س467: ما هيَ أهم آراء "بارت إيرمان" التشكيكية في موثوقية ومصداقية العهد الجديد، وما هو الرد عليها؟
ج: من أهم آراء "بارت إيرمان" التي تشكك في موثوقية ومصداقية العهد الجديد ما يلي:
ثانيًا: الطعن في طريقة النقل الشفاهي للإنجيل.
ثالثًا: الادعاء بأن أقدم المخطوطات كُتبت بعد عدة قرون من الأصل.
رابعًا: اتهام النسَّاخ بتغيير النص الإنجيلي عفوًا أو عمدًا.
خامسًا: كثرة الاختلافات بين المخطوطات حتى أن عدد الاختلافات في العهد الجديد تفوق عدد كلماته.
وبادئ ذي بدء نقول أنه هناك فرق بين الموثوقية والمصداقية، فمفهوم الموثوقية أن النص الذي بين أيدينا هو هو الذي كتبه المؤلف لم يطرأ عليه أي تغيير أو تحريف أو تزييف، بغض النظر عن محتوى النص حتى لو كات يتحدث عن أسطورة أو رواية خيالية. أما المصداقية فهيَ أن يكون صادقًا ليس فيه شيء من الباطل، ولهذا قد تجد نصًا لا يحمل المصداقية ولكنه يحمل الموثوقية، مثلما تُعقد جلسة قضائية يحكم فيها القضاء على إنسان برئ بالإعدام ويسوق أدلة الاتهام الباطلة، فهو عمل لا يحمل شيئًا من المصداقية ولكن محضر الجلسة الذي تم نسخه ربما عدة مرات فهو يحمل نسبة كبيرة من الموثوقية، ولذلك عندما سأل أحد الأشخاص بارت إيرمان عن رأيه في القرآن. فسأله إيرمان: ماذا تقصد الموثوقية أم المصداقية؟ لأن البعض يسألونني وعندما أجيب عن الموثوقية يأخذون الإجابة على المصداقية.
أولًا: الادعاء بأن كتبة الأناجيل لم يكونوا من شهود العيان للأحداث الإنجيلية، إنما كتبوا بعد مائة سنة، وكتبوا باليونانية وليست بالأرامية التي جرت بها الأحداث:
قال "بارت إيرمان" في مناظرة بعنوان "المسيحية بمواجهة الإلحاد": (وُضعت على اليوتيوب بمعرفة حرس العقيدة): "عندما درست أكثر وأكثر مستخدمًا ذكائي كمؤمن بالإنجيل وأصلي به أيضًا أصبحت مقتنعًا أن إنجيل العهد الجديد لم يُكتب بواسطة شهود عيان، ولا بواسطة أناس يعرفون شهود العيان، النقطة الأولى وهيَ الأكثر وضوحًا هيَ أن الأناجيل نفسها لا تدعي أنها كُتبت بواسطة شهود العيان. أنها كلها مجهولة... النقطة الثانية لا يدعي أيًا من الأناجيل أنه كُتب بواسطة الشخص الذي عُرِف الإنجيل باسمه. أنها لا تدَّعي... أنها كُتبت بواسطة متى، مرقس، لوقا، ويوحنا. أنهم أتباع لاحقون تمت إضافتهم للأناجيل، وهؤلاء الأتباع لم يظهروا إلاَّ بعد حوالي مائة سنة... لقد كتبوا باليونانية ولغة المسيح هيَ الأرامية. كتَّاب الأناجيل كانوا يعيشون في بلاد مختلفة وفي عقود متأخرة".
تعليق: هناك أدلة قاطعة تثبت أن الأناجيل الثلاث الأزائية كُتبت بعد الصلب والقيامة بنحو ربع قرن وليس بعد مائة عام كقول الناقد، وأن الإنجيليين الثلاث كانوا شهود عيان، وهم متى ومرقس ويوحنا، ومن هذه الأدلة:
1- البرديات القديمة: التي ترجع لعصر مبكر وقد حوت بعض آيات من الأناجيل مثل:
أ - البردية (64) P64: بردية ماجدالين التي عُثر عليها في أحد كنائس الأقصر، ويرجع تاريخًا إلى سنة 66م وحوت (10) آيات من إنجيل متى.
ب - البردية (52) P52: وحوت (يو 18: 31 - 33، 37 - 38) ويرجع تاريخها إلى الفترة من (125 - 175م).
ج - البردية (9) P9: وتشمل (يو 18: 36 - 19: 7) ويرجع تاريخها إلى الفترة من (150 - 175م).
د - برديات قمران: أرقام (5) 7Q5 وتشمل (مر 6: 52 - 53)، ورقم (6) 7Q6 وبها (مر 4: 28)، ورقم (7) 7Q7 وتشمل (مر 12: 17)، ورقم (15) 7Q15 وتشمل (مر 6: 48). وهذه تم اكتشافها في الكهف رقم (7) ومن الثابت تاريخيًا أنه أُغلق سنة 68م بواسطة الكتيبة الرومانية العاشرة (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س109، س110).
2- اقتباسات الآباء في القرون الأربعة الأولى:
من آباء القرن الأول: أ - أكليمنضس الروماني (30 - 100م): اقتبس (1107) اقتباسًا من الأناجيل الأربعة، تحتوي تأكيد أن الإنجيليين الأربعة هم متى، يليه مرقس، ثم لوقا، وأخيرًا يوحنا. وذكر أن مرقس كتب إنجيله وعلم بهذا بطرس الرسول.
ب - أغناطيوس الأنطاكي (30 - 107م): كتب سبع رسائل في أواخر حياته، اقتبس فيها من إنجيلي متى ولوقا، وشهد أن رسائل بولس الرسول الأربعة عشر موجودة في كنيسة أفسس.
ج - بوليكاربوس (65 - 155م): اقتبس من إنجيلي متى ولوقا.
(للمزيد عن هؤلاء الآباء يُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س63).
من آباء القرن الثاني: أ - الشهيد يوستين (100 - 165م): أشار للإنجيل بأوجهه الأربعة أكثر من (17) مرة على أعتبار أنها مذكرات الرسل، واقتبس من هذه الأناجيل.
ب - إيرينيؤس (120 - 202م): شهد لكتبة الأناجيل الأربعة وقال كتب متى إنجيله للعبرانيين، وسلّم أبينا مرقس إنجيله مكتوبًا، ولوقا أيضًا رفيق بولس كتب إنجيلًا، وفيما بعد كتب يوحنا تلميذ الرب.
ج- أثيناغوراس: من رجال القرن الثاني في دفاعه عن المسيحية اقتبس من أناجيل متى ولوقا ويوحنا.
د - تاتيان: فكّك الأناجيل وكوَّن منها إنجيل واحد، وهو "الدياتسورن" Diatssron أي الرباعي.
ه - بانتنيوس: ذهب للهند ووجد نسخة من إنجيل متى وأحضرها معه، وقدم شرحًا لجميع أسفار الكتاب المقدَّس بعهديه بما فيها الأناجيل الأربعة.
(وللمزيد عن هؤلاء الآباء يُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س64).
آباء القرن الثالث: أ - اكليمنضس السكندري (150 - 215م)، ب - ترتليان (145 - 220م)، ج - هيبوليتس (170 - 235م)، د - أوريجانوس (185 - 245م)، ه - يوسابيوس القيصري (274 - 340م) (يرجى الرجوع إلى س 65).
آباء القرن الرابع: أ - أثناسيوس الرسولي (296 - 273م)، ب - غريغوريوس النيتينزي (329 - 389م)، جـ - أمفيلوخيوس (راجع س66).
بل أن هراطقة القرن الثاني ذكروا في كتاباتهم نسبة الأناجيل لأصحابها، مثل "فالنتينوس" Valentinus سنة 107م، و "ماركيون" Marcion سنة 140م... إلخ.
3- قائمة موراتوري Muratori: التي يرجع تاريخها إلى سنة 170م بالرغم من أن سطورها الأولى مفقودة إلاَّ أنه من الواضح أنها تتكلم عن إنجيل القديس متى، ويتبقى سطر واحد واضح أنه يشير إلى إنجيل القديس مرقس، جاء فيه: "الذي فيه كان حاضرًا وهكذا دونه" ثم تكلم عن " كتاب الإنجيل الثالث الذي بحسب لوقا" ثم قال: "رابع الأناجيل هو الذي ليوحنا (واحد) من الرسل". وأيضًا جاء في الترجمات القديمة مثل اللاتينية القديمة والسريانية الأناجيل تحمل أسماء كتبتها. وفي حديثنا عن نسبة إنجيل متى لكاتبه متى الرسول أوردنا شهادة بابياس (نحو 80 - 160م) تلميذ يوحنا الحبيب ورفيق بوليكاربوس الذي قال: "وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية". كما ذكر وليم مكدونالد... أنه جاء في الديداكية Didache (تعاليم الرسل) أن كاتب إنجيل متى هو القديس متى الرسول تلميذ المسيح (راجع مدارس النقد - عهد جديد ج 3 س145)، ولنا عودة لشهادة بابياس على أن مرقس الرسول هو كاتب إنجيل مرقس.
4- لم تحمل الأناجيل أسماء مؤلفيها:
أ - لأن هؤلاء الإنجيليين كان لديهم روح التواضع وإنكار الذات.
ب - يذكر القديس يوحنا ذهبي الفم أنه لم يكن من عادة الشرقيين أن يضعوا أسماءهم على مؤلفاتهم.
جـ - الأناجيل لم تحمل أسماء كتبتها، ولكن الكنيسة وضعت في بداية كل إنجيل كلمة "كاطا" Kata أي بحسب، ثم أضافت اسم الكاتب.
د - رفضت الكنيسة عشرات أناجيل أبوكريفا التي نُسبت للآباء الرسل، ولم تقبل إلاَّ الأناجيل الأربعة منسوبة لأصحابها (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س60).
5- جرت الأحداث باللغة الأرامية التي كان يتكلم بها السيد المسيح وتلاميذه واليهود عامة في القرن الأول الميلادي، ولكن كانت اللغة اليونانية تمثل اللغة العالمية الأولى، حتى عندما آلت مقاليد الإمبراطورية للرومان، ومع أن لغتهم اللاتينية إلاَّ أنهم حافظوا على أن تكون لغة التعامل الدولية هيَ اليونانية. ولأن السيد المسيح أوصى تلاميذه بالكرازة لجميع الأمم (مت 28: 19) للخليقة كلها (مر 16: 15) فكان من المنطقي أن يستخدموا اللغة اليونانية العالمية وليست اللغة الأرامية، لذلك كرزوا لجميع الأمم باللغة اليونانية، وبالتالي عندما كتبوا الأناجيل للعالم كله كتبوها باليونانية، فقد كان القديس متى يتعامل مع الرومان باليونانية خلال عمله، وأجاد القديس مرقس عدة لغات، ودرس لوقا الطب باليونانية، وبلا شك أن يوحنا كان يجيد اليونانية وكتب بها إنجيله ورسائله وسفر الرؤيا.
6- لو كانت نسبة الأناجيل للإنجيليين الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا من قبيل التلفيق والكذب، فلماذا لم يختر الملفقون أسماء لامعة، فأيهما كان يتمتع بشهرة أكثر مرقس أم بطرس؟.. لوقا أم بولس؟ فلماذا لم ينسبوا الإنجيل لبطرس الرسول عوضًا عن مرقس، ولبولس الرسول عوضًا عن لوقا؟ ولو كان هذا الأمر بدعة فمن هو صاحب هذه البدعة؟!، ولماذا لم يسجل التاريخ هذه الحادثة الملفَّقة؟!
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
فإن كان إنسان مثل "بارت إيرمان" يتجاهل مثل هذه الأدلة وغيرها، ولا ينطق بالحق، فعجبًا لمن يصدقه من مسيحي الغرب، وعجبًا لم يتشدَّق بآرائه من نُقَّاد الشرق.
ثانيًا: الطعن في طريقة النقل الشفاهي: شكَّك بارت إيرمان في نقل التقليد الشفاهي بطريقة صحيحة، وشبه هذا بلعبة الهواتف التي كان يلعبها وهو في الصف الرابع، عندما يقف الأولاد صفًا واحدًا، فيهمس الولد الأول بعبارة في أذن الولد المجاور له الذي يهمس بنفس العبارة في أذن الولد رقم (3) وهلم جرا... وهكذا تتناقل هذه العبارة سريعًا من فم إلى أذن، والولد الأخير في الصف ينطق بها، فإذ هيَ عبارة غير واضحة المعالم تثير ضحك الجميع.
تعليق: 1- هذه مغالطة من بارت إيرمان، إذ كيف يشبه تعاليم السيد المسيح التي نطق بها وراح يُردّد صداها الأبد، بلعبة الهواتف التي فيها كل ولد يهمس بما سمع في أذن صديقه... هل هكذا كانت تعاليم المسيح وانتشارها وانتقالها في نظرك يارجل؟!.. ولو كانت هكذا فأين هذه التعاليم التي أضحكتك كثيرًا؟!!. لقد كان السيد المسيح ينطق بتعاليمه بصوت مسموع حتى لو كان الحاضرون أكثر من ربوة من الرجال والنساء والأطفال، وكانت تعاليمه تتميز بالعمق مع البساطة والسلاسة، تتميَّز بالجاذبية مع الإيقاع، مستخدمًا أسلوب الأدب العبري الترادفي، والتركيبي، والتناقضي (راجع مدارس النقد - عهد قديم ج12 س1496).. أسمعه وهو يقول: "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ" (مت 5: 21، 22، 27، 28، 33، 34).. "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ... وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ" (مت 7: 24، 26).. "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ" (مر 2: 27). كما كان يُعلّم عن طريق الأمثال المستمدة من البيئة مثل الزارع والعذارى والعُرس وغيرها فكانت تنطبع في الذاكرة يذكرها الإنسان طالما كان حيًّا، وأظهر "عباس محمود العقاد" إعجابه الشديد بأسلوب السيد المسيح في التعليم حيث كانت لغته فذة في تركيب كلماتها ومفرداتها، في بلاغتها وتصريف معانيها... نمطًا بين النثر المُرسَل والشعر المنظوم... كان أسلوبه يكثر فيه الترديد والتقرير... إلخ (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س53). وأستخدمت الكنيسة بعض تعاليم السيد المسيح في صلواتها بنغم رائع فحفظها الشعب ورددها وصلى بها.
2- كان التعليم الشفاهي سمة ذلك العصر، حيث كان الاعتماد الأساسي على الذاكرة، فلا يصح أن نحكم على ثقافة القرن الأول الميلادي بالواقع الذي نعيشه في القرن الواحد والعشرين حيث الاعتماد الأكبر على أجهزة الكمبيوتر... كان الأغريق يحفظون مقاطع طويلة من أشعار هوميروس (الألياذة والأوديسا)، وكان العرب يحفظون آلاف الأبيات من الشعر، وفي القبائل البدائية كان هناك من يحفظ شجرة القبيلة على مدار مئات السنين، وفي مدارس رابين يهود كان التعليم الشفاهي ينتقل بدقة عجيبة من جيل إلى جيل، إذ كان المعلم اليهودي يُلقي بتعاليمه ببطء مع التكرار حتى تثبَّت تمامًا في أذهان مستمعيه، مع استخدام الإيقاع. ويقول "جيرهاردسون" B. Garhardson سنة 1961م: بأن معلمي اليهودية الربيين كانوا يعلّمون تلاميذهم ويحفّظونهم تعاليم اليهودية في قوالب وأشكال معينة ومفردات تُحفظ عن ظهر قلب... هذه الوسائل التعليمية التي أتبعوها جعلتهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفويًا... الإنجيل أسهل بكثير في حفظه شفويًا من التقليد اليهودي، فقد كان شخص المسيح الحي... هو هدف ومحور وجوهر وغاية الإنجيل (راجع س 52).
3- كان السيد المسيح شخصية جماهيرية شهيرة فريدة لم تتكرر ولن تتكرر على مدار التاريخ البشري كله. فمن من المعلمين كان يتبعه الربوات حتى أن بعضهم كان يدوس بعضًا (لو 12: 1) وعندما يتحدث يصمت الجميع؟!!.. هذه الجموع كانت منبهرة بهذه الشخصية وقد عجزوا عن إدراك هويته، وتابعته الجموع بشغف كبير فشاهدت معجزاته وسمعت تعاليمه التي كانت غريبة على الآذان، وانتشرت هذه التعاليم بانتشار المسيحية، فلم يفتر الرسل عن الحديث عنه وعن تعاليمه ليل نهار، فحفظها الكبار والصغار، وبعد أقل من ثلاثة عقود ظهرت الأناجيل الأزائية، فقبلتها الكنيسة على الفور لأنها جاءت مطابقة للإنجيل الشفاهي تمامًا، ولو أن الأناجيل حملت شيئًا آخر غير الحقيقة، فهل تظن أن الجيل الذي كان ما زال حيًّا، وقد شاهد بعينه وسمع بأذنيه معجزات وتعاليم يسوع، هل كان يصمت على أي تغيير أو تزييف لما عايشوه بأنفسهم؟!!
4- نحن نؤمن أن الأسفار المقدَّسة بكل ما فيها مُوحى به من اللَّه (2تي 3: 16؛ 2بط 1: 21)، فالروح القدس كان يصاحب الكاتب منذ أن يمسك بالقلم ويخط أول حرف حتى يضع القلم بعد أن ينتهي من آخر حرف، كان يرشده وينير ذهنه وينشّط ذاكرته ويُلهمه، ويعصمه من أي خطأ كان، ويساعده على انتقاء الألفاظ، فالقول بأن ما كتبه الإنجيليون هيَ نصوص تعرَّضت للتغيير والتبديل والإضافة والحذف أثناء تناقلها شفاهة على مدار نحو ثلاثين سنة، هو اتهام صارخ لروح اللَّه القدوس، وكأنه يوافق على هذا الزيف. أما بارت إيرمان فقد انجرف إلى هذه الهوة لعدة أسباب:
أ - أنكر حقيقة الوحي الإلهي فكان من السهل عليه أن يدعي أن النصوص تعرضت للتغيير.
ب - أنه كان يعتقد أن المدة التي تناقلت فيها الأخبار شفاهة أمتدت إلى مائة عام، فمات الذين شاهدوا المسيح والجيل التالي لهم أيضًا، وكُتبت الأناجيل في الجيل الثالث، وهذا تزييف للحقيقة تفضحه المخطوطات القديمة التي ترجع إلى سنة 66م.
جـ - أنه كان يعتقد أن الذين كتبوا الأناجيل لم يكونوا من شهود العيان كما رأينا في النقطة الأولى من هذا السؤال، ولو صدق أن كتبة الأناجيل هما متى ويوحنا من تلاميذ المسيح الاثني عشر، ومرقس الذي كان بيته مفتوحًا للسيد المسيح وتلاميذه، فثلاثتهم شهود عيان، ولوقا أما أنه أحد السبعين رسولًا، وحتى لو لم يكن من السبعين فهو الطبيب المؤرخ المدقق الذي تتبع كل شيء بتدقيق، وهذا اعتقاد الكنيسة منذ القرن الأول الميلادي بأن هؤلاء الأربعة هم كتبة الأناجيل، لو صدق بارت إيرمان هذا ما كان ينجرف لهذه الهوة السحيقة.
ثالثًا: الادعاء بأن أقدم المخطوطات كُتبت بعد قرون من كتابة الأصل: في محاضرة لبارت إيرمان عن كتابه "سوء اقتباس يسوع" يقول: "أننا لا نملك أصولًا لهذه الكُتب، أو لأي كُتب من العهد الجديد. ما عندنا ليس إلا نُسخ كُتبت بعد قرون عديدة". وفي مقال أيضًا لبارت إيرمان يقول: "لماذا الحاجة إلى النقد النصي؟.. نحن بحاجة إلى قواعد النقد النصي بسبب أننا لا نمتلك المخطوطات الأصلية لأي كتاب من كُتب العهد الجديد. ما نملكه الآن مخطوطات متأخرة كثيرًا عن المخطوطات الأصلية في أغلب الأحوال لعدة قرون أخرى. تلك المخطوطات المتأخرة لم تُنسخ من الأصول، لكنها تم نسخها من قِبل نسخ من نسخ من نسخ عن الأصول".
تعليق: لا يوجد أي عمل كلاسيكي يماثل العهد الجديد من جهة وفرة مخطوطاته، ومن جهة قصر الفاصل الزمني بين أقدم المخطوطات والمخطوطات الأصل حتى كاد هذا الفاصل أن يختفي، وقد تحدثنا عن هذا الأمر بإسهاب فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 109 حيث ذكرنا بعض المخطوطات القديمة، مثل مخطوطات قمران التي ترجع إلى ما قبل سنة 68م، ومثل البردية (52) P52 المعروفة ببريدة جون رايلاند والتي يقول عنها "بروس م. ميتزجر": "أقدم جزء هو عبارة عن جزء من إنجيل يوحنا يحتوي على نصوص من الأصحاح الثامن عشر وهيَ خمسة آيات، ثلاثة على أحد الوجهين، واثنان على الوجه الآخر، تبلغ مساحتها 5,2 × 5,3 بوصة"(17). ويرجع تاريخها إلى الفترة من (125 - 150م)، فقضت هذه المخطوطة على ادعاءات البعض أن إنجيل يوحنا كُتب سنة 160م.
ويقول "فريدريك ج. كينيون": "لم يحدث في أي حالة أخرى أن الفترة الزمنية بين تأليف الكتاب وبين تاريخ أقدم مخطوطاته كانت قصيرة كما في العهد الجديد"(18).
كما يقول "كينيون" أيضًا وقد شغل منصب مدير المتحف البريطاني والمسئول عن شئون المخطوطات في كتابه "الكتاب المقدَّس وعلم الآثار": "ومن ثمَّ فأن الفترة الفاصلة بين تاريخ كتابة الأصل وأقدم المخطوطات المتبقية إلى الآن تصبح قصيرة للغاية بحيث يمكن إهمالها، وهكذا يزول كل شك في وصول الأسفار المقدَّسة إلينا كما كُتبت تمامًا. ويمكن اعتبار كل من موثوقية وسلامة أسفار العهد الجديد قد تم التثبت منه أخيرًا"(19).
ويقول "بي. كومفورت" P. Comfart: في كتابه "أوائل نصوص مخطوطات العهد الجديد باللغة اليونانية والمصادر": "يقدّم هذا الكتاب تدوينًا ل 69 مخطوطة من أوائل مخطوطات العهد الجديد... مؤرخة من أوائل القرن الثاني وحتى بداية القرن الرابع (100 - 300م).. تحتوي على ما يُقارب ثلثي نصوص العهد الجديد" (The Text the Farliest New Testament Greek Manuscripts P 17)
ويعترف "بارت إيرمان": بأننا نمتلك مخطوطات للعهد الجديد ترجع للقرن الثاني الميلادي، فيقول في إحدى مقالاته: "أننا نمتلك (536) مخطوطة يونانية تتفاوت أحجامها، منها الصغير في حجم بطاقة ائتمان ومنها الذي يحوي جميع أسفار العهد الجديد، ويتراوح تاريخًا من القرن الثاني للقرن السادس عشر".
رابعًا: اتهام النسَّاخ بتغيير النص الإنجيلي عفوًا أو عمدًا: يشرح "بارت إيرمان" في إحدى مقالاته كيف ينتقل النص من شخص إلى آخر، ومن مكان إلى آخر عن طريق النساخة، وأن الناسخ يرسّخ الأخطاء القديمة ثم يضيف أخطاء جديدة، كما أنه يحاول تصحيح ما يتصوّر أنه خطأ، وقد يكون هذا غير صحيح، يضيف أخطاء إلى أخطاء، كما قال بارت إيرمان: قد أفسد الأرثوذكس العهد الجديد في سبيل الدفاع عن الأمور اللاهوتية وتغيير النصوص التي اعتمد عليها الهراطقة. كما يقول: "نستطيع أن نتحدث إلى ما لا نهاية حول أماكن بعينها حيث تغيّرت نصوص العهد الجديد عفويًّا أو عمديًّا... الأمثلة ليس بالمئات بل بالآلاف".. "حقيقة أن لدينا آلاف من مخطوطات العهد الجديد لا يمكنها بحد ذاتها أن تجعلنا متأكدين أننا نمتلك ما قاله النص الأصلي... فكيف يمكننا أن نعرف أن النص لم يتغيَّر على نحو هام قبل أن يبدأ إنتاج نسخ العهد الجديد إلى كميات ضخمة" (20).
تعليق: 1- لا أحد يستطيع أن يُنكر فضل النسَّاخ من جيل إلى جيل، وكانت السمة العامة التي تميّزوا بها الأمانة، ولا سيما نسَّاخ الأسفار المقدَّسة، وقد وضعوا نصب أعينهم قول اللَّه: " كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ احْرِصُوا لِتَعْمَلُوهُ. لاَ تَزِدْ عَلَيْهِ وَلاَ تُنَقِّصْ مِنْهُ" (تث 12: 32).. " لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ" (أم 30: 6).. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللَّهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللَّهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ" (رؤ 22: 18، 19). ولا ننسى الجهد الذي قام به فريق الكتبة، والأثينيون، والآباء الرهبان.
2- نحن نعلم أن النسَّاخ غير معصومين من الخطأ، وقد أرتكبوا أخطاء عفوية بسبب اللبث والسهو، وأيضًا أخطاء عمدية ثم إضافة كلمات لتوضيح المعنى، أو تصحيح ما يتصوّره الناسخ أن الناسخ السابق أخطأ فيه، ولكن ما نؤكد عليه أنهم لم يكن لديهم نوايا خبيثة، وقد تحدثنا من قبل بالتفصيل عن أخطاء النسَّاخ الأربعة:
أولًا: اختلافات في الهجاء وأخطاء ليس لها معنى.
ثانيًا: اختلافات ثانوية لا تؤثر في المعنى.
ثالثًا: اختلافات تؤثر في معنى النص، وغير قابلة للتطبيق.
رابعًا: اختلافات تؤثر في معنى النص، وقابلة للتطبيق.
كما أكدنا على أن النسَّاخ لم يغيروا النصوص التي يعتمد عليها الهراطقة، بدليل أن أحدًا من الهراطقة مثل سابليوس أو أريوس أو أبوليناريوس أو أوطيخا أو مقدنيوس، لم يتهم أحد منهم النسَّاخ بتغييّر النصوص، فلم يقل أريوس لأثناسيوس قط أن النصوص التي معك قد تغيَّرت أو تحرَّفت، ولا القديس أثناسيوس أتهم أريوس بأنه غيَّر النصوص، فالاختلاف لم يكن على النصوص بل على التفسير، وما زالت هناك كثرة من الآيات التي يستخدمها الهراطقة في هرطقاتهم، مثل اعتماد الذين ينكرون ألوهية المسيح على ما جاء في (مر 13: 32)، بأن السيد المسيح لا يعرف اليوم ولا الساعة الخاصة بنهاية العالم، ومثلما قال السيد المسيح: "أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" (يو 14: 28) (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 114، س 115).
3- تشكيك "بارت إيرمان" في أمانة النسَّاخ يقود للتشكيك في تاريخ البشرية بالكامل، فيقول "جون واريوك مونتجمري": "أن الشك في نصوص أسفار العهد الجديد من شأنه أن يُلقي بالشك على جميع الأعمال الكلاسيكية القديمة، فليس هناك وثيقة في العصر القديم تثبت المصادر صحتها على النحو الذي تثبت به العهد الجديد" (Montgomery, History and Christianity 29) (21).
ويقول "جوش مكدويل": "ويؤكد لنا و. ف. ألبرايت أنه ليس هناك أي عمل أغريقي قديم تؤيده المخطوطات على النحو الذي نشهده في العهد الجديد. هناك الكثير من المخطوطات القديمة للعهد الجديد على نحو يفوق كل عمل كلاسيكي آخر.." (Albright AP, 238) (22).
ويقول "بروس م. ميتزجر": " كمية مادة العهد الجديد تُخرج أي مقارنة بالكتب الأخرى من العصور القديمة، فبجانب العهد الجديد، الكمية الأكبر لشهادة المخطوطات هو إلياذة هوميروس، التي كانت بمثابة إنجيل اليونانيين القدماء. ويوجد منها اليوم أقل من (65) مخطوط يوناني، وبعضها متجزءًا إلى أجزاء وقد وصلت إلينا من القرن الثاني والثالث الميلادي وما بعده، وعندما نتأمل أن هوميروس قد أعدَّ ملحمته حوالي سنة 800 ق.م يمكنك أن ترى فجوة كبيرة جدًا"(23).
وأيضًا قال "ف. ف. بروس" F. F. Bruce الأستاذ في جامعة مانشيستر بإنجلترا في كتابه "وثائق العهد الجديد. هل يمكن الوثوق بها؟": "ليس هناك أي نص من آداب العالم القديم يتمتع بمثل هذه الثروة الهائلة من أدلة الشهادات النصيَّة الجيدة كالعهد الجديد"(24).
4- أقرَّ "بارت إيرمان" في موضع آخر في كتابه "سوء اقتباس يسوع" أن النسَّاخ قد حافظوا على النص كما أستلموه، فيقول: "أنه من الآمن أن نقول أن نسخ النصوص المسيحية القديمة كانت عملية محافظة جدًا. النسَّاخ... كانوا متعمدين الحفاظ على التقليد النصي الذي كانوا يدونوه. كان تركيزهم الجوهري ألا يغيروا التقليد... فأن معظم النسَّاخ حاولوا بإيمان أن يتأكدوا أن النص الذي أنتجوه مثل الذي أستلموه" (Misquating Jesus P. 177) (25).
كما قال "بارت إيرمان" أيضًا: "الغالبية العظمى من التغييرات الموجودة في مخطوطات العهد الجديد هيَ أخطاء الإهمال التي يسهل إعادة تحديدها وتصحيحها. النسَّاخ المسيحيون كانوا بشرًا، وغالبًا ما عملوا الأخطاء ببساطة لأنهم أُرهقوا أو غير يقظين" (The New Testament P 415) (26).
خامسًا: كثرة الاختلافات بين المخطوطات حتى أن عدد الاختلافات في العهد الجديد تفوق عدد كلماته: في إحدى محاضرات "بارت إيرمان" عن كتابه "سوء اقتباس يسوع" قال: "هذه الآلاف من النسخ التي لدينا كلها تختلف عن بعضها البعض، اختلافات كثيرة طفيفة وفي بعض الأحيان اختلافات كبيرة".. وفي كتابه "سوء اقتباس يسوع" كرَّر مقولته: "عدد الاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد تفوق عدد كلماته" ثلاث مرات.
تعليق: 1- تم مناقشة القراءات المختلفة بشيء من التفصيل منذ قليل فيُرجى الرجوع إلى س 465، وعلى حد تعبير "دانيال والاس" أن القول أن القراءات المختلفة في مخطوطات العهد الجديد نحو 300 ألف، فأن هذا الرقم مضلّل للغاية، لأن معظم الاختلافات ليس لها تأثير وغير منطقية، فهيَ أخطاء إملائية وعبارات مقلوبة، وبمقارنة النص الرئيسي نص الأغلبية (المُستلم) والنص الحديث (النقدي) يظهر إتفاق كامل بنسبة 98%. ويقول "بروس ميتزجر" في كتابه "الكتب والرقوق": "أن القراءات المتنوعة في العهد الجديد لا تحتاج إلى تخمين لضبطها، فهناك شاهد واحد على الأقل بين آلاف الشواهد المضبوطة يحتفظ لنا بالقراءة الصحيحة"(27).
2- سقط "بارت إيرمان" في مغالطة عن قصد وسوء نية... لماذا؟ لأنه ذكر أن الاختلافات في العهد الجديد 300 ألف اختلاف، وأن عدد كلمات العهد الجديد أقل من 140 ألف كلمة، فانتهى إلى نتيجة مغلوطة أخذ يكررها ويتشدَّق بها، وهيَ مقولته: "أن عدد الاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد تفوق كلماته"، ومعنى قوله هذا أن كل كلمة في العهد الجديد حتى لو كانت تتكوّن من حرفين فهيَ تحتوي على أكثر من اختلافين!!!.. هنا مغالطة بارت إيرمان الكبرى، وهيَ أن الاختلافات الثلاثمائة ألف = إجمالي الاختلافات في 25 ألف مخطوطة، وليس في نسخة واحدة من العهد الجديد. فإذا افترضنا أن هذه المخطوطات (25000) تحتوي فقط على (1000) نسخة كاملة للعهد الجديد. إذًا نصيب كل نسخة من هذه الاختلافات 300000 ÷ 1000 = 30000 اختلاف، فأيهما أكثر يا رجل، الثلاثين ألف اختلاف أم الأكثر 138 ألف وهيَ كلمات العهد الجديد؟!!, هذه مغالطة تصحبها مغالطة أخرى وهيَ أنه لم يشرح كيفية احتساب هذه الاختلافات، فربما اختلاف في حرف واحد مثل الاختلاف بين أسا وأساف: " وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ" (مت 1: 7، 8) فلو ورد في 500 مخطوطة كلمة آساف بدلًا من آسا، وبما أنها متكررة مرتين، فعدد القراءات المختلفة = 2 × 500 = 1000 قراءة مختلفة... تُرى ال 30000 قراءة مختلفة في حقيقتها تمثل كم اختلاف؟!!. وباعتراف "بارت إيرمان" أن هذه الاختلافات لا تؤثر على عقائدنا اللاهوتية... فيقول: "في الحقيقة، أغلب التغييرات الموجودة في مخطوطاتنا المسيحية القديمة، لا تتعرَّض لللاهوت أو الأيدولوجية" (Misquating Jesus P. 55) (28). وعندما سأله شاب مُسلم عما إذا كان نص (1 يو 5: 7، 8) ليس نصًا أصيلًا فهل هذا ينفي عقيدة التثليث في المسيحية، فأجابه بوضوح أن أي عقيدة لا تُبنى على آية واحدة، وأوضح أن عقيدة التثليث أصيلة في المسيحية مشيرًا إلى ما جاء في (مت 28: 19).
3- لو كانت هذه الاختلافات في المخطوطات أفسدت النصوص، فهل يمكن لبارت إيرمان أن يُفسر لنا كيف نجحت المسيحية ونمت وامتدت رغم كل الاضطهادات بنصوص إنجيلية فاسدة؟ وكيف قدم الملايين حياتهم للسيف مقابل تمسكهم بنصوص فاسدة؟!!، وكيف أيدت السماء المسيحية بالآيات والمعجزات وهيَ تؤمن بنصوص فاسدة، بل ما زالت تؤيدها من جيل إلى جيل؟!.. هل يصدق "بارت إيرمان" ومن يتشدَّقون به معجزة نقل جبل المقطم؟!.. وهل يصدق ظهورات العذراء وتجليها على قباب كنيسة الزيتون سنة 1968م، وفي كنيسة القديسة دميانة بابادبلو سنة 1986م، وفي كنيسة مارمرقس بأسيوط سنة 2000م، وشهد لظهوراتها الملايين (راجع كتابنا: أوان الحقيقة... من يُنكر النور؟!)؟!!.. وهل يؤمنون بالنور العجيب الذي ينبثق من عام إلى عام من القبر المقدَّس في كنيسة القيامة بأورشليم القدس؟!!.. مال صوت الباطل يعلو؟!، وما هيَ هذه الضجة التي يصنعها بارت إيرمان وأتباعه بدون حجة؟!
سادسًا: الادعاء بأننا لا نملك النص الأصلي، ومن المستحيل أن نصل إليه. فأي إضافة أو حذف ولو بنسبة ضئيلة تفقد النص مصداقيته: يقول "بارت إيرمان": "ونحن أمامنا هذه المشكلات (المخطوطات الفاسدة) فكيف يمكن لنا أن نأمل في الرجوع إلى أي شيء يشبه النص الأصلي، النص الذي كتبه المؤلف فعلًا؟ أنها مشكلة ضخمة في الحقيقة، أنها مشكلة ضخمة جدًا لدرجة أن عدد من النقَّاد النصيين بدأوا في الزعم بأننا يجب أن نتوقف عن أي مناقشة خاصة بالنص "الأصلي" لأننا لا يمكننا الوصول إليه" (29). وعندما أكد علماء النقد النصي أن العهد الجديد موثوق فيه بنسبة 99%، والقراءات المتغيرة تشمل فقط حيز 1% من حجم العهد الجديد. قال إيرمان: "أنا لا أبحث عن نسبة الموثوقية، ولكن لو سلمت أن هناك أجزاءًا أُضيفت أو فقدت فهل هذا لا يعني شيئًا؟!. وهل إذا أستيقظت غدًا ولم أجد سفر العدد أو رسالة يعقوب أو رسالة بطرس... هل هذا أمر عادي؟!!".
تعليق: نعتمد هنا في الإجابة على آراء القليلين من علماء النقد النصي، وكذلك اعتراف بارت إيرمان نفسه:
1- دكتور دانيال ب. والاس Daniel B. Wallace: أستاذ دراسات العهد الجديد بمعهد دالاس في ولاية تكساس الأمريكية ومؤسس ومدير مركز دراسة مخطوطات العهد الجديد في دالاس، ومتخصص في اللغة اليونانية القديمة، حتى أن كتابه "النحو اليوناني فيما بعد الأساسيات" يُعد أهم كتاب لإجادة اليونانية، وقام بالرد على كتاب "سوء اقتباس يسوع" في عدة مقالات. يقول "دكتور دانيال والاس": "إجمالًا لدينا ما لا يقل عن (20000) من المخطوطات اللاتينية والسريانية والقبطية واللغات القديمة الأخرى التي تساعدنا على تحديد طبيعة النص الأصلي، تقريبًا (6000) من إجمالي هذا الرقم مخطوطات يونانية. ولدينا أكثر من مليون اقتباس من قَبل آباء الكنيسة، وهذا شيء لا يوجد على الإطلاق في العالم اليوناني أو الروماني من كمية تلك الثروة التي نمتلكها. هذا هو السبب الذي جعل العلماء يثقون أن لدينا النص الأصلي بنسبة 99% وأن نص العهد الجديد هو الذي كتبه الكتَّاب الأصليين"
(Eichenwald, Kurt " The Bible: So Misunderstood It's a Sin " Newsweek 23 Dec. 2014: n. Pag. Web 26 Jan 2015)
(من موقع اللاهوت الدفاعي).
2- "فريدريك كينيون" F. G. Kenyon : المدير السابق للمتحف البريطاني يقول في كتابه: "كتابنا المقدَّس والمخطوطات القديمة" الصادر سنة 1941م: "أن العلماء راضون عن امتلاكهم فعليًا النص الحقيقي للكتَّاب الرئيسيين الأغريق والرومان... لكن معرفتنا لكتاباتهم لا تزال تعتمد على مجرَّد حفنة من المخطوطات المنسوخة، في حين أن مخطوطات العهد الجديد المنسوخة تعد بـ... الآلاف" (Our Bible and the Ancient Manuscripts P23).
3- آرثر باتزيا Patzia: يقول: "نستطيع أن نؤكد في انتباه أننا نمتلك نصًا يعطينا ما كتبه المؤلف. أن معظم النسَّاخ كانوا حريصين ومنتبهين"
(Patzia, The Making of the New Testament, Origin Collection, text and canon P 137) (راجع موقع هوليبايبل - كارثة مخطوطات القرآن - فيديو 7)
4- نورمين جيسلر
Norman Geisler: يقول: "
لاحظوا أنه بالرغم من وجود خطأ بنص المخطوطة إلاَّ أن 100% من
الرسالة قد وصل... هنا نحن متأكدين أكثر من نص الرسالة بالرغم من
وجود خطأين فيها. في الواقع كلما زادت المخطوطات زاد التأكد من
الرسالة حيث
أن كل سطر جديد يجلب تأكيدًا لكل حرف بالرسالة... العهد الجديد له
(5700) مخطوطة (باللغة اليونانية) التي تزود المئات بل الآلاف من
التأكيدات لكل سطر في العهد الجديد"
(Norman Geisler.www.normangeisler.net/Rercent-accuracynt.html)
(راجع موقع هوليبايبل -
كارثة مخطوطات القرآن - فيديو 7).
5- بروس متزجر: يقول: "أن جميع المصادر إذا تم تدميرها ولا يوجد نص العهد الجديد بإمكاننا تجميع النص من كتابات الآباء". بل أنه يمكن تجميعه عشرات إن لم يكن مئات المرات ونحن نقف أمام مليون اقتباس، يشمل كل اقتباس عبارة أو عدة عبارات.
6- ف. ج. أ. هورت: يقول: "يقف العهد الجديد وحده تمامًا بين الكتابات الأدبية القديمة بحيث لا يضاهيه أي منها أو يقترب منه وذلك لتنوع وإكتمال مخطوطاته" (Hat. NTOG 561) (30).
7- أقرَّ "بارت إيرمان" في موضع آخر أنه يمكن استعادة كلمات العهد الجديد، فقال إن نُقَّاد النص باستطاعتهم: "إعادة تكوين أقدم شكل لكلمات العهد الجديد بدقة معقولة"، وأن إعادة التكوين تُعد: "أقدم وأول مرحلة للتقليد المخطوطي لكل كتاب من كتب العهد الجديد" (Last Christianities P221) (31).
أما قول "بارت إيرمان" بأنه لا يبحث عن نسبة الموثوقية، ويفترض لو أنه استيقظ يومًا ولم يجد سفر العدد، أو رسالة يعقوب، أو رسالة بطرس، فالقياس الذي استخدمه "بارت إيرمان" هنا هو استخدام خاطئ، لأن مشكلة الاختلافات بين المخطوطات هيَ في حرف أو كلمة، ونادرًا ما تكون في عبارة، ولم تحدث قط لا في سفر ولا في أصحاح، فقد استقر لدى مسيحي الأرض بشرقها وغربها أن أسفار العهد الجديد (27) سفرًا يعرفها الكبير ويحفظها الصغير، ولم يخرج علينا على مدار ألفي عام هرطوقي واحد ليقول أن أسفار العهد الجديد هم (25) سفرًا فقط، أو أن عددهم أرتفع إلى (30) سفرًا، فهل بعد كل هذا الزمان يأتي "بارت إيرمان" ويفترض ضياع سفرين ويريدنا أن نصدقه، ونتبعه؟!!.
لقد تصدى أكثر من مائة عالِم من علماء نقد النص لآراء "بارت إيرمان" وناقشوا هذه الآراء الفاسدة، ومن هؤلاء العلماء ويزرينجتون، وهارلود جرينلي، وكريج ايفانز، وبيتر ويليامز، وتيموثي جونز، وغيرهم (راجع دانيال ب. والاس - الإنجيل بحسب بارت - ترجمة فادي أليكساندر) وأوضح هؤلاء العلماء أن المعلومات التي أستدل بها "بارت إيرمان" كانت متوفرة لدى جميع العلماء، ولكن طريقة تفسيره الخاطئة وتأويله للأقوال هو الذي قاده إلى الإلحاد (راجع هوليبايبل - هل الدكتور المُلحد بارت إيرمان يصدم المسيحيين ويؤكد موثوقية القرآن وينفيها عن الكتاب المقدَّس؟) كما ناظر كثير من العلماء "بارت إيرمان" مثل "وليام لين كريج"، و "دينيش دسوزا، ومايك ليكونا، وكريغ أ. ايفانز، وريتشارد سوينبر، وبيترج وليامز، وجيمس وايت، وداريل بول، ومايكل إل بروان. وفي مناظراته مع "دانيال والاس" أجابه دانيال والاس عن كل تساؤلاته، وأوضح له فساد آراءه، ولكنه ما زال يصر عليها، مندفعًا نحو الهاوية وسط تصفيق أتباعه، وبريق الشهرة والمال، ولن يوقفه عن هذا الاندفاع إلاَّ استجابته لنداء السماء.
_____
(17) أورده فادي أليكساندر - المدخل إلى علم النقد النصي للعهد الجديد ص 627.
(18) أورده فادي أليكساندر - المدخل إلى علم النقد النصي للعهد الجديد ص 630.
(19) أورده جوش مكدويل برهان يتطلب قرارًا ص 79.
(20) أورده دانيال والاس موثوقية نص العهد الجديد ترجمة فادي أليكساندر ص 4.
(21) أورده جوش مكدويل برهان يتكلب قرارًا ض 78.
(22) المرجع السابق ص 79.
(23) أورده فادي أليسكاندر - المدخل إلى علم النقد النص للعهد الجديد ص 625، 626.
(24) المرجع السابق ص 630.
(25) المرجع السابق ص 344.
(26) المرجع السابق ص 344، 345.
(27) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الكتاب المقدَّس هل هو كلمة اللَّه ص 79.
(28) أورده فادي اليكساندر - المدخل إلى علم النقد النصي للعهد الجديد ص 345.
(29) أورده دانيال والاس - موثوقية نص العهد الجديد - ترجمة فادي أليكساندر ص 18.
(30) ترجمة وجدي وهبة - لماذا نؤمن - إجابات منطقية عن الإيمان ص 94.
(31) أورده فادي أليكساندر - المدخل إلى علم النقد النصي للعهد الجديد ص 343.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/467.html
تقصير الرابط:
tak.la/3p5v2tc