← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33
الأَصْحَاحُ السادس عَشَرَ
(1) الرب فاحص القلوب (ع1-10)
(2) الاستقامة مرضاة الملوك ( ع11-17)
(3) الحكمة والشر (ع18-33)
1- لِلإِنْسَانِ تَدَابِيرُ الْقَلْبِ، وَمِنَ الرَّبِّ جَوَابُ اللِّسَانِ. 2- كُلُّ طُرُقِ الإِنْسَانِ نَقِيَّةٌ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ، وَالرَّبُّ وَازِنُ الأَرْوَاحِ. 3- أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ أَعْمَالَكَ فَتُثَبَّتَ أَفْكَارُكَ. 4- اَلرَّبُّ صَنَعَ الْكُلَّ لِغَرَضِهِ، وَالشِّرِّيرَ أَيْضًا لِيَوْمِ الشَّرِّ. 5- مَكْرَهَةُ الرَّبِّ كُلُّ مُتَشَامِخِ الْقَلْبِ. يَدًا لِيَدٍ لاَ يَتَبَرَّأُ. 6- بِالرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ يُسْتَرُ الإِثْمُ، وَفِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ. 7- إِذَا أَرْضَتِ الرَّبَّ طُرُقُ إِنْسَانٍ، جَعَلَ أَعْدَاءَهُ أَيْضًا يُسَالِمُونَهُ. 8-اَلْقَلِيلُ مَعَ الْعَدْلِ خَيْرٌ مِنْ دَخْل جَزِيل بِغَيْرِ حَقّ. 9- قَلْبُ الإِنْسَانِ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ يَهْدِي خَطْوَتَهُ. 10- فِي شَفَتَيِ الْمَلِكِ وَحْيٌ. فِي الْقَضَاءِ فَمُهُ لاَ يَخُونُ.
ع1:
الإنسان يدبر في قلبه أن يفكر وينوى على أشياء معينة يود أن يعملها، ولكن إن كان هذا الإنسان محبًا لله، حافظًا لوصاياه، طالبًا تدخل الله في حياته، بمعنى أنه يصلى قبل أن يعمل، أو يتكلم، فالله يرشده ويقنعه بالصواب (فى2: 13)، فيقول كلمات الحكمة، أي أن جواب لسانه على أي سؤال من الآخرين، أو أي موقف يقابله يكون بكلام الله.وقد تكون بآيات إن احتاج الأمر. ونرى مثالًا واضحًا لذلك؛ إجابة المسيح على الشيطان في التجربة على الجبل (مت4: 1-10).
ع2: الإنسان البعيد عن الله يرى أن كل أعماله نقية وسليمة، ولذلك يعملها. فهو يعذر نفسه في كل ما يعمله، ويبرر تصرفاته وكلامه.
ولكن يعرف الحقيقة الإنسان الذي يقترب إلى الله، ويطلب وصاياه ويصلى. والله حينئذ العارف كل شيء يرشده إلى أخطائه ليتوب عنها، وإلى الصواب ليثبت فيه. فالله وحده هو القادر أن يحكم على أرواح الناس.
ويستطيع الإنسان أن يعرف صوت الله من خلال الصلاة والكتاب المقدس وأب الاعتراف، وكل تعاليم الكنيسة.
ع3: إلقاء الأعمال على الله معناها الاتكال عليه، وطلب معونته وإرشاده، وقوته ليكمل ما ينقص منها، وما يعجز الإنسان عنه، ويقوم ويصلح ما هو خطأ منه.
وإذا اتكل الإنسان على الله تثبت أفكاره فيه، فيشعر أن الله هو معينه وحده، وتصبح أفكاره هي أفكار الله، وبالتالي تزداد أعماله ثباتًا في الله، وتصبح بحسب وصاياه.
ع4: الله خلق كل الخلائق، وخلق الإنسان رأس الخليقة ليمجده، ويحيا في عشرة معه، فيتمتع بمعرفة الله وتسبيحه. الله غير محتاج للإنسان لأنه كامل، ولكن الإنسان يفرح أن يعيش مع الله خالقه، ويصير قلبه في سلام ما دام يسير في طريقه الطبيعي.
لكن الشرير يرفض الله، فيخرج عن مساره الطبيعي، ويكون مضطربًا من أجل انشغاله بلذاته الشريرة، وفى النهاية يدان في يوم الشر، عندما تنفضح كل شروره في يوم الدينونة. ويعترف حينئذ أنه قد أخطأ، ولكن لا تكون له فرصة للتوبة، ويواجه العذاب الأبدي.
والخلاصة أن الإنسان الحكيم هو الذي يتذكر دائمًا هدف حياته، وهو محبة الله، والاستعداد لملكوت السموات.
ع5: إن أصعب خطية يسقط فيها الإنسان هي تشامخ القلب، أي الكبرياء النابع من القلب، ويملأ الفكر، ويظهر في الكلام والأعمال، والله يكره هذا الكبرياء؛ لأنه يفسد الإنسان ويقوده للهلاك.
وقد تقنع الكبرياء صاحبها بأنه إذا تكاتف مع غيره من الأشرار، ووقفوا ضد كلام الله ينجحون. ولكن الله يعلن بوضوح في هذه الآية أن كثرة الأيادى المتماسكة في طريق الشر لا تنجح، ولا يبررهم الله، بل يعاقبهم عقابًا شديدًا. فكبرياء نبوخذنصر أدى به إلى الذل سبع سنوات. وكبرياء الإمبراطوريات التي ظهرت في العالم لم يؤدِ إلا إلى خرابها وضعفها، وكبرياء الشيطان ينتظره العذاب الأبدي.
ع6: عندما نقدم محبة ورحمة للآخرين، وفى نفس الوقت ننذرهم حتى يبتعدوا عن الشر، ويقتربوا إلى الله، بهذا نستر على خطاياهم، ونقودهم إلى التوبة. وهذا ما فعله المسيح مع المرأة التي أمسكت في الزنى إذ رحمها، وخلصها من أيدي الذين أمسكوها، ولكنه حذرها حتى لا تعود ثانية إلى الخطية (يو8: 3-11).
ونوصى أيضًا أنفسنا والآخرين أن نحيا في مخافة الرب كل أيامنا فنبتعد عن الشر؛ لنخلص من العقاب وننال مرضاته.
كملت الرحمة والحق في صليب المسيح الذي قدم لنا رحمة كاملة في خلاصه. والحق ظهر في إيفاء ديون خطايانا، وستر على خطايانا وخلصنا. ولكن لنحيا معه في نقاوة، ينبغى أن نتمسك بمخافة الله.
الحق أيضًا يظهر في حياتنا عندما نكون أمناء لله، والرحمة في أعمال الخير، بهذا يستر الله على آثامنا ويسامحنا من أجل أمانتنا ورحمتنا، ثم نحيا في مخافته كل أيام حياتنا.
ع7: إن سار الإنسان مع الله، وحفظ وصاياه، فهو يرضيه، ويجعل أعداءه يسالمونه، أي يعيش معهم في سلام ولا تحدث مشاكل معه، وذلك بعدة طرق مثل:
يعطي مَن يرضيه نعمة في أعين أعدائه، فيعاملونه بمحبة، كما حدث لما صلى يعقوب، قابله عيسو بالحب عند عودته إلى أرضه (تك33: 4).
مَن يرضي الله يضع في قلبه أن يحب أعداءه، ويصلى لأجلهم، فيتأثر الأعداء ويعيشون معه في سلام. كما أحب داود شاول وأبنير رئيس جيشه، وظل شاول يطارد داود حتى مات شاول، وبعده أبنير استمر يحارب داود سبع سنين، ولكن في النهاية أتى أبنير إلى داود، فقبله بمحبة، وعاهده معاهدة سلام؛ ليحيا معه. ولما قتله يوآب حزن داود جدًا عليه، ورثاه بمرثاة عظيمة (2 صم 3: 31).
مَن يرضي الله، يحفظه الله من أعدائه بأن يخيفهم، ويهددهم فيخضعوا له. كما حدث مع لابان الذي كان يريد أن يؤذى يعقوب، ولكن خاف من الله، فقطع معاهدة مع يعقوب (تك31: 44).
ع8: يمدح سليمان هنا الإنسان المستقيم الذي يحصل على مكسب قليل من عمله، ولكنه بحق وعدل يرضى الله. هذا يكون فيه بركة تكفيه، وقد تفيض عنه، بالإضافة لسلام يملأ قلبه يجعله فرحًا، ويصلى ويشكر الله على عطاياه، فيعيش حياة سعيدة.
هذا الرجل المستقيم أفضل بكثير من الرجل الشرير، الذي يحصل على مكاسب كبيرة بغير وجه حق، أي بالظلم والإلتواء والخداع. فهذا الشرير يكون مضطربًا ولا يستفيد من كثرة ماحصل عليه؛ لأنه كيف يفرح وظلمه للناس ينخس ضميره؟ وبالطبع لا يصلى، ولا يشعر بوجود الله معه، فليس عنده سلام، وبالتالي حياته شقية في الأرض، بالإضافة إلى العذاب الأبدي.
ع9: الإنسان الأمين يفكر فيما يريد أن يحققه، وكيف يصل إلى هدفه، ويكون مستعدًا للتعب والبذل حتى يسلك في طريق النجاح.
ولأجل صلاح هذا الإنسان يصلى ويطلب معونة الله، فيجد عونًا في حينه، ويساعده الله في خطواته في طريق النجاح. فالنعمة الإلهية تساند جهاد الإنسان، فتهبه النجاح في حياته. أي أن الإنسان لابد أن يفكر جيدًا، ويقوم ليعمل بكل طاقته، ويطلب معونة الله، فينال نعمة وبركة الله في حياته. وهذا بالطبع ليس في الأمور المادية فقط، بل بالأحرى في الحياة الروحية.
ع10: يتكلم سليمان هنا عن الملك المثالى، ولعله يذكر نفسه بالسلوك الحسن للملك لكيما يسلك فيه. ويقول صفات لا تنطبق بالكامل إلا على المسيح ملك الملوك ورب الأرباب، ولكن تنطبق جزئيًا على الملك الصالح، الذي يحاول أن يرضى الله، مثل سليمان نفسه.
وأول صفة يذكرها هنا هي أن كلام الملك لابد أن يكون من الله، وبوحى منه. وفمه لا ينطق بكلمات غير عادلة، أي لا تخونه كلماته وتصرح وتعلن أي ظلم. وهذا معناه أن الملك الصالح لابد أن يكون مصليًا، طالبًا الله قبل أن يتكلم، وفى كل أحكامه.
يستكمل سليمان حديثه عن صفات الملك في هذا الإصحاح من (ع12-15).
ليتك لا تنسى هدفك وهو محبتك لله، والأبدية التي تنتظرك لتحيا فيها معه. فلا تشغلك شهوات العالم، ولا تسقط في إغراءاتها الفاسدة، ولا تنزعج من هموم الدنيا. بل اتكل على الله واحفظ وصاياه، فتحيا مطمئنًا وتسلك في طريق الملكوت.
11- قَبَّانُ الْحَقِّ وَمَوَازِينُهُ لِلرَّبِّ. كُلُّ مَعَايِيرِ الْكِيسِ عَمَلُهُ. 12- مَكْرَهَةُ الْمُلُوكِ فِعْلُ الشَّرِّ، لأَنَّ الْكُرْسِيَّ يُثَبَّتُ بِالْبِرِّ. 13-مَرْضَاةُ الْمُلُوكِ شَفَتَا حَقّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالْمُسْتَقِيمَاتِ يُحَبُّ. 14- غَضَبُ الْمَلِكِ رُسُلُ الْمَوْتِ، وَالإِنْسَانُ الْحَكِيمُ يَسْتَعْطِفُهُ. 15- فِي نُورِ وَجْهِ الْمَلِكِ حَيَاةٌ، وَرِضَاهُ كَسَحَابِ الْمَطَرِ الْمُتَأَخِّرِ. 16- قِنْيَةُ الْحِكْمَةِ كَمْ هِيَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَقِنْيَةُ الْفَهْمِ تُخْتَارُ عَلَى الْفِضَّةِ! 17- مَنْهَجُ الْمُسْتَقِيمِينَ الْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ. حَافِظٌ نَفْسَهُ حَافِظٌ طَرِيقَهُ.
ع11: القبان
: الميزان ذو الذراع الطويلة المقسمة أقسامًا يُحرك عليها جسم ثقيل يسمى الرمانة لتبين وزن ما يوزن.معايير الكيس: كان يوجد كيس توضع فيه الموازين المختلفة؛ وهي دقيقة، وتحفظ في الهيكل عند اليهود، وكذلك عند الملك حتى يضبط بها ويقاس كل معيار يستخدمه التجار؛ لمعرفة مدى دقته ومنع الغش.
تظهر هذه الآية أن الموازين الدقيقة ترضى الله. وعلى قدر الدقة في الموازين، وعدم ظلم الآخر يفرح قلب الله، وأن الدقة الكاملة، أى معايير الكيس هي عمل الله، الذي لا يصل إليها إنسان إلا بمقدار؛ من أجل ضعفه وقصوره.
واحتفاظ الملك بمعايير الكيس تعلن أنه مسئول عن العدل في بلاده، وعدم ظلم أي إنسان. وينبغى أن ينظر الملك، أو كل مسئول في مكانه إلى الله ملك الملوك ورب الأرباب، الذي عنده الدقة الكاملة، ويفحص كل القلوب، ويلزم إرضاءه. وعلى قدر ما يرضى الإنسان الله، ينال بركات ومراحم كثيرة، ويكافئه مكافآت لا تحصى في الأبدية.
ع12: يواصل سليمان حديثه عن صفات الملك المثالى، فبعد أن ذكر:
عدل الملك في قضائه
الأمانة في الموازين والمعاملات
كراهيته للشر
فيعلن في هذه الآية أن الملوك الصالحين يكرهون فعل الشر، ويتمسكون بالبر. وعلى قدر تمسكهم بالبر يباركهم الله، ويثبت كراسيهم.
ينطبق هذا الكلام بالكامل على المسيح البار القدوس، والذي يثبت كرسيه إلى الأبد، بل ويتمتع أولاده الأبرار بالحياة معه في الملكوت.
وهكذا أيضًا كل إنسان يريد أن تكون له إرادة صالحة، ويملك على جسده، وفكره ومشاعره، ينبغى عليه أن يسلك في البر، ويسعى إليه دائمًا، فيثبت في الله، ويكون له رجاء في الثبات الأبدي في الملكوت السماوى.
ع13: الصفة الرابعة
للملك المثالى، يذكرها في هذه الآية، وهي محبته للحق والاستقامة، فهو يفرح بأن يسلك شعبه بالحق والاستقامة. وينهيهم عن النفاق والرياء وكل التواء في الكلام، أو العمل.وكلام الحق والاستقامة يعنى توبيخ المخطئ إذا أخطأ، ولكن بمحبة وحكمة. فنرى بولس الرسول ينذر شعب كنيسة أفسس بدموع (أع20: 31) فهو يحبهم، وينذرهم للابتعاد عن الشر، ولكن بأبوة حانية. ونرى أبيجايل توقف غضب داود، وتمنعه عن فعل الشر بقتل زوجها، ولكن بحكمة ومحبة، فخضع لها داود رغم قوته (1 صم25: 14-32).
ع14: الصفة الخامسة
للملك أن له سلطان وقدرة، فينبغى احترامه، خاصة وإن كان الإنسان قد أخطأ في حق الملك، فالملك قادر أن يهلكه، ولا سبيل أمام هذا الإنسان للنجاة من الموت إلا أن يستعطف الملك، لعله يسامحه، ويعطيه فرصة أخرى للحياة. فالملك يمثل العدل، الذي يقضى بمكافأة البار، وعقاب الشرير.وإذا طبقنا هذه الآية على المسيح، الذي له السلطان الكامل، فهو وحده الديان العادل، ولأننا كلنا خطاة، وأجرة الخطية هي الموت، فإن كنا حكماء، فليس أمامنا إلا أن نطلب مراحمه باتضاع وتوبة، فننال غفرانه، وحياة جديدة من خلال سر الاعتراف.
ع15: المطر المتأخر
: المطر الذي ينزل قبل الحصاد، فيعطى قوة وحياة للنباتات ومحصولًا وفيرًا.الصفة السادسة للملك هي كرمه وسخاؤه في العطاء. فعندما يكون الملك فرحًا وبشوشًا بنعمة الله يكون راضيًا عن عبيده والخاضعين له، ويعطيهم عطايا، ويهبهم حياة مستريحة بين يديه. وهذه العطايا تكون بسخاء، فيكون مثالًا لله الذي لا يعطى مطرًا مبكرًا فقط، بل أيضًا مطرًا متأخرًا يزيد المحصول، أي ثمار الحقل، وهي ترمز للفضائل الروحية في حياة الروحانيين.
وهذه الآية في تطبيقها على المسيح تبين كيف في كرمه يعطى حياة للمؤمنين به، بل سخاء في العطاء، وبركات لا تحصى في الأرض وفى السماء.
ع16: قنية
: اقتناء وامتلاك.الصفة السابعة في الملك، هي اهتمامه بالحكمة والمعرفة أفضل من أي شيء في الأرض. فالحكمة والمعرفة أفضل من الذهب والفضة. ولأنه إذا عاش الإنسان مع الله وحفظ وصاياه فقد اقتنى الله في قلبه، فيحيا في راحة وسلام.
وقد فهم سليمان هذا الأمر منذ صغره، لذا عندما تملك طلب من الله الحكمة، ولم يطلب الغنى. فأعطاه الله حكمة أكثر ممن قبله،أو بعده، ومدحه لأنه طلب الحكمة، وأعطاه أيضًا الذهب والفضة، فصار أغنى من في عصره.
لذا ليتك تهتم يا أخى بالوجود مع الله، وتتمتع به فوق كل اهتمام عندك، فلا تسحبك مشاغل الحياة وتبعدك عن الله الحكمة الحقيقية مصدر الحياة.
ع17: الصفة الثامنة
للملك المثالى هي محافظته على نفسه. فنظام هذا الملك ومنهجه هو الابتعاد عن الشر، فهو يحفظ نفسه من كل خطية، أو شبه شر، أي كل ما يؤدى إلى الشر.وهو يحفظ نفسه بعلاقة قوية مع الله من خلال الصلوات وقراءة كلام الله، فيكون مميزًا بين الخير والشر، ويحفظ فكره وعقله وقلبه.
لكى تحيا نقيًا وتتمتع مع الله احفظ فكرك بترديد كلام الله، واحفظ حواسك حتى لا تميل إلى الخطية، واحفظ مشاعرك بمحبة الله ومحبة الناس، واهتم بالمحافظة على نفسك أكثر من المحافظة على أي شيء.
← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
18- قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ. 19- تَوَاضُعُ الرُّوحِ مَعَ الْوُدَعَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ مَعَ الْمُتَكَبِّرِينَ. 20- الْفَطِنُ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ يَجِدُ خَيْرًا، وَمَنْ يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ فَطُوبَى لَهُ. 21- حَكِيمُ الْقَلْبِ يُدْعَى فَهِيمًا، وَحَلاَوَةُ الشَّفَتَيْنِ تَزِيدُ عِلْمًا. 22- الْفِطْنَةُ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِصَاحِبِهَا، وَتَأْدِيبُ الْحَمْقَى حَمَاقَةٌ. 23- قَلْبُ الْحَكِيمِ يُرْشِدُ فَمَهُ وَيَزِيدُ شَفَتَيْهِ عِلْمًا. 24- اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ. 25- تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ. 26- نَفْسُ التَّعِبِ تُتْعِبُ لَهُ، لأَنَّ فَمَهُ يَحِثُّهُ. 27- الرَّجُلُ اللَّئِيمُ يَنْبُشُ الشَّرَّ، وَعَلَى شَفَتَيْهِ كَالنَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. 28- رَجُلُ الأَكَاذِيبِ يُطْلِقُ الْخُصُومَةَ، وَالنَّمَّامُ يُفَرِّقُ الأَصْدِقَاءَ. 29- اَلرَّجُلُ الظَّالِمُ يُغْوِي صَاحِبَهُ وَيَسُوقُهُ إِلَى طَرِيق غَيْرِ صَالِحَةٍ. 30- مَنْ يُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ لِيُفَكِّرَ فِي الأَكَاذِيبِ، وَمَنْ يَعَضُّ شَفَتَيْهِ، فَقَدْ أَكْمَلَ شَرًّا. 31- تَاجُ جَمَال: شَيْبَةٌ تُوجَدُ فِي طَرِيقِ الْبِرِّ. 32- اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً. 33- الْقُرْعَةُ تُلْقَى فِي الْحِضْنِ، وَمِنَ الرَّبِّ كُلُّ حُكْمِهَا.
ع18:
تعلن هذه الآية حقيقة هامة، وهي خطورة خطية الكبرياء، فهي التي أسقطت الشيطان، ثم أسقطت آدم وحواء. ومن يهتم بكرامته فهو يتبع إبليس فيتحكم فيه، ويسقطه بعد هذا في خطايا متنوعة؛ لأن الكبرياء أم لخطايا كثيرة.والله يسمح للإنسان المتكبر أن يسقط في خطايا صعبة مثل الزنى؛ حتى يتوب ويتكل على الله باتضاع، فيخلص من الكبرياء.
ومهما اقتنى الإنسان من فضائل فالكبرياء تدمره. ولهذا سمح الله لأيوب بتجارب كثيرة ليتخلص من كبريائه. وأعلن الله ذلك بوضوح لنبوخذنصر الملك الذي سيطر على العالم، ولكنه تكبر، فأذله الله سبع سنوات، وعاش كالحيوان حتى تاب (دا4: 33، 34).
ع19: الذى يعاشر الودعاء المتضعين يسهل عليه أن يحيا في الاتضاع، فينال بركات إلهية جزيلة. فهو يتعلم الاتضاع منهم، والله يحبه ويباركه، ويهبه سلامًا داخليًا، يحفظه من شرور كثيرة.
أما من يعاشر المتكبرين حتى لو كانوا أغنياء، وانتصروا في حروب، وكسبوا غنائم كثيرة وهو يقسمها معهم، فيصير غنيًا مثلهم، ولكنه يسقط في الكبرياء، ويفقد تواضعه، ويتخلى عن الله، فيسقط في خطايا كثيرة.
فالأفضل أن يحيا الإنسان فقيرًا، ولكنه متمتع بالتواضع والوداعة، وسلام الله ونعمته من أن يحيا مع المتكبرين؛ حتى لو كانوا أغنياءً لكي لا يفقد تواضعه وبساطته، ويتخلى عنه الله في الأرض، وفى السماء.
ع20: الفطن وهو الحكيم عندما يسلك بحكمة في حياته ينال خيرا وبركة في كل ما يصنعه. وهذا الإنسان الفطن سر قوته هو الاتكال على الله، الذي يسانده ويباركه، ويهبه بركات بلا عدد، فهو حتمًا سعيد وفى فرح.
وهذا المتكل على الله ينال تطويبًا، ليس فقط على الأرض، بل بالأحرى في السماء. فلأنه قبل كل شيء من يد الله بشكر، واتكل عليه يعوضه في السماء بما لم تره عين.
ع21: الحكيم في قلبه أي في مشاعره، يوجهها بحسب مشيئة الله للخير، فهذا بالطبع يدعى فهيمًا؛ لأنه يحيا مع الله.
فإذا استطاع هذا الحكيم أن يقتنى حلاوة الكلام، فإنه يكسب من حوله، ويتعلم منهم بسهولة، لأنهم يحبونه، ويفرحون بمعاشرته، فينال علمًا روحيًا عظيمًا.
ع22: الفطنة وهي الحكمة والتمييز هي الاتصال بالله، فينال منه حياة هادئة نقية. وعلى قدر ما يخضع لله يزداد سلامه وفرحه.
أما الأحمق فهو لا يريد أن يتعلم، وبالتالي من يصر على تعليمه وتوبيخه يصير أحمقًا مثله، كأنه يدق ماء في هاون، فيتعب عبثًا ولا يصل إلى شيء.
والخلاصة، أن الإنسان الفطن هو من يميز الخير عن الشر، ويحيا في الخير ويرفض الشر. أما من يستخدم عقله في الشر، أو فيما لا يفيده فقد شابه الحيوانات، أي فقد عقله وحكم على نفسه بالهلاك؛ كما قال القديس الأنبا أنطونيوس.
ع23:
مشاعر الإنسان الداخلية، إذا امتلأت بمحبة الله، فهذه هي الحكمة، وتخرج هذه الحكمة إلى الخارج على لسان الإنسان. وقدر ما يمتلئ القلب حكمة يصير كلام الإنسان مملوءًا بالمعرفة والعلم، ويفيد السامعين، بل يفيد الشخص المتكلم، فيثبت في الحكمة. كما يعلن المسيح أنه من فضلة القلب يتكلم اللسان (لو6: 45).
ع24: شهد عسل
: هو عسل النحل قبل أن يعصر من شمعه.يمدح سليمان الكلام الحسن فيشبهه بشهد العسل، أي العسل الممتزج بالشمع، فيصير طعمه لذيذًا، فيعلن فوائده وهي:
فائدة للمتكلم، إذ يثبت الكلام الحسن وهو كلام الله في داخله.
يتلذذ به المتكلم، فيفرح قلبه.
يفرح قلوب السامعين، ويجذبهم إلى الله.
يفيد أيضًا أجساد المتكلم والسامعين، فيعطيهم صحة وقوة، والمقصود بالعظام الجسد كله. وكما يشهد سفر الأمثال أن الخبر الطيب يسمن العظام (أم 15: 30).
ع25: هذه الآية سبق ذكرها في (أم 14: 12) ومعناها أن الشيطان يحاول خداع الإنسان بطرق تبدو سليمة، ولكنها تنحرف بالإنسان تدريجيًا إلى الهلاك. فيلزم على الإنسان أن يدقق في تصرفاته، معتمدًا على الصلاة والإرشاد الروحي.
ع26: التعب
: المجتهد.يحثه: يدفعه.
الإنسان الذي يجتهد ويتعب في أعمال كثيرة يتعب لأجل نفسه وفائدته؛ لأن فمه الجوعان يدفعه للعمل؛ حتى يجد طعامه. فسليمان هنا يمدح العمل والاجتهاد لأجل احتياجات الإنسان، وبالتالي يرفض الكسل. كما قال بولس الرسول "إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2 تس3: 10).
أما الإنسان الروحي فيتعب ليشبع جوعه الروحي، وذلك من خلال الصلوات والقراءة والتأمل.
أما الخادم فيتعب ليجذب النفوس، فهذا يشبعه روحيًا أن يجذب الناس للمسيح.
: يحفر ليخرج المخفى داخل الأرض، أو في داخل البشر. وهذا هو المقصود هنا.
الرجل اللئيم هو الشرير المحب للشر. الذي يبحث عنه، ويستثير الناس ليعرف أية معلومات يستخدمها في الشر. ثم يحول هذه الشرور إلى كلمات مؤذية لسمعة الآخرين بإدانتهم، والتشهير بهم. فيكون كلامه كالنار المشتعلة جدًا، أي متقدة، وهي بالطبع معثرة للسامعين، وتولد خصومات بين الناس، ويستبيح لنفسه أن يضيف كلمات غير حقيقية، أي أكاذيب؛ ليزيد اشتعال نار الشر في قلوب الناس. فيوقع بينهم، ويفرح عندما يتشاجرون، ويؤذون بعضهم بعضًا. فهو يفرح بأن يضع الفرقة بين الأصدقاء، فيبعدون بعضهم عن بعض، وينزع الحب من قلوبهم بكثرة كلامه.
ولا يقتصر هذا الشرير الذي يتصف باللؤم، والكذب، والنميمة بأن يصنع كل هذه الشرور، ولكنه يغرى غيره ليسقط فيما يفعله من شر، فهو ينشر الشر بين الناس. وهذا عكس ما ذكرناه عن الحكيم الذي يتكلم كلامًا حلوًا يشبع الروح والجسد (ع24).
ع29: الإنسان الشرير هو ظالم، يظلم من حوله حتى صاحبه، الذي ينبغى أن يكون مساندًا له، بل على العكس يحاول إيقاعه في الشر، فيخدعه ويغريه بحلاوة الخطية؛ لينسيه جرمها، أو أنها عصيان لله، فيسقطه في الشر، ويبعده عن البر والصلاح الذي كان يحيا فيه.
فالشرير ظالم لأنه حجب عن صاحبه حلاوة البر، وخدعه بأن الشر لذيذ، أو أنه محتاج لهذا الفعل الشرير، ولا يمكن أن يستغنى عنه، كما أنه لا يبين أن الفعل شريرٌ بل شيئٌ عاديٌ. فبهذا يظلم هذا الإنسان المسكين ويقوده في طريق الشر.
ع30: الإنسان الذي أغواه الظالم، وأظهر له حلاوة الشهوة الردية، يبدأ التفكير فيها، ويتخيل حلاوتها، ويغمض عينيه عن الواقع ليعيش في الخيال الشرير. بل يعض شفتيه من كثرة تلذذه بالفكر الشرير. هذا الإنسان قد أكمل الشر في داخله، حتى لو لم يكن قد وقع فيه بالفعل، كما بين المسيح في العهد الجديد "أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت5: 28). فالتفكير الشرير مرحلة من مراحل الخطية. ومن ناحية أخرى، فإن الظالم يمكن أن تنطبق عليه هذه الآية إذا زاد في تفكيره وتخيله وحلاوة الشر الذي سيفعله بصاحبه، وفرح بهذا الشر؛ حتى أنه عض شفتيه تلذذًا بهذا الشر الذي سيفعله. فهو إن كان لم يفعل بعد الشر، ولكنه أكمله في تفكيره وخياله.
ع31: الإنسان المتقدم في السن، والذي شاب شعره وأصبح أبيضًا، أو يميل إلى البياض، وما زال متمسكًا بحياة البر، هو إنسان عظيم، يستحق أن يدعى ملكًا، ويوضع التاج على رأسه، ليس تاج المملكة، بل ما هو أعظم منه، تاج الجمال الروحي؛ لأنه سار في طريق الله في شبابه، وتمسك بالصلاح طوال حياته، حتى وصل إلى هذا السن المتقدم، الذي يقترب فيه من السماء والحياة الأبدية.
والشيبة الصالحة قدوة لمن هم أصغر سنًا، إذ تؤكد إمكانية حياة البر، والثبات فيها. إذ تثبت المؤمنين مهما حاربتهم محاربات من إبليس، أو ضيقات.
ع32: الذى ينتصر في حربه الداخلية، أي حروب الشيطان داخل نفسه، هو أعظم جبار، وهو خير ممن ينتصرون في الحروب. إذ أن من يستطيع أن يضبط لسانه وأفكاره، ومشاعره هو أفضل ممن يستطيع أن يمتلك مدينة، وينتصر على أعدائه.
لأنه إن كان الإنسان قويًا في داخله، يسهل عليه أن يكون قويًا في معاملاته مع الآخرين. ولكن الذي له مظهر القوة الخارجية وهو ضعيف من الداخل، فإن قوته لا تثبت فيه.
ع33: عند الاختلاف في الآراء لاختيار شخص، أو موضوع معين، كانوا يلقون القرعة، ويصلون أولًا، ثم يختارون من بين أحجار، أو أوراق مكتوب فيها. والذي يُختار هو من الله؛ لأن القرعة سبقتها الصلاة. وقد تكون الصلاة مصحوبة بالصوم لزيادة التضرع إلى الله.
كان يجلس الرجل ويلبس جلبابًا ويضعون الأحجار، أو الأوراق في حضنه (حجره)، ثم بعد صلاة يتم اختيار أحدها.
كانت القرعة تجرى في العهد القديم، ومازالت تجرى في العهد الجديد، إذ أنها معتمدة على الله. فقد تمت القرعة في توزيع أرض الميعاد على الأسباط (يش13: 6). وأجريت القرعة لمعرفة من أخطأ عند محاربة عاى، وأظهرت أنه عخان بن كرمى (يش7: 18). وكذا النوتية في السفينة ألقوا قرعة فوقعت على يونان (يو1: 7). وفى العهد الجديد ألقيت القرعة في اختيار متياس الرسول بدلًا من يهوذا الإسخريوطى (أع1: 26).
ومازلت القرعة تستخدم في الكنيسة حتى اليوم في اختيار البطريرك، وتكون مسبوقة بالصلاة والصوم، فيكون الحكم والاختيار من الله.
إن كان الله يمكن أن يختار بإعلان من الروح القدس في بعض الأحيان، لكن هذا لا يلغى استخدام القرعة عمومًا عند الاحتياج، ولكن إن كان الإنسان يميل إلى اختيار معين هو مقتنع به بعد الصلاة، ويشعر بالارتياح له، فلا داعى لعمل القرعة.
أنظر إلى الله الذي يراك لكي ترضيه من كل فكرك وقلبك، فتكون حكيمًا، ولا تظلم أحدًا، وتمسك بكل ما هو للبنيان، فتنفع نفسك وكل من حولك.
← تفاسير أصحاحات أمثال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أمثال سليمان 17 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أمثال سليمان 15 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/proverbs/chapter-16.html
تقصير الرابط:
tak.la/z2w9c5a