محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28
آيات1-3: "ثُمَّ الْعَهْدُ الأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَيْضًا فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْقُدْسُ» الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأَقْدَاسِ»"
الخيمة كلها رمز للمسيح ولعمل المسيح. لذلك يذكر أجزاءها ويتكلم عنها بكل الاحترام. ونرى في حديث الرسول أن الخيمة تنقسم لقسمين، القدس، وقدس الأقداس وهما إشارة للعهدين. فالقدس يشير للعهد القديم وقدس الأقداس يشير للعهد الجديد. القدس يخدمه كهنة كثيرون كل يوم والثاني يشير للسماء لا يدخله إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة كرمز للسيد للمسيح الذي قدم نفسه مرة واحدة ليدخل بنا إلى سمواته. والرسول يرى أن كل ما كان في الخيمة ويرمز للعهد الجديد هي مقدسات شبه السماويات. والقدس يشير أيضًا لحياتنا الحاضرة المقدسة في الرب، وقدس الأقداس يشير للحياة السماوية التي قدمها لنا الرب نتذوق الآن عربونها ونستكملها في الدهر الآتي.
وبدأ الرسول بشرح القدس ليصل إلى قدس الأقداس ليوضح خدمة المسيح الذي دخل السموات بدمه مرة واحدة مثل رئيس الكهنة الذي يدخل الأقداس مرة واحدة في السنة. بل أن خدمة المسيح غطت على خدمة الكهنة التي هي كل يوم في القدس وخدمة رئيس الكهنة نفسه.
وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ
= هو قدس لأن الله يحل فيها وقال عالمي ليفرق بينه وبين الأصل السماوي.
آية 4: "فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ."
مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ
= تستخدم يوم الكفارة فقط وإستخدمها هارون وتركت كتذكار داخل قدس الأقداس. ونلاحظ أن الرسول ذكر كل محتويات الخيمة ما عدا مذبح البخور وذكر مبخرة الذهب بدلًا منه. والسبب أن كل ما في قدس الأقداس يشير لما هو في السماء، ومذبح البخور مكانه في القدس. وهو يريد أن يقول أن المسيح يشفع فينا الآن في السماء فاستعاض عن مذبح البخور بذكر المبخرة الذهب. والمبخرة الذهب ومذبح البخور كلاهما يقدم بواسطتهما البخور شفاعة في الشعب وبذلك يشيران للمسيح الشفيع عن جنس البشر. تابُوتُ الْعَهْدِ = ممثل الحضرة الإلهية. ويشير لأن المسيح أخذنا فيه لحضن الآب (راجع تفسير خيمة الاجتماع). الْمَنُّ = إشارة للمسيح المن الحقيقي الذي أعطانا جسده مأكلا حقيقيا ومن يأكله يحيا. عَصَا هَارُونَ = تشير لرعاية المسيح الشخصية لكنيسته. وتشير للحياة التي خرجت من عصا ميتة رمز لعمل المسيح الذي أعطى شعبه حياة بعد أن ماتوا بالخطية. لوْحَا الْعَهْدِ= إشارة لكلمة الله ووصاياه المحيية، وكلمة الله المكتوبة تشير للمسيح كلمة الله.
آية 5: "وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ."
كان مجد الرب يظهر من بين الكاروبان. فالله يوصف بأنه الجالس فوق الشاروبيم. فغطاء التابوت يمثل عرش الله.
آية 6: "ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هذِهِ مُهَيَّأَةً هكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إِلَى الْمَسْكَنِ الأَوَّلِ كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ."
الكهنة يدخلون ولكن الشعب محروم من الوجود في حضرة الله بسبب الخطية. فقبل خطية آدم كان آدم في حضرة الله دائمًا. وبسبب الخطية انعزل الشعب عن الله وصار الكهنة وسطاء. بل أن حتى الكهنة محرومون من دخول قدس الأقداس، الذي يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، ويدخله بحياة آخر هي الذبيحة الحيوانية.
آية 7: "وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ."
جَهَالاَتِ الشَّعْبِ
= يسميها جهالات بسبب ضعف مستواهم الروحي، والكاهن القبطي اليوم يصلي طالبًا غفران خطاياه وجهالات الشعب. ولاحظ أن رئيس الكهنة يقدم أيضًا عن نفسه. وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي = يقصد بالثاني قدس الأقداس.لَيْسَ بِلاَ دَمٍ
= فرئيس الكهنة الهاروني لا يدخل لقدس الأقداس إلاّ بعد أن يقدم ذبيحة دموية عن نفسه. فحتى رئيس الكهنة له خطاياه التي يجب أن يقدم عنها ذبيحة قبل أن يشفع في الشعب. لكن مسيحنا قدم ذبيحة الصليب عنا وليس عن نفسه فهو بلا خطية.
آية 8: "مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ."
طالما المسكن الأول اليهودي قائم والحجاب بين القدس وقدس الأقداس قائم. إذًا طريق الأقداس مغلق لم يظهر للإنسان. وكان لا بد للحجاب أن ينشق ليظهر الطريق للإنسان. والحجاب قد انشق بعد موت المسيح على الصليب، إذ حدث الصلح (رو5: 10).
آية 9: "الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ، لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ."
الذي = عائدة على قوله المسكن الأول في الآية السابقة بل كل الكهنوت اللاوي والهيكل والذبائح هي رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ = أي بعد مجيء المسيح. والرسول هنا يكلم من يريد أن يرتد للعبادة اليهودية فيقارن بين الخدمتين . وهو رأى أن خدمة العهد القديم تركز على تطهير الجسد كالغسل بالماء وكان هذا يعني غفران الخطية بالذبائح الدموية، لكن الضمير ما زال مثقل بحبه للخطية . أما خدمة العهد الجديد فتمس الضمائر وأعماق النفس الداخلية أي خدمة الروح الفعالة التي تقيم ملكوت الله في داخلنا. أما طقوس العهد القديم فلم تكن لها هذه القدرة.
من جهة الضمير=
1- لو فكرنا بضمير نقي هل نقبل أننا نَكْمُل بذبائح حيوانية!!
2- لو تطهر بالجسد كيف يتطهر الضمير. أي كيف يتطهر القلب أي الداخل. والكمال هو في تطهير الداخل.
آية 10: "وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ."
هذه القرابين مع الفرائض المختلفة التي كانت تصحبها كانت تهدف لتطهير الجسد فقط وكان هذا حتى يجيء وَقْتِ الإِصْلاَحِ = أي الوقت الذي يأتي فيه المسيح ليصلح النفوس ويطهرها حين يقدم لنا جسده كسر تقديس لنا. فيه نختفي وبه نتحد، نحمله في داخلنا ونحن فيه. إذًا الإصلاح لن يكون بشرائع جديدة بل بإمكانيات جديدة أي بإتحادنا به ولذلك تغيرت أو تكملت وصية لا تزن وصارت "أن من ينظر ليشته فقد زنا" في قلبه ولا تقتل صارت... لا تغضب. ونلاحظ أن الأطعمة والغسلات ليست عيبًا بل هي ألف باء يعلمها الأب لأولاده حتى يكملوا في الوقت المناسب. (كان من يلمس ميت يتطهر بالاغتسال بالماء والكاهن لا يدخل للقدس إلا بعد الاغتسال بالماء).
آية 11: "وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ."
رئيس كهنة للخيرات العتيدة = جاء رئيس كهنة ليمنحنا الخيرات الأبدية وميراثنا السماوي هذه التي كانت بالنسبة لأزمنة العهد القديم تعتبر عتيدة أي ستحدث في المستقبل.
فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ
= أي هيكل جسد المسيح ونحن أعضاءه. وهنا نرى بوضوح أن الرسول يرى أن الخيمة ترمز للمسيح هي وكل طقوسها. غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ = الخيمة صنعت بيد ولكن جسد المسيح لم يتم بزرع بشري بل بالروح القدس الذي حل في مريم العذراء، فهو لم يكن من هذه الخليقة = ليس من زرع بشر، بل من خليقة روحية = بالروح القدس. وبعد القيامة صار جسدًا جديدًا ليجعلنا كلنا خليقة جديدة. ونلاحظ أن تشبيه المسيح بالمسكن يشير لأن جسده البشري هو الهيكل الجديد، كنيسته (يو2: 20، 21) وجسده يحل فيه كل ملء اللاهوت (كو2: 9) ليكون لنا مصدر حياة أبدية وقداسة ومجد = نحن مملوءون فيه (كو2: 10).
آية 12: "وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا."
كان رؤساء الكهنة يدخلون لقدس الأقداس بدم تيوس وعجول عن نفسهم وعن الشعب، أما المسيح فدخل السماء بدم نفسه عنا فهو بلا خطية. لكي بواسطته ندخل نحن أيضًا (عب10: 19).
دخل مرة واحدة إلى الأقداس
= المسيح دخل مرة واحدة ولم ولن يخرج ليشفع فينا وهو ينتظرنا إذ ذهب ليعد لنا مكانًا، وكان دخول رئيس الكهنة اليهودي لقدس الأقداس مرة واحدة في السنة رمزًا لذلك وليس لأحد أن يدخل لقدس الأقداس.
آية 13، 14: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!."
دَمُ ثِيرَانٍ
= هذا يقدم عن خطايا رئيس الكهنة (لا16: 14، 16). وَتُيُوسٍ = دم التيوس يقدم عن جهالات الشعب. وَرَمَادُ عِجْلَةٍ = راجع فريضة البقرة الحمراء (عدد 19) وهذا الرماد يستخدمونه لتطهير مَنْ تلامس مع نجاسة ميت (هناك معادلة نستنتجها من الكتاب أن الخطية = موت ولكي يشرحها الناموس قال أن من يتلامس مع جثة يتنجس رمزا لنجاسة النفس إذا تلامست مع خطية، فالموت نتيجة للخطية). كل هذه التطهيرات تؤدي لطهارة الجسد فقط حتى يستطيعوا الاشتراك في الخدمة. وتعبير طهارة الجسد يعني به غفران الخطية والتطهير من الخارج لكن الضمير ما زال ملوثا مثقلا بحب الخطية.فكم بالحري
دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ = أي الله، فالله روح. هنا نرى لاهوت المسيح الذي أعطى لجسده الإمكانيات اللانهائية لغفران خطايا كل المؤمنين الثابتين فيه عبر الأزمان. ولأنه روح حي أزلي فلاهوته الغير محدود متحد بناسوته، فبموت المسيح تصالحنا مع الآب وغفرت خطايانا إذ قدم كفارة لا نهائية، وبقيامة المسيح صارت لنا حياة أبدية (رو5: 10). والدم يرمز للحياة. وقوة الحياة التي في المسيح هي قوة حياة أزلية، وهذه القوة تحيي من الموت وتحيي من موت الخطية فتهبنا الضمير الروحي الجديد الرافض للخطية. وهنا يضع الرسول عبارة روح أزلي في مقابل طبيعة الذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم، فهذه كانت لها طبيعة أرضية فانية ميتة، أما المسيح فله طبيعة روحية سرمدية لانهائية. وهذا ما يعطي لتقدمته قيمتها ويجعلها أفضل من التقدمات الحيوانية. قَدَّمَ نَفْسَهُ = وهذه تشير لفعله الإرادي الحر. وهو قدم نفسه دون أن يكون فيه نقص أو عيب. يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ = من أعمال الخطية التي تحمل الموت للنفوس = طهارة الضمير تعني رفض وكراهية الخطية من الداخل، وهذه كانت مستحيلة على الذبائح الحيوانية. وهكذا نستطيع أن نعبد الله الحي بفرح. فإذن كما كانت طهارة الجسد في العهد القديم تبيح للإنسان أن يشترك في العبادة بعد أن يتخلص من النجاسات، فهكذا أيضًا المسيح يخلصنا من كل نجاسة الخطية ويطهر نفوسنا وضمائرنا، فيجعلنا مستحقين للاشتراك في عبادته وخدمته = لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ.دم المسيح يطهر الداخل فلا نريد الخطية ونشتهيها داخليًا، عكس تطهير الجسد الذي اكتفى بتطهير خارجي ولكن الشهوة الخاطئة استمرت تعذب الضمير.
آية 15: "وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ."
لأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ
= إذ توقفت فاعلية الناموس على طهارة جسدية دون الوصول لراحة الضمير وإصلاح الفساد الداخلي احتاج الأمر لوسيط عهد جديد غير دم الذبائح الحيوانية العاجزة. لأن دم المسيح له قوة أن يطهر ضمائرنا فنخدم الله صار المسيح وسيطًا بين الإنسان وبين الله لكي يقيم عهدًا جديدًا غير العهد الأول. فكان الناموس في العهد الأول يتعامل مع التعديات بالعقوبات والتأديبات ولكنه لم يعالجها لذلك أخفق الإنسان أن يتقدم لخدمة الله بالكمال الروحي المنشود. أما العهد الجديد فهو عهد غفران وصفح (عب8: 12) وتطهير الضمير (آية 14) يطهر الإنسان ليؤهله لخدمة جديدة لله روحية وكاملة وبلا عيب. المسيح صار وسيط ليحررنا من خطايا التعديات = ربما غفرت الخطية ولكن ماذا عن الشهوة الموجودة في الداخل، هي أيضًا تعديات، وهذه يصلحها دم المسيح إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ . وفي العهد الجديد يطالب المسيحي بالثبات في المسيح أي استمرار الجهاد في أن يظل متمسكا بالمسيح في صلوات وتسابيح ومحاولات مستمرة للبعد عن الخطية والروح يبكت ويعين، فلو حدث وتحركت شهوة وقدمنا عنها توبة فدم المسيح يغطينا . لذلك يقول الرب "اثبتوا فيَّ". وبهذا فإن المدعوون (يهودًا وأمم) يحصلون على الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ.
الآيات 16، 17: "وَلأَجْلِ هذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ."
هذه قاعدة أو قانون روماني. فطالما الموصى حيّ فهو قادر أن يسحب وصيته ويغيرها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لذلك فالوصية تتثبت وتصبح سارية إذا مات الموصى. والله قدم وصيته في العهد القديم (ميراث كنعان). وإذ لم يكن ممكنًا أن يموت الله الموصى في العهد القديم كان دم الذبائح يقوم بهذا الدور. وفي العهد الجديد قدم الله وصيته (الميراث السماوي) وإذ مات المسيح بالصليب تثبتت الوصية وصارت فاعليتها أكيدة لنتمتع بالميراث السماوي. "من يؤمن بي فله حياة أبدية". هذه هي الوصية المختومة بجسده المبذول ودمه المسفوك عنا. لذلك كان الدم هو علامة ثبوت الوصية في العهدين القديم والجديد. ودم الذبائح هو رمز لدم المسيح.
آية 18: "فَمِنْ ثَمَّ الأَوَّلُ أَيْضًا لَمْ يُكَرَّسْ بِلاَ دَمٍ."
طالما أنه لا بد من موت حتى تثبت الوصية، فكان الحل في العهد القديم تقديم الذبائح الحيوانية. ولذلك فإن العهد الأول أيضًا (القديم) لم يأخذ قوته بغير دم بل بدم الذبائح. وهذه كانت كرمز، فلما أتى المرموز إليه بطل الرمز.
الآيات19-22: "لأَنَّ مُوسَى بَعْدَمَا كَلَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِكُلِّ وَصِيَّةٍ بِحَسَبِ النَّامُوسِ، أَخَذَ دَمَ الْعُجُولِ وَالتُّيُوسِ، مَعَ مَاءٍ، وَصُوفًا قِرْمِزِيًّا وَزُوفَا، وَرَشَّ الْكِتَابَ نَفْسَهُ وَجَمِيعَ الشَّعْبِ، 20قَائِلًا: «هذَا هُوَ دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي أَوْصَاكُمُ اللهُ بِهِ». وَالْمَسْكَنَ أَيْضًا وَجَمِيعَ آنِيَةِ الْخِدْمَةِ رَشَّهَا كَذلِكَ بِالدَّمِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ.!"
هذه الآيات شرح للآية (18) وكيف أن العهد كان بالدم، دم الذبائح. راجع رش الدم (خر24: 4-8). والتطهير بالماء والدم (لا 14) هنا نجد الماء يمتزج بالدم. والماء والدم يذكرنا بالماء والدم اللذان خرجا من جنب المسيح + (1يو5: 6) + (يو34:19) فالماء يشير للمعمودية والدم يشير لذبيحة الصليب. ولم يشر العهد القديم لأن موسى قد رش الكتاب ولكنه طالما رش كل شيء فهو رش الكتاب أيضًا. هو كان يرش كل شيء بالدم ليتطهر بالدم ولكنه رش الكتاب بالدم لأن الكتاب أخذ معنى العهد بالدم. وقد يشير لرش أذهاننا التي كتبت فيها الوصية وهكذا لرش قلوبنا بنفس المعنى. ورش الخيمة هو رشنا نحن فنحن صرنا خيمته (2كو6: 16). وكان رش الدم على كل شيء رمز لأن رش دم المسيح لا يطهر الجسد من الخارج فقط بل يطهر النفس ويغسلها فيؤهل لدخول الهيكل السماوي.
آية 23: "فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ."
أمثلة الأشياء
خيمة الاجتماع وما فيها فهي كانت مثال للعهد الجديد. السَّمَاوِيَّاتُ = هي كنيسة المسيح جسد المسيح، والمؤمنين أنفسهم هم هيكل الله ، وهم بدم المسيح صاروا مقدسين أي مخصصين لله.
آية 24: "لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا."
المسيح لم يدخل إلى قدس أقداس الخيمة، بل دخل إلى الأقداس الحقيقية في السماء ظهر أمام الآب ليشفع فينا. وهو في السماء نحن منقوشين عليه، على قلبه وعلى يده، ويده كما كان في العهد القديم يضع رئيس الكهنة أسماء الأسباط منقوشة على صدره وعلى كتفه. وكان رئيس الكهنة اليهودي يظهر أمام الله، أمام التابوت وهو يحمل هذه الأسماء وفي المقابل حملنا المسيح فيه ودخل للسماء لنستطيع نحن أن نوجد في حضرة الله.
آية 25: "وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ إِلَى الأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. "
ذبيحة العهد القديم كانت تتكرر كل سنة لتتأكد الحقيقة في ذهن اليهود. بدم آخر= دم الحيوانات. ولكن المسيح قدم نفسه مرة واحدة. ونلاحظ أننا في التناول من جسد المسيح ودمه لا نقدم ذبيحة صليب جديدة ولا نكررها، بل هي امتداد لذات الذبيحة القائمة الأبدية غير الدموية التي لا تتوقف. فالمسيح الذبيح الحي القائم من الأموات هو بعينه يقدم جسده ودمه دون تكرار أو تغيير.
آية 26: "فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ."
لو هم ترجوا رئيس كهنة أو مسيحًا على رتبة هرون كان لا بُد أن يصلب كل سنة فرئيس الكهنة اليهودي يقدم ذبيحته كل سنة.
آية 27، 28: "وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ."
الإنسان يموت وحتمًا بعد الموت تأتي الدينونة. ولكن المسيح مات ليرفع الدينونة ويأتي بالخلاص من كل الخطايا. ولكننا لا نرى ولن نرى هذا الخلاص إلا في المجيء الثاني. ولكن لنعلم أن المجيء الأول كان للغفران، أما المجيء الثاني فهو للدينونة. أما بالنسبة لمن يثبتوا في المسيح ويغلبوا فقد جاء المسيح في مجيئه الأول حاملًا الغفران وسيأتي في مجيئه الثاني حاملًا بركات كثيرة لا نعرفها، فإن كان كل ما حصلنا عليه في المجيء الأول هو عربون ما سنحصل عليه في المجيء الثاني، فكم تكون بركات المجيء الثاني.آمين تعال أيها الرب يسوع.
← تفاسير أصحاحات عبرانيين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير عبرانيين 10 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير عبرانيين 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/t6pvf5s