س465: ما هيَ القراءات المختلفة أو المتنوعة، وما هيَ طريقة احتسابها، وهل لها تأثير على العقائد المسيحية؟ وما هيَ أفضلية مخطوطات العهد الجديد عن مخطوطات أي عمل كلاسيكي آخر في العالم كله؟
ج: أولًا: القراءات المختلفة أو المتنوعة وكيف يتم احتسابها وهل لها تأثير على العقائد المسيحية؟: نتيجة ضعف الأداة البشرية وقعت من النسَّاخ أخطاء سواء عفويَّة أو متعمدة، من الأخطاء العفويَّة مثل أخطاء النظر بسبب اختفاء علامات الترقيم والفواصل، أو الخلط بين الاختصارات، أو زلة العين ولا سيما في النهايات المتشابهة، أو سقوط حرف أو كلمة أو تكرار حرف أو كلمة، أو تبديل حرف مشابه، أو الاعتماد على الذاكرة أكثر من الاعتماد على المخطوطة، أو أخطاء السمع إن كان هناك من يملئ وهناك من يكتب، فلإنجاز ثمانية مخطوطات في وقت وجيز يمكن أن ثمانية نسَّاخ يكتبون وشخص يمليهم ما يكتبون... إلخ أما الأخطاء المتعمدة فهيَ تأتي من الناسخ بغرض تسهيل فهم نص غامض فيضيف كلمة تفسيرية، أي لاستجلاء المعنى، أو تصويب ما يظنه أن الناسخ السابق أخطأ في نساخته، وهذه الأخطاء المتعمدة لأنها منطقية وتوافق روح النص فيصعب اكتشافها عن اكتشاف الأخطاء العفويَّة. وقد سبق شرح هذا الأمر بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 114، س116. (وهناك بحث رائع عن القراءات المختلفة في كتاب المرشد العربي للنقد النصي للعهد الجديد ص 85 - 102).
وأخطاء النساخة تجدها في جميع الأعمال الكلاسيكية بدون استثناء، فمن الصعب جدًا جدًا أن تجد مخطوطتين كبيرتين في حجم العهد الجديد أو القرآن متطابقتان تمامًا 100% (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 118) وهذه الأخطاء معروفة لدى علماء النقد النصي بأنها قراءات مختلفة أو قراءات متنوعة، وليست تحريفات، كما يدعى غير العارفين، لأن "التحريف" عملية متعمدة مقصودة، مع سبق النية والأصرار على إفساد النص وتحريف معناه إلى النقيض، فمثلًا يأتي ناسخ ويضع من عندياته نصوصًا مباشرة تنفي ألوهية المسيح، أو صلبه، أو موته وقيامته، أو أن اللَّه ليس مثلث الأقانيم، ولكن هذا لم يحدث على مر التاريخ، ولو فعل ناسخ هذا فهو يعرف مسبقًا أن مصير عمله وتعبه سلة المهملات... لقد كان هؤلاء النسَّاخ أناس أمناء نسخوا كلمة اللَّه بكل أمانة وإخلاص، منهم كثير من الرجال الأتقياء والآباء الرهبان، حتى أن البابا كيرلس الخامس هو الراهب القمص يوحنا البرَموسي الناسخ لأنه كان يهوى نساخة الكتب بالرغم من أنه عاش خلال الفترة (1874 - 1927م) والطباعة كانت منتشرة، ومع ذلك ظلت النساخة معروفة. أما اتهام البعض لهؤلاء النسَّاخ الشرفاء بأنهم أعطوا لأنفسهم حرية التصرف في النصوص، بحذف بعض النصوص التي أعتمد عليها الهراطقة، أو إضافة بعض النصوص التي توافق ميولهم اللاهوتية، فلو حدثت هذه التهياؤات المريضة على أرض الواقع على مدار نحو 1400 سنة منذ كتابة العهد الجديد وحتى وصوله للمطبعة، ما كنت تجد آيتين تتوافقان معًا، وعلى كلٍ فقد سبق مناقشة هذا الأمر، وأيضًا القائلين بأن أخطاء النسَّاخ تطعن حقيقة الوحي الإلهي في مقتل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س113، س114.
ومن المسلَّم به بين علماء النقد النصي أنه كلما زاد عدد المخطوطات كلما زادت القراءات المختلفة، فإن كنا نملك نحو 25 ألف مخطوطة للعهد الجديد بلغات مختلفة، فلا عجب أننا نسمع أن هناك 300 ألف قراءة مختلفة، وهذا يرجع لكثرة عدد المخطوطات وأيضًا لطريق احتساب القراءة المختلفة، فربما خطأ في حرف واحد يحتسب بألف قراءة مختلفة فالقراءات المختلفة تحتسب بعدد المخطوطات التي وردت فيها:
مثال (1): " وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ "(مت 1: 7 8) جاءت في بعض المخطوطات بدلًا من اسم " آسَا" اسم " آساف" فلا تحتسب بأنها قراءة مختلفة واحدة ولا اثنتين، ولكن إن كانت قد وردت "آساف" في 500 مخطوطة، فإن:
القراءة المختلفة = 2 لأنها تكررت مرتين × 500 (عدد المخطوطات) = 1000 قراءة مختلفة.
مثال (2): " لَنَا سَلاَمٌ" (رو 5: 1) وردت في بعض المخطوطات "دعونا نحصل على السلام" والسبب اختلاف حرف أوميكرون (o) في ecomen إلى حرف أوميجا (w) في ecwnen ، فلو حدث هذا في مائة مخطوطة فمجرد تغيُّر الحرف من أوميكرون إلى أوميجا تنتج عنه (100) قراءة مختلفة.
ومن أمثلة اختلاف القراءات " وَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ" جاءت في بعض المخطوطات " وكسفت الشمس"، وهلم جرا، فعندما نقول أن هناك 300 ألف اختلاف في مخطوطات العهد الجديد، فمعنى هذا أن إجمالي القراءات المختلفة في جميع مخطوطات العهد الجديد التي يفوق عددها 25 ألف = 300 ألف اختلاف.
ويقول "بروس ميتزجر" عن القراءات المختلفة: " الرقم يبدو كبير، لكنه مُضلّل نوعًا ما بسبب الطريقة التي تُحسب بها هذه الاختلافات" (14). ثم شرح ميتزجر الطريقة التي تُحتسب بها القراءة المختلفة حتى أن خطأ هجائي في كلمة واحدة في ألفي مخطوطة يُحتسب كأنه ألفي قراءة مختلفة.
ونشكر اللَّه أن العهد الجديد ليس له مثيل في العالم كله من جهة عدد مخطوطاته وقرب أقدم المخطوطات من الأصول جدًا جدًا حتى كاد الفاصل الزمني أن يختفي مما يسهل على العاملين في مجال النقد النصي من الوصول للنص الأصلي بنسبة 99%، وقلنا من قبل ليس بنسبة 100% لأنه لا يحقق هذه النسبة إلَّا المخطوطات الأصلية Autographs (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س109) وضبط القراءات المختلفة والوصول للقراءة الصحيحة هو عمل النقد النصي، فمثلًا طبقًا لنظرية لاشمان:
1- تفضل القراءة المنتشرة في مخطوطات أكثر.
2- تفضل القراءة المنتشرة في مناطق جغرافية أوسع.
وطبقًا لنظرية جريسباغ:
1- تفضل القراءة الأكثر صعوبة والأكثر إبهامًا من المفصَّلة لاحتمال تدخل الناسخ لتسهيل المعنى.
2- تفضل القراءة الأكثر حدة والأقل نعومة لاحتمال تدخل الناسخ لجعل القراءة أقل حدة.
3- تفضل القراءة غير المعتادة.
4- إهمال القراءة التي بها شرح أو تمديد للنص.
وطبقًا لنظرية تشيندروف:
1- المخطوطة الأقدم هيَ المخطوطة الأدق.
2- الكلمة الغريبة الشاذة في المخطوطة مكشوك فيها.
3- الكلمة التي بها خطأ في النساخة مشكوك فيها.
وطبقًا لنظرية ويستكوت وهورت: تفضل القراءة التي تتفق مع القواعد النحوية والتي تتناسق مع بقية الجملة.
طبقًا لنظرية بروس ميتزجر:
1- تفضل القراءة الأقْصر.
2- تفضل القراءة التي تختلف حرفيًا عن بقية القراءات.
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
وبهذا صار لمدرسة النقد الأدنى قواعد النقد النص التي تستخدمها لتحديد القراءة الأقرب للأصل، عن طريقة الأدلة الخارجية والأدلة الداخلية. فمن الأدلة الخارجية لتحديد القراءة الصحيحة:
1- الدليل النسبي Genealagical Evidence: أي عدد شهود كل قراءة، فلو كان هناك مخطوطة بها قراءة معينة ويقابلها 15 مخطوطة تتفق على قراءة أخرى والمخطوطات الست عشر لهم عمر واحد وأخذوا من مخطوطة واحدة، فتؤخذ الأغلبية، أي تفضل القراءة التي جاءت في عدد مخطوطات أكبر لأن النسبة (1: 15). ولكن لو اكتشفنا أن المخطوطة الأولى ترجع إلى بداية القرن العاشر، والخمسة عشر مخطوطة أُخذت من ثلاث مخطوطات، والمخطوطات الثلاث أُخذت من مخطوطة ترجع أيضًا بداية القرن العاشر، فحينئذ تكون النسبة (1: 1) أي أننا أحتسبنا الخمسة عشر مخطوطة كأنها مخطوطة واحدة لأن مصدرهم مخطوطة واحدة. فالدليل النسب أي الرأي للأغلبية إذا تساوت المخطوطات في كل الأمور الأخرى.
2- الدليل الزمني Chronalagical Evidence: أي تفضيل المخطوطات الأقدم فمثلًا لو أمامنا مخطوتين أحدهما ترجع للقرن الخامس والأخرى للرابع، فبلا شك الأفضلية للثانية التي ترجع لزمن أقدم، ولكن لو أكتشفنا أن مخطوطة القرن الخامس مأخوذة من مخطوطة ترجع للقرن الثاني، بينما مخطوطة القرن الرابع مأخوذة من مخطوطة ترجع للقرن الثالث، فعندئذ ينقلب المعيار، وتكون الأفضلية لمخطوطة القرن الخامس المأخوذة من مخطوطة القرن الثاني عن مخطوطة القرن الرابع المأخوذة من مخطوطة القرن الثالث. وأيضًا لو هناك مخطوطتان من القرن الثامن الأولى مأخوذة من مخطوطة ترجع للقرن الرابع مباشرة، بينما الثانية مأخوذة من نفس مخطوطة القرن الرابع ولكن ليس مباشرة بل خلال ثلاث مراحل من النسخ، فبلا شك نفضل الأولى التي نُقلت مباشرة واختصرت القرون الأربعة دفعة واحدة، عن الثانية التي مرت بثلاث مراحل من مخطوطة إلى أخرى، وكل مرحلة لها أخطائها.
3- الدليل الجغرافي Geographically Evidence: تفضل المخطوطات التي تم اكتشافها في مناطق جغرافية متسعة عن المخطوطات التي أُكتشفت في مكان واحد، فمخطوطات متفقة معًا في قراءة معينة وجدناها في شمال أفريقيا والإسكندرية وأنطاكية وآسيا الصغرى وأسبانيا، هيَ أفضل من مخطوطات اُكتشفت جميعها في اليونان مثلًا.
4- جودة الشهود: كما أن المحكمة لها نظرة تقييم للشهود، فتثق ببعضهم وتأخذ بشهادتهم وترفض شهادة البعض لأنه ليسوا أهل ثقة، هكذا نظرة الناقد النصي للمخطوطات، فمخطوطة نُسخت بخط ناسح محترف تتميز بالتنسيق والخط الرائع والزخارف البديعة وندرة الأخطاء، بلا شك تكون محل ثقة أكثر من مخطوطة خُطت بيد إنسان عادي لم يوليها الاهتمام اللازم، ونسخت على وجه السرعة وكثرت بها الأخطاء. ومن المخطوطات التي أكتسبت ثقة نُقَّاد النص المخطوطات التابعة لعائلة النص السكندري، لأن الإسكندرية مدينة التقدم العلمي تتميز بمكتبتها الأولى على مستوى العالم، والمدينة محط النسَّاخ المحترفين المهرة.
5- مقارنة النصوص المتشابهة: مثال على هذا إذا وجدت قراءة مختلفة في مخطوطات إنجيل مرقس، وإحدى القراءتين تتطابق مع نصٍ موازٍ في إنجيل متى، والأخرى تختلف عن القراءة الموازية في إنجيل متى، فتفضل القراءة الأولى المتفقة على إنجيل متى، لأن 90 % من إنجيل مرقس نجده في إنجيل متى، ومثال آخر نص مكرر في إنجيلي متى ولوقا، كلٍ منهما له قراءتين مختلفتين، فلا بد أن إحدى القراءتين تخص إنجيل متى، والأخرى تخص إنجيل لوقا، فالناسخ وهو ينسخ إنجيل لوقا كان حاضر في ذهنه ما جاء في إنجيل متى فكتبه سهوًا، ولا سيما أن النسَّاخ كانوا يعملون لساعات طويلة ويتعرضون للإرهاق وعدم التركيز.
الأدلة الداخلية لتحديد القراءة الصحيحة: فعندما تتساوى مخطوطتان من جهة الأدلة الخارجية، يلجأ الناقد النص للأدلة الداخلية، التي تتمثل في بعض الأسئلة، مثل:
س1: أي القراءتين قد تكون أثارت مخاوف الناسخ؟ فهي الصحيحة، لأن من المحتمل أن يكون الناسخ قد غيَّرها بقراءة أسهل.
س2: أي القراءتين تتوافق وتتناسق مع لغة الكاتب وأسلوبه ولاهوته؟ فهيَ الصحيحة عن التي تتعارض مع مفهوم الكاتب.
س3: أي القراءتين أكثر صعوبة؟، فهيَ الصحيحة، لأنه من المحتمل أن الناسخ قد تدخل ليسهل فهم النص.
س4: أي القراءتين الأقْصر؟، فهيَ الصحيحة إلاَّ إذا كانت مختزلة وقد أخلت بمعنى النص.
س5: أي القراءتين تتفق مع الترجمات القديمة، واقتباسات الآباء؟، فهيَ الصحيحة... إلخ.
وعندما تكون أعداد النُسخ قليلة ويفشل الناقد النصي في ضبط قراءة معينة يلجأ إلى ما يُعرف بالتخمين الأكاديمي Educated Guess أو التنقيح الحدسي Emendation مستخدمًا خبرته الشخصية لضبط الكلمة محل الخلاف، وهذه الطريقة لم تستخدم في مخطوطات العهد الجديد سوى في (12) مكان فقط، وذلك للوفرة الساحقة لتلك المخطوطات... الأمر العجيب أننا بينما نحن نملك عدد قليل لكتابات هيروديت وأفلاطون وأرسطو وسقراط وغيرهم، وهذه المخطوطات يفصلها عن الأصل مئات السنين أو ألف سنة أو أكثر، فأننا نثق فيها تمامًا، بينما يأتي من يشكك في موثوقية العهد الجديد الذي انفرد بمخطوطات تفوق الخمسة والعشرين ألفًا وبعضها يلاصق زمن الأصل!!.
وأغلبية المشاكل النصية قد حُسِمت، حتى أن "بارت إيرمان" نفسه يعترف بهذا قائلًا: " كيف يمكن للناقد أن يحل المشكلة عندما تتجه الأدلة الخارجية ناحية جهة بشكل واضح، والأدلة الداخلية تتجه إلى الجهة الأخرى؟. لحسن الحظ نحن لا نمتلك الآلاف فوق الآلاف من تلك الحالات، في الواقع تقريبًا أي شخص يعمل في هذا المجال يعرف أن الغالبية العظمى من المشاكل النصية يمكن حلها بسهولة، لذا فإن هناك إجماعًا على أغلب القراءات المختلفة الباقية في مخطوطاتنا. ليس المقصود من ذلك القول أنه لا توجد مشاكل هامة باقية بشكل مضاد. العديد من المشاكل الباقية تعتبر هامة".
وشهادة أخرى قدمها "بارت إيرمان" عن عدم قيمة معظم الاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد، بالرغم من أنه فقد إيمانه وصار من أكبر المشككين في موثوقية العهد الجديد، فكتب يقول في مقال بعنوان: " Hearing the New Testament: Strategies for Interpretation "
تُرجم بواسطة "المرصد الأسلامي لمقاومة التنصير" تحت عنوان "مقدمة تعريفية هامة مهمة في علم النقد النصي" بقلم "د. حسام أبو البخاري"، حيث يقول بارت إيرمان: "هذا لا يعني القول بأننا في خسارة بشكل كامل عند محاولة تحديد ما الذي كان عليه النص الأصلي في الواقع فأن الغالبية العظمى للاختلافات بين مخطوطاتنا هيَ عديمة القيمة أو تافهة. ومن السهل اكتشافها، بما لا يقاس عليه فأن أغلب الأخطاء الشائعة تتضمن أخطاء تهجئة، العديد من الأخطاء تتضمن الحذف العفوي لكلمات أو مقاطع من قِبل نُساخ مُهملين.
على أي حال فأن هناك عدد كبير من الحالات، اختلفت كلمات فقرات بشكل ملحوظ بين مخطوطاتنا بصورة نقدية للتفسير في تلك الحالات فأن النقَّاد النصيين يعمدون إلى موازنة حجج كل شكل للنص على الشكل الآخر، ومن ثم يُعطي حكمًا لتلك القراءة التي تظهر لتكون النص الأصلي وتلك التي تُعد فسادًا من قِبل ناسخ لاحق".
ويقول "فريدريك كينبون": " أنه لا توجد أي تغيّرات مُلفتة للنظر لا في العهد القديم أو الجديد، كما لا توجد إضافة أو حذف هام في الفقرات، ولا توجد تغيّرات تؤثر على الحقائق الإيمانية أو العقائد الأساسية... أن التغييرات في النص لا تتعدى الموضوعات الثانوية مثل ترتيب الكلمات وغيرها" (Kenyon, the Chester Beatty Biblical Peyri P15) (15). (راجع أيضًا مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س 118).
ثانيًا: أفضلية مخطوطات العهد الجديد عن أي عمل كلاسيكي آخر في العالم كله... ناقشنا هذا الموضوع بالتفصيل من قبل وركزنا على نقطتين هامتين، أولهما وفرة عدد المخطوطات الساحقة، وثانيهما قُرب المخطوطات القديمة من تاريخ الأصول، حتى كاد الفاصل الزمني بين أقدم المخطوطات والأصول أن يختفي (راجع مدارس النقد عهد جديد مقدمة (2) س109) حتى أن موثوقية العهد الجديد تبلغ آلاف المرات من أي عمل كلاسكي آخر، ودعنا نتناول الموضوع بطريقة عرض أخرى اعتمادًا على ما ذكره أستاذنا الغالي "دكتور غالي" في موقعه "هوليبايبل" تحت عنوان "ملخص مقدمة النقد النصي":
1- عمر المخطوطات The Age of the Manuscripts: بينما مخطوطات أي عمل كلاسيكي تفصله عن الأصل مئات السنين وتصل إلى الألف عام وتفوق، فإن أقدم مخطوطات العهد الجديد لا يفصلها عن الأصل سوى نحو ثلاثين عامًا أو أقل.
2- احتمالية وجود الأصل The Possibillity of an Autograph: بعض المخطوطات التي حوت بضعة آيات مثل البردية (64) P64 التي حوت عشر آيات من إنجيل متى يرجع تاريخًا إلى سنة 65م، والبردية (52) P52 التي حوت خمسة آيات من إنجيل يوحنا يرجع تاريخًا إلى (125 170م) وشهد العلامة ترتليان (145 220م) بأن الأصول Autographs ما زالت موجودة في الكنائس الرسولية، كما شهد البابا بطرس خاتم الشهداء والذي أستشهد سنة 311م أن أصل إنجيل يوحنا موجود في أفسس، فما المانع أننا في يوم ما نكتشف جزء من هذه الأصول.
3- عدد المخطوطات Number of the Manuscripts: لا يوجد أي عمل كلاسيكي في العالم كله حاز 1% من عدد مخطوطات العهد الجديد التي تزيد عن 25 ألفًا.
4- تطوُّر اللغة المكتوبة The Evolution of the Language: اللغة حيَّة تتكرَّر مع الوقت، يدخل إليها مفردات ويخرج منها مفردات، وتتغير معاني بعض المفردات، ولذلك هناك احتمال أن الأعمال الكلاسيكية القديمة مثل أعمال سوفوكليس وهيروديت وأفلاطون وأرسطو وتاسيتوس والتي يصل الفاصل الزمني بين المخطوطات التي بين أيدينا والأصول مدة تتراوح بين 900 - 1100 سنة أن يكون قد حدث تغيير في معاني بعض المفردات. بينما لدينا مخطوطات العهد الجديد باللغة اليونانية الخط الكبير Koine Grrek قريبة جدًا من الأصول، وكانت اللغة اليونانية قد وصلت مرحلة النضج الكامل.
5- اللهجة والإملاء Dialect and Selling: اللهجة والإملاء للغة العهد الجديد لم تتغيَّر، بينما بعض اللهجات الأخرى قد تغيَّرت، فمثلًا لهجة قريش التي كُتب بها القرآن تغيَّرت ولا يتحدثون بها الآن في المملكة العربية السعودية، ولذلك كثيرًا ما نسمع في التراث الإسلامي عبارة "واختلف المفسرون" لأنهم صاروا يفسرون لهجة لم تعد مستخدمة.
6- التوزيع الجغرافي في مناطق منفصلة Geographical distance Calculation: فاتفاق المخطوطات التي تم اكتشافها في مناطق مختلفة تؤكد وحدانية النص، فمثلًا أعمال أفلاطون تجدها في منطقة معينة، أما العهد الجديد فمخطوطاته وصلت لنا من قارات الدنيا الثلاث.
7- تنوع المصادر Diversity of Sources: فمخطوطات العهد القديم نجدها بالعبرية وبعضها بالأرامية بالإضافة للترجمات اليونانية، ومخطوطات العهد الجديد باليونانية، واللاتينية القديمة والسريانية والقبطية والأثيوبية... نجد مخطوطات الأسفار المقدَّسة، ومخطوطات الكتب الكنسية، ومخطوطات أقوال الآباء التي بها اقتباسات من الأسفار المقدَّسة.
8- الشواهد الخارجية External Testimony: مثل كثرة اقتباسات الآباء من أسفار العهد الجديد، حتى قيل أنه لو اختفى العهد الجديد من الوجود فيمكن جمعه من أقوال الآباء، وهذا لم يتوفر لأي عمل كلاسيكي آخر، اقتباسات الآباء قبل مجمع نيقية وصلت 36 ألف اقتباس وقد ضم الدياتسرون الأناجيل الأربعة معًا وهو العمل الذي قام به تاتيان ووجدت منه بعض المخطوطات، وأيضًا تفسيرات له، وحتى سنة 440م وصلت إلى أكثر من مائتي ألف، وحتى القرن السابع تعدت المليون اقتباس. ويقول "بروس ميتزجر": " في حالة تدمير كل مصادر العهد الجديد فستكون اقتباسات الآباء كافية وحدها من أجل إعادة تكوين كل العهد الجديد " (Bruce Metzger , The Text of the New Testament Corruption and Restoration P. 1126) وجاء في "المرشد العربي للنقد النصي": "يذكر تشارلز ليش أن السير دافيد دالرمبل (David Dalrymple Sir) سأله واحد عن فرضية تدمير العهد الجديد وفقدان كل نسخه بنهاية القرن الثالث عشر الميلادي فهل يمكن إعادة تجميعه من كتابات الآباء؟؟ فقال له: "أنظر هذه الكومة من الكتب. هل تذكر سؤالك عن العهد الجديد والآباء؟.. لقد وجدت العهد الجديد بكامله ما عدا إحدى عشر عددًا (Karles Leach Our Bible: How We Gat It ? P. 35 - 36). ويقول "دافيد الان بلاك": "إذا تم تدمير كل مخطوطات العهد الجديد فأن نص العهد الجديد يمكن إنتاجه من اقتباسات آباء الكنيسة".
(Black New Testament Textual Criticism: A Concise guide P. 17)
9- حالة نسخة الطباعة الأولى Early Printed Editions The state of the: فبعض الأعمال فقدت النسخة اليدوية التي تمت طباعتها، بينما النسخة اليدوية للعهد الجديد اليوناني التي قام بها إيرازموس ما زالت موجودة للآن، ومثلها النسخة اليدية لطبعة كينج جيمس وفانديك وغيرهما.
10- حجم الكتاب في مجلد واحد Size of the Book one volume: شملت الأعمال الكلاسيكية الكبيرة عدة مجلدات، فمثلًا ما كتبه المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس عن تاريخ اليهود من بدء الخليقة حتى سنة 66م شمل (20) مجلدًا، وما كتبه المؤرخ الروماني تاسيتوس عن تاريخ الإمبراطورية الرومانية من موت أغسطس قيصر سنة 14م إلى موت نيرون سنة 68م في الحوليات، ومن موت نيرون إلى موت دوميتيان سنة 96م في التواريخ شمل (16) مجلدًا، بينما شمل العهد الجديد مجلدًا واحدًا، وهذا بلا شك أسهل في النساخة من أعمال يوسيفوس وتاسيتوس. كما قسم العهد الجديد إلى الأناجيل، وسفر الأعمال، والرسائل البولسية، والرسائل الجامعة، وسفر الرؤيا، فأصبح من السهل أكثر نساخة جزء من أجزاء العهد الجديد.
11- لغة النسَّاخ The Language of the Scribe: الذين نسخوا العهد الجديد باللغة اليونانية لغتهم الأصلية هيَ اليونانية، والذين نسخوه بالقبطية لغتهم الأصلية هيَ القبطية وهكذا، وهذا بلا شك يقلل نسبة الأخطاء. ويشهد "كومفورت" لمهارة كثير من النسَّاخ المسيحيين، فيقول: "أن ما نعرفه من دليل مخطوطات العهد الجديد أن الكثير من نسَّاخ المسيحيين الأوائل كانوا مدربون جيدًا وطبعوا مهارتهم في إنتاج نصوص يمكن الاعتماد عليها للعهدين القديم والجديد... نحن نعرف أن هؤلاء النسَّاخ كانوا ذو ضمير حي في إنتاج نص يمكن الاعتماد عليه أثناء عملية النسخ كما في المخطوطات(P4, P64, P75) كما نعرف أيضًا أن آخرين عملوا على التخلص من العطب النصي في المخطوطات".
(Comfort Encountering the manuscripts: An Introduction to New Testament Ralcography & textual Criticism P. 263).(16)
12- الاختصارات Abbreviations: عدد الاختصارات في العهد الجديد لا توجد فيه مبالغة، فعددها (15) اختصارًا (اللَّه - رب - الروح القدس - الآب - سماء - إنسان - داود - إسرائيل أورشليم - يسوع - المسيح - ابن - مُخلِّص - مصلوب - أم)، وكلما كانت الاختصارات محدودة ومعروفة ومحفوظة كلما قلت أخطاء النساخة.
_____
(14) أورده فادي أليكساندر - المدخل إلى علم النقد النصي للعهد الجديد ص 632.
(15) المرشد العربي للنقد النصي للعهد الجديد ص 59، 60.
(16) المرشد العربي للنقد النصي للعهد الجديد ص 52، 53.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/465.html
تقصير الرابط:
tak.la/tyftn5w