنة. لماذا؟ ببساطة فالمسيحي حين تعمد فهو صار عضوا في جسد المسيح وخلية حيَّة في جسده. وأي تغيير في صفته لا بُد أن يكون بسماح وبركة ونعمة خاصة يعطيها الله للزوجين ليكونا جسدا واحدًا في المسيح، وخلية متكاثرة في جسده. فهل يحق للمسيحي أن يتزوج بزواج مدني وهو عضو في جسد المسيح دون بركة وإذن من رأس الجسد؟ لذلك يقول الذي جمعه الله...
ونلاحظ في (مر12:10) أن السيد ساوى بين الرجل والمرأة فقال وإن طلقت امرأة زوجها.. واليهود كانوا يعطون حق طلب الطلاق للزوج فقط وليس للزوجة. فكان كلام المسيح هنا غريبًا على أسماع اليهود.
(آية 10):-
قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!»
فلا يوافق أن يتزوج = هذا الكلام معناه أن التلاميذ رأوا في مَنْع السيد للطلاق تقييدًا لحرية الرجل، فقالوا إذًا الأسهل أن يعيش الإنسان بلا زواج حتى لا تضايقه امرأة لا يستطيع أن يطلقها.
(آية 11):-
فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم.
ليس الجميع يقبلون هذا الكلام= ليس كل إنسان يستطيع مقاومة الغريزة الطبيعية التي فيه ويتبتل، بل من يُعطَي معونة إلهية فيصبح أعلى من الطبيعة. هؤلاء أعطى لهم = أُعطِى لهم معونة ونعمة للسمو فوق الطبيعة بدون زواج. هؤلاء أسماهم السيد في آية 12 خصيان خصوا أنفسهم= لا بالمعنى الحرفي كما فعل العلامة أوريجانوس، فالكنيسة تحرم هذا، ولكن المعنى هو زيادة الجهاد والصلوات والأصوام فتزداد النعمة، ويفرح مثل هذا بالمسيح ولا يريد أن يعطله الزواج عن علاقته بالمسيح (1كو 32:7-34) فيمتنع مثل هذا عن الزواج مكرسًا كل حياته وعواطفه لله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أما من يهرب من الزواج بسبب مسئولياته فلا يقال عنه هذا الكلام. فهناك فرق بين البتولية (من امتنع عن الزواج حبًا في المسيح) وبين العزوبية (الهروب من مسئوليات الزواج). ولكن لماذا ذكر السيد المسيح هذا الآن؟ هناك كثيرين تعرضوا لمشاكل في حياتهم الزوجية وحدث انفصال بين الزوجين بسبب هذا. فيأتون مسرعين للكنيسة طالبين الزواج ثانية بينما الطرف الآخر ما زال على قيد الحياة. ويقول هؤلاء كيف أعيش بدون حقي الطبيعي في الزواج. والرب يجيب بأنه من الأفضل أن تحيا هكذا بدون حقك من أن تكسر القانون الإلهي وهذا معنى خصوا أنفسهم هنا.
خصيان ولدوا هكذا = بسبب عيب خَلْقي. وهؤلاء لا يقال عنهم بتوليون.
خصيان خصاهم الناس = كما كانوا يفعلون مع العبيد ليخدموا في بيوت النساء.
الزواج في المسيحية هو سر من أسرار الكنيسة، وأسرار الكنيسة هي حصولنا على نعمة غير منظورة تحت أعراض منظورة. ففي سر الزواج يعطي الروح القدس للزوجان أن يصيروا جسدًا واحدًا في المسيح (أي يتزوجا وينجبا وهم ثابتين في المسيح) ويجمعهما الروح القدس في محبة روحانية [من طقس صلوات سر الإكليل "أعطهم يا رب المحبة الروحانية تجمع بين قلبيهما] والمحبة الروحانية تفترق عن المحبة الجسدانية فالمحبة الجسدانية هي محبة دافعها الأول والأخير الشهوات الجسدية وهذه مصيرها أن تضيع مع الأيام لذلك كثير من الزيجات التي بدأت بالحب انتهت بالطلاق، لأن الحب كان جسديًا فقط.
ولكن من حصل على نعمة الروح القدس في سر الزواج يضع الروح القدس الحب في قلب الزوجين، بل ويزيد هذا الحب مع الزمن طوال العُمر وهذه هي المحبة الروحانية. ولكن لماذا تفشل بعض الزيجات التي تتم بسر زواج؟ سر الزواج مثل أي سر نحصل فيه على النعمة ولكن علينا أن نضرمها. فمثلًا في سر المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه فهل كل معمد هو ميت عن العالم ويتمتع بالحياة المقامة مع المسيح؟ نحن حصلنا على النعمة في سر المعمودية ولكن المستهتر في جهاده يفقد هذه النعمة. مثال آخر:- في سر الميرون يمتلئ المؤمن المعمد من الروح القدس فهل كل من يحصل على السر هو ممتلئ الآن؟ قطعًا لا فهذا يتوقف على جهاده وإلاّ لما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "إضرم موهبة الله التي فيك بوضع يدي (2تى6:1) ويقول لأهل أفسس إمتلئوا بالروح (أف 18:5) إذًا كل من يجاهد يمتلئ. ومن لا يجاهد يطفئ الروح (1 تس 19:5).
وهذا ما يحدث في سر الزواج، فالعروسين يحصلان على النعمة ولكن إن أهملا جهادهما الروحي وعاشا بلا صلاة وبلا صوم وبلا كتاب مقدس وبلا كنيسة تنطفئ النعمة التي حصلا عليها في سر الزواج "لا تطفئوا الروح" وبهذا تختفي المحبة الروحانية إلى كانت تبتلع الخلافات الطبيعية بين أي زوجين، فتكبر الخلافات.. وينتهي هذا البيت في أحيان كثيرة بالطلاق. فالسيد المسيح حين منع الطلاق أعطى لكل زوجين نعمة تصون البيت من الانهيار. ولكن هل يصون الزوجين هذه النعمة بأن تكون لهما علاقة مع الله ويستمروا في جهادهم؟ لو فعلوا لما كان هناك طلاق ولما عانت الأسر المسيحية.
(مت 13:19-15):-
حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلاَدٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ، فَانْتَهَرَهُمُ التَّلاَمِيذُ. أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ». فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ.
وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ. أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ».
راجع تفسير (مت 1:18-6) بعض الآباء قدموا أطفالهم للسيد ليباركهم، أما التلاميذ فانتهروا الأطفال بحسب المفهوم اليهودي الذي يحتقر الأطفال(فلا يصح أن يوجدوا في حضرة المسيح). ولكننا نجد هنا السيد يحنو على الأطفال كما يحنو على كل ضعيف. ومن يقبل للرب في بساطة الأطفال يحتضنه الرب كما احتضن هؤلاء الأطفال (مر16:10) ويباركه. وباركهم= الكلمة اليونانية تعني باركهم بشدة مرة ومرات. ومتى ذكر هذه القصة عن بركة المسيح للأطفال، فالطفل لا يشتهي وبهذا فمن يحيا مثل من ذكرهم السيد "خصوا أنفسهم" فهو كالأطفال. وبهذا يباركه المسيح، فهذه القصة تطبيق على ما سبق، وهي أيضًا تطبيق على ما سيأتي عن الشاب الذي يبيع أمواله فالطفل لا يتعلق بأموال.
(مت 16:19-26):-
وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا». قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». قَالَ لَهُ الشَّابُّ: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُني بَعْدُ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ! وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!». فَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ بُهِتُوا جِدًّا قَائِلِينَ: «إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ».
وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ». فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ. فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ» فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».
وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ قِائِلًا: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فَقَالَ: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذلِكَ قَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: بعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ حَزِنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ قَدْ حَزِنَ، قَالَ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! لأَنَّ دُخُولَ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!». فَقَالَ الَّذِينَ سَمِعُوا: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» فَقَالَ: «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».
هذه القصة مرتبطة بما سبق، فما سبق أن الرجوع لبساطة الطفولة هو شرط لدخول الملكوت، وتحدثنا هذه القصة عن الشرط الثاني وهو عدم الاعتماد على أي شيء أو أي أحد سوى الله.
ومن لوقا نفهم أن هذا الشاب كان رئيس أي رئيس مجمع لليهود أو عضو في السنهدريم لكنه كان صادقًا في سؤاله للمسيح لذلك أحبه يسوع (مر10: 21).وقيل عنه ركض وجثا إذًا هو مهتم ويحترم المسيح. وهو متواضع وليس كالفريسيين المنتفخين ببرهم الذاتي. وليس كباقي الفريسيين المتكبرين الذين يريدون إظهار معلوماتهم فيدخلوا في مناقشات وحوارات الربيين العقيمة مثل "مَن هو قريبي". لكننا نجد أن هذا الشاب لم يتلوث بنجاسات العالم وله اشتهاء فعلي للنمو الروحي ومعرفة الحق والأفضل. والرب بدأ معه أولًا بالخطوة الأولى أي الالتزام بالوصايا، وهذه يسهل كسرها. ويصعد به للدرجة الأعلى وهي أنه يوقِظ الضمير تجاه الخطية. ونجده يقول للمسيح حفظت الوصايا من صِغَري "فماذا يعوزني بعد" (مت 19: 20). ووُجِد هذا السؤال يتكرر للربيين من تلاميذهم وتكون إجابتهم ملاحظة الناموس "لا يوجد شيء أفضل من الناموس". أما المسيح هنا فنجده يجذب لشيء آخر وهو سحب القلب تجاهه والتلمذة له.
ولكن هذا الشاب كان غنيا. وفي حالة شاب صغير يكون هذا المال سببا في انجذاب القلب بعيدًا عن التقوى الحقيقية. وهو سمع عن المسيح ولأنه باحث عن الحق والعمق ذهب للمسيح في خشوع ساجدا وليس كالفريسيين المتكبرين ولذلك نظر إليه الرب وأحبه وعرف نقطة ضعفه. فهو ليرتفع روحيا عليه أن يترك كل شيء ويتبع المسيح ويتتلمذ عليه ويكتشف مع بطرس معنى "إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك" (يو6: 68). إذًا عليه أن يترك كل شيء يمنعه عن الالتصاق بالمسيح، وماذا يمنع هذا الشاب الغني سوى أمواله؟ إذًا عليه أن يعطيها للفقراء ويضيع ثروته الأرضية فيكون له كنزا سماويا. ولكل منا شيء قلبه معلق به في هذه الأرض ليس بالضرورة أن يكون المال، وعلينا أن نتخلى عنه لنلتصق بالمسيح فتكون لنا الحياة السماوية. أما تعليم الربيين فهم إكتفوا بالصدقة للفقراء وكانت ممتزجة بالنفخة والكبرياء.
المسيح لا يطلب منا أن نبيع كل شيء بتطبيق حرفي ولكن أن لا يكون هناك ما نحبه ونتعلق به في هذا العالم أكثر منه، "مَنْ أحب أبا أو أما.. أكثر مني لا يستحقني" (مت 10: 37). فما نحبه أكثر من المسيح يعطلنا عن الكمال. وهذا ما إكتشفه القديس بولس الذي وجد كل شيء في العالم نفاية حينما عرف الرب يسوع [راجع تفسير (في 3: 7، 8)]. لكن طالما كانت هناك في نظرنا أشياء نتعلق بها ونحبها أكثر من المسيح فنحن ما زلنا بعد لم نكتشف من هو المسيح.
[أيها المعلم الصالح.. لماذا تدعوني صالحًا.. ليس صالح إلاّ واحد وهو الله]:- ولاحظ أن 1* المسيح لم يقل له لا تدعوني صالحاً. 2* والمسيح قال عن نفسه، أنا هو الراعي الصالح (يو11:10). 3* ولكن المسيح أراد ألاّ يردد هذا الشاب كلمات مديح وتفخيم بلا فهم كما إعتادوا أن يكلموا معلمي اليهود، إذ يطلقون عليهم ألقاب لا تطلق إلاّ على الله وحده والمسيح لا ينخدع بالألقاب التي تقال باللسان، بل هو يطلب إيمان هذا الشاب القلبي بأنه هو الله، وانه هو الصالح وحده: "مَنْ منكم يبكتني على خطية" (يو 46:8).
ملحوظة:- كان الربيين اليهود يطلقون على أنفسهم ألقاب فخمة مثل (قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَمُهَذِّبٌ لِلْأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلْأَطْفَالِ" (رو2: 17-19)، ويقصد بالأطفال والعميان والذين في الظلمة: هؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن الله. وهذه الألقاب مشحونة كبرياء وبر ذاتي، فهؤلاء المعلمون يعتبرون أنفسهم أنهم هم المستنيرون الذين يفهمون كل شيء أما بقية الشعب فهم قطيع من الجهلة. والمسيح هنا لم يقبل أن يكون مثل هؤلاء الربيين. بل كان هؤلاء المعلمون (الربيون ومنها رابي وربوني) يأمرون الشعب أن يناديهم بهذه الألقاب ومن لا يفعل من الشعب يشتكونه للسنهدريم ليعاقبه.
والمسيح كان يقود الشاب خطوة خطوة. وكانت الخطوة الأولى أن يقوده للإيمان به، أنه هو الله، فبدون الإيمان لا يمكن فعلًا حفظ وصايا الناموس وبالتالي لا يمكن له أن يرث الحياة الأبدية. وإذا آمن هذا الشاب لأمكنه حفظ الوصايا. فكيف يصير كاملًا؟ الخطوة التالية هي التخلي عن الثقة فيما نملكه وأن نضع كل ثقتنا في المسيح هذا هو المعنى المطلوب لقول السيد أذهب بع أملاكك... والسيد بنفسه في (مر 24:10) فسر ما يعنيه بالقول السابق حين قال = ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله = فالبيع معناه أن أفقد اهتمامي بالشيء ولا أعود أعتمد عليه أو أضع فيه ثقتي =اتبعني وبهذا المفهوم يستطيع الغني أن يعطي للفقراء وللمحتاجين من ثروته دون خوف من المستقبل، فالله يدبر المستقبل، ولا يخاف مثلًا أن تضيع ثروته، فالله هو ضمان المستقبل، وليس الثروة. والسيد في إجابته لم يقل أن الأغنياء لن يدخلوا إلى ملكوت السموات بل سيدخلوا إن هم قبلوا الدخول من الباب الضيق = مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله = ثقب الإبرة هو باب صغير داخل باب سور أورشليم الكبير. فهم تعودوا على إغلاق أبواب أورشليم قبل الغروب، وحينما تأتي قافلة متأخرة لا يفتحون الباب الرئيسي، بل باب صغير في الباب الرئيسي. والجمل لا يستطيع أن يدخل من هذا الباب الصغير (ويسمى ثقب الإبرة) إلاّ بعد أن يناخ على ركبتيه (يركع على ركبتيه) وتُنْزَلْ كل حمولته ويُجَّرْ ويُدْفَعْ للداخل. وهكذا الغني لا يدخل ملكوت السموات إلاّ لو تواضع وشعر أن كل أمواله هي بلا قيمة. وتدفعه النعمة دفعا، هذا معنى أنه عند الله كل شيء مستطاع = فالنعمة تفرغ قلب الغني من حب أمواله وتلهب قلبه بحب الكنز السماوي. راجع (1تى 17:6-19). ومعنى الكلام أن الأغنياء يمكنهم أن يدخلوا الملكوت لو قبلوا الدخول من الباب الضيق والنعمة تعين من يريد. والمسيح بإجابته ليس أحد صالح يوجه الكل إلى عدم الرغبة في محبة أي كرامة أو ألقاب مبالغ فيها، وأن ننسب كل كرامة لله لا لأنفسنا. وبقوله اذهب وبع كل أملاكك= هو قد لمس نقطة ضعف هذا الشاب أولًا وهي محبته للأموال.
الله ليس ضد الأغنياء فهو جعل سليمان الملك غنيًا جدًا وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب كانوا من الأغنياء. لكن المهم عند الرب هو أن لا يعتمد أحد أو يضع ثقته في أمواله.
مضى الشاب حزينًا= فالطبيعة البشرية بحكم التصاقها الشديد بمغريات هذا العالم، من العسير عليها جدًا أن تترك العالم باختيارها الطبيعي وتلتحق بالله والروحيات، ولكن بمساعدة نعمة الله تستطيع. هذا الشاب اراد أن يجمع بين حبه لله وحبه للمال ولكن محبة المال هي عداوة لله وأصل لكل الشرور (1تى 9:6-10). والعبادة يجب أن تكون لله وحده. وطالما هذا الشاب معلق بحب المال بهذه الصورة، فيستحيل عليه أن يحفظ الوصايا تمامًا.
والعجيب أن الله يفيض من البركات الزمنية مع البركات الروحية لمن ترك محبة العالم بإرادته (مت 29:19). وهذا ما حدث مع بطرس وباقي التلاميذ، فقد تركوا شباكًا ومهنة صيد وحصلوا على محبة الناس في كل مكان وزمان وعلى أمجاد أبدية.
ولاحظ في (مر19:10) أن السيد يضع من ضمن الوصايا لا تسلب فالرب غير مقيد بحرفية الوصية، بل هو يشرح روح الوصية، والوصية العاشرة تتكلم عن لا تشته بيت قريبك ولا امرأته ولا عبده.. والأغنياء والحكام والرؤساء ومنهم هذا الشاب معرضون بحكم قوتهم ومركزهم أنهم إذا اشتهوا ما لقريبهم أو جارهم يأخذوه منه عنوة أي يسلبوه، وهم أيضًا ينهبون أجر الفعلة (يع 4:5) (راجع قصة أخاب ونابوت اليزرعيلي).
كثيرون من الأغنياء تبعوا يسوع مثل نيقوديموس ويوسف الرامي ولم يطلب منهم أن يبيعوا ما لهم ولكنه طلب هذا من الشاب لأنه كان متعلقًا بأمواله وأحبها أكثر من الله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فكانت أمواله هي التي تمتلكه وليس هو الذي يمتلكها. لذلك تصلي الكنيسة "صلاحًا للأغنياء". الله خلق العالم والمادة والأموال لنستعملها لا لتستعبدنا، وبهذا بدلًا من أن تسند الأموال الناس ربطت البعض في شباك التراب، والسيد شرح أن العيب ليس في المال بل القلب المتكل على المال (كما شرح هذا إنجيل مرقس إذ قال ما أعسر دخول المتكلين على الأموال..). ولما سمع التلاميذ هذا التعليم بهتوا إلى الغاية.. قائلين.. فمن يستطيع أن يخلص = لقد أدرك التلاميذ صعوبة الطريق بسبب إغراءات المال، وهم يعلمون أن الناس منكبين على المال لا يستطيعون أن يتخلوا عنه. واليهود كانوا يعتقدون أن لا شيء يفضل على الماديات.
واضح أن هذا الشاب كان يبحث عن طريق الكمال، لقد حفظ وصايا الناموس فماذا بعد؟ ماذا يعوزني بعد (مت 20:19) إذًا هو يطلب الكمال الذي فوق الناموس، ولا كمال فوق الناموس سوى المسيح الذي قال جئت لأكمل. لذلك حين قال الشاب للسيد "أيها المعلم الصالح" كان رد المسيح يعني "أنت لا تؤمن إني الله، وارتدائي للجسد قد ضللك فلماذا تنعتني بما يليق بالطبيعة العلوية وحدها مع أنك لا تزال تحسبني إنسانًا مثلك" وبهذا كان المسيح يجتذبه للإيمان به كابن لله فهذا هو طريق الكمال، وإذا آمن به وجد فيه كل كفايته، وَجَدَ فيه اللؤلؤة الكثيرة الثمن، حينئذ يسهل عليه بيع اللآلئ الكثيرة التي لديه أي يبيع أمواله، ويضع كل اعتماده واتكاله عليه فقط.
في الثلاثة أناجيل تأتي قصة ذلك الشاب الغني وقول المسيح أن من العسير دخول الأغنياء إلى الملكوت، مباشرة بعد قصة مباركته للأطفال وقوله أن لمثل هؤلاء ملكوت السموات، فالأطفال في بساطتهم وعدم تعلقهم بالعالم يسهل دخولهم للملكوت، أمّا من تثقل بمحبة العالم فمثل هذا يصعب دخوله للملكوت. وبهذا فالإنجيل يعرض صورتين متناقضتين إحداهما للحياة والأخرى للموت ليختار كل إنسان بينهما (تث 10:30). الصورتين إحداهما تصور البساطة مع غِنَى الله والملكوت والأخرى تصور غِنَى العالم ومجده وهو زائل وفاني وسوف نتركه.
ليس معنى هذه القصة أن الفقراء سيدخلون الملكوت بلا نقاش، فهناك فقراء بلا قناعة، متذمرين، يلعنون الزمان الذي جعلهم فقراء هكذا، يشتهون المال ضمانًا لمستقبلهم، غير شاكرين الله على ما أعطاهم، فهؤلاء والأغنياء هم وجهان لعملة واحدة. العُملة هي عدم الاتكال على الله.
(مت 27:19-30 + مر 28:10-31 + لو 28:18-30):-
(مت 27:19-30):-
فَأَجَابَ بُطْرُسُ حِينَئِذٍ وَقَالَ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.
وَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولًا، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ».
فَقَالَ بُطْرُسُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». فَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ وَالِدَيْنِ أَوْ إِخْوَةً أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا مِنْ أَجْلِ مَلَكُوتِ اللهِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ فِي هذَا الزَّمَانِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ».
بطرس هنا يقارن بينه وبين الشاب الغني الذي رفض بيع أمواله وربما كان بطرس يريد أن يطمئن على نفسه. ولكن لنسأل بطرس ماذا تركت وماذا أخذت؟ بطرس ترك شباكًا بالية وربما تركها لأنه ظن أنه يحصل من المسيح على مجد زمني حين يملك المسيح. والمهم أن ندرك أن كل ما نتركه لن يزيد عن كونه أشياء بالية، بجانب ما سنحصل عليه من أمجاد في السماء وتعزيات على الأرض= مئة ضعف = ربما ينظر الإنسان بفخر أن ما تركه لأجل المسيح كان شيئًا ذو قيمة، لكن حقيقة فإنه لا يوجد في العالم شيء له قيمة. والله يعطي الكثير لمن يترك فهناك حقيقة مهمة.."أن الله لا يحب أن يكون مديونًا" ولكن لاحظ الآية في (مر 30:10) يأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان.. مع اضطهادات حقًا سيعوض الله من يترك العالم بخيرات زمنية مع تعزيات، ولكن لا ننسى أننا طالما نحن في العالم، فالاضطهادات والضيقات هي ضريبة يفرضها العالم ورئيسه على من يحتقر العالم ويختار الحياة الأبدية، والله يسمح بهذه الضيقات 1) حتى لا يتعلقوا بالماديات ويفقدوا شهوتهم للسماء 2) بهذه الضيقات نَكْمُلْ ونزداد نقاوة 3) خلال الضيقات تزداد تعزيات الله 4) من يشترك مع المسيح في الصليب سيكون شريكه في المجد. تجلسون على إثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل = سيكون التلاميذ في يوم الرب العظيم كديانين للأسباط الإثني عشر، لأن ما كان ينبغي لهؤلاء أن يفعلوه، أي أن يؤمنوا بالمسيح ويكرزوا به ويكونوا نورًا للأمم قد تخلوا عنهُ ولم يقوموا به، ولكن التلاميذ وهم من شعب اليهود أي لهم نفس ظروف اليهود قد قبلوا المسيح وآمنوا به وكرزوا به وصاروا نورًا للعالم، بل هم تركوا كل شيء لأجله. فماذا سيكون عذر اليهودي الذي رفض المسيح وهو يرى أمامه التلاميذ الذين هم مثله في كل الظروف في مجد عظيم بسبب إيمانهم بالمسيح. مئة ضعف= الذي يقبل أن يترك من أجل المسيح سيعوضه المسيح هنا في هذه الأرض بكل الخيرات المادية التي يحتاجها والأهم التعزيات السماوية. فالراهب أو البتولي الذي يرفض الزواج يُحرم من وجود زوجة وأبناء له، ولكنه يتقبل من الله سلامًا فائقًا ولذة روحية خلال إتحاده مع عريس نفسه يسوع، هذه اللذة تفوق كل راحة يقتنيها زوج خلال علاقته الأسرية. وكل هذا ما هو إلاّ عربون ما سوف يناله من مجد أبدي.
لاحظ قوله إخوة وأخوات وأولادًا.. وامرأة = هذه شريعة الزوجة الواحدة، فلم يقل من يترك نساء بل امرأة. والترك يعني محبة المسيح أكثر وهناك شرط أن يكون الترك لأجل المسيح وليس لأي غرض آخر = لأجلي ولأجل الإنجيل= لأجل خدمة كلمة الإنجيل.
أولون يكونون آخِرين= هؤلاء هم من آمنوا أولًا ثم ارتَدُّوا. والمقصود بهم اليهود والفريسيين فهؤلاء كانوا شعب الله لكنهم إذ رفضوا المسيح رُفِضُوا ويقصد بهم الأغنياء والملوك، فهم هنا أولون وفي الآخِرة آخِرون والآخِرون أولين = هؤلاء مثل الأمم كانوا في وثنيتهم آخِرون وآمنوا بعد ذلك فصاروا أولون. وتشير للرسل والتلاميذ، فهؤلاء كانوا فقراء معدمين محتقرين في الدنيا فجعلهم المسيح أولون. وكان من ترك حقه في هذا العالم ليصير آخِرًا (أي يضع نفسه في آخر الصفوف) يجعله المسيح أولًا. وفي مرقس ولوقا يأتي بعد هذا مباشرة نبوة المسيح عن آلامه وصلبه وكأنه بهذا يضع نفسه كأعظم نموذج للترك، إذ ترك مجده أخذًا صورة عبد متألم يصلب في نهاية الأمر..ولكن بعد هذا يقوم ويصعد ويجلس عن يمين الآب.. فهل نقبل أن نترك شيء لنحصل على هذا المجد المُعَد لنا.
الآية (مت28:19):- فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ = هؤلاء الرسل البسطاء غير المنتفخين والمتكبرين أحبوا المسيح وتبعوه وهو في حال تواضعه، إذ أخلى ذاته "لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ" (في 7:2). ولكنهم كما جاء على لسان القديس بطرس الرسول إذ أدركوا أنه هو من يشبعهم بكلام الله "يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ" (يو68:6).
التجديد = الله خلق العالم على غير فساد، بل قال حين أتم خلقة العالم "وَرَأَى ٱللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا" (تك31:1). وبالخطية دخل الفساد والموت واللعنة إلى العالم. والله لم يقبل أن تفسد خليقته، وكان أن تجسد المسيح، والمسيح أتى ليجدد ما قد فسد في هذا العالم: وبدأ المسيح عمله بالتعليم، وبعد أن إنتهى من التعليم، أسلم ذاته ليُصلب ثم يقوم ليميت الخليقة القديمة ويقيم خليقة جديدة "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: ٱلْأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (2كو17:5).
*ووضع الله في العهد القديم قبل تجسد المسيح، شرائع وطقوس تقوم على أطعمة وغسلات وذبائح كرمز لعمل المسيح، قال عنها القديس بولس الرسول "وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ ٱلْإِصْلَاحِ" (عب10:9). ولكن ناموس العهد القديم كان ظلاً للخيرات العتيدة: "لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ" (عب1:10).
*ونحن الآن في العهد الجديد حصلنا على الخليقة الجديدة فعلا بالمعمودية ونثبت في المسيح بالإفخارستيا ويسكن فينا الروح القدس. "مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا، بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ ٱلْآنَ فِي ٱلْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي ٱلْإِيمَانِ، إِيمَانِ ٱبْنِ ٱللهِ، ٱلَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِي" (غل20:2). ولكن في ظل هذا الإيمان تتكون الكنيسة جسد المسيح. وهذه المرحلة، مرحلة بناء الكنيسة هي مرحلة ضيق للرسل وللخدام "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو33:16). وليست مرحلة يطلب فيها خدام الله كرامات زمنية كما يقول القديس بولس الرسول. "فَإِنِّي أَرَى أَنَّ ٱللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِٱلْمَوْتِ. لِأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلَائِكَةِ وَٱلنَّاس. نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي ٱلْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلَا كَرَامَةٍ. إِلَى هَذِهِ ٱلسَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ ٱلْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ٱلْآنَ" (1كو4: 9-13).
*وكان فداء المسيح وتأسيسه لسر المعمودية هو لكي نموت مع المسيح ونقوم بخليقة جديدة ولنا حياة المسيح. وبسر الميرون يسكن فينا الروح القدس ويكمل عمل التجديد. فالمعمودية لا تعطل حريتنا، والعالم قال عنه القديس يوحنا الرسول "نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ ٱللهِ، وَٱلْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي ٱلشِّرِّيرِ" (1يو19:5). لذلك نجد أن الله في سر المعمودية يمنحنا الروح القدس الذي يعلمنا ويذكرنا دائما بتعاليم وأقوال الرب يسوع: "يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو26:14) ويبكتنا (يو8:16) ويعين ضعفاتنا (رو26:8) فيكمل عمل التجديد "لَا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغُسْلِ ٱلْمِيلَادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (تي 5:3).
*ثم بعد أن تنتهي مرحلة بناء الكنيسة، تأتي النهاية ويأتي المسيح في مجد عظيم جالساً على عرشه ليدين الخليقة "قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: «ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ". وهنا يعطي المسيح ليس فقط كنوزًا أرضية لمن تبعه، بل يعطي لهم كرامة في السماء = [تجلسون على إثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل].
وينتهي التجديد بتأسيس السموات الجديدة والأرض الجديدة لنحيا فيها أبديًا (إش17:65 + رؤ1:21). فتجديد الخليقة بدأه المسيح هنا على الأرض وسينتهي بالمجيء الثاني. ومن تبعه في صورة تواضعه سيتمجد معه أيضاً حينما يجلس على عرشه، كما قال القديس بولس الرسول "فَإِنْ كُنَّا أَوْلَادًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ ٱللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ" (رو17:8).
← تفاسير أصحاحات إنجيل متى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير متى 20 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير متى 18 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pbd9683