← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
الأَصْحَاحُ السَّابِعُ عَشَرَ
(1) أهمية المحبة (ع1-9)
(2) أهمية الحكمة ( ع10-28)
1- لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ. 2- اَلْعَبْدُ الْفَطِنُ يَتَسَلَّطُ عَلَى الابْنِ الْمُخْزِي وَيُقَاسِمُ الإِخْوَةَ الْمِيرَاثَ. 3- الْبُوطَةُ لِلْفِضَّةِ، وَالْكُورُ لِلذَّهَبِ، وَمُمْتَحِنُ الْقُلُوبِ الرَّبُّ. 4- الْفَاعِلُ الشَّرَّ يَصْغَى إِلَى شَفَةِ الإِثْمِ، وَالْكَاذِبُ يَأْذَنُ لِلِسَانِ فَسَادٍ. 5- الْمُسْتَهْزِئُ بِالْفَقِيرِ يُعَيِّرُ خَالِقَهُ. الْفَرْحَانُ بِبَلِيَّةٍ لاَ يَتَبَرَّأُ. 6- تَاجُ الشُّيُوخِ بَنُو الْبَنِينَ، وَفَخْرُ الْبَنِينَ آبَاؤُهُمْ. 7- لاَ تَلِيقُ بِالأَحْمَقِ شَفَةُ السُّودَدِ. كَمْ بِالأَحْرَى شَفَةُ الْكَذِبِ بِالشَّرِيفِ! 8- الْهَدِيَّةُ حَجَرٌ كَرِيمٌ فِي عَيْنَيْ قَابِلِهَا، حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ تُفْلِحْ. 9- مَنْ يَسْتُرْ مَعْصِيَةً يَطْلُبِ الْمَحَبَّةَ، وَمَنْ يُكَرِّرْ أَمْرًا يُفَرِّقْ بَيْنَ الأَصْدِقَاءِ.
ع1:
توضح هذه الآية أهمية السلام الذي يسود البيت. فلو كان هذا البيت فقيرًا، وليس له طعام إلا خبز جاف، فهو مشبع ومريح، ويملأ القلب فرحًا، أفضل من أن يكون هذا البيت غنيًا، ومملوءًا باللحوم والذبائح، وأنواع الأطعمة المختلفة، وليس فيه سلام، بل على العكس خصام، ومنازعات، وانقسامات، فلن يستفيد شيئًا من كثرة الخيرات المادية؛ لأن النفوس ستكون مضطربة بسبب الخصام. فموسى النبي، وهو راعى غنم مع حميه يثرون، كان طعامه قليلًا، ولكنه كان يحيا في سلام وفرح مع الله في البرية. وهذا كان أفضل من كل الذبائح والخيرات المادية التي تمتع بها في قصر فرعون.
ع2: العبد الفطن، أي الحكيم نتيجة حكمته، وسلوكه الحسن مع سيده، يصير عزيزًا في عينى السيد، أفضل من الابن المخزى؛ لعدم حكمته وخطاياه المختلفة. بل إن السيد يعطى عبده الفطن قسمًا من الميراث مع باقي بنيه.
وقد حدث هذا مع يربعام ابن نباط، الذي شق المملكة لعدم حكمة الملك رحبعام ابن سليمان (1 مل 12: 6-11). وعبيد الاسكندر الأكبر الأربعة اقتسموا ميراثه وتملكوا على الأمم (1 مك1: 6، 7).
ع3: البوطة
: إناء لصهر الفضة وغيرها من المعادن.الكور: الفرن الذي يصهر فيه الذهب وغيره من المعادن.
إن كان الصانع يصهر الفضة والذهب ليفصلهما عن الشوائب الملتصقة بهما، فالله أيضًا يمتحن أولاده بالتجارب ليفصل الخطايا، والضعفات ليبعدها عنهم.
ولتنقية الفضة، أو الذهب يتم تسخينه لدرجات حرارة عالية، فتنصهر المعادن (الشوائب) الملتصقة بهما قبل الوصول لدرجة إنصهار أي منهما وبهذا تتنقى الفضة والذهب. كذلك الإنسان الروحي في التجارب تبعد عنه الخطايا، مثل الكسل والفتور الروحي، والشهوات الردية؛ ليصير نقيًا، ويعاين الله.
† فلا تخف أيها الأخ الحبيب إن كنت ذهبًا من التجارب التي تمر بها، فهي بسماح من الله، وبمقدار محدد؛ ليخلصك من ضعفاتك، فتزداد نقاوتك، كما قال القديس أغسطينوس.
ع4: يأذن
: يستمع بأذنه باشتياق.الإنسان الشرير يميل إلى الشر، ويهتم بسماعه، فيصغى باهتمام إلى كلام الإثم الذي يتحدث به الشيطان على أفواه الأشرار. والكاذب يتلذذ بسماع الكلمات الفاسدة، فيزداد كل منهما شرًا.
وبالطبع العكس صحيح، فالإنسان البار يميل إلى سماع كلام الله، فيزداد برًا.
فداود النبي كان يستمع إلى صوت الله، ويتأمل في مزاميره، ويخضع لناثان النبي، فازداد برًا، أما شاول الملك الشرير، فكان ينصت لكلام عبيده الأشرار فازداد شرًا.
ع5: لا يتبرأ
: يعاقب.بلية: مصيبة.
الإنسان الذي يحتقر الفقير، ويستهزئ به لأجل فقره، فهو قد عير الله خالقه، لأن الله يصنع كل شيء حسنًا. وقد سمح الله أن يكون هذا الإنسان فقيرًا؛ لينال الغنى بركة العطاء، وتظهر محبته لأخيه الفقير. والفقير يفرح أيضًا بمحبة الغنى له، فيشعر الإثنان بالإخوة والمحبة في المسيح.
وإذا شمت إنسان ببلية غيره، فهذا يؤكد أنه شرير، يفرح في مصائب الآخرين، بدلًا من أن يشفق عليهم، ويساندهم.
وقد شمت آدوم (نسل عيسو أخو يعقوب) بمملكة يهوذا (إخوته)، عندما هجم عليها ملك بابل ودمر أورشليم، وقتل اليهود، ومن نجوا سقطوا في السبي، فتنبأ عنهم عوبيديا أن بلادهم ستخرب ويهلكون، من أجل شرهم، وشماتتهم في اليهود.
ع6: تحدثنا هذه الآية عن الأسرة المثالية المترابطة، وكيف يكون التعامل الأمثل بين أفرادها، فالشيوخ يفرحون، ويحبون أحفادهم جدًا، لا يغضبون عليهم، أو يستهزئون بأفكارهم، بل يشجعونهم بمحبة وحنان، فيصير هؤلاء الأحفاد تاجًا يزين رؤوس هؤلاء الشيوخ.
ومن ناحية أخرى، فالبنون يحترمون ويوقرون أباءهم الذين ربوهم، وتعبوا من أجلهم. ورغم وجود اختلافات بين الأجيال في الأفكار، لكن كل واحد يحترم رأى الآخر وشخصيته، فيعيش الكل في محبة، ويفرح الله بهم.
ع7: السودد
: هو السؤدد والمقصود المجد والرفعة، وهي مأخوذة من كلمة ساد، أو سيادة.الشريف: الإنسان الذي له مكانة كبيرة، مثل الأمير، أو القائد.
إذا تكلم الغبى بكلمات مملوءة بالمجد والعظمة، فهذا لا يليق به، بل يعتبر رياءً وتفاخرًا لا يتفق مع شخصيته.
وبالأولى لا يصح أن ينطق الرجل الشريف العظيم بكلمات الكذب؛ لأن الناس ينتظرون منه كلمات الصدق، ويحترمون كلامه لأجل مركزه الكبير، فكيف يكذب؟!
ويظهر الكتاب المقدس شاول الملك الذي سار في الشر، ولكنه عندما ذهب ليقبض على داود الملتجئ لصموئيل، دخل بين الأنبياء فتنبأ، وتعجب الناس وقالوا "أشاول أيضًا بين الأنبياء" (1 صم10: 11). فالشر الذي يصنعه لا يتفق مع الكلام الروحي الذي ينطق به، كذلك كان من العجيب أن يكذب إبراهيم ليحمى نفسه من المصريين، ويقول أن سارة أخته، ليخفى أنها زوجته (تك12: 13).
ع8: تفلح
: تنجح.عندما يقدم إنسان هدية لآخر، تظهر محبته له، فقابل الهدية يفرح بها، ليس فقط من أجل قيمتها، بل بالأكثر من أجل محبة من يقدمها له؛ لأنه يقدمها بلا غرض إلا الحب. وهي بهذا تختلف تمامًا عن الرشوة.
وهذه الهدية تربط قلبى مقدمها وقابلها، فتنجح في ربطهما في صداقة وحب، ويشعر قابل الهدية كأنها حجر كريم؛ حتى لو كانت قليلة القيمة في ثمنها.
فهدية يعقوب لعيسو أزالت كل تعب في قلب عيسو، فتعانق الأخان بعد غيبة عشرين عامًا (تك33: 4). وكذلك هدايا يوناثان لداود عبرت عن محبته الشديدة (1 صم 18: 1-4).
ع9: إذا أخطأ إنسان أمامك فليتك تشفق عليه؛ لأنك أنت أيضًا معرض للسقوط في الخطية. فاستر عليه، أي لا تظهر خطيته، ولا تشهر به، إلتمس له العذر، واعطه فرصة للتوبة، كما فعل القديس أبو مقار مع الراهب الزانى.
أما من يكرر أمرًا، أي يقع في النميمة والإدانة، فإنه يعلن ويشهر بهذا الخاطئ، ويجعل سمعته سيئة، فيوقع بينه وبين أحبائه، وبهذا يفرق بين الأصدقاء، وهذا يبين أنه ليس عنده محبة ورحمة. هذا ما فعله شمعى بن جيرا عندما شمت بداود، وشتمه وهو هارب من وجه أبشالوم (2 صم 16: 5).
† المحبة هي أهم شيء في هذه الحياة. وقد أعلنها المسيح واضحة بأكثر قوة على الصليب. والمحبة هي اللغة التي يعرفها كل البشر. فليتك يا أخى تحب من حولك، وتشفق عليهم إن أخطأوا، فيرحمك الله، ويغفر لك خطاياك.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
10- اَلانْتِهَارُ يُؤَثِّرُ فِي الْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ جَلْدَةٍ فِي الْجَاهِلِ. 11- اَلشِّرِّيرُ إِنَّمَا يَطْلُبُ التَّمَرُّدَ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ رَسُولٌ قَاسٍ. 12- لِيُصَادِفِ الإِنْسَانَ دُبَّةٌ ثَكُولٌ وَلاَ جَاهِلٌ فِي حَمَاقَتِهِ. 13- مَنْ يُجَازِي عَنْ خَيْرٍ بِشَرّ لَنْ يَبْرَحَ الشَّرُّ مِنْ بَيْتِهِ. 14- اِبْتِدَاءُ الْخِصَامِ إِطْلاَقُ الْمَاءِ، فَقَبْلَ أَنْ تَدْفُقَ الْمُخَاصَمَةُ اتْرُكْهَا. 15- مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ. 16- لِمَاذَا فِي يَدِ الْجَاهِلِ ثَمَنٌ؟ أَلاقْتِنَاءِ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ فَهْمٌ؟ 17- اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ. 18- اَلإِنْسَانُ النَّاقِصُ الْفَهْمِ يَصْفِقُ كَفًّا وَيَضْمَنُ صَاحِبَهُ ضَمَانًا. 19- مُحِبُّ الْمَعْصِيَةِ مُحِبُّ الْخِصَامِ. الْمُعَلِّي بَابَهُ يَطْلُبُ الْكَسْرَ. 20- الْمُلْتَوِي الْقَلْبِ لاَ يَجِدُ خَيْرًا، وَالْمُتَقَلِّبُ اللِّسَانِ يَقَعُ فِي السُّوءِ. 21- مَنْ يَلِدُ جَاهِلًا فَلِحَزَنِهِ، وَلاَ يَفْرَحُ أَبُو الأَحْمَقِ. 22- الْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يُطَيِّبُ الْجِسْمَ، وَالرُّوحُ الْمُنْسَحِقَةُ تُجَفِّفُ الْعَظْمَ. 23- الشِّرِّيرُ يَأْخُذُ الرَّشْوَةَ مِنَ الْحِضْنِ لِيُعَوِّجَ طُرُقَ الْقَضَاءِ. 24- الْحِكْمَةُ عِنْدَ الْفَهِيمِ، وَعَيْنَا الْجَاهِلِ فِي أَقْصَى الأَرْضِ. 25- الابْنُ الْجَاهِلُ غَمٌّ لأَبِيهِ، وَمَرَارَةٌ لِلَّتِي وَلَدَتْهُ. 26- أَيْضًا تَغْرِيمُ الْبَرِيءِ لَيْسَ بِحَسَنٍ، وَكَذلِكَ ضَرْبُ الشُّرَفَاءِ لأَجْلِ الاسْتِقَامَةِ.27 ذُو الْمَعْرِفَةِ يُبْقِي كَلاَمَهُ، وَذُو الْفَهْمِ وَقُورُ الرُّوحِ. 28 بَلِ الأَحْمَقُ إِذَا سَكَتَ يُحْسَبُ حَكِيمًا، وَمَنْ ضَمَّ شَفَتَيْهِ فَهِيمًا.
ع10:
الإنسان الحكيم مستعد أن يتعلم كل يوم حتى يزداد حكمة؛ لأن الحكيم متضع، ويقبل العتاب والتوبيخ، ويتأثر بهما.أما الإنسان الجاهل فهو عظيم وبار في عينى نفسه، ولذا لا يقبل العتاب، أو التوبيخ، بل حتى لو ضربوه مئة جلدة يشعر أنه مظلوم، ولا يستحق أي عقاب، فهو رافض للتعلم والتلمذة، ولذا يزداد جهله كل يوم.
فداود النبي عندما وبخه ناثان النبي قدم في الحال توبة، فهو مثال للإنسان الحكيم.
أما فرعون أيام موسى فهو مثال للجاهل الذي رغم أن الله ضربه عشرة ضربات، لكن ظل قلبه قاسيًا، وكانت نهايته الهلاك والغرق في البحر الأحمر.
ع11: الذى يفعل الشر يتقسى قلبه تدريجيًا، فلا يعود يشعر ببشاعة خطيته ويتمادى في الشر، ويتمرد على كل سلطة، أو نظام، بل على الله نفسه. لذا يسمح الله أن يأتي عليه رسول قاس، فيؤدبه لعله يتوب، كما حدث مع مملكة يهوذا التي تمردت على الله، وعبدت الأوثان، وفعلت الشر في شهوات كثيرة، وأطلق عليها الله مملكة بابل، فخربت أورشليم واليهودية وأحرقت الهيكل، وقتلت الكثيرين من اليهود والباقون أخذتهم سبايا.
ع12: ثكول
: من فقدت ابنها أو بنتها.الإنسان الجاهل هو أحمق، فيندفع في شره ليفعل أمورًا شريرة، ويكون كالمجنون في اندفاعه، فيشبه دبة ثكول مندفعة لتفترس من يصادفها، فتكون كالمجنونة.
هكذا قتل هيرودس الملك يعقوب الرسول، ثم سجن بطرس بنية إعدامه، ولكن الله أطلقه من يده، وفى النهاية مات هيرودس وهو في كبرياء جالسًا على عرشه، عندما أكله الدود وهو حى (أع12: 23) وهكذا أيضًا عندما فعل هيرودس الكبير عندما قتل أطفال بيت لحم ليتخلص من الملك الجديد.
ع13: الإنسان العادي - وليس الروحي - إذا أساء إليه أحد يرد عليه بإساءة، وإذا فعل معه أحد خيرًا يرد عليه بالخير. ولكن الإنسان الشرير يرد على الخير بالشر، وهذا يعاقبه الله بأن تأتى عليه وعلى نسله مصائب كثيرة، ويقتل كثير من بنيه، ليتوب ويرجع إلى الله.
وقد حدث هذا مع داود الذي أساء إلى أحد قادة جيشه الأمين له، وهو أوريا الحثى، عندما قتله ليتزوج امرأته، فعاقبه الله بأن السيف لا يترك نسله (2 صم 12: 9، 10) فقتل أمنون بالسيف، وكذا أبشالوم وهما أبنا داود. واليهود الذين صلبوا المسيح رغم كل ما عمله من خير معهم، لم يفارق السيف بيوتهم. فقتل الرومان الكثير منهم عام 70 م، ودمروا أورشليم، وعلى مر التاريخ قابلوا مصائب كثيرة، مثل قيام الألمان بقيادة هتلر عليهم.
ع14: تدفق
: تندفع.الاختلاف مع الآخر الذي يكون خصمًا لك يبدأ صغيرًا، كأنه خروج الماء من ثقب صغير، ولكن إذا استمر الغضب والنزاع تصير خصومة كبيرة، والتي تشبه اندفاع الماء بقوة لتجرف كل ما يقابلها.
الثقب الصغير يمكن علاجه بسهولة بسد الثقب بحصاة صغيرة، وهي رمز للاعتذار عن الخطأ، أو كلمة لطيفة، أو أية معاملة حسنة للخصم. ولكن إذا استمر تزايد الخصام، فاهرب منه قبل أن يسبب مشاكل لا تستطيع معالجتها.
ع15: من يبرئ المذنب يعوج القضاء، ويهز القيم والمبادئ، ويشجع الناس على عمل الشر.
وكذا أيضًا من يذنب البرئ، فهو يسئ إساءة بالغة لمن لم يخطئ، ويحاول بهذا أن يبعد الأبرار عن حياة البر، إذ يرون البار يعاقب بلا ذنب.
من يذنب البرئ، أو يبرئ المذنب يقف ضد الحق، والحق هو الله، فهو يتحدى الله، وهو مكروه منه، ويستحق العقاب، والأجدر به أن ينتبه ويتوب، ويعلن الحق.
فبيلاطس أعطى براءة للمذنب وهو باراباس، وحكم على المسيح البرئ بالصلب. كل هذه الأعمال مكرهة للرب.
ع16: يتعجب سليمان من أن الجاهل يريد أن يقتنى الحكمة بالأموال الكثيرة التي يمتلكها، فيشترى مقتنيات كثيرة، ويتكلم بسلطان، ولكنه لا يصل في النهاية إلى الفهم والحكمة؛ لأن الحكمة لا تقتنى بالمال، بل بالاتضاع والإيمان بالله، والالتجاء إليه. والجاهل لا يريد أن يقترب لله، فيظل جاهلًا حتى لو كان أغنى رجل في العالم.
ع17: يبين في هذه الآية سليمان أهمية الصداقة التي تربط الأصدقاء بالحب في كل وقت. وهذا يشبع الإنسان، ويساعده على احتمال متاعب الحياة.
ولكن يظهر تميز الإخوة المتحدين في الجسد الواحد، أنهم يظهرون بقوة في الشدائد أكثر من الأصدقاء، ويتحملون المتاعب لأجل اخوتهم مهما كان الثمن.
قد يصير الصديق في بعض الأحيان في علاقة قوية تقارب الأخ، ويظهر أيضًا في الشدة، ويقدم محبة وبذل كثير.
الصديق والأخ الذي يحبنا محبة كاملة في كل وقت، وخاصة في الضيقات هو الرب يسوع، الذي شاركنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها، وهو بكر بين إخوة كثيرين، هم نحن المؤمنين (رو8: 29).
ع18: يحذر سليمان في هذه الآية من ضمان الأصدقاء. فليس معنى المحبة بين الأصدقاء أن يندفع أحدهم، ويضمن الآخر دون أن يدرس الأمور بدقة، ويتأكد من قدرته على ضمان صديقه، وتسديد ما عليه. فإن كان هذا الضمان فوق طاقته لا يضمن الصديق. وإن كان غير قادر على فحص الأمور يعتذر أيضًا عن الضمان.
سبق الكلام عن خطورة ضمان الغير في (أم 6: 1-5؛ 11: 15). وذكرنا أن تصفيق الأيدى كان علامة معروفة وقتذاك إعلانًا عن قبول ضمان الغير.
ومن الشخصيات التي ضمنت غيرها في الكتاب المقدس بولس الذي ضمن أنسيموس أمام سيده فليمون (فل1)
ويهوذا ضمن أن يعيد بنيامين إلى أبيه يعقوب (تك42: 37). والمسيح لم يكتفِ بأن يضمننا أمام الآب، بل قدم حياته فداءً لنا على الصليب، ووفىَّ ديوننا، وأعد لنا مكانًا في الملكوت.
ع19: الذى يعصى الله هو إنسان متكبر، متمسكًا برأيه، ولا يقيم وزنًا للمحبة، لذا فهو يختلف ويتنازع مع الآخرين، ويسقط في خصام معهم، وانقسامات وتحزبات. والذي يخاصم يسقط بسهولة في المعصية، أي يزداد في عصيان الله؛ لأنه يحب الخصام إرضاءً لذاته.
وهذا العاصى المخاصم يعلى بابه، أي يتكبر، ولذا فهو يسعى في طريق الكسر، أي يحطم نفسه لأجل كبريائه. والله لا يرضى عليه، كما أعلنت أمنا العذراء في تسبحتها "أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين" (لو1: 52).
ع20: الإنسان الملتوى القلب، أي المخادع والكذاب، ليس بلسانه، ولكن بمشاعره الداخلية، يميل إلى الخداع.هذا الإنسان بعيد عن الله، وهو يطلب الشر لغيره؛ لأنه أنانى يريد أن يخدع الناس لمصلحته. فهو لا يمكن أن يجد خيرًا، بل يحصد شرورًا نتيجة شره.
وهذا الإنسان المخادع من صفاته أنه متقلب اللسان، أى يقدم كلامًا طيبًا أحيانًا، ثم ينقلب إلى كلام سئ. وفى كلتى الحالتين، قلبه ممتلئ شر نحو الآخرين، ونتيجة أفعاله تأتى على رأسه بالشر والسوء.
ع21: إذا أنجب إنسانٌ ابنًا وسلك في الجهل والحماقة، أي ابتعد عن الله، وسار في الشر، فهذا يحزن أباه. فكيف يفرح الأب بابنه الشرير؟
هكذا أيضًا كل إنسان يتمادى في الخطية، أي يصير جاهلًا وأحمقًا من الناحية الروحية، فهو يحزن أباه السماوى، مثلما حزن داود على أبنائه أمنون، وأبشالوم، وأدونيا لحماقتهم وسلوكهم في الشر، ولكنه فرح بابنه سليمان الحكيم الذي طلب الله.
ع22: تظهر هذه الآية أهمية الفرح، وتأثيره، ليس فقط على مشاعر الإنسان، بل أيضًا على جسده. فالقلب الفرحان بالله يهبه الله صحة وقوة لجسده. وعلى العكس فالروح المنسحقة، أي الحزينة؛ لأجل تعلقها بالعالم وشهواته وهمومه، تؤثر على الجسد وتضعفه، ويعبر عن هذا الضعف بجفاف العظام، وهي أقوى جزء في الجسد.
لذا فالذى يفرح بعشرة الله في الكنيسة، والتناول من الأسرار المقدسة، ويحب الصلاة والتسبيح يصير قلبه في فرح، ويعطيه الله قوة في جسده؛ ليحيا معه ويشكره كل حين.
ع23: الذى يقبل الرشوة - وهو في مكان المسئولية كالقاضى، أو المسئول في أي مركز من مراكز الحياة - لا يحكم بالعدل، بل يظلم غيره إرضاء لمن أعطاه رشوة، وهو بهذا يغضب الله الديان العادل.
والذى يأخذ الرشوة يعرف أن أخذها خطأ، لذا يأخذها من الحضن، أي سرًا. وبتكرار أخذ الرشوة يتعود عليها، فيفقد ضميره الحساسية ضد الخطية، فيتمادى في شره، ويستبيح أخذ الرشوة وظلم الناس.
ع24: الإنسان الفهيم هو الذي يحيا مع الله، ويفهم ويميز بين الخير والشر، هذا يطلب الحكمة من الله فيهبها له، بل فهو وحده الذي عنده الحكمة.
أما الجاهل، أي البعيد عن الله، فإنه يبحث عن شهواته في كل مكان إلى أقصى الأرض، وعيناه لا تشبع من هذه الشهوات؛ لأنها زائلة ومؤقتة، كما قال المسيح: "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يو4: 13). وإن بحث الجاهل عن الحكمة فهو يبحث عن حكمة هذا العالم الأرضية المحدودة والزائلة، والمشوشة بأفكار العالم، وهي تختلف تمامًا عن الحكمة الحقيقية التي يعطيها الله لأولاده.
ع25: يكرر سليمان الحديث إلى الوالدين؛ ليهتموا بتربية أبنائهم، لئلا إذا أهملوا تربيتهم يسببوا غمًا لأبيهم، ومرارة لأمهم، أي يتضايقون جدًا ويحتملون أتعابًا كثيرة بسببهم. وهذا المعنى سبق ذكره في سفر الأمثال كما في (أم 15: 20) وفى هذا الإصحاح في (ع21).
ومن الأمثلة الواضحة على إهمال تربية الأبناء، أولاد عالى الكاهن. فرغم أن عالى كان يسلك باستقامة لكن أبناءه الكهنة سلكوا في الشر، وغضب عليهم الله، وقتلوا في الحرب، وعندما سمع عالى وقع من على كرسيه ومات (1 صم 4: 18).
ع26: تستنكر هذه الآية معاقبة الأبرياء وإلزامهم بدفع غرامة مع أنهم لم يفعلوا أي خطأ. فتغريم الأبرياء شئٌ سئٌ.
وكذلك الشرفاء، وهم العظماء الحكام والنبلاء والمسئولين الذين يحكمون بالعدل ليثبتوا الاستقامة، هؤلاء إذا قام عليهم الأشرار المتمردون وضربوهم، فهذا أيضًا شيء سئ لا يرضى به الله، لأن الأشرار يريدون نشر الشر ولا يعاقبهم أحد، وينتقمون من العظماء والشرفاء؛ حتى يتمادوا في شرهم.
† كن أنت حذرًا ولا تندفع في الحكم على أي إنسان، أو إدانته لئلا يكون بريئًا.إفحص الأمر جيدًا، واستمع إلى مشورة الحكماء المرافقين لك، فتكون عادلًا في أحكامك، ويفرح بك الله.
ع27، 28: الإنسان الحكيم، أي الذي يحيا مع الله لا يندفع في الكلام، بل يصمت ويستمع قبل أن يتكلم، أي يبطئ في كلامه. وكلامه أيضًا متزن ووقور، يليق بأولاد الله. فهو يرفض كلام السفاهة، والاستهزاء، وكل كلام شرير.
ومن ناحية أخرى، الإنسان الأحمق، إذا سكت ولو قليلًا يستمع لغيره، ويتعلم منه، فيحسب له هذا حكمة ومعرفة.
والخلاصة، تدعونا هاتان الآيتان بعدم التسرع في الكلام، وهذا يتصف به الحكماء، ويحاول فيه الحمقى فيصيروا حكماء إلى حد ما.
†
ليتك لا تندفع في الكلام، فليس المهم أن تتكلم، بل الأهم أن تتكلم جيدًا بكلام يرضى الله. لذا فإنصت لكلام الآخرين، واطلب إرشاد الله في قلبك، فيكون كلامك حكيمًا، مفيدًا لك، ولمن يسمعونك.
← تفاسير أصحاحات أمثال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أمثال سليمان 18 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أمثال سليمان 16 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/proverbs/chapter-17.html
تقصير الرابط:
tak.la/hfd945x