St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

52- لماذا تأخر تدوين الأناجيل نحو ربع قرن من الزمان؟ وهل دوّنت الأناجيل في منتصف القرن الثاني؟

 

 س 52 : لماذا تأخر تدوين الأناجيل نحو ربع قرن من الزمان؟ وهل دوّنت الأناجيل في منتصف القرن الثاني؟

 يقول "موريس بوكاي": "لا تشير أدنى كتابات العصر المسيحي إلى الأناجيل، إلاَّ بعد مؤلفات بولس بفترة طويلة جدًا. فالشهادات المتعلقة بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية تظهر فقط في منتصف القرن الثاني وبالتحديد بعد عام 140م... وفي تعليقات هذه الترجمة المسكونية للعهد الجديد يقرأ القارئ: "أنه لا توجد، على أي حال، أي شهادة تقول بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل عام 140م". وهذه الدعوى تناقض تمامًا ما كتب أ. تريكو A. Tricot في التعليقات على ترجمته للعهد الجديد يقول: "ومنذ وقت مبكر جدًا، منذ بداية القرن الثاني، استقر العرف على استخدام الكلمة "إنجيل" للإشارة إلى الكتب التي كان القديس جوستين، في نحو 150م، يسميها أيضًا "مذكرات الرسل".. ومما يؤسف له أن مثل هذه المزاعم تكرَّر كثيرًا بحيث أن عامة الجمهور لا تعرف إلاَّ معلومات خاطئة عن التاريخ الذي تم فيه جمع الأناجيل"(296).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : تأخر تدوين الأناجيل بعد ولادة الكنيسة وانتشار الإيمان المسيحي بنحو خمسة وعشرين عامًا، وكتب مارمرقس إنجيله أولًا، وبما أن تاريخ استشهاده ثابت وهو 8 مايو سنة 68م، إذًا لا بد أنه كتب إنجيله قبل هذا التاريخ، ثم كتب متى الإنجيلي ولوقا الإنجيلي، وأخيرًا كتب يوحنا الإنجيلي قُرب نهاية القرن الأول. إذًا قول موريس بوكاي الذي اعتمد على مقدمة الترجمة المسكونية للعهد الجديد سنة 1972م، بأنه لم تكن هناك كتابات إنجيلية قبل سنة 140م قول جانبه الصواب، لأنه في ذلك التاريخ لم يكن أحد من الإنجيليين الأربعة على قيد الحياة، وقال "القديس أكليمنضس السكندري": " لما كرز بطرس بالكلمة جهارًا في روما. وأعلن الإنجيل بالروح طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدوّن أقواله، لأنه لازمه وقتًا طويلًا وكان يتذكرها. وبعد أن دوّن الإنجيل سلمه لمَن طلبوه" (297). وقد عُثر على مخطوطة بها بعض آيات من إنجيل متى في أحد كهوف قمران، ومن المعروف أن هذا الكهف أُغلق عندما استولت السلطات الرومانية على المنطقة نحو 67م، ومعنى هذا أن إنجيل متى كُتب قبل هذا التاريخ، كما عُثر في مصر على مخطوطة بها بعض آيات من إنجيل يوحنا ترجع إلى نحو 125م، ومعنى هذا أن هذا الإنجيل كُتب قبل هذا التاريخ، ولنا عودة للحديث عن هذه الأمور بالتفصيل عند حديثنا عن المخطوطات إن شاءت نعمة الرب وعشنا.

 وليس الأناجيل فقط هيَ التي كُتبت قبل نهاية القرن الأول، بل جميع أسفار العهد الجديد كُتبت قبل نهاية القرن الأول، فرسالة القديس يعقوب كُتبت خلال الفترة من 60 - 63م، ورسائل بولس الرسول الأربعة عشر ورسالتي بطرس الرسول كُتبوا جميعًا قبل استشهادهما سنة 67 م.، وأول سفر كُتب في العهد الجديد هو رسالة بولس الرسول الأولى لأهل تسالونيكي خلال الفترة (49-50م)، تبعها الرسالة الثانية خلال الفترة (52 - 53م) خلال الرحلة التبشيرية الثانية، ورسالتي كورنثوس، وغلاطية، ورومية نحو سنة 58 م. خلال الرحلة التبشيرية الثالثة، ورسائل السجن الأربعة أفسس وفيلبي وكولوسي وفليمون نحو (61-63م) خلال فترة السجن الأول في روما، ورسالـة تيموثاوس الأولى، وتيطس نحو سنة 66م بعد الإفراج عن بولس الرسول من السجن، ورسالة العبرانيين، وتيموثاوس الثانية قبيل استشهاده سنة 67م. (تواريخ الرسائل تقريبية).

 

St-Takla.org Image: Fresco of Saint Mark the Apostle, by Samy Hennes - St. Michael Coptic Orthodox Church, Moustafa Kamel, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, December 1, 2013. صورة في موقع الأنبا تكلا: فريسكو القديس مرقس البشير، رسم الفنان سامي حنس - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، مصطفى كامل، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 ديسمبر 2013 م.

St-Takla.org Image: Fresco of Saint Mark the Apostle, by Samy Hennes - St. Michael Coptic Orthodox Church, Moustafa Kamel, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, December 1, 2013.

صورة في موقع الأنبا تكلا: فريسكو القديس مرقس البشير، رسم الفنان سامي حنس - من صور كنيسة الملاك ميخائيل، مصطفى كامل، الإسكندرية، مصر - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 1 ديسمبر 2013 م.

ويتساءل البعض لماذا تأخر تدوين الإنجيل الشفاهي نحو ربع قرن من الزمان؟

1ـــ كان السيد المسيح شخصية فريدة في تاريخ البشرية، لم يظهر مثله إنسان قط في حكمته وقوته وسلطانه وتعاليمه ومحبته... فأجتذب وراءه الآلاف بل عشرات الآلاف (لو 12 : 1) كانوا يتابعونه ويلتفون حوله كخراف ناطقة يرعاها، وطالما كان هؤلاء الآلاف على قيد الحياة كانوا يشهدون له بصدق وأمانة، فلم يشعر أحد أن هناك احتياج شديد لإنجيل مكتوب.

 

2ـــ كان معظم الناس أميُّون لا يجيدون القراءة والكتابة، ولكنهم يتمتعون بذاكرة قوية، فاعتمدوا على القريحة في تحصيل المعلومات وسماع العظات، فكان من السهل عليهم أن يستظهروا هذه المعلومات وينقلونها للآخرين كما هيَ، ولا سيما أن السيد المسيح كان يستخدم أسلوب التكرار والترديد.

 

3ــــ لم يمل التلاميذ أبدًا من مخاطبة المؤمنين بأقوال السيد المسيح، ولم يكفُّوا عن ترديد معجزاته، حتى حفظها الشعب كله، وظلوا يتعزون بترديدها، وهكذا سلم الآباء الرسل للكنيسة ما تسلموه من الرب كقول بولس الرسول: " لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكـُمْ أَيْضًا" (1كو 11 : 23) وعلم الآباء الرسل الشعب أن يتمسك بما يسمعـه ويحفظه في قلبه: " تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي... اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا" (2تي 1 : 13، 14) فقوله "سَمِعْتَهُ مِنِّي" دليل على أن الكرازة كانت بالسمع، وقوله " اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ" أي أحفظها في ذاكرتك وفي قلبك، وأيضًا كان الروح القدس الساكن فيهم هو العامل في هذه الكرازة وتلك التعاليم، ينقلها من جيل إلى جيل عن طريق أُناس أمناء أكفاء: " وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا" (2تي 2 : 2) (راجع رو 6 : 17، 1كو 11 : 2، 2تس 2 : 15).

لقد أنهمك الرسل في الكرازة وأولوها كل جهدهم ووقتهم يجوبون الفيافي والبحار للبشارة بملكوت السموات، ويقول "يوسابيوس" أسقف قيصرية (264-340م) أبو التاريخ الكنسي أن الآباء الرسل اهتموا بالكرازة أكثر من تدوين الأسفار المقدَّسة: " فإن أولئك الرجال العظماء اللاهوتيين حقًا، أقصد رسل المسيح، تطهَّرت حياتهم وتزينوا بكل فضيلة في نفوسهم، ولكنهم لم يكونوا فصيحي اللسان، ولقد كانوا واثقين كل الثقة من السلطان الإلهي الصانع العجائب الذي منحه المخلص، ولكنهم لم يعرفوا (ولم يحاولوا أن يعرفوا) كيف يذيعون تعاليم معلمهم بلغة فصحى بل استخدموا فقط إعلانات روح الله العامل معهم، وسلطان المسيح الصانع العجائب الذي كان يظهر فيهم، وبذلك أذاعوا معرفة ملكوت السموات في كل العالم غير مفكرين كثيرًا في تأليف الكتب"(298).

 

4ـــ أنهمك المؤمنون بإيمانهم الجديد وتوقع استعلان الرب يسوع في المجيء الثاني الذي ظنوه أنه سيأتي سريعًا، فمثلًا عندما كتب بولس الرسول السفر الأول في العهد الجديد متمثلًا في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي، وفي كل إصحاح حدثهم عن المجيء الثاني وأنه قد حان واقترب (راجع أيضًا 1كو 15 : 51، 52)، ترك البعض عمله، وأرادوا أن يتفرغوا للعبادة والاستعداد للمجيء الثاني، وتفشت هذه الظاهرة حتى أن بولس الرسول اضطر أن يكتب ثانية لأهل تسالونيكي يخبرهم أن المجيء الثاني لن يكون بمثل هذه السرعة التي تصوَّروها، بل لا بد أن يحدث الارتداد العام، ولا بد أن يستعلن إنسان الخطية ضد المسيح قبل المجيء الثاني، وكذلك إيمان اليهود بالسيد المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأوصاهم بالعودة إلى أعمالهم، حتى أنه قال لهم: " إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2تس 3 : 10)، والبعض اعتقد أن المسيح قد حضر حضورًا روحيًا فلم يشعر به أحد، فأكد بولس الرسول كذب هذه البدعة قائلًا: " ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ. أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ وَلاَ تَرْتَاعُوا لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ" (2تس 2 : 1، 2).

 

5ـــ انشغل المؤمنون بالاضطهادات العنيفة التي أُثيرت ضدهم سواء من اليهود أو الرومان، حتى أن بعضهم هجر أوطانه وذهبوا يبحثون عن أماكن أكثر هدوءً يقضون فيها زمان غربتهم على هذه الأرض، ودخلت الكنيسة كلها في بوتقة الاضطهادات والعذابات والسجون والاستشهاد، وعندما أحرق نيرون روما وصار يتغنى أمام هذه النيران التي أضرمها، عاد ولصق تهمة حرق روما بالمسيحيين، فكم قاسَ مسيحيو روما من أهوال الاضطهادات، حتى أنهم أطلقوا الحيوانات المفترسة عليهم، وطلوا أجسادهم بالقار واستخدموهم كمشاعل تضئ ظلمة الليل، فلم يفكر أحد في إنجيل مكتوب، مكتفين بما عندهم ومتمسكين به للنفس الأخير.

 

6ـــ وصفت الكنيسة الكثير من تعاليم ووصايا السيد المسيح في صلواتها الليتورجية وكانت تُقرأ بنغم رائع مما سهل حفظها، فحفظها الشعب كله وعاشوا بموجبها، كما أن الليتورجيات حملت في طياتها العقائد المسيحية عن التجسد والفداء والثالوث... إلخ. في عبارات بسيطة يسهل حفظها.

 

7ـــ لم تكن الكرازة بإنجيل شفاهي حالة فريدة وشاذة، إنما كانت سمة وطبيعة ذلك العصر، فنحن الآن في العصر الحديث لا نعتمد على الذاكرة مثلما كان هؤلاء، وذلك لسهولة تسجيل كل ما نريد الاحتفاظ به بكافة تفصيلاته الدقيقة كتابة، أما في ذلك الزمان فكان الأساس هو الاعتماد على الذاكرة، فالتعليم اليوناني والروماني اعتمد بالدرجة الأولى على الحفظ والاستظهار، حتى أن الإغريق كانوا يحفظون مقطوعات طويلة جدًا من أشعار هوميروس صاحب الملحمتين الشهيرتين "الإلياذة والأوديسا" في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، وكذلك أشعار "أسخيلوس" (525-452 ق. م) الكاتب المسرحي الشهير الذي يعتبر أقدم ثلاثة كتَّاب مسرح يونانيين (أسخيلوس، وسونكليس، ويوربيدس 480 - 406 ق.م)، وحفظ العرب أبيات لا حصر لها من الشعر الجاهلي، وحفظ الصحابة القرآن قبل أن يُكتب في عصر أبو بكر الصديق نحو ثلاثين عامًا.

ويقول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": " أن الإنجيل... لم يدوَّن إلاَّ بعد المسيح. ألا يكفي هذا الزمن لتشويه الواقع التاريخي كما (كان قد) حدث؟. إن القائلين بهذه الشبهة ينسون التاريخ وعلم النفس. نحن في عصر نعتمد فيه على الورق والكتابة، فتضعف فينا الذاكرة. أما في عهود الذاكرة التي كانت المسجل الوحيد تقريبًا للأحداث، خصوصًا الأحداث التي شاهدتها الذاكرة فقد كانت المقدرة على الحفظ مما نستغربه اليوم. فإن الياذة هوميروس تناقلتها الأجيال مئات السنين قبل تدوينها. والشعر الجاهلي رواه الرواة عشرات السنين قبل تدوينه. والقرآن مثل الإنجيل حُفظ في الصدور نحو ثلاثين سنة قبل تدوينه. فحفظ الإنجيل في الصدور والدعوة به شفويًا قبل تدوينه، مدة ثلاثين سنة تقريبًا، ليس شبهة على صحة نقله وحفظه وتدوينه" (299).

وعندما يتقدم العمر بالإنسان يكون التركيز بالأكثر ليس على الأحداث القريبة بل البعيدة، فإن كان بطرس أو يوحنا كتبا في سن الشيخوخة، فإن أحداث السنين التي أمضوها مع السيد المسيح هيَ الأقوى تأثيرًا في حياتهما، ويقــول "الأرشمندريت يوسف درة الحداد": "عندما نرى يوحنا الرسول، وهو ابن مائة سنة تقريبًا ينقل (يكتب) مذكرات حداثته مع يسوع، نشعر من التعليمات المكانية والزمانية والشخصية والنفسية كيف طُبع الإنجيل في نفسه طبعًا، فيرويه في شيخوخته كأنه لا يزال يراه ويسمعه. فليس عامل الزمن شبهة على صحة الإنجيل بنصوصه الأربعة"(300).

وجاء في قاموس Ancher Bible : "يجب الانتباه إلى أن لغة الخطاب الكلامي كانت هيَ أحد الأساسيات في وسائل الاتصال في المسيحية القديمـة، كما في بقية العالم القديم" (301).

وجاء في دائرة معارف بيكر للكتاب المقدَّس Baker Encyclopedia Of The Bible : " أن يسوع اتبع نفس الأسلوب اليهودي في انتقال تعاليمه ورسالته شفاهة" (302).

ويقول "القمص عبد المسيح بسيط": " وقد برهنت الدراسات التي قام بها أحد العلماء ويُدعى جيرهاردسون B. Gerhardsson (1961م) على أن معلمي اليهودية، الربيين، كانوا يعلمون تلاميذهم ويُحفظونهم تقاليد اليهودية في قوالب وأشكال معينة ومفردات تُحفظ عن ظهر قلب، وأنه كانت لديهم وسائل وطرق متعددة للمساعدة على الحفظ وتقوية الذاكرة. هذه الوسائل التعليمية التي اتبعوها جعلتهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفويًا قبل أن يوضع في شكل مكتوب... الإنجيل أسهل بكثير في حفظه شفويًا من التقليد اليهودي، فقد كان شخص المسيح الحي الصاعد إلى السماء، أعماله وأقواله وحياته أثناء التجسد، هو هدف ومحور وجوهر وغاية الإنجيل، وكان الروح القدس يعمل في الرسل شهود العيان الأحياء، فكان التعليم المسيحي تعليمًا حيًّا.

وقد تبرهنت الدراسات أيضًا على أنه كان هناك بعض المذكرات الصغيرة والملحوظات المكتوبة التي اُستخدمت في حفظ أقوال الرب وأعماله كالموعظة على الجبل، والنبوات التي تنبأ بها عن الرب أنبياء العهد القديم وفسَّرها هو بنفسه لتلاميذه، وبعض أعماله ومعجزاته، ويشير القديس لوقا لمثل هذه الوثائق بقوله: "إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا. كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ" (لو 1 : 1، 2)"(303).

 

8ــ حتى بعد كتابة الأسفار المقدَّسة ظل التعليم الشفاهي له قوته وتأثيره وسلطانه، ولعل "بابياس" أسقف هيرابوليس قد أوضح ذلك عندما قال: "وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله أندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أي أحد آخر من تلاميذ الرب... لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إليَّ من الصوت الحي، الصوت الحي الدائم" (يوسابيوس ك 3 ف 39 : 4)"(304).

ويعلق "مايكل هولمز" على قول بابياس قائلًا: " فإن بابياس مع ذلك يذكّرنا بوضوح وقوة:

أولًا: أن الأناجيل المكتوبة كانت تمثل فقط جزءًا من تعاليم يسوع التي كانت متداولة من النصف الثاني من القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني (أنظر يو20 : 30، 21 : 15).

ثانيًا: وحتى بعد أن كُتبت الأناجيل، فقد استمرت التقاليد الشفوية في التداول...

ثالثًا: كـان التقليــد الشفـوي غالبًا يُقيم أكثر بكثيــر مـن المادة المكتوبة فــي وضــع ثقافــي اعتمد ووثـق فــي الذاكــرة أكثر مما هو مألوف اليوم (The Apostolic Fathers, By Michael W. Holmes P 557) (305).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (296) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ص 75، 76.

(297) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الإنجيل هل هو كتاب نزل من السماء ص 79.

 (298) فكرة عامة عن الكتاب المقدَّس - دير القديس أنبا مقار ص 60.

 (299) الدفاع عن المسيحية - في الإنجيل بحسب متى ص 85.

 (300) الدفاع عن المسيحية - في الإنجيل بحسب متى ص 87.

(301) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الإنجيل هل هو كتاب نزل من السماء ص 58، 59.

(302) المرجع السابق ص 59.

(303) الإنجيل كيف كُتب وكيف وصل إلينا؟ ص 105.

 (304) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ص 175.

(305) أورده القمص عبد المسيح بسيط - الإنجيل هل هو كتاب نزل من السماء؟ ص 68.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/52.html

تقصير الرابط:
tak.la/2cm2bgp