St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

64- هل هناك شهادات لقانونية أسفار العهد الجديد خلال القرن الثاني الميلادي؟

 

س 64 : هل هناك شهادات لقانونية أسفار العهد الجديد خلال القرن الثاني الميلادي؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : نعم هناك العديد من شهادات الآباء خلال هذه الفترة، وفيما يلي نستعرض القليل من هذه الشهادات، فنذكر منها شهادات يوستين، وإيرينيؤس، وأثيناغورس، وتاتيان، وبانتينوس:

يوستين (100 ـ 165م):

وهو من نيابوليس (نابلس الآن) بأرض فلسطين، آمن بالمسيح، وصار من أقوى المدافعين عن الإيمان المسيحي، وفي دفاعه الأول الذي رفعه للإمبراطور الروماني، قدَّم نفسه قائلًا: " أنا يوستينوس بن بريسكوس وحفيد باكيوس من مدينة فلافيا نيابوليس" (يوسابيوس 14 : 12 : 1). وكان يوستين قد أفتتح مدرسة في روما، وتبقى لنا دفاعين من دفاعاته، أحدهما للإمبراطور أنطونيوس بيوس (138-161م) والآخر للسانتوس (مجلس الشيوخ الروماني)، وأيضًا حواره مع تريفو الفيلسوف السكندري اليهودي، وأقتبس يوستين من الأناجيل الأربعة أكثر من مائة اقتباس، كما أشار لسفر الأعمال، ورسائل رومية، وكورنثوس الأولى، وغلاطية، وتسالونيكي الثانية، ورسالتي بطرس، وسفر الرؤيا.

ويقول "وستكوت": " يبدو إذًا أنه ثابت من الدليل الخارجي والداخلي أن استخدام يوستينوس للإنجيل يتفق مع الإنجيل للقديس متى، والقديس مرقس، والقديس لوقا، كما في استشهاده بالإنجيل للقديس يوحنا فوق كل تساؤل" (443)، وقد أشار الشهيد يوستين للإنجيل بأوجهه الأربعة أكثر من (17) مرة على اعتبار أنها "المذكرات" أو "مذكرات الرسل"، ونقب عن مخطوطات الأناجيل في مصر وإيطاليا وبلاد اليونان، ودرسها وحللها وأثبت صحتها، ودعاها "مذكرات الرسل" (راجع الآباء اليونان - السادس 429، 688، 717، 721 من مجموعة ميغن Migne)، وقال يوستين عن كتبة الأناجيل، وعن الأناجيل التي دعاها مذكرات الرسل:

"هم أولئك الذين كتبوا ذكرياتهم (أو مذكراتهم) عن كل الأشياء التي تختص بيسوع المسيح" (444).

" لأن الرسل سلموا لنا المذكرات التي دوَّنوها والتي تُسمى الأناجيل" (445).

" وقد غيَّر المسيح اسم أحد تلاميذه من سمعان إلى بطرس عندما عرف باستنارة من الآب أن المسيح هو ابن الله. وبما أنه مكتوب في مذكرات الرسل (أي الأناجيل) أنه هو ابن الله، وربما أننا ندعوه بهذا الاسم ذاته فإننا نفهم أنه هو بالحقيقة الذي خـرج من عند الآب" (446).

" ففي كتابات الرسل (أي الأناجيل) ومن جاء بعدهم مكتوب أن عرقه كان يتصبب منه مثل قطرات الدم وهو يُصلِّي قائلًا: "يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس" (لو 22 : 44) (447).

" إذ تقول لنا كتابات الرسل أن المسيح وهو يُسلِم الروح على الصليب قال: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لو 23 : 46) وأيضًا طلب من تلاميذه أن يفوق برُّهم على برّ الفريسيون محذرًا إياهم.." (448).

" وتشهد كتابات الرسل أيضًا أن المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث بعد صلبه فقد أجاب اليهود المشاكسين الطالبين أن يريهم آية قائلًا: "جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطى له آية إلاَّ آية يونان النبي" (مت 12 : 39)" (449).

  وذكر "يوستين" قراءة الإنجيل في العبادة الليتورجية، عندما قال: " ولنا في اليوم الذي يُدعى يوم الشمس (Day of the Sun – Sunday) [ أي يوم الأحد ] اجتماع لكل سكان المدن والضواحي وفي هذا الاجتماع تُقرأ مذكرات الرسل [ يقصد بها الأناجيل ] أو كتابات الأنبياء حسبما يسمح الوقت، وبعد الانتهاء يتقدم الرئيس ويعظ الحاضرين ويشجعهم على ممارسة الفضائل ثم نقف جميعًا لنرفع الصلوات... ويوم الأحد هو بالحقيقة اليوم الذي نعقد فيه اجتماعنا المشترك" (الدفاع الأول - الفصل 67)(450).

 وفي الفصل (16) من الدفاع الأول، وهذا الفصل لا يتعدى 34 سطرًا يقتبس يوستين ما يقرب من عشرين آية من الأناجيل، حتى أن الفصل يبدو وكأنه آيات مترابطة ومرتَّبة ترتيبًا مُحكمًا، فيقتبس من (مت 5 : 39، 40)، (مت 5 : 22)، (مت 5 : 41)، (مت 5 : 16)، (مت 5 : 34، 37)، (مر 12 : 30)، (مت 19 : 16، 17)، (مت 7 : 21 ـ 23)، (مت 13 : 42، 43)، (مت 7 : 15، 16، 19) (راجع النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيـد ص 44، 45).

 وقد زار "يوستين" مدن إسكندرية وأفسس وروما وسمع المسيحيين يتعبدون بتلاوة الأناجيل، ففي عصره كانت المسيحية قد انتشرت انتشارًا واسعًا، حتى أنه كتب للإمبراطور الروماني يقول: " لا توجد سلالة واحدة من البشر سواء كانت بربر أو أغريق، سواء كانت ساكنة خيام أو بدو متجولين بينها مصلين ومقدمي شكر لا يقدمون صلواتهم بِاسم يسوع المصلوب" (451).

 وفي حوار الشهيد يوستين مع تريفو قال: " بل في الأناجيل أيضًا مكتوب أنه قال: كل شيء قد دُفع إليَّ من أبي. وليس أحد يعرف الابن إلاَّ الآب. ولا أحد يعرف الآب إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يعلن له... ولأننا نجد أنه مكتوب (مُسجل) في مذكــرات رسله (الأناجيل) أنه ابن الله، ولأننا ندعوه بالابن، فقد أدركنا أنه وُلِد من الآب قبل كل الخلائق بقوته وإرادته... وصار إنسانًا من العذراء لكي يدمر العصيان الذي نتج بسبب الحية، بنفس الطريقة" (452). وفي الفصل (76) من حوار يوستين مع تريفو اقتبس من (مت 8 : 11، 12)، (مت 7 : 22، 23)، (مت 25 : 41)، (لو 10 : 19)، (مر 8 : 31) فجاء نحو نصف الفصل اقتباسات من الأناجيل... وهلم جرا.

 كما قال "يوستين" في حواره مع تريفو: " لأنه كما آمن إبراهيم بصوت الله وحسب له ذلك برًا ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت الله، الذي تحدث لنا بواسطة رسل المسيح وأُعلن لنا بواسطة الأنبياء حتى الموت لأن إيماننا تبرأ بكل ما في العالم" (453).

 وشهد "تريفو" لعظمة الإنجيل فقال ليوستين: " التعاليم فيما تسمونه الإنجيل هيَ عظيمة وعجيبة لدرجة أنني أشك أن يقدر أحد أن ينفذها. فقد أخذت على عاتقي أن أقرأها" (الحوار مع تريفون اليهودي الفصل العاشر) (454).

 

2ــ إيرينيؤس (120 - 202م):

وهو أسقف ليون بفرنسا، وهو عالِم ومؤرخ وُلِد في تركيا وانتقل إلى فرنسا، وتتلمذ علي يدي بوليكاربوس أسقف أزمير الذي تتلمذ على يدي يوحنا الإنجيلي، وقد كتب إيرينيؤس لفلورينوس المنشق الذي انحرف بسبب إتباعه بدعة فالنتينوس يذكّره بماضيه، فيقول:

" (5) لأني لما كنت صبيًا رأيتك في آسيا السفلى مع بوليكاربوس تتحرك في عظمة في الحاشية الملكية، ومحاولًا أن تنال رضاه.

(6) وأنني أتذكر حوادث ذلك الوقت بوضوح أكثر من حوادث السنوات الأخيرة... ففي إمكاني وصف نفس المكان الذي كان يجلس فيه المغبوط بوليكاربوس وهو يُلقي أحاديثه، ودخوله وخروجه، وطريقة حياته، وهيئة جسمه، وأحاديثه للشعب، والوصف الذي قدمه عن عشرته ليوحنا والآخرين الذين رأوا الرب. ولأن بوليكاربوس كان متذكرًا كلماتهم وما سمعه منهم عن الرب وعن معجزاته وتعاليمه لاستلامها من شهود شهدوا بأعينهم كلمـة الحياة، فقد روى كل شيء بما يتفق مع الأسفار المقدَّسة" (455).

وفي سنة 180م كتب "إيرينيؤس" قائمة بأسفار العهد الجديد القانونية شملت عشرين سفرًا، فيقول "جوش مكدويل": " كتب ف. ف. بروس عـن مكانــة إيرينيؤس (180م) قائلًا: وتكمن أهمية كتاباته في اتصاله بالعصر الرسولي وفي علاقاتـه المسكونية، نشأ في آسيا الصغرى متعلمًا على يد بوليكاربوس تلميذ يوحنا، وأصبح أسقفًا على ليون في بلاد الغال سنة 180م. وتشهد كتاباته بقانونية الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورسالة رومية والرسالتان إلى كورنثوس والرسالة إلى غلاطية والرسالة إلى أفسس والرسالة إلى فيلبي والرسالة إلى كولوسي والرسالتان إلى تسالونيكي والرسالتان إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وسفر الرؤيا. وفي بحثه ضد الهرطقات يتضح أنه بحلول عام 180م كانت الأناجيل الأربعة قد أصبحت من الحقائق المُسلَّم بها في العالم المسيحي بأسره حتى أنه يمكن القول بأنها كانت حقيقــة راسخة وطبيعية وواضحـة وحتميـة مثـل الجهــات الأصليـة الأربع للبوصلة كما نسميها نحن (Bruce BP, 109)" (456).

 ويقول "ميلتون فيشر": " وقد قدم إيرينيؤس أسبابًا لوجوب وجود أربعة أناجيل، فقد قال: "الكلمة أعطانا الإنجيل في شكل رباعي، ولكن يجمعه روح واحد". بالإضافة إلى الأناجيل، أشار إيرينيؤس أيضًا إلى سفر الأعمال، وإلى رسالة بطرس الأولى، ورسالة يوحنا الأولى، وجميع رسائل بولس ما عدا فليمون وسفر الرؤيا" (457).

وشهد "إيرينيؤس" لكتبة الأناجيل الأربعة فقال: " وكتب متى إنجيله للعبرانيين بلغتهم الخاصة، بينما كان بطرس وبولس يكرزان في رومية ويضعان أساسات الكنيسة. وبعد انتقالهما، سلم إلينا مرقس تلميذ بطرس ومفسره، إنجيله مكتوبًا، وهو ما كان بطرس يكرز به. ولوقا أيضًا، رفيق بولس، كتب إنجيلًا ويحوي ما كان بولس يكرز به. وفيما بعد كتب يوحنا. تلميذ الرب، والذي اتكأ على صدره، إنجيله أثناء إقامته بأفسس في آسيا" (458).

وركز "إيرينيؤس" على أن الأناجيل أربعة فقط لا أزيد ولا أقل، فقال: " ليست من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل مما هيَ (أي أربعة) لأنه حيث أنه توجد أربع مناطق للعالم تعيش فيه، وأربعة رياح (أي أرواح) رئيسية، بينما الكنيسة منتشرة في كل العالم، وأنه عمود الحق وقاعدته (1تي 3 : 15) الكنيسة فيها الإنجيل روح وحياة، فمن المناسب أن يكون لها أربع أعمدة، تنفث الخلود وعدم الموت من كل ناحية، وتحيي البشر من جديد. ومن هذه الحقيقة يتضح أن الكلمة صانع الكل، هذا الجالس على الشاروبيم، والذي يحوي كل الأشياء، وهو الذي أُظهر للناس، فقد أعطانا الإنجيل في أربع أوجه، وكلها متحدة معًا بروح واحد. كما يقول داود أيضًا: "يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ" (مز 80 : 1) لأن الشاروبيم أنفسهم لهم أربعة أوجه.."(459).

واقتبس "إيرينيؤس" أكثر من ألف اقتباس من العهد الجديد، منها أكثر من خمسمائة اقتباس من الأناجيل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأوضح أن الأرض التي تقف عليها الأناجيل أرض صلبة، حتى أن الهراطقة يستندون على نفس الأناجيل التي نؤمن بها، فيقول: " الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق، ويسعى كل منهم لتأييد عقيدته الخاصة منه. فالأبيونيون الذين يستخدمون الإنجيل بحسب متى، يستخرجون منها عقائدهم بنفس الأسلوب، مفترضين افتراضات كاذبة بخصوص الرب، وأما ماركيون فشوَّه إنجيل لوقا، مُبرهنًا أنه جدف على الله الواحد الموجود في هذه الفقرات التي لا يزال يحتفظ بها. وأولئك الذين يفصلون يسوع عن المسيح مدَّعين أن المسيح بقى غير متألم، وأن الذي تألم هو يسوع، يفضلون الإنجيـل بحسب مرقس، والذي لو قرءوه بمحبة الحق لكانوا قد صححوا أخطاءهــم. وأيضًا هؤلاء الذين يتبعون فالنتيوس يستخدمون الإنجيل بحسـب يوحنًا كثيرًا موضحين بأمثلــة ارتباطهم ببراهين كل أخطائهم من الإنجيل نفسه، كمــا بينت في كتابي الأول، ونظرًا لأن خصومنا يشهدون لنا ويستخدمون هذه الوثائق. فبراهيننــا المأخوذة منها قوية وحق" (Irenaeus Against Hereseis 3 : 11, 8)(460).

والأمر العجيب أن المونتانيين الهراطقة أقرُّوا في القرن الثاني الميلادي أسفار العهد الجديد القانونية السبعة والعشرين التي نقبلها نحن الآن. وقد طعن "علي الريس" في شهادة القديس إيرينيؤس (راجع تحريف مخطوطات الكتاب المقدَّس ص 11، 12) فقال:

(1) أن إيرينيؤس قَبلَ سفر الراعي لهرماس كسفر قانوني، وأورد قول يوسابيوس القيصري عن إيرينيؤس: "وهو لا يعرف كتاب الراعي فقط، بل أيضًا يقبله، وقد كتب عنه ما يلي: حسنًا تكلم السفر قائلًا: "أول كل شيء آمن بأن الله واحد الذي خلق كل الأشياء وأكملها" (ك 5 ف 8 فقرة 7)، وراح "علي الريس" يتساءل:

أ - أين اتفاق الآباء على أسفار الكتاب المقدَّس؟.. وقد أجبنا على هذا التساؤل، فيُرجى الرجوع إلى إجابة (س61).

ب - أين الأسفار، كسفر الراعي لهرماس، الذي سلَّموا به وليس بين أيدينا الآن؟.. وقد أجبنا أيضًا على هذا التساؤل فيُرجى الرجوع إلى إجابة (س62).

جـ - هل ينطبق على إيرينيؤس قول الكتاب: " إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ" (رؤ 22 : 18).. فهل حقًا ستزيد الضربات على العلّامة إيرينيؤس؟.. ونحن نقول ليست هذه الضربات تخص القديس إيرينيؤس، لأنه لم يزد سفرًا ولا فصلًا ولا آية واحدة على الأسفار القانونية، فقط القديس إيرينيؤس أعلن رأيه في سفر، وهو سفر الراعي، وأعلن قبوله له، وهذا السفر لم يكن للآن قد حسمت الكنيسة الرأي بالنسبة له، إنما كانت في دور البحث والدراسة، وبعد أن فحصت الكنيسة السفر برصانة وهدوء واتزان أعلنت النتيجة النهائية، إن هذا السفر لا يدخل في إطار الأسفار القانونية.

(2) يقول "علي الريس": أن إيرينيؤس لا يصلح أن يكون مصدر معلومات معتمدة، لأنه ذكر في كتابه الثاني ضد الهرطقات (فصل 22) أن السيد المسيح عاش حتى بلغ من العمر 50 سنة، وأكد هذا في الفقرة السادسة مُدلّلًا على ذلك بما جاء في (يو 8 : 56، 57) ويتساءل "علي الريس": " هل توافق الكنيسة حقًا أن السيد المسيح عاش حتى بلغ الخمسين أم تعتقدون أنه بدأ دعوته وهو في الثلاثين ودعوته لم تستمر أكثر من أربع سنوات فقط؟".

والحقيقة أن الناقد لم يتحرى الدقة في نقل هذه المعلومة، لأن هذا ليس رأي القديس إيرينيؤس، إنما هو رأي اليهود عندما قالوا للسيد المسيح: " لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ. أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ" (يو 8 : 57)، فكان إيرينيؤس يناقش هذا ويرد على "بطليموس الغنوسي" الذي كان ينشر فكره الغنوسي، وهو أن الإله الرحيم غير الإله القاسي إله العهد القديم، فالإله الرحوم هو الذي أرسل "أيونه" يسوع المسيح في هيئة هلامية لكي يحل مشكلة الناموس، فكرز المسيح خلال اثنى عشر شهرًا وفي الشهر الثاني عشر تألم معتمد على قول إشعياء النبي: " وأكرز بسنة الله المقبولة"، بينما كرز السيد المسيح نحو ثلاث سنوات وثلث وبدأ خدمته بعد عماده وهو في الثلاثين من عمره، وهو السن القانوني الذي وضعه هو لبدء الخدمة، فتعمد من يوحنا المعمدان وبدأ خدمته فـي أورشليم، فقــال "إيرينيؤس": " وعندما كان له ثلاثون سنة، جاء ليعتمد، وعندئذ إذ كان السن الكامل اللازم للمعلم، أتى إلى أورشليم، لكي يُعرَف من الكل كمعلم... لذلك، لكونه معلم، فكان له عمر ثلاثون سنة" (2 : 22 : 4)(461). (وهناك رد تفصيلي مستفيض على قول الناقد في drghaly.com بشبكة الانترنت).

 

St-Takla.org Image: Athenagoras of Athens (c. 133 – c. 190 AD), Ἀθηναγόρας ὁ Ἀθηναῖος صورة في موقع الأنبا تكلا: العلامة أثيناغوراس (133-190)

St-Takla.org Image: Athenagoras of Athens (c. 133 – c. 190 AD), Ἀθηναγόρας ὁ Ἀθηναῖος

صورة في موقع الأنبا تكلا: العلامة أثيناغوراس (133-190)

أثيناغوراس:

وهو من أساطين الديانة الوثنية في القرن الثاني الميلادي، فيلسوفًا عملاقًا مولعًا بالبحث، انشغل بالفلسفة الأفلاطونية، ودرس المسيحية ليثبت ما بها من أخطاء وفساد، وإذ به ينجذب للمسيحية ويقبل المعمودية نحو سنة 176م، وتقدم في حياته التقوية والفلسفية، حتى صار مديرًا لمدرسة إسكندرية اللاهوتية، وهو من الآباء المدافعين مثل الفيلسوف الشهيد يوستين وترتليان وغيرهما، ولكنه أكثر بلاغةً وحجةً من جميع المدافعين، يتميـز برقـة الأسلـوب واستمالة المستمع إليه، وكان يشغل منصب إحدى كراسي الأكاديمية "المُوزيم Museum " بالإسكندرية، ومن أهم كتاباته التماسه أو دفاعـه عــن المسيحييـن (أبريسفيا)، وقيامة الموتى، وقد قدم دفاعه عن المسيحية والمسيحيين للإمبراطور "مركوس أوريليوس أنطونيوس" (120 - 180م) وابنه "كومودوس" Commodus الذي كان يشاركه الحكم، وقد شن كليهما هجومًا شديدًا على المسيحيين سنة 166م.ة 166م.

وفي دفاعه استشهد وأقتبس من ثلاثة عشر سفرًا من العهد الجديد منها أناجيل متى ولوقا ويوحنا، وست رسائل لبولس الرسول، وهيَ رومية، وكورنثوس الأولـى، وكولوسي، وتيموثاوس الأولى، وتيطس، والعبرانيين، فيقول: " لأن إحضارنا للآراء التي نخلص لها ليس بكونها إنسانية بل منطوقة من الله وتعليمه، ونحن قادرون على إقناعكم أن لا تفتكروا فينا كملحدين. فماذا تقول إذًا هذه التعاليم التي نقدمها: أقول لكـم أحبوا أعداءكم، باركو لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء، الذي يشرق شمسه على الأشرار والأبرار، ويمطر على الآباء والظالمين".. وهذا عين ما جاء في (مت 5 : 44، 45). كما يستشهد بآيات من إنجيلي متى ولوقا كأسفار مُوحى بها من الله فيقول: يقول الوحي: "لأنكم إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم" (دفاع 12)، وهذا ما جاء في (مت 5 : 46، لو 6 : 32)، وفي حديثه عن الطهارة يقول: " ولكننا بعيدون تمامًا عن العلاقات الجنسية غير المنضبطة، حتى أننا نعتبره إثمًا أن ننظر في اشتهاء، لأن الله يقول: "أما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.." (دفاع 32 : 2)، وهذا عين ما جـاء في (مت 5 : 28).

وأوضح للإمبراطور أن المسيحيين يصلون من أجله هو ومملكته، فيقـول عنهــم: "يصلون من أجل حكمكم كي تتوارثوا المُلك ابنًا بعد أب، وإذ تتسع إمبراطوريتكم وتنمو وأن يخضع الكل لسلطانكم، لأن هذا أيضًا لفائدتنا حتى نحيا حياة سلام وهدوء، وأن نقوم بتنفيذ كل ما نُؤمَر به" وهذا جوهر قول القديس بولس بالروح... "فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ" (1تي 2 : 1)، ويدعو أثيناغوراس الإمبراطور وابنه لقراءة الكتاب المقدَّس قائلًا عنه: " الذي يعلن الحق في كماله". وفي مقالته عن "قيامة الموتى" يستشهد بآيات كثيرة، ولا سيما من الأصحاح الخامس عشر من رسالة كورنثوس الأولى.

 

4ــ تاتيان:

وُلِد سنة 130م من أبوين وثنيين، وتعلم البلاغة والفلسفة، اعتنق المسيحية وتتلمذ على يدي الفيلسوف الشهيد يوستين غير أنه انحرف عن الإيمان المستقيم وسقط في بدعة فالنتينوس، وانتمى إلى طائفة الإنكراتيين حيث نظر للزواج كزنا، وحرَّم أكل اللحوم، واستخدم الماء عوض عن عصير الكرمة في سر الإفخارستيا، وادعَى أن آدم لم يخلص، وقال يوسابيوس القيصري نقلًا عن إيرينيؤس: "ولكنه ترك الكنيسة بعد استشهاد هذا الأخير (يوستين) وإذ تشامخ عندما رأى نفسه معلمًا، وانتفخ عندما ظن نفسه أنه أسمى من غيره. أسَّس تعاليم خاصة به مخترعًا دهورًا معينة غير منظورة كأتباع فالنتينوس، ونادى مثل مركيون وساتورنينوس بأن الزواج فساد وزنى. أما حجته نحو عدم خلاص آدم فقد اخترعها هو من تلقاء نفسه. وهذا ما كتبه إيرينيؤس وقتئذ" (4 : 29 : 3)(462).

 وقد فكَّك "تاتيان" الأناجيل إلى وحدات صغيرة، وأنشأ منها إنجيلًا واحدًا دعاه: "الدياتسرون " Diatssaron أي الرباعي، واضطر إلى إسقاط بعض الأجزاء، ولم تقبله الكنيسة كسفر مُوحَى به، بل نظرت إليه كجهد بشري، ورغم أن الكنيسة السريانية قد استخدمته حتى القرن الخامس، إلاَّ أنه انتهى العمل به بعد الترجمة السريانيـة التـي قام بها "رابولا" سنة 430م لأسفار العهد الجديد، وقد ترجم الأناجيل الأربعة كلٍ على حدة، وسبق الحديث عن هذا الأمر بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى إجابة (س60).

 

5ــ بانتينوس:

وُلِد في أوائل القرن الثاني غالبًا بالإسكندرية، وتهذَّب بالفلسفة الرواقية، واعتنق المسيحية على يد أثيناغوراس، وتقدم في حياة التقوى، وتولى إدارة مدرسة إسكندرية اللاهوتية نحو سنة 180م، وفي سنة 190م ترك إدارة المدرسة لتلميذه أكليمنضس وانطلق إلى الهند في رحلة كرازية، وقد لقّبه أكليمنضس بالنحلة الصقلية إشارة لنشاطه وعذوبة تعاليمه، ويقول عنه "يوسابيوس القيصري": " (2) ويُقال أنه أظهر غيرة شديدة نحو الكلمة الإلهيَّة. حتى أنه عُيَّن سفيرًا لإنجيل المسيح للأمم في الشرق، ووصل إلى الهند، لأنه كان لا يزال يوجد فعلًا الكثيرون من البشيرين بالكلمة الذين سعوا باجتهاد أن يستخدموا غيرتهم الإلهيَّة... 

(3) وكان بنتينوس أحد هؤلاء، وقيل أنه ذهب إلى الهند. وقيل أيضًا أنه وجد لدى مَن عرفوا المسيح. هناك إنجيل متى الذي كان قد سبق إلى الهند قبل وصوله هو، لأن برثولماوس – أحد الرسل – كرز لهم وترك لهم باللغة العبرية إنجيل متى الذي كانوا محتفظين به حتى ذلك الوقت" (5 : 10 : 2، 3) (463)، وقال القديس جيروم أن بنتينوس عندما عاد إلى الإسكندرية، أحضر معه هذه النسخة من إنجيل متى والمكتوبة بالعبرانية (راجع مشاهير الرجال ص 56).

وقام "بنتينوس" بالاشتراك مع تلميذيه أكليمنضس وأوريجانوس بترجمة الكتاب المقدَّس إلى اللغة القبطية مُستخدمًا الحروف اليونانية بعد أن أضاف إليها سبعـة حروف قبطية، ويقول "القمص تادرس يعقوب": " شرح بنتينوس كل أسفار الكتاب المقدَّس من التكوين إلى الرؤيا، شفويًا وكتابةً، حتى دعاه معاصروه "شارح كلمة الله" وللأسف لم يصلنا من كتاباته إلاَّ بعض فقرات وردت خلال كتابات تلميذه القديس أكليمنضس"(464)

وذكر "يوسابيوس القيصري" أن أكليمنضس قال عن معلّمه بانتينوس أنه تحدث عن الرسالة إلى العبرانيين ناسبًا إياها لبولس الرسول: " والآن يقول الشيخ (يقصد بانتينوس).. أن بولس إذا أُرسل إلى الأمم لم يشأ أن يعتبر نفسه رسول العبرانيين وذلك تأدبًا منه. وهو إذ كان سفيرًا ورسولًا للأمم لم يكتب إلى العبرانيين إلاَّ لغـزارة مادتــه" (يوسابيوس ك 6 ف 14 : 4)(465).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(443) المرجع السابق - الإنجيل كيف كُتب وكيف وصل إلينا؟ ص 151.

(444) أورده القس فهيم عزيز - المدخل إلى العهد الجديد ص 151.

(445) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الإنجيل كيف كُتب وكيف وصل إلينا؟ ص 151.

 (446) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ص 267.

(447) المرجع السابق ص 272.

(448) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ص 274.

(449) المرجع السابق ص 275.

(450) المرجع السابق ص 94، 95 .

(451) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الوحي الإلهي واستحالة تحريف الكتاب المقدَّس ص 102.

(452) المرجع السابق - الإنجيل هل هو كتاب نزل من السماء؟ ص 95.

(453) المرجع السابق - الإنجيل كيف كُتب وكيف وصل إلينا؟ ص 151.

(454) النصوص المسيحية في العصور الأولى - القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ص 147.

 (455) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط (2) 1979م ص 272، 273.

(456) برهان يتطلب قرارًا ص 69.

(457) قصة الكتاب المقدَّس ص 61.

(458) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 2 ص 16، 17.

(459) المرجع السابق جـ 2 ص 48.

(460) أورده القمص عبد المسيح بسيط - قانونية أسفار العهد الجديد ص 46، 47.

 (461) ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات ص 223.

 (462) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط (2) 1979م ص 228.

 (463) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط (2) 1979م ص 257.

(464) آباء مدرسة الإسكندرية الأولون ص 51.

(465) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط (2) 1979م ص 303.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/64.html

تقصير الرابط:
tak.la/p7bgj5q