محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
متي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
«فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ. ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا. وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ. ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ. فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا. فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا. وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ قَائِلِينَ: هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ! فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ. أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ».
هذا المثل ضربه السيد المسيح ليشرح [الآية السابقة مت 30:19] ويتضح هذا من (مت 16:20). أن آخِرين يكونون أولين.
والمثل مأخوذ من بلاد الشرق حيث تعود الفعلة الأجراء أن يتجمعوا في مكان معين من القرية، ويأتي أصحاب المزارع إلى هذا المكان ليؤجروا بعض العمال للعمل في حقولهم نظير اجر متفق عليه. وهذا المثل قاله السيد في بيرية (عبر الأردن). أثناء ذهابه للمرة الأخيرة إلى أورشليم. ومعنى المثل هو الخلاص لجميع الناس، فالأمم وهم أصحاب الساعة الحادية عشر لهم نصيب في الملكوت تمامًا مثل اليهود أصحاب الساعة الأولى، أي الذين عرفوا الله منذ أيام إبراهيم وإسحق ويعقوب. وبنفس المفهوم فالخلاص هو لجميع التائبين الآن مهما تأخرت توبتهم. فالدينار إذًا هو دخول ملكوت السموات، هو الخلاص، وهو الخير الذي سيقدمه الله لكل مؤمن تائب. ولنلاحظ أن المساواة هي في دخول الملكوت للكل. ولكن داخل الملكوت فإن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد (1كو 41:15).
الفعلة = هم كل البشر الذين يدعوهم الله للحياة معه وخدمته.
آية(1):- رجلًا رب بيت= هو المسيح كلمة الله الحي، رب السماء والأرض. الخليقة السماوية والأرضية هي بيته الذي يدبر أموره ويهتم به. كرمه= هي الكنيسة التي بخمرها يفرح الله. والله يدعو الكل لكنيسته. وما أجمل أن نرى السيد يدعو الكل لكنيسته، طوال ساعات النهار، فهو يدعو الجميع ليخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تى 4:2).
خرج = الله هو الذي يبادِر بالحب. فهو الذي قدَّم الفداء لنحيا أبديًا دون أن يسأله أحد. فهل كان أحد يتصور أن هناك حلًا للموت.
آيات (2-6):- الساعات هي بحسب التوقيت اليهودي، فالساعة الأولى هي الساعة السادسة صباحًا، هي بداية تكوين الأمة اليهودية حين دعا الله إبراهيم. ثم الساعة الثالثة هي التاسعة صباحًا الآن. والسادسة هي الثانية عشر ظهرًا الآن. والحادية عشرة هي في نهاية النهار هي ساعة دعوة الأمم بعد انقضاء النهار اليهودي.أي لقد اقترب وقت انتهاء علاقة إسرائيل بالله. وأيضًا تشير الساعات هذه لأن الله يدعو الإنسان في كل مراحل عمره، وحسنا لو استجاب حتى لو كان في الساعة الحادية عشرة، أمّا لو تكاسل فالثانية عشر تشير للموت فهي تأتي بحلول الظلام ونهاية اليوم أي نهاية العمر. إن الصوت الإلهي لهو موجه للبشرية كلها خلال كل الأيام وكل مراحل العمر. الصوت الإلهي لا يتوقف ما دام الوقت يُدعى اليوم (عب 13:3). ولكن إذا كان المثل يُفهم منه أن الله يقبل أصحاب الساعة الحادية عشرة، فهذا لا يعني أن نؤجل توبتنا لسن الشيخوخة فمن يعلم متى تكون نهاية عمره، الساعة الحادية عشرة هي التي تسبق الموت مباشرة ولا تعني سن الشيخوخة. وأيضًا لماذا نؤجل التوبة وفيها أفراح وتعزيات.
آية 6: ولاحظ أن أصحاب الساعة الحادية عشرة ما كانوا ممتنعين عن العمل، بل لم يستأجرهم أحد فهم ليسوا معاندين ولا مقاومين لله بل لم تصلهم دعوة الله، أو لم يفهموها. هم كانوا راغبين في العمل وليسوا متكاسلين.
آية 6: بطالين =إشارة للأمم وقد صاروا بطالين كآلهتهم الباطلة وإشارة لكل من يسير وراء شهواته وخطاياه فهو بطال استأجره الشيطان.
* ولنأخذ مثالًا، فالمسيح دعا بولس الرسول في منتصف حياته بعد أن كان بطالًا مضطهدًا للكنيسة، كان آخِرًا فصار أولًا إذ استجاب.
* لقد إنحطت البشرية وسقطت بسبب الخطية ولكن الله في محبة لم ينتظر أن تصعد إليه البشرية، بل هو الذي يبادر بالخروج ليدعوها فترتفع إليه.
* الدينار= هو انفتاح الملكوت أمام البشر، فصار لنا إمكانية دخول الملكوت والبقاء فيه في حياة أبدية والتمتع بشخص المسيح. وهذا ليس لبرٍ فينا إنما هو عطية من الله لأنه صالح =لأني أنا صالح. هذه عطيته تعبيرًا عن جوده الإلهي وكرمه. وهذه العطية ليست عائدة على أعمالنا بل عائدة على كرمه، فالنعمة هي عطية مجانية لا تُعطَى لأعمالنا، بل هي محبة من الله ورحمة "ولكن الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8). فمهما عملنا، هل كان أحد يستحق أن يتجسد المسيح ويموت لأجله ويفتح له باب السماء. هذا معنى حصول الكل على نفس الدينار، فدخول السماء باستحقاق دم المسيح لا علاقة له بأعمالنا.
* ولكن نكرر 1) النعمة الآن أي عمل الروح القدس فينا وامتلائنا به متوقف على جهادنا، فالنعمة لا تُعطَى إلاّ لمن يستحقها، حقًا.. المسيح مات لأجل الكل مجانًا.. لكن الخلاص والتمتع بثمار صليبه يحتاج للجهاد المستمر كما يقول بولس الرسول "بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا" (1كو9: 27) . 2) لن يكون الكل متساوون في المجد، بل كل واحد سيكون له بحسب عمله. الكل يدخلون (المؤمنون التائبون) ولكن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد.
آية (11):- تذمروا= إشارة لتذمر اليهود على قبول الأمم، وتذمر الأخ الأكبر على قبول الأب للابن الضال. وهذا التذمر راجع للحسد، وكان حريًا بهم أن يفرحوا لخلاص الكثيرين ويفرحوا بلطف سيدهم ورحمته إذ أنعم على الآخرين بالملكوت، ولكن هذا الحسد دفع اليهود لرفض المسيح فصار الآخِرون أولون.
آية (15):- أم عينك شريرة =إشارة لحسدهم. ولاحظ أن تذمرهم معناه أنهم لم يجدوا لذة في العمل لحساب الله بل هم عملوا فقط لأجل الأجر. وكان هذا هو منطلق التفكير اليهودي والفريسي، ومن يتشبه بهم حتى الآن، أن هؤلاء يعملون ويخدمون الله ويطلبون الأجر المادي ويحسدون من يكافئه الله ويعطيه أكثر منهم، وهذا راجع لحب الذات. هؤلاء لا يرجع تذمرهم لحرمانهم من شيء وإنما يرجع للخير الذي ناله الغير. عينك شريرة =حقود.
لأني أنا صالح= أي كريم أعطي بسخاء.
آية(12):- إحتملنا ثقل النهار والحر= وماذا يساوي هذا التعب بجانب المجد المعد لأولاد الله. المشكلة أن هؤلاء كانوا يعملونه بروح العبودية فلم يشعروا بأي تعزية، بل شعروا بثقل النهار وحره.
رأى رائع لإدرشيم العالِم اليهودي المُتَنَصِّر
في عقب قصة الشاب الغني (مت 19: 16-30) قال بطرس للرب "ها قد تركنا كل شيء وتبعناك" .. كأنه يطلب المكافأة على ذلك. وواضح أن بطرس لم يكن فاهما حتى هذه اللحظة سوى موضوع المكافأة الأرضية في مقابل ما عمله، بينما هو قد سمع الرب يقول أنه لا يجد أين يسند رأسه. والسيد في محبته لم يجب عليه بما حصل عليه وسيحصل عليه. ولكن خاف الرب على التلاميذ أن يرتدوا للفكر الفريسي في رفض الخطاة كما رفض الفريسيين العشارين التائبين. وكما رفض الابن الأكبر أخيه الضال حينما عاد. وأعطى الرب مثل الفعلة في الكرم ليشرح قوانين الملكوت الجديدة. والمبدأ البسيط الذي وضعه الرب في هذا المثل أنه وإن كان لا يضيع أجر كأس ماء بارد، لكن لا يجب أن نحيا كالفريسيين في بر ذاتي ونتوقع المكافأة على كل عمل نقوم به. ولا يجب أن نتوقع أنه كلما زاد عملنا ستزداد المكافأة، أو بمعنى أننا نتصور أن المكافأة تكون بحسب رؤيتنا وحكمنا، أو أننا نحن الذين نُقَيِّم عملنا. ولذلك بدأ الرب بقوله "كثيرين أولون يكونون آخِرين، وآخِرون أولين". وهذه الآية تشرح لماذا كان المثل. ولاحظ أن الرب لم يقل أن كل أول سيكون آخِرًا وكل آخِر سيكون أولًا، لكنه قال كثيرين. ولذلك فلا معنى لإحتجاج أحد أو إعتراضه لأنه حصل على أقل مما توقع. ونتيجة لعدم فهمنا تمامًا لطبيعة علاقة الله بنا لن يخرج منا سوى الكبرياء الروحي أو التذمر أو مشاعر خاطئة تجاه الآخرين - حين نُقيِّم نحن عملنا والمكافأة التي حصلنا عليها، مع عمل الآخَرين وما حصلوا عليه. وببساطة يكون معنى المثل أننا يجب أن لا نتذمر على الله لو وجدنا الله يعطي آخَر نصيبًا أكبر منّا مع أننا عملنا أكثر منه. العمل ليس هو مقياس عطايا الله لنا.
خرج صاحب الكرم (الرب) ليبحث عن فعلة لكرمه (ملكوت الله)، وهو خرج بنفسه وخرج فجرا ولم يرسل خداما من عنده، دليلا على إهتمامه بهذا العمل. وإتفق مع بعض الفعلة للذهاب إلى كرمه على أن يدفع لهم دينارا في اليوم، وكانت هذه أجرة العامل في اليوم، ويوم العمل عند اليهود يبدأ من الصباح الباكر حتى غروب الشمس. والمعنى أن صاحب الكرم أخبرهم أنه سيدفع لهم المبلغ الذي يرجوه العامل. وفي الساعة الثالثة خرج صاحب الكرم وإستأجر مجموعة أخرى لأن هناك أعمالا كثيرة مطلوبة في الكرم. ولم يقل لهم سأعطيكم دينارا بل قال "أعطيكم ما يحق لكم" وربما تصور هؤلاء الذين لم يبدأوا باكرا أنهم لا حق لهم في أن يتفاوضوا على الأجر ولكن هم وثقوا في كلمة صاحب الكرم وعدله وكرمه. وتكرر هذا حتى الحادية عشرة. ونلاحظ أن عدم ذهاب الفعلة للعمل ليس ذنبهم، بل هم لم يستأجرهم أحد، أو ربما لأنهم لم يكونوا موجودين في السوق الذي يوجد فيه الفعلة (الكنيسة حظيرة المسيح الراعي الصالح). وهؤلاء الآخرين واضح أنهم الأمم وأيضًا هم العشارين والزواني التائبين. هؤلاء قضوا جزءا كبيرا من حياتهم بعيدا عن السوق. ولكنهم حينما وُجِدوا وإستأجرهم صاحب الكرم لم يرفضوا العمل وذهبوا ليعملوا حتى بدون وعد من صاحب الكرم بأجر معين، وبالرغم من صحتهم التي ضعفت بفعل السن إذ دخلوا كبارا. ونلاحظ أيضًا إهتمام صاحب الكرم بكرمه وخروجه عدة مرات للبحث عن فعلة للكرم.
وحينما انتهى العمل مساء طلب صاحب الكرم (الله) من وكيله (المسيح) أن يعطي الفعلة أجرهم وإبتدأ من الآخِرون فأعطاهم دينارا - وهذا جزء مهم من المثل - فهو لو بدأ بالأولين لكانوا أخذوا الدينار وانصرفوا راضين فهكذا كان الإتفاق، أو لو بدأ بالأولين وإستمروا موجودين ورأوا أن الآخِرين أخذوا مثلهم فكل ما سيحدث هو مشاعر حقد على الآخرين. ولكن المقصود من المثل ليس معالجة مشاعر الحقد وخلافه. لكنهم حينما رأوا الآخِرين يأخذون دينارا ظنوا أنهم يأخذون أكثر منهم فلما أخذوا الدينار المتفق عليه إعترضوا. ونلاحظ أيضًا أن فعلة الساعة الثالثة والسادسة ... لم يعترضوا فصاحب الكرم لم يتفق معهم على شيء، بل هم أخذوا أكثر من حقهم فهم بدأوا العمل متأخرين. ومن إعترضوا هم الأولين الذين بدأوا العمل باكرا وثارت فيهم شراهتهم للمزيد عن الإتفاق لما رأوا الآخِرين يأخذوا دينارا، وتصوروا أنهم سيأخذون نصيبا أكبر. وهذا بالضبط هو المقصود بالمثل - أن لا نُقَيِّم نحن ما نستحقه عن عملنا ولكن الله في سخائه يعطي بحسب نعمته أكثر مما نظن أو نفتكر.
ومن ناحية العدل فالقضية في صالحهم، فهنا حدث تساوي بين من عمل باكرا مع من جاء مساء. ولكن ألم يتفقوا مع صاحب العمل على دينار وها هم أخذوا حقهم فلماذا الاعتراض؟ وهذا الدينار هو أجرة العامل في اليوم وهم عملوا يوما فلماذا الاعتراض؟ فمن ناحية أخرى للعدل فهم أخذوا حقهم الذي إتفقوا عليه.
لكن لننظر للموضوع من وجهة نظر من أتى متأخرا، فهؤلاء لم يتفاوضوا على أجرة ولم يتفقوا على شيء، وربما ظنوا أنهم لن يحصلوا على شيء يذكر، لكنهم أتوا واضعين أمام عيونهم كرم ورحمة ومحبة هذا السيد صاحب الكرم. وكما آمنوا هكذا كان، إذ كان السيد كريما جدًا معهم وأعطاهم أكثر مما يستحقون. ولاحظ قول السيد "فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك" فهنا تشديد على أرادة السيد في العطاء بل سعادته بذلك، وهذا السيد لم يقتطع شيئا من الذين أتوا مبكرا في الساعة الأولى. هو لا ينسى أجر كأس ماء بارد. ولكن سرور السيد بالعطاء فهذا ما يسمى النعمة. السيد يعطي ليس بحسب الأعمال والاستحقاق بل بحسب محبته ورحمته. وهنا نرى الفرق بين اليهودية والمسيحية. فاليهود يفهمون أن الله يعطي بحسب الاستحقاق، أما المسيحية فتفهم أن عطايا الله ليست بحسب الاستحقاق بل بمقتضى النعمة وهذا هو ما علم به بولس الرسول "الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي اعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الازمنة الازلية" (2تى 1: 9) + "لا باعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى3: 5). وهذا ما حدث في قبول الأمم وثورة اليهود على ذلك. وهنا نرى أولون صاروا آخِرين وآخِرون صاروا أولين. وأما عن الملكوت (الكنيسة) فهناك دائما عمل لكل واحد، مع كلمة عتاب بسيطة من السيد "لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين". والسيد يظل يدعو الكل للعمل حتى آخر لحظة ويتساءل - "لماذا تظل بطالا بلا عمل، ما زال هناك فرص عمل للكل". وهو سيعطي أكثر مما نظن أو نفتكر بحسب نعمته (أف3: 20). الله هو إله الجميع يهود وأمم وهو لا يدفع أجرة بل يعطي بمحبة "وبسخاء ولا يعيِّر".
وكما رأينا من قبل أن الرب يسوع يستخدم أمثالا من واقع ما يفهم اليهود ولكنه يعطيها الفكر المسيحي الصحيح. فاليهود استخدموا أمثلة مشابهة - وقالوا إذا إستأجر أحد عاملا دون الاتفاق على أجر سيحاسبه بحسب أجور بقية العمال، أي كما يحاسب الباقين. وقال البعض من الربيين أن صاحب العمل يحاسب هذا الشخص بحسب أقل أجر من أجور العاملين في المكان. ولكن معظم الربيين قالوا بل سيحاسبه على متوسط أجور العاملين أي أن ما يأخذه هذا العامل هو متوسط أعلى أجر وأقل أجر من أجور العمال - أما مثل المسيح هنا فهو شيء آخر تمامًا. ومثل آخر لأحد الربيين الذي توفي شابًا صغيرًا في سن 28 سنة. وعرفوا أنه في نعيم بالرغم أنه عمل عملا لمدة قصيرة. فقالوا هذا يشبه ملكا إستأجر عمالا لكرمه، ووجد عاملا صغيرا أعجبه عمله فإصطحبه معه في الدخول والخروج. فلما أتى وقت الحساب أعطاه كالآخرين الذين عملوا كل اليوم. فتذمر هؤلاء وقالوا أن هذا لم يعمل سوى ساعتين. وكان رد الملك لكنه بمهارته أنجز في الساعتين نفس ما عملتموه كل اليوم. وكان هذا إشارة لمميزات هذا الرابي. ملخص الفكر اليهودي أن عطاء الله بحسب العمل. ومثل الرب هنا معناه أنه يعطي بمقتضى نعمته.
ملخص التعاليم التي في المثل:-
1. هدف المثل أن الرب أراد أن لا يكون لتلاميذه الفكر الفريسي فيرفضوا الخطاة، وأن يطالبوا بأجر عن كل عمل أو خدمة يقدمونها للملكوت.
2. الفكر اليهودي أن عطاء الله بحسب العمل وبحسب الاستحقاق، أما في المسيحية عطاء الله بحسب محبته ورحمته وهذا ما نسميه النعمة. بل أن الله يُسَّر بأن يعطي - لذلك فعطايا الله أكثر مما نظن أو نفتكر.
3. أصحاب الساعة الحادية عشر (العشارين والزناة الذين أضاعوا حياتهم في الخطية لكنهم أتوا أخيرا) ظنوا أنهم غير مستحقين لكنهم في رحمة الله وسخاءه في العطية أخذوا كثيرا من نعمته. وهذا منطق كنيستنا التي لا تكف عن ترديد "كيريي ليسون" بشعور حقيقي من عدم الاستحقاق.
4. الله لا ينسى كأس ماء وسيكافئ عليه. وهذا معنى أن أصحاب الساعة الأولى حصلوا على أجرهم.
5. لا يجب أن نتوقع مكافأة معينة جزاء كل عمل نقوم به. ولا يجب أن نتوقع أن تكون مكافأتنا بحسب تقييمنا، فإن حصلنا على أقل مما نتوقع تذمرنا على الله. هذه ليست طريقة تعامل أبناء مع أبيهم.
6. [ولهذا عاتب الرب كهنة العهد القديم على هذه النقطة أي توقع أجر مادي على كل عمل يقومون به "من فيكم يغلق الباب، بل لا توقدون على مذبحي مجانًا" (ملا1: 10). مجانًا عائدة على غلق الباب وتقديم الذبيحة، وكلمة مجانا تكررت فعلا في الترجمة الإنجليزية القديمة KJV . والمعنى أنهم يطالبون بأجر على كل خدمة يقدمونها مهما كانت تافهة كغلق الباب. وهذا فكر العبيد في منازل سادتهم وليس فكر الأبناء في بيت أبيهم، هو فكر الأخ الأكبر للابن الضال].
7. هناك عمل لكل واحد في الكنيسة، وهناك أعمال كثيرة، والكل مدعو، والله مهتم بالعمل، ويخرج طول النهار يبحث عن عمال لكرمه. ويدعو الجميع حتى آخر لحظة. وسيقبل حتى من يأتي متأخرا، وربما يوجه له كلمة عتاب رقيقة.
(مت 17:20-19 + مر 32:10-34 + لو31:18-34):-
(مت 17:20-19):-
وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذًا عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّا سَيَحْدُثُ لَهُ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
وَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذلِكَ شَيْئًا، وَكَانَ هذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ.
لقد اقترب ميعاد الصليب، والمسيح متجه الآن إلى أورشليم للمرة الأخيرة التي سيصلب فيها. ونسمع في (مر32:10) أن التلاميذ كانوا يتحيرون ويخافون فهم يعرفون عداوة الفريسيين والسنهدريم لمعلمهم، وطالما تنبأ لهم المعلم بأنه سوف يتألم منهم، وها هم ذاهبون إلى أورشليم وكانوا شاعرين بأن أمورًا خطيرة ستحدث ولكنهم كانوا متحيرون ماذا سيحدث بالضبط. وها هو السيد يتكلم بوضوح عما سيتم حتى إذا كان يؤمنون (يو29:14) وإذا ما حدث ما قاله فحينئذ سيعرفون أن ما حدث كان بإرادته وسيؤمنون بالأكثر. ومع أن كلام المسيح كان واضحًا إلاّ أن التلاميذ لم يفهموا، فهم لم يتصوروا أن هذا المعلم العجيب الذي يقيم الموتى يستسلم بهدوء للكهنة =ولم يعلموا ما قيل وربما تصوروا أن ما قاله المعلم سيكون مجرد مناوشات يتسلم بعدها مُلك إسرائيل. لذلك يأتي بعد هذا مباشرة طلب ابنا زبدي أن يجلسا عن يمينه ويساره في ملكه. فهم ما تصوروا أبدًا موت المخلص الذي أتى ليخلص إسرائيل، فكيف يخلصها إن هو مات.
(مت 20:20-28):-
حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي». فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ الأَخَوَيْنِ. فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ». وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
بمقارنة متى ومرقس نفهم أن يعقوب ويوحنا طلبا من أمهما أن تطلب هي من المسيح أن يجلسا عن يمينه وعن يساره، فهما ربما خافا أن يطلبا هذا الطلب من السيد مباشرة. وهذا الطلب يعني أن أفكارهما ما زالت في الملك الأرضي. ولكن الطلب يبين أيضًا أنهما مخلصان للسيد ويودان لو تألما معه كما يقول وبعد هذا يجلسان عن يمينه وعن يساره. وحين سمع السيد طلب الأم وجه الكلام ليعقوب ويوحنا فرد عليه يعقوب ويوحنا. فحين يقول مرقس أن يعقوب ويوحنا هما اللذان قاما بالطلب من المسيح، فهذا لأن الطلب هو أصلًا منهما، وأن الحوار بعد ذلك تم معهما مباشرة. وهم طلبوا المجد مع المسيح ولكنهم لم يفهموا أن المسيح سيتمجد بالصليب، لذلك قال لهما المسيح عن الصبغة أي أنه سيتغطى بالدم. وبهذا فالسيد يشرح ليعقوب ويوحنا ثم باقي التلاميذ أن العظمة الحقيقية هي في الصليب وفي الخدمة والبذل، وهذا التعليم غير تعليم اليهود والفريسيين. حينئذٍ= بعد كلام المسيح عن صليبه. فكان كلام ابني زبدي هو عدم الفهم التام لما سوف يحدث.
أما كأسي= هذه الكأس هي التي أعطاها له الآب أي الآلام المعدة له. فتشربانها = فيعقوب مات شهيدًا، ويوحنا عذبوه كثيرًا (أع 2:12) ونحن هل نقبل أن نشرب الكأس التي يعطيها لنا الآب، من يقبل سيكون له نصيب في المجد = هؤلاء قال عنهم الذين أعد لهم من أبي = هؤلاء هم الذين قبلوا حمل الصليب مع المسيح.
فليس لي أن أعطيه = السيد المسيح قال أن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن (يو22:5). ولكن في (يو47:12) يقول لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم. ومن هذا نفهم أن المسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص وليدعو الناس للإيمان والتوبة. أما في مجيئه الثاني فهو سيأتي ليدين (مت 31:25-34، 41) لذلك فالمسيح في مجيئه الأول لن يحدد من يجلس عن يمينه ومن يجلس عن يساره في الملكوت. وفي تواضعه أو بينما هو في وضع إخلائه لذاته قال ليس لي أن أعطيه.. لكن الذين أعد لهم من أبي.. وهذه متفقة مع قوله لأن أبي أعظم مني (يو 28:14)، أو لأن الآب ينسب له الإرادة، والتنفيذ ينسب للابن والروح القدس.
أم ابني زبدي = هي سالومي خالة المسيح، فيعقوب ويوحنا ظنا أن السيد المسيح سيوافق على طلبهما بسبب القرابة الجسدية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن ليس هذا هو موقف المسيح من القرابة الجسدية (راجع مت 46:12-50).
سؤال المسيح لهما ماذا تريدان أن أفعل لكما= ليس لأنه لا يعرف بل ليحرك مشاعرهما فيخجلان مما يطلبانه تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا= المسيح سيصطبغ بدمه على الصليب ويعقوب اصطبغ بدمه إذ مات شهيدًا. ولكن كل مسيحي حين يعتمد فهو يموت ويدفن مع المسيح، وتكون المعمودية هي الصبغة التي يصبطغ بها ، ويعقوب ويوحنا في تسرع قالا نستطيع وهذا التسرع ناشئ عن:-
1) محبتهم للمسيح 2) جهلهم بما يعنيه المسيح 3) تفكيرهم محصور في مجد أرضي.
العشرة ابتدأوا يغتاظون= إذ ظنوا أن المسيح أعطاهم نصيبًا عظيمًا في ملكوته الأرضي فدب الحسد في قلوبهم، وهذا هو المرض الذي يوجهه عدو الخير بين الخدام، حب الرئاسات والكرامة الزمنية. لذلك بدأ المسيح يشرح لهم أن ملكوته يختلف عن أي ملكوت عالمي في مبادئه وروحه وأغراضه، العظيم في ملكوت السموات هو من ينسى نفسه ويخدم الآخرين ويتضع باذلًا نفسه.. كما فعل المسيح نفسه.
والآن ونحن قد فهمنا إخلاء المسيح له المجد لنفسه واختياره طريق الصليب صرنا نفهم أن العظمة الحقيقية ليست في المراكز العالمية بل بالتشبه بالمسيح في رفض كل مجد عالمي.
(مت 29:20-34):-
وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» فَانْتَهَرَهُمَا الْجَمْعُ لِيَسْكُتَا، فَكَانَا يَصْرَخَانِ أَكْثَرَ قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» فَوَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَاهُمَا وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟» قَالاَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ تَنْفَتِحَ أَعْيُنُنَا!» فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا، فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ.
(مر 46:10-52):-
وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!» فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا الأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ! قُمْ! هُوَذَا يُنَادِيكَ». فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ.
وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِسًا علَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. فَلَمَّا سَمِعَ الْجَمْعَ مُجْتَازًا سَأَلَ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟» فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. فَصَرَخَ قِائِلًا: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». فَانْتَهَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ، أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ سَأَلَهُ قِائِلًا: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ!». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». وَفِي الْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا اللهَ.
1) متى يذكر أنهما أعميان ومرقس ولوقا يذكران أنه أعمى واحد بل أن مرقس يحدد اسمه، ويبدو أنهما كانا اثنين فعلًا ولكن أشهرهما هو بارتيماوس هذا، فذكر مرقس ولوقا أنه واحد وهو المشهور ولكن لعل هذا يحمل معنى رمزي، فالمسيح أتى ليجعل الاثنين واحدًا اليهود والأمم، ويعطي كليهما استنارة ومعرفة لله، فكلاهما كانا أعميان. ومتى يكتب لليهود فيذكر الاثنين ومرقس ولوقا يكتبان للأمم فيقولان واحد.
2) كان هذا جالسًا يستعطي (مر 46:10) وفي هذا يشبه الخاطي الذي هو أعمى روحيًا ويسلك في الظلمة ولا يرى طريق الملكوت، بل يجلس ليستعطي كسرة عفنة من شهوات زائلة. ومن ضمن الشهوات الزائلة ما طلبه ابني زبدي من مجد عالمي لذلك ذكرت هذه القصة هنا أما من انفتحت عينيه فيستقبل المسيح كملك في قلبه كما نرى في الآيات الآتية عن دخول المسيح كملك إلى أورشليم.
3) انتهره كثيرون ليسكت، وهذا يحدث في صراع التوبة إذ تنتهرنا العادات القديمة والشهوات المحبوبة والأصدقاء الأشرار والمجتمع الفاسد فلا نجد لنا طريق إلاّ الصراخ أكثر كثيرًا مثل الأعمى طالبين الرحمة، وكما استجاب يسوع لهذا الأعمى الذي يصرخ سيستجيب حتمًا لكل من يناديه
4) يا يسوع ابن داود ارحمني = هذا الأعمى يهودي وهو سمع عن المسيا وأنه سيكون ابن داود حسب النبوات، لذلك فقوله ابن داود يحمل معنى إيمانه بأنه المسيا المنتظر (مز11:132 +أش1:11).
5) الأعمى طرح رداءه وقام وجاء إلى المسيح، وهذا يشير إلى أن كل خاطئ يريد أن تستنير عينيه، عليه أن يطرح أعماله القديمة تابعًا المسيح. الرداء قد يشير للحياة القديمة أو التكاسل القديم أو الحياة العتيقة. والرداء يشير لشكل حياتنا القديمة "تغيروا عن شكلكم بتغيير أذهانكم" (رو12: 2).
6) سؤال السيد ماذا تريد أن أفعل بك، يعني أن السيد يريد أن يعلن إيمان هذا الرجل أمام الجميع. وأنه يعطي من يسألونه.
7) لاحظ أنه حين تمتع بالبصيرة تبع يسوع.
8) فصرخ أكثر كثيرًا = هذه تعلمنا اللجاجة في الصلاة بإيمان.
9) متى ومرقس يقولان وفيما هو خارج من أريحا ولوقا يقول ولما اقترب من أريحا. ويقول متى أنهما اثنان ومرقس ولوقا يقولان واحد:- وهناك حلاّن لهذا:-
1. بينما كان يسوع يقترب من أريحا سمع عنه هذا الأعمى فصرخ ولكن يسوع تركه ليشتد إيمانه. وفي الصباح أثناء خروجه من أريحا ازداد هذا الأعمى صراخًا، في حين كان أعمى آخر قد انضم إليه فشفاهما.
2. يقول يوسيفوس أنه كانت هناك مدينتين باسم أريحا، أريحا الجديدة وأريحا القديمة. وهما متجاورتان، على بعد ميل واحد من بعضهما. ويكون يسوع في هذه الحالة خارجًا من واحدة مقتربًا من الأخرى والأعميان في وسط الطريق.
3. كانا اثنين ولكن كان واحد هو المتقدم في الكلام.
هذه المعجزة آخر معجزة للسيد المسيح قبل دخوله لأورشليم ليصلب وبها نرى أن الأعميان يرمزان للبشرية (يهود وأمم) التي عجزت عن رؤية الله ومعرفته. وجاء المسيح ليقدم لها الفداء وتنفتح أعين البشرية وتعرف الله وتدرك محبته. وكلما صرخنا مثل هذا الأعمى تدركنا مراحم الله وتنفتح أعيننا بالأكثر لندرك الله فنحبه لأنه أحبنا أولًا. أما الجموع التي كانت تنتهر الأعميان فهي تشير لكل المعطلات التي تمنعننا عن الصراخ لاستدرار مراحم الله. ونأتي لسؤال السيد للأعمى... ماذا تريد... وهو سؤال لكل منا الآن.
ماذا نريد؟
← تفاسير أصحاحات إنجيل متى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير متى 21 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير متى 19 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b8swzw7