محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
متي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
(مت 1:16-12 + مر 10:8-21):
(مت 1:16-12):-
وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ! جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى. وَلَمَّا جَاءَ تَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعَبْرِ نَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا. وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «انْظُرُوا، وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ». فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ خُبْزًا». فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزًا؟ أَحَتَّى الآنَ لاَ تَفْهَمُونَ؟ وَلاَ تَذْكُرُونَ خَمْسَ خُبْزَاتِ الْخَمْسَةِ الآلاَفِ وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ؟ وَلاَ سَبْعَ خُبْزَاتِ الأَرْبَعَةِ الآلاَفِ وَكَمْ سَلًا أَخَذْتُمْ؟ كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ أَنِّي لَيْسَ عَنِ الْخُبْزِ قُلْتُ لَكُمْ أَنْ تَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ؟» حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ.
وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ. فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!» ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ. وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ. وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ» فَفَكَّرُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ». فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟ أَلَكُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ، وَلاَ تَذْكُرُونَ؟ حِينَ كَسَّرْتُ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ لِلْخَمْسَةِ الآلاَفِ، كَمْ قُفَّةً مَمْلُوَّةً كِسَرًا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «اثْنَتَيْ عَشْرَةَ». «وَحِينَ السَّبْعَةِ لِلأَرْبَعَةِ الآلاَفِ، كَمْ سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوًّا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا: «سَبْعَةً». فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ؟».
(مر 10:8) يقول مرقس أن السيد جاء إلى إلى نواحي دلمانوثة، ويقول متى جاء إلى تخوم مجدل (مت 39:15). وهذا المكان بالقرب من طبرية على الشاطئ الغربي للبحيرة. والاختلاف في الأسماء راجع لأن نفس المكان قد يكون لهُ إسمان، اسم قديم واسم حديث، ومتى استخدم أحدهما بينما استخدم مرقس الآخر.
ويقول إدرشيم بعد تلك المعجزة دخل الرب سفينة ويقول القديس متى أن الرب جاء إلى تخوم مجدل، ويقول القديس مرقس أنه جاء إلى نواحي دلمانوثة. ومجدل نطقها الصحيح مجدان، وغالبا هي مجدو وهي لفظ وسط بين النطق العبراني مجدون والنطق السرياني مجدو. وهذا المكان جنوب بحيرة الجليل ولكنه داخل محيط العشر المدن وهو قريب من حدود الجليل. وقدم الكاتب بحثا في أصل كلمة دلمانوثة وقال أنها غالبا خليج صغير أو مرفأ ترسو فيه السفن على شاطئ البحيرة في منطقة مجدل. وهناك مكان معروف لتمليح السمك والتلاميذ كصيادين لهم صلات بهذا المكان.
(مت 1:16-4):- الفريسيين متعارضون فكريًا، لكننا هنا نجدهم قد اتفقوا معًا ضد المسيح فمملكة الظلمة لا تقبل النور. وقد جاءوا للمسيح يطلبون آية، ولم يكفهم كل الآيات التي صنعها السيد المسيح. وهم طلبوا آية من السماء= ربما قصدوا بهذا نزول مَنْ مِنَ السماء، أو علامة طبيعية غريبة مثل اختفاء الشمس مثلًا أو بروق ورعود كما فعل موسى. ولكن الأقرب هو فكرة طلبهم مَنْ سماوي، فشيوخهم كانوا يقولون أن المسيا حين يأتي سينزل منًا من السماء كما فعل موسى (يو 30:6-31). والمسيح ما كان عنده مانع من عمل معجزة ولكن لمن يعمل المعجزة؟ هو يعملها لمن تجعله يؤمن.ولكن هؤلاء عقدوا العزم على عدم الإيمان، بل هم قد أتوا ليَتَحدوُا المسيح في عناد ومقاومة، ولو كان قد فعل آية لكانوا قد اخترعوا أي شيء ليقاوموه. لذلك هو رفض عمل آية لهم. ولاحظ اتفاق الفريسيين والصدوقيين ضد المسيح بالرغم من اختلافهم. فمملكة الظلمة لا تطيق النور.
والمسيح يفضل أن يؤسس ملكوته بالتعليم وليس بعمل الآيات "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يو 29:20). والتعليم يقود للتوبة، لذلك نادى يوحنا المعمدان أولًا بالتوبة، ثم نادى المسيح بالتوبة ومن بعده التلاميذ فالزمان هو تأسيس الملكوت وذلك يتم بالتوبة، فلن يدخل أحد الملكوت إذا استمر في نجاسته، والعكس فالله حين تاب أهل نينوى قبلهم، لذلك يشير السيد إلى يونان النبي. ولكننا نجد هؤلاء المقاومين لا يبحثون سوى عن آية، وحتى الآن فهناك من يفكر في المعجزات دون أن يقدم توبة. وإشارة المسيح لآية يونان النبي تعني أن كل ما قدمه يونان لأهل نينوى هو قوله أن المدينة ستهلك إن لم يتوبوا، وبهذه الكلمات فقط تابوا. والآن أمامهم المسيح بكل ما يقوله ويفعله وهم لا يؤمنون ولا يتوبون. والسيد يقول تعرفون أن تميزوا وجه السماء = أي يتعرفوا على حالة الجو خلال العلامات الظاهرة في السماء. وهؤلاء مثل كثيرين يظهرون ذكائهم في الأمور المادية لكنهم لا يهتمون بالأمور الروحية واكتشافهم لفرص التوبة والتعرف على الرب. فهؤلاء الفريسيين برعوا في معرفة علامات الطقس ولم يعرفوا زمان الافتقاد الإلهي، فالمسيح في وسطهم ولم يعرفوه أماّ علامات الأزمنة = هم كدارسين للناموس لا بُد وأنهم يعرفون النبوات التي تحدد زمان مجيء المسيح بالسنة (دا 24:9-27) وظهور يوحنا المعمدان كسابق (ملا1:3 +أش 3:40) ثم ظهر المسيح ومعجزاته (إش5:35-6). وغيرها كثير من النبوات، فلماذا لم يستخدموا ذكائهم في دراسة هذه النبوات، ولو فعلوا لكانوا قد عرفوا المسيح. لكنهم كما يقول المسيح جيل شرير فاسق= أي أن خطاياهم وعنادهم وريائهم وحسدهم للمسيح ومحبتهم للأموال وخوفهم على ضياعها إذا سار الناس وراء المسيح، كل هذا أعمى عيونهم عن فهم كتب الأنبياء والحل هو التوبة التي نادَى بها يونان، ولو حدث ستعرفونني. ومثل هؤلاء مهما عُمِلَ أمامهم من آيات لن يؤمنوا لذلك تركهم المسيح ومضى والآن بالنسبة لنا فالزمن زمن توبة فعلينا أن لا نفكر سوى في الاستعداد بتوبة كما تاب أهل نينوى على يد يونان ولا نطلب حدوث معجزات من المسيح بل نسلم بما يريده.
ونلاحظ أن المسيح أيضًا بإشارته ليونان فهو يشير لموته وقيامته، وتأملنا فيما صنعه المسيح لنا يجعلنا نحبه، ومن يحب المسيح سيقبل أي شيء يسمح به (راجع يو15:21-22). والصليب والقيامة أعظم آيات قدمها المسيح للبشرية ففيهما سر خلاص البشرية.
هؤلاء المعاندين بسبب شرهم فاتهم أن يدركوا من هو المسيح، وأنه جاء لخلاصهم الأبدي، ولو أدركوا لخلصوا، لو تابوا لكانوا الآن في السماء. ولاحظ أن إشارة المسيح لآية يونان فيها تلميح بقبول الأمم بسبب رفض اليهود للمسيح.
وإنجيل مرقس لم يشر لكلام المسيح عن يونان فهو يكتب للرومان الذين لا يعرفون شيئًا عن يونان. وفي (مر12:8) تنهد بروحه = أي التنهد ليس على مستوى الجسد بل من أعماقه شعر بضيق من موقفهم منه.
إذا كان المساء قلتم صحو لأن السماء محمرة = أي إذا رأوا السماء حمراء في المساء، يقولون إن الجو غدًا سيكون صحوًا. وفي الصباح اليوم شتاء = وفي صباح اليوم تقولون سيكون اليوم شتاء إذا رأيتم السماء حمراء بعبوسة أي هنا غيوم وسحاب. وتفسير هذا أن السيد أتى بوداعة ومحبة يعلم ويشفي فكان يجب عليهم بذكاء أن يدركوا أن الزمن زمن قبول. صحو= سنة مقبولة (لو 19:4). ثم تركهم ومضى= فمن لا يريد المسيح يتركه المسيح. ونحن الآن مع أن كل العلامات التي تشير إلى أن المجيء الثاني على الأبواب موجودة، ألا يدعونا هذا لتقديم توبة وبسرعة.
(مت 5:16-12):-
وَلَمَّا جَاءَ تَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعَبْرِ نَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا. وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «انْظُرُوا، وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ». فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ خُبْزًا». فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزًا؟ أَحَتَّى الآنَ لاَ تَفْهَمُونَ؟ وَلاَ تَذْكُرُونَ خَمْسَ خُبْزَاتِ الْخَمْسَةِ الآلاَفِ وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ؟ وَلاَ سَبْعَ خُبْزَاتِ الأَرْبَعَةِ الآلاَفِ وَكَمْ سَلًا أَخَذْتُمْ؟ كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ أَنِّي لَيْسَ عَنِ الْخُبْزِ قُلْتُ لَكُمْ أَنْ تَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ؟» حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ.
ولما جاء تلاميذه إلى العبر= أي عبر بحر الجليل.
وترك الرب هؤلاء الفريسيين والصدوقيين، وفي نفس السفينة التي جاء بها إلى دلمانوثة عاد إلى بيت صيدا جولياس في طريقه إلى قيصرية فيلبس (هناك مكانين باسم بيت صيدا أحدهما غرب بحيرة طبرية وهي ميناء صيد بجانب كفرناحوم أو هي ميناء صيد داخل حدود كفرناحوم داخل الجليل. والأخرى بيت صيدا جولياس شرق بحيرة طبرية وهذه خارج الجليل فهنا كان الرب يسوع قد أنهى خدمته في الجليل). وكان هذا قبل ذهابه في رحلته الأخيرة إلى أورشليم والتي بدأت بعيد المظال وإنتهت بعيد الفصح يوم الصليب. وعند وصولهم حذرهم الرب من خمير الفريسيين الذي هو تعاليمهم الفاسدة التي أدت بهم لطلب علامة من السماء. ولاحظ فهم التلاميذ الخاطئ لكلمة خمير الفريسيين إذ فهموها حرفيا أنها عن الخبز.
[وللآن هناك نجد الكثيرين يسألون علامات من السماء ليصدقوا المسيح أو ليتأكدوا من محبته وقوته ليطمئنوا. وهذا ضد الإيمان، "فالإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (عب11: 1). إذًا علينا أن نثق في المسيح ووعوده ومحبته ورعايته وحكمته وأنه ضابط الكل، عينه علينا دائما لا يتركنا ولا يهملنا، وذلك دون أن نطلب علامات ملموسة لنتأكد].
تحرزوا من خمير الفريسيين = إذا تشبهوا بالفريسيين في ريائهم فلن يمكن إقامة الملكوت داخلهم، فالرياء أخطر عدو للملكوت، هو يتسلل لحياة الخدام والشعب لينشغل الإنسان بذاته دون حساب لأهمية اللقاء مع المسيح وتشبيهه بالخميرة فذلك لانتشارها السريع، الرياء هو عدوى سريعة الانتشار. إننا لم نأخذ خبزًا = لقد انشغلوا بمشكلة تافهة والمسيح صانع المعجزات بينهم.. وكم من مشكلة تافهة تشغلنا عن المسيح.
- حتى يقيم السيد ملكوته السماوي فينا فلنهتم بعلاقتنا الشخصية معه بدون رياء، أي بدون اهتمام برأي الناس. ولنذكر على الدوام أنه موجود وقادر على حل أي مشكلة تواجهنا، لنحتفظ بإيمان بسلامنا فيه. ولاحظ أن السيد حين أراد أن يوبخ تلاميذه على خطأ صدر منهم كان هذا بينه وبينهم حتى لا يجرح مشاعرهم أمام الناس.
- ونلاحظ أيضًا شغف التلاميذ ببقائهم دائمًا بجوار معلمهم حتى أنهم نسوا أن يأخذوا معهم خبزًا.
لماذا تفكرون في أنفسكم = فهو فاحص القلوب والكلى.
ألا تشعرون بعد ولا تفهمون = هي دعوة لدخولهم للأعماق، ليعرفوا من هو ويؤمنوا به. أحتى الآن قلوبكم غليظة= يحركهم ليطلبوا قلبًا جديدًا.
عمومًا فالسيد المسيح لا يعني بكلامه هذا أن نترك أعمالنا فهو لا يشجع الكسل ولكنه لا يريد أن تكون الأمور المادية سببًا لحمل الهم في قلب الإنسان.
(مر 15:8) خمير هيرودس= خبثه ومكره.
تدريب: درب نفسك على أن تذكر دائمًا أعمال الله القديمة، وكم مشكلة أخرجك منها حتى لا تيأس من التجربة الحالية.
(مت 13:16-20 + مر 27:8-30 + لو 18:9-21):-
(مت 13:16-20):-
وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ». حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ.
ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.
وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى انْفِرَادٍ كَانَ التَّلاَمِيذُ مَعَهُ. فَسَأَلَهُمْ قِائِلًا: «مَنْ تَقُولُ الْجُمُوعُ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابُوا وَقَالوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الْقُدَمَاءِ قَامَ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ: «مَسِيحُ اللهِ!». فَانْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يَقُولُوا ذلِكَ لأَحَدٍ.
«مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟»... أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ.. طُوبَى لَكَ.
لاحظ أن المسيح هنا يؤكد ناسوته، والآب يعلن لبطرس لاهوت المسيح وهذا هو إيمان الكنيسة أن ابن الله تجسد وتأنس، اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ (1 تي 16:3). وهذا ما قاله بولس الرسول "لا أحد يستطيع أن يقول المسيح رب إلاّ بالروح القدس" (1كو3:12)
وهذا الإيمان الذي أعلنه بطرس طَوَّبَهٌ المسيح عليه، فهو أعلن دستور الإيمان القويم، والمخلص يعلن أنه يقيم كنيسته على هذا الإيمان، ويعطي كنيسته سلطان الحل والربط، ليس لبطرس فقط بل لكل الرسل (مت 19:16+ مت 18:18). ولما سأل السيد سؤاله ردد التلاميذ ما يقوله الناس، فمثلًا هيرودس قال أنه يوحنا المعمدان=(مت 2:14). وهناك من قالوا أنه إيليا أي أنه السابق للمسيح (ملا 5:4) وآخرون تصوَّروا أنه واحد من الأنبياء لأن موسى تنبأ بأن نبيا مثله سيأتي لهم (تث15:18).
وأنتم من تقولون إني أنا
= فالسيد المسيح يهتم جدًا بكيف نعرفه نحن خاصته فماذا لو سألك المسيح.. مَنْ أنا.. هل سيكون ردك عن معرفة نظرية عرفتها من الكتب، أو من خبرات شخصية اختبرت فيها حلاوة شخصه وحلاوة عشرته، وتعزياته إذ يقف بجانبك في الضيقات بل وقوته الغير محدودة، هل عرفته أم سمعت عنه. فبطرس لم يُكَوِّن رأيه عن المسيح من كلام الناس، بل الله أعلن لهُ، إذًا فلنصرخ إلى الله ليفتح أعيننا لنعرف المسيح ونختبره فنقول مع أيوب، بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني (أي 5:42) لنصلي حتى يعلن لنا الروح القدس عمن هو المسيح، وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس (1كو 3:12 + يو 14:16) إيماننا بالمسيح، ومعرفتنا بالمسيح هو إعلان إلهي يشرق به الآب بروحه القدوس.وتم تسليم هذا
الإيمان خلال التلاميذ والكنيسة، واستلمناه نحن، ولكن لنصلي حتى لا يبقى هذا الإيمان مجرد خبرة نظرية ولكن خبرة عملية بشخص السيد المسيح، فنحبه إذ ندرك لذة العشرة معه، ومن يُدرك هذا سوف يحسب كل الأشياء نفاية (في 8:3).أنت هو المسيح = المسيح هو المسيا الذي كان اليهود ينتظرونه مخلصًا. وكلمة المسيح تعني الممسوح من الله. وكانت المسحة في العهد القديم هي للملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء فقط (رؤ 5:1 + 1بط 4:5 + لو 76:1) وفي هذه الآيات نرى المسيح ملكًا ورئيسًا للكهنة ونبيًا).
ابن الله الحي= لقد سبق نثنائيل وقال هذا قبل بطرس، أن المسيح ابن الله ولكن نثنائيل كان يقصدها بطريقة عامة كما يقولون إسرائيل ابن الله. ولذلك لم نسمع أن السيد طوب إيمان نثنائيل كما فعل مع بطرس (يو 47:1-51).
أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي= المسيح لا يبني كنيسته على إنسان مهما كان هذا الإنسان. ولكن معنى الكلام أن الكنيسة ستؤسس على هذا الإيمان الذي نطق به بطرس، أن المسيح هو ابن الله الحيّ. وبإتحادنا به خلال المعمودية نصير أولاد الله، وندخل إلى العضوية في الملكوت الروحي الجديد وننعم بحياته فينا، نحمله داخلنا كسر حياة أبدية. والخلاص يعني أيضًا استعادة الحياة الفردوسية بأفراحها ونحن على الأرض ويكون لنا سلطان على إبليس وعلى الخطية.
ولاحظ قول الكتاب أَنْتَ (مذكر) بطرس وعلى هَذِهِ (مؤنث) الصخرة إذًا الصخرة هي ليست بطرس، لأن الصخرة التي تُبْنَى عليها الكنيسة هي المسيح نفسه (1كو4:10). والمسيح هو حجر الزاوية (1بط 6:2). وكلمة بطرس مُشتقة عن اليونانية Petra بترا أي صخرة، فالمسيح أسس كنيسته على صخرة هي الإيمان به كابن الله والمسيح لم يقل له أنت Petra. بل قال له أنت Petrus.
وراجع تفسير الآيات (تث 32: 4، 31). هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ = كلمة صخر في العبرية هي "تسور" وهي تُتَرْجَم عادة صخر ولكنها أيضاً تعني أصل / مصدر / نبع / السبب الأول. وهذه كلها تُفيد معنى الخالق لذلك تعني في هذه الفقرة "هو الخالق الكامل صنيعه" على أن الترجمة صخرة مناسبة أيضاً لأنه يحتمي فيها المسافر في الصحراء من العواصف وقد ترجمتها السبعينية ثيئوس θεός أي الله).
فيصير معنى كلام الرب يسوع وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي = أن المسيح يبني كنيسته على هذا الإيمان بأنه يهوه إبن الله.
والصخرة تعني أيضاً أن شعب الله مؤسس عليه ومُتكل عليه فهو القوي غير المتزعزع وهو الذي يحمي شعبه من زوابع هجمات الشيطان رئيس سلطان الهواء (أف2:2).
أبواب الجحيم لن تقوى عليها = أبواب الجحيم هي إشارة لِقُوَى الشر وهذه لن تنتصر على الكنيسة، بل ولا الموت قادر أن يسود على المؤمنين، بل هم سيقومون من الموت في الأبدية ( هذا إذا كان إيمانهم صحيحًا كإيمان بطرس) وهي أيضًا تشير للتجارب والحروب ضد الكنيسة والمؤمنين سواء كان مصدرها الشيطان أو بشر يحركهم شياطين. فابن الله الصخرة وحجر الزاوية هو بنفسه الذي يسند كنيسته فلن تنهار.
وتشير لأن الكنيسة التي يقودها المسيح هي كنيسة بصلواتها وتسابيحها تهاجم أبواب الجحيم، تهاجم الشيطان الذي هزمه المسيح، والكنيسة تكمل عليه. وهناك مثال لذلك، فيوآب حينما كان يحارب جيش إبشالوم، وتعلق إبشالوم في الشجرة ضربه يوآب وطلب من جيشه أن يجهزوا عليه فضربه كل واحد بسهم. وهكذا نجد أن المسيح بصليبه ضرب الشيطان فصار عدو مهزوم، وصلوات الكنيسة تكمل عليه ولن يقوى عليها.
وأعطيك مفاتيح.. + (مت 18:18 + يو 21:20). فالمسيح أعطى لكنيسته سلطان الحل والربط وغفران الخطايا وإمساكها، القبول في شركة الكنيسة أو إخراج وفرز المخالفين من الشركة المقدسة، السيد أعطى لكنيسته سلطان الحكم على أولادها وتأديبهم. المسيح من خلال كنيسته يحل ويربط. والربط هو لمن يصر على خطيته، فتحرمه الكنيسة من التناول. والحل هو لمن يتوب ويعترف بخطاياه.
أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد
= اليهود تصوَّروا أن المسيح آتٍ كمخلص يخلصهم من الرومان. وهم فهموا بعض الآيات في سفر المزامير مثل تحطمهم بقضيب من حديد (مز 9:2 + مز6:79) بطريقة خاطئة، لذلك حرص المسيح أن لا ينتشر خبر أنه المسيا حتى لا يفهم الشعب أنه آتٍ ليحارب الرومان لذلك كان يوصي تلاميذه أن لا يقولوا أنه المسيا، وأيضًا المرضى وكل من أخرج منهم شياطين أمرهم أن لا يقولوا لأحد، وانتهر الشياطين حتى لا تقول وتتكلم وتكشف هذه الحقيقة أمام الجموع (لو 41:4) لأن الجموع كان لها مفهوم سياسي وعسكري لوظيفة المسيا.ولكن حينما أعلن بطرس أن المسيح هو ابن الله فرح المسيح وطوبه، لكنه وجه تلاميذه للفهم الحقيقي السليم للخلاص، وأن هذا لا يتم بالانتصار على الرومان، بل بموته وقيامته (مت 21:16) إذًا نفهم أن المسيح يود أن يعرف الناس حقيقته، ولكن ليس كل واحد، بل لمن له القدرة على فهم حقيقة الخلاص. وفي أواخر أيام المسيح على الأرض ابتدأ يعلن صراحة عن كونه ابن الله (مت 63:26-64). لكن نلاحظ أنه تدرج في إعلان هذه الحقيقة بحسب حالة السامعين. فإن مَنْ له سَيُعطَى ويزاد (مت 12:13) فبقدر ما ينمو السامع في استيعاب أمور وأسرار الملكوت يرتفع التعليم ويزيد وينمو ليعطي الأكثر والأعلى. فمستوى السامع في نموه هو الذي يحدد مستوى التعليم الذي يقدمه المسيح، أما النفس الرافضة فينقطع عنها أسرار الملكوت والحياة مع الله. فالله إذًا يعطينا أن نكتشف أسراره بقدر ما نكون مستعدين لذلك. وراجع حوار المسيح مع السامرية لترى التدرج في إعلان حقيقته ومع تجاوبها كان يعلن لها ما هو أكثر عنه.
- إذًا الهدف الأول من أن لا يقولوا لأحد أن لا تطالبه الجماهير بأن يكون ملكًا زمنيًا أرضيًا فتحدث ثورة شعبية ضد الرومان، ولهذا أثاره الرهيبة. بل ستتعطل خدمة المسيح وتعليمه.
- السبب الثاني حتى لا يحرص الكتبة والفريسيون أن يقتلوه قبل الوقت، أي قبل أن ينهي كل تعاليمه وأعماله.
- لا يصح أن يتكلم التلاميذ عنه كابن الله دون أن تظهر ألوهيته بالدليل الساطع وذلك بقيامته فعلًا بعد موته.
متى (مت 13:16) قيصرية فيلبس= أسسها هيرودس فيلبس، وسميت باسمه تميزًا لها عن قيصرية التي على البحر. وهي عند سفح جبل حرمون بجانب منبع نهر الأردن (لو 18:9) وفيما هو يصلي... (مز 27: 8) وفي الطريق:- لوقا وحده أشار لصلاة المسيح وربطها بهذا الإعلان السمائي لبطرس بحقيقة المسيح، إذ بصلاة المسيح يُعلن الآب بروحه القدوس لبطرس هذا السر. ومعنى صلاة المسيح هو شفاعة المسيح عنّا أمام الآب. وهذا معناه أننا مقبولين أمام الآب فيه. لذلك نطلب باسمه أي شيء نطلبه من الآب. (يو 23:16-24). فالمسيح صلّى على إنفراد (لو 18:9) ثم سار معهم إلى نواحي قيصرية فيلبس.
وفي الطريق سألهم هذا السؤال، فالمسيح مهتم أننا في طريق حياتنا نحو السماء نتعرف عليه ونراه دائما معنا، بل وفي كل خطوة "ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر" (مت28: 20). هو معنا ويكون لنا كل شيء الإله القوى الذي يحفظنا ويحمينا ويعيننا ويستر علينا ويغفر خطايانا فنكون مقبولين أمام الله ... هو كل شيء لنا.
فالمسيح بشفاعته عنا يقبلنا الآب ويعمل فينا بروحه القدوس، وأول ما يعمله فينا الروح القدس أنه يثبتنا في المسيح ابن الله (بالمعمودية والتوبة والاعتراف والتناول) ثم يعلن لنا عمن هو المسيح فنفهم حقيقة علاقتنا بالله، هو يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو 16:8). لوقا يشير لصلاة المسيح هنا لأنه يدرك خطورة ما سيعلنه بطرس الآن، ويشير أننا لا يمكننا فهم هذه الحقائق إلاّ بشفاعة المسيح الكفارية= صلاته أي صلته هو بالآب فهم واحد وصلته بنا فنحن صرنا جسده. وهذا ما كان أيوب يشتهيه، وقد حَقَّقهُ المسيح "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أى9: 33). وكيف صِرنا جسده؟ الرد في آية 21.
ولاحظ أن نص اعتراف بطرس يختلف من إنجيل لآخر، ولكن بجمع النصوص يتكامل المعنى.
متى:- المسيح ابن الله الحي:- هذه إشارة للاهوته فهو الله المتجسد.
مرقس:- المسيح:- هو المسيح أي الممسوح كرئيس كهنة سيقدم ذبيحة نفسه.
لوقا:- مسيح الله:- هو مسيا النبوات الموعود به في الكتاب، الذي ينتظرونه.
(مت 21:16-28 + مر31:8-33؛ مر 1:9 + لو 22:9-27):-
(مت 21:16-28):-
مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلًا: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!» فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ». حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ».
وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ. فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلًا: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
(مر1:9):-
وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ».
قَائِلًا: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهذَا يُخَلِّصُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي، فَبِهذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ. حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ».
آية (21):-
مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ.
المسيح أوضح لتلاميذه من هو وأنه أتى ليؤسس كنيسته، وها هو يعلن ثمن تأسيس الكنيسة أي الصليب. وقبل أن يتوهم تلاميذه إذ سمعوا أنه ابن الله المسيا المنتظر، أنهم سيملكون معه إذ يصير ملكًا وقائدًا عظيمًا، ها هو يشرح لهم أنه حقًا سيملك ولكن سيملك على قلوب كنيسته بصليبه، حاملًا الرياسة على كتفه (أش6:9) فالرياسة كانت بصليبه الذي به ملك على قلوبنا، هو بصليبه هدم مملكة الخطية ومملكة إبليس وأقام ملكوته. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وقوله هذا يشير لأنه يعلم سابقًا وبدقة ما سيحدث له، إذًا فما سيحدث له هو بسلطانه.
آية (23):-
فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
رفض بطرس للصليب هذا لهو نابع من ذاته، أمّا اعترافه بأن السيد هو المسيح ابن الله الحي فهو من الله. اذهب عني يا شيطان= بطرس ليس شيطانًا ولكنه يردد ما وسوس به الشيطان لهُ، فالشيطان دائمًا يصور لنا رفض الصليب الموضوع علينا. ويبدو أن بطرس كان رافضًا لفكرة الصليب حتى النهاية، لذلك حين سألهُ السيد أتحبني.. أتحبني.. أتحبني صرح له السيد بعد ذلك أنه سيموت مصلوبًا، ولعلم السيد أن بطرس رافض لفكرة الصليب كرر له كلمة اتبعني = أي لا ترفض الصليب إن كنت حقيقة تحبني (يو 15:21-22). ويقال أن نيرون حين أراد قتل بطرس اقنعه المؤمنون في روما بالهرب، فهرب بطرس، وعلى أبواب روما رأى السيد المسيح متجهًا لروما فسأله إلى أين؟ فقال أنا ذاهب لأصلب بدلًا منك. فعاد بطرس وسلم نفسه وطلب أن يصلب منكس الرأس.
ولاحظ ما قاله المسيح أنت معثرة لي.. اذهب عني يا شيطان.. لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس.
فالسيد جاء ليقيم مملكته خلال صليبه وطلب ممن يريد أن يكون له تلميذًا أن يحمل صليبه ويتبعه، فمن يرفض الصليب يرفض الفكر الإلهي آية (24).
معثرة = تعمل على تعطيل الصليب والفداء.
شيطان = ولا يوجد من يهتم بتعطيل الفداء سوى الشيطان، والشيطان هو الذي يوسوس في داخلنا برفض الصليب.
لا تهتم بما لله = الترجمة الحرفية لكلمة تهتم، أن عندك وجهة نظر معينة فهناك من لهم وجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظر الله (مثل بطرس هنا) وهي أننا نقبل أن نسير مع المسيح في الصحة والمجد العالمي والغنى المادي.. إلخ.، أما لو وُجِدَ صليب، نرفض المسيح ونتصادم معهُ. ويكون هذا بإيعاز من الشيطان. لذلك قال السيد لبطرس اذهب عني يا شيطان، لأن بطرس كان يكرر فكر الشيطان. والشيطان الخبيث دائمًا يسعى لأن يقنع أولاد الله بأنه لو أن الله يحبهم لأعطاهم خيرات زمنية (مال وعظمة وقوة وسلطان..) ولكن لنعلم أنه كرئيس لهذا العالم (يو 30:14) يغرينا بما تحت يديه، لكن أولاد الله يرفضون العالم بما فيه حتى لو وصلوا لأن يُصلبوا، ويقبلون من يد أبيهم السماوي ما يسمح به سواء خيرات زمنية أو صليب، فما يسمح به أبوهم السماوي فيه حياتهم الأبدية، ولكن شرط الشيطان أن يعطينا من خيرات العالم أن نخر ونسجد لهُ (مت 9:4). والمسيح أعطانا مثلًا حتى نفهم هذا فقال متسائلًا هل لو سأل ابن أباه أن يعطيه خبزًا فهل يعطيه أبوه حجرًا ... فإن كنتم تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا صالحه فكم وكم أبوكم السماوي. من هنا نعلم أن ما يسمح به الله سواء خيرات زمنية (مال / صحة..) أو ما يسمح به من تأديبات، هو لصالح أولاده، هو لخلاص نفوسهم وهو طريقهم للسماء (رو28:8) + (1كو 21:3-22) + مرض أيوب وتجربته كانت لخلاص نفسه وكذلك مرض بولس.
حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي.
ينكر نفسه = يرفض فكرة أن له حق في الخيرات الزمنية، وهذا ما يقنعنا به إبليس لنتصادم مع الله. مثل الأخ الأكبر للابن الضال، إذ تخاصم مع أبيه من أجل أنه لم يعطه جِدْيًا يفرح به مع أصدقائه، وقارن مع محبة أبيه الذي يقول له كل شيء هو لك، والله أعطانا أن نرثه أي نرث مع المسيح (رو17:8) فهل نتصادم معه من أجل أشياء تافهة. يحمل صليبه = يقبل بما سمح به الله واثقًا في محبة الله، وأن ما سمح به هو للخير حتى وإن لم نفهم الآن (يو 7:13). إن أراد أحد = إرادة حرة. ويتبعني = طاعة كاملة لكل ما يسمح به الله.
ولنلاحظ أن الصليب هو بذل المسيح ذاته حبا فينا دون أن يطلب منه أحد هذا ودون أن يطلب هو منا أي مقابل. وهذه هي أعلى درجات المحبة، والتي يطلب الرب من كل من يريد أن يكون له تلميذًا حقيقيا أن يصل لهذه الدرجة. ولذلك تضع كنيستنا الشهداء في أعلى الدرجات فهم بذلوا حياتهم حبا في المسيح.
فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.
يخلص نفسه= يهرب من الاستشهاد / يهرب من الشدائد في الخدمة مثلًا ليتمتع بملذات الدنيا / يرفض الصلاة والصوم لمتع دنيوية.
يهلك نفسه = يتقدم للاستشهاد / يقدم جسده ذبيحة حيَّة / يقمع جسده ويستعبده / يصلب أهواءه وشهواته.
لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟
لو ربح العالم كلهُ = هذا مثل من يضيع عمره في عمله تاركًا الله، مثل هذا فليعلم أن العالم زائل بطبعه. وخسر نفسه= وهي الباقية ولاحظ أن السيد قال هذه الآية ردًا على رفض بطرس للصليب. إذًا رفض الصليب فيه ربح للعالم وخسارة أبدية. ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه = الأموال إن ضاعت فجائز أن تعود، أما النفس فهلاكها خسارة لا تعوض. وكيف أقدم فدية عن إنسان تم قتله فعلًا. فإن هلكت النفس، أي ذهبت للجحيم بعد موتها فلا فداء لها.
آية (مت 27:16):-
فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.
من يَرضَى بأن يهلك نفسه، مقدما نفسه ذبيحة حية (رو12: 1) وصالبًا أهواءه مع شهواته (غل5: 24) ستكون مجازاته سماوية في مجد سماوي هو امتداد للملكوت الداخلي الذي نعيشه هنا على الأرض، ننعم بسلام يفوق كل عقل، وفرح حقيقي بالرغم من آلام هذا العالم (في 7:4 + يو 22:16) أما الملكوت الأخروي فبلا ألم (رؤ 4:21).
أماّ من ترك المسيح ليجري وراء لذات العالم فنصيبه معاناة وحزن على الأرض، ونار متقدة أبدية. وفي هذه الآية يتكلم المسيح عن مجده = يأتي في مجد. فهو بعد أن تحدث عن ألامه يتحدث هنا عن مجده. ولنلاحظ قول بولس الرسول أن كل من يتألم معهُ يتمجد أيضًا معهُ (رو 17:8). فمن احتمل صليبه بشكر سيتمجد معهُ.
القول الوحيد المسجل للقديس الأنبا بولا "أن من يهرب من الضيقة يهرب من الله" فالضيقة هي شركة ألم وصليب مع المسيح، ومن يشترك معه في الصليب سيشترك معه في المجد.
ملخص الأحداث الماضية:-
كان لابد للرب وتلاميذه أن يتركوا كفرناحوم، فخدمة المسيح في الجليل قد إنتهت، وأيضًا تزايدت عداوة الفريسيين ومؤامراتهم ضد المسيح، وتشكيكهم مما يفسد عمل المسيح مع الجليليين. بالإضافة لتساؤلات هيرودس أنتيباس الذي تلوثت يده بدماء المعمدان عن المسيح، كل هذا جعل بقاء المسيح في الجليل بلا فائدة. وعند مغادرة المسيح للجليل أشبع الخمسة ألاف على الشاطئ الغربي للبحيرة، وكان هذا هو العشاء الأخير لليهود فأرادوا أن يجعلوه ملكا. وإنسحب الرب مع تلاميذه بعد ذلك إلى نواحي صور وصيدا ثم إلى العشر المدن حيث علَّمَ وشفى أمراضهم. وبعد ذلك أشبع الأربعة آلاف لينهي خدمته في هذه الأماكن. ثم ذهب إلى دلمانوثة، وهناك تحداه الفريسيين والصدوقيين أن يظهر علامة على صدق إرساليته ولكنه لم يظهر لهم شيء فقلوبهم قد إغلقت ولن يفهموا إذ هم لا يريدون أن يفهموا فقد إتخذوا قرارهم برفضه. لكن الرب حذرهم من مصيرهم المشئوم. وهذا ما حدث لهم إذ رفضوا المسيح فكان هذا رفضا لهم من قبل الله، وحدث ما حذر الرب منه أي مصيرهم الحزين، وأخذ الأمم مكانهم. وكان هذا معنى أن الاعتراف بالمسيح من قبل بطرس والتجلي، يحدثان في حدود الأمم وليس اليهود. ولكن يبدو أن التلاميذ لم يفهموا بل كان في داخلهم تساؤلات - لماذا إنسحب المسيح ولم يظهر علامة فأعطى فرصة للفريسيين أن يظهروا كمنتصرين. بل كان هذا السؤال هو سؤال رئيس الكهنة "هل أنت المسيح ابن الله" وكانت إجابة المسيح بأنه أكد هذا لكنه لم يثبته أمام رئيس الكهنة. وخاف المسيح على تلاميذه أن يسود عليهم الشك، بل سيزداد الشك إذ يجدونه قد صلب ولم يُعلن عن ملكه. وهذا يحدث مع كل منا أننا نقع في هذا الفخ حينما يكون رد فعل الله مخالفا لتوقعاتنا، [وأنظر رد تلميذيّ عمواس على المسيح "هذا الذي كنا متوقعين أنه المزمع أن يفدي إسرائيل"] ولذلك أخذ المسيح معه تلاميذه وانسحب إلى العشر مدن ليُثبِّت إيمانهم، وحذرهم أن يكون لهم نفس الشك الذي عند الفريسيين = "تحرزوا من خمير الفريسيين" إذ أنهم كانوا يريدون أن يبدو المسيح كمنتصر أمام الفريسيين ويظهر لهم علامة. وما حدث بعد ذلك من أقوال وأعمال للمسيح كان تثبيتا لإيمان التلاميذ. ونلاحظ إصرار المسيح على تعاليمه، ومن يريد أن يغادر فليغادر (يو6: 67). ولكن من ناحية أخرى كان يثبت إيمانهم الذي كان قد بدأ ينمو في كفرناحوم. والرب يعمل معنا نفس العمل فهو يدربنا بطرق متنوعة ليثبت إيماننا فنقبل أحكامه وأقواله الصعبة. ولكن هناك من التلاميذ من فشل أن يثبت إيمانه فتحطم حينما لم تتوافق خطة المسيح مع تصوراته في أن المسيح سيكون ملكا بالمفهوم البشري، ألا وهو يهوذا. هذا الذي كانت له أطماعه العالمية في مملكة عالمية يكون له فيها شأن عظيم، وبدأت أحلامه تتبخر أولًا باستشهاد المعمدان. ثم نمت وإنتشرت خميرة الفريسيين تمامًا داخله، إذ لم يجد المسيح يعطي علامة من السماء وينزل عن الصليب ويأخذ الملك كما كان يتوقع هو. ويمكن أن يحدث هذا داخل كل منا إذ يكون حكم المسيح في الأمور عكس ما تشتهي قلوبنا.ماذا عمل الرب يسوع لتثبيت إيمان تلاميذه؟ أخذهم في رحلة هادئة في البحيرة من دلمانوثة إلى قيصرية فيلبس ليهدأوا، ثم بادرهم بالسؤال عن ماذا عرفوا هم عن شخصه بعد كل خبراتهم معه طوال مدة وجوده معهم وبعد أن رأوا أعماله وأقواله. وهنا كانت إجابة بطرس "أنت هو المسيح ابن الله الحي". وبدأ المسيح يخبرهم بأنه سيصلب، حتى يعرفوا أنه كان عالما بكل شيء وأن هذا الصليب هو خطة إلهية، فحين يحدث لا يتشككوا (قارن مع يو14: 19). ولكن كانت قطعة صغيرة من خمير الفريسيين قد تسللت للتلاميذ. فنجد بطرس يعترض على الصليب فهذا ضد فكره، فهو يتوقع ويريد المسيح ملكا منتصرا، هذا ما يحدث مع كل منا حين نجد أن خطة الله وفكره لا تتفق مع مشيئتنا وفكرنا. ونجد بعد ذلك أن الرب يعلم ويشرح عن ضرورة حمل الصليب. وعلى كل من يريد أن يتبع المسيح فليحمل صليبه ويتبعه. هنا صار الصليب ليس فكرا نقبله أو نرفضه بل هو طريق نتبع به المسيح. ولكن الصليب ليس هو النهاية بل "سيأتي ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته ليجازي كل واحد حسب عمله" (مت16: 21 - 28). وترك المسيح تلاميذه ستة أيام ليهدأوا. وكان بعد ذلك أن أخذ معه بعض التلاميذ، وأظهر لهم نفسه على جبل التجلي ليعطيهم علامة لم ينسوها طيلة أيامهم. وهذا يتضح من تسجيل القديسين بطرس ويوحنا لحادثة التجلي في رسائلهما.
وسأل الرب تلاميذه عن من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان" كان هذا ليس استطلاعًا لرأي الناس بل لرفع فكر التلاميذ إلى مستوى معرفة حقيقة شخص المسيح. وكان رد التلاميذ "يوحنا المعمدان أو إرمياء أو إيليا. وهذا مع أن إرمياء والمعمدان إنتقلوا من هذا العالم. ولاحظ أن هذا كان رأي الناس وليس رأي التلاميذ، فبعض اليهود كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح وأن روح إرمياء تسكن في المسيح، وأنه ينذر إسرائيل حتى لا تخرب كما فعل إرمياء من قبل. أما أن روح المعمدان تسكن في المسيح فهذا مستحيل فالمعمدان كان معاصرا للمسيح. ومن لا يؤمن بهذا تصور أن المسيح كان امتدادا لرسالة إرمياء أو المعمدان. [ومن قالوا إيليا كان ذلك لفهمهم نبوة ملاخي النبي أن إيليا يكون سابقا للمسيا (ملاخي4: 5).] ولكن نرى أنه لم يوجد من قال أنه المسيا. وفي هذا نرى أن تشكيك الفريسيين في المسيح كان له هذه النتيجة، وأنه حدث ارتداد وسط الناس بعد أن كانوا قد حسبوه أنه هو المسيا وأرادوا أن يجعلوه ملكا. فلم يعترف أحد بأنه المسيا المنتظر، إلا أن ردودهم كانت تعني أنه ليس شخصًا عاديًّا أو معلمًا عاديًّا، بل أن رسالته كانت من السماء مباشرة. ثم سأل الرب تلاميذه "وأنتم من تقولون إني أنا". وكان سؤال الرب لتلاميذه ليستخرج من أفواههم إيمانهم تثبيتا لإيمانهم. ولذلك حين نطق بطرس بما قاله أمَّن الرب يسوع على كلامه وقال أن من أعطى هذه الإجابة لبطرس هو الله الآب نفسه. وإختلف نص الإجابات المذكورة في الثلاثة الأناجيل، ولكن كل منهم كان يختار من إجابة بطرس ما يتفق مع من يكتب له إنجيله. فمتى مثلا لأنه كان يكتب لليهود ذكر إجابة بطرس بما يتفق مع الفكر اليهودي "أنت هو المسيح ابن الله الحي" وهذا تعبير يهودي صرف. وكان نص الإجابة بحسب متى هو النص الكامل حسبما قاله بطرس فعلا، أما النصوص بحسب القديس مرقس "أنت المسيح" وبحسب القديس لوقا "مسيح الله" فهي ردود مختصرة.
كان داخل التلاميذ بذرة إيمان، ظل ينمو فنرى أن بطرس قد نطق باعتراف مشابه بعد حديث المسيح عن خبز الحياة (يو6: 69). ونما هذا الإيمان أكثر بعد سير المسيح على الأمواج. وظل هذا الإيمان ينمو حتى كان إعتراف بطرس بإعلان من الله، تقبله بطرس وخضع له بقية التلاميذ. وكان هذا الإعلان الإلهي لبطرس عقب صلاة المسيح قبل أن يسأل سؤاله للتلاميذ (لو9: 18). وبهذا الاعتراف إتضح أن خمير الفريسيين لم يفسد إيمان التلاميذ. ولكن قطعا تعرض بعدها التلاميذ للحظات شك. ولم يستقر إيمانهم بما نطق به بطرس إلا بعد القيامة ورؤية الرب. [ولكن هم لم يعرفوا حقيقة المسيح وأنه يهوه المتجسد والمتأنس إلا بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين].
(مت 28:16 + مر 1:9 + لو 27:9) قومًا لا يذوقون الموت:-
(مت 28:16):-
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ».
(مر 1:9):-
وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ».
حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ».
بعد الآية السابقة والتي تحدث فيها السيد المسيح عن المجد، أصبح اشتياق التلاميذ شديدًا أن يروه أو حتى يعرفوا ما هو. والسيد في هذه الآية يطمئنهم بأن بعضًا منهم لن يذوقوا الموت قبل أن يروا ملكوت ابن الإنسان. فما هو ملكوت ابن الإنسان؟
ملكوت ابن الإنسان هو حين يجلس عن يمين أبيه، ويكون في صورة مجد الآب. ويجلس ليدين. ويملك على الأبرار وهم يخضعون لهُ، ويطأ إبليس وتابعيه ويحبسهم في البحيرة المتقدة بالنار فيكفوا عن مقاومتهم لملكه. كل هذا سيكون في يوم الدينونة وما بعده.. ولكن نلاحظ أن كل من أستمع للسيد المسيح وهو يقول هذا الكلام، الكل ماتوا أو استشهدوا قبل مجيء السيد المسيح في مجده ليدين الجميع. فما معنى أن منهم من لا يموت قبل أن يرى ابن الإنسان آتيًا في ملكوته؟
نلاحظ أن بعد هذه الآية مباشرة، وفي الأناجيل الثلاثة تأتي قصة تجلي المسيح على الجبل. وفي التجلي رأى بعض التلاميذ بعضًا من مجد السيد المسيح بقدر ما كشفه لهم، وعلى قدر ما احتملوا، وهم تمتعوا بمجده، وكان هذا إعلانًا عن بهائه الإلهي، وهؤلاء لم يموتوا حتى رأوا هذا المجد وآخرون ممن سمعوا كلمات المسيح هذه رأوا قيامته وصعوده وحلول الروح القدس على الكنيسة وبدء ملكوت الله داخل قلوب المؤمنين، رأوا آلاف تترك آلهتها الوثنية (بل وتبيع ممتلكاتها كما رأينا في سفر أعمال الرسل) ويحرقوا كتب السحر ويتبعوا المسيح ويملكوه على قلوبهم، ورأوا آلاف الشهداء يبيعون حياتهم حبًا في المسيح، كل هؤلاء كان ملكوت الله في داخلهم (لو 21:17). لقد رأوا ملكوت الله معلنًا في حياة الناس ضد مجد العالم الزائل.
كل هؤلاء الشهداء والذين باعوا العالم لأجل المسيح تذوقوا حلاوة ملك المسيح على قلوبهم، وكان هذا عربون المجد الأبدي إلى أن يحصلوا على كمال مجد الملكوت المعد لهم. وهناك ممن سمعوا قول المسيح هذا لم يموتوا حتى رأوا خراب أورشليم وحريقها الهائل سنة 70 م.، لقد رأوا صورة للمسيح الديان، ورأوا عقوبة رافضي المسيح. ولاحظ أن الله دبر هروب المسيحيين كلهم من أورشليم قبل حصارها النهائي.
لا يذوقون الموت =هذه لا تقال إلاّ على الأبرار فهم لا يموتون بل ينتقلون، وكما قال المسيح عن الموت أنه نوم (عن ابنة يايرس وعن لعازر). أمّا الأشرار فهم يموتون وهم ما زالوا على الأرض "ابني هذا كان ميتًا فعاش + لك اسم أنك حيّ وأنت ميت (لو 24:15 + رؤ 1:3). وذاق الموت قيلت عن المسيح (عب 2: 9) فتذوق الموت هو موت بالجسد أما الروح فتذهب إلى الله في انتظار القيامة. ومن يتذوق عربون المجد الأبدي هنا على الأرض لا يموت بل يتذوق الموت فقط. ويكون معنى كلام السيد أن من الموجودين، من لن ينتقل قبل أن يتذوق حلاوة ملكوت الله في داخله، وهذا ما حدث بعد يوم الخمسين حينما حل الروح القدس فملأهم سلامًا وفرحًا، وكان المسيح يحيا فيهم (غل 20:2).
آتيًا في ملكوته= هذا حدث يوم قيامة المسيح ويوم صعوده، ويوم تجليه، ويوم آمن من عظة بطرس 3000 نفس واعتمدوا.. وانتشار الكنيسة التي ملكت المسيح على قلبها، واندحار أعداؤه الذين صلبوه وهذا حدث في حريق أورشليم.
← تفاسير أصحاحات إنجيل متى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير متى 17 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير متى 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f27vvv6