محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بطرس الرسول الأولى: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
آية 1:- بُطْرُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى الْمُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، الْمُخْتَارِينَ
بطرس = هو الاسم الذي دعاه به الرب (يو42:1) ويسمى بالسريانية صفا أو كيفا ومعناه الصخرة، إشارة للإيمان الذي نطق به (مت18،16:16).
رسول يسوع المسيح = هو أحد الاثني عشر وليس رئيسًا عليهم.
إلى المتغربين = هذا يتناسب مع روح الرسالة إذ هي موجهة إلى أناس متألمين وهي دعوة لهم لأن يشعروا أنهم غرباء عن هذا العالم فيشتاقوا لموطنهم الحقيقي، أورشليم السماوية وليس أورشليم الأرضية، والتي بدأ منها اضطهاد المسيحيين ولاحظ أن التعلق بالسماويات هو أساس لاحتمال الآلام بصبر والرسالة موجهة لليهود الذين آمنوا بالمسيح فاضطهدوا فتشتتوا، ثم انضم إليهم الأمم الذين آمنوا.
بنتس غلاطية كبدوكية...= وهذه مرتبة من الشرق إلى الغرب. إذًا هو يكتب من مكان ما بالشرق، وليس من روما التي تقع في غرب آسيا الصغرى.
آسيا = هي مقاطعة في آسيا الصغرى (تركيا حاليًا).
المختارين = على الصليب فتح الابن يديه معلنا دعوة الآب لكل البشرية. فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2). والله يدعو وكل إنسان حر في أن يقبل أو يرفض.
"يا أورشليم... كم مرة أردت....... ولم تريدوا" (مت37:23) والآب بسابق علمه يعرف الذين يتبعونه ويتجاوبون مع دعوته (رو29:8). والمختارين اسم أطلقه الرسل على كل المؤمنين وليس معنى هذا أن كلهم يثبتون إلى النهاية في الإيمان، فالله لا يحرم الإنسان من حريته. ولكن كلمة المختارين تشير إلى أن البداية هي من الله، والفضل هو لله في إيماني، إذًا لماذا الانتفاخ؟
آية 2:- بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ.
سبق وقال أنهم مختارين، واليهود فهموا أن الله اختارهم كشعب مختار متعصبا لجنسهم ولغتهم وبلادهم، ولكن الرسول يبين هنا أساس اختيار الله لشعبه المسيحي.
1- بمقتضى علم الله السابق = مما سبق نرى أن الله يدعو(يو6: 44، 45) ولكن ليس الكل يوافق ولكن الاختيار ليس عشوائيا، بل الله يختار من بسابق معرفته يعرف أنه سيتجاوب مع دعوته (رو28:8-30) فعلم الله غير إرادة الله.
2- تقديس الروح للطاعة = تأثير الروح القدس الذي حل علينا بالميرون هو تبكيت النفس على خطاياها، وإقناعها بترك محبة العالم، بل هو يعطي قوة نميت بها شهوة الجسد الخاطئة ونطيع وصايا الله، فنتقدس أي نتخصص ونتكرس لله (يو8:16) + (أر7:20) + (رو26،13:8) هذا إذًا هو عمل الروح القدس أن يقدسنا أي يخصصنا لطاعة من اختارنا أي الآب. فالله يختار من يعلم أنه سيقبل تحقيق إرادته "هذه هي إرادة الله قداستكم" (1تس4: 3).. بل أن الروح يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) ومن يحب الله يطيع وصاياه (يو23،21:14).
3- ورش دم يسوع المسيح = بهذه نرى عمل الثالوث في خلاصنا. فالآب يختار ويدعو والروح يقدس للطاعة والابن يطهر بدمه. فمن يلبس ثيابًا بيض في السماء هم من غسلوا وبيضوا ثيابهم في دم الخروف (رؤ7: 14). ودم المسيح يكفر عنا أي يغطينا، فلا يرى الآب خطايانا، بل يرى دم ابنه، فنحسب كاملين فيه وبلا لوم (كو1: 28 + اف1: 4). ولذلك فإن أفضل طاعة لا قيمة لها بدون دم المسيح. وكلمة رش دم = مقتبسة من العهد القديم (لا1: 5 ، 11) + (لا4:14-7) + (لا16: 15 – 19) + (خر24: 6 – 8) + (خر29 : 20 ، 21) + (مز7:51) حيث كانوا يتطهرون برش دم الذبائح. ورش الدم هو للتطهير، فبدم المسيح نتطهر وتغفر لنا خطايانا (1يو7:1) + (رؤ14:7) ولكن لا يكفي التطهير، بل علينا أن نطيع الروح القدس لنتقدس، على أننا طالما كنا في الجسد فنحن معرضين لأن نخطئ بسبب ضعف جسدنا لذلك فدم المسيح يطهرنا من كل خطية (1يو1: 7) هذا إن كنا نطيع الروح القدس. والروح القدس هو العامل في أسرار الكنيسة التي تثبتنا في جسد المسيح. فبالاعتراف الله أمين وعادل، هو يغفر خطايانا (1يو9:1) + (يع16:5) + (يو23،22:20). والتناول يُعْطَى لغفران الخطايا. ومن يأكل جسد ابن الإنسان ويشرب دمه يكون له حياة أبدية ويثبت في المسيح والمسيح يثبت فيه (يو48:6-58) + (مت 26:26-28).
الله مثلث الأقانيم خلق الإنسان = الآب يريد ويدعو "نعمل الإنسان.." (تك1: 26) وأقنومي التنفيذ الابن والروح القدس، الابن يُكَوِّن الإنسان من تراب الأرض، فبه كان كل شيء، والروح يعطيه حياة (تك2: 7).
الله مثلث الأقانيم يخلقنا خلقة ثانية بالمعمودية = الآب يريد أن الجميع يخلصون. والابن مات على الصليب وقام، لأجل كل البشر. والروح القدس في سر المعمودية يشركنا مع المسيح فنموت بإنساننا العتيق ويقيمنا مع المسيح القائم من الأموات متحدين به ولنا حياته الأبدية. لذلك ظهر الثالوث يوم معمودية السيد المسيح وهو يوم تأسيس المعمودية.
الله مثلث الأقانيم يقدسنا = (هذه الآية) الآب يختار، والابن بدمه يُكَفِّر أي يغطينا والروح القدس يبكت ويعين لنرجع للمسيح ولنثبت في المسيح فيغطينا دمه. والروح القدس يظل يقنعنا ويعمل فينا لنقبل عمل الإماتة لنظل مدفونين مع المسيح فتظهر فينا حياته (2كو4: 10، 11).
الإنسان = الله دعاه والمسيح فداه والروح القدس يسكن فيه ليثبته في المسيح. ولكنه هو حر أن يقبل ويقتنع بعمل الروح القدس، أو يظل منفصلا عن المسيح بخطيته.
لتكثر لكم النعمة والسلام = لا سلام بدون نعمة. ولقد اختار الرسول كلمة يونانية (نعمة) وكلمة عبرية (سلام) فالرسالة موجهة لليهود والأمم. والسلام الذي يطلبه لهم الرسول يملأهم حتى وسط آلامهم.
آية 3:- مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ.
مبارك الله = كلمة مبارك هي تسبحة حمد وشكر لله الذي قدم لنا برحمته خلاصا عجيبا نحن غير المستحقين. فكلمة بركة عبرية تعني يتكلم كلام حسن عن شخص ما.
وَلَدَنَا ثَانِيَةً = أعطانا بالميلاد الثاني أي المعمودية أن نكون أولادا لله وخليقة جديدة (2كو17:5) والابن له ميراث (رو17:8). نلاحظ أن المعمودية هي موت مع المسيح ابن الله، وقيامة معه متحدين به وتكون لنا حياته (رو6)، وإتحادنا بالابن تجعلنا أبناء لله، وهذه هي الولادة الجديدة والخليقة الجديدة. وبالطبيعة الجديدة ندرك الله بالروح القدس الساكن فينا ومن يعرفه يحبه. وكل من عرفه أحبه، فهو يستحق هذا الحب. والروح القدس الساكن فينا "يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" (رو8: 16 + غل4: 6). وبمحبة الله هذه وإدراكنا للميراث المعد لنا كبنين نحتمل أي ألم بفرح.
لِرَجَاءٍ حَيٍّ = من دخل في علاقة حب مع المسيح يكون له رجاء كما يقول بولس الرسول "والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس" (رو5: 5) . فمن أحب الله إذ شعر بمحبته ، يزداد رجاءه في الحياة الأبدية . وهذا الرجاء يفيض فينا بحياة روحية حقيقية = الحياة الروحية هي حياة يقودها الروح القدس ، ومن له هذا الرجاء ينقاد بسهولة ونشاط لدعوة وعمل الروح القدس. وهذا الرجاء هو رجاء حي قوي مؤسس على قيامة المسيح، أي أن ما أعطانا هذا الرجاء الحي هو قيامة المسيح = بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فقيامة المسيح أعطتنا أن تكون لنا قيامة وحياة أبدية مثله، وأنه سيكون لنا نصيبا في عالم آخر ذهب إليه المسيح قبلنا ليعده لنا (يو1:14-3). لذلك هو رَجَاءٍ حَيٍّ في مقابل رجاء ميت الذي هو الرجاء في هذا العالم المحكوم عليه بالموت والفناء والذي كثيرا ما يخيب الظنون والأمال . ابن الله مات وقام ليعطينا الخليقة الجديدة التي لا تموت، والابن قام بذلك وهو غير محتاج لذلك، إنما فعل ذلك لحسابنا أي لنقوم نحن بحياة أبدية. فقيامة المسيح التي لحسابنا أعطتنا رجاء حي في القيامة نحن أيضا.
آية 4:- لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ.
لميراث = المولود من الجسد ينتظر ميراثا ماديا، والمولود من الروح يتعلق قلبه بميراث روحي (رو17:8). ونلاحظ أن الطفل لا يدرك شيئًا عن ميراث آبائه المعد له، وهكذا نحن لا ندرك عظمة الميراث المعد لنا فهو لا يخطر على بال إنسان (1كو9:2) ولذلك نجد الرسول هنا لا يعطي مواصفات لهذا الميراث، بل يتكلم عنه من الجانب السلبي فهو ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل.
لا يفنى = أي ليس قابلا للزوال، عكس ميراث إسرائيل الأرضي الذي طالما ضاع منهم.
لا يتدنس = كما دنس البابليون واليونان والرومان هيكل اليهود، أما ميراثنا السماوي فلن يدخله عدو يدنسه فهو محروس بسور إلهي وعلى أبوابه ملائكة (رؤ12:21).
لا يضمحل = لا يزول جماله ولا يفقد بهاؤه، أما كل جمال أرضي فهو كإكليل زهور لا بُد أن يذبل (يع11،10:1).
محفوظ في السموات لأجلكم = هو موضوع عناية الله وحراسته، ونحن بالصبر والجهاد نسعى نحوه.
آية 5:- أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ.
علينا أن نجاهد ولكن باطمئنان أن قوة الله تحرسنا حتى لا يضيع منا هذا الميراث المعد لنا. فالعلة الأولى لحفظ المؤمن المسيحي هي قوة الله (يو11:17).
والوسيلة لهذا هي الإيمان = بإيمان فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11) والله الذي حفظ الكنيسة رغم كل الاضطهادات قادر أن يحفظنا ويحفظ كل نفس متكلة عليه من الخطايا المحيطة بنا، فقوة الله التي أقامت المسيح قادرة أن تقيم أضعف مؤمن (اف20،19:1). وقوة الله تعمل بإيماننا. فعدم الإيمان يعطل عمل الله "ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم" (مت58:13).
تطلع إلى يسوع إذا هوجمت من تجربة وقل له أنا أثق في قوتك ولا تتطلع إلى ضعفك أو قوة أعدائك، فبطرس غرق في الماء إذ نظر إلى شدة الريح ولم ينظر إلى قوة يسوع (مت30:14). فإنها لخطية شنيعة أن يظن أحد أن القدير غير قادر على حمايته، وأيضًا هو جهل وخطية أن نظن أننا نحن الذين نحمي أنفسنا.
لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير = فالمسيح بدأ عمله الخلاصي بالصليب والروح يعيننا الآن حتى نكمل، ولكن عمل الخلاص ينتهي بحصولنا على الجسد الممجد ودخولنا إلى الميراث الأبدي. ولكن كيف نكون محروسين؟
1. برجوعنا وتوبتنا المستمرة. وهذا يكون بالاستجابة لصوت تبكيت الروح القدس فينا.
2. الاتكال الكامل على المسيح وعدم الشك فيه ولا في قدرته.
3. رفض كل إغراءات إبليس والهروب من كل أماكن الشر.
4. الاهتمام بتنفيذ وصايا الله والسهر الدائم على تنفيذ مرضاته.
5. الشركة مع الله في صلاة دائمة بهذا نكون كمن في حصن.
آية 6:- الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ.
الذي به تبتهجون = أي الخلاص (آية 5) فالخلاص ليس معناه غفران خطايانا أو أننا سنرث في الأبدية ملكوت السموات فقط. بل الخلاص يعمل فينا الآن ونحن على الأرض فنحيا نجاهد بفرح، والروح الساكن فينا يعيننا فنسلك في البر بإبتهاج قلب، إذ أننا ولدنا من الله وصرنا خليقة جديدة (2كو17:5) هذه الخليقة الجديدة لا سلطان للخطية عليها (رو14:6). وهذه الخليقة الجديدة مملوءة بالروح ومن ثماره الفرح (غل23،22:5). لذلك نجد أولاد الله مملوئين بهجة، والبهجة التي يعطيها الله لأولاده هنا على الأرض هي عربون ما سنحصل عليه في الأبدية من أفراح أبدية. وكلمة تبتهجون التي استعملت هنا في اللغة اليونانية الأصلية تشير لشدة الفرح. ونلاحظ أن أحلى مزامير داود قيلت وسط الآلام، وكانت مواكب الشهداء تدخل لساحات الاستشهاد بالترانيم وسط فرح عجيب، لذلك نفهم أن سمة الفرح الذي يعطيه الله للمؤمنين أنه لا ينتزع منهم وسط الآلام ولا بسبب أي ضيقة (يو22:16). هذه الحياة التي يسودها الفرح هي التي قال عنها الرب يسوع "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10).
إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ = دخلت الآلام والأمراض والموت إلى العالم نتيجة الخطية. لكن بالنسبة لمن يحبون الله كما قال القديس بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معا للخير". وقد فسَّر القديس إغريغوريوس في قداسه هذه الآية بقوله "أنا اختطفت لي قضية الموت.. حوَّلت لي العقوبة خلاصًا" (القداس الغريغوري). أي أن الألم واقع على كل البشر نتيجة للخطية، ولكن الله يستخدمه مع أولاده لتنقيتهم (1بط4: 1). بل الموت أيضًا صار خلاصا من هذا الجسد بشهواته الردية التي تحجز بيننا وبين رؤية الله، استعدادا لأن نلبس الجسد الممجد.
وقوله يجب يشير لأن الألم موجود وواقع على كل البشر من يوم قال الله لآدم "ملعونة الأرض بسببك" + كون أن الله يسمح بالتجربة لأولاده فهذا له هدف وقصد معين، فهي تطهر وتنقي المؤمن من أي شوائب. فالنيران (آية 7) هي نيران مطهرة، والله لا يلقي أحد في تجربة إن لم يكن قادرًا على احتمالها (1كو13:10). بل أن الله يظهر وسط الضيقة مساندا للمتألم (كما حدث مع الثلاثة فتية في أتون النار) ووجود الله وسط الضيقة يعطي تعزية عجيبة للمتألم. هنا نرى شركة الصليب إذ نحمل صليبنا مع المسيح المصلوب، ونرى شركة الفرح مع المسيح الذي يحمل معنا صليبنا.
يَسِيرًا = زمن العمر كله مهما كان طويلًا فهو زمن قصير نسبيًّا (2كو17:4).
بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ = تشير لتعدد أشكال التجارب، وإستخدمت كلمة مُتَنَوِّعَةٍ ثانية في (1 بط 10:4) لوصف نعمة الله، فبنعمة الله فقط نستطيع أن نواجه التجارب. وهي متنوعة لان لكل خطية أو مرض روحي علاج مختلف (إش28: 23 – 29 ) . والله يعلم طريقة علاج كل مرض .
آية 7:- لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ = إيماننا يولد وينمو (لو5:17) + (2تس3:1). وحتى ينمو ينقيه الله من شوائبه بأنه يسمح ببعض التجارب. وكلمة إيمان هنا في هذه الآية تشير لحياتنا كلها بعد إيماننا بالمسيح، وحياة الإيمان هذه أي طريقة حياتنا تكشف نوعية إيماننا، فمن له إيمان بأن الله يراقبه وأنه ممكن أن يطلب نفسه في أي لحظة يخاف أن يخطئ. ومن يؤمن بالميراث السماوي كيف يتصارع على الأرضيات. ولأننا لنا نفس متمردة تريد تنفيذ إرادتها يؤدبنا أبونا السماوي ببعض التجارب. وهذا ما يحدث مع الذهب الذي يمر في النار ليطهر مما هو زغل وغش فيظهر المعدن الحقيقي للذهب. وهدف التجارب هو غربلة إيماننا ليتبقى منه ما هو صحيح، ولينمو إيماننا ويصير إيمانا صادقا. وإن كان الذهب ثمينا إلا أنه فانٍ ، بعكس إيماننا الذي سيزكينا للمجد. الإيمان لو كان قويا صحيحا فهذا سيعود على صاحبه بالمجد عند استعلان يسوع المسيح أي ظهوره. وكلمة تزكية جاءت في الترجمة الإنجليزية Genuineness أي حقيقي وغير زائف. وكلمة تزكية في العربية تعني أن يشهد إنسان لآخر بالكفاءة والنزاهة ليستحق عمل ما مثلا. وبإضافة المعنى الإنجليزي للمعنى العربي تتضح الصورة، فالله يسمح لنا ببعض التجارب لنتنقى فنتزكى أي نصبح مستحقين للمجد السمائي.
توجد للمدح والكرامة = المدح والكرامة هي أجر من احتمل التجربة وتنقي إيمانه.
والمجد = إذ نرى الله (1يو2:3) نعكس مجده. ولن نراه فقط بل نتحد به.
وإذ نعكس مجده سيكون لنا جسد ممجد، وإذ نعكس نوره سيكون لنا جسد نوراني.
آية 8:- الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ.
لعل بطرس كان في ذهنه وهو يكتب هذه الآية قول السيد "طوبى لمن آمن ولم يرى". ورؤية المسيح بالجسد لها تأثير أضعف من الرؤية بالروح القدس أي التي يعطيها لنا الروح القدس بالإيمان، فكثيرون من الذين رأوا المسيح بالجسد شاركوا في صلبه. ونفهم من الآية أن الإيمان هو مدخل لكل شيء ولكل بركة إلهية، "فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب6:11). وبالإيمان تنفتح أعيننا ونعرف المسيح معرفة حقيقية وليست معرفة سطحية، هي رؤية بالروح القدس الذي يفتح أعيننا على من هو المسيح ومدى محبته لنا، وحلاوة العشرة معه، إذ يأخذ من المسيح ويخبرنا (يو16: 14)، وإذ نعرفه نحبه، والمحبة هي طريق الفرح، فنفرح فرحا عجيبا = فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ. ففي معرفة المسيح حياة (يو3:17).
ونلاحظ في هذه الآية ارتباط الإيمان بالمحبة والابتهاج. فكلما ينمو إيماننا تزداد محبتنا فيزداد ابتهاجنا. وشروط نمو الإيمان:-
1. نزع كل ما لا يتفق وقداسة الله من داخل قلوبنا.
2. التأمل بهدوء في مواعيد الله في الكتاب المقدس. والتأمل في أعمال محبة الله لنا.
3. طاعة كل وصية نعرفها ولو بالتغصب، وهذا ما يسمى أيضًا بالجهاد.
4. بذل أنفسنا في أعمال محبة ولو بالتغصب، وهذا ما يسمى بالجهاد.
5. عدم التذمر في الضيقات، فالله يسمح بها في محبته لنا لزيادة ونمو إيماننا.
آية 9:- نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ.
هدف إيماننا هو خلاص نفوسنا كما أجسادنا في يوم الرب (رو23:8).
آيات 11،10:- الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ، وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا.
الْخَلاَصَ ليس معناه الحياة في السماء بعد الموت، بل في جعل نفوسنا سليمة كاملة، وحصولنا على طبيعة جديدة سليمة ونحن ما زلنا على الأرض (2كو17:5) واستبدال الفساد بالحياة الأبدية. حياة نحياها ونحن على الأرض الآن وهي أفضل (يو10: 10).
النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ = وهو نصرة كل يوم على الخطايا التي تأتي من داخل أو من إبليس. وهو حياة كلها فرح وتعزية وسط ضيقات العالم. هذا لم يعرفه شعب العهد القديم، لكن الروح كشف للأنبياء بأن هناك خلاص معد سيأتي في ملء الزمان، لقد أعلن الروح القدس للأنبياء عن أشياء ربما لم يفهموها بالكامل، وربما حيرت عقولهم بعد أن حصلوا عليها، لكنهم في أمانة سجلوا لنا كل ما حصلوا عليه وكشفه لهم الروح القدس. وشهادتهم هذه فيها تحقيق لصدق الكتاب المقدس. وكانت شهادتهم فيها نبوات عن أن شخصا هو المسيا سيأتي ويتألم ويموت ويقوم ويصعد للسماء ويسكب روحه القدوس.
بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ = = النبوات حددت الوقت الذي سيأتي فيه المسيح، وكل الظروف والأحداث التي ترافق مجيئه. بل هم حددوا وقت مجيئه (دا9: 24 - 26) ومكان ولادته (ميخا5 : 2)، وكان ذلك بروح الله القدوس الذي فيهم = رُوحُ الْمَسِيحِ = فالروح القدس هو واحد مع الآب والابن وسُمِّي هنا روح المسيح لأنه وَجَّه الأنبياء للحديث عن المسيح ليوجه الأنظار إليه (رؤ10:19) والروح القدس هو الذي يثبتنا في المسيح فتكون لنا حياته، وهذا هو الخلاص والحياة الأفضل التي أتى بها المسيح لنا هنا على الأرض (يو10: 10) بل "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9) ليعطينا أن نحيا السماويات ونحن على الأرض وهي حياة أفضل. بل تكلم الأنبياء عن الأمجاد المعدة للمؤمنين بالمسيح في الأبدية. وكون أن الله يكشف كل هذا في النبوات فهو يقصد أن يقول أن الخلاص أعده الله أزليا للبشر حتى قبل أن يخلقهم، هو شيء مرتب في فكر الله.
ولكن لاحظ قوله فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ، وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا = فهذا الكلام موجه لأناس متألمين، ويقول لهم إن المسيح تألم لأجلكم، أفلا تقبلون أن تتألمون مثله، وإن كان هو قد تمجد فأصبروا لكي تتمجدوا معه.
آية 12:- الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ الآنَ، بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. الَّتِي تَشْتَهِي الْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا.
بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ = الروح القدس كان يعمل فقط مع الأنبياء ورؤساء الكهنة والملوك، وذلك ليقودوا شعب الله. أما في العهد الجديد فالروح القدس يسكن في كل المؤمنين المعمدين الممسوحين بزيت الميرون. وهنا نرى أن الأنبياء بشروا بمجيء المسيح المخلص بالروح القدس الذي قادهم لينطقوا بهذه البشارة. وعبَّر داود النبي عن هذا بقوله "لساني قلم كاتب ماهر" والكاتب الماهر الذي جعله ينطق بما قاله هو الروح االقدس (مز45: 1).
هم بشروا بالمسيح المخَلِّص الذي لن يأتي في زمانهم، بل سيأتي في ملء الزمان.
بل لنا = أي المسيح سيأتي في زمان بطرس. والذي نبشركم نحن به = أخبرتم بها أنتم.
التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها = الحب من سمات الملائكة، لذلك فالملائكة تشتهي أن تطلع على خلاص الإنسان، وإن كان الملائكة لم يدركوا كل أبعاد النعمة والأمجاد التي حصل عليها البشر، فبالأولى نحن لن يمكننا فهم كل شيء، بل نحن على الأبواب وفي بداية المعرفة.
في الآيات التالية يصور لنا القديس بطرس الرسول أن أمامنا طريقين نسلك في أحدهما:
1. القداسة أي نحيا فيما يرضي الله.
2. أن نتلذذ بشهوات العالم.
ويقول إن من ينام هو من يسلك في هذه الملذات، أما الصاحي فهو من يدرك أنه في أي لحظة ستنتهي حياته فيخاف أن يخالف وصايا الله، ليس عن خوف ينشأ عنه كبت، بل هو خوف من له رجاء في مجد أبدي يخاف أن يضيع منه.
آية 13:- لِذلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ = هذا تشبيه مأخوذ من عادة كانوا يمارسونها حينما يستعدون لعمل ما أو للسفر (كانوا يربطون منطقة (حزام) يحتزمون بها حول أحقائهم فتشد الظهر فيظل قائمًا)، والمقصود إستعدوا ذهنيا وإصحوا، فأمامكم عمل وجهاد حتى لا يضيع خلاص نفوسكم. والرسول فسر قوله منطقوا أحقاء ذهنكم بقوله صاحين. والمعنى الاستعداد الذهني الدائم بالتفكير برجاء فيما سنحصل عليه من هذا المجد المعد لنا، مستعدين لمغادرة هذا العالم ولنا رجاء في وعود الله بالمجد، والخوف من أن نفقده فيكون لنا قرار واضح بالجهاد، حتى لا نفقده لو غفلنا عنه تائهين في العالم. وبهذا نكون كالعذارى الحكيمات. وحينما نجاهد ولنا رجاء في المجد سنجاهد بفرح.
وبقية الرسالة تعني بإظهار أنه في مقابل هذا الخلاص الذي قام به ربنا يجب أن نجاهد بسلوك مسيحي متمثلين بالله نفسه في قداسته.
لِذلِكَ = أي بناء على ما تقدم من كلام عن الخلاص الثمين إعملوا كذا وكذا.
صَاحِينَ = كالعبيد الذين ينتظرون قدوم سيدهم في أي لحظة. قول القديس بطرس هنا صاحين تناظر تمامًا قول الرب إسهروا.
وقوله مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ = تشير أيضًا لأن الرسول يريد أن يقول كونوا عاقلين متزنين معتدلين في كل أمور حياتكم، وإجمعوا كل أفكاركم في المسيح الذي سيأتي وحرروا أفكاركم من كل قيد، وهكذا مع عواطفكم. ساهرين في حياة مقدسة متشبهين بعريسنا القدوس.
فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ = السهر والجهاد بغير رجاء يجعل النفس تخور. فإختاروا طريق الله وليكن لكم رجاء فيما لا يُرى وليس فيما يُرى (2كو4: 18)، أي ليكن رجاءكم في المجد السماوي وليس في الأرضيات التي ترونها الآن. ليكن رجاؤنا في المجد المعد لنا الذي أطلق عليه هنا النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ = أي المجد الذي ستحصلون عليه = عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = أي في مجيئه الثاني.
آية 14:- كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ.
كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ = تعبير عبراني يعني أن الطاعة أمهم التي يتوجب عليهم أن يرثوا صفاتها، والمعنى أنه عليكم أن تطيعونني فيما أطلبه منكم وهو لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ = التي كنتم تمارسونها في بعدكم عن الله = فِي جَهَالَتِكُمْ = إذ كنتم تجهلون الله وتجهلون مجد الحياة الأبدية المُعَّد لكم، كنتم تحيون حياة العصيان والبحث عن الملذات العالمية كما يفعل أهل العالم، ولكن الآن حصلتم على طبيعة جديدة هي طبيعة الطاعة. فلنفهم أننا صرنا أولادا لآب سماوي كلي الصلاح، فلا يجب أن ننساق وراء شهواتنا السابقة، ولنسلك بما يليق بمركزنا الجديد.
لا تشاكلوا = لا تعودوا وتتشبهوا بهذه الحياة وبهؤلاء الذين يحيون في الخطية.
آيات 16،15:- بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ».
قداسة في العبرية "قدش" ومعناها شيء معزول ومفرز لله ومخصص له. كما كان يكتب على عمامة رئيس الكهنة " قدس للرب". وهكذا كانت العشور تسمى قدس للرب، وهكذا ينبغي أن نقدس هيكلنا الداخلي للرب مجاهدين ضد الخطية والشهوات. حقيقة لا نستطيع أن نحيا بلا خطية، ولكن إن سقطنا نقوم ونعترف، واضعين أمام أعيننا غربتنا في هذا العالم. وقدوس باليونانية άγιος تعني اللاأرضي. والمتعالي والمتسامي عن الأرضيات وهذه لا تُقال سوى على الله فقط. وقديس هو من يجتهد أن يتسامى ويبتعد عن الأرضيات مكرسًا نفسه لله. وكلما يعلو الإنسان في السمو يصبح أكثر قداسة. وهذا كما قال بولس الرسول "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس.." (كو3: 1 – 5).
وبهذا نفهم أننا مخصصين لله لكي نحيا في السماويات، ولا يشغل تفكيرنا الملذات الأرضية، بل المجد المعد لنا في السماء (كو 1:3-4). ويساعدنا على ذلك أن نميت أعضائنا التي على الأرض (كو 5:3). أي نقف أمام الخطية كأموات ونكرهها. ومن يفعل يعطيه روح الله معونة، هذا هو عمل النعمة (رو 13:8).
نظير القدوس.. كونوا قديسين = المثال الذي نضعه أمامنا هو الله نفسه، وليس إنسان، هذه مثل "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت5: 48). والمقصود كما أن الله أبوكم قدوس سماوي، عيشوا حياتكم حياة سماوية.
في كل سيرة = في كل تصرف، وفي كل معاملة وفي كل أمر، حتى في أفكاركم الخفية.
لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس = (لا 44:11).
آية 17:- وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ،
إن الإدعاء بكوننا أولاد الآب السماوي يستدعي سلوكًا وقورًا في حياتنا الزمنية. فلا يليق بالأولاد أن يهينوا اسم أبوهم السماوي بأعمالهم. والله أبونا يحكم بغير محاباة = وهذا يعني أن الله لن يقبلنا لأننا مؤمنين مع كوننا خطاة ويترك غير المؤمنين. بل لأنه قدوس لن يقبل أي خطية وسيحاكم كل واحد مؤمن كان أو غير مؤمن = حسب عمل كل واحد. لذلك يقول فسيروا زمان غربتكم بخوف = وهذه مثل قول بولس الرسول " تمموا خلاصكم بخوف ورعدة (في 12:2). حقا الله أبونا فلا نيأس، ولكن الله ديان فعلينا أن لا نستهتر.
آيات 19،18:- عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ.
أبعد أن إشترانا المسيح بعد أن كنا عبيد شهواتنا وعبيدا لإبليس، وهو إشترانا بدمه، هل نعود ونبيع بكوريتنا بأكلة عدس (أي بشهوة رخيصة) الأبكار هم من خلصوا من عبودية فرعون بدم خروف الفصح، ونحن صرنا أبكارا خلصنا، وتحررنا بدم فصحنا المسيح.
سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ = حياتكم الأولى المليئة بالعار والخطية.
تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ = إستلم اليهود من آبائهم عادات رديئة ووصايا أبطلت ناموس الله الحقيقي، ولهذا بكتهم الرب قائلا (مت15: 3 ، 6 + مر7: 8 – 13). والوثنيين إستلموا من آبائهم سيرة باطلة وخطايا بها يعيشون على غرار آبائهم. وأتى المسيح ليغيرنا تغييرا عجيبا فسيرتنا الباطلة تستبدل بالقداسة في كل شيء.
لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ = كانوا يفتدون أسرى الحرب بفضة وذهب، وهكذا يفعلون مع العبيد ليحرروهم، أما الرب فقدم دمه ليفتدينا ويحررنا من حياة العبودية لخطايانا القديمة.
آية 20:- مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ.
بذل المسيح لذاته على الصليب، والدم الذي اشترانا به كان في خطة الله الأزلية = معروفا سابقا قبل تأسيس العالم. ولكنه ظهر في ملء الزمان.
آية 21:- أَنْتُمُ الَّذِينَ بِهِ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْطَاهُ مَجْدًا، حَتَّى إِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي اللهِ.
أنتم = راجعة للآية السابقة إذ قال "من أجلكم". فهو قدم دمه من أجلكم أنتم الذين تؤمنون به. حقا لقد قدم المسيح دمه لكل العالم، لكن لن يستفيد به في خلاص نفسه إلا كل من يؤمن به = أنتم الذين به تؤمنون.
أنتم الذين به تؤمنون بالله = فنحن بالمسيح عرفنا الآب فنحن لا نستطيع أن نرى الآب في مجده (خر 20:33). ولذلك أتى المسيح وتجسد (تث 15:18-18) وذلك ليستعلن لنا الآب. ولذلك قال المسيح " من رآني فقد رأى الآب (يو 9:14). وليس أحد يأتي إلى الآب إلا بالمسيح، أي الإيمان بالمسيح والثبات فيه، فهو الطريق (يو14: 6).
فحينما رأينا محبة المسيح لنا أدركنا محبة الآب لنا. وحين رأينا المسيح يقيم أموات أدركنا أن إرادة الآب لنا حياة أبدية وهكذا.
وأعطاه مجدا = بصعوده للسماء وجلوسه عن يمين الآب.
الله الذي أقامه = لاهوت المسيح المتحد بناسوته هو أقامه، فلاهوت الآب والابن والروح القدس واحد.
الذي أقامه من الأموات = إيماننا ورجاؤنا ينبعان من قوة قيامته وصعوده ليعد لنا مكانا. وبدون عمل المسيح ما كان لنا أن نتوقع سوى دينونة الله لنا.
إيمانكم ورجاءكم هما في الله = الذي أحبنا وبذل ابنه لأجلنا (رو 23:8).
آية 22:- طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ.
طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ = إذًا علينا أن نجاهد لنطهر أنفسنا ولكن كيف؟ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ = أي نعرف الحق الإلهي المعلن في الكتاب المقدس وكل وصاياه ونطيعها. والحق هو المسيح الذي قال عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14) وهذا في مقابل الرموز في العهد القديم أو العالم الباطل الذي يتعبد له الوثنيون. إذًا المقصود هو الإيمان بالمسيح الحق وطاعة كل وصاياه، والإيمان ليس هو الإيمان النظري بل الثقة في أن وصايا المسيح هي طريق الحياة الأبدية فننفذها.
بِالرُّوحِ = فالروح يعين ضعفاتنا (رو26:8). نحن أضعف من أن نطيع الحق، لكن الروح القدس يعطينا معونة، لكنه يعطيها لمن يجاهد ويحاول أن يحفظ الوصية، كقول بولس الرسول "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد" (رو 13:8).
فالروح القدس يعلم ويذكر ويبكت ويعين ومن يطيع ولا يقاوم يملأه الروح محبة لله (يو 26:14 + يو 8:16 + رو 26:8 + رو 5:5). أما مَنْ يقاوم الروح ولا يطيع، يُحزِن الروح ويطفئه (أف 30:4 + 1 تس 19:5).
فأحبوا بعضكم بعضا = قوله فـ أحبوا = حرف الفاء يعني أن الآية مبنية على ما سبقها. وبهذا فشرط أن نحصل على المحبة الحقيقية هو أن نتطهر من الداخل.
إذًا مَنْ يطيع يتطهَّر، ومن يتطهر يمتلئ محبة لله أولًا وبالتالي سيمتلئ محبة للإخوة = لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ ومن ثمار الروح المحبة... ومن يطيع يمتلئ. لذلك يقول فِي طَاعَةِ الْحَقِّ.
(جهادنا في طاعة الحق أي نغصب أنفسنا على طاعة الوصية)... بِالرُّوحِ (معونة الروح) ... يؤدي لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ (النتيجة).
إذن المحبة الأخوية لا تأتي من اجتماعاتنا معا في جلسات ودية للأكل والشرب، بل من طاعة الحق وتطهير النفس بالروح أي بمساعدة الروح.
لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ = حيث يتسع القلب لكل البشرية بلا تمييز أو محاباة.
الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ = إذ لا تنبع عن دوافع مظهرية بل حب داخلي بلا غرض أو مكسب ما.
من قلب طاهر = محبة ليس دافعها الشهوة أو الدنس، بل من قلب قد تطهر بالروح وصار نقيًا في غاياته. بشدة = على مثال حب المسيح الباذل على الصليب. محبة كهذه ليست من إمكانيات الإنسان الطبيعي، بل من إمكانيات الإنسان المولود ثانية من الماء والروح، والذي صار خليقة جديدة على صورة الله المحب. لذلك يشير في الآية التالية للمولودين ثانية الذين لهم إمكانيات هذا الحب الطاهر بشدة.
آية 23:- مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ.
مولودين ثانية = لقد حصلنا على الولادة الثانية بالمعمودية أي من الماء والروح (يو 5:3). لا من زرع يفنى = أي ليست من زرع بشري أي نتيجة علاقة جسدية عادية (يو1: 12 ، 13). أي العلاقة التي بين أب وأم، فولادتنا هكذا أعطتنا جسد يموت، أي زرع يفنى. أما المعمودية فهي أعطتنا حياة زرعت فينا هي حياة المسيح وهذه الحياة لا تفنى (راجع رو6). فالزرع الناشئ عن الولادة الجديدة لا يفنى فهو حياة المسيح فينا، ولذلك يقول بولس الرسول " فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ (غل 20:2).
ويقول "لي الحياة هي المسيح" (في 21:1). فالزرع الذي زرع فينا هو حياة المسيح، لذلك يقول مولودين ثانية... مما لا يفنى بكلمة الله. وفي الولادة الثانية نصير أولادًا لله لأننا نتحد بابنه كلمة الله.
وكلمة الله تفهم كالآتي:-
1. اللوغوس أو الكلمة المتجسد الذي بفدائه صار للمعمودية قوة. وبالمعمودية زرعت فينا حياة المسيح (كلمة الله) فصارت لنا حياته.
2. وعود الله (كلمات الله في النبوات والعهد القديم) بأنه ستكون لنا طبيعة جديدة (أر31:31-34) + (حز 19:11)
3. كلمة الله في الكتاب المقدس. وهذه تنقي مَنْ يسمعها (يو 3:15) فكلمة الله هي سيف ذي حدين (عب 12:4) الحد الأول ينقي بأن يقطع محبة الخطية من قلوبنا، وكأننا بهذا نولد من جديد. أما الحد الثاني فهو لمن يرفض هذه التنقية ويسمى حد الدينونة (يو 48:12) + (رؤ 16:2). فكلمة الرب في كتابه المقدس تدخل في نفوس البشر الميتة فتحييها فيعودوا لحياة المحبة الطاهرة الإلهية
نفهم مما سبق أن كلمة الله هي وعده بأن تكون لنا حياة جديدة، قلب لحم عوضا عن قلب الحجر. قلب مكتوب عليه وصايا الله بالحب (أر 31:31-34) + (حز 19:11) وهذه الطبيعة الجديدة حصلنا عليها بالمعمودية فزرعت فينا حياة كلمة الله. ولكن باختلاطنا بشهوات العالم نفقد هذه الطبيعة الجديدة ونستعيدها بدراسة كلمة الله التي تنقي (يو 3:15). ولذلك علينا بالانتظام في دراسة الكتاب المقدس.
آية 24:- لأَنَّ: «كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ.
مقتبسة من (أش 6:40-8) والمقصود أن يزهدوا في محبة الجسد وتدليله ومحبة العالم وأمجاده. وهذا يساعدهم مع ما سبق في (آية 23) على احتفاظهم بحالة البنوة التي حصلوا عليها في الميلاد الثاني. فإماتة الجسد وشهواته تظهر حياة المسيح فينا هذه التي زرعت فينا بالمعمودية (2كو4: 10، 11).
آية 25:- وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». وَهذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا.
الجسد الذي ولدنا به من آدم عشب يموت ويفنى أما بعد الولادة الثانية بالمعمودية ننال حياة أبدية لاتحادنا بالمسيح الذي لا يموت.
تعليق على الآيات 23 - 25
بالمعمودية تزرع فينا بذرة حياة هي حياة المسيح، لذلك مترجمة في الإنجليزية هكذا.
لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى = not of corruptible seed وبيدنا نحن يمكن أن تنمو هذه البذرة، فتظهر فينا حياة المسيح. وهذا معنى الآية. وهذا نفس ما قاله بولس الرسول "حاملين في الجسد كل حين اماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا. لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من اجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو4: 10 ، 11) + "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20). فالطريق لكي تظهر حياة المسيح فينا هي أن نحكم على إنساننا العتيق بالموت أي نصلب شهواتنا الخاطئة (غل5: 24). ولنلاحظ أن الحياة الأبدية التي اتحدت بجسد المسيح، اتحدت بجسده الميت في القبر. إذًا كلما نحيا حياة الإماتة تظهر حياة المسيح فينا = "أَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ".
← تفاسير أصحاحات بطرس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير بطرس الأولى 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة رسالة بطرس الأولى |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7a58rdr