محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
متي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ
ولما نزل من الجبل تبعته جموع= ورآهم وتحنن عليهم وخاطبهم ببعض ما قاله من قبل في عظته على الجبل (لو 17:6-26) نزل من الجبل = إشارة لنزوله من السماء ليشفي طبيعتنا من الخطية (يشير لها البرص).
وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا: «أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمِ الْقُرْبَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ».
قَدَّم السيد المسيح أولًا التعاليم المحيية، ثم ها هو يقدم الشفاء. فهدف المسيح الأساسي هو التعليم وليس شفاء الأمراض، فالتعليم هو الذي سيقدم الشفاء من مرض
الخطية إذ يرينا طريق الثبات في المسيح فنحيا في مجد أبدي. والإنجيليون قدموا لنا بعضًا من المعجزات التي صنعها السيد ليقدموا لنا فكر الله من نحونا. بل أن السيد المسيح كان بمعجزاته يستعلن لنا محبة الله الآب. فهو حينما يشفي أبرصًا أو أعمى أو يقيم ميت فهو يريد أن يقول إرادة الآب من نحوكم هي الشفاء والبصيرة والحياة. والآب قطعًا لا يريد لنا أن نُشفَى من أمراضنا الجسدية ثم نهلك أبديًا، لكن إرادة الآب من نحونا هي شفائنا روحيًا وأن تكون لنا البصيرة الروحية أي أن نعاين الله وأن تكون لنا حياة أبدية (والأمراض قد تكون وسيلة يستخدمها الله للشفاء الروحي، وهذا حدث مع بولس ومع أيوب) والمسيح صنع معجزات مع اليهود ومع الأمم فهو يعلن أنه أتى لخلاص الجميع. والمسيح قطعًا استخدم المعجزات لجذب الناس، وليعرفوا قوته فيقبلوا على سماع تعاليمه، وحتى الآن فالمعجزات التي تحدث بأسماء قديسين كثيرين هي لجذب مؤمنين كثيرين تنفعهم المعجزة في تثبيت إيمانهم.أبرص= البرص هو رمز للخطية (راجع كتاب اللاويين).
وسجد = هو يقدم العبادة والخضوع قبل أن يقدم مشكلته، يطلب ما لله قبل أن يطلب ما لنفسه. ولذلك تبدأ كنيستنا في كل مناسبة صلواتها بصلاة الشكر.
إن أردت تقدر= هذه صلاة إيمان بقدرة المسيح على الشفاء أريد فأطهر= المسيح يعلن سلطانه على البرص وإرادته الطيبة نحو خليقته. وصاحب كلمات السيد وإرادته عمله مد يسوع يده ولمسه ونلاحظ أن من كان يتلامس مع أبرص يتنجس ويحتاج إلى أن يتطهر، لكن السيد الرب القدوس لم يكن ممكنًا للبرص أن ينجسه، بل البرص يهرب من أمامه "فالنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه" (يو5:1). وهو يدخل إلى أي نفس مهما كانت نجاستها ليطهرها. والمريض كان يحتاج إلى لمسة يد الرب ليدرك حنانه عليه، فهو لم يكن محتاجًا فقط للشفاء الجسدي، بل إلى لمسة حنان ليدرك محبة الرب له.
أنظر أن لا تقول لأحد
= كان اليهود في انتظار ظهور المسيا ليخلصهم من حكم الرومان، وبهذا القول الذي إستعمله السيد مرارًا كان يتجنب أن يأخذوه عنوة ليجعلوه ملكًا فتحدث ثورة وسط الشعب تثير السلطات، والمسيح لم يأت ليكون ملكًا أرضيًا. بل أن هذا سيثير الكهنة والكتبة فيخططون لموته قبل أن ينهي تعليمه. والسيد يهتم بالتعليم أكثر من المعجزات.* كان الربيون يضعون طرقا لعلاج الأمراض بعضها طبية وبعضها سحرية. ولكنهم أبدا لم يتعرضوا لمرض البرص، فهو مرض لا يشفيه إلا الله وحده. وإعتبروا البرص نوع من الموت الأخلاقي والمعنوي. ومنع الأبرص من أي اتصال بالآخرين. ويتم تمييز الأبرص بشكل خاص تتضح في ملابسه ويترك شعره دون تهذيب، ويغطى نصف وجهه الأسفل وشفته العليا ويصرخون نجس نجس. وقد يكون كل هذا كوسيلة حماية من العدوى أو بحسب الشريعة. ويمنع دخولهم إلى الهيكل بل وكل أورشليم، بل وأي مدينة مسورة. وفي حال دخولهم يعاقبون بالجلد 39 جلدة. ولا يخالطون سوى البرص مثلهم. وكان من المفهوم أنه لا شفاء من البرص سوى بتدخل إلهي. وكان أي من له خبرة يقوم بفحص الأبرص ولكن من يعلن طهارته ويعتمدها هم الكهنة. وفي ترتيب النجاسة يعتبر الميت هو الأكثر نجاسة ويليه الأبرص مباشرة (هناك عدة أسباب للنجاسة ويسمونها أبو النجاسات وأولها الموت ثم يليه مرض البرص)، وإن دخل الأبرص إلى أي مكان ينجسه بالكامل. وكان الرابي "مير" لا يأكل بيضة تم شراؤها من شارع كان به أبرص. ورابي آخر كان يرميهم بالحجارة ليبتعدوا عنه. وكان الربيين ينسبون المرض لأسباب أخلاقية، فلا موت بدون الخطية. وهذا صحيح ونفهم هذا من الخطية الأصلية. وقالوا إن العقم والبرص هي من أمراض التأديب. ويقولون أنه لا شفاء سوى بغفران كل الخطايا. حقًا كانوا بؤساء.
لقد تسلل هذا الأبرص من الربيين الذين يمنعون دخول البرص، وذهب للمسيح قائلا "إن أردت تقدر أن تطهرني". ولمس المسيح هذا الأبرص وشفاه، عكس ما كان يفعله الربيين. فلهؤلاء البؤساء بل وكل البشر الذين أذلتهم الخطية وجعلتهم عاجزين وبلا رجاء أتى المسيح ليشفيهم. وقطعا كان شفاء الأبرص آية تظهر من هو المسيح وما هي قدرته المطلقة. فأتى إليه الكثيرين من المعذبين.
أر نفسك للكاهن
= فالسيد يحترم الشريعة، وهو لم يأت لينقض الناموس وهو أراد أن يُظهر للكهنة أنه قادر على شفاء البرص فيدركوا أنه المسيا فشفاء البرص هو من الله فقط. ولقد بدأ القديس متى معجزات المسيح بهذه المعجزة، فالبرص كما قلنا رمز للخطية، والمسيح أتى لشفاء البشرية من الخطية أساسًا. والقديس متى هنا يشرح لليهود معنى الخلاص وأنه ليس خلاصا من الرومان بل من الخطية التي يرمز لها البرص، لذلك كانت أولى معجزاته شفاء أبرص.
فَأَتَى إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِيًا وَقَائِلًا لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي» فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: «أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ وَطَهَرَ. فَانْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ، وَقَالَ لَهُ: «انْظُرْ، لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئًا، بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ». وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَابْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيرًا وَيُذِيعُ الْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِرًا، بَلْ كَانَ خَارِجًا فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ، وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.
بدأ القديس مرقس معجزات المسيح بمعجزة إخراج روح نجس (مر 1: 23 – 28)، فالمسيح أتى ليخلص البشرية من سلطان إبليس. ومرقس يكتب للرومان وبهذا يظهر قوة المسيح على الأرواح التي تخيف البشر. بهذه المعجزة أراد مرقس أن يقول للرومان إن ملوككم هزموا جنودًا هم بشر، أما ملكنا ابن الله فله سلطان على القوى الخفية التي أخافت كل
البشر حتى ملوككم كل زمان. وبعد أن تكلم مرقس عن سلطان المسيح على الأرواح النجسة إنتقل لمعجزات الشفاء وذكر كما نرى في هذه الآيات شفاء أبرص.وقول المسيح له أر نفسك للكاهن= فهذا لأن هذا الشخص كان معروفًا بأنه أبرص، وكان معزولًا لا يستطيع أن يحيا وسط المجمع ويحتاج لشهادة من الكهنة بأنه قد برأ ليعود لحياته الطبيعية.تحنن= هذه هي محبة الرب يسوع. فإنتهره = هذه أتت بعد تحنن فلا نفهمها بأن السيد زجره، بل نبهه لعدم العودة للخطية.
أماَ متى فإذ يكتب لليهود يبدأ بمعجزة شفاء أبرص، فاليهود يعرفون أن البرص هو ضربة غضب من الله، ولا يشفيه سوى الله. فيفهمون أن المسيح هو الله .
وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصًا. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا: «أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «امْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ». فَذَاعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَاجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي.
يبدأ القديس لوقا أيضًا إنجيله بأول معجزات السيد وهي معجزة إخراج روح نجس، إذ يكتب لليونانيين والرومان (لو 33:4).
أريد فأطهر= كلمة أريد تُظْهِر ألوهية السيد المسيح، فهولا يطلب ولا يصلي لله ليشفي المريض، بل إرادته تشفي المريض. ولاحظ قوله فأطهر لأن البرص في نظر اليهود نجاسة.
آية (16):- حين نرى السيد المسيح يصلي أفلا ندرك احتياجنا للصلاة وحين نراه يختلي، أفلا ندرك احتياجنا للخلوة والهدوء مع النفس والتأمل في كلمة الله. والمسيح يصلي كممثل ونائب عنا.
ونلاحظ أسلوب القديس لوقا كطبيب إذ يقول رجل مملوء برصًا= بينما أن مرقس ومتى يقولان رجلًا أبرص فلوقا كطبيب يحدد مدى انتشار المرض. فهذا الرجل كان في حالة متأخرة من المرض. فالبرص يمتد ويغزو الجسم.
وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «يَا سَيِّدُ، غُلاَمِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجًا مُتَعَذِّبًا جِدًّا». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ». فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائْتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ». فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ». ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: «اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ». فَبَرَأَ غُلاَمُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.
وَلَمَّا أَكْمَلَ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ. وَكَانَ عَبْدٌ لِقَائِدِ مِئَةٍ، مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ عَزِيزًا عِنْدَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ عَنْ يَسُوعَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى يَسُوعَ طَلَبُوا إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ مُسْتَحِقٌ أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هذَا، لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا، وَهُوَ بَنَى لَنَا الْمَجْمَعَ». فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنِ الْبَيْتِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدُ الْمِئَةِ أَصْدِقَاءَ يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لاَ تَتْعَبْ. لأَنِّي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. لِذلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلًا أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ، لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائْتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ». وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، وَالْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: «أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا!». وَرَجَعَ الْمُرْسَلُونَ إِلَى الْبَيْتِ، فَوَجَدُوا الْعَبْدَ الْمَرِيضَ قَدْ صَحَّ.
ملحوظة:
من العجب أن كل قادة المئات الذين تقابلنا معهم في الإنجيل كانوا صالحين (مثال آخر: كرنيليوس) وربما لأن رقم 100 يرمز لقطيع المسيح الصغير الذي لو ضل منهم واحد يفتش عليه حتى يعيده. والمسيح هو قائد هذا القطيع الـ100 ورأسه.هنا نحن أمام رجل أممي أي وثني، وضابط، ولكن اهتمامه بعبد عنده يظهر تقواه، فالرومان يعاملون العبيد على أنهم أقرب للحيوانات وهذا يطلب شفاء عبده. ولكن واضح أنه تأثر بالعبادة اليهودية وعرف الله ثم سمع عن المسيح وأحبه.هذا إنسان تغير قلبه إذ تلامس مع الله. بل هو في محبته بنى مجمعًا لليهود وفي قصة القديس لوقا نجد أن هذا القائد في تواضع وجد نفسه غير مستحقًا أن يذهب للمسيح فطلب من اليهود أن يكلموا لهُ المسيح، أمّا القديس متى فقد أورد القصة على لسان القائد نفسه فالشيوخ اليهود هم مندوبون عنه. ولاحظوا تواضع هذا القائد إذ هو لا يعلم عن المسيح سوى أنه معلم يهودي وليس هو يهوه ومع هذا يقول له "لست مستحقًا.." فهو يعلم أن اليهود لا يدخلون بيوت الوثنيين لئلا يتنجسوا.
هذه القصة رمزيًا تشير للأمم المعذبين من سلطان الشيطان والخطية عليهم وصراخهم للمسيح. أنا آتي وأشفيه فيه إعلان أن السيد المسيح أتى ليشفي الأمم كما يشفي اليهود، وأن المسيح لا يستنكف من دخول بيوت الخطاة ولا الأمم فهو يقدس ولا يتنجس، بل هو يدخل ليشفي ويحطم الوثنية ويعطي الشفاء الروحي للنفوس. ولقد ظهرت عظمة هذا الأممي
في إيمانه، أن المسيح بكلمة منه، له سلطان على أن يشفي.تحت سقفي = فاليهود لا يدخلون تحت سقف الأمم أي بيوتهم.
كثيرين سيأتون من المشارق..: هذا إعلان عن دخول الأمم للإيمان ويتكئون= هذه صورة الجلوس في الولائم (مت 10:22-11) (عشاء العرس) أما بنو الملكوت = هم اليهود الذين رفضوا المسيح فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هم حسبوا كأبناء الملكوت لأن لأجلهم أعد الملكوت. المسيح يجمع المؤمنين في جسد واحد هو رأسه. وهو ينير له. والظلمة الخارجية هي خارج مكان الوليمة الذي ينيره المسيح بنفسه (رؤ 5:22) أي خارج جسد المسيح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولنلاحظ أن من عاش في ظلمة داخلية يستحق أن يُلقى في الظلمة الخارجية، كإعلان عما هو فيه وأنه خاضع للشيطان سلطان الظلمة. البكاء وصرير الأسنان = هذا يشير لقيامة الجسد ليشترك مع النفس في الجزاء. يتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب= من هنا أخذنا ما نقوله في أوشية الراقدين "نيح نفس عبدك في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب.
آية (10):-
تعجب = نسمع مرتان أن الرب يسوع تعجب: 1) من إيمان هذا القائد الأممي؛ 2) من عدم إيمان اليهود بني جنسه في الناصرة (مر 6:6).المسيح هنا تعجب لأن اليهود لهم كل هذا الكم من الكتب المقدسة والهيكل و.... ولم يخرج منهم هذا الحب لله، لم يخرج مثل هذا النموذج
الرائع، الذي وهو بلا كل هذه البركات، بل هو قائد روماني وثني له وحشية في طباعه لكنه من خلال معاملته مع اليهود تأثر هكذا وصار رقيق الطباع. أما اليهود أنفسهم فحالهم رديء.أن قائد المئة أرسل أولًا للسيد المسيح بعض اليهود إذ حسب نفسه غير مستحق أن يذهب للمسيح، ولما شعر بقبوله له ذهب بنفسه. وركز متى على كلام السيد مع قائد المئة مباشرة وركز لوقا على كلمات السيد لليهود وربما هذا بسبب أن متى يكتب لليهود فهو يريد إثارة حماستهم وغيرتهم إذ يجدوا أن الأمم لهم علاقة بالمسيح بل قد سبقوهم (رو 19:10، رو 14:11). ولوقا إذ يكتب للأمم يوضح لهم فضل اليهود في خلاص الأمم، فالمسيح أتى منهم، وهاهم يتوسطون لشفاء الأمم، وهذا ليقبل الأمم اليهود بمحبة. لأني أنا أيضًا تحت سلطان. لي جند= هو كقائد مئة يخضع لرئيس له ربما يكون قائد ألف وينفذ أوامره. وهو له جند أيضًا ينفذون أوامره. وهو هنا يتصور أن المسيح خاضع لسلطان الله وله سلطان على الأمراض والشياطين وخلافه. وبهذا التصور لم يخطر على بال هذا القائد أن المسيح هو الله نفسه. بل ما فهمه هذا القائد أن المسيح قد أعطاه الله سلطان وهو قادر أن يستخدم هذا السلطان بكلمة ويشفي الغلام.
فلما سمع عن يسوع= هذا هو واجب كل منا أن نخبر عن يسوع إن لم يكن بالكلام فبالأفعال.
الخلاف في رواية متى لقصة الشفاء ورواية لوقا للقصة:- متى يجعل الحديث مباشرة بين قائد المئة الوثني وبين الرب يسوع، بينما لوقا يجعل هذا الحوار من خلال اليهود الذين يشهدون لقائد المئة أنه مستحق لأنه بنى لهم المجمع. وخلاف آخر فمتى يذكر إعجاب المسيح بإيمان قائد المئة وأنه سيكون للأمم نصيبا في الملكوت بينما يطرح بنو الملكوت (اليهود الرافضين للمسيح) خارجا. وقد حذف لوقا هذا الكلام. فإذا فهمنا أن متى يكتب لليهود بينما لوقا يكتب للأمم، فيبدو واضحا أن كلاهما يقوم بمحاولة مصالحة الأخ الأكبر (اليهود) مع الأخ الأصغر الذي كان ضالا وعاد (الأمم خلال إيمانهم بالمسيح). فيظهر متى أن الأمم لهم نفس نصيب اليهود، وأنه سيكون لكلا اليهود والأمم الذين يؤمنون مكانا في حضن إبراهيم وإسحق ويعقوب. بينما لوقا يظهر تعاطف اليهود مع الأمم. وأيضًا يُظهر أن باليهود صار شفاء الأمم.
ملحوظة:- هذه الخلافات بين الإنجيليين لا نعتبرها دليلا على خطأ في الإنجيل الموحى به من الروح القدس، فكما رأينا فهناك حكمة وراء هذا الخلاف. وما لابد أن نفهمه أن الإنجيليين ليسوا مؤرخين. بل هم أصحاب فكر يريدونه أن يصل للقارئ وهم مقودين بالروح القدس. بل ومن المهم أننا إذا وجدنا خلافا بين روايتين فعلينا دراسة هذا الخلاف لنستنتج الفكرة من وراءه، والتي يريدنا الروح القدس أن نفهمها.
ولم يكن سؤال القائد "هل يقدر يسوع أن يشفي الغلام" بل كان سؤاله "هل يقبل يسوع أن يشفي الغلام". هنا نفهم أنه وضع يسوع على قمة شعب اليهود ومعلميهم وشيوخهم، فرأى نفسه غير مستحقا أن يكلم المسيح مباشرة. فكلم شيوخ اليهود أن يكلموا هم المسيح بالنيابة عنه إذ حسب نفسه غير مستحق أن يكلم المسيح شخصيا فهو وثني. تواضع هذا القائد جعله في قائمة من قال عنهم الرب يسوع "المساكين بالروح" فإستحق التطويب.
يتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات = لاحظ أن المسيح هنا يتكلم باللغة التي يفهمها اليهود في ذلك الوقت. فكان هناك إيمان عام أنه يوم يفدي المسيا إسرائيل، سيُدعَى اليهود إلى عيد عظيم ووليمة عظيمة مع الآباء البطاركة ومع أبطال الإيمان من اليهود، وهي فكرة مأخوذة من أقوال الأنبياء كما في (إش25: 6). وفي كل سبت وليمة ضخمة لتكريم اليهود، يقدم فيها لحوم من كل أنواع الحيوانات مثل لوياثان وبهيموث المذكورين في سفر أيوب وطيور ضخمة وأوز ضخم مخصص لعيد يوم السبت العظيم. أما الخمر التي ستقدم لهم فهي معتقة من بدء الخليقة. وطبعا لا مكان للأمم في هذا اليوم مع اليهود. أما كلام المسيح هنا فكان أن الأمم سيشتركوا مع اليهود في هذا اليوم.
الظلمة الخارجية، البكاء وصرير الأسنان = هناك جهنم ودخانها أبدي، هذا أيضًا تصوير يهودي للمكان المعد للأمم ولكن الرب غَيَّرَ المفهوم اليهودي وجعله لغير المؤمنين عموما. وقال اليهود أنه في يوم المسيا سيخرج المسيا اليهود الخطاة الذين كانوا هناك وهذا بركة الختان، فهم مختونين. وقال اليهود عن الأمم أنهم بنو جهنم حيث البكاء وصرير الأسنان. وهذا البكاء دليل الأسف، أما صرير الأسنان دليل الغضب (مز112: 10). بينما أن اليهود هم بنو الملكوت (مت8: 12) هم أولاد الملك، أولاد السماء، أولاد الدهر الآتي، مكانهم في الأعالي (فقالوا أنهم أولاد العلية، والعلية توجد أعلى المنزل) وفي يوم المسيا سينشدون نشيد الحرية (خر15). وهذا راجع لأن الأمم رفضوا الناموس بينما قبله اليهود.
وواضح الصدمة التي حدثت لليهود حينما سمعوا كلام المسيح والذي كان ضد أفكارهم، وأن الأمم الوثنيين الذين يؤمنون لهم نفس حقوق اليهود الذين يؤمنون. وأن اليهود بنو الملكوت الذين لن يؤمنوا سيكون مصيرهم الظلمة الخارجية.
(مت 14:8-17 + مر 29:1-34 + لو 38:4-41):-
(مت 14:8-17):-
وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا».
وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى حَالًا وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، إِذْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ وَالْمَجَانِينَ. وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى الْبَابِ. فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَدَعِ الشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ.
وَلَمَّا قَامَ مِنَ الْمَجْمَعِ دَخَلَ بَيْتَ سِمْعَانَ. وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا! وَفِي الْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ. وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ!» فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ.
هنا نرى السيد المسيح يشفي حماة بطرس، فالسيد يهتم ببيت خادمه أو تلميذه، فعلى الخادم أن يقدم عمره كله للمسيح ولا يفكر في أموره الخاصة، والمسيح يتكفل باحتياجات بيته. وكلما خدمنا المسيح يخدمنا المسيح.
فقامت وخدمتهم= دليل الشفاء الفوري والكامل ( لم توجد فترة نقاهة) . ونرى هنا أن دليل الشفاء الروحي هو خدمة الآخرين، حينما حل المسيح في بطن العذراء ذهبت لتخدم أليصابات. فلمس يدها= المسيح كان يمكن أن يشفي بمجرد كلمة منه. ولكن كان يلمس في بعض الأحيان المرضى ليعلمنا أن جسده المقدس كان به قوة الكلمة الإلهي وهذا لنفهم أنه إذا إتحدنا بجسده المقدس يمكن للنفس أن تُشفى من أمراضها وتقوى على هجمات الشياطين.وهذه المعجزة جذبت كثيرين فأتوا، والسيد شفى كثيرين. وربما من لم يحصل على الشفاء، كان هذا بسبب عدم إيمانه. والشياطين إذ رأت قدرته عرفته فلم يدعهم ينطقون فهو يرفض شهادتهم. ولوقا وحده إذ هو طبيب يصف الحمى بأنها شديدة.
ونلاحظ أن بطرس لم يسأل السيد بنفسه، إنما الموجودين سألوه، وهذه الصورة محببة لدى السيد وهي تطبيق لقول يعقوب صلوا بعضكم لأجل بعض. هي صورة حيَّة لشفاعة الأعضاء بعضها لبعض أمام رأسنا يسوع.
لماذا أسكت السيد الشياطين أن تنطق بأنه ابن الله؟
لقد تصور اليهود أن المسيح أتى كمخلص من الرومان، فهموا بعض الآيات كما في المزامير مثل تحطمهم بقضيب من حديد (مز 9:2+ مز 6:79) بطريقة خاطئة، لذلك حرص السيد أن لا ينتشر خبر أنه المسيا أولًا، حتى لا يفهم الشعب أنه آتٍ ليحارب الرومان، لذلك كان يوصي تلاميذه أن لا يقولوا إنه المسيا، وأيضًا المرضى وكل الذين أخرج منهم شياطين أمرهم أن لا يقولوا لأحد، وهنا ينتهر الشياطين حتى لا تقول وتتكلم وتكشف هذه الحقيقة أمام الجموع لأن الجموع كان لها فهم سياسي وعسكري لوظيفة المسيح. ولكن حينما أعلن بطرس أن المسيح هو ابن الله تهلل المسيح وطوب بطرس، ولكنه وجه تلاميذه للفهم الصحيح والحقيقي للخلاص وأن هذا سيتم بموته وصلبه وقيامته وليس بثورة سياسية أو عمل عسكري (مت 15:16-23). فالمسيح يود أن يعرف الناس حقيقته ولكن لمن له القدرة على فهم حقيقة الخلاص. وفي أواخر أيام المسيح على الأرض إبتدأ يعلن صراحة عن كونه ابن الله (مت 63:26-64) ولكن نلاحظ أنه تدرج في إعلان هذه الحقيقة بحسب حالة السامعين، فإن من لهُ سَيُعْطَى ويزاد (مت 12:13) فبقدر ما ينمو السامِع في إستيعاب أمور وأسرار الملكوت، يرتفع التعليم ويزيد وينمو ليعطي الأكثر والأعلى، فمستوى السامع في نموه هو الذي يحدد مستوى التعليم الذي يقدمه المسيح، أما النفس الرافضة فينقطع عنها أسرار الملكوت والحياة مع الله. الله يعطينا إذًا أن نكتشف أسراره بقدر ما نكون مستعدين لذلك. السيد أيضًا إنتهر الشياطين لعلمه بأن الشيطان مخادع، فهو اليوم يشهد للمسيح وغدًا يشهد ضده فيضلل الناس لذلك أسكتهم حتى لا ينطقوا بأنه ابن الله. ولنفس السبب أخرج بولس الرسول الشيطان الذي في الجارية (أع 16: 18).ملحوظة:- يبدو أن المسيح كان قد اعتاد أن يأتي لبيت بطرس لتناول الطعام وأنه أتى في هذا اليوم لهذا الغرض، بدليل أن حماة بطرس قامت وأعدت الطعام وكان السيد يأخذ معهُ تلاميذه الأخصاء يوحنا ويعقوب (مر 29:1).عمومًا حماة سمعان ترمز لكل نفس أصيبت بالخطية فأقعدتها عن الحركة والخدمة فجاء المسيح ليشفيها. ونلاحظ أيضًا أن شفاء حماة سمعان كان فوريًا بدون فترة نقاهة.
(متى 18:8-22 + لو 57:9-62):-
(متى 18:8-22):-
وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ. فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ».
وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». وَقَالَ لآخَرَ: «اتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلًا أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ».
وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعًا كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ = ماذا تعني عبارة أَمَرَ بِالذَّهَاب إِلَى الْعَبْرِ = لاحظ أن الجموع جاءوا للمعجزات. ولكن المسيح ينوي إختيار تلاميذه، والتلمذة فيها حمل للصليب وليس السعي وراء المعجزات والحياة السهلة "وَمَنْ لَا يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لو27:14). السيد المسيح لم يكن له أين يسند رأسه وهكذا ينبغي أن يكون خادمه. أبونا إبراهيم عاش في خيام غريباً "لِأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي لَهَا ٱلْأَسَاسَاتُ، ٱلَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا ٱللهُ" (عب10:11). فيكون معنى الذهاب إلى العبر أن المسيح يريد أن ينقل فكر تلاميذه من عمل المعجزات التي عملها للشعب ضعيف الإيمان المحتاج للمعجزة فيؤمن، إلى طريق الكمال أي طريق الصليب. فالقديس بولس الرسول يقول عن المسيح "أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلَاصِهِمْ بِٱلْآلَامِ" (عب10:2).
أما القديس لوقا فأورد القصة هكذا وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ فماذا يعني بـ"الطريق"؟ هؤلاء الثلاثة عينات يعيشوا في الكنيسة مع المسيح = الطريق، وهم يفكرون في تكريس أنفسهم للخدمة. وإذا كان هناك من ينوي الخدمة فعليه أن يكون تلميذاً للمسيح ويحمل صليبه ويتبعه. ويقول إبن سيراخ "يا بني أن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة" (سى1:2). وهناك من هو متردد ومن يحتاج لتشجيع وهذا يدعوه المسيح مباشرة للخدمة وَقَالَ لآخَرَ:اتْبَعْنِي. هناك من هو منشغل بمشكلة حقيقية فوالده مريض مشرف على الموت ولا يدري كيف يتركه؟ وهناك من يبحث عن إمتيازات الخدمة، فيذكره المسيح بتبعاتها. وهناك من هو متردد بين عواطفه تجاه عائلته وبين الخدمة.
يقدم القديس لوقا هنا ثلاث عينات لثلاث أشخاص أرادوا أن يتتلمذوا للسيد المسيح. وذكر القديس متى مثلين منهم فقط. ومتى يورد هذا بعد شفاء حماة بطرس ليقول أن الخدمة ليست امتيازات فقط (كما شفى المسيح حماة بطرس) بل لها تبعاتها.
الأول:- هذا الإنسان رأى المسيح وأحبه، نمت مشاعره تجاه السيد، لكنه لم يفهم أن تبعيته للمسيح فيها حمل للصليب، لقد فرح بالمعجزات وبسلطان المسيح وربما تصوَّر أن تبعية المسيح فيها مجد أرضي، لذلك أفهمه المسيح أنه حتى المسيح وهو السيد ليس له مكان يسند رأسه فيه. ونلاحظ أنه في الحالات الثلاث كان السيد يجيب ليس بحسب قول الشخص ولكن بحسب ما في فكره الداخلي. كثيرون يشتهون الخدمة لامتيازاتها ولا يعرفون صليبها فيسرعون بدخول الخدمة، وما أن تصادفهم مشاكل الخدمة يسرعون بالهرب لذلك نجد السيد هنا يُظهر هذا لذلك الشخص، أن هناك تكلفة للتلمذة.
أوجرة = كهوف. أوكار= مآوى.
وهناك تفسير موازٍ، أن المسيح لا يجد في قلب هذا الشخص مكانًا يسند رأسه فيه وذلك لرفضه الصليب، بينما وجدت الطيور رمز الكبرياء لارتفاعها والثعالب رمز الخبث أمكنة داخل قلب هذا الشخص. إذًا نفهم من كلمات المسيح هنا أن هذا الشخص كان يطلب تبعية المسيح في خبث ليحصل على امتيازات كشفاء المرضى، أو المناصب العالمية، وقطعًا فهو رافض الصليب. هو ظن المسيح سيملك ملكًا عالميًا وسيملك هو معهُ (مثل سيمون الساحر) وكون السيد ليس له أين يسند رأسه فذلك لأنه سماوي، لا مكان لهُ ولا راحة لهُ على الأرض، ومن يتبعه فعليه أن يقبل هذا الوضع فيجد المسيح مكانًا في قلبه، ولكن قلب هذا الشخص كان به أماكن للطيور والثعالب فقط والسبب أن هذا القلب رافض للصليب الذي استند عليه المسيح. ومن يقبل هذا الوضع عليه أن يتجرد من محبة المال والمجد الأرضي.
الثاني:- هذا الشخص كان يفكر في أن يتبع المسيح لكنه مرتبك ببعض الأمور فلربما كان له والد شيخ وكان ينتظر موته ليدفنه ثم يتبع المسيح. فهو حسن النية مشتاق للتلمذة، لكن عاقته الواجبات العائلية. مثل هذا يشجعه المسيح ليتخذ قراره، لذلك نسمع السيد يقول له اتبعني وهنا يصرح بمشكلته، فيقول له السيد دع الموتى يدفنون موتاهم= أي دع الموتى روحيًا (الذين يرفضون أن يتبعونني وينتظرون تقسيم الميراث ويتصارعوا عليه) يدفنون الموتى جسديًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). (أي يدفنوا أباك حين يموت بالجسد طبيعيًا). والمسيح هنا لا يدعو للقسوة مع الوالدين، بل معنى قوله أن هناك كثيرين سيقومون بهذا الواجب ولكن اتبعني أنت. ومَن شفى حماة بطرس قادر أن يدبر كما قلنا كل احتياجات تلاميذه بما فيها دفن موتاهم. ولربما لو بقى لدفن والده تنطفأ الأشواق المباركة للتلمذة التي كانت داخله ويعوقه العالم. كثيرًا ما منعت العواطف البشرية كثيرين من تبعية المسيح. دعوة المسيح لهذا الشخص تعني أنا أريدك لأعمال أعظم من دفن الموتى. من يريد أن يصير تلميذًا للرب عليه أن يترك أهل العالم يعيشون حياتهم العادية، أما هو فيكرس نفسه لخدمة الملكوت. فتلميذ المسيح كرس حياته لخدمة الأحياء، ليس لخدمة الموتى، هو بخدمته يقود الناس للحياة وهذا أهم.قطعًا السيد لن يمنعه من دفن والده إذا مات، لكن المقصود عدم التعطل عن الخدمة بسبب التعلقات العاطفية الزائدة، والانشغال بميراث الميت وتقسيمه.. إلخ. ومراسيم العزاء اليهودية تمتد لشهور.
الثالث:- هذا له نظرة مترددة، قلبه موزع بين المسيح والعالم. وكل من يهتم بهموم العالم أو يخشى الاضطهادات أو خسارة المال، مثل هذا لا يستطيع خدمة الإنجيل أو أن يتبع يسوع، فيسوع لا يقبل من قلبه موزع بينه وبين العالم. هذا الشخص الثالث يشبه امرأة لوط. هذا الثالث يطلب التلمذة ولكنه بقلبه مع عواطفه البشرية تجاه أهل بيته، مثل هذا يبدأ الطريق مع المسيح لكنه لا يكمل. من يضع يده على المحراث، لا بُد وأن ينظر للأمام ليسير في خط مستقيم غير ملتو، ومن ينظر للخلف يلتوي منه خط السير. وهكذا من يرتد ليهتم بالمشاعر الإنسانية ويترك خدمة المسيح بسببها، أو تفشل خدمته. لاحظ أن المسيح لا يمنع من أن يذهب هذا الشاب لوداع أهله لكن إذ يذهب هو سيبقى معهم فترة ربما تمنعه من تبعية يسوع بعد ذلك. بل هناك من يترك المسيح إذا صادفه مرض فهو يحب نفسه ونفس الشيء إذا فقد قريب له أو مرض أحد أحباءه.
* ونلاحظ في إنجيل لوقا أن لوقا وضع هذه الشروط للتلمذة مباشرة قبل إرساليته السبعين رسولًا لتكون لهم دستور حياة.
تسلسل الأحداث
بحسب إنجيل القديس يوحنا نجد المسيح بعد أن شفى مريض بيت حسدا في أورشليم إتجه إلى الجليل. وكانت نهاية أعماله في الجليل إشباع الـ5000 وكان ذلك قبل عيد الفصح مباشرة. وعيد الفصح يأتي في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول من السنة الدينية عند اليهود. ثم إتجه إلى شرق البحيرة وهناك أنهى خدمته بإشباع الـ4000. وظل فترة يتردد على الجليل (يو7: 1) وهذه الفترة لم يسجل الكتاب عنها شيء. ثم إتجه الرب يسوع إلى أورشليم في عيد المظال وهذا يأتي في اليوم الأول من الشهر السادس من السنة الدينية. وكانت مواكب الحج إلى أورشليم استعدادا لعيد المظال قد بدأت. ولنلاحظ الوضع بعد عمل المسيح وخدمته مدة 3 سنين. *فشل تلاميذه في تقبل حقيقة صلبه وموته أو التشكك فيه إذ لم يقدم آية من السماء للكتبة (خمير الفريسيين). *بل حتى إخوته لم يؤمنوا به وطلبوا منه أن يصعد إلى أورشليم ليظهر آياته فيؤمن به الناس. وهذا كان له أحد تفسيرين إما يقتله اليهود فيتخلصوا منه لحسدهم، أو يملك فعلا ويكون لهم نصيب في أمجاده. ولكن المسيح لم يأتي ليعيد ويحيي مملكة أرضية، بل ليقيم مملكة سماوية على الأرض ويحطم أعمال عدو الخير. ولم يصعد المسيح إلى أورشليم مع مواكب الحجاج الصاخبة بل صعد وحده في هدوء بعدهم مع تلاميذه (يو7).
ترتيب الأحداث الأخيرة
أحداث هذه الفترة الأخيرة يصعب ترتيبها فلم ترد سوى في إنجيل لوقا فقط (لو 9: 51 - 18: 14) ولم يذكر القديس لوقا للأحداث التي ذكرها لا مكانها ولا زمنها. ولكن هناك إتفاق واضح بين ما جاء بإنجيل يوحنا مع ما جاء بإنجيل لوقا. فإنجيل يوحنا يذكر ثلاث ظهورات للرب في أورشليم هي *عيد المظال (يو7 - 10) *وعيد التجديد (يو10: 22 - 42) وأخيرا *دخول المسيح الأخير إلى أورشليم. ونجد القديس يوحنا يأتي بتفاصيل الأحداث في أورشليم. ونجد أن إنجيل يوحنا يورد خبر مغادرة الرب لأورشليم متجها إلى شرق الأردن مرتين خلال الثلاث مرات التي تواجد بها الرب في أورشليم (يو 10: 19 - 21 + 10: 39 - 43). ومن الآية (يو10: 39) يقول القديس يوحنا أنهم حاولوا أيضًا أن يمسكوه فقوله أيضا تشير أن هناك محاولة سابقة لأن يمسكوه هي غالبا بعد الخلاف الأول (يو 10: 19 - 21). وسجل القديس يوحنا أيضًا ذهاب الرب إلى بيت عنيا ليقيم لعازر. وبعد هذه المعجزة نجد اجتماعا لتدبير قتل الرب يسوع وإنسحاب الرب إلى مقاطعة بجانب البرية. ويسجل القديس لوقا ثلاث رحلات للمسيح إلى أورشليم (لو 9: 51 + 13: 22 + 18: 31). ومن الصعب تحديد مكان مدينة إفرايم وهي بقرب البرية. وبالتالي نجد إتفاق القديس لوقا مع القديس يوحنا في أن المسيح غادر إلى أورشليم ثلاث مرات (لوقا) وظهوره في أورشليم ثلاث مرات (يوحنا).
ونجد أن القديس لوقا يقدم 3 رحلات مستقلة للمسيح إلى أورشليم على أنها رحلة طويلة واحدة. وكانت عين القديس لوقا في كتابته موجهة على صعود المسيح إلى السماء بجسده "وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم" (لو9: 51) وختم إنجيله بصعود المسيح فعلا للسماء. وكأن القديس لوقا في تقديمه يأخذنا في رحلة واحدة يخرج فيها المسيح من الجليل ليدخل دخوله النهائي إلى أورشليم ثم يصلب ويموت ويقوم ليصعد للسماء.
وأراد الرب يسوع أن يتجه إلى أورشليم متخذا الطريق المختصر عبر السامرة مع تلاميذه وليس طريق الحجاج عبر بيرية، فرفضته السامرة لكراهيتها لليهود ورفضهم للمسيح. وإتجه الرب لقرية أخرى ونجد شخص في حماس يطلب أن يتبع المعلم. وكان تعبير "يتبع المعلم" هو تعبير معروف في تلك الأيام ويتضمن التلمذة للمعلم. وكان هذا يعتبر شيئا مقدسا. وآخر يطلب المعلم منه أن يتبعه (لو9: 59)، فالسيد كان يكون مجموعة السبعين رسولا وكان يريد ضم هذا التلميذ لهم.
إرسال السبعين رسولًا:- في أثناء إرتحال الرب يسوع جنوبا متجها إلى أورشليم اختار 70 من تلاميذه ليرسلهم أمامه ليبشروا كل قرية ومدينة سيذهب إليها. وكانت وصايا الرب لهم مشابهة لوصاياه للاثني عشر في معظمها ولكن مختلفة في أشياء أخرى. والقديس لوقا هو الذي أشار لهذه الإرسالية وأن الرب أرسلهم في رحلته الأخيرة إلى أورشليم. وكان ذلك قبل عيد المظال الذي كان من نتيجة حوار المسيح مع اليهود خلاله في أورشليم أن بدأ إضطهاد اليهود للمسيح (يو7: 44 ، 8: 59)، وأيضًا ما عاد المسيح يمشي علانية بين اليهود (يو11: 54). إذًا إرسالية السبعين كانت بعد مغادرته الجليل نهائيا، وأيضًا مغادرته شرق البحيرة حيث العشر المدن، وقبل عيد المظال وفي أثناء رحلته الأخيرة إلى أورشليم.
كان للإثني عشر الدرجة الرسولية وهذه لها قوتها وسلطانها. أما السبعين فلم تكن لهم قوة وسلطان هذه الدرجة الرسولية، كان الاثني عشر مرسلين لكل العالم أما السبعين فمهمتهم مؤقتة في حدود إعداد الطريق للمسيح في كل مدينة أو قرية كان مزمعا أن يزورها في طريقه لأورشليم. [رأينا بعد ذلك من التاريخ أن كثيرين من الـ70 إنطلقوا يبشرون في كل مكان]. وكانت إرسالية السبعين اثنين اثنين بينما الاثني عشر كلٌ إنطلق بمفرده. كان عمل السبعين إعداد من يذهبوا إليهم ليستقبلوا المسيح الملك كما عمل يوحنا المعمدان تمامًا. ولم يحذر الرب الـ70 من دخول مدينة للسامريين، فمهمتهم ستكون في بيرية ولن يمروا بالسامرة. وغالبا خلال عمل السبعين رسولا في إعداد الطريق للمسيح تعرفوا على عائلة لعازر وأختيه. (وربما حدث بعد ذلك شفاء والدهما سمعان الأبرص) وكانت زيارة الرب يسوع لهذا البيت المبارك (لو10: 38 - 42).
ترتيب الأحداث:- ما بين مثل الغني ولعازر (لو16: 19)، ومثل قاضي الظلم (لو18: 1) وقت طويل. فبعد مثل الغني ولعازر ذهب الرب إلى بيت عنيا ليقيم لعازر، وبعدها عقدت الرئاسات الدينية مجمعا ضد المسيح. وبعدها ذهب الرب إلى مدينة إفرايم (يو11: 54) وقضى مدة يعظ ويعلم من حدود الجليل إلى أورشليم، وبدء الاستعداد لرحلته الأخيرة إلى أورشليم (لو17: 11). وخلال هذه المدة كانت أحداث إصحاح17 وحديثه عن مجيئه الثاني، وعن أيام النهاية، وهذا ما جعل الفريسيين يسألونه "متى يأتي ملكوت الله".
كان شفاء المولود أعمى في نهاية أيام عيد المظال (يو7 ، 8). وطردوه بعدها من المجمع ووجده يسوع كراع صالح بعد أن طرده الفريسيين الرعاة اللصوص. ونجد الرب يسوع بعدها يتكلم عن معنى الراعي الصالح والرعية الواحدة (يو10). وأنهى الرب يسوع كلامه في أورشليم بكلمات كلها محبة كراع صالح لرعيته التي يبذل نفسه عنها. وإنقسموا على أنفسهم حول شخص الرب يسوع. وأصبح واضحا أن تعليم هؤلاء مستحيلا. لذلك ترك الرب أورشليم إلى بيرية لفترة 3 شهور ثم عاد إلى أورشليم لزيارة خاطفة أثناء عيد التجديد. وعاد بعدها ليكمل خدمته في بيرية لمدة ثلاث شهور أخرى. ثم كانت زيارة الرب لبيت عنيا ليقيم لعازر (يو11: 1 - 54)، وهذه الزيارة تقسم الفترة ما بين عيد التجديد في أورشليم (يو10)، وبين دخول الرب إلى أورشليم للمرة الأخيرة في الفصح ليصلب. وكانت إقامة لعازر هي المعجزة الكبرى التي قام بها المسيح ورأينا فيها لاهوته مع ناسوته. وهي السبب المباشر الذي من أجله اتخذ السنهدريم قراره بأن يموت المسيح، وبدأ التخطيط لذلك.
عاد بعدها قبل الفصح الأخير له على الأرض بالجسد، وذلك ليتمم الفداء ويصلب ويقوم.
ما بين عيد المظال وعيد الفصح حوالي ستة شهور، فعيد المظال (يأتي ما بين سبتمبر وأكتوبر) وعيد الفصح (يأتي ما بين مارس وأبريل)، أما عيد التجديد فيأتي في ديسمبر. فيكون المسيح قد قضى بعد شفاء المولود أعمى ثلاثة أشهر في بيرية. عاد بعدها في زيارة خاطفة لأورشليم أثناء عيد التجديد (يو10: 22). ثم ترك أورشليم إلى بيرية لمدة ثلاثة أشهر عاد بعدها قبل الفصح مباشرة ليدخل أورشليم في موكب ملوكي انتهى بصلبه وقيامته. لذلك فخدمة الرب في بيرية كانت لمدة ستة أشهر على فترتين كل منهما 3 أشهر. وما تم تسجيله عن هذه الفترة هو ما ورد في (مت12: 22 - 45؛ لو11: 13-17: 11). أما الأحداث التي حدثت في اليهودية وأورشليم أورده القديس يوحنا (يو10: 22 - 42 + 11: 1 - 45 + 11: 46 - 51). أما بقية الأحداث فنجدها في أناجيل متى ومرقس ولوقا. عموما ما تم تسجيله عن فترة بيرية قليل ربما لأنه مشابه لما حدث في الجليل.
فيما يلي بعض الرسوم
التوضيحية لتشرح خط خدمة الرب بالجسد على الأرض:
بدء خدمة المسيح
*_____*_____*_____*_____*________*
1 2 3 4 5 6
1 معمودية المسيح. ويوحنا يعرف أنه المسيح من علامة حلول الروح.
2 يوحنا المعمدان يحول تلاميذه يوحنا وأندراوس للمسيح
3 المسيح يتجه للجليل ويختار تلميذيه فيلبس ونثنائيل (يو1: 43).
4 في اليوم الثالث لاختيار فيلبس كان عرس قانا الجليل.
5 الرب يسوع يذهب هو وأمه ومعه تلاميذه إلى كفر ناحوم.
6 الرب يذهب إلى أورشليم في الفصح ويطهر الهيكل للمرة الأولى (يو2).
المدة من 1 - 2 أربعين يومًا (صوم المسيح والتجربة).
المدة من 3 - 4 ثلاثة أيام (يو2: 1).
في أورشليم
في أورشليم يتم الحوار مع نيقوديموس (يو3).
الرب يسوع يتجه إلى الجليل وفي طريقه يتقابل مع السامرية (يو4).
في الجليل يشفي ابن خادم الملك (يو4: 43 - 54).
الرب يسوع يقضي مدة في الجليل.
الرب يسوع يصعد إلى أورشليم في عيد لليهود ويشفي مريض بيت حسدا (يو5).
الرب يعود للجليل بعد حواره مع اليهود (يو5).
الخط العام لخدمة الرب يسوع
*_________________________*_________*
1 2 3
1 الرب يسوع يبدأ خدمته في الجليل. (من 1 - 2 مدة 3 سنوات في الجليل).
2 بداية خدمة الرب يسوع في بيرية بعد أن ترك الجليل.
3 دخول أورشليم يوم أحد الشعانين.
المسيح يقضي 3 سنوات في خدمة الجليل وتخللها عدة زيارات لأورشليم.
إنتهت خدمة الرب يسوع في الجليل بإشباع الــ5000.
إتجه بعد ذلك الرب يسوع لمدة 6 أشهر للخدمة في بيرية شرق الأردن.
أحداث الفترة الأخيرة
*_______________*_________*_____*
1 2 ↑ 3
↑
إقامة لعازر
1 عيد المظال (ما بين سبتمبر وأكتوبر).
2 عيد التجديد (ديسمبر).
3 دخول أورشليم يوم أحد الشعانين.
الفترة من (1 - 2 ) 3 أشهر.
الفترة من (2 - 3 ) 3 أشهر تخللها إقامة لعازر عاد بعدها الرب لبيت عنيا.
* بعد نهاية خدمة الجليل وقبل عيد المظال كانت إرسالية السبعين.
* في عيد المظال جرت أحداث (يو7 ، 8 ، 9 ، 10: 1 - 21).
* في نهاية مدة خدمة بيرية كانت معجزة إشباع الــ4000.
(مت 23:8-27 + مر 35:4-41 + لو 22:8-25):-
وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ، وَكَانَ هُوَ نَائِمًا. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!» فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوٌ عَظِيمٌ. فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ: «أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعًا تُطِيعُهُ!».
وَقَالَ لَهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى الْعَبْرِ». فَصَرَفُوا الْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ! اِبْكَمْ!». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟» فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!».
وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ دَخَلَ سَفِينَةً هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِنَعْبُرْ إِلَى عَبْرِ الْبُحَيْرَةِ». فَأَقْلَعُوا. وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ نَامَ. فَنَزَلَ نَوْءُ رِيحٍ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مَاءً وَصَارُوا فِي خَطَرٍ. فَتَقَدَّمُوا وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، يَا مُعَلِّمُ، إِنَّنَا نَهْلِكُ!». فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَتَمَوُّجَ الْمَاءِ، فَانْتَهَيَا وَصَارَ هُدُوُّ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَيْنَ إِيمَانُكُمْ؟» فَخَافُوا وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ أَيْضًا وَالْمَاءَ فَتُطِيعُهُ!».
آية (23):-
وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ = هذه رد على "أمر بالذهاب إلى العبر" (مت 18:8)، وهاهم الآن ينفذون ويركبون السفينة ليذهبوا إلى العبر. ولقد عُرِف بحر الجليل بالعواصف العنيفة المفاجئة وهو بحيرة صغيرة (13 ميل × 8 أميال) صورة هذه المركب المعذبة وسط الأمواج، هي صورة الكنيسة التي تتعرض لعواصف شديدة يثيرها الشيطان ضدها، وصورة لكل نفس بشرية تقبل المسيح داخلها رأسًا لها فيثير الشيطان ضدها رياح التجارب. لكن لنصرخ طوال حياتنا للمسيح، وهو قطعًا لن يسمح للسفينة أن تغرق لسبب بسيط.... هو أنه بداخلها. إذًا لنصرخ للمسيح دون أن نفقد إيماننا، ودون أن نشك ولو للحظة أن السفينة ستغرق، وإلاّ سنسمع توبيخ المسيح ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان. والخوف هو طاقة مدمرة ونصيب الخائفين البحيرة المتقدة بالنار (رؤ8:21) فالخوف سببه عدم الإيمان أو بتعبير آخر "عدم الثقة في المسيح". والخوف الصحي الوحيد هو الخوف من إغضاب الله (مت 28:10 + رو 20:11). وكان هو نائمًا= مثلما يحدث كثيرًا في مشاكلنا إذ نصرخ ونظن أنه لا يسمع أو أنه لا يستجيب. وكونه لا يستجيب هذا ليس معناه ضعفًا منه لكنه يريد الأمور هكذا. لماذا؟ علينا أن لا نسأل ولكن نثق فيه. ويكون هذا حتى تنكشف لنا طبيعتنا الخائرة الضعيفة وينكشف لنا ضعف إيماننا ونشعر بالاحتياج للمخلص، وعندما يستجيب نُشفى من هذه الأمراض الروحية، وهي الشعور الكاذب بالقوة وعدم الاحتياج لله وأيضًا اليأس من التجارب (صغر نفس+ كبرياء). فتأخر إستجابته هي فرصة لشفائنا ولإصلاح شأننا. وقبل أن يهدئ المسيح عاصفة المياه يهدئ المسيح النفوس الهائجة المضطربة، أما من لا يشعر بضعفه ستسقطه الشياطين في خطايا كثيرة فيهلك ومن يصرخ يتقوى بالله. ولنعلم أنه طالما نحن في الجسد، وطالما كانت الكنيسة على الأرض فهناك عواصف فالعالم مضطرب.. لكن لنطمئن فالمسيح داخلنا فلن نغرق، ولكن وجوده لا يمنع التجارب وبالصراخ المستمر بلجاجة نكتشف: 1) ضعفنا؛ 2) قوة المسيح الذي فينا وهذا هو الشفاء. أما لو إستجاب سريعًا فلربما نسقط في الكبرياء. وهناك ملحوظة رائعة يقدمها القديس مرقس وكان هو في المؤخر على وسادة نائمًا= هذه رؤية شاهد عيان. ولكنه كان يركز على المسيح فلاحظ أنه كان نائمًا على وسادة. وقوله فأيقظوه يشير لأن مرقس كان معهم على السفينة لكن لم يشترك في إيقاظ السيد، فهو لم يكن مثلهم خائفًا، والسبب بسيط أنه ركز فكره في المسيح حتى أنه إنتبه لوجود وسادة تحت رأسه، فمن يركز نظره على المسيح لا يخاف، بل هذا يمنح النفس سلامًا وسط التجربة وهذا ما جعل بطرس أيضًا يسير على الماء وهو ينظر للمسيح. ونوم المسيح إثبات لكمال بشريته. ومرة أخرى فوجود المسيح في حياتنا وفي الكنيسة لا يمنع التجارب لكن هو يحفظنا منها. وأخذوه كما كان في السفينة (مر 36:4) أي أن المسيح كان في السفينة يُعَلِّم ولما قرر أن يعبر بحر الجليل بسبب الزحام، إنطلقوا بالسفينة والمعلم في مكانه وهذه أيضًا ملاحظة شاهد عيان.والعجيب أن داود النبي تنبأ عن هذه الحادثة تفصيلًا (مز 23:107-32). لنطمئن فالمسيح له قدرة على كل ما هو فوق قدرة الإنسان كالرياح والبحر.. إلخ. يشير القديسين مرقس ولوقا أن التلاميذ خافوا إذ رأوا المعجزة، هم ما كانوا يخافوا من المسيح، ولكنهم خافوا الآن إذ شعروا بالسلطان الإلهي على الرياح والبحر. وهذا هو الخوف المطلوب. أما خوف عدم الإيمان فهو خوف يُهلك. من هو هذا فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه (مر 41:4) هذه شهادة بلاهوت المسيح. فهذا قيل عن يهوه " أنت متسلط على كبرياء البحر (مز 9:89-11). عمومًا وجود المسيح في الكنيسة أو في حياتنا لا يمنع التجارب، لكن هو له سلطان عليها ومتى يريد يسكتها. لكن فائدتها أن نصرخ دائمًا له ونشعر بالاحتياج إليه. وحينما يستجيب يزداد إيماننا به. هو قادر أن يسكت العواصف وقتما يريد بكلمة ولكن علينا أن نفهم أنه يريد الأمور كما هي.. لماذا؟ لا داعي أن يشرح لنا، بل علينا أن نسلم بقدراته وأنه موجود ولا نزعجه بعدم إيماننا (نش9:7) فما يفرح المسيح (الخمر) هو الإيمان وما يزعجه عدم الإيمان وعدم الثقة فيه. وهو قد يؤخر الاستجابة 1) لنستمر في الصلاة فنكتشف ضعفنا بدونه 2) أنه القوي الذي يساندنا وبغير هذا الفهم المستنير فنحن مرضى روحيًا.
لا نعرف ماذا كان يتوقع التلاميذ منه أن يفعله حينما أيقظوه، فهم لم يكونوا حتى هذه اللحظة مدركين لشخصه الإلهي، ولم يروا سلطانه على البحر والهواء من قبل. وهم لم يعرفوا حقيقة المسيح إلا بعد حلول الروح القدس عليهم. لكنهم أيقظوه عند خوفهم فهم كانوا يشعرون معه بالسلام فهو ملك السلام.
(مت 28:8-34 + مر 1:5-20 + لو 26:8-39):-
(مت 28:8-34):-
وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ. أَمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ الْمَجْنُونَيْنِ. فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ.
وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ. وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ، لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. وَكَانَ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!» لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ». وَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ قِائِلًا: «اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا رُعَاةُ الْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ. فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ جَالِسًا وَلاَبِسًا وَعَاقِلًا، فَخَافُوا. فَحَدَّثَهُمُ الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ الْخَنَازِيرِ. فَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مَجْنُونًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ.
وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيل، وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا، وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ، بَلْ فِي الْقُبُورِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ، وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!». لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ، وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي. فَسَأَلَهُ يَسُوعُ قِائِلًا: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «لَجِئُونُ». لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ، فَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ. فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ. فَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ، فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِسًا وَعَاقِلًا، جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ، فَخَافُوا. فَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ خَلَصَ الْمَجْنُونُ. فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ، لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ. فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَرَجَعَ. أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، وَلكِنَّ يَسُوعَ صَرَفَهُ قَائِلًا: «ارْجعْ إِلَى بَيْتِكَ وَحَدِّثْ بِكَمْ صَنَعَ اللهُ بِكَ». فَمَضَى وَهُوَ يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا بِكَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ.
ولما جاء إلى العبر= أي عبروا البحيرة.
في الآيات السابقة رأينا عواصف تواجه السفينة، ظهرت الطبيعة ثائرة على الإنسان، وهنا نرى أن الشيطان يواجه نفوس البشر ليحطمها ويذلها. والمسيح أتى ليخلصنا من سطوة هذا العدو المهول.
1. متى يذكر أنها حدثت مع شخصين أما لوقا ومرقس فيقولان أنها حدثت مع شخص واحد. ويبدو أنها فعلًا قد حدثت مع شخصين لكن كان أحدهما هو المشهور، أو أن أحدهما كان الأكثر شراسة ووحشية. وكان أن اكتفى مرقس ولوقا بذكر الشخص الأكثر شهرة. ورمزيًا فمتى يكتب لليهود وذكره لاثنان فهو بذلك يشير لأن المسيح أتى للأمم كما لليهود. أما مرقس ولوقا فيكتبان للأمم وهم يشيروا أن المسيح أتى للأمم. واليهود تسلط عليهم الشيطان لكبريائهم. والأمم تسلط عليهم الشيطان لوثنيتهم.
2. يقول معلمنا متى أن الحادثة وقعت في كورة الجرجسيين. ويقول مرقس ولوقا أنها في كورة الجدريين. وهذا لأن القصة حدثت في مدينة جرجسة وهي إحدى المدن العشر، وهذه المدينة تقع في مقاطعة اسمها كورة الجدريين، ومتى إذ يكتب لليهود يذكر اسم البلدة فهم يعرفونها، أما مرقس ولوقا إذ يكتبان للأمم يكتبان اسم المقاطعة ونلاحظ في القصة.
3. عنف وسطوة الشيطان على الإنسان روحًا وجسدًا وكان هذا بسبب سقوط الإنسان في الخطية.لا يلبس ثوبًا = فالشيطان يفضح. ولاحظ تأثير الشيطان على الروح فهو يفصلها عن الله وعلى الجسد فهو يدفعه لإيذاء نفسه وعلى النفس فهو يفقد النفس سلامها.
4. مجرد عبور السيد في الطريق فضح ضعف الشيطان وأذله فصرخ الشيطان على لسان المجنون ما لنا ولك.. أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا فإذ رأت الشياطين المسيح على الأرض ظنوا أنه جاء يحاكمهم، فوجوده كان عذاب لهم. وبهذا نفهم أن الشيطان كان يعرف أنه سيدان يوما، ولكنه لم يفكر في التوبة وإستمر في تحديه لله وعناده. وهذه هي طبيعة الملائكة الذي كان الشيطان واحدا منهم. فالملاك لا توجد له طبيعة مترددة، هو يتخذ القرار ولا يتردد فيه. وبينما إستقر الملائكة القديسون على قرار حب الله والخضوع له وهم لن يتراجعوا في هذا القرار للأبد، تمرد الشيطان ضد الله ولم ولن يتوب للأبد. لذلك لم يكن هناك فداء للشيطان.
5. الشياطين دفعت المجنونين للقبور كما تدفعنا لقبور نجاسة الخطية فالموت والقبور إشارة للنجاسة. ونلاحظ أنهما كانا يقطعان السلاسل التي يربطونهما بها. وكل خاطئ يتملكه روح الشر يقطع كل القيود الدينية والاجتماعية ليجري نحو قبور الخطية ونجاسة الشهوة وهناك يؤذي نفسه ويجرحها، فالخطية نار من يحضنها يحترق وتؤذيه.
6. الشياطين تجد راحتها في دفع الإنسان للخطية لتتلذذ بإيذائه لنفسه. هم يجدون راحتهم في مملكتهم التي يقيمونها في القلب الفاسد.ولكننا من قول الشياطين أجئت قبل الوقت لتعذبنا نفهم أنهم واثقين من انهيار مملكتهم. وقولهم قبل الوقت= أي وقت الدينونة.
7. طلبت الشياطين أن تذهب لقطيع الخنازير لتسبب كراهية الناس في هذه المنطقة للرب فيرفضه الناس، وأيضًا فهي تفرح بأي أذى يصيب الناس.
8. سمح السيد للشياطين أن تدخل في الخنازير للأسباب الآتية:-
أ- لم تحتمل الخنازير دخول الشياطين بل سقط القطيع كله مندفعًا إلى البحر ومات في الحال، ومن هذا نعلم شر الشياطين. مما فعلوه بأجساد الحيوانات ونعرف ما يحدث لمن تمتلكهم الشياطين. ولكن نرى أن ما حدث للمجنونين كان أقل بكثير مما حدث للخنازير، وهذا يوضح أن الله لم يسمح للشياطين أن تؤذي المجنونين إلاّ في حدود معينة. ورأينا هنا قوة الشياطين المهولة والمدمرة، وبهذا ندرك عظمة الخلاص الذي قدمه لنا المسيح.
ب-بهذا يعلن السيد أنه يسمح بهلاك قطيع خنازير من أجل إنقاذ شخصين فنفهم أهمية النفس البشرية عنده.
ج- نفهم من القصة أن الشياطين لا تقدر أن تفعل شيء، حتى الدخول في قطيع خنازير إلاّ بسماح منه.
د- كان هذا تأديبًا لأصحاب الخنازير فتربيتها ممنوعة حسب الناموس.
ه- لم تطلب الشياطين الدخول في إنسان فهي تعرف أن المسيح الذي أتى ليشفي الإنسان سيرفض هذا حتمًا. وهي لم تطلب الدخول في حيوانات طاهرة يقدم منها ذبائح فالمسيح سيرفض، ولكنها تطلب الدخول في حيوانات نجسة. ومن هذا نتعلم شيء عن عالم الأرواح...فنحن معرفتنا ناقصة جدًا عن عالم الأرواح فنحن لا نعرف كيف تسكن روح الإنسان في الإنسان، ولا كيف تسكن روح شريرة في الإنسان ولا كيف تدخل الأرواح الشريرة في الحيوانات، ولكن من هذه القصة نفهم أن المسيح يسمح بدخول الأرواح الشريرة للحيوانات النجسة أو للإنسان الذي يحيا في نجاسة، فمن يقبل أن يسلم حياته للشيطان ويحيا في النجاسة يكون معرضًا لأن تدخل فيه الأرواح الشريرة وتحطم حياته. فالإنسان الذي يعيش عيشة الخنازير يتمرغ في خطاياه يكون للشيطان سلطان عليه، ويدفعه للهلاك كما دفع الخنازير للهلاك. فالخنازير تشير لمن يرتد لنجاسته (2بط22:2) ومثل هؤلاء سيكون مصيرهم البحيرة المتقدة بالنار مع إبليس (رؤ10:20 + 8:21).
9. هذان المجنونان يمثلان الإنسان أو البشرية التي بقيت زمانًا طويلًا مستعبدة لعدو الخير بسلاسل الخطية وقيود الشر، لا تقوى على العمل لحساب مملكة الله، تعيش خارج المدينة أي خارج الفردوس، لا تستطيع السكن مع الله في مقدسه. وهي قد تعرت من ثوب النعمة الإلهية تؤذي نفسها بنفسها، تعيش في البراري منعزلة عن شركة الحب مع الله والناس.يصيح ويجرح في نفسه = حينما يستحوذ الروح الشرير على إنسان يورثه القلق والبؤس.
10. أصحاب الخنازير رفضوا المسيح بسبب خسارتهم. وهذا هو منطق العالم للآن الذي يخاصم المسيح بسبب أي خسارة مادية، بل قد يرفضه بسببها.
11. المسيح عبر البحيرة وتعرضت السفينة للغرق لينقذ نفسا هذين المجنونين.
12. لجيئون = هي كلمة لاتينية تعني لمن كان تحت حكم الرومان ويفهم لغتهم = العدد الكثير والقوة والطغيان. وقيل أنها اسم فرقة رومانية قوامها ستة ألاف جندي. والمسيح بسؤاله عن اسمه يكشف قوته. ما اسمك والسؤال موجه للشيطان وليس للرجل، فالشيطان قد امتلك الرجل وسلبه عقله وشخصيته. وسؤال السيد لإبليس هنا ما اسمك، ليعلن شخصيته أمام الناس، فالاسم هو الرمز الخارجي للشخصية. ونلاحظ أنه بعد هذا السؤال تكلم الشيطان بلغة الجمع لأننا كثيرون.
13. وطلب إليه (لو 31:8) طلب الشيطان من المسيح أن لا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية= فالهاوية هي مكان عذاب حقيقي لهم ينتظرهم حتمًا. وهذا معنى قولهم أجئت إلى هنا لتعذبنا قبل الوقت (مت 29:8). والمسيح لم يرسلهم إلى الهاوية، فهذا محدد له وقت هو يوم الدينونة.
14. لاحظ قول لوقا كيف خلص المجنون آية (36). فلهذا أتى المسيح المخلص لكي يخلصنا من سطوة الشياطين ويشفينا روحيًا.
15. الرعاة وجمهور الكورة الذين رفضوا المسيح مفضلين عليه أن يسكنوا مع خنازيرهم، هؤلاء يشبهون من يفضل حياة الخطية والنجاسة عن التوبة (2 بط 21:2-22).
16. علامة خلاص هذا المجنون قبوله للمسيح إذ هو أراد أن يتتلمذ للسيد المسيح، لكن المسيح فضل أن يتحول هذا الشخص لكارز. وهذا هو الإنجيل أن مريم المجدلية التي كان بها سبعة شياطين تتحول إلى كارزة بالقيامة ولمن؟ للتلاميذ. وهذا المجنون البائس يطلب من الرب بعد أن شفاه أن يتحول إلى كارز بكم صنع به يسوع.
17. هناك من يتصور أن الشيطان أو أي قوة شيطانية لها سلطان عليه (كالأعمال والسحر والحسد). ومن هذه القصة نفهم عكس هذا. فلا سلطان مطلق للشيطان. بل المسيح له سلطان عليه. وإن كان دخول الخنازير احتاج لسماح من المسيح فهل يكون للشيطان سلطان على الإنسان الذي فداه المسيح وسكن فيه الروح القدس. أما من يفارقه الروح فللشيطان سلطان عليه (شاول الملك) . والشيطان يذل مثل هذا الإنسان ويعذبه ليلًا ونهارًا (مر5:5) أي دائم العذاب.
أتى المسيح ليحرر الإنسان من عبوديته للشيطان، ولاحظ قول القديس مرقس قَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ (آية 8) قد يكون المقصود بالإنسان هنا هو هذا المجنون. ولكن العبارة تشير لما هو أبعد أي لخلاص كل البشر من سلطان إبليس. ولكن الآن نجد أن الشيطان لا سلطان له على إنسان إلا لمن يسلم نفسه للشيطان بإرادته، أي لمن يطلب الشيطان ويقبل من يده ملذاته النجسة. وهذا معنى أن الشيطان عرض على المسيح أن يعطيه كل ما في العالم، ولكن هناك ثمن "هو السجود للشيطان أي العبودية له". لذلك نلاحظ أن الشيطان يقول للسيد وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ (آية 10 من إنجيل مرقس). وهذا لأن الشيطان وَجَد في هذه الكورة بشر يريدونه. فأهل هذه الكورة يحيون في نجاسة يشير لها وجود الخنازير. ولكن نلاحظ أيضًا أنهم لنجاستهم يرفضون وجود المسيح النور الحقيقي، فالنور يكشف نجاستهم. فنجدهم يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ (آية17 من إنجيل مرقس). وماذا يريد الشيطان من تسهيل النجاسة للناس؟ هدف الشيطان إلحاق أكبر أذى للبشر، هو لا يريد أن يجعل الإنسان يتلذذ بالخطية، بل يسقطه في الخطية ثم يستعبده ويعذبه. الشيطان في شره يتلذذ بعذاب البشر، وأنظر كيف كان يعذب هذا الإنسان الذي كان يجرح نفسه بالحجارة. ولما ألزمه المسيح بالخروج نجده يطلب إهلاك الخنازير مصدر الرزق لهؤلاء الناس ليلحق بهم أكبر أذى ممكن وهذا هو هدفه. وقطعا هناك سبب آخر هو أن يكره الناس المسيح. فالمسيح يؤدب ليضمن خلاص النفس، ولكن الشيطان الكذاب (يو8: 44) يُصوِّر للإنسان أن التأديب ما هو إلا قسوة من الله ليوقع بين الإنسان والله. هدف الله هو تحرير الإنسان الحرية الحقيقية ليخلص ولا يعود مستعبدا للشيطان.. لذلك يقول السيد "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا" (يو8: 36).
ولاحظ قول القديس لوقا فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ، لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ (آية 37) = هم خافوا ولكنهم لم يتوبوا بل أصروا على خطيتهم. وحتى الآن نسمع عن غضب الله في الطبيعة من زلازل وغيرها، وهلاك الكثير من البشر إعلانا عن غضب الله ولكن بلا توبة ولا ندم بل وإصرار على الخطية. ولاحظ أن التصرف الخاطئ لأهل كورة الجدريين هو هو نفسه تصرف البشر الخاطئ الآن. فأهل كورة الجدريين رأوا قوة يسوع في إنقاذ وخلاص المجنون، ورأوا قوة الشيطان المدمرة وعمله المخرب في الإنسان وفي هلاك الخنازير. وكلاهما أهل الجدريين قديما وأهل الزمان الحاضر لم يطلبوا يسوع ليخلصوا بل هم لا يريدونه وأصروا على خطيتهم.
لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ (لو8: 29) = وهذا يعني أنه يقع تمامًا تحت سيطرة الروح النجس، فلا يستطيع المجنون المسيطر عليه الروح النجس أن يفصل بين فكره وإرادته هو، وفكر وإرادة الروح النجس. وهذه السيطرة التي تختفي فيها شخصية المجنون قد تكون مؤقتة وقد تكون دائمة.
← تفاسير أصحاحات إنجيل متى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير متى 9 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير متى 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6pyt5wh