← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
الأَصْحَاحُ الثالث عشر
(1) حياة البر (ع1-8)
(2) فضائل الأبرار (ع 9 - 19)
(3) بركات الأبرار (ع 20 - 25)
1- اَلابْنُ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ تَأْدِيبَ أَبِيهِ، وَالْمُسْتَهْزِئُ لاَ يَسْمَعُ انْتِهَارًا. 2- مِنْ ثَمَرَةِ فَمِهِ يَأْكُلُ الإِنْسَانُ خَيْرًا، وَمَرَامُ الْغَادِرِينَ ظُلْمٌ. 3- مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ. مَنْ يَشْحَرْ شَفَتَيْهِ فَلَهُ هَلاَكٌ. 4- نَفْسُ الْكَسْلاَنِ تَشْتَهِي وَلاَ شَيْءَ لَهَا، وَنَفْسُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسْمَنُ. 5- اَلصِّدِّيقُ يُبْغِضُ كَلاَمَ كَذِبٍ، وَالشِّرِّيرُ يُخْزِي وَيُخْجِلُ. 6- اَلْبِرُّ يَحْفَظُ الْكَامِلَ طَرِيقَهُ، وَالشَّرُّ يَقْلِبُ الْخَاطِئَ. 7- يُوجَدُ مَنْ يَتَغَانَى وَلاَ شَيْءَ عِنْدَهُ، وَمَنْ يَتَفَاقَرُ وَعِنْدَهُ غِنًى جَزِيلٌ. 8- فِدْيَةُ نَفْسِ رَجُل غِنَاهُ، أَمَّا الْفَقِيرُ فَلاَ يَسْمَعُ انْتِهَارًا.
ع1: الإنسان الحكيم متضع، وبالتالي يميل إلى التعلم والتلمذة على الآخرين، وفي مقدمتهم أبوه الجسدي والروحي. فهو يطلب الحكمة، ويتعلمها، وينمو فيها.
أما الابن المستهزئ فهو متكبر، وبالتالي لا يميل إلى التلمذة، ويرفض التعلم، فلا يستفيد من آبائه، ومرشديه الروحيين، ولا يقبل بالطبع التوبيخ والتأديب والانتهار، ويبرر نفسه، فيزداد حماقة كل يوم أكثر من ذي قبل.
ع2: مرام: قصد، أو غرض.
الإنسان الحكيم يتكلم كلمات طيبة، فيكافئه الله بخيرات كثيرة. وهو إذ يشجع غيره، ويفرح قلوبهم يفرح هو أولًا، وهم أيضًا يفرحون. والعكس صحيح، فالإنسان غير الحكيم يقول كلمات شريرة للآخرين، فيتضايق منهم، ويضايقهم.
والأشرار البعيدون عن الله هم غادرون؛ لأن الغدر هو الخيانة، وذلك بتركهم وصايا إلههم. فهؤلاء قلوبهم شريرة، وبالتالي كلامهم شرير، وظلم لمن حولهم، إذ يبعدونهم عن الله.
والخلاصة، ينبغي أن يهتم الإنسان بقلبه، فيكون ممتلئ حكمة، وبالتالي تصير كلماته طيبة، فيباركه الله، وينال خيرات في كل حين.
ع3: يشحر: يتكلم باستهزاء وطياشة وتهور.
من يضبط لسانه ويسرع إلى الاستماع ويبطئ في التكلم، هو إنسان حكيم يحفظ نفسه من شرور كثيرة؛ لأن "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 10: 19). وقد خلق الله للإنسان عينين ليلاحظ كل شيء، وأذنين ليستمع كثيرًا، ولكن أعطاه لسان واحد ليتكلم أقل مما يسمع، وأعطاه أيضًا شفتين على فمه ليضبط كلامه ولا يتهور في كلام ردىء.
أما الإنسان الذي يندفع في كلام طائش، ويسىء لمن حوله، فإنه يسير في طريق الهلاك؛ لأن كل كلمة بطالة سيعطى عنها حسابًا يوم الدين (مت 12: 36). فالإنسان الجاهل يخطئ كثيرًا بشفتيه، فيدان كثيرًا ويهلك بسبب كلامه. فشمعى بن جيرا تكلم باستهزاء على داود وأهانه، أما داود فلم يرد عليه، واحتمل الإساءة، بهذا ظهرت حكمة داود وشر شمعى (2 صم 16: 10).
ع4: الإنسان الكسلان يشتهي أمورًا كثيرة، لكنه لا يريد أن يتعب ليصل إليها، وبالتالي لا يحصل على شيء، سواء في حياته الروحية، أو المادية.
وعلى العكس الإنسان المجتهد ينال بركات روحية كثيرة، وأيضًا بركات مادية نتيجة اجتهاده، فتسمن نفسه، أي تمتلئ فرحًا، وشبعًا بالله. وهذا الفرح يدفعها لمواصلة الاجتهاد والتعمق في عشرة الله والنجاح في الحياة.
ع5: الصديق وهو الحكيم يحيا مع الله، وهو إنسان صادق مع الله ومع نفسه، ومع الآخرين، ولذا يرفض الكذب والخداع، بل يكره أيضًا الكذب، ويتباعد عنه، إذ تعود الصدق وأحبه، ويعامل الناس بالصدق، ويسعى لخلاص نفوسهم.
أما الشرير فإنه على العكس يحب الكذب، ويستخدمه كثيرًا للوصول إلى أغراضه، حتى أنه لا ينزعج، بل يفرح عندما يخدع الآخرين. وعندما ينكشف كذبه يكون في خزي أمام الناس، ولكنه يواصل الالتواء والخداع؛ لأنه تعوده، فتكون نهايته الخزي الأبدي، والعذاب الذي لا ينتهي.
ع6: الإنسان البار يحب البر ويتمسك به في كل حياته، فيتعوده، وذلك يحفظه من طرق الشر لأنها غريبة عنه، فهو لا يميل إليها، وإن اقتربت منه يهرب منها. ولأجل جهاده هذا يعطيه الله نعمة أكبر، فيزداد تمسكه بالبر، وتنافره مع الشر، فيثبت في الطريق المستقيم.
أما الشرير الذي أحب طرق الشر، فإنها تملأ قلبه بالخطية، وهذا يؤثر عليه، فيقلبه عن الخير، ويبعده عن الله، بل يحطمه الشر، فيكون مضطربًا دائمًا، ولذا يغريه الشيطان بلذة الشهوات المؤقتة، حتى أنه يصبح بغير وعي، كأنه تحت تخدير، حتى تنتهي حياته، فيقلبه الشر، ويسقط في العذاب الأبدي.
ع7: يتغانى: يدعي الغنى
يتفاقر: يدعي الفقر
بعض الناس يدعون الغنى ويوهمون الآخرين أنهم أغنياء، حتى يكسبوا كرامة زائفة لأنفسهم، إذ هم غير أغنياء، ولكن يريدون أن يمجدهم الناس كأغنياء، وهذا نوع من الكبرياء. وإدعاؤهم الغنى يورطهم، ويسبب لهم ولعائلتهم مشاكل كثيرة، إذ يتظاهرون بالغنى فوق طاقتهم المالية، فينفقون أكثر من طاقتهم، ويستدينون ويتعبون جدًا.
وهناك أناس آخرون يدعون الفقر مع أنهم غير فقراء، وذلك لأسباب في داخلهم، إما خوفًا من حسد الناس يخفون غناهم، أو لأنهم بخلاء ولا يريدون أن يساعدوا المحتاجين، وكل هذه إدعاءات كاذبة لا ترضي الله، ويضايقون أنفسهم وعائلتهم إذ يشعرونهم بالحرمان، والتذمر ...
وهناك أناس أتقياء، يشعرون رغم فقرهم أنهم أغنياء بالله، ويكتفون به، ويشكرونه في كل حين كأنهم أغنياء.
وأناس أتقياء آخرون يعيشون الفقر الاختياري، أي رغم غناهم يتمسكون بالصوم والتجرد من أجل الله؛ لأنهم يشبعون بالله، فيكتفون بأقل القليل من الماديات، وينشغلون بالروحيات، ويشعرون بالفقراء، ويساعدونهم بكل قلوبهم.
وهناك من الناحية الروحية أناس ضعفاء روحيًا، ولكنهم يدعون الغنى الروحي، ويتظاهرون بالمعرفة الروحية، والعلاقة القوية بالله، فهم منافقون متكبرون. ومن الناحية الأخرى هناك أناس لهم علاقة كبيرة مع الله، ولكنهم يشعرون دائمًا أنهم ضعفاء، ولكن عن صغر نفس، أي عدم ثقة في أنفسهم، وليس اتضاع، وهذا يعتبر ضعف إيمان.
ع8: الغني يمكن أن يطمع فيه الناس ليأخذوا من ممتلكاته، فيختلق بعض الأشرار اختلاقات باطلة كاذبة، فيقبضون عليه ويحاكمونه، فيدفع من أمواله حتى ينال حريته، لأن أمواله مطمع للأشرار، فتنجيه أمواله من الأشرار.
أما الفقير فلا شيء عنده يطمع فيه الناس، ولا يختلق أحد عليه شىء، أو يوبخه، أو ينتهره ليأخذ منه شيء. بل يهملونه، وبهذا ينجو من الظالمين، إذ لا يرون عنده شيء يستحق أن يأخذوه منه، فينجيه فقره من الأشرار.
من أجل هذا يشكر الإنسان الله على الحال الذي هو فيه، سواء كان غنيًا، أو فقيرًا. فيشكر الغني الله على عطاياه، ويطلب منه أن يحميه هو وأمواله. والفقير أيضًا يشكر الله على نعمته، ويطلب منه أن يشعره بالكفاية، ويبعد عنه أفكار الشيطان التي تحاربه بالحرمان.
† اقبل من الله ما يسمح به لك، سواء من خيرات تشكره عليها، أو من ضيقات تعلمك وتؤدبك. فإلهك يحبك ويبحث عن خلاص نفسك. إشكره على عطاياه، واطلب معونته في الضيقات، فتحيا في الحالين مع الله، متمتعًا بعشرته.
9- نُورُ الصِّدِّيقِينَ يُفَرِّحُ، وَسِرَاجُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ. 10- اَلْخِصَامُ إِنَّمَا يَصِيرُ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَمَعَ الْمُتَشَاوِرِينَ حِكْمَةٌ. 11- غِنَى الْبُطْلِ يَقِلُّ، وَالْجَامِعُ بِيَدِهِ يَزْدَادُ. 12- الرَّجَاءُ الْمُمَاطَلُ يُمْرِضُ الْقَلْبَ، وَالشَّهْوَةُ الْمُتَمَّمَةُ شَجَرَةُ حَيَاةٍ. 13- مَنِ ازْدَرَى بِالْكَلِمَةِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ، وَمَنْ خَشِيَ الْوَصِيَّةَ يُكَافَأُ. 14- شَرِيعَةُ الْحَكِيمِ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِلْحَيَدَانِ عَنْ أَشْرَاكِ الْمَوْتِ. 15- اَلْفِطْنَةُ الْجَيِّدَةُ تَمْنَحُ نِعْمَةً، أَمَّا طَرِيقُ الْغَادِرِينَ فَأَوْعَرُ. 16- كُلُّ ذَكِيٍّ يَعْمَلُ بِالْمَعْرِفَةِ، وَالْجَاهِلُ يَنْشُرُ حُمْقًا. 17- اَلرَّسُولُ الشِّرِّيرُ يَقَعُ فِي الشَّرِّ، وَالسَّفِيرُ الأَمِينُ شِفَاءٌ. 18- فَقْرٌ وَهَوَانٌ لِمَنْ يَرْفُضُ التَّأْدِيبَ، وَمَنْ يُلاَحِظ التَّوْبِيخَ يُكْرَمُ. 19- اَلشَّهْوَةُ الْحَاصِلَةُ تَلُذُّ النَّفْسَ، أَمَّا كَرَاهَةُ الْجُهَّالِ فَهِيَ الْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ.
ع9: سراج: مصباح
نور الصديقين هو عمل الروح القدس فيهم، وعمل الله يفرح قلوبهم، ويدوم فرحه فيهم؛ لأن الله دائم إلى الأبد.
أما الأشرار فنورهم ناتج عن مقتنياتهم؛ سواء أموال، أو مراكز، أو شهوات يحققونها، كل هذه الشهوات والمتع المادية مؤقتة، وسرعان ما تنطفئ، فهي منهم وليست من الله؛ لذا لا تدوم، كلها زائلة، لأجل هذا ينتقلون من لذة إلى لذة ليوهموا أنفسهم بالفرح المؤقت.
ع10: المتشاورين: من يطلبون المشورة والنصيحة
تظهر الآية خطورة الكبرياء، فهي السبب الرئيسي لقيام الخصومات والنزاعات بين البشر، وعلى العكس المتضعون يبطلون الخصام ويحلون المشاكل، مثل جدعون مع سبط أفرايم، الذين خاصموه، ولكن باتضاعه كسبهم (قض 8: 1 – 3). وهكذا ابرام أبطل الخصومة بين رعاته، ورعاة لوط بالاتضاع والتنازل، وتفضيل الآخر عن نفسه (تك13: 8).
والإنسان المتضع يطلب المشورة والنصيحة، فيحل مشاكله، وخصوماته مع الآخرين، ويزداد حكمة يومًا فيومًا، فيكون علاقات طيبة ناجحة مع من حوله.
ع11: الإنسان غير الأمين الذي يستبيح استخدام الوسائل الباطلة الشريرة، فحتى لو حصل على غنى في هذا العالم، فإنه يقل تدريجيًا، ولا يشبعه، وفي النهاية هو لا شيء، فيذهب إلى الجحيم.
أما الجامع بيده، أي المجتهد في العمل بأمانة، فحتى لو كان فقيرًا، فإنه يصير غنيًا ولو بالتدريج.
والخلاصة أن الشر لا يعطي شبعًا للإنسان في هذا الدهر، أو في الحياة الأخرى، أما المجتهد فإنه ينال بركة متزايدة في هذا العالم، ثم بركات وأمجاد لا تحصى في الحياة الأبدية.
ع12: الذي يتمنى ويترجى أمر ما، ولكنه يؤجل التنفيذ ويماطل؛ لأنه كسول ومتهاون، فهو لا يحصل على شيء ليرضي نفسه؛ لأنه لا يحقق أي شيء يرجوه.
أما الذي يشتهي شيئًا ما مادي، أو روحي، ويقوم بنشاط ليتممه، فإنه يفرح بثمار العمل الذي اشتهاه. ويشبه من زرع شجرة، وينال منها حياة وبركة، أو كمن يعيش في الجنة، ويتمتع بثمار شجرة الحياة. فاسحق تعب في حفر الآبار، فنال ما اشتهاه رغم مقاومة جيرانه له (تك 26: 19 - 22).
ع13: إزدرى: احتقر
الله يرسل كلمته إلى كل البشر، وهناك من يحتقرها ويهملها، وهو بهذا يرفض الله، وبالتالي يخرب نفسه، مثلما رفض فرعون كلام الله على فم موسى، فانهالت عليه الضربات العشر، ثم غرق في البحر الأحمر.
أما من يخشى ويخاف الله ووصاياه، فإن الله يباركه ويكافئه. فيوسف الصديق الذي خاف الله، ورفض إغراءات الخطية من امرأة فوطيفار، فإن الله كافأه بأن اعتلى عرش مصر. ويوشيا الملك الصالح خاف الله، ومزق ثيابه عندما سمع سفر الشريعة الذي وجد في الهيكل (2 أى 34: 19) فباركه الله ولم يأت الخراب في أيامه، وساعده على إزالة عبادة الأوثان.
ع14: أشراك: فخاخ
الإنسان الحكيم يتمسك بشريعة الله طوال حياته، فتعطيه قوة ليحيا دائمًا مع الله، فهي ينبوع دائم في الحياة الروحية، وفي نفس الوقت تحميه من فخاخ الشياطين التي تبغى منها أن تسقطه في الهلاك الأبدي والموت.
فالشريعة تقوم بعملين هما:
الحياة مع الله والتلذذ بعشرته.
الحماية من السقوط في الخطية، أو التمادي فيها، فتجعل الحكيم يتوب إن أخطأ، وتنجيه من الموت الأبدي.
كما كان داود حكيمًا متمسكًا بشريعة الله، فهذه أعطته عشرة، وتمتع بالله، وفي نفس الوقت أنقذته من محاولات شاول قتله، ومن كراهية الفلسطينيين له بعد تغلبه على جليات. أما شاول الملك فإذ أهمل شريعة الله ابتعد عنه، وهلك بيد أعدائه.
ع15: الفطنة: الفهم
أوعر: أصعب
الفطنة الجيدة هي اختيار الإنسان لطريق الله. فإذا سار الإنسان مع الله ينال نعمة في عينيه، وأيضًا نعمة في أعين الناس، فيتمتع بسلام وسعادة في حياته على الأرض، بالإضافة إلى سعادته الأبدية.
أما طريق الأشرار البعيدين عن الله، الذين يغدرون بأنفسهم، ويغدرون بالله بترك شريعته، ويخونون من حولهم، فإنهم يسلكون في طريق صعبة جدًا تؤذيهم، وتؤذي من حولهم، فهم دائمًا في اضطراب مهما تمتعوا بلذات شهوات العالم، ويحدثون مشاكل، واضطرابات مع من حولهم؛ لأنهم فقدوا نعمة الله الذي تركوه، ورفضوا شريعته.
ع16: الذكي الحقيقي هو الذي عرف طريقه إلى الله، وحفظ وصاياه. فهو يتكلم ويعمل بالمعرفة الحقيقية التي نالها من الله. وهو أيضًا متضع يسعى نحو التعلم والتلمذة، فيزداد ذكاءً، ومعرفةً، وفهمًا. وإن سأله أحد عن شيء لا يعرفه يعلن باتضاع عدم معرفته.
أما الجاهل فلابتعاده عن الله يتكلم بأفكاره الخاطئة، فينشر أفكارًا حمقاء في كل مكان يذهب إليه، وإذا سأله أحد عن شيء لا يعرفه يندفع بكبرياء، ويجيب، فتكون إجاباته حمقاء.
ع17: الرسول عندما يرسله سيده في مهمة، يكون المطلوب منه أن يوصل ما طلبه منه سيده، ولكن الرسول الشرير هو من ليس له علاقة مع الله، فلا يوصل فكر الله وكلامه للآخرين، وبالتالي هو يتكلم من نفسه، فيسقط في مشاكل وشرور كثيرة.
أما الرسول الأمين، فهو من يطيع الله، فيوصل كلامه بدقة. وكلام الله يعطي شفاء للناس، ويرشدهم إلى البر، ويحميهم من كل شر، فهو يصنع عملًا عظيمًا هو عمل الله، مثل أليعازر الدمشقي الذي أرسله إبراهيم؛ ليختار زوجة لإسحاق، فكان رسولًا أمينًا، معتمدًا على الصلاة، وطلب مشورة الله، فأرشده الله إلى أقارب سيده، واختار رفقة التي كانت اختيارًا إلهيًا، وأصبحت جدة للمسيح.
والرسول الأمين لا يذهب من نفسه في أية إرسالية، لكن إذا أرسله سيده يوصل الرسالة بأمانة. فموسى عندما خرج بنفسه لينقذ شعبه قتل المصري وفشل، وتعرضت حياته للخطر (خر2: 11-15)، ولكن عندما أرسله الله، الذي ظهر له في العليقة نجح في إرساليته، وظل طوال حياته لا يعمل إلا ما يقوله له الله، فأصبح رئيس الأنبياء. ولهذا ينبغي أن لا يتحرك أي كاهن، أو خادم من نفسه إلا إذا سمع صوت الله من خلال تمسكه بالصلاة والإرشاد الروحي، وإلا فإنه يتعرض لمتاعب كثيرة، ويفقد سلامه الداخلي.
ع18: الله يسمح بالتأديب لإصلاح أولاده. فالإنسان الجاهل الذي يرفض تأديب الله لأجل كبريائه، أو تهاونه، يتعرض لفقر وهوان، كما تعرض نبوخذنصر أعظم الملوك في زمانه، والذي تمتع بالذكاء، والمعرفة البشرية، وكان سابقًا لعصره في إدارة مملكته، ولكنه تكبر، فأعلمه الله في الحلم أنه سيصير مثل الحيوانات، ولكنه لم يخضع لله، فأدبه الله، إذ فقد عقله، وصار مثل الحيوانات؛ حتى تاب فأعاده الله إلى مملكته (دا4: 33-37).
أما الذي يقبل تأديب الله، ويلاحظه باهتمام، ويخضع له، فإنه يحقق مشيئة الله، ويتعلم من الله، بل يصير في كرامة، ويفيد من حوله، كما حدث مع دانيال، الذي قبل أن يصير مسبيًا، وظل متمسكًا بشريعة الله، عندما رفض أطايب الملك، واستمر في صلواته، فأعلن له الله أحلام الملك وتفسيرها، وصار في حكمة تفوق كل من حوله عشرة أضعاف، فولاه الملك نبوخذ نصر على عاصمة ملكه بابل، وكل المملكة (دا 2: 48).
ع19: إن ما يشتهيه الإنسان، ويحصل عليه يفرح قلبه، خاصة لو كانت هذه الشهوات روحية، سواء نالها من الله كنعمة، أو جاهد للحصول عليها، ثم أنعم الله عليه بها.
أما الجهال فإنهم بعيدون عن الله، ويحبون الشر، وعلى العكس يكرهون الخير، والابتعاد، والحيدان عن الشر.
الأبرار يتلذذون بالحصول على شهواتهم في الله. أما الجهال فيكرهون الخير والحياة النقية، ويحبون السلوك الشرير.
أخنوخ الصديق سار مع الله، وتمتع بشهوته فيه، وتلذذ به، فأخذه الله ليحيا معه، ويتمتع بالقرب منه، أما قايين فأحب الشر، وكره الخير، فقتل أخاه، وانتشر الشر في نسله لدرجة التمادي في فعل الشر.
† ليتك تتجاوب مع الحب الإلهي، فتقترب من الله بالصلاة والتأمل في كلامه، والتناول من الأسرار المقدسة، فتتمتع به، وتصون نفسك من الشر، وتحيا في سلام.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
20- اَلْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيمًا، وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ. 21- اَلشَّرُّ يَتْبَعُ الْخَاطِئِينَ، وَالصِّدِّيقُونَ يُجَازَوْنَ خَيْرًا. 22- اَلصَّالِحُ يُورِثُ بَنِي الْبَنِينَ، وَثَرْوَةُ الْخَاطِئِ تُذْخَرُ لِلصِّدِّيقِ. 23- فِي حَرْثِ الْفُقَرَاءِ طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَيُوجَدُ هَالِكٌ مِنْ عَدَمِ الْحَقِّ. 24- مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتِ ابْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ التَّأْدِيبَ. 25- اَلصِّدِّيقُ يَأْكُلُ لِشَبَعِ نَفْسِهِ، أَمَّا بَطْنُ الأَشْرَارِ فَيَحْتَاجُ.
ع20: من يطلب الحكمة، ويحب الحكماء، ويريد أن يتتلمذ على يديهم، ويجلس معهم، ويسير معهم في الطريق، ويعاشرهم، فإنه في النهاية يصير حكيمًا بمخالطته لهم. وهذا ما فعله التلاميذ مع المسيح، إذ عاشوا معه، وتتلمذوا على يديه أكثر من ثلاث سنوات، فنالوا حكمة عظيمة بالروح القدس تفوق كل من حولهم.
وعلى العكس من يرافق الجهال، ويختلط بهم، ويجلس في مجلسهم تناله أضرارٌ كثيرة. مثل رحبعام ابن سليمان الذي خالط أصدقاء شباب جهال، وعندما تملك، أشاروا عليه مشورة خاطئة، فأطاعهم بدلًا من أن يطيع مشورة الشيوخ، فانقسمت المملكة، وانشقت عنه عشرة أسباط.
وبالتالي، نستطيع أن نعرف الإنسان من أصدقائه، فإن كانوا حكماء فهو بالطبع حكيم، وإن كانوا جهال، فهو قطعًا جاهل مثلهم.
ع21: أحب الأشرار الخطية، واشتهوها، فساروا في طريقها، وتعودوها، فأتت الخطية بنتائجها السيئة على رؤوسهم، فحتى لو حققوا نجاحات مادية، ولكن يصاحبها دائمًا الإضطراب والتعاسة التي يحاولون الخروج منها بلذة الشهوة، ولكن هيهات؛ لأن القلق والاضطراب لا يفارقهم.
أما الصديقون الذين أحبوا الله، وحفظوا وصاياه، فالله يباركهم بخيرات كثيرة، أهمها السلام الداخلي، والفرح، ثم السعادة الأبدية.
ع22: تذخر: تكنز وتحفظ له
الصديق هو الإنسان الذي يحيا مع الله، وينال بركاته، ليس فقط في حياته، ولكن أيضًا تمتد بركته إلى أولاده، وأحفاده. هذه البركات بركات روحية، ونفسية، مثل السمعة الطيبة، بالإضافة أيضًا إلى بركات مادية إن سمح الله بهذا.
أما الخطاة الذين يحصلون على ماديات وممتلكات كثيرة، ويتلذذون باقتنائها بعيدًا عن الله، فلا تعطيهم سلامًا داخليًا، بل يظلوا في اضطراب طوال حياتهم. ومع الوقت، تنتقل هذه الماديات إلى الأبرار، فيستفيدون منها، ويشكرون الله. كما انتقلت كل مملكة شاول إلى داود العظيم، الذي عاش حياته كلها لله. وامتدت بركته إلى الملوك الذين من نسله، وملكوا بعده، وساروا في طريق الله، مثل حزقيا ويوشيا الملكين الصالحين، وكذلك أبناء ركاب الذين تمسكوا بتعاليم جدهم الكبير، ولم يشربوا الخمر طوال حياتهم (إر 35).
ع23: الفقير المجتهد الذي يتعب في حرث حقله ينال بركة، وثمار يحصدها في النهاية. أما الشرير الغني الذي له أملاك، وحقول كثيرة، ولكنه بعيد عن الحق، أي الله، ومتهاون، فإنه لا يجني ثمار تعبه؛ لأنه كسول، ويسلك بالشر، وهو دائمًا في اضطراب، كما كان آخاب ملكًا، ولكنه شرير، وبعيدٌ عن الحق، فكان تعيسًا ونهايته محزنة، وكذا زوجته إيزابل. ولكن اسحق المتغرب في جرار من أجل الجوع، ولكنه كان أمينًا في زراعته لحقوله، فأعطت مئة ضعف (تك 26: 12).
ع24: يمقت: يكره
تربية الأبناء تحتاج إلى حنان، وتشجيع من الآباء، وتحتاج أيضًا إلى ضبط، ومنع وتأديب عند الاحتياج. فمن يمنع التأديب - الذي ترمز إليه العصا - لا يحب ابنه، إذ يتركه يخطئ، ويهمله فيزداد في الخطأ. ولكن من يحب ابنه يؤدبه حتى لا يتمادى في الشر، بل يرجع إلى الله. فعالى الكاهن أهمل تأديب أبنائه، فسقطوا في الزنى والسرقة، ثم هلكوا مع أنهم كانوا كهنة.
ع25: الصديق يشعر بمعية الله، وبركته، فعندما يأكل، أو يستخدم ماديات الحياة، فإنها تشبعه لأنها من الله، فالرضى والشكر يفرحان قلبه.
أما الأشرار فمهما أكلوا أو اقتنوا فإنهم لا يشبعون ويطلبون المزيد، فيشعرون بالحرمان مهما كان عندهم، لأجل شهواتهم الكثيرة، ولا يشكرون الله، بل يرجعون الفضل إلى أنفسهم.
الصديق يمكن أن يكتفي بالقليل، ويكون في راحة وفرح، كما قال بولس الرسول أنه تعلم أن ينقص ويستفضل، أي يكتفي بالقليل والكثير (فى 4: 12)، إذ الكل بركة من الله، فالمهم هو البركة والإحساس بوجود الله معه. وعلى العكس فإن الشرير لا يشعر بالشبع؛ لأنه لا يشعر بالله، ولذا كل ماديات العالم لا تشبعه؛ لأن لذاتها مؤقتة.
† أشكر الله كل يوم على عطاياه، فيزداد إحساسك بالرضا والاكتفاء والفرح، بل تزداد بركة الله، فتجعل القليل يكفيك، وتعطي الآخرين.
← تفاسير أصحاحات أمثال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أمثال سليمان 14 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أمثال سليمان 12 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/proverbs/chapter-13.html
تقصير الرابط:
tak.la/7aznbmb